الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْجَمَةُ
شَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
مِنْ كِتَابِ
الذيل على طبقات الحنابلة
للإمام الحافظ بقية السلف
عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي
رحمه الله تعالى
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبى القاسم ابن الخضر بن محمد ابن تيمية الحراني، ثم الدمشقي، الإمام الفقيه، المجتهد المحدث، الحافظ المفسر، الأصولي الزاهد، تقي الدين أبو العباس، شيخ الإسلام وعلم الأعلام، وشهرته تغنى عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره.
ولد يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى ستين وستمائة بحران.
وقدم به والده وبإخواته إلى دمشق عند استيلاء التتر على البلاد، سنة سبع وستين.
فسمع الشيخ بها من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، والمجد ابن عساكر، ويحيى بن الصيرفي الفقيه، وأحمد بن أبي الخير الحداد، والقاسم الأربلي، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر، ولمسلم بن علان، وإبراهيم بن الدرجي، وخلفه كثير.
وعني بالحديث وسمع " المسند " مرات، والكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء. وقرأ بنفسه، وكتب بخطه جملة من الأجزاء، وأقبل على العلوم في صغره، فأخذ الفقه والأصول عن والده، وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والشيخ زين الدين بن المنجا. وبرع في ذلك، وناظر.
وقرأ في العربية أياماً على سليمان بن عبد القوى، ثم أخذ كتاب سيبويه، فتأمله ففهمه. وأقبل على تفسير القرآن الكريم، فبرز فيه، وأحكم أصول الفقه، والفرائض، والحساب والجبر والمقابلة، وغير ذلك من العلوم، ونظر في علم الكلام الفلسفة، وبرز في ذلك على أهله، ورد على رؤسائهم وأكابرهم، ومهر في هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس، وله دون
العشرين سنة، وأفتى من قبل العشرين أيضاً، وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان، حتى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه.
ثم توفى والده إحدى وعشرين سنة. فقام بوظائفه بعده. فدرس بدار الحديث السكرية في أول سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكى، والشيخ تاج الدين الغزاري، وزين الدين بن المرحل، والشيخ زين الدين المنجا، وجماعة، وذكر درساً عظيماً في البسملة. وهو مشهور بين الناس، وعظمه الجماعة الحاضرون، وأثنوا عليه ثناءً كثيراً.
قال الذهبي: وكان الشيخ تاج الدين الغزاري، يبالغ في تعظيمه الشيخ تقي الدين، بحيث إنه علق بخطه درسه بالسكرية ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع، لتفسير القرآن العظيم، وشرع من أول القرآن. فكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر، وبقي يفسر في سورة نوح، عدة سنين أيام الجمع.
وفي سنة تسعين: ذكر على الكرسي يوم جمعة شيئاً من الصفات، فقام بعض المخالفين، وسعوا في منعه من الجلوس، فلم يمكنهم ذلك.
وقال قاضي القضاة شهاب الدين الخوي: أنا على اعتقاد الشيخ تقي الدين، فعوقب في ذلك. فقال: لأن ذهنه صحيح، ومواده كثيرة، فهو لا يقول إلا الصحيح.
وقال الشيخ شرف الدين المقدسي: أنا أرجو بركته ودعاءه، وهو صاحبي، وأخى. ذكر ذلك البرزالي في تاريخه.
وشرع في الجمع والتصنيف، من دون العشرين، ولم يزل في علو وازدياد من العلم والقدر إلى آخر عمره. سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصل ما لم يحصله غيره. برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيقة معانيه بطبع سيال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها. وبرع في الحديث وحفظه، فقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث، معزوا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل، وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل يقوم بما دليله عنده. وأتقن العربية أصولاً وفروعاً، وتعليلاً واختلافاً. ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، ورد عليهم، ونبه على خطئهم، وحذر منهم.
ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأضيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله منارة، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكتب أعداه، وهدي به رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً، وعلى طاعته، وأحي به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشرأب النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أنى ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه.
وقد قرأت بخط الشيخ العلامة شيخنا كما الدين ابن الزملكاني، ما كتبه سنة بضع وتسعين تحت اسم. " ابن تيمية " كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع: أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله. وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا منه في مذهبهم أشياء، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع منه، ولا تكلم في علم من العلوم - سواء كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها.
وقال الذهبي في معجمه المختصر: كان إماماً متجراً في علوم الديانة، صحيح الذهن، سريع الإدراك، سيال الفهم، كثير المحاسن، موصوفاً بفرط الشجاعة والكرم، فارغاً عن شهوات المأكل والملبس والجماع، لا لذة له في غير نشر العلم وتدوينه. والعمل بمقتضاه.
قلت: وقد عرض عليه قضاء القضاة قبل التسعين ومشيخة الشيوخ، فلم يقبل شيئاً من ذلك. قرأت ذلك بخطه.
قال الذهبي: ذكره أبو الفتح اليعمري الحافظ - يعنى ابن سيد الناس - في جواب سؤالات أبي العباس الدمياطي الحافظ، فقال: ألفيته ممن أدرك من العلوم حظا. وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير فهو حامل رأيته، وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنحل والملل لم ير أوسع من نحلته،
ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء حسنه، ولم ترعين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه.
وقد كتب الذهبي في تاريخه الكبير للشيخ ترجمة مطولة، وقال فيها: وله خبرة تامة بالرجال، وجرحهم وتعديلهم. وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظة لمتونه، الذي أنفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه،وهو عجيب في استحضاره، واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة، والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث.
وقال: ولما كان معتقلاً بالإسكندرية: التمس منه صاحب سبتة أن يجيز لأولاده، فكتب لهم في ذلك نحواً من ستمائة سطر، منها سبعة أحاديث بأسانيدها، والكلام على صحتها ومعانيها، وبحث وعمل ما إذا نظر فيه المحدث خضع له من صناعة الحديث. وذكر أسانيده في عدة كتب. ونبه على العوالى. عمل ذلك كله من حفظه، من غير أن يكون عنده ثبت أو من يراجعه.
ولقد كان عجيباً في معرفة علم الحديث. فأما حفظه متون الصحاح وغالب متون السنن والسند: فما رأيت من يدانيه في ذلك أصلاً.قال: وأما التفسير فمسلم إليه، وله من استحضار الآيات من القرآن - وقت إقامة الدليل بها على المسألة - قوة عجيبة. وإذا رآه المقرئ تحير فيه. ولفرط إمامته في
التفسير، وعظم إطلاعه. يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين. ويوهي أقولا عديدة.
وينصر قولا واحداً، موافقاً لما دل عليه القرآن والحديث. ويكتب في اليوم والليلة من التفسير، أو من الفقه، أو من الأصلين، أو من الرد على الفلاسفة والأوائل: نحواً من أربعة كراريس أو أزيد. قلت: وقد كتب " الحموية " في قعدة واحدة. وهي أزيد من ذلك. وكتب في بعض الأحيان في اليوم ما يبيض منه مجلد.
وكان رحمه الله فريد دهره في فهم القرآن، ومعرفة حقائق الإيمان. وله يد طولي في الكلام على المعارف والأحوال والتمييز بين صحيح ذلك الزملكاني بخطه على كتاب " إبطال التحليل " للشيخ ترجمة لكتاب واسم الشيخ. وترجم له ترجمة عظيمة. وأثنى عليه ثناء عظيماً.
وكتب أيضاً تحت ذلك:
ماذا يقولُ الواصفونَ له
…
وصفاتُهُ جلَّت عن الحَصْرِ
هو حجةٌ للهِ قاهرةٌ
…
هو بيننا أعجوبةُ الدَّهْرِ
هو آيةٌ للخلقِ ظاهرةٌ
…
أنوارُها أربَتْ على الفَجْرِ
وللشيخ أثير الدين أبي حيان الأندلس النحوي - لما دخل الشيخ مصر واجتمع به - ويقال: إن أبا حيان لم يقل أبياتًا خيرًا منها ولا أفحل:
لما رأينا تقي الدين لاح لنا
…
داع إلى الله فرداً، ماله وزر
على محياه من سيما الأولى صحبوا
…
خير البرية نور دونه القمر
خبر تسر بل منه دهره صبرا
…
بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا
…
مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الدين إذ آثاره درست
…
وأخمد الشرك إذ طارت له شرر
يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ
…
هذا الإمام الذي قد كان ينتظر
وحكى الذهبي عن الشيخ: أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قال له - عند اجتماعه به وسماعه لكلامه -: ما كنت أظن أن الله بقي يخلق مثلك
ومما وجد في كتاب كتبه العلامة قاضي القضاة أبو الحسن السبكي إلى الحافظ أبي عبد الله الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين المذكور أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره. وزخارة بحره وتوسعه في الشرعية والعقلية. وفرط ذكائه واجتهاده. وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف. والمملوك يقول ذلك دائماً. وقدره في نفس أكبر من ذلك وأجل. مع ما جمعه الله له من الزهاده والورع والديانة. ونصرة الحق. والقيام فيه لا نعرض سواه. وجريه على سنن السلف. وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى. وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان.
وكان الحافظ أبو الحجاج المزي: يبالغ في تعظيم الشيخ والثناء عليه، حتى كان يقول: لم ير مثله منذ أربعمائة سنة.
وبلغني من طريق صحيح عن ابن الزملكاني: أنه سئل عن الشيخ؟ فقال: لم ير من خمسمائة سنة، أو أربعمائة سنة. الشك من الفاقل. وغالب ظنه: أنه قال: من خمسمائة - أحفظ منه.
وكذلك كان أخوه الشيخ شرف الدين يبالغ في تعظيمه جداً وكذلك المشايخ العارفون، كالقدوة أبي عبد الله محمد بن قوام ويحكي عنه أنه كان يقول: ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية.
والشيخ عماد الدين الواسطى كان يعظمه جداً، وتتلمذ له، مع أنه كان أسس منه. وكان يقول: قد شارف مقام الأئمة الكبار، ويناسب قيامه في بعض الأمور قيام الصديقين.
وكتب رسالة إلى خواص أصحاب الشيخ يوصيهم بتعظيمه واحترامه، ويعرفهم حقوقه، ويذكر فيها: أنه طاف أعيان بلاد الإسلام، ولم ير فيها مثل الشيخ علماً وعملاً، وحالاً وخلقا واتباعا وكرما وحلما في حق نفسه، وقياما في حق الله تعالى، عند انتهاك حرماته. وأقسم على ذلك بالله ثلاث مرات.
ثم قال: أصدق الناس عقداً، وأصحهم علما وعزما، وأنقذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه، وأسخاهم كفا، وأكملهم اتباعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح. أن هذا هو الاتباع حقيقة.
ولكن كان هو وجماعة من خواص أصحابه ربما أنكروا من الشيخ كلامه في بعض الأئمة الأكابر الأعيان، أو في أهل التخلي والانقطاع ونحو ذلك.
وكان الشيخ رحمه الله لا يقصد بذلك إلا الخير، والانتصار للحق إن شاء الله تعالى.
وطوائف من أئمة أهل الحديث وحفاظهم وفقائهم: كانوا يحبون الشيخ ويعظمونه، ولم يكونوا يحبون له التوغل مع أهل الكلام ولا الفلاسفة، كما هو طريقة أئمة أهل الحديث المتقدمين، كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم، وكذلك كثير من العلماء من الفقهاء والمحدثين والصالحين كرهوا له التفرد ببعض شذوذ المسائل التي أنكرها السلف على من شذ بها، حتى إن بعض قضاة العدل من أصحابنا منعه من الإفتاء ببعض ذلك.
قال الذهبي: وغالب خطه على الفضلاء والمتزهده فبحق، وفي بعضه هو مجتهد، ومذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يكفر أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.
قال: ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجر هو عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده، وحده ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من الله، والتعظيم لحرمات الله.
فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قدرموه عن قوس واحدة، فينجيه الله. فإنه دائم الابتهال، كثير الاستغاثة، والاستعانة به قوى التوكل، ثابت الجأس، له أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية. وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً، بلسانه وقلمه.
وأما شجاعته: فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال. ولقد أقامه لله تعالى في نوبة قازان. والتقى أعباء الأمر بنفسه. وقام وقعد وطلع، ودخل وخرج، واجتمع بالملك - يعنى قازان - مرتين، وبقطلوا شاه، وبولاى. وكان قيجق يتعجب من إقدامه وجرائته على المغول.
وله حده قوية تعتريه في البحث، حتى كأن ليث حرب. وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته. وفيه قلة مدارة، وعدم تؤدة غالبا، والله يغفر له. وله إقدام وشهامة، وقوة نفس توقعه في أمور صعبة، فيدفع الله عنه.
وله نظم قليل وسط، ولم يتزوج، ولا تسرى، ولا له من المعلوم إلا شيء قليل. وأخوه يقوم بمصالحه، ولا يطلب منهم غذاء ولا عشاء في غالب الوقت.
وما رأيت في العالم أكرم منه، ولا أفرغ منه عن الدينار والدرهم، لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه. وفيه مروءة، وقيام مع أصحابه، وسعى في
مصالحهم. وهو فقير لا مال له. وملبوسه كآحاد الفقهاء: فَرَّجِيَّه، ودلق، وعمامة تكون قيمة ثلاثين درهما، ومداس ضعيف الثمن. وشعره مقصوص.
وهو ربع القامة، بعيد ما بين المنكبين، كأن عينيه لسانان ناطقان، ويصلي بالناس صلاة لا يكون أطول من ركوعها وسجود. وربما قام لمن يجئ من سفر أو غاب عنه، وإذا جاء فربما يقومون له، الكل عنده سواء، كأنه فارغ من هذه الرسوم، ولن ينحن لأحد قط، وإنما يسلم ويصافح ويبتسم. وقد يعظم جليسه مرة، ويهينه في المحاورة مرات.
قلت: وقد سافر الشيخ مرة على البريد إلى الديار المصرية يستنفر السلطان عند مجئ التترسنة من السنين، وتلا علهم آيات الجهاد، وقال: إن تخليتم عن الشام ونصرة أهله والذب عنهم، فإن الله تعالى يقيم لهم من ينصرهم غيركم، ويستبدل بكم سواكم. وتلا قوله تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [محمد:38] ، وقوله تعالى {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئًا} [التوبة:39] .
وبلغ ذلك الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد - وكان هو القاضي حينئذ - فاستحسن ذلك، وأعجبه هذا الاستنباط وتعجب من مواجهة الشيخ للسلطان بمثل هذا الكلام.