المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10- ومنهم: محمد بن محمد، عماد الدين، أبو حامد القرشي، الأصبهاني، الكاتب - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ١٢

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثانى عشر]

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌1- وأما أبو إسحاق فهو الصابي

- ‌4- أبو الفرج، عبد الواحد بن نصر بن محمد، القرشيّ المخزومي، المعروف بالببغاء

- ‌5- ومنهم: بديع الزّمان الهمذاني

- ‌6- ومنهم: أبو نصر العتبيّ

- ‌8- ومنهم: أبو عليّ، الحسن بن عبد الصمد بن أبي الشّخباء العسقلاني

- ‌9- ومنهم: القاضي الفاضل: [السريع]

- ‌10- ومنهم: محمّد بن محمّد، عماد الدّين، أبو حامد القرشيّ، الأصبهانّي، الكاتب

- ‌11- ومنهم: نصر الله بن محمّد بن محمّد، ضياء الدّين، أبو الفتح، ابن الأثير الجزريّ، الكاتب

- ‌12- ومنهم: ابن زبادة، قوام الدين، أبو طالب، يحيى بن سعيد بن هبة الله ابن علي بن زبادة الشيباني

- ‌13- ومنهم: شهاب الدين النسائي، أبو المؤيد، محمد بن أحمد بن علي بن عثمان بن المؤيد الخرندزي

- ‌14- ومنهم: ابن أبي الحديد، عز الدين، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد الحسين بن أبي الحديد، المدائني، أبو حامد

- ‌15- موفق الدين، القاسم بن هبة الله، أبي المعالي

- ‌16- ومنهم: ابن بصاقة، فخر القضاة، أبو الفتح، نصر الله بن هبة الله بن عبد الباقي بن الحسين بن يحيي الغفاري، الكناني

- ‌18- ومنهم: ابن قرناص، محيي الدين

- ‌19- ومنهم: ابن العجمي، كمال الدين، أحمد بن عبد العزيز الحلبي، أبو العباس

- ‌20-[ومنهم] : ابن الأثير الحلبي، تاج الدين، أبو جعفر، أحمد بن سعيد

- ‌21-[ومنهم] : شهاب الدين، أبو محمد [يوسف] بن كمال الدين أبي العباس أحمد بن عبد العزيز بن العجمي

- ‌22- ومنهم: أحمد بن أبي الفتح محمود الشيباني كمال الدين، أبو العباس

- ‌23- ومنهم: محمد بن عبد الله، شرف الدين، أبو محمد بن فتح الدين أبي الفصل، ابن القيسراني، القرشي، المخزومي

- ‌24- ومنهم: محمود بن سلمان بن فهد، الحلبي، الكاتب، شيخنا العلامة، حجة الكتاب، فرد الزمان، شهاب الدين، أبو الثناء

- ‌25- ومنهم: عليّ بن محمد بن سلمان بن حمائل، الشيخ الإمام، جمال الدول، علاء الدين، أبو الحسن

- ‌27- ومنهم: عبد الله بن علي بن محمد بن سلمان، عرف بابن غانم، جمال الدين، أبو الفضل، المقدسي

- ‌28- ومنهم: زين الدين الصفدي، أو حفص، عمر بن داود بن هارون بن يوسف الحارثي

- ‌29- ومنهم: خليل بن أيبك الصفدي، أبو الصفا، صلاح الدين

- ‌فهرس المترجمين

- ‌فهرس المصادر المعتمدة في الحواشي [المخطوطة والمطبوعة]

الفصل: ‌10- ومنهم: محمد بن محمد، عماد الدين، أبو حامد القرشي، الأصبهاني، الكاتب

‌10- ومنهم: محمّد بن محمّد، عماد الدّين، أبو حامد القرشيّ، الأصبهانّي، الكاتب

«1» .

* ركن الدّول وعمادها، ومزن الممالك وعهادها، علم يهتدي به الساري، وكرم ينتدي بسيبه الجاري، رسا كالطّود المرجحنّ وسرى كالجود فأوى إليه المستكنّ، وتحلّت به ترائب الأيام، وحلت بحجبه ربائب الخيام، فعلا مقدارا، وأبى أن يتخذ دارة البدر دارا، فقصّت دونه أجنحة النّعامى، وطرقت أفنية المعالي الأبكار والأيامى، وعزّ في تلك الدول فغالت في قيمته، وغالبت في نشر لطيمته، وكان ذا أيد تنهض بكلّ عظيمة، وتأبى كل هضيمة، بعزم يزاحم أبان «2» ، وتقدّم إذا نكل كلّ جبان، بأقدار لسان، وابتدار بديهة الإحسان؛ وكانت قصبات السبق لا تحرز إلّا لأدهمه، ولا تحزر دارات البدور إلا لدرهمه.

نشأ في حجر عمّه المستوفي «3» ، وتأدّب بأدبه، وعرف في ديوان الخلافة

ص: 253

باسمه، وخدم الأبواب الإماميّة، فقدّم على الأولياء، وتمسّك بالأسباب العلمية ومواريث الأنبياء، وكتب للدّولة النّورية فازدادت به نورا على نور، وازدانت منه بفرائد بحور على نحور، واتصل بالمقام الصّلاحي، فأصلح الفاسد، وأربح الكاسد، وكان بالخدمة النّاصرية كاتب الإنشاء بها حقيقة، وساحب ذيل كلّ حديقة؛ وأمّا الفاضل فكان قد رفّع عنها وكبّرها ثم كان أكبر منها، وكان العماد بحرا يتلاطم موجا، وأفقا يتلألأ أوجا، وكان ملازما للسّلطان سفرا وحضرا، ووردا وصدرا، ومحصّلا بصحبته آلافا وبدرا.

وكان فقيها جدليّا، عالما فاضلا، أديبا، أريبا، كاتبا، شاعرا، ناظما، ناثرا، ذا تصرّف في البيان، وتفنّن في الكلام، لو ازدحم عليه ألف بريد لجهزة، أو نظم كلّ فريد لما أعجزه؛ وله الجيّد النّادر، والغضّ النّاضر، والبعيد المرام عمل الوقت الحاضر، وله التأليفات الكثيرة، والمصنّفات المفيدة، والرسائل البديعة، والقصائد الصنيعة، إلا أنه كان متطبّعا متصنّعا، يظهر عليه أثر الكلفة وثقل التصنّع، مغرى بالتجنيس مع ما فيه من الكلّ على المسامع، لقرب مخارج الحروف، مما تنفر منه الطباع.

وسئل الفاضل عنه، فقال: سيّدنا العماد، مثل الزناد، ظاهره بارد، وباطنه واقد.

وكان محلّ الثقة من الفاضل، آمنا من توثبه عليه، وتغلبه على ما جعله السّلطان إليه، وبهذا كان يطمئنّ إذا غاب مع ما ينويه من قلب السّلطان.

وكان «1» العماد شديد الحرص على تحصيل الدّنيا، وكان الفاضل يلومه ويعتبه، ويعذله ويؤنبه؛ فبعث مرة يشكو إليه ضرورة، فكتب إليه الفاضل:

ص: 254

يا سيد أخيه، لا تسمع الدّهر هذه الشكوى، فيستعذبها فتستمر على العدوى؛ ولو اشتغلنا بالله لكان يغنينا، ولو قعدنا عن الرزق لأتانا لا يعنينا؛ وفي الحديث «1» :«اتّقوا الله وأجملوا في الطّلب» ولا ندري كيف يكون المنقلب؛ فبالله إلّا ما سمعت وأخذت هذا الأدب.

وله في هذا حكايات، منها «2» : أن رجلا من أهل حمص جاءه بطبق كيزان، وتفصيلة كتّان، قيمة ذلك كله نحو خمسين درهما، وسأل حاجة، فأخذ قصته وقرأها على السّلطان، وكان قد بلغه الخبر، فلم يجبه، فأعاد العماد عرض القصة وقراءتها مرات في مجالس عدة، والسّلطان لا يأمر فيها ولا ينهي؛ ففطن العماد وعلم أن الخبر قد اتصل بالسّلطان، فأعاد عرض القصة، فلما لم يجبه عنها، قال: يا مولانا، الطّبق الذي أحضره صاحب هذه القصة باق إلى الآن، لم أتصرف فيه، فإن كان ما ينقضي شغله أعدت إليه طبقه؛ فضحك السّلطان، وعجب من دناءة نفسه، وأمر بقضاء شغل الرجل.

وحكي «3» أنه كان شديد التّهافت على أخذ الختوم الذّهب الذي يجئ على كتب الفرنج، فوصل منهم كتاب بغير حضوره، ففتحه السلطان بيده وأخذ بعض الحاشية الختم، فلما جاء العماد قيل له: اكتب جواب هذا الكتاب، فقال: يكتب جوابه من أخذ الختم؛ فعزّ قوله على السّلطان، وقال له: ثم اخرج الوقت، ما هو محتاج إليك؛ فأتى العماد الفاضل، وعرّفه بما كان، فقال له: رح إلى الخانقاه، واقعد بها مع الفقراء، والبس زيّهم؛ فإذا طلبك السّلطان قل: أنا قد دخلت في أمر لا أخرج منه؛ ثم لا تخرج حتّى يأتيك السّلطان بنفسه مرضيا؛ ثم لم يلبث

ص: 255

الفاضل حتّى أتته رسل السّلطان في طلبه، فلمّا أتاه شكا إليه العماد، وقال له:

اكتب جواب هذا الكتاب؛ فقال: والله ما أعرف ما أكتب فيه، لأن العماد كان يصدر هذه الكتب، ولا يعرفه سواه؛ ولم يزل يلطف الأمر حتّى قال: اطلبه؛ فبعث في طلبه، فلم يحضر، واعتذر، فعظّم الفاضل الأمر، وكرر الرّسل في طلبه وهو لا يحضر، فقال الفاضل: أنا أروح خلفه، وأتلطّف به، فو الله هذا باب ما يسدّه سواه؛ ثم ذهب إليه، فأطال المكث، ثم عاد إلى السلطان وقال: لقد حرصت به فلم يجب، ورأيته مقبلا على ما دخل فيه إقبالا ما أظنه بقي يخرج عنه، وما ضر السلطان لو زار الفقراء، وترضى عبده؛ ولم يزل به حتّى أتاه وترضّاه.

* ومن نثره قوله جوابا عن السّلطان في تفضيل دمشق «1» : عرفنا طيب الدّيار المصريّة ورقّة هوائها، ونحن نسلّم إليها المسألة في طيبها وتوفير نصيبها، ورقة نسيمها ورائق نسيبها، لكن هلّا رأت أن الشام أفضل، وأنّ أجر ساكنه أجزل، وأنّ القلوب إلى قبله أميل، وأن الزّلال البارد أعلّ وأنهل، وأن الهواء في صيفه وشتائه أعدل، وأن الزّهر به أشبّ، والنبت به أكهل، وأن الجمال فيه أكمل، وأن القلب به أروح، والرّوح به أقبل؛ ودمشق عقليته الممشوطة وعقلته المنشوطة، وحديقته الناضرة، وحدقته الناظرة، وهي عين إنسانه، بل إنسان عينه، وصيرفيّ نقوده، وعين نضاره ولجينه، فمستامها مستهام، وما على محبّها ملام، وما في رؤيتها ريبة، وفي كلّ جيرة منها حبيبة، ولكل شائب من نورها شبيبة، ومع كلّ ورقة ورقاء، وعلى كلّ معانقة من قدود البانات عنقاء، وشادي بانها على الأعواد يطري ويطرب، وساجعاتها بالأوراق تعجم وتعرب،

ص: 256

وكم فيها من جوار ساقيات، وسواق جاريات، وأثمار بلا أثمان، وروح وريحان، وفاكهة ورمّان، وخيرات حسان، وقد تمسّكنا بالآية والسّنة والإجماع، وغنينا بهذه الأدلة عن الاختراع والابتداع.

أما أقسم الله تعالى بدمشق في قوله: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ

«1» والقسم من الله بها دليل على فضلها المصون؛ أما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» : «الشّام خيرة الله من أرضه، يسوق إليها خيرة الله من عباده» ؟. وهذا أوضح برهان قاطع على أنّه خير بلاده؛ أما الصّحابة رضوان الله عليهم، أجمعوا على اختيار السّكنى بالشام؟ أما فتح دمشق بكر الإسلام؟ وما ينكر أن الله ذكر مصر وسمّاها أرضا، فما الذّكر والتّسمية في فضيلة القسم، [ولا الإخبار عنها دليلا على الكرم، وإنّما اكتسبت الفضيلة] من الشّام، بنقل يوسف الصّديق إليها عليه أفضل الصّلاة والسلام، ثم المقام بالشّام أقرب على الرّباط، وأوجب للنشاط، وأجمع للعساكر السائرة من سائر الجهات؛ وأين قطوب المقطّم «3» من سنا سنير «4» ؟ وأين ذرى منف «5» من ذروة الشّرف المنيف «6» المنير؟ وأين الهرم الهرم من الحرم المحترم؟

وبينهما فرق، ما بين القدم والفرق؛ وهل للنّيل مع طول نيله وطول ذيله،

ص: 257

واستطالة سيله برد بردى في نقع الغليل؟ وما لذاك الكثير طلاوة هذا القليل، وسيل هذا السلسبيل؛ وإذا فاخرنا بالجامع وقبّة النسر «1» ، ظهر عند ذلك قصر القصر، على أن باب الفراديس «2» بالحقيقة باب النّصر، وما رأس الطابية كباب الجابية «3» ، ولو كان لناسها باناس «4» لم يحتاجوا إلى قياس المقياس؛ ونحن لا نجفو الوطن كما جفاه، ولا نأبى فضله كما أباه، وحبّ الوطن من الإيمان، ومع هذا فلا ننكر أن مصر إقليم عظيم الشّأن، وأن مغلّها كثير، وماؤها غزير، وأنّ عدّها نمير، وأن ساكنها ملك أو أمير، وأن الذهب فيها لا يوزن بالمثاقيل ولكن بالقناطير؛ ولكن نقول كما قال المجلس السّامي الفاضلي، أسماه الله: إن دمشق تصلح أن تكون بستانا لمصر، ولا شكّ أن أحسن ما في البلاد البستان؛ وهل دمشق إلّا مثل الجنان؟ وزين الدين «5» وفقه الله تعرض للشّام فلم يرض أن يكون المساوي حتّى شرع وعدّ المساوي! ولعلّه يرجع إلى الحقّ، ويعيد سعد إسعاد وفاقه إلى الأحق.

ومنه: ولو واصل خدمه بمقتضى مخالصته، لما وفى في جميع عمره، ببعض ما يجب عليه من حقّ المجلس وشكره، لكنّه يهاب الفضل العزيز فيتجنّب، ويستصغر قدره عند قدرة المعظم فيتأدب، ومن يقدم على مقابلة الشمس بسراجه؟ والعذب بأجاجه؟ والدّرّ بزجاجه؟ وأيّ قدر للقطرة عند البحر الخضم؟

ص: 258

وأيّ فخر للسّهى عند إنارة البدر التّم؟ وكلّما شرع في خدمة، فنصب يده المهابة وبسطتها الصّبابة، وجلى له جلاله وجه الهيبة، فرجع ممّا رجاه من سماحة خاطره بالظّنّة والخيبة، وقال لقريحته: دعي الاقتراح، ولا تستدعي الافتضاح، وليس إلّا الاعتراف بالقصور، لا الافتراق للمحظور.

ومنه قوله: على أنّه لم يبلغ مع استفراغ جهد البلاغة في الدّعاء والثّناء أمد المقصرين، وإن بذّ القرين وزاحم الأسود وولج العرين، فالعجز عن الإدراك إدراك، والمعجب في التّوحيد بادّعاء الحول والقوة إشراك.

ومما كتبه في فتح القدس «1» : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

«2» .

الحمد لله الذي أنجز لعباده الصالحين وعد الاستخلاف، وقهر بأهل التوحيد أهل الشرك والخلاف، وله الحمد الذي حقق بفتحه ما كان في النفس، وبدّل وحشة الكفر فيه من الإسلام بالأنس، وجعل عزّ يومه ما حيا ذلّ أمس، وأسكنه العالم والفقيه بعد البطرك والقسّ، وعبّاد الصّليب والشّمس، وأخرج أهل الجمعة منه أهل الأحد، وقمع من كان يقول بالتثليث أهل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

«3» وقد

ص: 259

فتح الخادم بحمد الله من الدّاروم «1» إلى طرابلس، وجمع ما حوت مملكة الفرنج إلى نابلس، ورجع الإسلام الغريب منه إلى داره، وقرّ سيل السير في قراره، وطلع قمر الهدى، وملأ بألسنة عزّها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ

«2» قريب المدى، وعاد الإسلام بإسلام البيت المقدس إلى تقديسه، ورجع بنيانه من التقوى إلى تقديسة تأسيسه.

ومنه قوله: جوده جود، وطوله طود، وكرمه كرم يعتصر صفو سلافه، ونعمه نعم تنحر وتنهر لأضيافه، ولا يحبّ الدّينار إلا مبذولا لعافيه، ولا يدّخر كثيرا إلا لجنى راجيه.

ومنه قوله: ما ظفر مدلج الإضلام بالسّنا، ومحوج الإعدام بالغنى، كظفر الخادم وفوزه بشرفه وعزّه، وسعادة جدّه وجدّة سعده، وحياة روحه وروح حياته، وحسنى حاله وحلية حسناته، وسنا سنائه المشرق عند إسفار إصباح أمله، وسفور وجه جذله، بورود المثال الممتمثل، المقبل المقبّل، المفضل المفضّل، عن المجلس العالي الفاضلي، لأفتئ حكم الشرع في شرع حكم فتياه فتيّا، وروض الولي بوليّ رضاه وجوده مجوّدا موليّا، ولا برح كاشحه يطوي على الشّح برح هوى، جوّه بالغيم مغيم، ومناصحه يحوي المنى، صحّة عقيدته وعقد صحته مبرم قويم.

ومنه قوله: وكتبها المملوك في منزلة عيونها سخينة، ونطافها ثخينة، وفوّارها فوّار،

ص: 260

وأنجادها أغوار، وساكنها غير ساكن، وقاطنها غير آمن، وجدا جداولها علاقم، وجنى جنادلها أراقم، وحيّاتها موحيات، تسعى متلوّيات، وتلتوي ساعيات، كأنّما صاغت الجن من سنابكها الخلاخل، أو أراغت لنا من لواذعها الغوائل، ثقال الرءوس، كأنّها نصب الفؤوس، فهي حطب العطب، وخشب الأشب؛ فمن طوال كحراب الزّنج، وقصار كبنادق الشّطرنج، وأوساط كأسواط العذاب، سراع كأنامل الحسّاب، وقصار كبارقات السّحاب، ومارقات النّشّاب؛ ومنها ما هو كدباسق الأتراك، أو كألوية الأملاك، ومنها بتر كأيدي السّارقين، وخفاف كدين المارقين؛ ومنها ما هو كمزمار الزّطّ أو كزنّار القبط؛ ومنها ما هو كأنه أصهب الفهود، أو تكك ذوات النّهود، أو أنياب النّمور، أو كمخالب الصّقور، أو أعصاب الخيول، أو نياب الفيول، أو طوامير الكتّاب، أو مسامير الأبواب؛ ومنها كلّ برقاء إذا انسلخت من جلدها ألقت كمّ درع، ونقبت حديد ذرع، وسوداء كصحيفة المجرم، وصفراء كصفحة المتألم، قصيرة مقتصرة الأعمار، دقيقة جليلة الأخطار؛ الحيات أمها، والممات سمّها، عنبرة لا يحملها حامل ولا يشمها.

* وبهذه الرسالة ذكرت شعرا كنت وصفت فيه منزلة كثيرة الأفاعي؛ ومنه: [الطويل]

وأرض ترى الحيات فيها سواريا

كأنّ مساريها ضروب من الرّقم

أساود رقط كالنّمال دبيبها

ولكن تراها في القساوة كالدّهم

وتختلف الألوان منها كأنّها

أزاهير روض وشّعتها يد الوسمي

إذا نشرت كانت حزاما وإنها

كعروة إذ تطوى المساحب للضمّ

ومطرقة فوق الكثيب كأنها

ضفائر ضمّتها مبدّنة الجسم

وآخر من دون الطّريق محملق

شجاع على متن الطريق له يحمي

ينضنض في فيه لسان مخصّر

كأنّ عليه طائر القطن والشحم

ص: 261

يشمّ دخان الموت من ليس دانيا

إليه ويلقى الموت من عاجل السّمّ

يذوب به قلب الحديد مخافة

ويفعل فعل النّار في موقد الفحم

تقنّع شبها بالكميّ وإنّه

لأفتك منه إذ يطاعن أو يرمي

بمرهفة دلق يقصّر دونها

مدى القاطع الهنديّ والرّمح والسهم

يساور أوهام اللّبيب أدّكاره

ويقتله قبل الغوائل بالوهم

إذا ما ترقّى الطّود خلت بأنّه

يجاوز كثبان السّحاب إلى النّجم

«1»

وذوحنق ما البرق إلّا شرارة

لأنفاسه أورشق ألحاظه المصمي

ويحدث ما لا كان في شهب الدّجى

خسوفا عقيب الشمس بالقمر التممّ

وأقسم لو ألقى على الصّمّ سمّه

لأثّر ذاك السّمّ في شاهق الصّمّ

ثم نعود إلى تتمة كلام الأصفهاني، فمنه قوله: صدرت هذه البشرى ودماء الفرنج على الأرض وقيل لها: ابلعي، وعجاجها في السّماء وقيل: أقلعي، وفاض ماء النّصال، وغاض ماء الضّلال، وهي بشارة اشترك فيها أولياء النّعمة، ونبئهم أنّ الماء بينهم قسمة «2» .

ومنه قوله:

ووجدناها قلعة أرضها في السماء، وتلعة في حوزها حواز الجوزاء، وعلى كلابها عواء العوّاء، ما تمرّ السّحب إلّا على سفوحها، ولا تسرق شياطين الكفر إلّا من سطوحها؛ إنا جعلنا نجوم النصال لها رجوما، وأدمنا لوبل الوبال عليها سجوما.

ص: 262

ومنه قوله:

وأسلم البلد، وقطع زنّار خندقه، وأبيح حمى حماته، واستولى الفرق على فرقه، وتطايرت الصّخور في نصرة الصّخرة المباركة، وحجرت على حكم السّور بسفه أحجارها المتداركة، وطهرت الصّخرة بمياه العيون التي ببعدها قذيت، وصقلت بالشفاه وطالما كانت بأيدي المشركين قد صدئت.

* ومن شعره قوله من قصيدة أوّلها «1» : [الطويل]

وأسأل عنكم عافيات دوارسا

غدت بلسان الحال ناطقة خرسا

ومنها:

مضى أمس منّي في انتظار غد لكم

وكلّ غد لا شكّ منقلب أمسا

وقيل لنا: في الأرض سبعة أبحر

ولسنا نرى إلّا أنا ملك الخمسا

ومنه قوله «2» : [البسيط]

ما طبت نفسا ولا استحسنت بعدكم

شيئا نفيسا ولا استعذبت لي نفسا

وكيف يصبح أو يمسي محبّكم

وشوقكم يتولّاه صباح مسا

نادمته وأخوه النّجم يحسدني

فإنّني كنت أرعاه إذا خنسا

ومنها قوله يصف مقتولا:

ما زال يعطس مزكوما بغدرته

والقتل تشميت من بالغدر قد عطسا

ص: 263

ومنه قوله «1» : [مجزوء الرمل]

حيرتي طالت بذي حور

طال في النّجوى محاوره

حلّ ما شدّت مناطقه

ثقل ما شدّت مآزره

ومنه قوله «2» : [الطويل]

ثوى همّه لمّا ثوى الصّبر عنده

مقيما وشطّ الصّبر في جيرة شطّوا

وأرّقه طيف فرى نحوه الدّجى

وقد كان جيب الليل بالصبح ينعطّ

تشاغلتم عنه وثوقا بودّه

كأنّ رضاكم عن محبّكم سخط

ملكتم فأنكرتم قديم مودّتي

كأن لم يكن في الحبّ معرفة قط

ومنه قوله وقد اعتقل ببغداد «3» : [الكامل]

قل للإمام: علام حبس وليّكم

أولو جميلكم جميل ولائه

أو ليس إذ حبس الغمام وليّه

خلّى أبوك سبيله بدعائه

ومنه قوله «4» : [الكامل]

في بردك الأسد الهصور محرّشا

وبجود كفّك تسكب الأمطار

تهب الألوف ولا تهاب ألوفهم

هان العدوّ عليك والدّينار

ومنه قوله وقد جاء قفل من أصفهان لم يعرفه أحد منهم، وعرفهم كلّهم بآبائهم «5» :[مجزوء الخفيف]

ص: 264

أنا ضيف وإنّما

أين أين المضيّف

أنكرتني معارفي

مات من كنت أعرف

ومنه قوله «1» : [الطويل]

وما هذه الأيام إلّا صحائف

نسطّر فيها ثمّ نمحى ونمحق

ولم أر في عمري كدائرة المنى

توسّعها الآمال والعمر ضيّق

ومنه قوله «2» : [الخفيف]

هي كتبي فليس تصلح من بع

دي لغير العطّار والإسكافي

هي إمّا مزاود للعقاقي

ر وإمّا بطائن للخفاف

ومنه قوله «3» : [الرمل]

وهضيم الكشح في حبّي له

لم يزدني كاشحي إلّا اهتضاما

كرم العاشق فيه مثلما

لؤم العاذل فيه حين لاما

«4»

بقوام علّم الهزّ القنا

ولحاظ تودع السّكر المداما

خدّه يجرحه لحظ الورى

فلذا عارضه يلبس لاما

ومنه قوله «5» : [الطويل]

هلمّوا إلينا نحو مشمس جلّق

وثم بمن نهوى على الأكل نلتقي

ص: 265

كأنّ مذاب الشّهد فيه مجسّد

أجدّ له عهد الرّحيق المعتّق

حكى جمرات بالغضا قد تعلّقت

فيا عجبا من جمره المتعلق

كأن نجوم الأرض فوق غصونه

كرات نضار بالزّمرّد محدق

قلت: وقد ذكر الفاضل صلاح الدّين أبو الصّفا خليل الصّفدي، أن العماد كان قالها:

كرات نضار في اللّجين مطرّق فلما أنشدت السّلطان صلاح الدّين قال: تشبيه الورق باللّجين غير موافق؛ فغيّرها العماد كما ذكرنا.

وقوله «1» : [الكامل]

قد كان يسمح بالوصال خيالها

لو لم تضنّ العين بالإغفاء

ودنت تودع للفراق وإنّما

إقصاء سهم القوس في الإدناء

وقوله «2» : [الكامل]

بدر فؤادي في محبّة وجهه

بدريّه المعدود من شهدائه

رمق المحبّ فلم يدع رمقا له

هلّا أخذت ذمامه لدمائه

وقوله «3» : [الكامل]

ماء الصّبا في وجنتيه وناره

ضدّان [بين] تموّج وتلهّب

وكأنّ وجنته وخطّ عذاره

فيها طراز مفضّض في مذهب

وقوله «4» : [الرمل]

ص: 266

هات يا بدر الدّجى شمس الضّحى

قهوة تهدي إلينا الفرحا

واملأ الكأس إذا فرّغتها

إنّ روح الرّاح يبغي شبحا

واقتدح زند سروري طربا

واسقنيها كلّ دور قدحا

لا تلم يا صاح- أفديك- على

سكر قلب فيك لو صحّ صحا

وقوله «1» : [الكامل]

وعلى السوالف منه فود مرسل

فيه فؤاد المستهام مقيّد

متقلّد بدمي وظنّي أنه

بمدامعي أو مثلها متقلّد

ما عاينت عيناي صدغا فاحما

إلّا وسواده لقلبي أسود

أيخاف عارضه عقارب صدغه

وعليه رعف للعذار مزرّد

وقوله «2» : [الطويل]

مشعشعة لاحت كأنّ مزاجها

كسا كأسها بالورس ثوبا مصبّغا

يطوف بها ساق من السّكر خلته

وقد عرفت منه الفصاحة ألثغا

إلى ريقه المعسول يظما محبّه

وروّى به عود الأراك الممضغا

وما فتّر العينين إلا ليقتلا

وما عقرب الصدغين إلا ليلدغا

وقوله «3» : [المنسرح]

يروقني في المها مهفهفها

ومن قدود الحسان أهيفها

يا ضعف قلبي من أعين نجل

أفتكها بالقلوب أضعفها

يا منكرا من هوى بليت به

علاقة ما يكاد يعرفها

ص: 267

دع سرّ وجدي فما أبوح به

وخلّ حالي فلست أكشفها

وقوله «1» : [الطويل]

نهيت فؤادي عن هواكم فما انتهى

ونهنهت دمعي في الغرام فمارقا

ومن فرط وجدي خلتم بي جنّة

إذا لم ترقّوا لي فما تنفع الرّقى

وقوله «2» : [الكامل]

هب أنّ قلبي للنّصيحة قابل

ما نافعي والدّمع ليس بقابل

مالوا إلى وصلي فحين وصلتهم

ملّوا وليس يملّ غير الواصل

وقوله «3» : [الكامل]

سل سيف ناظره لماذا سلّه

وعلى دمي لم دلّه قدّ له

واحذر سهام اللّحظ منه فإنّما

عن قوس حاجبه يفوّق نبله

واقبل وإن حسدوك عذر عذاره

واحسد على عسل بفيه تملّه

يا منجدا ناديته مستنجدا

في خلّتي والمرء ينجد خلّه

سر حاملا سرّي فأنت لحمله

أهل وخفّف عن فؤادي ثقله

فإذا وصلت فغضّ عن وادي الغضا

طرف المريب وحيّ عنّي أهله

وقوله «4» : [الوافر]

ألا يا عاذلي دعني وشأني

وما تجري المدامع من شؤوني

بكلّ خدينة للحسن مالي

سوى بلوى هواها من خدين

ص: 268