الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجام الشرب ينسب للثريا
…
وشمس الراح نحو الكرم تعزى
فواصلني بها فلعل دائي
…
يزول إذا شربت الخمر مزا
على نهر المجرة والدراري
…
عيون حولها يبدين غمزا
فجرد جيش لهوك يا خليلي
…
لغزو غنيمة من قبل تغزى
27- ومنهم: عبد الله بن علي بن محمد بن سلمان، عرف بابن غانم، جمال الدين، أبو الفضل، المقدسي
. «1»
* شاب برع وبهر، وطلع مثل الكواكب وظهر، وما أعرف في أي وقت اشتغل، ولا متى ألهب سعفه واشتعل، كأنما لقن سحر البيان من حين ولدته أمه، وبزغ في الأفق نجمه، وأتى بلطائف الشباب، وتلاءم في الكؤوس جائل الحباب، هذا إلى حسن خط كأنما نمنمة عذاره، وقيام حسنه عند المحبين بأعذاره، وهذا كله في مدة أقصر من رجع النفس، وأسرع من قدح الزناد للقبس، في زمان أعجل من إيماء المليح، وأقل من مقام الضيف عند الشحيح، لكنه لما جاء بالألفاظ يبهر حسنها، ويرجح وزنها، ظن أنه قد انتهى، وتناول بإحدي يديه القمر وبالأخرى السها، فترك الطلب، وقد كان له انتصب، واستنزف ثمده البلى حتى نضب، وكان يشغله ما يشغل الشباب، ويصرفه عن الثبات على حال ما يصرف النسيم الهاب، فكان لا يرى مستقرا قدر دقيقة، ولا رجع طرف حقيقة، فكان يعيبه التهور ويزينه كثرة التصور؛ وما سلّم حتى ودّع، ولا تلقته القوابل حتى شيّعه من شيّع.
* ومن نثره قوله في جواب كتبه عن نائب الشام تنكز «1» إلى نائب طريق في معنى الحريق الذي حصل بدمشق في سنة أربعين وسبعمئة:
أعزّ الله أنصار المقر الشريف، وحرس بره الذي يتحرى، وحبوه الذي يتسرع إلى القلوب ويتسرى، وأمره الذي يبرد بنداه كل كبد حرى، وسره الذي إذا ناجته خواطر الإشفاق والإرفاق أنشدهما: قفا نبك من ذكرى «2» .
المملوك يقبل الباسطة الشريفة تقبيلا يبرد به الغليل، ويداوي بطبه الفكر العليل، وينهي ورود مشرفة تتضمن أمر الحريق الذي حصل بدمشق في هذه المدة، حتى أحرقها بناره، وحفّ جنّتها بالمكاره، وسلّ عليها سيف الضرام، وحكم عليها حكم الدهر على الكرام، وأطلع في وجه شامها لغير الحسن شاما، وكاد يأتي عليها لولا تدارك لطف الله ب يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً
«3» وهجم على جيرون «4» فغير دهشتها، وعلى الخضراء «5» فرمى فرشتها، وعلى اللبادين فكسر قلبها، لأنه كان زجاجا، وعلى الوراقين فما شعرت حتى صار باللهب كلّ ورّاق سراجا، وكل طلحية وقد تفرق طلحها المنضود، وكل كراسة وقد ردّ «6» وجوهها البيض وهي سود، وأضحى فم الفوارة يصاعد جمرات أنفاس، وسوق النحاسين يرسل منه، إلى سور الجامع شواظ من نار ونحاس، وكل محبوبة
بالطرائفيين وقد رأت مكروهها، وكل براعة دهماء وقد ابيض بالنار فودها، فلذلك سودت الدوي وجوهها، وغادر كل دكان دكا، فأوسع قوائم العمد وأضلاع السقوف كسرا وفكا، وأقعد بيت الساعات إلى قيام الساعة، ودخل إلى باب الجامع لكن لغير طاعة، وكاد يصلى به من يصلي، ويقبل على صف العابدين فيولي، واهتزت المئذنة بحمى نافض، وتشعث وجه المشهد الأبي بكري، فكأنما أصابته عين الروافض، وترقرقت عيون العابدين من الألم، ورقّ صحن الجامع لمأتم هداة الساجدين من المئذنة بنار على علم، وما زالت مراءات اللهب حتى خربت المنار، وصف بعد ذلك في صحن الجامع ما فضل عن أكل النار، فيا لها داهية عمت المسلمين، ومصيبة سودت وجه الدنيا فبيض الله وجه الدين، وواقعة لها اقتربت الساعة، وقارعة لولا المعوذات لما قبلت فيها شفاعة، ويا لها عينا دخلت على هذه الأسواق فحلت، ويدا استجدت منها محاسنها فأعطتها وما تخلت؛ كانت لعمارتها رمانة فأمست جلنار، وكانت محاسنها ليس عليها غبار، فأصبحت لا تعرف من الغبار، وما سكت لهذه النار لسان، ولا خفي لها شخص ولا عيان، ولا نشفت الدموع التي أطفأتها، ولا بردت ضلوع القياسير التي دفأتها، حتى طلعت شمس الفتنة من غربها، وتعالت أصوات النائبة عن قربها، وأتى النقص من جهة الزيادة، وسعى الداء بما وسع العيادة، فصار سوق الكفت كفاتا، وسوق الخام رفاتا، وخرجت قيسارية القاس عن القياس، وتوارد الإياس والرجاء في أمر البلد بمجموعه ولكن غلب الإياس، فركب المملوك بنفسه ومن عنده من الأمراء، وبأيديهم أسلحة المعاول، وعلى عواتقهم لقطع عنق النار سيوف الجداول، فكم من رأس داسته النار دوسا، وكم من قدّ وقوس تصرفت فيهما، فصار القوس قدّا والقدّ قوسا، وكم من أوتار أخذت منها الأوتار، وكم من سهام نفذت لها في قلب الإسلام كما شاء
الكفار، وكم من حلقة انفضت، وكم من عين بيضاء اسودت، وعين سوداء ابيضت، وكم من لجام دخل فيه لسان النّار فلاكه، وكم من بحر سرج رمى عليه اللهب شبكه فأكل أسماكه، وبقي المملوك كلما دار إلى دار سبقه إليها المقدار، أو أشار إلى دكان تداعت منها الأركان، هذا والصاغة تعوذ عين ذهبها من عين لهبها، والمئذنة ترجف فرائص تختها من مصرع أختها؛ وتدارك الله الحال بلطفه، ومن بإطفاء ذلك الحريق، ولولا منّه لم نطقه ولم نطفه؛ ولم تقتصر الحال على هذين الحريقين، بل تتابع بعدهما لهما أمثال، وما يشك المملوك في صدق ما أشار إليه مولانا من تلك الحكايات، وضربه من الأمثال، فإنه ما يسعر هذه النار إلا عدوّ أزرق، ومن أحرق قلبه بحريق جانب من معبده فلا غرو إذا أحرق.
ومنه قوله: [الكامل]
يا سادة نزحوا دموعي عندما
…
نزحوا وعهدي منذ ذلك عام
أو ما وجدتم ريّ دمعي عندما
…
وافاكم من ناظريّ غمام
«1»
كيف اعتقدتم سلوتي عن ذكركم
…
أيطيب إلا بالكمال كلام
ها أنتم في ناظري ما دمت يق
…
ظانا وتجلوكم لي الأحلام
أشجى فراقكم دمشق فغصنها
…
قلق إذا ناحت عليه حمام
ونزلتم الشهباء فاختالت لأن
…
علمت بأن النازلين كرام
طابت بكم ويطيب كلّ حمى غدا
…
يعزى لإبراهيم فيه مقام
وينهي ورود مثاله الكريم، بعد أن وجد عن بعد ريحه، وشام برقه العالي، قبل أن يأتي قميصه بالبشرى الصريحة، وأحسن الخاطر بسروره الزائر، وإن كان ما كل روايات الخواطر صحيحة فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ: هذا مِنْ فَضْلِ
رَبِّي
«1» وصدقت ظنون حبي، ويا أيتها الأيام التي قد طال بيني وبينها عتب النوى حسبي، ثم عطف على الكتاب الكريم يغازله، ويصاعد فيه نظر اللوم وينازله، ويقول له: أين لطف الترسل إذ عدمنا لطف الكلام؟ قد احترقنا بنار إبراهيم ولا برد ولا سلام، قد أخذ بفراقه لذة أيامنا نهبا، وقد كنا ونحن بالشّعراء لا نطيق جفاءه، فكيف وقد ركب علينا الشهباء، وشرع في فنون العتب ينسقها، وفي حمول الشكوى يوسقها، إلى أن فض لطيمة الطرس، ففاح عبيره، ولاح حبيره، وباح بالبيان صغير لفظه وكبيره، فكل زهرة حرف عليها للحسن ندى، وكل غصن سطر طفا حب القلوب عليه نقطا، وبدا يود ابن هلال «2» لو استعار منه معنى الكمال، ويتطلع ياقوت «3» إلى أن يكون فضا لخاتمة الذي ختم به على هذا السحر الحلال، ويتهافت المسك على أن يكون به تحرير ذلك الحرير، ويخلع صوف ذلك الغزال، فلما رأى المملوك نسمات تلك المحاسن قد ناوحت الهبوب، وتراوحت بالشمال والجنوب، وأنشد لسان حالها، ومن أين للوجه الجميل ذنوب؛ قبل بشفاعة حسنه الأعذار، ونادى حرب العتب: ضعي الأوزار؛ وعاود وصف الشوق فيقول: ما الربيع على أنس البلاد به، وتحلّى عاطل الروض بذهبه، واستطال صاحي الطير بخيامه المضروبة، حيث حبال الشمس من طنبه؛ بأشدّ من شوق المملوك إلى تلك المحاسن، التي من رأى خط شبابها تحقق أنه ما محاه آسن، وقد آن للملوك أن يهرب من الاستهداف لهذه الأوصاف، وألا ينسبه إلى انحراف كل قليل الإنصاف، وما أكثر القليل ذكر مولانا المقام،
ومقامه فشوّق وما ذوّق، وعرض ببيتين أنشرا من لسان المملوك وقلمه ميتين، فخذا حذوهما في اللفظ، وتصرف في المعنى، وقال في معنى ما مولانا بصدده من ملازمة الاشتغال:[الوافر]
أقمت مجاورا في كسر بيتي
…
لأن تنقلي داء عقام
إذا رزق الفتى عقلا ودينا
…
ودنيا برّة طاب المقام
آخر تتمة:
مللت من المقام على خمول
…
وحل من الهموم بي انتقام
ولو أني سعيت لكسب مال
…
حلال طاب لي فيه المقام
وإذا وصلت المقامة تمت المقامة، وإلا فكلام المملوك خبط عشواء، في هذه الحالة نسق الملوك من كتابه عرف الأدب الوردي فتنهد، وارتاح إلى ذلك الدّين الذي عري المملوك من فضله، مع أنه ما برح حتى للرياض بالكسوة يتعهد، فيا شوقي إلى دنانيره وقد ألقاها الشرق في بناني، وإلى وجناته الوردية وقد وقفت نصب عياني، ولكن ما أفعل في سوء الحظ، غايتي أن ألومه، ومولانا يعرض عليه لهفاتي، وما يخفي عنه طريق أكرومة.
ومنه قوله: وينهي ورود البشرى التي ملأت الوجود بشرا، والوجود نشرا، وأقامت بالسرائر سوقا أضحت تباع به البشائر وتشرى، بما حصل لمولانا من الإقبال الشريف الذي تعددت تشاريفه، وتحددت تكاليفه، وتزيدت على وسع الآمال مصاريفه، من تيجان عمام اعتدلت فوق مفرقه، وألوان فراج أحرق في سمّور سجفها زركش النجوم، فلاحت تلك اللمع من محرقه، ومن هالات طرحات كأنما كن لشهابه المشرق فلك تدوير، ومن أبدان سنجاب حكت ببياض البطون
وزرقة الظهور طلوع الشمس في يوم مطير؛ فقابل المملوك وسائر المماليك المحبين هذه النعمة بحقها من الشكر، وأفاق بهبوب نسيمها، وإن كان غرامه في هذه المدة بمطالعة «مسالك الأبصار» لا يدعه يفيق من السكر، فلله هذا الحبيب المشنف، والغريب المصنف، والمنوع المنور، والدهر الذي هو بأهله من لدن آدم مصور؛ حرس الله هذا الجمع الصحيح، وهذا الفصل الذي نثر من الدر في حجور التراجم كل مليح، وهذا السياق الذي سير الشموس من الطروس على نجائب، وهذا الوفاق الذي حصله بين البر والبحر، وحدث عن العجائب بعجائب، فما كان للمملوك دأب في هذه المدة إلا التقاط درره من أصداف الأوراق، واجتناء ثمره من غصون تلك السطور، وكله قد راق، فإن اعترضته عنبرة ثناء فتّها على جمر الشوق فتا، أو عارضته عرائس تصانيف الأولين أقام تلك المجلدات الخمس فتصير ستا، والمرجو من الله تعالى رؤية ذلك الوجه الكريم على ما يسر الأولياء ويسوء الأعداء، وحاشاه أن يكون له أعداء.
* ومن شعره قوله في مليح نظر إلى الشمس عند غروبها مضمنا: [الرمل]
وغزال غازل الشمس وقد
…
وقفت فوق ثنيات الأصيل
فتعوضناه منها بدلا
…
ومنه قوله غير مضمن: [السريع]
وذي دلال حسنه وافر
…
تقصّر الأوصاف عن كنهه
رنا من الشمس وقد غربت
…
بفاتر اللحظ إلى شبهه
ففوضت في الحسن من بعدها
…
ولاية العهد إلى وجهه
ومنه قوله مضمنا: [المنسرح]
ورب ظبي مخضر شاربه
…
رطب حواشي اللمى موردها
«1»
قال وشمس الأصيل قد وقفت
…
على ثنايا الأصيل تنشدها
كعاشق سار عن هواه ففي
…
مقلته دمعة يرددها
«قفا بها قليلا علي فلا
…
أقل من نظرة أزودها»
ومنه قوله: [الكامل]
نعس الحبيب فقيل: ماذا شأنه
…
فأجابهم بالحاجب المقرون
وبطرة أشرت وطرف أدعج
…
كالنون فوق العين تحت السين
* فهؤلاء أعيان كتاب المشارقة، ممن مات وفات، وبقي منه ما ينشر العظام الرفات، وأكثرهم قد جهل قبره وفني، وما فني ذكره ولا بره، خلا عمّي الصاحب شرف الدين أبي محمد عبد الوهاب رحمه الله، فإنني ذكرته في كتاب «فواضل السمر في فضائل آل عمر» إذ لم يكن بدّ من ذكره هناك مع أقربائه، وسلف أهل بيته وآبائه، وكذلك والدي تغمده الله برحمته، وإن كان دون أخيه قدر مقال لا مقام، ودرّ نظام لا انتظام، وسيأتي ذكر جماعة من أهل هذا البيت في الكتاب المذكور، ومنه يعرف خبر كل معروف غير منكور، على أنني بشهادة الله لآنف لي ولسلفي أن ننحاز إلى هذه الفئة، أو نلم كرى بعيونها المغفية؛ ولله المعرّي حيث يقول «2» :[البسيط]
دع اليراع لقوم يفخرون به
…
وبالطوال الردينيات فافتخر
فهن أقلامك اللائي إذا كتبت
…
يوما أتت بمداد من دم هدر