الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت
أبو إسحاق العبسيّ، من أنفسهم كاتب القضاة بدمشق ونائبهم، أصله من سامراء.
سمع بغداد ومصر وبالس والرقة ودمشق وغيرها.
روى عن الحسن بن عرفة، بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكنّي مؤتمن؛ قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ قال: فأتيته بها، فمسح على ضرعها، فنزل اللّبن، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضّرع: اقلص فقلص: فأتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علّمني من هذا القول، قال: فمسح يده على رأسي، وقال: إنك لغليّم معلّم.
قال أبو بكر الخطيب: بلغني أن ابن أبي ثابت سكن دمشق ومات بها، وكان ثقة.
وقال أبو الحسين الرّازي: كان شيخاً جليلاً بدمشق يسأل عن المعدّلين، وأصله من العراق، سكن دمشق، تاجر نبيل، مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة، وزاد غيره: في شهر ربيع الآخر.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه
أبو القاسم الصّوفي الواعظ، النًصر آبادي، محلّة من محالّ نيسابور سمع بدمشق وبيروت ومصر ونيسابور وبغداد.
روى عن عبد الله بن محمد الشّرقي، بسنده عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح مقدّم رأسه حتى بلغ موضع القذال من مقدّم عنقه.
قال أبو عبد الرحمن السلّمي: شيخ المتصوّفة بنيسابور، له لسان الإشارة، مقروناً بالكتاب والسّنّة، يرجع إلى فنون من العلم كثيرة، منها: حفظ الحديث وفهمه، وعلم التواريخ، وعلم المعاملات، والإشارة.
قال أبو سعد الماليني: سمعت أبّا القاسم يقول: إذا أعطاكم حّباكم، وإذا لم يعطكم حماكم، فشتّان ما بين الحبا والحمى؛ فإذا حباك شغلك، وإذا حماك حملك.
وقال في معنى قوله تعالى " إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم " قال: بعلمي اشتريتهم وبحكمي أعتقتهم، فلا ينقص علمي حكمي، ولا ينقص حكمي علمي.
وقال: ليس للأولياء سؤال، إّنما هو الذّبول والخمود.
وقال: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء.
وسئل عن القوت، فقال: للنّفس قوت إذا أحرزت اطمأنّت، وللقلب قوت، وللسّرّ قوت، ولرّوح قوت؛ فقوت القلب الطمأنينة، وقوت السرّ الفكرة، وقوت الرّوح السّماع، لأنه صادر عن الحقّ وراجع إليه، والقوت في الحقيقة هو الله لأنه منه الكفايات؛ وأنشد يقول: من الطويل
إذا كنت قوت النّفس ثم هجرتها
…
فكم تلبث النّفس التي أنت قوتها
ستبقى بقاء الضّبّ في الماء أو كما
…
يعيش ببيداء المهامه حوتها
وقيل له: إن بعض النّاس يجالس النّسوان، ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ؛
فقال: ما دامت الأشباح باقيةً، فإن الأمر والنّهي باق، والتّحليل والتّحريم مخاطب بهما، ولن يجترئ على الشّبهات إلاّ من هو يعرض للمحرّمات.
وقال: ضعفت في البادية مرةً، فأيست من نفسي، فوقع بصري على القمر وكان ذلك بالنّهار فرأيت مكتوباً عليه:" فسيكفيكهم الله " فاستقللت، ففتح عليّ من ذلك الوقت هذا الحديث.
وقيل له: ليس لك من المحبة شيء؛ قال: صدقوا، ولكن لي حسراتهم، فهوذا أحترق فيه.
وقال: المحبة مجانبة السّلّو على كل حال، ثم أنشد يقول: من الطويل
ومن كان في طول الهوى ذاق سلوةً
…
فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكبر شيء نلته من وصالها
…
أمانيّ لم تصدق كلمحة بارق
وقال: مراعاة الأوقات من علامات التيقظ.
وقال: أنت متردّد بين صفات الفعل، وصفات الذّات، وكلاهما صفته على الحقيقة، فإذا هيّمك في مقام التفرقة قرّبك بصفات فعله، وإذا بلّغك مقام الجمع قرّبك بصفات ذاته.
وقال: التّقوى مثال الحقّ، قال الله تعالى:" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم ".
وقال: مواجيد الأرواح تظهر بركتها على الأسرار، ومواجيد القلوب تظهر بركتها على الأبدان.
قال أبو عبد الرحمن السّلمي: لمّا همّ الأستاذ أبو القاسم النّصر آبادي بالحجّ، وتهيأ له، خرجت معه إلى الحجّ سنة ستّ وستين وثلاثمئة، وكنت مع الأستاذ أي منزل نزلناه
أو بلدة دخلناها، يقول لي: قم حتى نسمع الحديث، وكان مع جلالته وكثرة ما عنده من العلم، يحمل المحبرة والبياض، ويحضر سماع الحديث، ويطلب أهله، وكان رحمه الله شديد الحرص على كتابته والحبّ له.
ولمّا دخلنا بغداد قال لي: قم بنا نذهب إلى أبي بكر بن مالك القطيعي رحمه الله، وكان عنده إسناد حسن، وكان له ورّاق قد أخذ من الحاجّ شيئاً ليقرأ لهم، وفي مجلسه خلق من الحاجّ وغيرهم؛ فلّما دخلنا عليه قعد الأستاذ ناحيةً من القوم، والورّاق يقرأ فأخطأ، فردّ عليه الأستاذ، فنظر إليه الورّاق شزراً، فأخطأ أيضاً في شيء، فردّ عليه أيضاً، فنظر الورّاق إليه شزراً؛ والبغداديون لا يحتملون من أهل خراسان أن يردّوا عليهم شيئاً، فلمّا كان في المرّة الثالثة ردّ عليه، قال الورّاق: يا رجل، إن كنت تحسن تقرأ فتعال فاقرأ! كالمستهزئ به فقام الأستاذ، وقال: تأخر قليلاً، فاخذ الجزء من يده، وأخذ يقرأ قراءةً تحيّر ابن مالك ومن حوله تعجّباً منه، حتى حان وقت الظهر.
قال: فسألني الورّاق: من هذا الرّجل؟ قلت: الأستاذ أبو القاسم النّص آبادي، فقام الورّاق وقال: أيّها النّاس، هذا شيخ خراسان أبو القاسم النّصرآبادي، وقد كتب الحديث ها هنا، وأقام ببغداد خمس عشرة سنةً؛ فقرأ في مجلس واحد ما كان يريد الورّاق أن يقرأه في خمسة أيام.
ولمّا دخلنا البادية كان كلّما نزل عن راحلته في سيره لا تفارقه المحبرة والمقلمة والبياض، فرأيته ونحن في رحل المفسر، وفي كمّه المحبرة والمقلمة والبياض والأجزاء، فقلت له: أيها الأستاذ، في هذا الموضع، والنّاس يخفّفون عن أنفسهم؟! فقال يا أبا عبد الرحمن، ربّما أسمع شيئاً من جمّال أو غيره حكمةً، أثبته كي لا أنسى.
قال: وكان في سنة من السنين قحط، فخرج النّاس إلى الاستسقاء، إلى المصلّى، فلّما ارتفع النّهار جاء غبار وريح وظلمة لا يستطيع أن يرى أحد من شدّة الغبار، ونحن مع الأستاذ أبي القاسم؛ فقال لنا الأستاذ: جئنا بأبدان مظلمة، وقلوب غافلة، ودعاء مثل الرّيح، فنحن نكيل ريحاً، فيكال علينا ريح.
فلّما كان الغد خرج وكان فقيراً ليس وراءه دنيا، ولكن له جاة عند النّاس، فدخل عليه أبناء الدّنيا وأخذ منهم شيئاً، وأمر بشراء بقرة، وكثير من لحم الغنم والأرزّ، وآلات الحلواء، وأمر منادياً في البلد: ألا من كان له حاجة في الخبز واللّحم والحلوى، فليمض غداً إلى المصلى.
وأمر بالمراجل حتى حملت إلى المصلّى؛ فلّما كان الغد خرجنا معه، وأمر بطبخ المرق والأرزّ والحلوى، وجاؤوا بخبز كثير، وجاء الفقراء من الرّجال والنّساء والصّبيان، وأكلوا وحملوا إلى وقت العصر؛ فلّما صلّينا العصر إذا هي قطعة سحاب، فقال لنا: شمّروا حتى نرجع؛ فجاء الحّمالون فأخذوا الآلات ورجعوا، وأصحابه معهم. وبقي هو وأنا معه، وهو صائم وأنا أيضاً لأجل موافقته، فرجعنا، فلّما بلغنا إلى محلّة جودي كان قريباً من صلاة المغرب، فمطرنا مطراً لا نستطيع المضيّ بحال، فطلبنا مسجداً فدخلناه، وجاء المطر كأفواه القرب، والمسجد يكف بالمطر، وفي جداره محراب، فدخل الأستاذ المحراب وصلينا، وأنا في زاوية في المسجد، وقال: لعلك جائع تريد أن أطلب من الأبواب كسرةً حتى تأكل؟ فقلت: معاذ الله، أنا ساكن، قال: غداً لناظريه قريب؛ وكان يترنم مع نفسه: من الكامل
خرجوا ليستسقوا فقلت لهم قفوا
…
دمعي ينوب لكم عن الأنواء
قالوا صدقت ففي دموعك مقنع
…
لو لم تكن ممزوجةً بدماء
وقلت في نفسي: ليتك لم تخرج إلى الاستسقاء حتى لم أبتل بما ابتليت به من الجوع والظما والبرد؛ ونمت في ناحية المسجد؛ فلّما كان الصّبح قال لي: قم يا أبا عبد الرحمن واطلب الماء وتطهّر حتى نصلّي ونخرج، فقمت وتوهّمت أنه قد تطهّر، فقلت: أين تطهّر الأستاذ؟ قال: ما تطهّرت؛ فخرجت وتطهّرت وصلّينا وخرجنا، وما نام ليلته، وصلّى على طهارة الأمس.
قال: ولمّا دخلنا مكة حرسها الله تعالى نظر إلى تلك المقبرة، فقال: