الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَقِّهِمْ مُبَاحٌ مُتَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ، بَلْ كُلُّ أَعْمَالِهِمْ رَاجِحَةٌ، وَمَنْ دُونَهُمْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَاتِ مُشْتَغِلًا عَنْهَا بِالْعِبَادَاتِ، وَهَؤُلَاءِ يَأْتُونَهَا طَاعَاتٍ وَقُرُبَاتٍ، وَلِأَهْلِ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ دَرَجَاتٌ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ.
[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْعُبُودِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْتَبَةً]
[عِبَادَةُ الْقَلْبِ]
فَصْلٌ
وَرَحَى الْعُبُودِيَّةِ تَدُورُ عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ قَاعِدَةً، مَنْ كَمَّلَهَا كَمَّلَ مَرَاتِبَ الْعُبُودِيَّةِ.
وَبَيَانُهَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ، وَالْجَوَارِحِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا عُبُودِيَّةٌ تَخُصُّهُ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي لِلْعُبُودِيَّةِ خَمْسَةٌ: وَاجِبٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَحَرَامٌ، وَمَكْرُوهٌ، وَمُبَاحٌ، وَهِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ، وَالْجَوَارِحِ.
فَوَاجِبُ الْقَلْبِ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَالْمُتَّفَقُ عَلَى وُجُوبِهِ كَالْإِخْلَاصِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالْبِرِّ، وَالْإِنَابَةِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالتَّصْدِيقِ الْجَازِمِ، وَالنِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَهَذِهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ هُوَ إِفْرَادُ الْمَعْبُودِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَنِيَّةُ الْعِبَادَةِ لَهَا مَرْتَبَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: تَمْيِيزُ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ.
وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ.
وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْلَاصِ أَنَّ لِلْعَبْدِ مَطْلُوبًا وَطَلَبًا، فَالْإِخْلَاصُ تَوْحِيدُ مَطْلُوبِهِ، وَالصِّدْقُ تَوْحِيدُ طَلَبِهِ.
فَالْإِخْلَاصُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مُنْقَسِمًا، وَالصِّدْقُ: أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَبُ مُنْقَسِمًا، فَالصِّدْقُ بَذْلُ الْجُهْدِ، وَالْإِخْلَاصُ إِفْرَادُ الْمَطْلُوبِ.
وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
وَكَذَلِكَ النُّصْحُ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَمَدَارُ الدِّينِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَذْلُ الْجُهْدِ فِي إِيقَاعِ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْبُوبِ لِلرَّبِّ الْمَرْضِيِّ لَهُ، وَأَصْلُ هَذَا وَاجِبٌ، وَكَمَالُهُ مَرْتَبَةُ الْمُقَرَّبِينَ.
وَكَذَلِكَ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ لَهُ طَرَفَانِ، وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ، وَهُوَ مَرْتَبَةُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَكَمَالٌ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْمُقَرَّبِينَ.
وَكَذَلِكَ الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ذَكَرَ اللَّهُ الصَّبْرَ فِي تِسْعِينَ مَوْضِعًا مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ بِضْعًا وَتِسْعِينَ، وَلَهُ طَرَفَانِ أَيْضًا: وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ، وَكَمَالٌ مُسْتَحَبٌّ.
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالرِّضَا، فَإِنَّ فِي وُجُوبِهِ قَوْلَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، وَالْقَوْلَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ، فَمَنْ أَوْجَبَهُ قَالَ: السُّخْطُ حَرَامٌ، وَلَا خَلَاصَ عَنْهُ إِلَّا بِالرِّضَا، وَمَا لَا خَلَاصَ عَنِ الْحَرَامِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَاحْتَجُّوا بِأَثَرِ " مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا سِوَايَ ".
وَمَنْ قَالَ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ، قَالَ: لَمْ يَجِئِ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، بِخِلَافِ الصَّبْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ التَّوَكُّلُ، قَالَ {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84] وَأَمَرَ بِالْإِنَابَةِ، فَقَالَ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54] وَأَمَرَ بِالْإِخْلَاصِ كَقَوْلِهِ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ كَقَوْلِهِ {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] وَقَوْلِهِ {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150] وَقَوْلِهِ {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ، قَالَ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ، وَهِيَ أَفْرَضُ الْوَاجِبَاتِ، إِذْ هِيَ قَلْبُ الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَمُخُّهَا وَرُوحُهَا.
وَأَمَّا الرِّضَا فَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُ أَهْلِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، لَا الْأَمْرُ بِهِ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ فَإِسْرَائِيلِيٌّ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالُوا: وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ الرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ خَيْرًا كَثِيرًا» وَهُوَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ " لَا خَلَاصَ عَنِ السُّخْطِ إِلَّا بِهِ " فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، فَإِنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْمَقْدُورِ ثَلَاثَةٌ: الرِّضَا، وَهُوَ أَعْلَاهَا، وَالسُّخْطُ، وَهُوَ أَسْفَلُهَا، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ بِدُونِ الرِّضَا بِهِ، وَهُوَ أَوْسَطُهَا، فَالْأُولَى لِلْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ، وَالثَّالِثَةُ لِلْمُقْتَصِدِينَ، وَالثَّانِيَةُ
لِلظَّالِمِينَ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَصْبِرُ عَلَى الْمَقْدُورِ فَلَا يَسْخَطُ، وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ، فَالرِّضَا أَمْرٌ آخَرُ.
وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ اجْتِمَاعُ الرِّضَا مَعَ التَّأَلُّمِ، وَظَنَّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ، فَالْمَرِيضُ الشَّارِبُ لِلدَّوَاءِ الْكَرِيهِ مُتَأَلِّمٌ بِهِ رَاضٍ بِهِ، وَالصَّائِمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مُتَأَلِّمٌ بِصَوْمِهِ رَاضٍ بِهِ، وَالْبَخِيلُ مُتَأَلِّمٌ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ رَاضٍ بِهَا، فَالتَّأَلُّمُ كَمَا لَا يُنَافِي الصَّبْرَ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِهِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الرِّضَا بِقَضَائِهِ الْكَوْنِيِّ، وَأَمَّا الرِّضَا بِهِ رَبًّا وَإلَهًا، وَالرِّضَا بِأَمْرِهِ الدِّينِيِّ فَمُتَّفَقٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، بَلْ لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُسْلِمًا إِلَّا بِهَذَا الرِّضَا أَنْ يَرْضَى بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا.
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَسْوَاسُ فِي صَلَاتِهِ، فَأَوْجَبَهَا ابْنُ حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَائِهِ، وَلَمْ يُوجِبْهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ مَعَ قَوْلِهِ «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صِلَاتِهِ، فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» وَلَكِنْ لَا نِزَاعَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ حُضُورِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْعَبْدَ لِيَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ إِلَّا نِصْفُهَا، ثُلْثُهَا، رُبْعُهَا حَتَّى بَلَغَ عُشْرَهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا، فَلَيْسَتْ صَحِيحَةً بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ كَمَالِ مَقْصُودِهَا عَلَيْهَا، وَإِنْ سُمِّيَتْ صَحِيحَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يُعَلَّقَ لَفْظُ الصِّحَّةِ عَلَيْهَا، فَيُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فَاعِلُهَا.
وَالْقَصْدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَهَا وَمُسْتَحَبَّهَا هِيَ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ، فَمَنْ عَطَّلَهَا فَقَدْ عَطَّلَ عُبُودِيَّةَ الْمَلِكِ، وَإِنْ قَامَ بِعُبُودِيَّةِ رَعِيَّتِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ قَائِمًا بِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، هُوَ وَرَعِيَّتُهُ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي عَلَيْهِ: فَالْكِبْرُ، وَالرِّيَاءُ، وَالْعُجْبُ، وَالْحَسَدُ، وَالْغَفْلَةُ، وَالنِّفَاقُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: كُفْرٌ، وَمَعْصِيَةٌ:
فَالْكُفْرُ: كَالشَّكِّ، وَالنِّفَاقِ، وَالشِّرْكِ، وَتَوَابِعِهَا.
وَالْمَعْصِيَةُ نَوْعَانِ: كَبَائِرُ، وَصَغَائِرُ.
فَالْكَبَائِرُ: كَالرِّيَاءِ، وَالْعُجْبِ، وَالْكِبْرِ، وَالْفَخْرِ، وَالْخُيَلَاءِ، وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِأَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَالشَّمَاتَةِ بِمُصِيبَتِهِمْ، وَمَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِيهِمْ، وَحَسَدِهِمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَتَمَنِّي زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَتَوَابِعِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا لِلْجَسَدِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهَا، وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ قَلْبٌ فَاسِدٌ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ.
وَهَذِهِ الْآفَاتُ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْجَهْلِ بِعُبُودِيَّةِ الْقَلْبِ، وَتَرْكِ الْقِيَامِ بِهَا.
فَوَظِيفَةُ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " عَلَى الْقَلْبِ قَبْلَ الْجَوَارِحِ، فَإِذَا جَهِلَهَا وَتَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا امْتَلَأَ بِأَضْدَادِهَا وَلَا بُدَّ، وَبِحَسَبِ قِيَامِهِ بِهَا يَتَخَلَّصُ مِنْ أَضْدَادِهَا.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَنَحْوُهَا قَدْ تَكُونُ صَغَائِرَ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ تَكُونُ كَبَائِرَ، بِحَسَبِ قُوَّتِهَا وَغِلَظِهَا، وَخِفَّتِهَا وَدِقَّتِهَا.
وَمِنَ الصَّغَائِرِ أَيْضًا: شَهْوَةُ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَمَنِّيهَا، وَتَفَاوُتُ دَرَجَاتِ الشَّهْوَةِ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْمُشْتَهَى، فَشَهْوَةُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُفْرٌ، وَشَهْوَةُ الْبِدْعَةِ فِسْقٌ، وَشَهْوَةُ الْكَبَائِرِ مَعْصِيَةٌ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا أُثِيبَ، وَإِنْ تَرَكَهَا عَجْزًا بَعْدَ بَذْلِهِ مَقْدُورِهِ فِي تَحْصِيلِهَا اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْفَاعِلِ، لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ فِي أَحْكَامِ الثَّوَابِ