المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثناء عليه - مسند الفاروق لابن كثير ت إمام - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجامع

- ‌ما ورد في العلم عنه رضي الله عنه

- ‌ ما ورد عنه في الإيمان

- ‌حديث آخر في القَدَر أيضًا

- ‌حديث آخر في التَّوكل

- ‌حديث فيه أثر عن عمر في القَدَر أيضًا

- ‌حديث يُذكر في تفاضل الإيمان

- ‌حديث في تضعيف ثواب توحيد الله وذِكره

- ‌حديث في التواضع

- ‌حديث آخر في كراهية كثرة المال

- ‌أحاديث في الأدب

- ‌أحاديث في الملاحم

- ‌حديث في ذِكر الخوارج

- ‌حديث في ذِكر الوليد

- ‌أحاديث المعجزات والمناقب والفضائل، وهي مرتَّبة على أسماء الأعيان، ثم القبائل، ثم البلدان

- ‌ومن فضل الصِّديق

- ‌حديث آخر في فضل الصِّديق، وفيه شَرَف عظيم لعمر رضي الله عنهما

- ‌حديث في فضل عليٍّ رضي الله عنه

- ‌حديث آخر في فضل طلحة بن عبيد الله التَّيمي رضي الله عنه

- ‌حديث في فضل ابن مسعود وعمَّار رضي الله عنهما

- ‌حديث في فضل مصعب بن عُمَير العَبدَري الذي قُتِلَ يوم أُحُد بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم حمايةً عنه رضي الله عنه وأرضاه

- ‌أثر في فضل رأي عبد الله بن عباس وأبيه رضي الله عنهما

- ‌حديث في فضل الحسن والحسين سِبطَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه، وسيِّدَي شباب أهل الجنَّة رضي الله عنهما

- ‌أثر في فضل جَرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه وأرضاه

- ‌حديث في فضل زينب بنت جحش أُمِّ المؤمنين

- ‌أثر في فضل غُضَيف بن الحارث الكندي

- ‌حديث في فضل أُويس بن عامر القَرَني أحد التابعين رحمه الله

- ‌أثر فيه فضيلة لأبي مسلم الخَوْلاني رحمه الله

- ‌أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذِكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثَّناء عليه

- ‌ أحاديث في فضل القبائل والبقاع

- ‌حديث آخر في فضل عنَزَة

- ‌حديث في ذِكر بني بكر

- ‌حديث في فضل عُمَان

- ‌حديث في فضل الشَّام

- ‌حديث فضل حمص

- ‌حديث في فضل عسقلان

- ‌الملاحق والفهارس

- ‌نقد الطبعة السابقة للكتاب

- ‌الاستدراك الأول: إسقاطه لعشرات النصوص:

- ‌الاستدراك الثاني: التصرف في النص بالزيادة والنقصان

- ‌الاستدراك الثالث: التحريف والتصحيف في أسماء الرجال، ومتون الأحاديث

- ‌الاستدراك الرابع: إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر

- ‌الاستدراك الخامس: إتيانه بنص لا وجود لها في النسخة الخطية

- ‌وأخيرًا: وقفة مع حواشي الدكتور قلعجي:

- ‌فهرس الفوائد

- ‌السقط:

- ‌التصحيفات:

- ‌التحريفات:

- ‌الاختلافات:

- ‌الاستدراكات:

- ‌التعقبات:

- ‌فهرس مصادر التحقيق

- ‌المصادر المخطوطة:

- ‌المصادر المطبوعة:

الفصل: ‌أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثناء عليه

‌أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذِكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثَّناء عليه

(1008)

قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (1): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو حامد أحمد بن علي المقرئ، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفَّان بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جُوَيرية بن أسماء، عن نافع (2) قال: بَلَغنا أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ من ولدي رجلاً بوجهه شَينٌ يَلِي، فيملأُ الأرضَ عدلاً. قال نافع من قِبَلِهِ: ولا أَحسَبُهُ إلا عمرَ بن عبد العزيز.

إسناده صحيح إلى نافع، وهو منقطع بينه وبين عمر، والظاهر أنه سَمِعَه من ابن عمرَ، عن عمرَ، فقد روى البيهقي -أيضًا- (3) من حديث مبارك بن فَضَالة، عن عبيد الله، عن نافع قال: سَمِعتُ ابنَ عمر يقول كثيًرا: ليتَ شِعري، مَن هذا الذي مِن وَلَدِ عمرَ بن الخطاب في وجهِهِ علامةٌ، يملأُ الأرضَ عدلاً؟!

ثم قال الترمذي / (ق 420) في «التاريخ» أيضًا (4): ثنا أحمد بن إبراهيم، أخبرني أبو داود، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة، أنا عبد الله بن دينار، قال: قال ابن عمر: ياعجبًا، يَزعمُ الناسُ أنَّ الدُّنيا لن

(1)(6/ 492).

(2)

ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين نافع وعمر.

(3)

في الموضع السابق (6/ 492).

(4)

ومن طريقه: أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

ص: 137

تنقضي حتى يَلِيَ رجلٌ من آل عمرَ، يَعملُ مثلَ عملِ عمرَ. قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه (1)، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأُمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

فلنذكر شيئًا من ترجمة أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن عبد العزيز (2)، لِيُعرَفَ محلُّه من الدِّين، وسبب اتِّفاق الكلمة على الثَّناء عليه من السَّلف والخلف، فنقول، وبالله المستعان: هو أميرُ المؤمنين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأُموي المدني ثم الدِّمشقي، الإمامُ العادل، والخليفةُ الصالح، المطيعُ للهِ ورسولِهِ رضي الله عنه وأرضاه. وأُمُّه أُمُّ عاصم حفصة -وقيل: ليلى- بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قاله محمد بن سعد كاتب الواقدي وغيره.

وكان من التابعين بإحسان.

روى عن أنس بن مالك، وصلَّى أنسٌ خلفَه، وقال: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. وعن الرَّبيع بن سَبرة بن مَعبد الجُهَني (م) والسَّائب بن يزيد، وسعيد بن المسيَّب -وكان لا يُجاوِزُ فتياه لمَّا / (ق 421) كان نائبًا على المدينة- واستَوهَب من سهل بن سعد السَّاعدي قَدَحًا شَرِبَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فوَهَبَهُ له، وعن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، وعبد الله بن إبراهيم بن قارِظ (م س)، ويقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارِظ (م)، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب (د سي ق)، وعروة بن الزُّبَير (م س)، وعُقبة بن عامر الجُهَني (ت) -يقال: مرسل-، ومحمد بن

(1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وكان بوجهه أثر» .

(2)

هذه الترجمة منقولة من «تهذيب الكمال» (21/ 432 - 446) وفيها زيادات.

ص: 138

عبد الله بن الحارث بن نوفل، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ومات قبله، ونوفل بن مُساحق العامري، ويحيى بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن العاص، ويوسف بن عبد الله بن سلام (د)، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (ع)، وأبي سَلَمة بن عبد الرحمن بن عوف (س)، وخَوْلة بنت حكيم (ت) -مرسل-.

وروى عنه: إبراهيم بن أبي عَبْلة (م)، وإبراهيم بن يزيد النصري، وإسماعيل بن أبي حكيم، وأيوب السَّخْتياني (د)، وتمَّام بن نَجيح، وتَوبة العَنْبري، ومولاه ثَرْوان أبو علي، والحكم بن عمر الرُّعَيني، وحميد الطَّويل، ورجاء بن حَيوة، ورُزَيق بن حيَّان الفَزَاري، ورَوْح بن جَنَاح، وأخوه زَبَّان بن عبد العزيز بن مِهران، وزياد بن حبيب، وسليمان بن داود الخَوْلاني، وصالح بن محمد زائدة أبو واقِد اللَّيثي الصَّغير (ق)، وصخر بن عبد الله بن حَرمَلَة المدلجي، وابنه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن العلاء بن زَبْر، وعبد الله بن محمد العَدَوي، وابنه عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك / (ق 422) بن الطُّفيل الجَزَري (س) -فيما كَتَب إليهم- وعثمان بن داود الخَوْلاني، وعمر بن عبد الملك الكناني، وعمرو بن عامر الأسدي والد أسد بن عمرو القاضي، وعمرو بن مهاجر (ي)، وعمير بن هانئ العَنْسي، وعَنْبسة بن سعيد بن العاص (خ م) -قوله في القَسَامة- وعيسى بن أبي عطاء الكاتب، وغَيْلان بن أنس (ي)، وكاتبه ليث بن أبي رُقيَّة الثَّقَفي (خد)، وأبو هاشم مالك بن زياد الحمصي، ومحمد بن الزُّبير الحنظلي (مد)، ومحمد بن أبي سُوَيد الثَّقَفي (ت)، وقاصُّه محمد بن قيس (س)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (م س) -وهو من شيوخه-، ومحمد بن المنكدر، ومروان بن جَناح، ومسلمة بن عبد الله

ص: 139

الجُهَني، وابن عمِّه مسلمة بن عبد الملك بن مروان، والنَّضر بن عربي (د)، وكاتبه نعيم بن عبد الله بن همام القَيْني (س)، ونوفل بن الفُرَات، ومولاه هلال أبو طعمة (د سي ق)، والوليد بن هشام المُعَيطي (خد)، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، ويعقوب بن عُتبة بن المغيرة بن الأخنس (د)، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ع)، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن (م س) -وهو من شيوخه- وأبو الصَّلت (د).

ذَكَره الإمام محمد بن سعد (1) كاتب الواقدي في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة، قال: وأُمُّه أُمُّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. قالوا: وُلِدَ في سنة ثلاث وستين، وهي السَّنة التي ماتت فيها ميمونة أُمِّ المؤمنين.

قال: وكان ثقة مأمونًا، له فقه وعلم ووَرَع، وروى حديثًا كثيرًا، وكان إمام عَدل.

/ (ق 423) وقال الفلَاّس وخليفة: وُلِدَ سنة إحدى وستين. وهذا هو المشهور.

قال الفَلَاّس: ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومائة.

وكذا قال أبو نعيم الفضل بن دُكَين، وأبو مُسْهِر الغَسَّاني، وغير واحد أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة.

وزَعَم الهيثم بن عدي أنه مات سنة اثنتين ومائة، وليس بشيء.

(1) في «الطبقات الكبرى» (5/ 330).

ص: 140

قال الفلَاّس: وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يومًا.

وقال سعيد بن كثير بن عُفَير: كان أسمرَ، دقيقَ الوجه، حَسَنَهُ، نحيفَ الجسم، حسنَ اللِّحية، غائرَ العينين، بجبهته أثرُ نفحة دابة، قد وَخَطَهُ الشَّيبُ.

وقال إسماعيل بن علي الخُطَبي: رأيتُ صفتَهُ في بعض الكتب

، فذَكَر مثل هذا، إلا أنَّه قال: كان أبيضَ، فالله أعلم.

فأمَّا الأثر الذي كان بجبهته، وهو الذي وَصَفه أميرُ المؤمنين عمرَ بن الخطاب:

(1009)

فقال آدم بن أبي إياس، عن ضَمرة بن ربيعة: ثنا أبو علي ثَرْوان مولى عمر بن عبد العزيز قال: دخل عمرُ بن عبد العزيز إلى اصطبل أبيه وهو غلام، فضَرَبه فرسٌ فَشَجَّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدَّمَ، ويقول: إن كنتَ أشجَّ بني أُميَّة إنك إذًا لسعيدٌ.

وأمَّا بشارةُ عمرَ رضي الله عنه بولاية عمر بن عبد العزيز، وأنه سَيَملأُ الأرضَ عدلاً كما مُلِئَت جَوْرًا، فقد كان هذا مشهورًا في الملاحم.

(1010)

قال أبو بكر ابن أبي خيثمة (1): ثنا أبي، ثنا المُفضَّل بن عبد الله، عن داود / (ق 424) بن أبي هند قال: دخل علينا عمرُ بن عبد العزيز من هذا الباب -يعني بابًا من أبواب مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ من القوم: بعث إلينا الفاسقُ بابنه هذا يتعلَّم الفرائضَ والسُّننَ، ويزعم أنَّه لن يموتَ حتى يكونَ خليفةً، ويسيرُ بسيرة عمرَ بن الخطاب.

قال داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه.

(1) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (45/ 137).

ص: 141

قلت: وكان أبوه عبد العزيز بن مروان من خيار الأمراء كَرَمًا وشجاعةً ودِينًا، ولم يكن فاسقًا كما زَعَم هذا القائل، وكان نائبًا لأخيه عبد الملك بن مروان على مُلك مصر، وكان قد بعث بابنه إلى الحجاز يتعلَّم العلمَ من الفقهاء بها، وكان قد أدَّبه قبل ذلك على صالح بن كَيسان، فقال عنه صالح لأبيه: ما رأيتُ أحدًا اللهُ أعظمُ في صدره من هذا الغلام.

وقال الإمام مالك: كان عمرُ بن عبد العزيز بالمدينة قبل أن يُستَخلَفَ وهو يُعنىَ بالعلم، ويحفر عنه، ويجالسُ أهلَهُ، ويَصدرُ عن رأي سعيد بن المسيّب، وكان سعيدٌ لا يأتي أحدًا من الأمراء غيرَ عمرَ، أرسَلَ إليه عبد الملك فلم يأته، وأرسَلَ إليه عمرُ فأتاه، وكان عمرُ يكتب إلى سعيد في عِلْمِهِ.

وقال أبو زرعة الدِّمشقي: عن دُحيم، عن ابن وهب، عن عبد الجبار الأَيْلي، عن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: قَدِمْتُ المدينةَ وبها ابنُ المسيّب وغيرُه، وقد بَذَّهم (1) عمرُ يومئذ رأيًا.

(1011)

وقال محمد بن سعد (2): أنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن / (ق 425) بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: لما قَدِمَ عمرُ بن عبد العزيز المدينةَ واليًا عليها، كَفَّ حاجبُهُ الناسَ، ثم دخلوا، فسلَّموا عليه، فلمَّا صلَّى الظهرَ دعا عشرةَ نَفَرٍ من فقهاء البلد: عروة بن الزُّبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد

(1) أي: سَبَقَهم وغَلَبَهم. «النهاية» (1/ 110).

(2)

في «الطبقات الكبرى» (5/ 334).

ص: 142

بن ثابت (1)، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه بما هو أهلُهُ، ثم قال: إنِّي أَدعوكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحقِّ، ما أريدُ أن أقطعَ أَمرًا إلا برأيكم، أو برأي من حضر من منكم (2)، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى، أو بَلَغكم عن عاملٍ ظُلامة، فأُحرِّج بالله على أحد بَلَغَهُ ذلك إلا أبلغني، فَجَزَوه خيرًا، وافتَرَقوا.

وقال ابن وهب، عن اللَّيث: حدَّثني قادِمٌ البربري أنه ذاكر ربيعةَ بنَ أبي عبد الرحمن شيئًا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال له ربيعة: كأنك تقول: إنه أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قطُّ.

قلت: وقد رأيتُ في بعض الكتب العتيقة حكايةً مرسلةً عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: لستُّ أحتجُّ بقول أحدٍ من التابعين إلا بقولِ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله.

هذا الكلام صحيح من وجهين عند كثير من علماء الأصول: أحدهما: أنَّ إجماع أهل المدينة حجَّة؛ لأنه قد اتفق مع فقهاء عصره (3) / (ق 426) على ألا يحكم إلا بقولهم، وهو وَهُم أهلُ الحلِّ والعقد، وعليهم تدور الفتاوى في زمانهم رحمهم الله.

الثاني: أنَّ قول الإمام إذا اشتَهَر ولم يُنكَر يكون حجَّة بخلاف غيره من

(1) تنبيه: جاء بحاشية الأصل: «سقط العاشر» .

قلت: وهو: عبد الله بن عبد الله بن عمر، كما في «الطبقات» .

(2)

كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حضر منكم» .

(3)

قوله: «أنَّ إجماع أهل المدينة حجَّة؛ لأنه قد اتفق مع فقهاء عصره» : هذه الفقرة وردت في الأصل بزيادة، لكن المؤلِّف ضرب عليها، وإليك الفقرة مع الزيادة: «أن إجماع أهل المدينة حجة، كما هو مذهب مالك، ونص ربيعة الرأي هذا؛ لأنه قد اتفق

» الخ.

ص: 143

العلماء، وهو اختيار بعض علماء الأصول، ولم تكن هذه الخاصَّة إلا لعمر بن عبد العزيز من بين التابعين رحمهم الله.

وقال علي بن حرب: عن سفيان بن عيينة قال مجاهد: أتيناه نُعلِّمه، فما بَرحنا حتى تعلَّمنا منه.

قال: وقال ميمون بن مِهران: ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز إلا تلامذة.

وقال البخاري (1): وقال موسى: ثنا نوح بن قيس قال: سَمِعتُ أيوب يقول: لا نعلم أحدًا ممَّن أدركنا كان آخَذَ عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم منه. يعني: عمر بن عبد العزيز.

وقال خُصيف: ما رأيت رجلاً خيرًا منه.

وقال محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر: إنَّ لكلِّ قوم نَجِيبة، وإنَّ نَجِيبة بني أُميَّة عمر بن عبد العزيز، وإنه يُبعث يوم القيامة أُمَّةً وحدَه.

وقال ضَمرة بن ربيعة (2)، عن السَّريِّ بن يحيى، عن رَيَاح بن عَبيدة: خَرَج عمرُ بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إنَّ هذا لشيخ جاف. فلمَّا صلَّى ودخل لَحِقتُهُ، فقلت: أصلح اللهُ الأمير، مَن الشيخ الذي يتَّكئُ على يدك؟ قال: يا رَيَاحُ رأيتَهُ؟ قلت: نعم. قال: ما أَحسَبُكَ يا رَيَاحُ إلا رجلاً صالحًا، ذاك أخي الخَضِر، / (ق 427) أتاني فأَعلَمَني أنِّي سأَلِي أمرَ هذه الأُمَّة، وأنِّي سأَعدِلُ فيها.

هذه حكاية غريبة جدًّا، ولم أر للخَضِر ذِكرًا أَصحُّ منها إن كانت محفوظة، والله أعلم.

(1) في «التاريخ الكبير» (6/ 175).

(2)

ومن طريقه: أخرجه الآجري في «أخبار عمر بن عبد العزيز» (ص 51 - 53).

ص: 144

والغرض أنَّه رضي الله عنه أقام بالمدينة واليًا عليها مدًّة، ثم بعد ذلك صارت إليه الخلافة من ابن عمِّه وصِهره سليمان بن عبد الملك بن مروان رحمه الله، أدخله بينه وبين أخويه يزيد وهشام، وذلك أنَّ عبد الملك كان قد عهد بالأمر إلى بنيه الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، فولي الوليد بعده عشر سنين، بنى فيها مسجد دمشق، وزَخرَفَه، وتأنَّق فيه، ثم مات في سنة ستٍّ وتسعين، فقام بعده أخوه سليمان، وجعل ابنَ عمِّه وزوجَ أخته فاطمة عمرَ بن عبد العزيز مشيرًا ووزيرًا، فلا يقطع شيئًا إلا برأيه، وعهد بالأمر إليه من بعده، وتوفي سليمان يوم الجمعة لعشر خلون -وقيل: بقين- من صفر سنة تسع وتسعين، واستُخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله في ذلك اليوم، وبايعه الناس، وقام في الخلافة أتمَّ قيام، وردَّ المظالِمَ والحقوقَ إلى أهلها، وجعل اللهُ له لسانَ صدقٍ في الآخرين مع قصر ولايته رحمه الله.

قال ابن عَون: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز الخلافة، قام على المنبر، فقال: أيُّها الناس، إن كرهتموني لم أقم عليكم. فقالوا: رضينا، رضينا. قال ابن عَون: الآن حين طاب الأمر.

(1012)

وقال الزُّبير بن بكَّار: حدَّثني محمد بن سلَاّم، عن سلَاّم بن سُليم قال: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز / (ق 428) صَعِدَ المنبرَ، فكان أوَّل خطبة خطبها حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، مَن صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلَاّ فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجةَ من لا يستطيعُ رفعَها، ويعينُنا على الخير بجهده، ويدلُّنا من الخير على مالا نهتدي إليه، ولا يغتابنَّ عندنا الرَّعيةَ، ولا يعترضُ فيما لا يعنيه. قال: فانقشع عنه الشُّعراء والخطباء، وثَبَت الفقهاء والزُّهاد، وقالوا: ما يسعنا أن نفارق

ص: 145

هذا الرَّجل حتى يخالف فعلُه قولَه.

وقال إسماعيل بن عيَّاش: عن عمرو بن مهاجر: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز لمَّا استُخلِفَ قام في الناس، فحَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّه لا كتابَ بعد القرآن، ولا نبيَّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وإنِّي لست بقاضٍ، ولكنيِّ مُنفِّذٌ، أَلا وإنِّي لستُ بمبتدعٍ، ولكنِّي مُتَّبعٌ، إنَّ الرَّجلَ الهاربَ من الإمام الظالم ليس بظالم، أَلَا وإنَّ الإمامَ الظالمَ هو العاصي، ألا لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق.

وقال فضيل بن عياض: عن السَّري بن يحيى: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز حَمِدَ اللهَ تعالى، ثم خنقته العبرة، ثم قال: أيُّها الناس، أصلحوا آخرتَكم تصلح لكم دنياكم، وأصلحوا سرائرَكم تصلح لكم علانيتُكم، والله إنَّ عبدًا ليس بينه وبين آدم أبٌ إلا قد مات، إنَّه لَمُعرَّقٌ له في الموت.

(1013)

وقال محمد بن سعد (1): عن سعيد بن عامر، عن جُوَيرية بن أسماء: قال عمرُ بن عبد العزيز: إنَّ نفسي هذه نفسٌ توَّاقةٌ، / (ق 429) وإنَّها لَم تُعطَ من الدُّنيا شيئًا إلَاّ تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلمَّا أُعطيت الذي لا أفضل منه في الدُّنيا، تاقت إلى ما هو أفضل من ذلك. قال سعيد: الجنَّة أفضل من الخلافة.

وذِكر محاسنه وفضائله ومآثره على الاستقصاء يطول شرحه، وقد استوعب ذلك محرَّرًا الشيخ الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في «سيرة العُمَرَين» .

وفيما ذَكَرنا إشارة إلى ذلك، إن شاء الله تعالى، وبه الثِّقة.

(1) في «الطبقات الكبرى» (5/ 401).

ص: 146

قد تقدَّم أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ونصفًا، أزيد من خلافة أبي بكر الصِّديق بقليل، رضي الله عنهما.

قال جعفر بن سليمان الضُبَعي: عن هشام بن حسَّان: لمَّا جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن: مات خير الناس.

روى له الجماعة في كتبهم السِّتة، وإنما وقع له في «صحيح البخاري» (1) حديث واحد من رواية اللَّيث بن سعد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرَ بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرئٍ أَفلَسَ، ثم وَجَدَ متاعَهُ عنده بِعينِهِ، فهو أولى به من غيرِهِ» .

وقد أخرجه الجماعة (2) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني القاضي أحد التابعين، ومَن بعده إلى أبي هريرة تابعون -أيضًا-، فقد اجتمع في هذا الإسناد أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، والله أعلم.

(1)(5/ 62 رقم 2402) عن أحمد بن يونس، عن زُهَير، عن يحيى بن سعيد، به.

(2)

أخرجه البخاري (2402) في الاستقراض، باب إذا وجد ماله عند مُفلس في البيع، ومسلم (3/ 1193 رقم 1559) في المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري

، وأبو داود (4/ 87 رقم 3519) في البيوع، باب في الرجل يُفلس

، والترمذي (3/ 562 رقم 1262) في البيوع، باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم

، والنسائي (7/ 357 رقم 4690) في البيوع، باب الرجل يبتاع البيع فيُفلس

، وابن ماجه (2/ 790 رقم 2358) في الأحكام، باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس.

ص: 147