الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأُبِيحَ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا حَرَكَةُ اللِّسَانِ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَضَرَّةً، فَتَأَمَّلْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَتَحَرَّكُ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مُبَاحَةٌ مُسْتَوِيَةُ الطَّرَفَيْنِ، فَيَكُونُ حُكْمُ حَرَكَتِهِ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
قِيلَ: حَرَكَتُهُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا رَاجِحَةٌ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا مَرْجُوحَةٌ لَا تُفِيدُهُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ لَا لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ، كَانَتْ حَرَكَةُ اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ، إِذِ الْوَسَائِلُ تَابِعَةٌ لِلْمَقْصُودِ فِي الْحُكْمِ.
قِيلَ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُبَاحًا، بَلْ وَاجِبًا، وَوَسِيلَتُهُ مَكْرُوهَةٌ كَالْوَفَاءِ بِالطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ هُوَ وَاجِبٌ، مَعَ أَنَّ وَسِيلَتَهُ وَهُوَ النَّذْرُ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْحَلِفُ الْمَكْرُوهُ مَرْجُوحٌ، مَعَ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ أَوِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ سُؤَالُ الْخَلْقِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَكْرُوهٌ، وَيُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَا أَخْرَجَتْهُ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، فَقَدْ تَكُونُ الْوَسِيلَةُ مُتَضَمِّنَةً مَفْسَدَةً تُكْرَهُ أَوْ تُحَرَّمُ لِأَجْلِهَا، وَمَا جُعِلَتْ وَسِيلَةً إِلَيْهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ.
[فَصْلٌ عِبَادَةُ الْجَوَارِحِ]
وَأَمَّا الْعُبُودِيَّاتُ الْخَمْسُ عَلَى الْجَوَارِحِ فَعَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مَرْتَبَةً أَيْضًا، إِذِ الْحَوَاسُّ خَمْسَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَاسَّةٍ خَمْسُ عُبُودِيَاتٍ.
فَعَلَى السَّمْعِ وُجُوبُ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ لِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ، مِنَ اسْتِمَاعِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَفُرُوضِهِمَا، وَكَذَلِكَ اسْتِمَاعُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَهَرَ بِهَا الْإِمَامُ، وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ لِلْجُمْعَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُ الْكُفْرِ وَالْبِدَعِ، إِلَّا حَيْثُ يَكُونُ فِي اسْتِمَاعِهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ مِنْ رَدِّهِ، أَوِ الشَّهَادَةِ عَلَى قَائِلِهِ، أَوْ زِيَادَةِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ بِمَعْرِفَةِ ضِدِّهِمَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَاسْتِمَاعِ أَسْرَارِ مَنْ يَهْرُبُ عَنْكَ بِسِرِّهِ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ يُطْلِعَكَ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَضَمِّنًا لَحِقَّ لِلَّهِ يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، أَوْ لِأَذَى مُسْلِمٍ يَتَعَيَّنُ نُصْحُهُ، وَتَحْذِيرُهُ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ اسْتِمَاعُ أَصْوَاتِ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ الَّتِي تُخْشَى الْفِتْنَةُ بِأَصْوَاتِهِنَّ، إِذَا لَمْ تَدْعُ
إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ شَهَادَةٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ، أَوِ اسْتِفْتَاءٍ، أَوْ مُحَاكَمَةٍ، أَوْ مُدَاوَاةٍ وَنَحْوِهَا.
وَكَذَلِكَ اسْتِمَاعُ الْمَعَازِفِ، وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَاللَّهْوِ، كَالْعُودِ وَالُنْبُورِ وَالْيَرَاعِ وَنَحْوَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَدُّ أُذُنِهِ إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ اسْتِمَاعَهُ، إِلَّا إِذَا خَافَ السُّكُونَ إِلَيْهِ وَالْإِنْصَاتَ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ لِتَجَنُّبِ سَمَاعِهَا وُجُوبُ سَدِّ الذَّرَائِعِ.
وَنَظِيرُ هَذَا الْمُحْرِمُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَعَمُّدُ شَمِّ الطَّيبِ، وَإِذَا حَمَلَتِ الرِّيحُ رَائِحَتَهُ وَأَلْقَتْهَا فِي مَشَامِّهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَدُّ أَنْفِهِ.
وَنَظِيرُ هَذَا نَظْرَةُ الْفُجَاءَةِ لَا تَحْرُمُ عَلَى النَّاظِرِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظْرَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا تَعَمَّدَهَا.
وَأَمَّا السَّمْعُ الْمُسْتَحَبُّ فَكَاسْتِمَاعِ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْعِلْمِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، وَاسْتِمَاعِ كُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ.
وَالْمَكْرُوهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا يُكْرَهُ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ.
وَالْمُبَاحُ ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا النَّظَرُ الْوَاجِبُ: فَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ عِنْدَ تَعَيُّنِ تَعَلُّمِ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَالنَّظَرُ إِذَا تَعَيَّنَ لِتَمْيِيزِ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي يَأْكُلُهَا أَوْ يُنْفِقُهَا أَوْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي يُؤَدِّيهَا إِلَى أَرْبَابِهَا لِيُمَيِّزَ بَيْنَهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالنَّظَرُ الْحَرَامُ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ بِشَهْوَةٍ مُطْلَقًا، وَبِغَيْرِهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ، كَنَظَرِ الْخَاطِبِ، وَالْمُسْتَامِ وَالْمَعَامِلِ، وَالشَّاهِدِ، وَالْحَاكِمِ، وَالطَّبِيبِ، وَذِي الْمَحْرَمِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ النَّظَرُ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ الَّتِي يَزْدَادُ بِهَا الرَّجُلُ إِيمَانًا وَعِلْمًا، وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَوُجُوهِ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ وَالْوَالِدَيْنِ، وَالنَّظَرُ فِي آيَاتِ اللَّهِ الْمَشْهُودَةِ لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَوْحِيدِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَالْمَكْرُوهُ فُضُولُ النَّظَرِ الَّذِي لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَإِنَّ لَهُ فُضُولًا كَمَا لِلِّسَانِ فُضُولًا، وَكَمْ قَادَ فُضُولُهَا إِلَى فُضُولٍ عَزَّ التَّخَلُّصُ مِنْهَا، وَأَعْيَى دَوَاؤُهَا، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانُوا يَكْرَهُونَ فُضُولَ النَّظَرِ، كَمَا يَكْرَهُونَ فُضُولَ الْكَلَامِ.
وَالْمُبَاحُ النَّظَرُ الَّذِي لَا مَضَرَّةَ فِيهِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَلَا مَنْفَعَةَ.
وَمِنَ النَّظَرِ الْحَرَامِ: النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَاتِ، وَهِيَ قِسْمَانِ:
عَوْرَةٌ وَرَاءَ الثِّيَابِ، وَعَوْرَةٌ وَرَاءَ الْأَبْوَابِ.
وَلَوْ نَظَرَ فِي الْعَوْرَةِ الَّتِي وَرَاءَ الْأَبْوَابِ فَرَمَاهُ صَاحِبُ الْعَوْرَةِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَذَهَبَتْ هَدْرًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ ضَعَفَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ، أَوْ تَأَوَّلَهُ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاظِرِ سَبَبٌ يُبَاحُ النَّظَرُ لِأَجْلِهِ، كَعَوْرَةٍ لَهُ هُنَاكَ يَنْظُرُهَا، أَوْ رِيبَةٍ هُوَ مَأْمُورٌ أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الذَّوْقُ: الْوَاجِبُ فَتَنَاوُلُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَخَوْفِ الْمَوْتِ، فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ، مَاتَ عَاصِيًا قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَطَاوُسٌ: مَنِ اِضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ، دَخَلَ النَّارَ.
وَمِنْ هَذَا تَنَاوُلُ الدَّوَاءِ إِذَا تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ ظَنَّ الشِّفَاءَ بِهِ، فَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ مُبَاحٌ، أَوِ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَالذَّوْقُ الْحَرَامُ: كَذَوْقِ الْخَمْرِ، وَالسُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، وَالذَّوْقِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ لِلصَّوْمِ الْوَاجِبِ.
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ: فَكَذَوْقِ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَالْأَكْلِ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَذَوْقِ طَعَامِ الْفُجَاءَةِ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي تَفَجَّأَ آكِلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَيْهِ، وَكَأَكْلِ أَطْعِمَةِ الْمُرَائِينَ فِي الْوَلَائِمِ وَالدَّعَوَاتِ وَنَحْوِهَا، وَفِي السُّنَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِينَ» ، وَذَوْقُ طَعَامِ مَنْ يُطْعِمُكَ حَيَاءً مِنْكَ لَا بِطِيبَةِ نَفْسٍ.
وَالذَّوْقُ الْمُسْتَحَبُّ: أَكْلُ مَا يُعِينُكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل، مِمَّا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ، وَالْأَكْلُ مَعَ الضَّيْفِ لِيَطِيبَ لَهُ الْأَكْلُ، فَيَنَالَ مِنْهُ غَرَضَهُ، وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الْوَاجِبِ إِجَابَتُهَا أَوِ الْمُسْتَحَبِّ.
وَقَدْ أَوْجَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْأَكْلَ مِنَ الْوَلِيمَةِ الْوَاجِبِ إِجَابَتُهَا لِلْأَمْرِ بِهِ عَنِ الشَّارِعِ.
وَالذَّوْقُ الْمُبَاحُ: مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْمٌ وَلَا رُجْحَانٌ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْعُبُودِيَّاتِ الْخَمْسِ بِحَاسَّةِ الشَّمِّ، فَالشَّمُّ الْوَاجِبُ: كُلُّ شَمٍّ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، كَالشَّمِّ الَّذِي تُعْلَمُ بِهِ هَذِهِ الْعَيْنُ هَلْ هِيَ خَبِيثَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ؟ وَهَلْ هِيَ سُمٌّ قَاتِلٌ أَوْ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ؟ أَوْ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَمَا لَا يَمْلِكُ؟ وَمِنْ هَذَا شَمُّ الْمُقَوِّمِ، وَرَبِّ الْخِبْرَةِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِالتَّقْوِيمِ، وَشَمُّ الْعَبِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الشَّمُّ الْحَرَامُ: فَالتَّعَمُّدُ لِشَمِّ الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ، وَشَمِّ الطِّيبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ، وَتَعَمُّدُ شَمِّ الطِّيبِ مِنَ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِمَا وَرَاءَهُ.
وَأَمَّا الشَّمُّ الْمُسْتَحَبُّ: فَشَمُّ مَا يُعِينُكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُقَوِّي الْحَوَاسَّ، وَيَبْسُطُ النَّفْسَ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَمِنْ هَذَا هَدِيَّةُ الطِّيبِ وَالرَّيْحَانِ إِذَا أُهْدِيَتْ لَكَ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ» .
وَالْمَكْرُوهُ: كَشَمِّ طِيَبِ الظَّلَمَةِ، وَأَصْحَابِ الشُّبُهَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْمُبَاحُ: مَا لَا مَنْعَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ وَلَا تَبِعَةَ، وَلَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، وَلَا تَعَلُّقُ لَهُ بِالشَّرْعِ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِحَاسَّةِ اللَّمْسِ: فَاللَّمْسُ الْوَاجِبُ كَلَمْسِ الزَّوْجَةِ حِينَ يَجِبُ جِمَاعُهَا، وَالْأَمَةِ الْوَاجِبِ إِعْفَافُهَا.
وَالْحَرَامُ: لَمْسُ مَا لَا يَحِلُّ مِنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ: إِذَا كَانَ فِيهِ غَضُّ بَصَرِهِ، وَكَفُّ نَفْسِهِ عَنِ الْحَرَامِ، وَإِعْفَافُ أَهْلِهِ.
وَالْمَكْرُوهُ: لَمْسُ الزَّوْجَةِ فِي الْإِحْرَامِ لِلَذَّةٍ، وَكَذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَفِي الصِّيَامِ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ.
وَمِنْ هَذَا لَمْسُ بَدَنِ الْمَيِّتِ لِغَيْرِ غَاسِلِهِ لِأَنَّ بَدَنَهُ قَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ عَوْرَةِ الْحَيِّ تَكْرِيمًا لَهُ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ عَنِ الْعُيُونِ وَتَغْسِيلُهُ فِي قَمِيصِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْسُ فَخْذِ الرَّجُلِ إِذَا قُلْنَا هِيَ عَوْرَةٌ.
وَالْمُبَاحُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ.
وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ أَيْضًا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْبَطْشِ بِالْيَدِ، وَالْمَشْيِ بِالرِّجْلِ، وَأَمْثِلَتُهَا لَا تَخْفَى.
فَالتَّكَسُّبُ الْمَقْدُورُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَاجِبٌ، وَفِي وُجُوبِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ لِيُمَكِّنَهُ مِنْ أَدَاءِ دَيْنِهِ، وَلَا يَجِبُ لِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَفِي وُجُوبِهِ لِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ نَظَرٌ، وَالْأَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَجُوبُهُ لِدُخُولِهِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَتَمَكُّنِهِ بِذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ النُّسُكِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ وُجُوبِهِ.
وَمِنَ الْبَطْشِ الْوَاجِبِ: إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَمُبَاشَرَةُ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ.
وَالْحَرَامُ: كَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا، وَنَهْبُ الْمَالِ الْمَعْصُومِ، وَضَرْبُ مِنْ لَا يَحِلُّ ضَرْبُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَأَنْوَاعِ اللَّعِبِ الْمُحَرَّمِ بِالنَّصِّ كَالنَّرْدِ، أَوْ مَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَالشِّطْرَنْجِ، أَوْ مِثْلِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيث كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَوْ دُونَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَنَحْوِ كِتَابَةِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ تَصْنِيفًا أَوْ نَسْخًا، إِلَّا مَقْرُونًا بِرَدِّهَا وَنَقْضِهَا، وَكِتَابَةِ الزُّورِ وَالظُّلْمِ، وَالْحُكْمِ الْجَائِرِ، وَالْقَذْفِ وَالتَّشْبِيبِ بِالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ، وَكِتَابَةِ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ، وَلَاسِيَّمَا إِنْ كَسَبْتَ عَلَيْهِ مَالًا {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79] وَكَذَلِكَ كِتَابَةُ الْمُفْتِي عَلَى الْفَتْوَى مَا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا، فَالْإِثْمُ مَوْضُوعٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَالْعَبَثِ وَاللَّعِبِ الَّذِي لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَكِتَابَةِ مَا لَا فَائِدَةَ فِي كِتَابَتِهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ كِتَابَةُ كُلِّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الدِّينِ، أَوْ مَصْلَحَةٌ لِمُسْلِمٍ، وَالْإِحْسَانُ بِيَدِهِ بِأَنْ يَعِينَ صَانِعًا، أَوْ يَصْنَعَ لِأَخْرَقَ، أَوْ يُفْرِغَ مِنْ دَلْوِهِ فِي دَلْوِ الْمُسْتَسْقِي، أَوْ يَحْمِلَ لَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، أَوْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهَا، أَوْ يُعَاوِنَهُ بِيَدِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْهُ لَمْسُ
الرُّكْنِ بِيَدِهِ فِي الطَّوَافِ، وَفِي تَقْبِيلِهَا بَعْدَ اللَّمْسِ قَوْلَانِ.
وَالْمُبَاحُ مَا لَا مَضَرَةَ فِيهِ وَلَا ثَوَابَ.
وَأَمَّا الْمَشْيُ الْوَاجِبُ: فَالْمَشْيُ إِلَى الْجُمْعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ دَلِيلًا مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَشْيُ حَوْلَ الْبَيْتِ لِلطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَالْمَشْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَرْكُوبِهِ، وَالْمَشْيُ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ، وَالْمَشْيُ إِلَى صِلَةِ رَحِمِهِ، وَبِرِّ وَالِدَيْهِ، وَالْمَشْيُ إِلَى مَجَالِسِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ طَلَبُهُ وَتَعَلُّمُهُ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْحَجِّ إِذَا قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ.
وَالْحَرَامُ: الْمَشْيُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ رَجِلِ الشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِرُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ، فَكُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
وَكَذَلِكَ تَتَعَلَّقُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسُ بِالرُّكُوبِ أَيْضًا.
فَوَاجِبُهُ فِي الرُّكُوبِ فِي الْغَزْوِ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ.
وَمُسْتَحَبُّهُ فِي الرُّكُوبِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْ ذَلِكَ، وَلِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَفِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ نِزَاعٌ هَلِ الرُّكُوبُ فِيهِ أَفْضَلُ، أَمْ عَلَى الْأَرْضِ؟ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ إِذَا تَضَمَّنَ مَصْلَحَةً مِنْ تَعْلِيمٍ لِلْمَنَاسِكِ، وَاقْتِدَاءٍ بِهِ، وَكَانَ أَعْوَنَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ.
وَحَرَامُهُ: الرُّكُوبُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل.
وَمَكْرُوهُهُ الرُّكُوبُ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَكُلُّ مَا تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ.
وَمُبَاحُهُ الرُّكُوبُ لِمَا لَمْ يَتَضَمَّنْ فَوْتَ أَجْرٍ، وَلَا تَحْصِيلَ وِزْرٍ.
فَهَذِهِ خَمْسُونَ مَرْتَبَةً عَلَى عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: الْقَلْبُ، وَاللِّسَانُ، وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْأَنْفُ، وَالْفَمُ، وَالْيَدُ، وَالرِّجْلُ، وَالْفَرْجُ، وَالِاسْتِوَاءُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ.