الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما عندنا، فقل لنا كل ما عندك، وأرنا نارك إن كنت تحرق، وأقداح زندك.
* فأما ما نذكره لأصحاب الغوص قديما، ونصل جناحه بالمفاخرين، فسنغصّ به حلوق المفاخرين، ونقذي عيونهم في الآخرين، ونخرّهم للأذقان على وجوههم داخرين.
وها أنا ذاكر القسم الثاني؛ فمنهم:
4- أبو الفرج، عبد الواحد بن نصر بن محمد، القرشيّ المخزومي، المعروف بالببغاء
«1» * هو رأس الجماعة، ورئيس القوم في البضاعة، ما قصر في متن تشبيهه عن ابن المعتز، ولا في ديباجة لفظه عن البختري، ولا في إحكام معانيه عن أبي تمام، ولا في كثرة تنويعه عن أبي نواس؛ علم لا يخفى، وقلم لا يحفى، عرش آداب مخضل النبات، مخضر الجنات، رأي المجد هضبة فأناف رأسها، وحلبة فأجرى أفراسها، فطرّف بطارفه التّالد، وشرّف بمطارفه الوالد، وأحيا شرف مخزوم، وقد فرع عمر عمر وفات خالد؛ توفّي الببغاء سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة.
ومن كلامه يصف حمارة «2» : مخططة يستطيل بياضها، فيما يستطيل من أعضائها، ويستدير فيما يستدير؛ وهذه الأتان بما خرجت عن العادات، وخالفت الموصوفات، ناطقة في
كمال الصنعة بأفصح لسان، مشتملة على غرائب الإحسان؛ أنفس مدخر، وأغرب موشى، وأفخر مركوب، وأطرف محبوب، وأعجز موجود، وأبهر محدود؛ كأنما وسمها الكمال بنهايته، أو لحظها الفلك بعنايته، فصاغها من ليله ونهاره، وحلّاها بنجومه وأقماره، ونقشها ببدائع آثاره، ووشّى روضها بيانع أزهاره، ورمقها بنواظر سعوده، وجعلها بالكمال أحد حدوده؛ جامعة شتيتها بالقسمة والترتيب، بين زمني الشبيبة والمشيب؛ قيد الأبصار، وأمد الأفكار، ونهاية الاعتبار، بستان بسرج، وروضة بمرج، منزه على الحليّ عطلها، مزريّة بالزهر حللها؛ حدّ جنسها وعالم نفسها؛ صنعة المنشئ الحكيم، وتقدير العزيز العليم، فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «1» .
ومن قوله قرين أسطرلاب أهداه: أجلّ الهدايا- يا سيدي أطال الله بقاءك- موضعا، وألطفها من الملاطف موقعا، ما لاءم الاختيار، ووافق الإيثار، وكان العقل أخص بفائدته، والفهم أحظى بيمن عائدته؛ ولما كنت- أيدك الله- ممن لا يتوصل المتوصل إليه إلا بما تنصف «2» العادة الحكمة عليه؛ آثرتك- وفقك الله- ببرهان الحكمة ونسبها، ومدار الفلسفة وقطبها، ومرشد الفكر ومناره، وميزان الحسن ومعياره، ونافي الشك ومزيله، وشاهد العالم ودليله، ومصور الهندسة وممثلها، ومقسم البروج ومعدّلها، وموقف النّجوم ومثيرها، وجامع الأقاليم ومديرها؛ مرآة الحبك، وصورة الفلك، وأمين الكواكب، وحدّ المشارق والمغارب؛ مما اخترعت العقول تسطيحه، وأتقن الحساب تصحيحه، وتمارت الفطن في ترتيبه، واصطلحت الحكماء على تركيبه، فأوضحت باليقين تقسيمه، وأبانت بالكتابة قلمه ورسومه، إلى أن
شافهنا بالارتفاع على بعد مسافته، وحصر متفرق الأنوار في مجرى عضادته، واحتوى على قطري الشمال والجنوب، وأطلع باللّطف على خفيات الغيوب؛ متّعك الله باستخدامه، وأسعدك بمواقع أحكامه، وأغناك بالتوفيق عمّا يستمده منه، وبالخيرة عن الاختبارات الصادرة عنه، وقد آنست وحشته من فهمك بسكنه، ورددته من ذكائك إلى وطنه، فإن رأيت أن تديله من الأفهام الصدئة بصفاء بصيرتك، وتقرّه في أمنع قرار من كنف فطنتك، فعلت إن شاء الله تعالى.
ومنه قوله يستهدى دواة من الأبنوس بآلاتها: ولعل المولى ينعم بدواة تكون للكتابة عتادا، وللخواطر زنادا؛ جدولية العطفين، هلالية الطرفين، مسكية الجلدة، كافورية الحلية، فسيحة الأحشاء، مهفهفة الأعضاء، فهي من لون جلدتها، ووشائع حليتها:[الخفيف]
كشباب مجاور لمشيب
…
أو ظلام موضّح بنهار
أضمرت آلة النّهى فهي كالقل
…
ب وما تحتويه كالأفكار
يقارنها قضبان «1» من ذخائر السحاب، وودائع التّراب؛ كلّ معدل الكعوب، قويم الأنبوب، باسق الفروع، رويّ الينبوع، نقي الجسد، نازح العقد، مختلف الشيات، متفق الصفات، مما اعتنت الطبيعة بتربيته، وتبارت الدّيم في تغذيته، كالجوهر المصون، واللّؤلؤ المكنون؛ ملتحف الأجساد بمثل خوافي أجنحة الجراد، أولى باليد من البنان، وآنس بخفي السر من اللسان، مقترن ذلك بمدية لا تفتقر إلى جلب «2» ، ذات غرار ماض، وذباب قاض، ومنسر ناويّ، وحديد سمائي، وجوهر هوائي، ونصاب زنجي، وحد لجي، معه مقطّ، يرتفع عليه تقديرها وينحطّ، ذو جسد بجراحها مكلوم، وجلد بآثارها موسوم:[البسيط]
في كلّ عضو له من وقعها ألم
…
وليس ينجع فيه ذلك الألم
كأنّه وامتهان القطّ يزعمه
…
أنف الحسود إذا أرغمنه النّعم
حتى إذا جببت غاربه، وأطلقت مضاربه، انصاع من أصون جفير، وكرع في أعذب غدير، لا ترده غير الأفهام، ولا يمتح بغير أرشية الأقلام، تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره، وتنشأ سحب البلاغة من قراره، منير مظلم، مشمس معتم:[البسيط]
يجري وأجزاؤه في الوصف جامدة
…
ويستهلّ وما تجري له مقل
إذا الخواطر حامت حول مورده
…
لم يظمها من قراه العلّ والنّهل
كأنّ أقلامنا فيما تحمّله
…
إلى القراطيس عن أسرارنا رسل
ومنه قوله لرجل في تزويج أمه «1» : واتصل بي ما كان من أمر الواجبة الحقّ عليك، المنسوبة- بعد نسبتك إليها- إليك، واختيارها من الصيانة التي تحفظ جلالتها، وتحسن إيالتها، وتنمي مالها، وتشدّ أخوالها، وتعين طباعها على كرمها، وتقيم مهابتها على خدمها، ما لولا أن النفس تناكره بغير طريق شرعي ولا دليل قطعي، لكنت في مثله بالرضى أولى، وبالاعتداد بما جدّده الله من صيانتها أحرى؛ وقد آثر الصّلة بها من تقوى بصلته، قوّة اليد بالسّاعد، وتعتده عمّا بحكم المجاز، والعمّ صنو الوالد «2» ؛ وتزوجت أمّ زيد بن عليّ فلم يمنعه عمّا جاء به الشّرع حميّة النخوة، وسئل: لم تزوجت أمّك بعد أبيك؟ فقال: لتبشّر بآخر مثلي من الإخوة؛ وفي هذا لها
- أصانها الله- مزيد للعفة، ومزيل للكلفة، والزواج يستحبّ للرجال والنساء سواء، في طلب تجديده شهوات الأمّهات والآباء، وقد جدع الإسلام أنف الغيرة «1» ، وجعل فيما اختاره الخيرة؛ ولا يسخطك- أعزك الله- ما رضيه موجب الشرع، وحبّب أدب الديانة، وحكم به حاكم العقل في الصيانة، فمباح الله أحقّ أن يتبع، وهوى النفس في الحمية أولى أن يمتنع؛ فإياك أن تكون ممن إذا عدم اختياره، تسخط اختيار القدرة.
ومنه قوله في فتوح: أصدرت هذا الكتاب بمواقع نعم الله الشاملة، وآثار نعمه المتواصلة؛ وهو أنّا لمّا رأينا السّيوف متوثبة في الأيدي للضرب، وحاذرنا هجوم الشتاء على مضيق الدرب، جعلنا آخر الأمر أوله، وركبنا من الصعب أهوله، وأرسلناها تتبارى في الركض، وتتلاعب بالأرض، وتتواثب كالظلمان، وتتهافت كالعقبان؛ أسرع من النجوم السائرة، وأنفذ من السهام العائرة؛ إلى أن نزلنا بطن هنزيط «2» ، فكنا أسبق إلى عيون أهلها من النظر، وأدخل في نفوسهم من تسقط الحذر، ولم يمض صدر اليوم إلّا وقد حصل جميع من فيه من المقاتلة والحامية، والشّبي والماشية، والغلام والجارية، تحت رقّ الصّفاح، وفي ملك الخيل والرّماح؛ ثم يمّمنا بلد قالي قلا «3» ، فوردناها وقد سبقنا الإنذار، وتقدمّنا إليهم الحذار، فرجعنا إليهم بالعزائم الثاقبة، والكتائب العالية، فما كان بأسرع من أن زلزلت بهم الأقدام، وتحصّنوا بالهرب من الحمام، ودخلوا البلد؛ فكاد السور يقذف بمقاتلتهم،
والأرض تنخسف زلزالا بكافتهم؛ ثم دخلنا البلد والسيف يأخذ من أدركه، والطّعن ينحر من استملكه، ثم رجعنا على من استعصى بالكنيسة، فخاطبونا بلسان الإذعان، وراسلونا في التماس الأمان، فأجبناهم إلى ذلك مشترطين ما منعهم حظّ الإسلام من قبوله، فاقتطعهم الطّمع عن تحصيله، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
«1» وبرقت لهم مكائد النشاب، ودخلت عليهم رسل الموت على أجنحة النّسور من كل باب، فاستنزلناهم بحكم السيف وهم مهطعون وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ
«2» وأقمنا على أعلى جدرانه الأذان، ورتبنا المصلّبين مواضع الصّلبان، ثم انقلبنا بأسعد منقلب، وأربح مكتسب؛ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
«3» .
ومنه قوله يصف تشريفا وفرسا وصلا إلي أبي تغلب بن حمدان من الخليفة: وصل كتاب أمير المؤمنين مطلقا إلى الرّشد بالتوقيف، مقترنا بخصائص التّكرمة والتشريف؛ فقبّلت من الملبس الشريف مواقع أفضاله، واعتلقت من السعد بأذياله، وبرزت في الخلع الموسومة بإنعامه، والمناطق الناطقة بإكرامه، متدرّعا منها ثياب السكينة والهدى، مختالا من حللها فيما يروق الأولياء ويروع العدى، متقلّدا عضبه الذي هزّ النصر غراره، وأحسن آثاره، عاليا على عنق الزمان، بامتطاء ما حباني به من الجواد الذي تزلّ الأبصار عن صهواته «4» ،
وتتبلج غرّة الفجر في ظلماته، وهو مع كونه تحلّى بحلية الكافر، يروع كلّ كافر مشرك، ويحقق بركضه أن الليل الذي هو مدرك «1» ؛ والحمد لله الذي جعل صنائع أمير المؤمنين عند من يرتبطها بعلائق شكره، ويحرسها بالتوفّر على جميل ذكرها في ذكره.
ومنه قوله: فلان يطرق الدّهر إذا نظر، وينظر المجد إذا افتخر، سعى إلى العلياء فأدركها، وعاقد عليها الآراء فملكها، وهي ما تدرك بغير السماح، ولا تملك إلّا بأطراف الرّماح.
ومنه قوله: والبلاغة ميدان لا يدرك إلا بسوابق الأذهان، ولا يسلك إلا ببصائر البيان؛ وقل من يركب طريقها على التغرير، أو أمل قطعها بالتقصير، إلا فضحته المطاولة، وكشفت خلله المساجلة، فسقط من حيث أمل الرّفعة، وذلّ من حيث حاول المنعة.
ومنه قوله: وأما هذا الفتح، فأوصافه لا تدرك بالعبارات، ولا تدخل تحت العرف والعادات:[البسيط]
فتح أنار الهدى بعد الظلام له
…
واسترجع الدّين من بعد الرّهان به
تاهت بأيامه الأيام واعتذر الد
…
دهر الخؤون إليه من نوائبه
تباشرت بورود أخباره المنابر، وشهدت بفضله البواتر، ووفت فيه الخيل بعقد الضمان، وناب الخوف له عن ملاقاة الأقران، وآذن بالعاجل، على ما ادّخره الله في الآجل.
ومنه قوله: وقد شرفني سيدنا بأعز الحملان، الحامل لي على عنق الزّمان، فجاء موفيا على التأميل فيه، مناسبا لصنائع مهديه، متفاوت العدو، متقارب الخطو، حديد النظر، محمود الخبر، عريق النسب، مخبور الحسب، أخفّ من الوهم، وأمرق من السهم، وأسرع من البارق، وأشهر من لاحق «1» ؛ شخص إقبال، وجملة كمال «2» :[الكامل]
إن لاح قلت: أدمية أم هيكل؟
…
أو عنّ قلت: أسابح أم أجدل؟
تتخاذل الألحاظ في إدراكه
…
ويحار فيه النّاظر المتأمّل
فكأنّه في اللّطف سهم ثاقب
…
وكأنّه في الحسن حظّ مقبل
ومنه قوله: وإذا كان الشكر ترجمان النّية، ولسان الطّويّة، وسببا إلى الرّفادة، وطريقا إلى السعادة، فألسن آثارها على الشاكر مع الصّمت، أفصح من لسانه، وبيانها عند الجحود أبلغ من بيانه.
ومنه قوله:
فلان يسع العالم إحسانه، ويستغرق الشكر امتنانه، ويستخدم الدهر عزمه، ويؤدب الأيام حزمه، كعبة فضل، وغمامة وبل، الليالي بأفعاله مشرقة، والأقدار من خوفه مطرقة، تحمده أولياؤه، وتشهد له بالفضل أعداؤه، ولا يصل الشك إلى سريرته، ولا ترمد عن الحق عين بصيرته، كالقمر السعد، والأسد الورد «1» :[البسيط]
إن سار سار لواء النصر يقدمه
…
أو حلّ حلّ به الإقبال والكرم
يلقى العدى بجيوش لا يقاومها
…
كثر العشائر إلّا أنّها همم
ومنه قوله: والحمد لله على ما وهب مولانا من عافية يقتضي بها شكره، وعارض مرض يختبر بها صبره، ليوجب له الزيادة من نعماه بالشكر، ويدخر له أرفع درج الجزاء بجميل الصّبر:[الطويل]
فبالمجد فقر أن يصحّ له أمر
…
بقاء العلى والمكرمات بقاؤه
يداوي من الوعك الأطباء جسمه
…
ويعدم من وقع الرماح اتقاؤه
فياذا الذي في رأيه وحسامه
…
إذا اعتزما برء الزّمان وداؤه
رويدا فبالآمال أعظم فاقة
…
إلى غيث جود في يديك سماؤه
فرفقا بجسم إن أردت بقاءه
…
فصفحك للتّرفيه عنه شفاؤه
فما حمّ حتّى حمّت الخيل قبله
…
[وحتى ترى] الصّمصام يبدو اشتكاؤه
«2»
ولا تنكرن من ذا الدّؤوب اعتلاله
…
بحال فقد يصدي الحسام انتضاؤه
ومنه قوله:
وقد ذهب رمضان عن سيدنا يشهد له عند الله بأفعاله، ويثني عليه عند الله بأعماله، تحسد لياليه على صيامه أيامه، وينافس صباحه على تهجّده ظلامه، موصوله بالطاعات ساعاته، مقرونة بالخيرات أوقاته:[الكامل]
ولّى ولو ملك اختيارا أنزلت
…
شوّال عن أيّامه أيّامه
واسعد بعيد لم يزل يهدي له
…
بل قبل مقدمه البشارة عامه
ومنه قوله: كتبت إليك بيد أطلق الثّقة بيانها من اعتقال اليأس، وعن رغبة انصرفت إلى تأميله عن جميع النّاس؛ مستظهرا على الدّهر بالصّبر، إلى أن عدل بي الحزم عن طريق نوائبه، واجتنيت بيد التّوفيق ثمر السّلامة من مصائبه، وأنا من المولى متوسّط رغبتي وعلاه، وبين شكري ونداه، مع أنني كما قلت:[الطويل]
تطول على الأيام أن يسترقّني
…
مع الدّهر إلّا للكرام المواهب
وما كلّ حال يكسب المال مرتضى
…
ولكن على قدر النّفوس المكاسب
ومنه قوله يشكر منعما سلك به مسلك والده: لو ارتفع برّ عن شكر، أو جلّ إنصاف عن اعتراف، لارتفع قدر تفضلك الذي توالت عليّ أنواؤه، وسابق رجائي ابتداؤه، ولم يجسر حمدي على مطاولة إحسانك، ولا أقدم بناني على وصف امتنانك، ولكن «1» حقّ لمن انتهى «2» إليك أن يفوت الأكفاء، ويبذّ النّظراء، لا سيّما من قصدك مقصد أبيك، فغدا يرتجيك:[المتقارب]
فقد كان شكري ملكا له
…
وأنت أحقّ بميراثه
غمام أنت ماؤه، وبدر أنت ضياؤه، وعضب أنت غراره، وحقّ أنت مناره؛ سعى فجئت على أثره، وصمت فنطقت عن مفخره، فكرمك فرع كرمه، وهممك نتائج هممه.
ومنه قوله في التّهاني بعام: أسعد الأعوام- أطال الله بقاء الأمير- ما ألقى عليه سيدنا أيده الله بالمجاورة شعاع سعادته، التي هي حلي الدّهور، وغرر الأيام والشّهور، وقد أطلّ هذا الحول السعيد، مبشرا بأكمل مزيد، وأحسن تجديد:[الوافر]
فلا برح الزّمان بكلّ سعد
…
سفيرا بين ملكك والدّوام
إذا أفنيت عاما منه أضحى
…
ضمينا للبقاء بألف عام
فما عرف التّمام الخلق حتّى
…
ظهرت فصرت حدّا للتّمام
ومنه قوله: غرّة الدّهر، وقبلة الشكر؛ إن رفع الجيش حماه، أو هز الحسام أمضاه، أو أورد السنان أرضاه؛ تتعزز بخدمته الأيام، وتضيء بمناجاته ظلم الأفهام؛ خصم النّوب، وشخص الحسب:[المتقارب]
يجلّ عن الهزّ عند الجلاد
…
ويضحك في حالة المغضب
شجاعته عدّة المرهفات
…
وهيبته موكب الموكب
لا تطمع الأفهام بلوغ حقه في مطاولته، ولا تسمو همم الخواطر إلى مساجلته؛ غاية المادح أن يرجع عن الإطالة إلى الاختصار، ويقتنع بالقليل من الإكثار:[الكامل]
يا من سطوت على الزّمان تهاونا
…
بالحادثات مذ اعتمدت عليه
لا غرو إن أخّرت عنك مدائحي
…
مدح الحسام العضب في حدّيه
ومتى تشابهت الشّيات فإنّما
…
يجري الجواد إلى مدى أبويه
ذلك المقام مخاطبا على البعد بألفاظك، مرموقا بالمراعاة من ألحاظك، غير نازح عمّا ألفه من عواطف الولادة، وانبساط الأنسة المعتادة؛ وإنّ سببا أوثق حسم دواعي الخلاف، وأدّى إلى دوام الائتلاف، لحقيق بالمبالغة في تأكيده بالحرمة، وتخويله في النّعمة.
ومنه قوله في هذا المعنى «1» : وأما أبو النجم «2» فقد أدى الأمانة إلى متحملها، وسلم الذّخيرة الجليلة إلى متقبّلها، فحلّت من محل العز في وطنها، وآوت من حمى التودد إلى سكنها، صادرة من أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتصال [وأنبه سبب] ، وكيف يتوصّى الناظر بنوره؟ أم كيف يحضّ القلب على حفظ سروره؟ ولو لم يمتّ أبو النجم بغير الخدمة في هذا الأمر العظيم محلا، السعيد عقدا وحلّا، لكان للحظوة أهلا، ولرفع المنزلة أولى أن يملى «3» ؛ فكيف وآثار نصحه في جمع الشمل لائحة، ودلائل وفائه بهذه الألفة واضحة؟
ومن نثره أيضا:
وأما فلان، فقد أمنت الأعداء فتكات حسامه، وبعد عهد الخيل بأسراجه وألجامه.
ومنه قوله:
رئاسة تزهر المناقب في أفق علائها، وتتنافس الأشراف في التعلق بولائها؛ أسبق إلى الطعن من الأسنّة، وأحذق من زيد الخيل بتصريف الأعنة؛ إن قال فصل، أو حكم عدل، أو نطق صدق، أو سوبق سبق؛ البيان أصغر صفاته، والبلاغة عفو خطراته، مبرقع الطّلعة بالخفر، مسفر الوجه عن دارة القمر، ما ينفكّ من الكمد حاسده، ولا يسلم من الدّهر معانده:[المتقارب]
أقام حقوق النّدى والقنا
…
ليوم السّماح ويوم الطّعان
يجود بسابق نجح السّؤال
…
وبأس يطاعن قبل السنان
الحسام خدينه، والرّمح قرينه، والسرج وطنه، والتيقظ رسنه؛ سائره قلب، وجملته لبّ، من الدوحة التغلبية، والنبعة الحمدانية:[الكامل]
نسب لو ان الليل ألبسه انثنى
…
بضيائه لسنا الصّباح يضاهي
وخلائق لو صوّرت لظننتها
…
زهرا أو انبجست جرت بمياه
قوم بلوت مديحهم فوجدته
…
أحلى من الرشفات في الأفواه
وطلبت مجتهدا نهاية وصفهم
…
فوجدته ما ليس بالمتناهي
ومنه قوله: «1»
حقّ لمن انتمى إليك أن يفوت الأكفاء، ويبذّ النّظراء، لا سيما من قصد بك مقصد أبيك، وغدا يرتجيك، فقد توالت عليّ أنواؤه، وسابق رجائي ابتداؤه:[المتقارب]
وقد كان شكري ملكا له
…
وأنت أحقّ بميراثه
غمام أنت ماؤه، وبدر أنت ضياؤه، وعضب أنت غراره، وحقّ أنت مناره؛ سعى فجئت على أثره، وصمت فنطقت عن مفخره، فكرمك فرع لكرمه،
وهممك نتائج هممه، ذهب وأبقاك، ونام مطمئنا وقد استرعاك، فلقد خلقت عندي أياديه خلقا جديدا، واستصحبت لي من نعمه كرما موجودا.
* ومن شعره «1» : [البسيط]
أحبابنا هذه نفسي تودّعكم
…
إذ كان لا الصّبر يسليها ولا الجزع
قد كنت أطمع في روح الحياة لها
…
فالآن إذ بنتم لم يبق لي طمع
لا عذّب الله روحي بالبقاء فما
…
ظننتني بعدكم بالعيش أنتفع
ومنه قوله «2» : [البسيط]
يا مسقمي بجفون سقمها سبب
…
إلى مواصلة الأسقام في جسدي
عذرت من ظلّ في حبّيك يحسدني
…
لأنّه فيك معذور على حسدي
ومنه قوله «3» : [البسيط]
يسعى به البرق إلّا أنه فرس
…
من فوقه الموت إلّا أنه رجل
يلقى الرّماح بصدر منه ليس له
…
ظهر وهادي جواد ماله كفل
ومنه قوله «4» : [الكامل]
وكأنّما نقشت حوافر خيله
…
للنّاظرين أهلّة في الجلمد
وكأن طرف الشّمس مطروف وقد
…
جعل الغبار له مكان الإثمد
ومنه قوله «5» : [البسيط]