الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث في ذِكر الوليد
(962)
قال الإمام أحمد (1): ثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عيَّاش، حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ، فسَمَّوه الوليدَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«سَمَّيتُموهُ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، لَيَكُونَنَّ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ على هذه الأُمَّةِ من فرعونَ لقومِهِ» .
هكذا رواه أحمد في مسند عمر، وإسناده جيد (2)،
ولم يخرِّجوه.
(1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 109).
(2)
أعلَّه ابن حبان، فقال في «المجروحين» (1/ 125): هذا خبر باطل، ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا عمر، ولا سعيد حدَّث به، ولا الزهري رواه، ولا هو من حديث الأوزاعيّ بهذا الإسناد.
وقال ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 245): فلعلَّ هذا قد أُدخل على إسماعيل بن عيَّاش في كِبَرِه، وقد رواه وهو مختلط.
وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 159): يَرويه الأوزاعي، واختُلف عنه، فرواه إسماعيل بن عيَّاش، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن عمرَ، وغيرُه يَرويه عن الأوزاعي، ولا يَذكر فيه عن عمرَ، وهو الصواب.
ومما يدلُّك على نكارة هذا الحديث: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (10/ 580 رقم 6200 - فتح) في الأدب، باب تسمية الوليد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما رَفَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَه من الركوع، قال: «اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد
…
» الحديث.
قال الحافظ: لمَّا لم يكن هذا الحديث المذكور على شرط البخاري أومأ إليه كعادته، وأورد الحديثَ الدالَّ على الجواز (أي: جواز التسمية بالوليد) فإنه لو كان مكروهًا؛ لغيَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم كعادته، فإنَّ في بعض طرق الحديث المذكور الدلالة على أنَّ الوليد بن الوليد المذكور قد قَدِمَ بعد ذلك المدينةَ مهاجرًا، كما مضى في المغازي، ولم يُنقل أنه غيَّر اسمَه.
وانظر: «القول المسدَّد» (ص 12 - 17).
لكن قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (1) عن الحاكم وغيره، عن الأصمِّ، عن سعيد بن عثمان التَّنوخي، عن بِشر بن بكر، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني سعيد بن المسيّب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة من أُمِّها غلامٌ فسَمَّوه الوليدَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«تُسمُّونَ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، غيِّروا اسمَه -فسَمَّوه: عبد الله-، فإنَّه سيكونُ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ، يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ لأُمَّتي من فرعونَ لقومِهِ» .
هكذا وقع في رواية البيهقي مرسلاً.
وكذا رواه يعقوب بن سفيان (2) عن محمد بن خالد بن العبَّاس السَّكسكي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، مرسلاً.
قال الوليد بن مسلم: فكان الناسُ يَرَون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين / (ق 390) خَرَجوا عليه، فقَتَلوه، فانفَتَحتِ الفتنةُ على الأُمَّة والهَرْجُ.
قلت: أما الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فكان فاسقًا مجاهرًا بالمعاصي، وقد حَكَى عنه صاحب «العِقد» (3) وأصحابُ التاريخ شيئًا فرِيًّا من أنه أَذِنَ لحبابَةَ مولاتِه، فصَلَّتْ بالناس الفجرَ وهي جُنُب! والله أعلم بصحَّة ذلك، وكانت مدَّة ولايته للسَّلطنة سَنَة وقريبًا من شهرين، ثم خُلِعَ، وقُتِلَ، وعُلِّق رأسُه على حائط الجامع الشرقيِّ ممَّا يلي المصلِّين مدَّةً، ثم رُفِعَ، وغُسِلَت آثارُ دمِهِ.
(1)(6/ 505).
(2)
في «المعرفة والتاريخ» (3/ 450).
(3)
انظر: «العقد الفريد» (5/ 191).
وأمَّا عمُّه الوليد بن عبد الملك فامتدَّت ولايتُه نحوًا من عشر سنين، فعمَّر فيها المسجدَ الجامعَ بدمشق، وزَخْرَفَهُ، وزَيَّنهُ، وتأنَّق فيه جدًّا، ولم يكن بناءٌ على وجه الأرض شرقًا ولا غربًا في زمانه أبهى منه ولا أحسنَ، وصَرَف عليه من بيت مال المسلمين من الذَّهَب مالايُحدُّ كثرةً، مع أنه كان موصوفًا بالشهامة والصَّرامَة، وكان فيه جَبرية.
وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب «أحكام القبور» (1)، عن عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله: أنه لمَّا أَلحده في قبره شاهَدَ منه أمرًا منكرًا، فيه عظةٌ عظيمةٌ للناس: رَوى أنه حين وَضَعه في اللَّحد جُمِعَت رُكبَتَاه إلى عُنُقِهِ، ورَوى أنه حُوِّل وجهُهُ عن القِبلة.
والذي اشتَهَر من حاله أنه كان من مُلُوك الإسلام، وكانت له مملكةٌ متَّسعةٌ في المشارق والمغارب، ومن أحسن ما روي عنه أنه كان يباشرُ أحوالَ الرَّعيةِ / (ق 391) بنفسِهِ، ويَصرفُ إلى الزَّمنَي والمرضى والمجذَّمين ما يَكفيهم من بيت المال.
وأحسن من هذا ما روي عنه أنه قال: لولا أنَّ اللهَ عز وجل قصَّ علينا خبرَ قومِ لوطٍ ما ظننتُ أنَّ ذَكَرًا يَعلو ذَكَرًا!
حديث آخر
(963)
قال أحمد (2):
ثنا حسن، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزُّبير، عن
(1)(ص 118 رقم 127) عن محمد بن الحسين، عن علي بن حفص، عن سلَاّم الطَّويل، عن عمرو بن ميمون قال: سَمِعتُ عمرَ بن عبد العزيز يقول: فذكره.
وهذا إسناد تالف؛ آفته سلَاّم الطَّويل، وهو: متروك، كما قال الحافظ في «التقريب» ، فكان الأولى بالمؤلِّف الإعراض عن مثل هذا الخبر.
(2)
في «مسنده» (1/ 23 رقم 152) و (3/ 347 رقم 14735).
وأخرجه -أيضًا- البزار (1/ 350 رقم 233) والفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 385 رقم 1689) من طريق بِشر بن عمر. وابن شبَّة في «تاريخ المدينة» (1/ 283) من طريق الوليد بن مسلم. وأبو يعلى، كما في «المقصد العلي» (1/ 267 رقم 610) من طريق يحيى بن إسحاق. ثلاثتهم (بِشر بن عمر، والوليد بن مسلم، ويحيى بن إسحاق) عن ابن لَهِيعة، به.
لكن في رواية البزار وابن شبَّة: «سيخرج أهل المدينة» .
جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أخبَرَه أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرُجُ أهلُ مكةَ ثم لا يعير (1) بها، أو يغير (2) بها إلا قليلٌ، ثم تمتلِئُ وتُبنَى، ثم يَخرجون منها ولا يعودون فيها أبدًا» .
هذا إسناد جيد، لأنَّ ابن لَهِيعة قد صرَّح بالسماع فزال محذور تدليسه (3).
حديث آخر
(964)
قال أحمد (4): ثنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر، أخبرني قال (5): سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَسيرَنَّ الرَّاكبُ في جَنَباتِ المدينةِ، ثم لَيَقولَنَّ: لقد كان في هذا حاضِرٌ من المؤمنين كثيرٌ» .
(1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا» ، وفي المطبوع:«لا يُعبَرُ» .
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لا يَعبُرُ» .
(3)
في هذا نظر؛ فأبو الزبير: مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع، وابن لهيعة: سيئ الحفظ، وفي الرواية التالية ما يبين اضطراب ابن لهيعة في إسناده.
(4)
(1/ 20 رقم 124).
(5)
كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «المسند» ، و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 21 رقم 6537):«أخبرني عمرُ، قال» .
قال أحمد: ولم يَجز به حسن الأشيب جابرًا (1).
وهذا -أيضًا- جيد (2)، والله أعلم.
وقد تقدَّم في كتاب الجهاد (3) من حديث عبد الله بن عمر السَّعدي، عن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن أبيه، سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ سَيَمنعُ الدِّينَ بنصارى من ربيعةَ على شاطئِ الفُرَاتِ» ؛ ما تَرَكتُ عربيًا إلا قَتَلتُهُ أو يُسلِمُ.
رواه النسائي (4)، وهو غريب (5).
(1) وروايته في «المسند» (3/ 341 رقم 14678)، وتابَعَه موسى بن داود، وقتيبة، وروايتهما في «المسند» أيضًا (3/ 347 رقم 14736).
(2)
في هذا نظر، وهذه الرواية صورة من صور اضطراب على ابن لهيعة، وقد أخرج البخاري (4/ 89 رقم 1874 - فتح) في فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، ومسلم (2/ 1009 رقم 1389) في الحج، باب في المدينة حين يتركها أهلها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«تتركون المدينةَ على خير ما كانت، لا يَغشاها إلا العوافي -يريد: عوافي السِّباع والطَّير-، وآخر من يحشر راعيان من مُزينة ....» . الحديث.
(3)
(2/ 185 رقم 630).
(4)
في «سننه الكبرى» (8/ 90 رقم 8717 - ط مؤسسة الرسالة).
(5)
تقدَّم الكلام عليه في الموضع السابق.
تنبيه: كَتَب المؤلِّف بحاشية الأصل ما نصُّه: «يتلوه الوريقة» ، إلا أنِّي لم أجد هذه الورقة ضمن أوراق المخطوط.