الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَسْكَنُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ، وَسَادَاتِ الْعَارِفِينَ، فَسُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ لَيْسَ عِلَّةً فِي عُبُودِيَّتِهِمْ، وَلَا قَدْحًا فِيهَا.
وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا ذِكْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي (كِتَابِ سَفَرِ الْهِجْرَتَيْنِ) عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى عِلَلِ الْمَقَامَاتِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ بِقَطْعِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ مَا أَعْطَاكَ شَيْئًا مُعَاوَضَةً، بَلْ إِنَّمَا أَعْطَاكَ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا، لَا لِعِوَضٍ يَرْجُوهُ مِنْكَ، كَمَا يَكُونُ عَطَاءُ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِيمَا مِنَ الْعَبْدِ، مِمَّا يُؤْمَرُ بِالتَّجَرُّدِ عَنْهُ، كَتَجَرُّدِهِ عَنِ التَّفْرِقَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ، فَهَذَا أَلْيَقُ الْمَعْنَيَيْنِ بِكَلَامِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ]
[أَقْسَامُ السَّمَاعِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ
وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ.
وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالنَّبَاتِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبُشْرَى لَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} [المائدة: 108] وَقَالَ {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] وَقَالَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} [النساء: 46] وَقَالَ {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17] وَقَالَ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَقَالَ
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83] .
وَجَعَلَ الْإِسْمَاعَ مِنْهُ وَالسَّمَاعَ مِنْهُمْ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ، وَعَدَمَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ، فَقَالَ {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] .
وَأَخْبَرَ عَنْ أَعْدَائِهِ أَنَّهُمْ هَجَرُوا السَّمَاعَ وَنَهَوْا عَنْهُ، فَقَالَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] .
فَالسَّمَاعُ رَسُولُ الْإِيمَانِ إِلَى الْقَلْبِ وَدَاعِيهِ وَمُعْلِمُهُ، وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ:{أَفَلَا يَسْمَعُونَ} [السجدة: 26] وَقَالَ {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46] الْآيَةَ.
فَالسَّمَاعُ أَصْلُ الْعَقْلِ، وَأَسَاسُ الْإِيمَانِ الَّذِي انْبَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ رَائِدُهُ وَجَلِيسُهُ وَوَزِيرُهُ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ كُلَّ الشَّأْنِ فِي الْمَسْمُوعِ، وَفِيهِ وَقَعَ خَبْطُ النَّاسِ وَاخْتِلَافُهُمْ، وَغَلِطَ مِنْهُمْ مَنْ غَلِطَ.
وَحَقِيقَةُ السَّمَاعِ تَنْبِيهُ الْقَلْبِ عَلَى مَعَانِي الْمَسْمُوعِ، وَتَحْرِيكُهُ عَنْهَا طَلَبًا وَهَرَبًا