الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعمل ذكره ابن رجب في طبقاته، وذكر فضله، وقال: لم أر على طريقه في الصلاح مثله".
****
•
عمرُ بنُ عليِّ بنِ موسى بنِ خليلٍ البغداديُّ الأزجيُّ البزَّارُ، سراجُ الدينِ أبو حفصٍ
(688- 749) .
عني بالحديث فسمع على أربابه، ورحل إلى دمشق، وجالس ابن تيمية، وأخذ عنه، وسمع قراءته، وله في ترجمته كتاب حسن جدًا على اختصاره أسماه (الأعلام العلية) .
قال فيه:" وأما ذكر دروسه فقد كنت في حال إقامتي بدمشق لا أفوتها، وكان لا يهييء شيئًا من العلم ليلقيه ويورده، بل يجلس بعد أن يصلي ركعتين، فيحمد الله، ويثني عليه ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم على صفة مستحسنة مستعذبة، لم أسمعها من غيره، ثم يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون ونقول واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء، ونصر بعضها وتبين صحته أو تزييف بعضها، وإيضاح حجته واستشهاد بأشعار العرب، وربما ذكر اسم ناظمها وهو مع ذلك يجري كما يجري السيل، ويفيض كما يفيض البحر، ويصير منذ يتكلم إلى أن يفرغ كالغائب عن الحاضرين مغمضًا عينيه، وذلك كله مع عدم فكر فيه أو روية من غير تعجرف ولا توقف ولا لحن بل فيض إلهي حتى يبهر كل سامع وناظر فلا
يزال كذلك إلى أن يصمت، وكنت أراه حينئذ كأنه قد صار بحضرة من يشغله عن غيره، ويقع عليه إذ ذاك من المهابة ما يرعد القلوب ويحير الأبصار والعقول، وكان لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا ويصلي ويسلم عليه، ولا والله ما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص على أتباعه، ونصر ما جاء به منه حتى إذا كان ورد شيئًا من حديثه في مسألة، ويرى أنه لم ينسخه شيء غيره من حديثه يعمل بهأ ويقضي ويفتي بمقتضاه أولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائنًا من كان.
وقال رضي الله عنه كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا الله ورسوله"انتهى
وحكى عنه أنه سأله عن إكثاره في التأليف في الأصول، وأنه لو ألف مصنفًا في الفقه جامعًا تكون عمدة الفتوى عليه، فأجابه:" الفروع أمرها قريب، ومن قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين، جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه.
وأما الأصول فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوجود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة والراوندية والكلابية والسليمية وغيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال، وبان لي أنَّ كثيرًا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة العلية على كل دين، وأنَّ جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم؛ ولهذا قل إن سمعت أو رأيت معرضًا عن الكتاب والسنة مقبلاً على مقالاتهم إلا وقد تزندق، أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده.
فلما رأيت الأمر على ذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذبًّا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية.
ولا والله ما رأيت فيهم أحدًا ممن صنف في هذا الشأن وادَّعى علوم المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه في هدم قواعد دين الاسلام.
وسبب ذلك إعراضه عن الحق الواضح المبين وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة في الاصطلاحات التي سموها بزعمهم حكميات وعقليات، وإنما هي جهالات وضلالات وكونه التزمها معرضا عن غيرها أصلًا ورأسًا فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم، فتخبط حتى خبط فيها عشوًا، ولم يفرق بين الحق والباطل، وإلا فالله أعظم لطفًا بعباده أن لا يجعل لهم عقلًا يقبل الحق، ويثبته ويبطل الباطل وينفيه.
لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال، وقد جعل الله تعالى العقل السليم من الشوائب ميزانًا يزن به العبد الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل، ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟!
هذا باطل قطعًا يشهد له كل عقل سليم لكن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]
…
فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جل همي إلى الأصول وأن أوردت مقالاتهم وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة النقلية والعقلية"انتهى