المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب دخول مكة] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌فَصْلٌ إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]

- ‌بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ:

- ‌[فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَاب فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ]

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كتاب البيع]

- ‌باب الربا

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ]

- ‌فَصْلٌ التَّصْرِيَةِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ]

- ‌بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ

- ‌[بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا]

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌[بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ]

الفصل: ‌[باب دخول مكة]

وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ.

ــ

[مغني المحتاج]

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ (وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ) أَوْ يَكْرَهُهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81][النَّحْلَ] أَيْ وَالْبَرْدَ (قَالَ) نَدْبًا (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الدَّائِمَةَ الْهَنِيَّةَ (عَيْشُ) أَيْ حَيَاةُ الدَّارِ (الْآخِرَةِ) قَالَهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا.

وَقَالَهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا.

وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ يُلَبِّي بِلُغَتِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُلَبِّيَ بِالْعَجَمِيَّةِ؟ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الْخِلَافِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَسْبِيحَاتِ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى) وَسَلَّمَ (عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) عَقِبَ فَرَاغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4][الشَّرْحَ:] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي وَتَقُولُ ذَلِكَ بِصَوْتٍ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهُ.

قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ:

وَيُصَلِّي عَلَى آلِهِ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى) بَعْدَ ذَلِكَ (الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم. لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ دِينًا وَدُنْيَا.

قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك وَآمَنُوا بِكَ، وَوَثِقُوا بِوَعْدِك، وَوَفَوْا بِعَهْدِك، وَاتَّبَعُوا أَمْرَك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ.

خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي التَّلْبِيَةِ إلَّا بِرَدِّ سَلَامٍ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِعَارِضٍ كَأَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ بِبِئْرٍ، وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا.

[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

(بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ) زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ: مَكَّةُ بِالْمِيمِ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ، وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، وَبِالْبَاءِ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ الْبَلَدُ، وَبِالْبَاءِ الْبَيْتُ مَعَ الْمَطَافِ، وَقِيلَ بِدُونِهِ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ تَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثِينَ اسْمًا ذَكَرَهَا الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسْمِيَةِ وَكَثْرَةِ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى. وَلِهَذَا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قِيلَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ. وَمَكَّةُ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْأَرْضِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا

ص: 239

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوًى وَيَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

سِوَاهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَكْرِيُّ: وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إلَيْك» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَكَارَتِهِ وَضَعْفِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيضَاحِ: الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَ (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلَ الْجَائِيُّ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَطَوًى بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ. يَعْنِي مَبْنِيَّةً بِهَا، وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّاخِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُقْتَضَى حَدِيثِ، الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ وَالرَّاجِحُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى، وَأَمَّا الْجَائِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ اهـ.

وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا، وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَرَجَ إلَيْهِ قَصْدًا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي كَدَاءٍ مِنْ الْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَفِي الْغُسْلِ مِنْ قَصْدِ النَّظَافَةِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» ، وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام -

ص: 240

وَيَقُولَ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ

ــ

[مغني المحتاج]

حِينَ قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْعُلْيَا كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَضِيَّتُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك، فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ. وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَمَاشِيًا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ وَلَمْ يَخَفْ نَجَاسَةَ رِجْلَهُ، وَدُخُولُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ لَيْلًا أَفْضَلُ، وَأَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ بِخُشُوعٍ مُتَضَرِّعًا.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُسْلِمًا لِأَمْرِك. أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك، وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك، وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَك (وَ) أَنْ (يَقُولَ) دَاخِلُهَا (إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ وَالدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَى الْبَيْتَ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ وَصَلَ مَحِلَّ رُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ رَافِعًا يَدَيْهِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) هُوَ التَّرَفُّعُ وَالْإِعْلَاءُ (وَتَعْظِيمًا) هُوَ التَّبْجِيلُ (وَتَكْرِيمًا) هُوَ التَّفْضِيلُ (وَمَهَابَةً) هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ (وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَكَرِّمْهُ بَدَلَ وَعَظِّمْهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ (وَمِنْكَ السَّلَامُ) أَيْ ابْتَدَأَ مِنْكَ، وَمَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ (فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ (ثُمَّ يَدْخُلُ) عَقِبَ ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) أَحَدِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ الْبَابِ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْبَقُوا عَلَى

ص: 241

وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ.

وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ،

ــ

[مغني المحتاج]

اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مِنْهُ لِكُلِّ قَادِمٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي طَرِيقِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، فَإِنْ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَارَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الصَّفَا، وَمِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْيَوْمَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ.

(وَيَبْتَدِئُ) نَدْبًا أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ يُبْدَأُ بِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ خَافَ فَوْتَ مَكْتُوبَةٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ وَجَدَ جَمَاعَةً قَائِمَةً أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً مَكْتُوبَةً، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَطَعَهُ وَصَلَّى؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ، وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ قَطَعَهُ إنْ كَانَ نَفْلًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ يَبْدَأُ بِإِزَالَتِهِ، وَلَوْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ نَهَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ. وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ سُنَّ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى اللَّيْلِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضٌ بِمَا إذَا أَمِنَتْ الْحَيْضَ الَّذِي يَطُولُ زَمَنُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَسَنٌ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتَ وَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ، وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا تَفُوتُ بِهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْمُعْتَمِرَ قَدْ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِمَا الْمَفْرُوضِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ الصَّلَاةَ حَيْثُ أَمَرَ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. أَمَّا الْحَلَالُ فَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَالتَّحِيَّةِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قُبُورُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ قَبْرَ هُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِسْمَاعِيلَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: اُعْتُرِضَ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَصَوَابُهُ وَيَخْتَصُّ حَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ اهـ لَكِنَّ هَذَا أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ فَالتَّعْبِيرُ بِالصَّوَابِ خَطَأٌ.

(وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمَ (لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ) لَهُ (أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ) إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ وَيُمْكِنُهُ إدْرَاكَهُ (أَوْ عُمْرَةٍ) قِيَاسًا عَلَى التَّحِيَّةِ وَهَذَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) وَهُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ وَجَعَلَهُ فِي الْبَيَانِ

ص: 242