الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: اختلاف الفِرَقِ في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وموقف أهل السنة منه
لم يَسْلَم أحدٌ من الخلفاء الراشدين الأربعة (أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي) رضي الله عنهم -من معاداة بعض المنتسبين للإسلام، وإن كان حظهم من تلك المعاداة يتفاوت من واحد لآخر
(1)
. وبعضهم ابتُلي مع هذه المعاداة، بغلُوٍّ شديد في المناصرة والمحاباة. ومن أكثر الخلفاء تعرضا لهذه الابتلاءات والمتناقضات، وأكثرهم عرضة لاختلاف الفِرَق فيه؛ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
فقد انقسمت الفِرَق في شأنه إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: المُفْرِطون في محبة علي وآل بيته
رضي الله عنهم:
وهم الذين غالوا في محبة عليٍّ وآل بيته، فرفعوه فوق منزلته، وجعلوا له من الصفات والحقوق ما لم يجعلوه لغيره. وهؤلاء ليسوا على
(1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 435): الخلفاء الراشدون الأربعة ابتُلُوا بمعاداة بعض المنتسبين إلى الإسلام من أهل القبلة، ولعنهم، وبغضهم، وتكفيرهم. ثُمَّ ساق أسماء الطوائف المعادية لهم، وما ناله كل خليفة من الظلم والمعاداة والبغضاء منهم. فانظر تفصيل ذلك هناك.
درجة واحدة في المغالاة والإفراط، بل هم على درجات متفاوتة، وأعلى هؤلاء من الغلاة: من جعلوا عليَّا هو الإله! وقد ظهر هؤلاء في زمن عليٍّ نفسه، وشاهدهم بعينه، وأنكر كلامهم، وردَّهم عن قولهم، فلما أَبَوْا: أحرقهم
(1)
.
ودون هؤلاء طائفة أخرى جعلوا منزلة عليٍّ أفضل من منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، بل منهم من زعم أنه كان أحق بالنبوة منه، وأن الله عز وجل أرسل جبريل عليه السلام إلى علي، فغلط في طريقه فذهب إلى محمد، لأنه كان يشبهه!
وطائفة أخرى جعلت عليا أفضل الصحابة على الإطلاق، وأولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذمُّوا الشيخين (أبا بكر وعمر)، وانتقصوا من قدرهما، وزعموا أن الصحابة
خانوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بتولية علي الخلافة من بعده!
وأدنى هؤلاء الغلاة قولا واعتقادا في علي: من حفظوا للشيخين مكانتيهما، واعترفوا بخلافتيهما، لكنهم يقدِّمون عليا على عثمان بن عفان، ويرون أنه كان أحق بالخلافة منه
(2)
.
(1)
قصة إحراق علي للزنادقة والمرتدين أخرجها مختصرة: البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، رقم 3017، و كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، رقم 6922) عن عبدالله بن عباس. وانظر تفصيل القصة في فتح الباري (12/ 270).
(2)
انظر للمزيد عن هذه الفرق واعتقاداتها وأسمائها: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/ 25 - 43)، التبصير في الدين لأبي المظفر الأسفراييني (ص: 123 - 129)، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/ 137 - 143)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 146 - 190)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/ 435 - 437، 13/ 33 - 36)، منهاج السنة له (3/ 470 - 484)، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر بن علي (3/ 905 - 950).
القسم الثاني: المُفَرِّطون في محبة عليٍّ وآل بيته رضي الله عنهم، المُعادون له:
وهم الذين فرَّطوا في حق عليٍّ وآل بيته، فبَخَسُوه حقه، وتجاهلوا منزلته ومناقبه وفضله، فلم يراعوا له حرمة عامة ولا خاصة. وهؤلاء أيضا على درجات متفاوتة، وأعلاهم شأنا في التفريط: من كفَّروا عليَّا، وأخرجوه عن الدين والملة!
ودونهم من خَرَجوا على حكم عليٍّ، لكنهم لم يُكفِّروه، وإنما خاصموه، وشنَّعوا عليه، وزعموا أنه ظالمٌ، خالف القرآن في حكمه وفعله، ومِن ثمَّ خرجت طائفة منهم لمحاربته!
وأدنى هذا القسم درجة: من اكتفوا ببغض عليٍّ، وأظهروا بعض اللمز والغمز في كلامهم تجاهه، لكن لم يصرحوا بانتقاصه
(1)
.
(1)
انظر للمزيد عن هذه الفرق واعتقاداتها وأسمائها: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/ 84 - 113)، التبصير في الدين لأبي المظفر الأسفراييني (ص: 45 - 62)، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/ 144 - 146)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 114 - 138)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 481 - 483، 13/ 30 - 33)، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر بن علي (3/ 1133 - 1213).