الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما الأحياء بالجانب الشرقي، ممن يطلق عليه هذا الاسم بالاستحقاق، فبقية:
28- ومنهم: زين الدين الصفدي، أو حفص، عمر بن داود بن هارون بن يوسف الحارثي
«1» * من بيت قضاء وخطابة ببلاد صفد والساحل من زمان الفتوح، وهم أهل قرى لا يغلق بابهم المفتوح، وفيهم بنين «2» من يضيف الوارد والصادر، ويطيف كرمه بالعاجز والقادر، على قلة يسار، وخلة إعسار، وبرع هذا الرجل فيهم وتأدب، وتذهب أدبه وتهذب، وأتقن علم العربية، وتم له تمام الفضائل الأدبية، إلى فقه درّسه، وفضل نوّعه وجنّسه، وعلم معقول أدركه بمجرد التصور، ووازع إيمان منعه فيه من التهور، واطلاع أشرف من يفاعه، وأطل عليه من شرف ارتفاعه؛ كل هذا إلى ذكاء يتدفق سيله، ويعرف من بين النجوم سهيله، وتفرد بمعرفة التنفيذ للمهمات قل من يحسنها، أو يحير جوابا حيث ينطق ألسنها، هذا مع خط كأنما ألحف جناح الطاووس، أو تلألأت تحت جنحه أشعة الشموس، وحسن مصاحبة تطمئن بها النفوس، ومواظبة على علا يسود بها ويسوس؛ صحبته من قديم، وعرفه أولياء الأمر، وتنبه ذكره ثم رقد، وهب لهب صيته ثم خمد، وجرى ماء حظه يتدفق ثم جمد، ورتب في كتابة الدرج في عدة مواضع من الممالك في أقرب مدة من الزمان، واشتهر برجاحة العقل والكتمان، ووفور الفضل والأدب، ثم كتب الإنشاء بدمشق ثم بمصر، فأنشأ غر التقاليد ورقم برودها، ونظم ما استجدت منه أجياد الحسان عقودها، وحضر بين
يدي المقام الشريف؛ وكان عندي موضع الثقة، وقدمته لأهليته، ثم بعد أن رفعت ذلك الشعار، وخلعت ذاك الرداء المعار، وقلت: الموت ولا العار، لبث قليلا ثم تبعته عوادي الضراء، وروعته في وسط السراء، ثم كان في صفد بين قومه إلا أنه لا يجد قوت يومه، وبقي حيا ميتا، لا يملك بيتا، ثم انفرجت حلقة ضائقته، وعادت لوامع شارقته، وفسح له في سكنى دمشق، فعاد إلى صدور مجالسها، ثم كتب في ديوان الإنشاء بها، وحل مفاخر رتبها، فتبلل عودها بأندائه، وأشرقت سعودها باستظهاره على أعدائه، ثم طلب إلى مصر ووقع بالدست، وهو الآن جمال الأوان، وكمال الديوان، وبيده الأزمة، وإليه الأمور المهمة، وفضله يستحق التتمة.
* ومن نثره قوله في ورقة كتبها إلى والدي: وينهي أن إحسان مولانا وصل إلى ذلك الفقير الصالح، الذي من قرية نين، وهي قرية المملوك التي أخرجته، وإنما خدمته للبيت العمري هي التي خرجته، وإلى طبقات الناس درجته، وقد بقي يعوزه كتاب كريم إلى مشدّ صفد، نظرا لكتاب الكريم الذي صار في يده إلى نائبها، والمملوك يسأل الصدقة عليه بالمطلوب، وأن يكون كتابا حسنا يعيره مولانا سماحة كرمه وقلمه، ويلحفه جناح جاهه وكلمه، صدقة على المملوك دونه، ويدا يقبلها ويقبّلها ممتنة غير ممنونة، والوحى الوحى، وقد ضجر المملوك وهو استحى؛ والله يرفع درجة مولانا، حتى يكون على الكواكب مستفتحا، ولنظره في حديقة المجرة منزّها، وبعرف نرجسها مترنحا.
ومنه قوله في تهنئة بعود الركاب السلطاني من الحج: وجمع الحجيج في سنتهم الواحدة بين حجتين، وكتب لمناسكهم بيمنه أجر مصلي القبلتين، وتمّ لتوجههم بأنواره الهدى والنور، وحصلوا من صفقته
الرابحة على تجارة لن تبور، ووقاهم لفح الهجير تطوفهم بالكعبتين، ذات المقام وظله، وأمّنهم العقبى تمسكهم بالعروتين، من «1» البيت العتيق وفضله، وعشوا إلى ضوئين من ناره التي هي أم القرى، ومكة المسماة في الذكر القديم أم القرى، فهذه المهاجرة التي جددت السنة بمحمدها، والمثابرة التي أعلنت الألسنة بمدح سؤددها، وهو الجدير بأن يوفيها من استبشاره وشكره أكمل وظيفة، وأن يقدر موقعها حق قدره، وإن كان مما لا تطيق الأمة تكليفه.
ومنه قوله وقد أهدى إليه صاحب له طبق مشمش مع غلام مليح: وصل البر الذي زاد على منتهى الطلب، وأشهد النواظر بين يدي قضيب البان كرات الذهب، وجاء بالبدر وقد اتسق، والنجوم وقد ركبت في دائرة الطبق، فبهت لدنو صور الكواكب من اللمس، وتسيير القمر في منازل الأرض، وهو الذي لا ينبغي أن تدركه الشمس، ثم تأمل وتملى، واستجلى واستحلى، وقال: شكرا للمرسل والرسول، ويا حسن الحامل ويا لذة المحمول؛ أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه، ومرحبا بكرم جمع بين تنوعه وتسرعه، أين الأمل من هذه الغاية؟
وكيف غفل الدهر حتى تناهى في الإحسان إلى هذه النهاية؟ مولى يسعى إلى عبده، وغصن يجيء بثمرة تميس في أوراقه من برده.
ومنه قوله في ذكر الدواة: وقد أرسلها مشتعلة بالشيب مفارق رأسها، مستعدية على وضعها الذي انتزع روحها باستمداد أنفاسها، واستحال عليها مع الدهر حتى عكس النقب في روعها من قرطاسها، فهي بيضاء إلا أن السواد كان أنقى لسمائها، وناجية عندها أن الغرق أسكن لروعتها من نجاتها، وأملها أن يسودها يد لك لا تسوّد إلا من النفس، وأن تديل لها من سالب صبغتها وهو الطرس، فيطيل لسان فمها،
وهو القلم يمج على حواشيه لعاب الظلماء في لهوات الشمس.
ومنه قوله: أمر وفاء النيل؛ وذلك أنه عند تسطيرها ورد المثال الشريف يتضمن نبأه بسطوره التي كأنها جداوله، وأنه جاد لمؤمله بنفسه التي ليس في يده غيرها، فكأن المسؤول لا شك سائله، وما أظنه إلا حيا نزل دون تلك الديار مهابة لمن حلها من مطايا الغمام، وأحلها من أجله أن يلم بها ركبا، فمشى على وجهه إليها تناهيا في الإكرام، ولم يزل يجري لمستقر له، ويضمه شيئا فشيئا إلى أن أدرك آخره أوله، ووارده في كل ساعة يشهد بنجاح رأي الرائد على التحقيق، ومخلّقه المتواري لحجاب الماء يومئ بإصبعه إلى حسن العاقبة على أنه في حالة الغريق، ولو قدر على المقال لظهر خافيه، ونطق بتوفية عوائده، وأنى ينطق والماء ملء فيه؛ حتى إذا تكمل سمو أمواجه حالا على حال، وتنور أقاصي الأرض من ثنية المقياس، فأدناها النظر العال، لم يملك طبعه السيال أن غطى مساوئها البادية، ورأى ظمأها إليه مع القصور عنه، فنقع بانتقاله إليها غلة كبدها الصادية، وكان له الفضل على الثرى والورى في ذلك المسعى، وقالت ألطاف الله المتتابعة: هذا الماء وسيتلوه المرعى، وكان هواؤه المعتدل على اعتلاله عدلا، فحمّل قلب كل غدير ما أطاق، ولم تبق عين بقعة كانت فارغة إلا وكلها عند نظرة الدمع مآق.
ومنه قوله: وينهي أنه لو أمكن دفاع القضاء، أو قبل غريم الموت المتقاضي أخذ الفداء، لحمي هذا المحترم بأنصار الرجال، لا بجواري العيون المحزونة، ولصرفت عنه المهج يد المنون ببذل نفوسها المصونة، فقد كان والله شقيق الشمس رفعة وهدى، ومباري غرة البدر في النديّ، ورسيل الغيث في الندى، وإن أمسى الزمان لتواري
شخصه آية ليل ما محيت، وظلة غيم رأيت عليها لمحة بارق لمعت ثم زويت؛ فلعهدي وهو بآية نهار حياته المبصرة أحسن «1» اجتلاء، وأبهى وأبهر بين المشاهد في المعنى والصورة رؤية ورواء؛ طوبى له حل في أمنع جوار، وحصل على سعادة في دار القرار، يفرح بها من إرث شقوة الحزن في هذه الدار، والمملوك منذ سمع نعيه يحسد صم الرماح، ويتزود من سواد مقلته ودمعها، في ظلمة باك من فقد نورها على الصباح، وما أدعو لمولانا وحده إلى سنة العزاء المشروط، ولا أقول له: مهلا ليذهب بك فرط الجزع على أخيك مذهب القنوط، وإنما أشرك نفسي معه في التعزية والتسلية، وأتجلد وإن كان لا جدل على نفوذه هذه الرمية المصمية، فأتعلل وأتمثل بقول الأول:[الطويل]
ولو لم أكن منكم لعزيتكم بكم
…
ولكن حظي في المصاب جليل
إلا أن أخصه لاختصاص نسبه، وأفرده بجامع أدبه، فلا أجمع لأقسام الكمال من أدبه، وأستشهد بأن أنشد:[الطويل]
ومن يك ذا نفس كنفسك حرة
…
ففيه لها مغن وفيها له مسلي
ومنه قوله «2» : وينهي ورود المشرف الكريم ووقت الصوم قد حان، وهلاله في عنان السماء مرخى العنان، يشار إليه للبيان بالبنان «3» ، كأنه الطليعة وهي الراء من أول رمضان، أو الساقة وهي النون من آخر شعبان، أو الخائف اختفى عن العيان، وترامته الأبصار فاستعان، أو طالب حاجة مع الشمس أدركه الليل فوقف وقفة الحيران، أو كوة في غار فغار، أو رقيب وقد اختبأ ليطلع عن مغيبات الأسرار، أو
الحاجب لا جرم أنه حجب عن الإفطار، أو كأنه ما انهار من جرف النهار، أو المخلب الصائل على النظار، الصائد ما جاوره من النجوم لتتكمل فيه الأنوار، وتتم باجتماعها إليه في صورة الأقمار، أو المنجل الحاصد للأعمار، القاصد حتى ما علا نهر المجرة من الأنهار، أو طوق لم ينضم، أو مبدأ عمامة لمعم، أو قرط خانته العلاقة فانقطع، أو ما انخرم معه في شحمة الأذن لما وقع، أو علامة عضة، أو قلامة مبيضة أو قطعة من سوار فضة، أو تشريف نوارة غضة، أو شفة فتاة بضة، أو حافر جواد حلّى أرضه، أو وطأة حاف خلى من أثر كعبه بعضه، أو درهم فيه ثلمة، أو دينار مخسوف الجانب لحكمة، أو تمثال، عشر في ختمة، أو نصف دائرة من خط بيكار ما أتمه، أو عرجون قديم، أو ما مال من كأس نديم، أو شطر من كرة مقسومة، أو ضاحك أسنانه مهتومة، أو هالة والت قطرا منها غير مركومة، أو لثام على حنك، أو زورق من ورق حمولته من عنبر الحلك، أو حجل نزع من ساق، أو روق راجع من الأرواق «1» ، أو ما انحل من الخصر من النطاق، أو وقف من عاج، أو صدع في زجاج، أو جدول منعطف، أو قفل في فلاة قد حذف، أو لبة فؤاد، أو غصن أثقله الثمر فانآد، وعقد سماءه بأرضه أو كاد، أو ثغرة في سور، أو فم قدح مكسور، أو نوى محفور، أو فخ منصوب على طول الدهر، أو عرق مغروس، أو بعض ما في ريش الطاووس من المنقوس، أو حلقة منقوصة، أو أذن ريم مقصوصة، أو ضفيرة معقوصة، أو خاتم زال فصه ففغر، أو ما انداح من رمية في صفحة الماء بحجر، أو طية من أعكان، أو سرة محققة في كشح ريان، أو ذؤابة مردودة، أو حزة من بطيخة مقدودة، أو خيزرانة ملتقية غير معقودة أو قوس محني القرى، أو عروة مفكوكة من العرى، أو فتر مرفوع، أو طيلسان مقور مقطوع، أو قبضة إبريق مخلوعة، أو آلة للطيب مصنوعة، أو يد
التفت على عناق حبيب، أو شعرة مشيب فضلت من خضيب، أو ما أحاط من الإكليل بالجبين، أو محراب لبعض المصلين، أو سالف تحسين، أو مشقة قاف أو سين، أو ما اندفع في جؤجؤ السفين أو أحد الجفنين، أو عذار حول الخدين، أو رأس من كتابة صاد لم يلتحم، أو عين أو دال منقلب، أو طاء منفصل الطرفين، سقط ألفه المنتصب، أو مبسم مثقوب، أو تعريقة جيم مكتوب، أو عقرب شائلة، أو شعلة نار لعبت بها الريح الجائلة، فهي مائلة، أو حية ملتوية، أو صولجان مقصوف لم يبق منه سوى الحنية، أو ترقوة بدا عظمها، أو طارة غرض خرق هيآتها سهمها، أو فلكة مغزل مشظاة، أو دفّ أمسكت كف سوداء على أعلاه، أو ما تحت تنفس [المرأة في] المرآة «1» ، أو قنطرة منكوسة الوضع في البنيان، أو طبق قائم أخذ من حافته شيء فبان، أو غرة في أدهم من الخيل، صانعت بها الشمس عن نفسها لخاطف الليل، أو رداء أسبله الشرف فكف الغرب منه الذيل، أو صعدة، أو مكان ورقة من وردة، أو قفل على تجليد، أو إحدى المطيفين بالوريد، أو لبب مركب، أو كوز مرتب، أو قتب مجرد أو سرج مؤكد، أو قربوس منه مفرد، أو واحدة من خشكنان، أو حدقة نجلاء من إنسان، أو طعنة ميّلها بسنان، أو سيف لان في يمين ضارب، أو مطرح القلادة من ترائب الكاعب، أو المملوك مما شفته الأشواق، وصنعته به عوادي الفراق، أو ما خدّه في خدّه الدفع المهراق؛ وكان للناس اشتغال باستقبال الهلال، وقلب المملوك في اشتغال مما عنده من البلبال، ومن ضنى جسده البال، وحالت الأحوال وما استحال، وبات وطرفه يتملى من المشرق الكريم حظا ماله مثال، وتأمل منه لفظا بمعاينه تضرب الأمثال، وتقلب وجهه في أفقه الدال على ودّ صح، فليس به اعتلال.
ومنه قوله: وعلمنا ما ذكره من أمر الصقر الذي وقع له، وما لحظه فيه من القبول، فأرسله وحمله إلى حيث حمله، ووصل وقد طرز رقوم المحاسن حلله، وزانته بديباجة مكملة، وحلية مكللة، خالصا كالذهب، متوقدا كشرارة لهب، موشى الصدر كما طفت على الكأس فواقع الحبب، أو كروضة منها ما لم يخرج من الآكام، ومنها ما هب مع النسيم حين هب، حسن الاستعداد للتدريب، مدركا فإذا دعي يجيب، مظفرا كجد مهدية فلا يخيب، وقد قبلناه تبركا بما يهديه، واشتغلنا به اشتغالا حقق ما لحظه من القبول فيه، ورفعناه من يدنا الشريفة إلى رتبة لا يصل معها، وإن كان بغيرها يتيه، وقدمناه على ما عندنا من الجوارح على كثرة عددها، وغزارة مددها، كتقدم المقام على الملوك الصائلة في عديدها وعددها، فلو رآه وله في حلاوة الالتفات تشوف الريم، وفي طلاوة الإنصات دل الأغيد الرخيم، وإلى أغراض مرسله تشوف الواله إذا ظل يهيم، وإصابة الباع المستفيد بالسهم المستقيم، وعلى الصيد حرص الغريم على الغريم، وفي طلبه سورة الظالم وثورة الظليم، إن أعطي الكمة فحليم، وإن كشف عنه غطاؤه فبصره حديد، ورأيه حكيم، فاقترب، فيد تطلقه وأخرى تحتطب، وسابق يحصّل ما يجتذب ويجتلب، وسائق «1» يقد ثقة بعوائده ولا يرتقب؛ يهفو بقوادم أقوى من قوائم، وعزائم على النجح علائم، كأنه كبير قوم، أو ممسك لصوم، يعفو عما كسره، ويعف عن شره، إذا افترس حرس، وإذا أحرز حرز، وإذا أدرك ترك، ولكن من مخالبه في شرك، كأنه يعرف التحليل فيبقى للتذكية، أو يحب الثناء فيعمل على التزكية، حتى إذا أدى الأمانة، وقضى إدمانه، وسطا في صيانة، تنحى جانبا، وانتحى مجانبا، واحتشم هائبا، انطوى على الطوى، وأعرض مع الخوى
على ما حوى، فإذا أباحه محصّله مما يأكله، وأطلقه عما أوثقه، وخلى ما بينه وبين ما صاد، بايته باقتصاد، كأن عليه رقيبا بمرصاد، وتناول قدر الحاجة، بشهوة مهاجة، ورجع إلى الكمة بطرف غضيض، وبطش غير مهيض، وثبات بعد وثبات كطرفي نقيض، بصره ثم تصرفه بين أيدينا في صيده، وحسن تلقفه لما يعن له بلباقة كيده، ورشاقة أيده، ولا يثنى عليه ثناء من أنهب سعيه، ورام ورمى فتم مرامه وصح رميه، ونحن نشكر مكارمه التي ملأت الحقائق والحقائب، ومدت عصائب جنود وجود يتبعها من الطير والعفاة عصائب.
* ومن نظمه قوله: [الوافر]
أقول وقد سألت قصاص قتلي
…
فقام لها الكرى بالاعتذار
كفاني من توفاكم بليل
…
ويعلم ما جرحتم بالنهار
ومنه قوله: [الطويل]
وما مثل هذا اليوم يخلف دره
…
فيخلفه بالدر بيض الغمائم
وقد عكس التشبيه فيه فعهنه
…
جبال لصلع الأرض مثل العمائم
ومنه قوله وقد أهدي إليه حلواء: [الوافر]
ولما جاءني منك افتقاد
…
حلا فحكى ثناءك حين يجري
حصلت بما أتى وحصلت مني
…
على الحلوين من بر وشكر
ومنه قوله: [الوافر]
أتى زيد إلى الحمّام يثني
…
معاطفه كما مال الرديني
فكان الماء وهو عليه جار
…
يرينا لؤلؤا فوق اللجين
ومنه قوله: [الطويل]
ولما أراد الصب خطا تسابقت
…
مدامع عينيه تحاول محوه
كأن بعينيه من الخط غيرة
…
على وجه محبوبي إذا سار نحوه
ومنه قوله مما يكتب على عصابة ذهب لامرأة حسناء: [الوافر]
تأمل هذه الوجنات تزهى
…
وقد حلّى تحلّيها الدلال
ترى شمس الضحى منها ومني
…
تتوجها على الرأس الهلال
ومنه قوله «1» : [السريع]
أنزلت من أهواه في مقلتي
…
صونا له من أعين الحسد
فجاء قلبي من طريق الكرى
…
يسرقها منها فلم ترقد
ومنه قوله: [الكامل]
تبسم ثغرها والخال يبدو
…
عليه كقلب ظمآن إليه
فقلت: الصبح؟ قالت: كيف يأتي
…
وليل الخال بواب عليه
وكتب إليّ: [البسيط]
إنا لتملكنا من هيبة خرس
…
في حيكم وعلينا منكم حرس
وإن خلونا وخلنا وحشة عرضت
…
عذنا بأسمائكم فاعتادنا الأنس
فنحن منكم وفيكم لا يزال لنا
…
من غيرة حرس، من هيبة خرس
حالان في حبكم ما حال بينهما
…
عهد الهوى وعليكم ليس تلتبس
وهل علمتم وحبكم الحال واحدة
…
أنا على النأي للأذكار نختلس
إذا مرضنا تداوينا بذكركم
…
ونترك الذكر إجلالا فننتكس
ومن لنا لو لثمنا تربكم فبها
…
شفاء أكبادنا والبرء يلتمس
أرض لها قبس من نوركم وكذا
…
من وطء أقدامكم يندى بها اليبس
تفديكم أنفس منا تحبكم
…
حياتها منكم في موتها نفس
فكتبت إليه: [البسيط]
مرت على عجل والركب محتبس
…
فما شككت بها والأمر ملتبس
وبان بان الحمى واهتز إذ خطرت
…
ولاح ضوء هلال أو بدا قبس
وفاح من مسك دارين لنا سحرا
…
نشر الخمائل إلا أنه نفس
وبت والليل يرميني بأنجمه
…
مثل العيون ومنها أعين نعس
فقمت في غفلة النوام أشربها
…
صرفا من الراح إلا أنها لعس
وما توهمت أن الليل منصرم
…
حتى تجرد من جلبابه الغلس
وافت تذكر بالعهد القديم وما
…
نسيته وهو لي في وحشتي أنس
ثقي سليمى بود لا يغيره
…
نأي الديار ولا يذكى له الحرس
بل ما تجن جوى منه القلوب ولا
…
يبدي هواه ومنه الجمر يقتبس
يا جيرة القدس ما قلبي كصخرته
…
وليس لي عين سلوان فتلتمس
لم نعتقد بعدكم والله يعلم ذا
…
إلا الوفاء لكم والحر محترس
قول ابن زيدون من حر الصبابة في
…
«بنتم وبنا» وسوف البين ينعكس
«1»
عتبا وصلحا ولا يدري بنا أحد
…
والودّ يبرأ أحيانا وينتكس
فسرّ عاذلنا لا كان عاذلنا
…
وكان أفصح نطق العاذل الخرس