الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ بنِ قايماز التركمانيُّ الذهبيُّ، شمس الدين أبو عبد الله
(673-748) .
قال ابن السبكي:" أجاز له أبو زكريا بن الصيرفيُّ، وابن أبي الخير، والقطب ابن أبي عصرون، والقاسم بن الإربلي.
وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم.
وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر بن كندي، وغيرهما.
وبمصر من الأبرقوهي، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وشيخ الإسلام ابن دقيق العيد، والحافظين: أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري، وغيرهم.
ولما دخل إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وكان المذكور شديد التحري في الإسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المخلص. فقال: أحسنت. فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عينة. قال: أحسنت، اقرأ. ومكنه من القراءة عليه حينئذ إذ رآه عارفًا بالأسماء.
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي، وأبي الحسن يحيى بن أحمد بن الصواف، وغيرهما.
وبمكة من التوزري وغيره. وبحلب من سنقر الزيني وغيره. وبنابلس من العماد بن بدران.
وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم.
وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبل الليال"انتهى
ودخل دمشق، وصحب الشيخ ابن تيمية، وكان شديد التعظيم له والذبِّ عنه، وأخذ عنه وله سؤالات يوردها في كتبه للشيخ وسماعات منه منثورة في تاريخ الإسلام وغيره.
وقال فيه:" نشأ يعني الشيخ تقي الدين رحمه الله في تصون تام وعفاف وتأله وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكب على الاشتغال، ومات والده وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم، فدرس بعده بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره وبعد صيته في العالم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز في الجمع على كرسي من حفظه، فكان يورد المجلس ولا يتعلثم وكذا كان الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح"انتهى
وقال:" ثم أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه والإجماع والاختلاف حتى كان يقضى منه العجب، إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف ثم يستدل ويرجح ويجتهد وحق له ذلك؛ فإن شروط الإجتهاد كانت قد اجتمعت فيه فإنني ما رأيت أحدًا أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضارًا لمتون الأحاديث وعزوها إلى الصحيح أو إلى المسند أو إلى السنن منه كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشقة وعين مفتوحة وإفحام للمخالف، وكان آية من آيات الله تعالى في التفسير والتوسع فيه لعله يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين.
وأما أصول الديانة ومعرفتها ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة وأنواع المبتدعة فكان لا يشق فيه غباره ولا يلحق شأوه، هذا مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط والشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل والفراغ عن ملاذ النفس من اللباس الجميل والمأكل الطيب والراحة الدنيوية ولقد سارت بتصانيفه الركبان في فنون من العلم وألوان لعل تواليفه وفتاويه في الأصول والفروع والزهد واليقين والتوكل والإخلاص وغير ذلك، تبلغ ثلاث مئة مجلد لا بل أكثر وكان قوَّالًا بالحق نهَّاءً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي فيه، وليس الأمر كذلك.
مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا!! فإنه مع سعة عمله وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين بشر من البشر تعتريه حدة في البحث وغضب وشظف للخصم يزرع له عداوة في النفوس ونفورًا عنه، وإلا والله فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم ولزم المجاملة وحسن المكالمة، لكان كلمة إجماع؛ فإن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه معترفون بشفوفه وذكائه مقرون بندور خطئه لست أعني بعض العلماء الذين شعارهم وهجيراهم الاستخفاف به والازدراء بفضله والمقت له حتى استجهلوه وكفروه ونالوا منه من غير أن ينظروا في تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف والعالم منهم قد ينصفه ويرد عليه بعلم.
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران -رحم الله الجميع -، وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي، فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه مقرون بسرعة فهمه، وأنه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له وأن جوده حاتمي وشجاعته خالدية، ولكن قد ينقمون عليه أخلاقًا وأفعالًا
منصفهم فيها مأجور ومقتصدهم فيها معذور وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور. وكل أحد يؤخذ من قوله، ويترك،والكمال للرسل والحجة في الإجماع، فرحم الله امرءًا تكلم في العلماء بعلم أو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة، وفهم ثم استغفر لهم، ووسع نطاق المعذرة، وإلا فهو لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.
وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تيمية في مفرداته، فقد أقررت على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف وإن قلت لا أعذره؛ لأنه كافر عدو الله تعالى ورسوله، قال لك خلق من أهل العلم والدين: ما علمناه والله إلا مؤمنًا محافظًا على الصلاة والوضوء وصوم رمضان معظمًا للشريعة ظاهرًا وباطنًا لا يؤتى من سوء فهم بل له الذكاء المفرط ولا من قلة علم فإنه بحر زخار بصير بالكتاب والسنة عديم النظير في ذلك ولا هو بمتلاعب بالدين فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهي ولا يفتي بما اتفق بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن وبالحديث أو بالقياس ويبرهنها ويناظر عليها وينقل فيها الخلاف ويطيل البحث أسوة من تقدمه من الأئمة.
فإن كان قد أخطأ فيها فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كان قد أصاب فله أجران. وإنما الذم والمقت لأحد رجلين رجل أفتى في مسألة بالهوى، ولم يبد حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم ولا توسع في نقل فنعوذ بالله من الهوى والجهل.
ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه فإن الحب يحملهم
على تغطية هناته بل قد يعدوها له محاسن وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين الذين يتكلمون بالقسط ويقومون لله ولو على أنفسهم وآبائهم.
فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالًا ولا جاهًا بوجه أصلاً مع خبرتي التامة به ولكن لا يسعني في ديني ولا عقلي أن أكتم محاسنه وأدفن فضائله وأبرز ذنوبًا له مغفورة في سعة كرم الله تعالى وصفحة مغمورة في بحر علمه وجوده فالله يغفر له ويرضى عنه ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه مع أني مخالف له في مسائل أصلية وفرعية قد أبديت آنفا أن خطأه فيها مغفور بل قد يثيبه الله تعالى فيها على حسن قصده وبذل وسعه والله الموعد.
مع أني قد أوذيت لكلامي فيه من أصحابه وأضداده فحسبي الله بين المنكبين جهوري الصوت فصيحًا سريع القراءة تعتريه حدة ثم يقهرها بحلم وصفح وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة والسماحة وقوة الذكاء، ولم أر مثله في ابتهاله واستغاثته بالله تعالى وكثرة توجهه، وقد تعبت بين الفريقين، فأنا عند محبه مقصر وعند عدوه مسرف مكثر، كلا والله"انتهى من رسالة له في ترجمته أخرجها بعض العصريين.
وقال في المعجم له:" عنى بالحديث ونسخ الأجزاء، ودار على الشيوخ، وخرج وانتقى، وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه وفى علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك.
وكان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الافراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف، وسارت بتصانيفه الركبان لعلها ثلاث مائة مجلد"انتهى
وقال ابن السبكي:" واعلم أن هذه الرفقة -أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرًا ما أتباعهم- أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارًا بيِّنًا، وحملهم على
عظائم الأمور أمرًا ليس هينًا، وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم"انتهى
وقال:" والذى أفتى به أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبى فى ذمِّ أشعرى، ولا شكر حنبلى. والله المستعان"انتهى
وقال:" ولقد وقفت فى تاريخ الذهبى رحمه الله على ترجمة الشيخ الموفق بن قدامة الحنبلى، والشيخ فخر الدين بن عساكر، وقد أطال تلك وقصر هذه وأتى بما لا يشك لبيب أنه لم يحمله على ذلك إلا أن هذا أشعرى وذاك حنبلى، وسيقفون بين يدى رب العالمين"انتهى
وقال في رثاءه:
يا موتُ خذ من أردتَ أو فَدَعِ
…
مَحَوْتَ رَسْمَ العُلُومِ والوَرَعِ
أخذتَ شيخَ الإسلامِ وانفصمت
…
عُرَى التُّقَى واشتفى أولو البِدَعِ
غيَّبت بحرًا مفسرًا جبلا
…
حبرًا تقيًّا مجانبَ الشِبَعِ
فإنْ يُحَدِّثْ فمسلمٌ ثقةٌ
…
وإن يناظر فصاحبُ اللُّمَعِ
وإن يخض نَحَو سييوبهِ يَفُهْ
…
بكلِّ معنىً في الفنِّ مخترعِ
وصار عاليَ الإسنادِ حافظةً
…
كشعبةٍ أو سعيدٍ الضَبُعِي
والفقهُ فيه فكانَ مجتهدا
…
وذا جهادٍ عارٍ من الجَزَعِ
وجودُهُ الحاتميُّ مشتهرٌ
…
وزهدُه القادريُّ في الطَبَعِ
أسكنَهُ اللهُ في الجنانِ ولا
…
زال علينا في أجملِ الخِلَعِ
وكتب الحافظ الذهبي وترجمته أشهر من أن تعرف فحسبك هذا، وفي الله غنية، وله الحمد والمنة.
****