الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث في فضل أُويس بن عامر القَرَني أحد التابعين رحمه الله
(993)
قال الإمام أحمد في «المسند» (1): حدثنا عفَّان، حدثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، قال: لمَّا أَقبل أهلُ اليمن جعل عمرُ رضي الله عنه يَستَقري الرِّفاقَ، فيقول: هل فيكم أحدٌ من قَرَن؟ حتى أتى على قَرَن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن. فوقع زمامُ عمر، أو زمام أُوَيس، فناوَلَه -أو ناول أحدُهما الآخر- فعَرَفَه. فقال عمرُ: ما اسمُك؟ قال: أنا أُوَيس. قال: هل لك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض / (ق 407) شيءٌ؟ قال: نعم، فدَعَوتُ الله فأَذْهَبَهُ عنِّي إلا موضعَ الدرهمِ من سُرَّتِي لأذكُرَ به لِرَبِّي (2). قال له عمر: استَغفِرْ لي. قال: أنت أحقُّ أن تستغفِرَ لي، أنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقالُ له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فدعا اللهَ فأَذْهَبَهُ عنه إلا موضعَ الدرهمِ في سُرَّتِهِ» . فاستغفَرَ له، ثم دخل في غمارِ الناسِ، فلم يَدْرِ أين وَقَع. قال: فقَدِمَ الكوفةَ. قال: فكنَّا نجتمعُ في حَلْقة فنَذكُرُ اللهَ عز وجل فيَجلسُ معنا، فكان إذا ذَكَر هو وَقَع حديثُهُ في قلوبنا مَوقِعًا لا يَقعُ حديثُ غيرِهِ
…
، فذَكَر الحديث.
هكذا رواه الإمام أحمد مختصرًا.
(1)(1/ 38 رقم 266).
(2)
كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع: «ربِّي» .
وقد رواه الإمام الحافظ مسلم بن الحجَّاج القشيري رحمه الله في «صحيحه» (1) مطوَّلاً جدًّا، فقال:
(994)
حدثنا محمد بن المثنَّى، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى، عن أُسَير بن جابر قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمنِ سألهم: أيُّكم (2) أُوَيس بن عامر؟ حتى أتى على أُوَيسٍ، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مُراد ثم من قَرَن؟ قال: نعم (3). قال: ألك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامر مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّه، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل» . فاستغفِرْ لي. فاستغفَرَ له. فقال له عمر: أين تريدُ؟ قال: الكوفةَ. قال: ألا أَكتبُ لك إلى عاملها؟ قال: أكونُ في غَبرَاءَ الناسِ أحبُّ إليَّ. قال: فلمَّا كان من العام المقبل حجَّ رجلٌ من أشرافهم، فوافَقَ عمرَ، فسأله عن أُوَيس، فقال: تَرَكتُهُ رَثَّ الهيئةِ (4)، قليلَ المتاعِ. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ، فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ / (ق 408) هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّهُ، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل» . فأتى أُوَيسًا، فقال: استغفِرْ لي. قال: أنت أحدثُ عهدًا بسَفَرٍ صالحٍ،
(1)(4/ 1969 رقم 2542)(225) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني.
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أفِيكُم» .
(3)
زاد في المطبوع: «فكان بك بَرَصٌ فبَرِأتَ منه إلا موضعَ درهمٍ؟ قال: نعم» .
(4)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «رَثَّ البيتِ» .
فاستغفِرْ لي. قال: استغفِرْ لي. قال: لَقِيتَ عمر؟ قال: نعم. قال: فاستغفَرَ له. قال: ففَطِنَ له الناسُ، فانطَلَق على وجهِهِ.
قال أُسَير: وكَسَوتُهُ بُردَةً، وكان كلُّ من رآه قال: من أين لأُويسٍ هذه البُردةُ؟
(995)
ثم قال مسلم (1): ثنا محمد بن المثنَّى، ثنا عفَّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقال له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فمُرُوهُ فليستغفِرْ لكم» .
/ (ق 409) هكذا أورد حديث أُويس الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه «جامع المسند» (2) من كتاب مسلم من هذين الوجهين، ولم يَسقه من «مسند الإمام أحمد» ، ولا عَزَاه إليه.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي في كتابه «الأطراف» (3): حديث أُويس القَرَني بطوله، رواه مسلم في الفضائل عن زُهَير بن حرب، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، عن أبي نَضرة (4). وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنَّى وبُندَار. ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى.
(1)(4/ 1968 - 1969 رقم 2542)(224).
(2)
(6/ 285 - 286 رقم 5783).
(3)
«تحفة الأشراف» (8/ 11 رقم 10406).
(4)
قوله: «عن سليمان بن المغيرة، عن أبي نضرة» كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف» ، لكن أصلحه محقِّقه، فقال:«عن سليمان بن المغيرة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة» .
كلاهما عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ، به. وعن زُهَير بن حرب، عن عفَّان (1) عن حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، به مختصرًا. انتهى كلامه، وفيه مخالفة لابن الجوزي، والله أعلم.
وقال الإمام علي ابن المديني -وقد رواه من طرق-: هذا حديث بصري، لم نَجِدْ لأهل الكوفة فيه حديثًا مثل ما رواه أهل البصرة.
قلت: تفرَّد بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب أُسَيرُ، ويقال: -يُسَير- بن جابر، ويقال: ابن عمرو -أبو الخيار المحاربي- ويقال: العَبدي، ويقال: الكِندي، ويقال: الدَّرمَكي، ويقال: القِتباني- البصري، روى عن عمرَ وسهل بن حُنَيف وخُرَيم بن فَاتِك وأبي مسعود البدري، وروى عنه جماعة، منهم: ابنه قيس، وأبو إسحاق الشَّيباني، ومحمد بن / (ق 410) سيرين، وأبو عمران الجَوْني.
قال علي ابن المديني: أُسَير بن جابر هذا من أصحاب ابن مسعود، روى عنه أهل البصرة، سَمِعتُ سفيانَ بن عيينة يقول: قَدِمَ أُسَير بن جابر البصرةَ، فجعل يحدِّثهم، فقالوا: هذا هكذا! فكيف النَّهر الذي شرب منه؟! -يعنون: عبد الله بن مسعود-، أي: أنه منه أخذ العلمَ.
قال علي: وأهل البصرة يقولون: أُسَير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: أُسَير بن عمرو، ومنهم من يقول: يُسَير.
وقال العوَّام بن حَوشب: وُلِدَ في مُهاجَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومات سنة خمس وثمانين، وقد روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
(1) قوله: «عن زُهَير بن حرب، عن عفَّان» كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف» ، لكن أصلحه محقِّقه، فقال:«عن زُهَير بن حرب ومحمد بن المثنَّى، عن عفَّان» .
طريق أخرى لحديث أُوَيس القَرَني
(996)
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (1):
ثنا هُدبة بن خالد أبو خالد، ثنا مبارك بن فَضَالة، حدثني أبو الأصفر، عن صَعْصَعَة بن معاوية، قال: كان أُوَيس بن عامر رجلٌ (2) من قَرَن، وكان من أهل الكوفة، وكان من التابعين، وخَرَج به وَضَحٌ (3)، فدَعَا اللهَ أن يُذهِبَهُ، فأَذهَبَهُ، فقال: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أذكرُ به نِعَمَكَ عليَّ، فتَرَك له ما يَذكرُ به نِعَمَهُ عليه، وكان رجلاً يلزم المسجدَ في ناسٍ من أصحابه، وكان ابنُ عمٍّ له يلزمُ السُّلطانَ، يَولَعُ به (4)، فإنْ رآه مع قومٍ أغنياءَ قال: ما هو إلا أن / (ق 411) يَستأكِلُهُم! وإنْ رآه مع قومٍ فقراءَ قال: ما هو إلا أن يَخدَعُهُم! وأُوَيس لا يقولُ في ابنِ عمِّه إلا خيرًا، غيرَ أنه إذا مَرَّ به استَتَرَ منه مخافةَ أن يأثمَ في سَبِّه. وكان عمرُ بن الخطاب يسألُ الوفودَ إذا قَدِموا عليه من الكوفة: هل تعرفون أُوَيسَ بن عامر القَرَني؟ فيقولون: لا. فقَدِمَ وَفدٌ من أهل الكوفة، فيهم ابنُ عمِّه ذاك، فقال: هل تعرفون أُوَيس بن عامر القَرَني؟ قال ابن عمِّه: يا أميرَ المؤمنين، هو ابن عمِّي، وهو رجلٌ نَذلٌ فاسدٌ، لم يَبلُغْ ما إن تَعرفُهُ أنت يا أميرَ المؤمنين. فقال له عمر: ويلكَ هَلَكتَ، ويلكَ هَلَكتَ، إذا أتيتَهُ فأَقرئْهُ منِّي السَّلامَ، ومُرْهُ فَليَفِدْ إليَّ. فقَدِمَ الكوفةَ، فلم يَضَع ثيابَ سَفَرِهِ عنه حتى أتى المسجدَ، قال: فرأى أُوَيسًا،
(1) في «مسنده» (1/ 187 رقم 212) وعنه: ابن حبان في «المجروحين» (3/ 151 - 152).
وأخرجه -أيضًا- عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على الزهد» (ص 477 رقم 2019).
(2)
كذا بالأصل، والمطبوع من «مسند أبي يعلى» .
(3)
الوَضَح: البَرَص. «النهاية» (5/ 196).
(4)
وَلَع به: استَخَفَّ به. «القاموس» (ص 774 - مادة ولع).
فلَمَّ به (1)، فقال: استغفِرْ لي يا ابنَ عمِّي. قال: غَفَرَ اللهُ لك يا ابنَ عمِّ. قال: وأنت يَغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر، أميرُ المؤمنينَ يُقرِئُكَ السَّلامَ.
قال: ومَن ذَكَرني لأمير المؤمنين؟ قال: هو ذَكَركَ، وأَمَرني أن نُبلِّغك أن تَفِدَ إليه. قال: سمعًا وطاعةً لأمير المؤمنين. فوَفَد إليه حتى دخل على عمرَ رضي الله عنه، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: أنت الذي خَرَج بك وَضَحٌ فدَعَوتَ اللهَ أن يُذهِبَهُ عنك، فأَذَهَبَهُ؟ فقلتَ: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ. فتَرَك لك في جسدك ما تَذكُرُ به نعمتَهُ عليك. / (ق 412) قال: وما أدراك يا أميرَ المؤمنين؟ فواللهِ ما اطَّلعَ على هذا بشرٌ. قال: أخبَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكونُ في التابعين رجلٌ من قَرَن، يقال له: أُوَيس بن عامر، يَخرجُ به وَضَحٌ يَدعو اللهَ تعالى أن يُذهِبَهُ عنه، فيُذهِبَهُ، فيقول: اللهمَّ دَعْ لي في جسدي ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ، فيَدَعُ له منه ما يَذكُرُ به نعمتَهُ عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يَستغفِرَ له؛ فليَستغفِرْ له. فاستغفِرْ لي يا أُوَيسَ بن عامر! فقال: غَفَرَ اللهُ لك يا أميرَ المؤمنين. قال: وأنت يغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر. قال: فلمَّا سمعوا عمرَ قال عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال رجلٌ: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، وقال آخر: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، فلمَّا كَثَروا عليه انسَابَ، فما رُئِيَ حتى السَّاعةَ.
وهذا إسناد حسن، إلا أنَّ أبا الأصفر هذا لا أعرفه (2)،
ولم يَذكره أبو
(1) أي: قَرُب منه. انظر: «النهاية» (4/ 272).
(2)
قال عنه ابن حبان: أبو الأصفر شيخ يروي عن صعصعة بن معاوية، روى عنه المبارك بن فَضَالة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
والحديث قال عنه الذهبي في «السِّير» (4/ 26): هذا حديث غريب، تفرَّد به مبارك بن فَضَالة، عن أبي الأصفر، وأبو الأصفر: ليس بالمعروف.
حاتم الرازي، فأمَّا صَعْصَعَة بن معاوية التَّميمي هذا فصحابي (1)، وهو أخو جَزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس رضي الله عنهم.
طريق أخرى
(997)
روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث مُعَلِّل بن نُفَيل، ثنا محمد بن مِحصَن، عن إبراهيم بن أبي عَبلة، عن سالم، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرُ، إذا رأيتَ أُوَيسًا القَرَني، فقل له فليستغفِرْ لك، فإنَّه يَشفعُ يومَ القيامةِ في مثلِ / (ق 413) ربيعةَ ومُضَرَ، بين كَتِفَيهِ علامةً مثلَ الدرهمِ» .
هذا منكر جدًّا من هذا الوجه، ومخالف لما تقدَّم، ومحمد بن مِحصَن هذا هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عكَّاشة بن مِحصَن العُكَّاشي، كذَّبه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وضعَّفه باقي الأئمَّة (2).
ولنذكر ترجمة أُوَيس القَرَني ليُعرَفَ حاله، وبالله المستعان، فإنه قد نَقَل الحافظ أبو أحمد ابن عدي (3) عن الإمام مالك بن أنس أنه كان يُنكرُ وجودَ أُوَيس، يقول: لم يَكُن.
وقال البخاري (4): في إسناده نظر فيما يَرويه.
وقال ابن عدي: ليس له من الرواية شيء، إنما له حكايات ونُتَفٌ في زُهده، ولا يَتهَيَّأُ أن نحكمَ عليه بالضعف، بل هو صدوق، وقد شُكَّ في وجوده، وهو مشهور.
(1) انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (3/ 1530) و «الإصابة» (5/ 141).
(2)
انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 195 رقم 1093) و «تهذيب الكمال» (26/ 372).
(3)
في «الكامل» (1/ 413).
(4)
في «التاريخ الكبير» (2/ 55 رقم 1666).
وأمَّا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، فإنه قال في كتابه «حلية الأولياء» (1): فمن الطبقة الأولى من التابعين سيِّد العُبَّاد، وعَلَم الأَصفياء من الزُّهاد، أُوَيس بن عامر القَرَني، بَشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، وأوصى به، ثم روى حديثَ عمرَ من رواية أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر عنه، كما تقدَّم، وفيه زيادات، وعَزَاه إلى «صحيح مسلم» !
ثم قال (2): ورواه الضَّحَّاك بن مُزَاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يُتابِعه أحدٌ عليها، تفرَّد به مَخلد (3) بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عنه، ثم أَسنَدَه كذلك / (ق 414)، وفيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر لأصحابه يومًا أُوَيسًا، فقالوا: يا رسولَ الله، وما أُوَيس؟ قال: «أَشهَلُ (4)، ذا صُهُوبَةٍ (5)، بعيدُ ما بين المَنكِبَين، مُعتَدِلُ القَامَةِ، آدمٌ شديدُ الأُدمَةِ (6)، ضارِبٌ بذَقنِهِ إلى صَدرِهِ، رَامٍ (بِبَصَرِهِ)(7) إلى موضعِ سُجُودِهِ واضعٌ يمينَه على شمالِه يَتلُو القرآنَ، يَبكي على نفسِهِ، ذُو طِمرَين (8) لا يُؤبَهُ له، مُتَّزِرٌ بإزارِ صُوف، ورداءِ صُوف، مجهولٌ في أهلِ الأرضِ، معروفٌ في السماءِ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّ قَسَمَهُ، ألا وإنَّ تحت مَنكِبِهِ الأيسرِ لُمعةً بيضاءَ، ألا وإنَّه إذا كان يومُ القيامةِ قيل للعُبَّاد: ادخُلُوا الجنَّةَ، ويقال
(1)(2/ 79).
(2)
(2/ 80).
(3)
قوله: «مخلد» تحرَّف في المطبوع إلى: «مُجالِد» !
(4)
أشهل: من الشُّهْلة، وهي حُمْرة في سواد العين. «النهاية» (2/ 516).
(5)
الصُّهُوبة: من الصُّهْبة، وهي مختصة بالشعر، وهي حُمرة يعلوها سواد. «النهاية» (3/ 62).
(6)
الأُدْمَة: السُّمْرة الشديدة. انظر: «النهاية» (1/ 32)
(7)
في المطبوع: «بذقنه» .
(8)
الطِّمْر: الثوب الخَلِق. «النهاية» (3/ 138).
لأُوَيس: قِف فاشفَعْ، فيُشفِّعُهُ اللهُ في مثلِ عددِ ربيعةَ ومُضَر، يا عمرُ، ويا عليُّ، إذا أنتما لَقِيتُمَاهُ فاطلُبَا إليه يستغفِرْ لكما، يَغفِرُ اللهُ لكما».
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يَقدران عليه، فلمَّا كان في آخر السَّنَة التي هَلَك فيها عمرُ في ذلك العام، قام على أبي قُبَيس، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أُوَيس من مُراد؟ فقام شيخ كبير، طويل اللِّحية، فقال: إنَّا لا ندري مَن أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له: أُوَيس، وهو أخملُ ذِكرًا، وأقلُّ مالاً، وأهونُ أمرًا من أن نَرفعُهُ إليك، وإنه ليرعى إبلَنَا، حقيرٌ بين أظهرنا، وإنه بأراكِ عرفات
…
، وذَكَر تمام الحديث في اجتماع عمر وعليّ به، وهو يرعى الإبل، وسؤالهما إيَّاه / (ق 415) الاستغفار، وعَرْضهما عليه شيئًا من المال وإبائه عليهما ذلك.
وهو حديث يَسبق إلى القلب -بعد النظر وقبله- أنه موضوع، والله أعلم.
(998)
ثم روى الحافظ أبو نعيم (1) من طرق، عن هَرِم بن حيَّان قال: قَدِمْتُ الكوفةَ فلم يكن لي هَمٌّ إلا أُوَيس أسألُ عنه، فدُفِعتُ إليه بشاطئ الفرات، يتوضَّأ ويغسل ثوبه، فعَرَفتُهُ بالنَّعت، فإذا رجلٌ آدم، محلوقُ الرأس، كَثُّ اللِّحية، مهيبُ المنظر، فسَلَّمتُ عليه، ومَدَدتُ إليه يدي لأُصافِحَهُ، فأَبَى أن يصافِحَني، فخَنَقَتني العبرةُ لما رأيتُ من حاله، فقلتُ: السَّلام عليك يا أُوَيس، كيف أنت يا أخي؟ قال: وأنت فحيَّاك اللهُ يا هَرِمُ بن حَيَّان، مَن دَلَّك عليَّ؟ قلت: اللهُ عز وجل! قال:
(1)(2/ 84).
سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً. قلت: يرحمك الله، من أين عرفتَ اسمي واسمَ أبي؟! فواللهِ ما رأيتُك قطُّ ولا رأيتني. قال: عَرَفَت رُوحي رُوحَكَ حيث كَلَّمَت نفسي نفسَكَ، لأنَّ الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد، وإنَّ المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نَأَت بهمُ الدَّار وتفرَّقت بهم المنازل. قال: قلت: حدِّثني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بحديث أحفظه عنك، فبكى، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنِّي لم أُدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد رأيتُ من رآه، عمرَ وغيرَه (1)، ولستُ أحبُّ أن أفتحَ هذا الباب على نفسي، لا أحبُّ أن أكونَ قاصًّا (2)، أومُفتيًا.
/ (ق 416) ثم سأله هَرِمُ أن يتلو عليه شيئًا من القرآن، فتلا قولَه تعالى:{إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين. يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون. إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم} (3). ثم قال: ياهَرِمُ بن حيَّان، مات أبوك، ويوشك أن تموتَ، فإمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار، ومات آدم، وماتت حوَّاء، ومات إبراهيم، وموسى، ومحمد عليهم السلام، ومات أبو بكرٍ خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي وصفيِّي عمر، واعمراه، واعمراه.
قال: وذلك في آخر خلافة عمر. قال: قلت: يَرحمُك اللهُ، إنَّ عمرَ لم يمت! قال: بلى، إنَّ ربِّي قد نَعَاه لي! وقد علمتُ ما قلتَ، وأنا وأنت غدًا في الموتى، ثم دعا بدعواتٍ خفيفاتٍ
…
، وذَكَر بقيَّة القصَّة (4).
(1) زاد في المطبوع: «وقد بَلَغني عن حديثه كبعض ما يَبلُغُكم» .
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قاضيَا» .
(3)
الدخان: 40 - 42
(4)
قال الذهبي في «السِّير» (4/ 29): لم تصح، وفيها ما يُنكر.
(999)
وقال عبد الله بن أحمد (1): ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا إبراهيم بن عيَّاش، ثنا ضَمرة، عن أصبغ بن زيد، قال: إنما مَنَع أُوَيسًا أن يَقدَمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرُّهُ بأُمِّه.
(1000)
وقال عبد الله (2): ثنا علي بن حكيم، أنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجلٌ من أهل الشَّام يومَ صِفِّين: أيُّكم أُوَيس القَرَني؟ قال: قلنا: نعم، وما تريدُ منه؟ قال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أُوَيس القَرَني خيرُ التابعين بإحسانٍ» . وعَطَف دابَّتَهُ، فدخل مع أصحاب عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين.
(1001)
وقال أبو نعيم (3): حدثني أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد (4)، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن / (ق 417) سوَّار، عن مُحارِب بن دِثَار (5) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أُمَّتي مَن لا يستطيعُ أن يأتِيَ مسجدَهُ أو مُصلَاّهُ من العُرِي، يَحجُزُهُ إيمانُهُ أن يسألَ الناسَ، منهم أُوَيس القَرَني، وفُرَات بن حيَّان» (6).
(1002)
قال عبد الله (7): وحدثني عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن
(1) في زوائده على «الزهد» لأبيه (ص 478 رقم 2020) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 87).
(2)
ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 86).
(3)
في «الحلية» (2/ 84) و (9/ 38).
(4)
وهو في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 475 رقم 2015).
(5)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه.
(6)
وفي إسناده: عبد الله بن الأشعث بن سوَّار: لا يُعرَف، ثم هو مرسل.
(7)
في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 480 رقم 2023) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 84).
عيَّاش، عن مغيرة قال: إنْ كان أُوَيس القَرَني لَيَتَصدَّقُ بثيابه، حتى يجلسَ عريانًا لا يجدُ ما يروحُ فيه إلى الجمعة.
(1003)
وقال أبو زرعة الرازي (1): ثنا سعيد بن أسد بن موسى، ثنا ضَمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد قال: كان أُوَيس القَرَني إذا أمسى يقول: هذه ليلةُ الرُّكوع، فيَركعُ حتى يُصبحَ، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلةُ السُّجود، فيَسجدُ حتى يُصبحَ، وكان إذا أمسى تَصَدَّق بما في بيته من الفضل من الطَّعام والشَّراب، ثم قال: اللهمَّ مَن مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومَن مات عُريًا فلا تؤاخذني.
(1004)
وقال أبو نعيم (2): ثنا مَخلد (3) بن جعفر، ثنا محمد بن جرير، ثنا محمد بن حميد، ثنا زافر بن سليمان، عن شريك، عن جابر، عن الشَّعبي قال: مَرَّ رجلٌ من مُراد على أُوَيس القَرَني، فقال: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ أحمدُ اللهَ عز وجل. قال: كيف الزَّمانُ عليك؟ قال: كيف الزَّمانُ على رجلٍ إنْ أصبحَ ظنَّ أنَّه لا يُمسِي، وإنْ أمسى ظنَّ أنَّه لا يُصبِحُ، فمُبشَّر بالجنَّة، أو مُبشَّر بالنَّار، يا أخا مُراد، إنَّ الموتَ وذِكرَه لم يترك لمؤمنٍ / (ق 418) فَرَحًا، وإنَّ عِلمَهُ بحقوق الله لم يترك له في ماله فضَّةً ولا ذَهَبًا، وإنَّ قيامَه للهِ بالحقِّ لم يترك له صديقًا.
(1005)
وقال الهيثم بن عدي (4): ثنا عبد الله بن عمرو بن مُرَّة، عن
(1) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 87).
(2)
(2/ 83).
(3)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «محمد» .
(4)
ومن طريقه: أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 480 رقم 2024) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 83).
أبيه، عن عبد الله بن سَلَمة، قال: غَزَونا أذربيجان زمنَ عمرَ بن الخطاب ومعنا أُوَيس القَرَني، فلمَّا رَجَعنا مَرِضَ علينا، فحَمَلناه، فلم يَستمسِك فمات، فنزلنا، فإذا قبر محفورٌ، وماءٌ مسكوبٌ، وكَفَنٌ، وحَنُوطٌ (1)، فغَسَّلناه، وكَفَّنَّاه، وصَلَّينا عليه، ودَفنَّاه، فقال بعضنا لبعض: لو رَجَعنا فعَلَّمنا قبرَه، فرَجَعنا، فإذا لا قبرٌ ولا أثرٌ.
فهذا مخالف للخبر الذي تقدَّم من أنَّه كان بصِفِّين، وهو أصحُّ من هذا، فإنَّ الهيثم بن عدي أخباري ضعيف، وزَعَم بعضهم أنَّه مات بالحيرة. وقيل: بصِفِّين، والله أعلم.
والغرض أنَّ هذه الآثار والأخبار تدلُّ على اشتهار وجوده في التابعين، مع ما تقدَّم من الحديث في «صحيح مسلم» ، والله أعلم.
وقد وقع لنا حديثٌ من رواية أُوَيس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهو ما أخبرني به شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي:
(1006)
أنا ابن أبي الخير سماعًا، أنا أبو المكارم أحمد بن محمد بن اللَّبَّان إجازة، أنا أبو علي بن الحدَّاد، أنا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في «الحلية» (2) قال: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهذيل، ثنا محمد بن أبان العَنْبري، ثنا عمرو -شيخ كوفي-، عن أبي سِنَان / (ق 419) قال: سَمِعتُ حميدَ بن صالح، سَمِعتُ أُوَيسًا القَرَني يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «احفظُونِي في أصحابي، فإنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يلعَنَ آخرُ هذه الأُمَّةِ أوَّلَها، وعند ذلك يَقَعُ المقتُ
(1) الحنوط: ما يُخلط من الطِّيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة. «النهاية» (1/ 450).
(2)
(2/ 86 - 87).
على الأرضِ وأهلِها، فمن أدركَ ذلك فليَضَع سيفَهُ على عاتِقِه، ثم لِيَلقَ ربَّه تعالى شهيدًا، فمن لم يفعلْ فلا يلومنَّ إلا نفسَهُ».
هذا حديث مرسل غريب (1)، وإسناده إليه غريب -أيضًا-، إلا أنه من الأسانيد العزيزة، والله أعلم.
(1) وقال الذهبي في «السِّير» (4/ 31): هذا حديث منكر جدًّا، وإسناده مظلم، وأحمد بن معاوية تالف.
تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: قرأت جميع ترجمة أُويس على المؤلف، وذلك في سنة 771. كَتَبه محمد الجَزَري.