الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سجن مع شيخ الإسلام في قلعة دمشق، وأقام بعده خمس سنين، ثم أطلق، وحكى أن الشيخ أنشده وهما في الاعتقال:
لا تفكرن وثق بالله إن له
…
ألطافَ دقت عن الأذهانِ والفِطَنِ
يأتيك من لطفه ما ليس تعرفُهُ
…
حتى تظنَّ الذي قد كان لم يَكُنِ
ومن كراماته: أنه اتهم بمكاتبة المصريين بأخبار التتر فعلم بذلك ملكهم، فألقاه إلى الكلاب، ومعه آخر فأكلت الكلاب رفيقه ولم تؤذه.
وكان شديدًا على الرفضة والمبتدعة، له ترجمة في الدرر الكامنة.
****
•
عمرُ بنُ مُظَفَّرِ بنِ عمرَ بنِ محمدِ بنِ أبي الفوارسِ المعريُّ، زينُ الدينِ ابنُ الوَرْدِيِّ
(689-749) .
العلامةُ النحويُّ الفقيهُ الشاعرُ الناثرُ أبو حفصٍ ابنُ الوردِيِّ الشافعيُّ المعريُّ البكريُّ [نسبة إلى أبي بكر الصديق] ، تفننَ في علومٍ كثيرةٍ وأجادَ في المنثور والمنظوم.
قال مرعي الحنبليُّ في الشهادة الزكية:" قال في رحلته لما ذكر علماء دمشق: وتركت التعصب والحمية، وحضرت مجالس ابن تيمية، فإذا هو بيت القصيدة، وأول الخريدة، علماء زمانه فلك هو قطبه، وجسم هو قلبه، يزيد عليهم زيادة الشمس على البدر، والبحر على القطر، بحثت بين يديه يومًا فأصبت المعنى فكنَّاني وقبل بين عيني اليمنى، فقلت:
إنَّ ابنَ تَيْمِيَّةٍ
…
في كلِّ العلومِ واحدُ
أحييتَ دينَ أحمدٍ
…
وشرعَهَ يا أحمدُ
"انتهى
قال ابن تغرى بردى:" شعره أسحر من عيون الغيد، وأبهى من الوجنات ذات التوريد. قام بفن التورية فجاءت معه قاعدة، وخطها في الطروس وهي فوق النجوم صاعدة، يطرب اللبيب لسماعها ولا طرب الصوفي للشبابه، ويعجب الأديب لانطباعها ولا عجب الغواني بما التحف شبابه، ويرغب الأريب لارتجاعها ولا رغبة الروض الذي صوح في صوب السحابة. ويدأب النجيب في اقتطاعها ولا دأب المحب في التمسك بأذيال محبوبه السحابة"انتهى
وقال الكتبي في وفاته:" نظمه جيد إلى الغاية، وفضله بلغ النهاية".
ولأجل ذلك كثرت منظوماته، فنظم الحاوي الصغير وسماه (البهجة) في خمسة آلاف بيت، قال ابن حجر:" وأقسم بالله العظيم لم ينظم أحد بعده الفقه إلا قصّر دونه".
وله من المنظومات والكتب والأجزاء والمنثورات الكثير، قال ابن شاكر الكتبي:" ومن مصنفاته " البهجة الوردية في نظم الحاوي " فوائد فقيه منظومة. " شرح ألفية ابن مالك ". " ضوء الدرة على ألفية ابن معطي ". قصيدة " اللباب في علم الإعراب " وشرحها. اختصار " ملحة الإعراب " نظماً. " مذكرة الغريب " نظماً وشرحها. " المسائل المذهبة في المسائل الملقبة". " أبكار
الأفكار". " تتمة تاريخ صاحب حماة ". و " أرجوزة في تعبير المنامات ". أرجوزة في خواص الأحجار " و " منطق الطير " نظماً"انتهى
ولاميته مشتهرة جدًا بين طلبة العلم، وهي القصيدة التي مطلعها:
اعتزلْ ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ
…
وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَنْ هَزَلْ
ودَعِ الذِّكرَ لأيامِ الصِّبا
…
فلأيامِ الصِّبا نَجمٌ أفَلْ
ويقول فيها خاتمًا:
أنا مثلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ
…
ومتى أُسخِنَ آذى وقَتَلْ
أنا كالخيزور صعبٌ كسُّرهُ
…
وهو لدنٌ كيفَ ما شئتَ انفتَلْ
غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ
…
فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ
واجبٌ عند الورى إكرامُهُ
…
وقليلُ المالِ فيهمْ يُستقلْ
كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا
…
منهمُ، فاترك تفاصيلَ الجُمَل
وصلاةُ اللهِ ربي كُلّما
…
طَلَعَ الشمسُ نهاراً وأفلْ
للذي حازَ العُلى من هاشمٍ
…
أحمدَ المختارِ من سادَ الأوَلْ
وعلى آلٍ وصحبٍ سادةٍ
…
ليسَ فيهمْ عاجزٌ إلا بَطَلْ
وفيها قوله يذكر فيه نسبه:
لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما
…
أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ
قدْ يسودُ المرءُ من دونِ أبٍ
…
وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنقَى الدَّغّلْ
إنما الوردُ منَ الشَّوكِ وما
…
يَنبُتُ النَّرجسُ إلا من بَصَلْ
غيرَ أني أحمدُ اللهَ على
…
نسبي إذ بأبي بكرِ اتَّصلْ
قيمةُ الإنسانِ ما يُحسنُهُ
…
أكثرَ الإنسانُ منهُ أوْ أقَلْ
وقال ابن العماد الحنبلي:" ناب في الحكم بحلب عن الشيخ شمس الدين بن النقيب، ثم عزل نفسه، وحلف لا يلي القضاء لمنام رآه، وكان ملازمًا للأشغال والاشتغال بالتصنيف شاع ذكره، واشتهر بالفضل اسمه، لازم الشيخ
تقي الدين وغيره، وكان دينًا خيرًا حسن الأخلاق متواضعًا بشوش الوجه متثبتًا قال: لم أقض قضية إلا أعددت لها الجواب بين يدي الله، ذكره الذهبي في المختصر فقال: عالم ذكي خيّر، متواضع بصير بالفقه والعربية، سمع الكثير وتخرج بابن تيمية وغيره."انتهى
وقال ابن السبكي:" له فوائد فقهية منظومة، وأرجوزه في تعبير المنامات، واختصار ملحة الإعراب وغير ذلك، وشعره أحلى من السكر (المكرر) وأغلى قيمة من الجوهر".
ومن بديع نظمه لاميته المتداولة المشهورة، وله مراثي رثى بها شيخ الإسلام ابن تيمية منها قوله:
عتا في عرضِهِ قومٌ سلاطُ
…
لهم من نثرِ جوهرِهِ التقاطُ
تقيُّ الدين أحمدُ خيرُ حبرٍ
…
خروقُ المعضلاتِ به تُخَاطُ
تُوُفِيَ وهو مسجونٌ فريدٌ
…
وليس له إلى الدنيا انبساطُ
ولو حضروه حين قضى لألفَوْا
…
ملائكةَ النَّعِيمِ به أحاطوا
قضى نحبًا وليس له قرينٌ
…
ولا لنظيرِهِ لُفَّ القِمَاطُ
فتىً في علمِهِ أضحى فريدا
…
وحَلُّ المشكلاتِ به يُنَاطُ
وكان إلى التُّقى يدعو البرايا
…
وينهى فرقةً فسقوا ولاطوا
وكان يخافُ إبليسٌ سطاه
…
بوعظٍ للقلوبِ هو السياطُ
فيا لله ما قد ضمَّ لحدٌ
…
ويا لله ما غطَّى البلاطُ
همو حسدوه لما لم ينالوا
…
مناقبَهَ فقد فسقوا وشاطوا
وكانوا عن طرائقِهِ كُسالى
…
ولكن في أذاه لهم نشاطُ
وحبسُ الدُّرِ في الأصدافِ فخرٌ
…
وعند الشيخ بالسجن اغتباطُ
بآل الهاشميِّ له اقتداءٌ
…
فقد ذاقوا المنونَ ولم يواطوا
بنو تيميةٍ كانوا فبانوا
…
نجومَ العلمِ أدركها انهباطُ
ولكن يا ندامةَ حابسيهِ
…
فشكُّ الشِّركِ كان به يُمَاطُ
ويا فرحَ اليهودِ بما فعلتم
…
فإنَّ الضدَّ يعجبُهُ الخباطُ
ألم يك فيكمو رجلٌ رشيدٌ
…
يرى سجنَ الإمامِ فيُسْتَشَاطُ
إمامٌ لا وِلايةَ كان يرجو
…
ولا وقفٌ عليه ولا رباطٌ
ولا جاراكمو في كسبِ مالٍ
…
ولم يُعْهَدْ له بكمُ اختلاطُ
ففيم سجنتموه وغظتموه
…
أما لجزا أذيته اشتراطُ
وسجنُ الشيخِ لا يرضاه مثلي
…
ففيه لقدرِ مثلِكُمُ انحطاطُ
أما واللهِ لولا كتمُ سرِّي
…
وخوفُ الشرِّ لانحلَّ الرِّباطُ
وكنتُ أقولُ ما عندي ولكن
…
بأهلِ العلمِ ما حَسُنَ اشتطاطُ
فما أحدٌ إلى الإنصافِ يدعو
…
وكلٌّ في هواه له انخراطُ
سيظهرُ قصدُكُم يا حابسيهِ
…
ونيتُكُم إذا نُصِبَ الصِّراطُ
فها هو ماتَ عنكم واسترحتم
…
فعاطوا ما أردتم أن تَعَاطُوا
وحلُّوا واعْقِدوا من غيرِ ردٍّ
…
عليكم وانطوى ذاك البِسَاطُ
هكذا نقلها ابن عبد الهادي، وهي بنحوها في أعيان العصر للصفدي، وفي غيره.
****