الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - تساهله وكثرة أوهامه في المُستَدرَك:
تنبيه: بداية يجب أن نعرف أن ذكر أهل العلم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ «المُستَدرَك» ، فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها، فلم يقع خلل في روايته لأنه إنما كان ينقل من أصوله
المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، كحكمه بأن الحديث على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلانا المذكور فيه صحابي، أو أنه هو فلان بن فلان، ونحو ذلك، هذا الذي وقع فيه كثير من الخلل.
(1)
.
وقال الذَّهبيّ: «سمعت المظفر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت كتاب المُستَدرَك على الشيخين، الذي صنَّفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما.
(1)
معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 22).
قُلتُ (الذهبي): هذه مكابرة وغُلُوٌّ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في المُستَدرَك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءا، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته، ويعوز عملا وتحريرا»
(1)
.
وقال ابن القيم: «قالوا: وأما تصحيح الحاكِم فكما قال القائل:
فأصبحتُ من ليلى الغداةَ كقابضٍ .................... على الماء خانته فروجُ الأصابع
ولا يعبأ الحفاظ أطِبّاء عِلَل الحديث بتصحيح الحاكِم شيئاً، ولا يرفعون به رأساً البَتّة، بل لا يعدِلُ تصحيحه ولا يدلّ على حُسنِ الحديث. بل يصحّح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك، فليس بمعيارٍ على سنة
(1)
سير أعلام النبلاء (17/ 175 - 17).
وانظر: المصنفات التي تكلم عليها الإمام الذهبي (2/ 622 - 630) لأبي هاشم إبراهيم الأمير.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئاً. والحاكِم نفسه يصحّح أحاديثَ جماعةٍ، وقد أخبر في كتاب «المدخل» له
أن لا يحتج بهم، وأطلق الكذب على بعضهم»
(1)
.
(2)
.
وقال المعلمي: «والذي يظهر لي فيما وقع في «المُستَدرَك» من الخلل أن له عدة أسباب:
الأول: حرص الحاكِم على الإكثار، وقد قال في خطبة «المُستَدرَك»: «قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون
…
»؛ فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
الثاني: أنه قد يقع حديث بسند عال أو يكون غريبا، مما يتنافس فيه المُحدِّثون، فيحرص على إثباته وقد جاء في «تذكرة الحفاظ»
(3)
أن الحافظ
(1)
الفروسية (ص: 245).
(2)
النكت للزركشي (1/ 224).
وانظر مزيدا من هذه الأقوال في: مقدمة المستدرك للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (1/ 8 - 29).
(3)
تذكرة الحفاظ (2/ 215).
أبا عبدالله الأخرم قال: «استعان بي السرَّاج في تخريجه على صحيح مسلم، فكنت أتحيَّر من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليا، يقول: لا بد أن يكتبه، يعني في المستخرج، فأقول: ليس من شرط صاحبنا - يعني مسلما - فيقول: فشفعني فيه» .
فعرض للحاكم نحو هذا، كلما وجد عنده حديثا يفرح بعُلُوِّه أو غرابته؛ اشتهى أن يثبته في «المُستَدرَك» .
الثالث: أنه لأجل السببين الأولين، ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر؛ لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: «سألني جماعة
…
أن أجمع كتابا: يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج مُحمَّد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج مالا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما». ولم يصب في هذا فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما، وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس علة قادحة.
الرابع: أنه لأجل السببين الأولين توسع في معنى قوله: «بأسانيد يحتج
…
بمثلها»، فبنى على أن في
رجال الصحيحين من فيه كلام، فأخرج عن جماعة يعلم أن فيهم كلاما. ومحل التوسع أن الشيخين إنما
يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة - ثم بَيَّنَ الشيخ المعلمي هذه المواضع -.
الخامس: أنه شرع في تأليف «المُستَدرَك» بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة، وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه، وكان فيما يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع «المُستَدرَك» ، وقد استشعر قرب أجله، فهو حريص على إتمام «المُستَدرَك» وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يخرج أو نحو ذلك، وقد رأيت له في «المُستَدرَك» عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها، فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم، مثلا، مع أن مسلما إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه، يقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان بن فلان. والصواب أنه غيره»
(1)
.
(1)
التنكيل (2/ 691 - 693).