الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم خمسمائة حديث وستة وثمانين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر
(1)
، هذا بخلاف فتاويه وتعليمه للناس.
يقول النووي: «وأما علمه، فكان من العلوم بالمحل العالي»
(2)
.
•
علاقته بالخلفاء الراشدين، ومكانته في أيامهم
وخلافتهم:
أوَّلاً: عليٌّ مع أبي بكر الصدِّيق
رضي الله عنهما:
وردت عِدَّةُ أخبار في شأن تأخر علي عن مبايعة أبي بكر الصديق، وجُلُّ هذه الأخبار ليست صحيحة، وفي المقابل جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن عليًا بايع الصديق في أول الأمر، ومن ذلك: ما جاء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: «لما تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار .... ، فذكر بيعة السقيفة، ثم قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 345).
(2)
المصدر السابق.
صلَّى الله عليه وسلَّم وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه»
(1)
.
(2)
.
ووقف عليٌّ بعد ذلك بجوار أبي بكر الخليفة في حروبه ضد المرتدِّين، يساند ويؤازر وينصح، ويتجلَّى نصحه وصدقه يوم أراد
(1)
إسناده صحيح: أخرجه الحاكم (كتاب معرفة الصحابة، باب من فضائل أبي بكر، رقم 4457) والبيهقي =
= (كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش، 8/ 143)، وصحّح إسناده الحافظ ابن كثير، كما سيأتي لاحقا.
ومما يدل على أهمية هذا الحديث وصحته، ما أسنده البيهقي عقبه، من أن الإمام مسلم بن الحجاج - صاحب الجامع الصحيح - ذهب إلى محمد بن إسحاق بن خزيمة - صاحب صحيح ابن خزيمة- فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث يساوي بدنة؟! إنه يساوي بدرة. ا. هـ وإسناد هذه القصة صحيح.
والبدنة: هي الناقة أو البقرة التي تنحر بمكة، وسمِّيت بدنة لعظمها وضخامتها.
والبدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف دينار، والمعنى: أنه كنز ثمين.
(2)
البداية والنهاية (8/ 92).
الصدِّيق أن يخرج بنفسه لقتال المرتدِّين، فوقف له عليٌّ، وأخذ بزمام فرسه، وقال له:«إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «شم سيفك، ولا تفجعنا بنفسك» . وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا». فرجع، وأمضى الجيش
(1)
.
وكان عليٌّ يعرف لأبي بكر فضله، فيقدِّمه على نفسه، وهذا بصريح قوله لا بقول أحد غيره، ومن ذلك: أن ابنه محمد بن الحنفية قال له يوما: يا أبت، أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:«أبو بكر» ، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر» ، وخشيتُ أن يقول عثمان، قُلتُ: ثُمَّ أنت؟ قال: «ما أنا
إلا رجل من المسلمين»
(2)
.
وفي المقابل: كان أبو بكر يعرف لعلي ولآل البيت فضلهم، فينزلهم منزلتهم، ويقدرهم قدرهم، ومن ذلك: أن أبا بكر رضي الله عنه صلَّى
(1)
أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر، والساجي من حديث عائشة؛ كما في البداية والنهاية (9/ 466). وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا»، رقم 3671).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 385) عن هذا الحديث: أنه مما استفاض وتواتر عن عليّ، وتوعَّد عليٌ بجلد المفتري من يفضله عليه - أي: على أبي بكر -.ا. هـ
العصر يوما، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال:«بأبي، شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي» . وعلي رضي الله عنه يضحك
(1)
.
وظلَّت هذه العلاقة من المودة والإخاء، والمحبة والتقدير بينهما حتى لحق الصدِّيق بربه، واستخلف عُمَرَ من بعده.
ثانياً: عليٌ مع عمر بن بن الخطاب رضي الله عنهما:
على درب الصدق والنصح والإخاء الذي سار عليه مع الصدِّيق، سار عليٌّ مع عمر بن الخطاب. وفي المقابل أيضا: كانت لعلي منزلته العالية عند الفاروق عمر، كما كانت عند أبي بكر.
يقول ابن الجوزي عن عليّ: «كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرا إلى علمه، وكان عمر يقول: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن»
(2)
.
ولذلك جعله عمر من مجلس مشورته، وتراجع مرات عن رأيه، آخذا برأي علي، حينما تبيَّن له صحته، ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أُتِيَ بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم عليٌّ، رضي الله عنه، فقال:«ما هذه؟» قالوا: زنت فأمر عمر
(1)
أخرجه البخاري (كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 3542، وباب مناقب الحسن والحسين، رقم 3750) عن عقبة بن الحارث.
(2)
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/ 68).
برجمها، فانتزعها عليٌّ من أيديهم وردَّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال:«ما ردَّكم؟» قالوا: ردَّنا عليٌّ، قال:«ما فعل هذا عليٌّ إلا لشيء قد علمه» ، فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال:«ما لك رددتَ هؤلاء؟» قال: «أما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل؟» قال: «بلى» ، قال عليٌّ:«فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها» ، فقال عمر:«لا أدري» ، قال:«وأنا لا أدري» . فلم يرجمها
(1)
.
وفي المقابل: كان عليٌّ يعرف لعمر فضله، ويقدِّمه على نفسه، وقد مر معنا في علاقته بأبي بكر، أنه لما سُئِلَ: أيُّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر» ، قِيل له: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ عمر»
(2)
.
ولمَّا طُعن عمر، رضي الله عنه، كان عليٌّ من أشد الناس حزنا عليه، وثناءً عليه، يقول عبدالله بن عباس: «وُضِع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه
(3)
الناس يدعون ويُثنون ويُصلُّون عليه، قبل أن يُرفع،
(1)
صحيح بمجموع طرقه: أخرجه أحمد (1/ 154 رقم 1328) وغيره، وانظر تتمة تخريجه في حاشية المُسنَد هناك.
(2)
تقدَّم تخريجه.
(3)
أي: أحاطوا به.