المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل مراتب الذل والخضوع] - مدارج السالكين - ط الكتاب العربي - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[هِدَايَةُ الْقُرْآنِ]

- ‌[اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ]

- ‌[فَصْلٌ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ]

- ‌[فَصْلٌ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ رَفِيقُ طَالِبِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَّمَ اللَّهُ عِبَادَهُ كَيْفِيَّةَ سُؤَالِهِ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِمُفْرَدِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى]

- ‌[فَصْلٌ ارْتِبَاطُ الْخَلْقِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ بَعْدَ الْحَمْدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ]

- ‌[الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى تَكْلِيمُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَرْتَبَةُ الْوَحْيِ الْمُخْتَصِّ بِالْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ إِرْسَالُ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ إِلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ مَرْتَبَةُ التَّحْدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ مَرْتَبَةُ الْإِفْهَامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ مَرْتَبَةُ الْبَيَانِ الْعَامِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ السَّابِعَةُ الْبَيَانُ الْخَاصُّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الثَّامِنَةُ مَرْتَبَةُ الْإِسْمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ التَّاسِعَةُ مَرْتَبَةُ الْإِلْهَامِ]

- ‌[الْإِلْهَامُ هُوَ مَقَامُ الْمُحَدِّثِينَ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْإِلْهَامِ]

- ‌[الدَّرَجَةُ الْأُولَى نَبَأٌ يَقَعُ وَحْيًا قَاطِعًا مَقْرُونًا بِسَمَاعٍ]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ إِلْهَامٌ يَقَعُ عِيَانًا]

- ‌[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ إِلْهَامٌ يَجْلُو عَيْنَ التَّحْقِيقِ صَرْفًا]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الْعَاشِرَةُ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْشِفَاءَيْنِ شِفَاءِ الْقُلُوبِ وَشِفَاءِ الْأَبْدَانِ]

- ‌[اشْتِمَالُهَا عَلَى شِفَاءِ الْقُلُوبِ]

- ‌[تَضَمُّنُهَا لِشِفَاءِ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ الْمُبْطِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ]

- ‌[الْمُجْمَلُ]

- ‌[فَصْلُ الْمُفَصَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْمُقِرُّونَ بِالرَّبِّ سبحانه وتعالى أَنَّهُ صَانِعُ الْعَالَمِ نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُثْبِتُونَ لِلْخَالِقِ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَضَمُّنِهَا الرَّدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مُعَطِّلَةِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَضَمُّنِهَا الرَّدَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَتِ النُّبُوَّاتُ وَالرِّسَالَةُ ثَبَتَتْ صِفَةُ التَّكَلُّمِ وَالتَّكْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ سِرُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالشَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُتَحَقِّقًا بِإيَّاكَ نَعْبُدُ إِلَّا بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ وَالْإِخْلَاصِ وَأَقْسَامُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ]

- ‌[مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ وَلَا مُتَابَعَةَ]

- ‌[مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَنْ أَعْمَالُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ لَكِنَّهَا لِغَيْرِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَهْلُ مَقَامِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لَهُمْ فِي أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَأَنْفَعِهَا وَأَحَقِّهَا بِالْإِيثَارِ وَالتَّخْصِيصِ أَرْبَعُ طُرُقٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْفَعَةُ الْعِبَادَةِ وَحِكْمَتُهَا وَمَقْصُودُهَا وَانْقِسَامُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ]

- ‌[نُفَاةُ التَّعْلِيلِ]

- ‌[الْقَدَرِيَّةُ الْنُفَاةُ]

- ‌[الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ فَائِدَةَ الْعِبَادَةِ رِيَاضَةُ النُّفُوسِ]

- ‌[الطَّائِفَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ سِرُّ الْعُبُودِيَّةِ وَغَايَتُهَا وَحِكْمَتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ بِنَاءُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ]

- ‌[فَصْلٌ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ إِلَى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْعُبُودِيَّةَ وَصْفَ أَكْمَلِ خَلْقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُزُومِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِكُلِّ عَبْدٍ إِلَى الْمَوْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ عِلْمًا وَعَمَلًا]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْعُبُودِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْتَبَةً]

- ‌[عِبَادَةُ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ عِبَادَةُ اللِّسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ عِبَادَةُ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنَازِلِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ]

- ‌[مَنْزِلَةُ الْيَقَظَةِ]

- ‌[مَنْزِلَةُ الْبَصِيرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَصْدُ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَزْمُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفِكْرَةُ]

- ‌[مُرَادُ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَنَاءُ أَقْسَامُهُ وَمَرَاتِبُهُ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْبَابُ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ الْفَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَنَاءُ وَمَهَالِكُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُحَاسَبَةِ]

- ‌[مِنْ مَنْزِلَةِ الْمُحَاسَبَةِ يَصِحُّ لَهُ نُزُولُ مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْمُحَاسَبَةِ]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُقَايَسَةُ بَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا لِلَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّانِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الرِّضَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّعْيِيرُ بِالْمَعْصِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّوْبَةِ]

- ‌[وُجُوبُ التَّوْبَةِ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[شَرَائِطُ التَّوْبَةِ]

- ‌[حَقَائِقُ التَّوْبَةِ وَعَلَامَةُ قَبُولِهَا]

- ‌[فَصْلٌ أَعْذَارُ الْخَلِيقَةِ مِنْهَا مَحْمُودٌ وَمِنْهَا مَذْمُومٌ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ حَقَائِقِ التَّوْبَةِ طَلَبُ أَعْذَارِ الْخَلِيقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَفْعُ الْقَدَرِ بِالْقَدَرِ]

- ‌[فَصْلٌ سَرَائِرُ حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْبَةُ مِنَ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ لِطَائِفُ أَسْرَارِ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرُ الْعَبْدِ فِي الذَّنْبِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْسَانٌ لِبَعْضِ الْأَفْعَالِ وَاسْتِقْبَاحٌ لِبَعْضِهَا]

- ‌[فَصْلٌ دَلَالَةُ الْفِعْلِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ غَلَطُ السَّالِكِينَ فِي الْفَرْقِ الطَّبِيعِيِّ وَالشَّرْعِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ زَعَمَ سُقُوطَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَامُ بِأَمْرِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَمَكُّنُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ فِي الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْأَوْسَاطِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْخَوَاصِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَقَامُ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ فَرْضٌ]

- ‌[التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِغْفَارُ]

- ‌[فَصْلٌ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْبَةُ الْعَبْدِ بَيْنَ تَوْبَتَيْنِ مِنْ رَبِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَبْدَأُ التَّوْبَةِ وَمُنْتَهَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ الذُّنُوبُ صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلُ اللَّمَمِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحْوَالُ الَّتِي تَكُونُ مَعَهَا الْكَبِيرَةُ صَغِيرَةً وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[فَصْلٌ قُوَّةُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ الَّتِي يُسَامَحُ صَاحِبُهَا بِمَا لَا يُسَامَحُ بِهِ غَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَجْنَاسِ مَا يُتَابُ مِنْهُ]

- ‌[الْكُفْرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفْرُ الْأَكْبَرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْجُحُودُ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ]

- ‌[فَصْلٌ الشِّرْكُ نَوْعَانِ أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ]

- ‌[فَصْلُ النِّفَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفُسُوقُ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يَضْمَنُ السَّارِقُ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِثْمُ وَالْعُدْوَانُ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكَرُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ]

- ‌[فَصْلٌ وَمِنْ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُقُوقُ الْعِبَادِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ مِنْ ذُنُوبٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ تَابَ الْقَاتِلُ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ فَقُتِلَ قِصَاصًا هَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمَقْتُولِ حَقٌّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَشَاهِدِ الْخَلْقِ فِي الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[مَشَاهِدُ الْخَلْقِ فِي الْمَعْصِيَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْأَوَّلُ مَشْهَدُ الْحَيَوَانِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّانِي مِنْ مَشَاهِدِ الْخَلْقِ فِي الْمَعْصِيَةِ مَشْهَدُ رُسُومِ الطَّبِيعَةِ وَلَوَازِمِ الْخِلْقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّالِثُ مَشْهَدُ أَصْحَابِ الْجَبْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الرَّابِعُ مَشْهَدُ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْخَامِسُ وَهُوَ أَحَدُ مَشَاهِدِ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ مَشْهَدُ الْحِكْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ السَّادِسُ مَشْهَدُ التَّوْحِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ السَّابِعُ مَشْهَدُ التَّوْفِيقِ وَالْخِذْلَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الثَّامِنُ مَشْهَدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ التَّاسِعُ مَشْهَدُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَعَدُّدِ شَوَاهِدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدُ الْعَاشِرُ مَشْهَدُ الرَّحْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدَ الْحَادِيَ عَشَرَ مَشْهَدُ الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدِ الثَّانِي عَشَرَ مَشْهَدُ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ وَالْخُضُوعِ وَالِافْتِقَارِ لِلرَّبِّ جل جلاله]

- ‌[فَصْلٌ الْمَشْهَدِ الثَّالِثَ عَشَرَ مَشْهَدُ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ وَالِابْتِهَاجِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِنَابَةِ]

- ‌[مَعْنَى الْإِنَابَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَامَاتُ الْإِنَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّذَكُّرِ]

- ‌[أَقْسَامُ النَّاسِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ تُجْتَنَى ثَمَرَةُ الْفِكْرَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ فَوَائِدُ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَأَمُّلِ مَعَانِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ آثَارُ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الْمُفْسِدُ الْأَوَّلُ كَثْرَةُ الْخُلْطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُفْسِدُ الثَّانِي مِنْ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ رُكُوبُهُ بَحْرَ التَّمَنِّي]

- ‌[فَصْلٌ الْمُفْسِدُ الثَّالِثُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ التَّعَلُّقُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ الْمُفْسِدُ الرَّابِعُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ الطَّعَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُفْسِدُ الْخَامِسُ كَثْرَةُ النَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الِاعْتِصَامِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْفِرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرِّيَاضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ]

- ‌[أَقْسَامُ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ السَّمَاعُ الَّذِي يَمْدَحُهُ اللَّهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيَكْرَهُهُ مِنَ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ تَحْكِيمُ الْوَحْيِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَذْوَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ دَرَجَاتُ السَّمَاعِ الثَّلَاثُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْحُزْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِشْفَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْخُشُوعِ]

الفصل: ‌[فصل مراتب الذل والخضوع]

فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأُمِّ: لَا تَحْمِلْنِي بِمَعْصِيَتِكَ لِي عَلَى خِلَافِ مَا جُبِلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ.

وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا» وَأَيْنَ تَقَعُ رَحْمَةُ الْوَالِدَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؟

فَإِذَا أَغْضَبَهُ الْعَبْدُ بِمَعْصِيَتِهِ فَقَدِ اسْتَدْعَى مِنْهُ صَرْفَ تِلْكَ الرَّحْمَةِ عَنْهُ، فَإِذَا تَابَ إِلَيْهِ فَقَدِ اسْتَدْعَى مِنْهُ مَا هُوَ أَهْلُهُ وَأَوْلَى بِهِ.

فَهَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ تُطْلِعُكَ عَلَى سِرِّ فَرَحِ اللَّهِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ هَذَا الْوَاجِدِ لِرَاحِلَتِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ، بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا.

وَوَرَاءَ هَذَا مَا تَجْفُو عَنْهُ الْعِبَارَةُ، وَتَدِقُّ عَنْ إِدْرَاكِهِ الْأَذْهَانُ.

وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَةَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْزِلٌ ذَمِيمٌ، وَمَرْتَعٌ عَلَى عِلَّاتِهِ وَخِيمٌ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَجِدَ رَوَائِحَ هَذَا الْأَمْرِ وَنَفْسَهُ، لِأَنَّ زُكَامَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ مُفْسِدٌ لِحَاسَّةِ الشَّمِّ، كَمَا هُوَ مُفْسِدٌ لِحَاسَّةِ الذَّوْقِ، فَلَا يَذُوقُ طَعْمَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَجِدُ رِيحَهُ، وَالْمَحْرُومُ كُلُّ الْمَحْرُومِ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْغِنَى وَالْخَيْرُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

[فَصْلٌ مَرَاتِبُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ]

فَصْلٌ

هَذَا إِذَا نَظَرْتَ إِلَى تَعَلُّقِ الْفَرَحِ الْإِلَهِيِّ بِالْإِحْسَانِ وَالْجُودِ وَالْبِرِّ.

وَأَمَّا إِنْ لَاحَظْتَ تَعَلُّقَهُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَكَوْنِهِ مَعْبُودًا فَذَاكَ مَشْهَدٌ أَجَلُّ مِنْ هَذَا وَأَعْظَمُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُهُ خَوَاصُّ الْمُحِبِّينَ.

فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ الْجَامِعَةِ لِمَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَطَاعَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهُوَ غَايَةُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَنَفْيُهُ - كَمَا يَقُولُ أَعْدَاؤُهُ - هُوَ الْبَاطِلُ، وَالْعَبَثُ الَّذِي نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْهُ، وَهُوَ السُّدَى الَّذِي نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْبَدَ وَيُطَاعَ وَلَا يَعْبَأُ بِخَلْقِهِ شَيْئًا لَوْلَا مَحَبَّتُهُمْ لَهُ، وَطَاعَتُهُمْ لَهُ، وَدُعَاؤُهُمْ لَهُ.

ص: 230

وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَوْ خُلِقُوا لِغَيْرِ عِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ لَكَانَ خَلْقُهُمْ عَبَثًا وَبَاطِلًا وَسُدًى، وَذَلِكَ مِمَّا يَتَعَالَى عَنْهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَالْإِلَهُ الْحَقُّ، فَإِذَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَمَّا خُلِقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، وَعَنِ الْغَايَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا خُلِقَتِ الْخَلِيقَةُ، وَصَارَ كَأَنَّهُ خُلِقَ عَبَثًا لِغَيْرِ شَيْءٍ، إِذْ لَمْ تُخْرِجْ أَرْضُهُ الْبَذْرَ الَّذِي وُضِعَ فِيهَا، بَلْ قَلَبَتْهُ شَوْكًا وَدَغَلًا، فَإِذَا رَاجَعَ مَا خُلِقَ لَهُ وَأُوجِدَ لِأَجْلِهِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَى خَالِقِهِ وَفَاطِرِهِ، وَرَجَعَ إِلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا، وَخَرَجَ عَنْ مَعْنَى الْعَبَثِ وَالسُّدَى وَالْبَاطِلِ، فَاشْتَدَّتْ مَحَبَّةُ الرَّبِّ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، فَأَوْجَبَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ فَرَحًا كَأَعْظَمِ مَا يُقْدَرُ مِنَ الْفَرَحِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْفَرَحِ الْمَشْهُودِ فِي هَذَا الْعَالَمِ نَوْعٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَذَكَرَهُ، وَلَكِنْ لَا فَرْحَةَ أَعْظَمُ مِنْ فَرْحَةِ هَذَا الْوَاجِدِ الْفَاقِدِ لِمَادَّةِ حَيَاتِهِ وَبَلَاغِهِ فِي سَفَرِهِ، بَعْدَ إِيَاسِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ بِفَقْدِهِ، وَهَذَا كَشِدَّةِ مَحَبَّتِهِ لِتَوْبَةِ التَّائِبِ الْمُحِبِّ إِذَا اشْتَدَّتْ مَحَبَّتُهُ لِلشَّيْءِ وَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ وَصَارَ طَوْعَ يَدِهِ، فَلَا فَرْحَةَ أَعْظَمُ مِنْ فَرْحَتِهِ بِهِ.

فَمَا الظَّنُّ بِمَحْبُوبٍ لَكَ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، أَسَرَهُ عَدُوُّكَ، وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَدُوَّ سَيَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ، وَيُعَرِّضُهُ لِأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَهُوَ غَرْسُكَ وَتَرْبِيَتُكَ، ثُمَّ إِنَّهُ انْفَلَتَ مِنْ عَدُوِّهِ، وَوَافَاكَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَلَمْ يَفْجَأْكَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى بَابِكَ، يَتَمَلَّقُكَ وَيَتَرَضَّاكَ وَيَسْتَعِينُكَ، وَيُمَرِّغُ خَدَّيْهِ عَلَى تُرَابِ أَعِتَابِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ فَرَحُكَ بِهِ، وَقَدِ اخْتَصَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَرَضِيتَهُ لِقُرْبِكَ، وَآثَرْتَهُ عَلَى سِوَاهُ؟

هَذَا، وَلَسْتَ الَّذِي أَوْجَدْتَهُ وَخَلَقْتَهُ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيْهِ نِعَمَكَ، وَاللَّهُ عز وجل هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ عَبْدَهُ، وَخَلَقَهُ وَكَوَّنَهُ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ مُظْهِرًا لِنِعَمِهِ، قَابِلًا لَهَا، شَاكِرًا لَهَا، مُحِبًّا لِوَلِيِّهَا، مُطِيعًا لَهُ عَابِدًا لَهُ، مُعَادِيًا لِعَدُوِّهِ، مُبْغِضًا لَهُ عَاصِيًا لَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ مُعَادَاةَ عَدُوِّهِ، وَمَعْصِيَتَهُ وَمُخَالَفَتَهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ مَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ وَيُطِيعَهُ وَيَعْبُدَهُ، فَتَنْضَافُ مَحَبَّتُهُ لِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، إِلَى مَحَبَّتِهِ لِعَدَاوَةِ عَدُوِّهِ، وَمَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، فَتَشْتَدُّ الْمَحَبَّةُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، مَعَ حُصُولِ مَحْبُوبِهِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرَحِ.

وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ " عَبْدِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي " وَهَذَا لِكَمَالِ مَحَبَّتِهِ لَهُ، جَعَلَهُ مِمَّا تُسَرُّ نَفْسُهُ بِهِ سُبْحَانَهُ.

وَمِنْ هَذَا ضَحِكُهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عَبْدِهِ، حِينَ يَأْتِي مِنْ عُبُودِيَّتِهِ بِأَعْظَمِ مَا يُحِبُّهُ،

ص: 231

فَيَضْحَكُ سُبْحَانَهُ فَرَحًا وَرِضًا، كَمَا يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَفِرَاشِهِ وَمُضَاجَعَةِ حَبِيبِهِ إِلَى خِدْمَتِهِ، يَتْلُو آيَاتِهِ وَيَتَمَلَّقُهُ.

وَيَضْحَكُ مِنْ رَجُلٍ هَرَبَ أَصْحَابُهُ عَنِ الْعَدُوِّ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، وَبَاعَ نَفْسَهُ لِلَّهِ وَلَقَاهُمْ نَحْرَهُ، حَتَّى قُتِلَ فِي مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ.

وَيَضْحَكُ إِلَى مَنْ أَخْفَى الصَّدَقَةَ عَنْ أَصْحَابِهِ لِسَائِلٍ اعْتَرَضَهُمْ فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَتَخَلَّفَ بِأَعْقَابِهِمْ وَأَعْطَاهُ سِرًّا، حَيْثُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاهُ، فَهَذَا الضَّحِكُ مِنْهُ حُبًّا لَهُ، وَفَرَحًا بِهِ، وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حِينَ يَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضْحَكُ إِلَيْهِ فَرَحًا بِهِ وَبِقُدُومِهِ عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَحْذُورٌ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ فَرَحٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَضَحِكٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ، فَالْبَابُ بَابٌ وَاحِدٌ، لَا تَمْثِيلَ وَلَا تَعْطِيلَ.

وَلَيْسَ مَا يُلْزَمُ بِهِ الْمُعَطِّلُ الْمُثْبِتُ إِلَّا ظُلْمٌ مَحْضٌ، وَتَنَاقُضٌ وَتَلَاعُبٌ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ لَازِمًا لَلَزِمَ رَحْمَتَهُ وَإِرَادَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَعِلْمَهُ وَسَائِرَ صِفَاتِهِ، فَكَيْفَ جَاءَ هَذَا اللُّزُومُ لِهَذِهِ الصِّفَةِ دُونَ الْأُخْرَى؟ وَهَلْ يَجِدُ ذُو عَقْلٍ إِلَى الْفَرْقِ سَبِيلًا؟ فَمَا ثَمَّ إِلَّا التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ الْمُطْلَقُ، أَوِ الْإِثْبَاتُ الْمُطْلَقُ لِكُلِّ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَرْضَاهُ الْمُحَصِّلُونَ.

قَوْلُهُ الثَّانِي: أَنْ يُقِيمَ عَلَى عَبْدِهِ حُجَّةَ عَدْلِهِ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَنْبِهِ بِحُجَّتِهِ.

اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِقِيَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ، أَطَاعَ أَمْ عَصَى، فَإِنَّ حُجَّةَ اللَّهِ قَامَتْ عَلَى الْعَبْدِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ، وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ، وَبُلُوغِ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَتَمَكُّنِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ، سَوَاءً عَلِمَ أَمْ جَهِلَ، فَكُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَقَصَّرَ عَنْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَاقَبَهُ عَلَى ذَنْبِهِ عَاقَبَهُ بِحُجَّتِهِ عَلَى ظُلْمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وَقَالَ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ - قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8 - 9]

ص: 232

وَقَالَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] .

وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمٍ مِنْهُمْ، الثَّانِي: مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمٍ مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُمْ مُصْلِحُونَ الْآنَ، أَيْ إِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَصْلَحُوا وَتَابُوا، لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ بِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنَ الظُّلْمِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ فِي إِهْلَاكِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُمْ وَهُمْ مُصْلِحُونَ! وَإِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ وَهُمْ ظَالِمُونَ، فَهُمُ الظَّالِمُونَ لِمُخَالَفَتِهِمْ، وَهُوَ الْعَادِلُ فِي إِهْلَاكِهِمْ، وَالْقَوْلَانِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ أَيْضًا {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131] .

قِيلَ: لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَهُمْ بِظُلْمِهِمْ، وَشِرْكِهِمْ وَهُمْ غَافِلُونَ، لَمْ يُنْذَرُوا وَلَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ.

وَقِيلَ: لَمْ يُهْلِكْهُمْ قَبْلَ التَّذْكِيرِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ، فَيَكُونُ قَدْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا وَلَا يُعَاقِبُهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُذْنِبًا إِذَا خَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالرُّسُلِ.

فَإِذَا شَاهَدَ الْعَبْدُ الْقَدَرَ السَّابِقَ بِالذَّنْبِ، عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَهُ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِأَثَرِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، كَمَا قَدَّرَ الطَّاعَةَ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِلثَّوَابِ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ سَائِرِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَجَعْلِ السُّمِّ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَالنَّارِ سَبَبًا لِلْإِحْرَاقِ، وَالْمَاءِ سَبَبًا لِلْإِغْرَاقِ.

فَإِذَا أَقْدَمَ الْعَبْدُ عَلَى سَبَبِ الْهَلَاكِ - وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ سَبَبُ الْهَلَاكِ - فَهَلَكَ فَالْحُجَّةُ مُرَكَّبَةٌ عَلَيْهِ، وَالْمُؤَاخَذَةُ لَازِمَةٌ لَهُ، كَالْحَرِيقِ مَثَلًا، وَالذَّنْبُ كَالنَّارِ، وَإِتْيَانُهُ لَهُ كَتَقْدِيمِهِ نَفْسَهُ لِلنَّارِ، وَمُلَاحَظَةُ الْحُكْمِ فِيمَا لَا يُجْدِي عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا الَّذِي يَشْهَدُهُ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ مُلَاحَظَةُ الْأَمْرِ، لَا مُلَاحَظَةُ الْقَدَرِ.

فَجَعْلُ صَاحِبِ الْمَنَازِلِ هَذِهِ اللَّطِيفَةَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجِنَايَةِ وَالْقَضِيَّةِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، بَلْ هُوَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجِنَايَةِ وَالْأَمْرِ، لَكِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ سِرَّ التَّقْدِيرِ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لَا

ص: 233

يَصْلُحُ إِلَّا لِلْوَقُودِ، كَالشَّوْكِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلنَّارِ، وَالشَّجَرَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الثَّمَرِ وَالشَّوْكِ، فَاقْتَضَى عَدْلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسُوقَ هَذَا الْعَبْدَ إِلَى مَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ، وَأَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حُجَّةَ عَدْلِهِ، فَإِنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ الذَّنْبَ فَوَاقَعَهُ، فَاسْتَحَقَّ مَا خُلِقَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ - لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 69 - 70] .

فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ: حَيٌّ قَابِلٌ لِلِانْتِفَاعِ، يَقْبَلُ الْإِنْذَارَ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَمَيِّتٌ لَا يَقْبَلُ الْإِنْذَارَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، لِأَنَّ أَرْضَهُ غَيْرُ زَاكِيَةٍ وَلَا قَابِلَةٍ لِخَيْرٍ الْبَتَّةَ، فَيَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ، وَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، لَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْهُدَى وَالْإِيمَانِ، بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ وَلَا فَاعِلٍ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ غَيْرَ قَابِلٍ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالرَّسُولِ، إِذْ لَوْ عَذَّبَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لَقَالَ: لَوْ جَاءَنِي رَسُولٌ مِنْكَ لَامْتَثَلْتُ أَمْرَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَعَصَى الرَّسُولَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْهُدَى، فَعُوقِبَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاعِلٍ، فَحَقَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَوْ جَاءَهُ الرَّسُولُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 33] ، وَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 6] .

فَالْكَلِمَةُ الَّتِي حَقَّتْ كَلِمَتَانِ: كَلِمَةُ الْإِضْلَالِ، وَكَلِمَةُ الْعَذَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71] وَكَلِمَتُهُ سُبْحَانَهُ، إِنَّمَا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، فَحَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ حُجَّتِهِ، وَكَلِمَةُ عَدْلِهِ بِعُقُوبَتِهِ.

وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، أَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَكُونُوا مَعَ مُرَادِهِ الدِّينِيِّ مِنْهُمْ، لَا مَعَ مُرَادِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَهْلُ طَاعَتِهِ آثَرُوا اللَّهَ وَمُرَادَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ، فَاسْتَحَقُّوا كَرَامَتَهُ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ آثَرُوا مُرَادَهُمْ عَلَى مُرَادِهِ، وَعَلِمَ سُبْحَانَهُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْثِرُونَ مُرَادَهُ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمُرَادَهُمْ، فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، فَظَهَرَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنَ الْقَدَرِ الَّذِي قَدَّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِيثَارِهِمْ هَوَى أَنْفُسِهِمْ وَمُرَادِهِمْ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ وَمُرَادِهِ، فَقَامَتْ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ حُجَّةُ عَدْلِهِ، فَعَاقَبَهُمْ بِظُلْمِهِمْ.

ص: 234