المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - نسبته إلى الغلو في محبة آل البيت: - مرويات فضائل علي بن أبي طالب في المستدرك

[أحمد الجابري]

فهرس الكتاب

- ‌المُقدِّمة

- ‌عملي في هذا الكتاب:

- ‌الباب الأول: تمهيد البحث

- ‌الفصل الأول، ويشتمل على مبحثين

- ‌ اسمُهُ ونَسَبُه:

- ‌ كُنْيتُه:

- ‌مَوْلِدُه:

- ‌ صِفَتُه:

- ‌ إِسْلامُه:

- ‌ أزواجه وأولاده:

- ‌ جِهادُه ونَشْرُه للدين:

- ‌ علاقته بالخلفاء الراشدين، ومكانته في أيامهم

- ‌أوَّلاً: عليٌّ مع أبي بكر الصدِّيق

- ‌ثالثاً: عليٌ مع عُثمان بن عفَّان

- ‌ تلخيص لما حدث في معركة الجمل

- ‌ تلخيصٌ لما حدث في معركة صِفِّين

- ‌ معركة النَّهْرَوَان

- ‌ مَقْتَلُ عليِّ بن أبي طالب

- ‌ مناقب ه

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الفِرَقِ في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وموقف أهل السنة منه

- ‌القسم الأول: المُفْرِطون في محبة علي وآل بيته

- ‌القسم الثالث: المعتدلون المتوسِّطون في محبة عليٍّ وآل بيته

- ‌الفصل الثانيويشتمل على مبحثين

- ‌المبحث الأول: تَرْجمةُ الحاكِم

- ‌ اسمُهُ وكُنْيتُه:

- ‌ طَلَبُه للعلم وجُهُودُه في حِفظ السُنَّة:

- ‌أوَّلاً: عِلمُه بالقراءات:

- ‌ثانياً: عِلمُه بالفِقه:

- ‌ثالثاً: رَحَلاتُه:

- ‌رابعاً: شُيُوخُه:

- ‌خامساً: تَلامِيذُه:

- ‌سادساً: مُصَنَّفاتُه:

- ‌ وفاته:

- ‌ ما أُخِذَ عليه:

- ‌1 - نسبته إلى الغلو في محبة آل البيت:

- ‌2 - تساهله وكثرة أوهامه في المُستَدرَك:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالمُستَدرَك

- ‌أوَّلاً: سبب التأليف:

- ‌ثانياً: موضوع الكتاب:

- ‌ أقسام أحاديث المُستَدرَك:

- ‌ ما أُلِّف حول المُستَدرَك:

- ‌مُسْنَدُأَنَس بنِ مَالِك

- ‌مسند الحسن بن علي بن أبي طالب

- ‌مُسْنَدُ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصِيْب رضي الله عنه

- ‌مُسْنَدُ جابر بن عبدالله

- ‌مُسْنَدُ حذيفة بن اليمان

- ‌مُسْنَدُ زيد بن أرقم

- ‌مُسْنَدُ سعد بن أبي وقاص

- ‌مُسْنَدُ سلمان الفارسي

- ‌مُسْنَدُ عبدالله بن أبي أوفى

- ‌مُسْنَدُ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب

- ‌مُسْنَدُ عبدالله بن عباس

- ‌مُسْنَدُ عبدالله بن عمر

- ‌مُسْنَدُ عبدالله بن مسعود

- ‌مُسْنَدُ علي بن أبي طالب

- ‌مُسْنَدُ عمار بن ياسر

- ‌مُسْنَدُ عمران بن حصين

- ‌مُسْنَدُ عمرو بن شاس الأسلمي

- ‌مُسْنَدُ مِينَاءَ بْنِ أَبِي مِينَاءَ

- ‌مُسْنَدُ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيّ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

- ‌مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ

- ‌مُسْنَدُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ

- ‌مُسْنَدُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ

- ‌جريدة المصادر والمراجع

الفصل: ‌1 - نسبته إلى الغلو في محبة آل البيت:

وقال الذَّهبيّ: «روى أبو موسى المديني: أن الحاكِم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج، وقال: آه. وقُبِضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودُفن بعد العصر يوم الأربعاء، وصلَّى عليه القاضي

أبو بكر الحيري.

قال الحسن بن أشعث القرشي: رأيت الحاكِم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول: النجاة. فقُلتُ له: أيها الحاكِم! في ماذا؟ قال: في كِتْبَة الحديث»

(1)

.

•‌

‌ ما أُخِذَ عليه:

مع اعتراف العلماء للحاكم بالفضل والمكانة في علوم الحديث، إلا أنه طُعِن فيه ببعض الأمور التي لا بُدَّ من بيانها، ومن أهمها:

‌1 - نسبته إلى الغلو في محبة آل البيت:

قال الخطيب: «كان ابن البَيِّع يميل إلى التشيُّع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن مُحمَّد الأرموي بنَيْسابُور، وكان شيخا صالحا فاضلا عالما، قال: جمع الحاكِم أبو عبدالله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها: حديث

(1)

سير أعلام النبلاء (17/ 164 - 178).

ص: 99

«الطائر»

(1)

، و «من كنت مولاه فعلى مولاه»

(2)

؛ فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوَّبوه في فعله»

(3)

.

قال ابن السُبكي - بعد ذكره لهذا الكلام -: «الخطيب ثقة ضابط، فتأملتُ - مع ما في النفس من الحاكِم من تخريجه حديث «الطير» في المُستَدرَك، وإن كان خرَّج أشياء غير موضوعة لا تعلق لها بتشيُّع ولا غيره - فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده مَيْلٌ إلي علي رضي الله عنه، يزيد على الميل الذي يُطلب شرعاً، ولا أقول: إنه ينتهي إلى أن يضع من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإني رأيته في كتابه «الأربعين» عقد باباً لتفصيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، واختصهم من بين الصحابة، وقدَّم في المُستَدرَك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما،

، وأنا أُجوُّز أن يكون الخطيب إنما يعني بالميل إلى ذلك، ولذلك حكم بأن الحاكِم ثقة، ولو كان يعتقد فيه رفضا لجرحه به، لا سيما على مذهب من يرى رد

رواية المبتدع مطلقا، فكلام الخطيب عندنا يُقرِّب من الصواب»

(4)

.

(1)

حديث الطائر، أو الطير، يأتي تخريجه والكلام عليه إن شاء الله في مُسنَد أنس بن مالك، برقم (4650).

(2)

يأتي تخريجه والكلام عليه إن شاء الله في مُسنَد زيد بن أرقم، برقم (4576).

(3)

تاريخ بغداد (3/ 509).

(4)

طبقات الشافعية الكبرى (4/ 167).

ص: 100

وقال الذَّهبيّ: «كان من بحور العلم على تشيُّع قليل فيه»

(1)

.

وقال أيضا: «قال أبو نعيم الحداد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبدالرحمن الشاذياخي الحاكِم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسُئِل أبو عبدالله الحاكِم عن حديث الطير؛ فقال: لا يصح، ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم» .

قال الذهبي مُعلِّقا: «فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المُستَدرَك؟ فكأنه اختلف اجتهاده» .

وقال: «أنبأني أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر: أنه سأل أبا إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي، عن أبي عبدالله الحاكِم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.

قُلتُ (الذَّهبيّ): كلا ليس هو رافضيا، بل يتشيُّع

(2)

.

قال ابن طاهر: قد سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن مستدرك الحاكِم ذُكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم، يُستدرَك عليهما حديث الطير! فبلغ ذلك الحاكِم، فأخرج الحديث من الكتاب.

(1)

سير أعلام النبلاء (17/ 165).

(2)

قال ابن عبدالهادي في طبقات علماء الحديث (3/ 242): الحاكم ليس برافضي، وهو مُعَظِّم للشيخين، بل هو شيعي فقط. ا. هـ

ص: 101

قُلتُ (الذَّهبيّ): هذه حكاية منقطعة، بل لم تقع فإن الحاكِم إنما ألَّف المُستَدرَك في أواخر عمره بعد موت الدارقطني بمدة

(1)

، وحديث الطير في الكتاب لم يُحوَّل منه، بل هو أيضا في جامع الترمذي.

قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطير جمع الحاكِم بخطه في جزء ضخم، فكتبته للتعجب.

وقال ابن طاهر أيضا: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنُّنَ في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا، عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح

(1)

قال الشيخ سعد الحميد في مناهج المحدثين (ص: 178): قد أدهشني قول الذهبي: «ألف الحاكم المستدرك بعد وفاة الدارقطني بمدة» ، والدارقطني-رحمه الله-توفي سنة 385 هـ. وهذا الذي ذكره الذهبي هو الذي جري عليه الحافظ ابن حجر، حين قال معتذرا عن الحاكم:«إنه ألف المستدرك علي كبر سنه في أواخر عمره» .

ولكن في الافتتاحية التي افتتح بها الحاكم «المستدرك» يقول الراوي للمستدرك عن الحاكم: إن الحاكم أملي علينا في سنة 373 هـ، ففي هذه السنة لم يكن الحاكم في أواخر عمره، إنما كان عمره نحو خمسين عامًا، وهذا عمر معقول جداً، فهذه السن تعتبر منتهي القوة، فلم يكن ألفه -كما يقال- في أواخر عمره بعد ما ضعفت قواه.

فعلى كل حال- إما أن يكون الذهبي وابن حجر لم يطلعا علي تاريخ إملاء الحاكم رحمه الله لهذا الكتاب، وإما أن يكون ما ذكر في النسخة خطأ، والعلم عند الله جلَّ وعلا. اهـ

وقال الدكتور عبدالله مراد في كتابه تعليقات على ما صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي (ص: 26) - بعد ذكره لكلام الحافظ -: لكن بدأ الحاكم كما في الصفحة الأولى من المجلد الأول إملاء الكتاب في المحرم سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، فهذا يعارض ما تقدم، وهذا قبل موته بثلاث وثلاثين سنة، لكن لا مانع إن طالت مدة التصنيف، فلم يتم الكتاب إلا في آخر عمره، فأعجلته المنية قبل أن ينقح الكتاب. والله أعلم

ص: 102

سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبدالرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكِم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبدالله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج. فقُلتُ له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا، لاسترحت من المحنة. فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي»

(1)

.

قال ابن السُبكي: «الغالب على ظني أنَّ ما عُزِي إلى أبي عبدالرحمن السُّلَمِي كذبٌ عليه، ولم يبلغنا أن الحاكِم ينال من معاوية ولا يُظنُّ ذلك فيه، وغاية ما قيل فيه: الإفراط في ولاء علي رضي الله عنه، ومقام الحاكِم عندنا أجلُّ من ذلك»

(2)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده لحديث الطير-: «تشيُّعه و تشيُّع أمثاله من أهل العلم بالحديث، كالنسائي، وابن عبد البرِّ، و أمثالهما؛ لا يبلغ إلى تفضيله عليّ على أبي بكر و عمر، فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما، بل غاية المتشيُّع منهم أن يفضله على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله، و نحو ذلك، لأن علماء الحديث قد عصمهم و قيدهم ما يعرفون من الأحاديث

(1)

سير أعلام النبلاء (17/ 174 - 176).

(2)

طبقات الشافعية الكبرى (4/ 163).

ص: 103

الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفَّض ممن له نوع اشتغال

بالحديث، كابن عقدة، و أمثاله، فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات، والموضوعات، لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين»

(1)

.

يتلخَّصُ مما سبق أن أهم الأسباب التي دعت بعض العلماء إلى وصف الحاكِم بالتشيُّع أو الرفض؛ هي:

1 -

عدم ذكره لبعض خصوم علي من الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، في كتاب «معرفة مناقب الصحابة» من المُستَدرَك، كمعاوية.

2 -

إخراجه لبعض الأحاديث التي فيها نصرة للمذهب الشيعي، وتساهله في تصحيحها؛ مثل: حديث «الطير» ، وغيره من الأحاديث.

فهذان السببان من أهم الأسباب التي دعت إلى وصف الحاكِم بالتشيُّع أو الرفض.

ويمكن مناقشتهما فيما يلي:

أوَّلاً: أما موقفه من خصوم علي من الصحابة رضي الله عنهم: فليس على إطلاقه، وإنما هذا مختص بمعاوية رضي الله عنه، وإلا فإنه قد

(1)

منهاج السنة النبوية (7/ 264).

ص: 104

أفرد مناقب عمرو بن العاص، وطلحة، والزبير، وعائشة، رضي الله عنهم، ولم ينتقصهم بحرف.

فدلَّ هذا على أن الرجل متبع للأثر، ولعله لم يحضره شيء من الأحاديث التي يرى أنها تصح في فضل معاوية رضي الله عنه، وإلا فإن عَمْرا وطلحة والزبير ممن قاتلوا علياً، رضي الله عنهم، كما قاتله معاوية.

ولو أخذنا من موقفه من معاوية رضي الله عنه حُكماً، لما أمكن أن يتجاوز وصفه بالتشيُّع القليل الذي كان عند طائفة من أهل السنة، كما هو الحال عند متقدمي أهل الكوفة، بل هو أحسن حالاً من كثير ممن نُسب إلى التشيُّع القليل من أهل السنة، فإن أولئك كانوا يقدمون علياً على عثمان، وأما الحاكِم فإنه قدم عثمان على علي، فذكر أوَّلاً فضائل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين.

ثانياً: وأما بالنسبة للأحاديث التي تساهل في تصحيحها في فضائل علي رضي الله عنه، كحديث الطير وغيره؛ فلا يمكن أن يوصف الحاكِم بالرفض من خلالها.

ويمكن النظر في هذه الأحاديث من جهتين، وهما:

أ- تساهله في تصحيح هذه الأحاديث، يقابله تساهله في تصحيح أحاديث موضوعة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم،

ص: 105

بل هو متساهل في تصحيح بعض الأحاديث الموضوعة في سائر الكتاب.

قال ابن السُبكي- بعد ذكره للأحاديث الضعيفة التي أخرجها الحاكِم في فضائل الخلفاء الثلاثة -: «وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان، مع ما في بعضها من الاستدراك عليه، وذكر فضائل طلحة، والزبير، وعبدالله بن عمرو بن العاص، فقد غلب على الظن أنه ليس فيه - ولله الحمد - شيء مما يُستنكَر عليه، إفراطٌ في مَيْلٍ لا ينتهي إلى بدعة»

(1)

.

وقال المعلّمي: «لا أرى الذنب للتشيُّع؛ فإنه يتساهل في فضائل بقية الصحابة كالشيخين وغيرهما»

(2)

.

ب- بالنسبة للأحاديث التي اشتُهِر عن الحاكِم تصحيحها كحديث الطير؛ فإن الحاكِم مجتهد، واجتهاده هذا أدّاه إلى تصحيح مثل هذه الأحاديث، ووافقه على ذلك أئمة آخرون، وبعضهم توقَّف فيها.

(1)

طبقات الشافعية الكبرى (4/ 168).

(2)

التنكيل (2/ 691).

ص: 106

فحديث الطير: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» ، هو من أبرز الأحاديث التي تُكلِّم في الحاكِم بسببها؛ وخلاصته أن عليا رضي الله عنه هو من تحققت فيه الدعوة.

وظاهره أنه أحب إلى الله من سائر الأنبياء، بل من النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن كونه أحب من أبي بكر وعمر وعثمان ومن سائر صحابة النبي رضي الله عنهم أجمعين.

هذا الحديث لم ينفرد الحاكِم بتصحيحه، بل سبقه إلى ذلك ابن جرير الطبري، شيخ المُفسِّرين، وله فيه مُؤلَّف.

وقال الذَّهبيّ: «وأما حديث الطير: فله طرق كثيرة جدًّا قد أفردتها بمصنَّف، ومجموعها يوجب أن

يكون الحديث له أصل»

(1)

.

وقال في موطن آخر: «وحديث الطير - على ضعفه - فله طرق جمَّة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه»

(2)

.

وقال ابن السُبكي: «غاية جمع هذا الحديث: أن يدل على أن الحاكِم يحكم بصحته، ولولا ذلك لما أودعه المُستَدرَك، ولا يدل ذلك منه على

(1)

تذكرة الحفاظ (3/ 164). مع العلم أن الذهبي نفسه تعقَّب الحاكم في التلخيص في هذا الحديث.

(2)

سير أعلام النبلاء (13/ 233).

ص: 107

تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر الصديق رضي الله عنه

»

(1)

.

وقال أيضا: «وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد، ورأيت لصاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي عليه كلاما، قال فيه - بعد ما ذكر تخريج الترمذي له، وكذلك النسائي في خصائص علي -: إن الحق في الحديث أنه ربما ينتهي إلى درجة الحسن، أو يكون ضعيفا يحتمل ضعفه، قال: فأما كونه ينتهي إلى أنه موضوع من جميع طرقه؛ فلا»

(2)

.

والسبب في تصحيح أو تحسين بعض العلماء لهذا الحديث: أن له عن أنس رضي الله عنه أكثر من تسعين طريقاً، حيرت العلماء وأدهشتهم.

وليس هذا هو موطن التفصيل في بيان علل هذا الحديث، فسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله، وإنما المقصود الإشارة إلى أنه مع كونه لا يصح، إلا أنه ينبغي أن يُعذَر الحاكِم في تصحيحه، كما عذرنا الطبري، والعلائي، والذَّهبيّ، وغيرهم من العلماء.

(1)

طبقات الشافعية الكبرى (4/ 165، 169).

(2)

المصدر السابق.

ص: 108