المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَيَسْتَعِدّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ ــ ‌ ‌[مغني المحتاج] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌فَصْلٌ إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]

- ‌بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ:

- ‌[فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَاب فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ]

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كتاب البيع]

- ‌باب الربا

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ]

- ‌فَصْلٌ التَّصْرِيَةِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ]

- ‌بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ

- ‌[بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا]

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌[بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَيَسْتَعِدّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ ــ ‌ ‌[مغني المحتاج]

‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَيَسْتَعِدّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ

ــ

[مغني المحتاج]

[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]

ِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ، وَهِيَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى الصَّلَاةِ ذُكِرَ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ، وَصَدَّرَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالَ (لِيُكْثِرْ) نَدْبًا الْمُكَلَّفُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا (ذِكْرَ الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَزْجَرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى إلَى الطَّاعَةِ، وَلِخَبَرِ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ. وَهَاذِمِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَمَعْنَاهُ الْقَاطِعُ، وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالُوا: نَسْتَحْيِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» .

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ. وَالرُّوحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وقَوْله تَعَالَى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42][الزُّمَرُ] تَقْدِيرُهُ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا، وَعِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ: عَرَضٌ وَهُوَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ وَالْفَلَاسِفَةُ فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ جِسْمًا وَلَا عَرَضًا، بَلْ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ (وَيُسْتَعَدُّ) لَهُ (بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) إلَى

ص: 3

وَالْمَرِيضُ آكَدُ.

ــ

[مغني المحتاج]

أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُسْتَحَبٍّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَالْمَرِيضُ آكَدُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِمَّا تَجِبُ مِنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا رَدُّ الْمَظَالِمِ الْمُمْكِنِ رَدُّهَا، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ مَعَ دُخُولِهِ فِي التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَلِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِيَتَنَاوَلَ رَدَّ الْعَيْنِ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ، وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُمَا كَانَ أَوْلَى.

(وَالْمَرِيضُ آكَدُ) بِذَلِكَ: أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّحِيحِ لِنُزُولِ مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ بِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الْأَنِينِ مِنْهُ جُهْدَهُ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَتِهِ، وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ.

وَيُسَنُّ لِأَهْلِهِ الرِّفْقُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ خُلُقَهُ، وَيَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَيَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَجِيرَانِهِ وَيَتَعَهَّدُ نَفْسَهُ بِالذِّكْرِ وَأَحْوَالِ الصَّالِحِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهِ عِيَادَتُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ اُسْتُحِبَّ وَفَاءً بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِلَّا جَازَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْمَدِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَيْنَ الصَّدِيقِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ.

قَالَ: وَفِي اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلْتَكُنْ الْعِيَادَةُ غِبًّا فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِمْ الْمَرِيضُ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ عَدَمُ رُؤْيَتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا مَا لَمْ يُنْهَوْا أَوْ يَعْلَمُوا كَرَاهَتَهُ ذَلِكَ،.

وَيُخَفِّفُ الْعَائِدُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَلْ تُكْرَهُ إطَالَتُهُ، وَيُطَيِّبُ عَائِدُهُ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ رَغَّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَنْصَرِفُ، وَيُسَنُّ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، لِخَبَرِ «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ، فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

وَيُكْرَهُ عِيَادَتُهُ إنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَيَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34][الْإِسْرَاءِ] .

ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِ الْمُحْتَضَرِ، فَقَالَ

ص: 4

وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا إلْحَاحٍ، وَيُقْرَأُ عَنْهُ يس،

ــ

[مغني المحتاج]

(وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ) وَهُوَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يَمُتْ (لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) نَدْبًا

كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ (إلَى الْقِبْلَةِ) نَدْبًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) يَرْجِعُ لِلِاضْطِجَاعِ وَسَيَأْتِي مُقَابِلُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ (لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ) كَعِلَّةٍ بِجَنْبِهِ فَلِجَنْبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّوَجُّهِ مِنْ اسْتِلْقَائِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ (أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ) وَهُمَا هُنَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ، وَحَقِيقَتُهَا الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا (لِلْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِلْقَاءَ أَفْضَلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اُضْطُجِعَ عَلَى الْأَيْمَنِ (وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا قَبْلَ الِاضْطِجَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (الشَّهَادَةَ) وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّلْقِينِ وَالِاضْطِجَاعِ فُعِلَا مَعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالتَّلْقِينِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36][يُوسُفُ] وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (بِلَا إلْحَاحٍ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ، بَلْ يَذْكُرُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ، أَوْ يَقُولُ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ جَمِيعًا، فَإِنْ قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ: أَيْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ حَسَدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُ الْوَرَثَةِ ثُمَّ غَيْرُهُ، وَلَا يُتْرَكُ التَّلْقِينُ حِينَئِذٍ لِمَا ذُكِرَ، وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَقِيلَ تُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأُمِرَ بِهِمَا لِخَبَرِ الْيَهُودِيِّ السَّابِقِ وُجُوبًا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا، وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَا يُسَنُّ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ التَّلْقِينَ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ، وَثَمَّ لِئَلَّا يُفْتَنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَنُ (وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ) سُورَةُ (يس) لِخَبَرِ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.

وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنْ أَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عِنْدَهُ، وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا، فَإِذَا قُرِئَتْ عِنْدَهُ تُجَدِّدُ لَهُ ذِكْرَ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقْرَأَ

ص: 5

وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى.

فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ

ــ

[مغني المحتاج]

عِنْدَهُ سُورَةُ الرَّعْدِ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ، وَيُسَنُّ تَجْرِيعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ «أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى نَسْقِيَكَ» نَسْأَلُ اللَّهَ سبحانه وتعالى مِنْ فَضْلِهِ الثَّبَاتَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.

وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَحْضُرَ الْمُحْتَضَرَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ؛ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ وَالصُّورَةَ وَغَيْرَ الْحَائِضِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِثْلُهَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ بِلَا يَجُوزُ بَدَلُ يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ (وَلْيُحْسِنْ) الْمَرِيضُ نَدْبًا (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى أَيْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى» وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ يَجِبُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا رَأَى مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوتِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ، وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالطِّيبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ، أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُغَلِّبَ خَوْفَهُ عَلَى رَجَائِهِ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13]{وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14][الِانْفِطَارُ] وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى.

(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) نَدْبًا لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ: شَخَصَ. قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَشْرَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تَعُمُّهُمَا وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلَ فِيهِ الْهَوَامُّ (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) بِأَنْ يَرُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَمُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ، وَذَلِكَ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (بِثَوْبٍ) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ» وَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ، وَسُجِّيَ

ص: 6

خَفِيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ.

وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ.

وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

غُطِّيَ (خَفِيفٍ) لِئَلَّا يُحْمِيَهُ فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ، وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ.

أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ (وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ) كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ ثُمَّ طِينٍ رَطْبٍ ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ فَيَقْبُحَ مَنْظَرُهُ، وَقَدَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَلِكَ بِزِنَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُوضَعُ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ يُوضَعُ بِطُولِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَكُونُ فَوْقَ الثَّوْبِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُصَانَ الْمُصْحَفُ عَنْهُ احْتِرَامًا لَهُ وَيَلْحَقُ بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ مُرْتَفِعٌ: كَدَكَّةٍ لِئَلَّا يُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ فَيَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً قَالَ فِي الْكِفَايَةِ جَازَ وَضْعُهُ عَلَيْهَا: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى، وَلَا يُوضَعُ عَلَى فِرَاشٍ لِئَلَّا يُحْمَى فَيَتَغَيَّرَ (وَنُزِعَتْ) عَنْهُ (ثِيَابُهُ) الْمَخِيطَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ فَسَادُهُ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِيمَنْ يُغَسَّلُ لَا فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْقَمِيصُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ إذَا كَانَ طَاهِرًا، إذْ لَا مَعْنَى لِنَزْعِهِ، ثُمَّ إعَادَتِهِ. نَعَمْ يُشَمَّرُ إلَى حَقْوِهِ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِمَا قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ اهـ.

وَلَوْ قُدِّمَ هَذَا الْأَدَبُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ أَوْلَى (وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ) إنْ أَمْكَنَ (كَمُحْتَضَرٍ) أَيْ كَتَوَجُّهِهِ وَتَقَدَّمَ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ: وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ (وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ) كُلَّهُ (أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ نِسَاءِ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ كَذَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا مَعَ الْغَضِّ وَعَدَمِ الْمَسِّ اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّوْجَانِ بَلْ أَوْلَى، وَفِي إطْلَاقِ الْمَحْرَمِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ مُسَامَحَةٌ.

(وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا (بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ) بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ أَمَارَاتِهِ كَاسْتِرْخَاءِ قَدَمٍ وَمَيْلِ أَنْفٍ وَانْخِسَافِ صُدْغٍ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَادَ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ، فَقَالَ «إنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَإِنْ يُؤْتَى بِهِ فَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُؤْمِنٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَإِنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ.

(وَغُسْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَحَمْلُهُ (وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ الدَّفْنِ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ كَمَا

ص: 7

وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ، قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ

ــ

[مغني المحتاج]

يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عُلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ) بِالْمَاءِ مَرَّةً؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَقِّ الْحَيِّ (بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ) عَنْهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْضًا، فَلَا يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عَنْ النَّجَسِ وَالْحَدَثِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ هُنَاكَ، فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ، أَوْ أَنَّ مَا هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ، وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ.

أُجِيبَ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ.

وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَيَكْفِي غُسْلُهُ لِذَلِكَ (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلُ) أَيْ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ (فِي الْأَصَحِّ فَيَكْفِي) عَلَى هَذَا (غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ هُوَ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ. وَالثَّانِي تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكْفِي الْغَرَقُ وَلَا غَسْلُ كَافِرٍ فَيَنْوِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا، حَتَّى لَوْ رَأَيْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يُسْقِطْ عَنَّا نَجَاسَتَهُ نَظِيرُهُ مِنْ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ، وَمِنْ الْغُسْلِ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا لَهُ، وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ، وَهَلْ يَكْفِي تَغْسِيلُ الْجِنِّ؟ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا قِيلَ: إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ (وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ) عَنْ النَّاسِ لَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ. وَلِلْوَلِيِّ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ. وَقَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ (مَسْتُورٍ) عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (عَلَى لَوْحٍ) أَوْ سَرِيرٍ هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا كَاسْتِلْقَاءِ الْمُحْتَضَرِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ (وَيُغَسَّلُ) نَدْبًا (فِي قَمِيصٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، وَقَدْ غُسِّلَ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ خَلِقًا أَوْ سَخِيفًا حَتَّى لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَقِيلَ تَجْرِيدُهُ أَوْلَى.

وَقَالَ الْمُزَنِيّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِجَلَالَتِهِ وَعِظَمِ قَدْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ فِي الْقَمِيصِ لِلْأَشْرَافِ وَذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ إنْ كَانَ وَاسِعًا وَيُغَسِّلُهُ مِنْ تَحْتِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَمِيصًا أَوْ

ص: 8

بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَى، وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مَنْخَرَيْهِ مِنْ أَذًى، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

لَمْ يَتَأَتَّ غُسْلُهُ فِيهِ لِضِيقِهِ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةٍ مِنْ أَوَّلِ مَا يَضَعُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ (بِمَاءٍ بَارِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ، وَالسُّخْنَ يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى السُّخْنِ لِوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُسَخَّنُ قَلِيلًا، وَلَا يُبَالَغُ فِي تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاسْتَحَبَّ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا عَلَى كَوْنِهِ عَذْبًا، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ، وَيَكُونُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ، وَيُبْعَدُ بِهِ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ الْمَاءِ عِنْدَ الْغُسْلِ (وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ) بِرِفْقٍ (مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ) قَلِيلًا لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ (وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ) لِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ، وَالْقَفَا مَقْصُورٌ، وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ مَدَّهُ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى) لِئَلَّا يَسْقُطَ (وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ) مِنْ الْفَضَلَاتِ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِهَا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيَفْسُدُ بَدَنُهُ أَوْ كَفَنُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بَلِيغًا بِالتَّكْرَارِ لَا فِي شِدَّةِ الِاجْتِهَادِ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى هَتْكِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ احْتِرَامَهُ وَاجِبٌ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ مِجْمَرَةٌ مُتَّقِدَةٌ فَائِحَةٌ بِالطِّيبِ كَالْعُودِ، وَالْمُعِينُ يَصُبُّ عَلَيْهِ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا تَظْهَرَ رَائِحَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ (ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا (وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ وَكَذَا مَا حَوْلَهُمَا كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (ثُمَّ يَلُفُّ) خِرْقَةً (أُخْرَى) عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَ إلْقَاءِ الْأُولَى، وَغَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ: يَغْسِلُ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ (وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ) السَّبَّابَةَ مِنْ يُسْرَاهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ كَمَا يَسْتَاكُ الْحَيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحَيُّ يَسْتَاكُ بِالْيَمِينِ فَلِمَ خُولِفَ فِي هَذَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ الْمَيِّتَ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ إذَا كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لِخَوْفِ سَبْقِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ فَيُسْرِعُ فَسَادُهُ (وَيُزِيلُ) بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصِرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (مَا فِي مَنْخِرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَبِكَسْرِ الْخَاءِ (مِنْ أَذًى) كَمَا فِي مَضْمَضَةِ الْحَيِّ وَاسْتِنْشَاقِهِ (وَيُوَضِّئُهُ) بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ (كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ قَلِيلًا، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يَسْتَغْنِي عَنْهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا

ص: 9

ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلَ كَافُورٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَحْتَ أَظْفَارِهِ (ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوه) كَخِطْمِيٍّ، وَالسِّدْرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكُ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى لِلْجَسَدِ وَلِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ (وَيُسَرِّحُهُمَا) أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتَهُ إنْ تَلَبَّدَ (بِمُشْطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْمِيمِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ سِدْرٍ وَوَسَخٍ كَمَا فِي الْحَيِّ (وَاسِعِ الْأَسْنَانِ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ الشَّعْرَ (بِرِفْقٍ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ شَيْءٌ أَوْ يَقِلَّ الِانْتِتَافُ (وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ) نَدْبًا بِأَنْ يَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لِيُدْفَنَ مَعَهُ إكْرَامًا لَهُ، وَقِيلَ يُجْعَلُ وَسَطَ شَعْرِهِ.

وَأَمَّا دَفْنُهُ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَغْسِلُ) بَعْدَ مَا سَبَقَ (شِقَّهُ الْأَيْمَنَ) مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ الْأَيْسَرَ) كَذَلِكَ (ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ) مِنْ كَتِفِهِ (إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) أَيْ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ وَظَهْرَهُ مِنْ كَتِفِهِ إلَى الْقَدَمِ، وَقِيلَ: يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ وَكُلٌّ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ، وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ فِعْلُهُ (فَهَذِهِ) الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السِّدْرِ وَنَحْوِهِ فِيهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُمْنَعُ الِاعْتِدَادُ بِهَا (غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً) كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ حَتَّى تَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لِلتَّنْظِيفِ وَالْإِنْقَاءِ (ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: أَيْ خَالِصًا (مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ) أَوْ نَحْوِهِ بِالْمَاءِ، فَلَا تُحْسَبُ غَسْلَةُ السِّدْرِ وَلَا مَا أُزِيلَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثِ لِتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ التَّغَيُّرَ السَّالِبَ لِلطَّهُورِيَّةِ وَإِنَّمَا تُحْسَبُ مِنْهَا غَسْلَةُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَيَكُونُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ بِهِ هِيَ الْمُسْقِطَةُ لِلْوَاجِبِ.

تَنْبِيهٌ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأُولَى، بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلُ النَّقَاءُ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ، فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ. وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ اهـ.

قَالَ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ قَاضِي عَجْلُونَ فَفِي الْمِنْهَاجِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدَّمَ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ (قَلِيلَ كَافُورٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا بِحَيْثُ لَا يَفْحُشُ التَّغَيُّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَيَطْرُدُ الْهَوَامَّ وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ،

ص: 10

وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ، وَقِيلَ الْوُضُوءِ، وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ

ــ

[مغني المحتاج]

وَهُوَ مَا يُغَيَّرُ بِهِ فَيَضُرُّ إلَّا إذَا كَانَ صُلْبًا فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي الله عنها: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» وَقَوْلُهُ: أَوْ خَمْسًا إلَخْ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فِي النَّظَافَةِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ مَعَ رِعَايَةِ الْوِتْرِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ:" إنْ رَأَيْتُنَّ أَيْ احْتَجْتُنَّ " وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ، وَمَشَطْنَاهَا وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ، وَثَلَاثَةُ قُرُونٍ: أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةِ أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيَحْرُمُ وَضْعُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ، ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْغُسْلِ يُلَيَّنُ الْمَيِّتُ مَفَاصِلَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ تَنْشِيفًا بَلِيغًا لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَا يَأْتِي فِي التَّنْشِيفِ هُنَا الْخِلَافُ فِي تَنْشِيفِ الْحَيِّ (وَلَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَيِّتِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْغُسْلِ (نَجَسٌ) وَلَوْ مِنْ الْفَرْجِ وَقَبْلَ التَّكْفِينِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ نَجِسٌ فِي آخِرِ غُسْلِهِ أَوْ بَعْدِهِ (وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ) لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا وُجِدَ، وَالتَّنْظِيفُ يَحْصُلُ بِنَظَافَةِ مَا حَدَثَ (وَقِيلَ) فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفَّنْ تَجِبُ إزَالَتُهُ (مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ) لِيَخْتِمَ أَمْرَهُ بِالْأَكْمَلِ (وَقِيلَ) فِي الْخَارِجِ مِنْهُ تَجِبُ إزَالَتُهُ مَعَ (الْوُضُوءِ) لَا الْغُسْلِ كَمَا فِي الْحَيِّ.

أَمَّا بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيُجْزَمُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَقَطْ، بَلْ حَكَى الْإِسْنَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّكْفِينِ، وَلَا يَجْنُبُ مَيِّتٌ بِوَطْءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَا يُحْدِثُ بِمَسٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ مَجْرُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ " مَعَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ؛ لِأَنَّ جَرَّ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ قَلِيلٌ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْغَاسِلِ، فَقَالَ (وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ) فَهُوَ أَوْلَى بِهِ (وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ) فَهِيَ أَوْلَى بِهَا، وَسَيَأْتِي تَرْتِيبُهُمْ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا بِخَطِّهِ، وَذَلِكَ لِيَصِحَّ إسْنَادُ يُغَسِّلُ الْمُسْنَدِ لِلْمُذَكَّرِ لِلْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بِالْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَتَى الْقَاضِيَ امْرَأَةٌ، وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَيُقَدَّرُ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ فِعْلٌ مَبْدُوءٌ بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ (وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَالزَّوْجَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ وَالْبُضْعِ جَمِيعًا، وَالْكِتَابَةُ تُفْسَخُ بِالْمَوْتِ. نَعَمْ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ وَالْمُسْتَبْرَأَة لِتَحْرِيمِ بُضْعِهِنَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ بِالْأَوْلَى، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ جَوَازُ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَبْرَأَةُ إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِالسَّبْيِ، فَالْأَصَحُّ حِلُّ غَيْرِ

ص: 11

وَزَوْجَتَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْوَطْءِ مِنْ التَّمَتُّعَاتِ فَغُسْلُهَا أَوْلَى أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غُسْلُهَا.

أُجِيبَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْغُسْلِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِتَحْرِيمِ الْبُضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ كَالْمُعْتَدَّةِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِأَجْنَبِيٍّ (وَ) يُغَسِّلُ (زَوْجَتَهُ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.

قَالَ شَيْخِي: وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «إذَا كُنْتَ تُصْبِحُ عَرُوسًا» (وَهِيَ) تُغَسِّلُ (زَوْجَهَا) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، «وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا نِسَاؤُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَيَلُفَّانِ)

نَدْبًا: أَيْ السَّيِّدُ فِي تَغْسِيلِ أَمَتِهِ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي تَغْسِيلِ الْآخَرِ (خِرْقَةً) عَلَى يَدِهِمَا (وَلَا مَسَّ) وَاقِعٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ وُضُوءُ الْغَاسِلِ فَقَطْ.

أَمَّا وُضُوءُ الْمَغْسُولِ فَلَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، نَعَمْ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا غُسْلُ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَفِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُغَسِّلُ الْآخَرَ كَمَا لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ جَعَلُوهَا كَالْمُكَاتَبَةِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَلَا مَنْعَ مِنْ الْغُسْلِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعْتَدَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) هَا (إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ) لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا (أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ) أَيْ الْمَيِّتُ وُجُوبًا (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ.

وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بُدَّ لَهَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ إزَالَتِهَا كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ حَضَرَ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ كَافِرٌ وَمُسْلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَّلَهُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَيْهِ دُونَهَا وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمَةُ، وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُشْتَهَى يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِحِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لَهُ وَالْخُنْثَى الْكَبِيرُ الْمُشْكِلُ يُغَسِّلُهُ الْمَحَارِمُ مِنْهُمَا، فَإِنْ فُقِدُوا غَسَّلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمُقْتَضَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَيُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنَّهُ هُنَا يُحْتَمَلُ الِاتِّحَادُ فِي جِنْسِ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ أَخْذَهُمْ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ فِي النَّظَرِ بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ

ص: 12

وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَبِهَا قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

حَاجَةٍ (وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ) أَيْ الرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ (أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ فِي الْفَرْعِ الْآتِي، ثُمَّ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، نَعَمْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ هُنَا وَفِي الدَّفْنِ (وَ) أَوْلَى النِّسَاءِ (بِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ فِي غُسْلِهَا إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهَا مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهَا (قَرَابَاتُهَا) مِنْ النِّسَاءِ مَحَارِمَ كُنَّ كَالْبِنْتِ أَوْ لَا كَبِنْتِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهِنَّ.

تَنْبِيهٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ ذَوُو قَرَابَتِي وَلَا تَقُولُ هُمْ قَرَابَتِي، وَلَا هُمْ قَرَابَاتِي؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا وَالْعَامَّةُ تَقُولُ ذَلِكَ (وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى أَلْيَقُ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرْنَ إلَيْهِ مِنْهَا (وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ فِي الشَّفَقَةِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَالَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ أَوْلَى كَالْعَمَّةِ مَعَ الْخَالَةِ، ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرُ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ الْعَمِّ الْبَعِيدَةُ إذَا كَانَتْ أُمًّا أَوْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعِ مَثَلًا عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ الْقَرِيبَةِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا الرَّضَاعَ هَاهُنَا بِالْكُلِّيَّةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَوَاتُ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَدَّمْنَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ اهـ.

وَبَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَزَادَ مَحَارِمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْدِيمُ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ عَلَى مَحَارِمِ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ (الْأَجْنَبِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ (ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ عَلَيْهَا وَيَطَّلِعُونَ غَالِبًا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ (قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ (فَكَالْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ) أَيْ رِجَالِ الْقَرَابَةِ الْمَحَارِمِ (الزَّوْجُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَدُومُ وَالنِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ، وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ شَرْطُهُ الْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا لِلْمَيِّتِ، وَلِمَنْ قُدِّمَ فِي الْغُسْلِ تَفْوِيضُهُ لِغَيْرِهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَلَيْسَ لِرَجُلٍ تَفْوِيضُهُ لِامْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ، وَأَقَارِبُ الْكَافِرِ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِهِ.

تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُفْصِحٍ عَنْ تَرْتِيبِ الزَّوْجِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، إذْ أَوَّلُ كَلَامِهِ يُفْهِمُ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُقَدَّمْنَ أَيْ الْقَرَابَاتُ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ لِكَوْنِهِ حُكِيَ

ص: 13