الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ، وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا،
ــ
[مغني المحتاج]
الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَرَابَاتِ وَذِكْرُهُ قَبْلَ ذِكْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ أَيْ عَلَى رِجَالِ الْقَرَابَةِ يُفْهِمُ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَالْمَنْقُولُ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيَّاتِ عَلَيْهِ (وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا) إذَا مَاتَ أَيْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهُ وَطَرْحُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ كَمَا لَا يُجْعَلُ فِيهِ كَفَنُهُ كَمَا مَرَّ (وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ) أَيْ يَحْرُمُ إزَالَةُ ذَلِكَ مِنْهُ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ إيجَابُهَا عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ نَائِمٍ اهـ.
وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّائِمَ بِصَدَدِ عَوْدِهِ إلَى الْفَهْمِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَكْلِيفِهِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّبَخُّرِ عِنْدَ غُسْلِهِ كَجُلُوسِ الْحَيِّ عِنْدَ الْعَطَّارِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ رَأْسُهُ إذَا مَاتَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ (وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ) الْمُحَدَّةُ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَا يَحْرُمُ تَطْيِيبُهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطِّيبِ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّجَالِ وَلِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ زَالَا بِالْمَوْتِ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْرِمِ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْمُحْرِمِ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ) الْمَيِّتِ (الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالرُّويَانِيِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَوْ الْكَثِيرِينَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَالْحَيِّ، وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى الْبَلَاءِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُحْدَثٌ. وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ كَرَاهَتَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَهُوَ قَوْلٌ جَدِيدٌ، وَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْأَظْهَرِ الْمُفِيدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جَدِيدٌ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخْتَنُ إذَا كَانَ أَقْلَفَ، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ إنْ كَانَ بَالِغًا، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ مُطْلَقًا. .
[فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ]
(فَصْلٌ) فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ (يُكَفَّنُ) بَعْدَ غُسْلِهِ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ (لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا) مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ
وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْخُنْثَى إذَا وُجِدَ غَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِالْحَرِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا قُتِلَ وَهُوَ لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ أَيْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْحَرْبِ، وَلَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَهُنَاكَ طَاهِرٌ وَإِنْ جَازَ لَهُ لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ حَرِيرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي. قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمُصَلِّي، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ: إنَّ النَّجِسَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي التَّطْيِينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي فِي السُّتْرَةِ فِي الْحَيَاةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمُحَدَّةِ فِيمَا حَرُمَ عَلَيْهَا لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي إبَاحَةِ الطِّيبِ لَهَا (وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ، وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ: وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (وَلَا تُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ (وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الثَّوْبِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِث، وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ، وَيَجِبْ تَكْفِينُهُ بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ اهـ.
وَهَلْ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي؟ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ لَا تَنْفُذُ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَقَيْسُ: أَيْ فَيَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ. .
أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى زِيَادَةِ السَّتْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَاتِرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا
وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ، وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ، وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ، وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ: فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ، وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ، وَمَحَلُّهُ
ــ
[مغني المحتاج]
تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَفَارَقَ الْغَرِيمَ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا، هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ.
أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ. قَالَ: وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَيَكُونُ سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى ثَوْبًا سَاتِرًا لِلْبَدَنِ وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ (وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُحْرِمًا (ثَلَاثَةٌ)«لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَسُحُولٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ، لَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (رَابِعٌ وَخَامِسٌ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا لَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِحُرْمَتِهَا وَبَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي وَرَثَةٍ مُتَبَرِّعِينَ وَرَضُوا بِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَلَا (وَ) الْأَفْضَل (لَهَا) وَلِلْخُنْثَى (خَمْسَةٌ) مِنْ الْأَثْوَابِ لِزِيَادَةِ السَّتْرِ فِي حَقِّهِمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَالْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِهَا كَمَا مَرَّ (بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ) كُلُّهَا (لَفَائِفٌ) مُتَسَاوِيَةٌ طُولًا وَعَرْضًا يَعُمُّ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ غَيْرَ رَأْسِ الْمُحْرِمِ وَوَجْهِ الْمُحْرِمَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقِيلَ تَكُونُ مُتَفَاوِتَةً، فَالْأَسْفَلُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِزَارِ. وَالثَّانِي مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ، وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ (وَإِنْ كُفِّنَ) ذَكَرٌ (فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ) أَيْ اللَّفَائِفِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
أَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَا يُلْبَسُ مَخِيطًا (وَإِنْ كُفِّنَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ (فِي خَمْسَةٍ فَإِزَارٌ) أَوَّلًا، وَمَرَّ تَعْرِيفُهُ، وَيُقَالُ لَهُ مِئْزَرٌ أَيْضًا (وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ (وَقَمِيصٌ) قَبْلَ الْخِمَارِ (وَلِفَافَتَانِ) بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ فِيهَا ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ) فَاللِّفَافَةُ الثَّالِثَةُ بَدَلُ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ لَهَا كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ، وَالْقَمِيصُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ صلى الله عليه وسلم (وَيُسَنُّ) الْكَفَنُ (الْأَبْيَضُ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَغْسُولَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ الْكَفَنِ
أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ: وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ، وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ
ــ
[مغني المحتاج]
كَبَقِيَّةِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ (أَصْلُ التَّرِكَةِ) كَمَا سَيَأْتِي أَوَّلَ الْفَرَائِضِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ فَيُقَدَّمَ عَلَيْهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَنْ لِزَوْجِهَا مَالٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَكَفَنُهَا عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ الْآتِي.
وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي، وَقَالَ الْبَعْضُ: مِنْ التَّرِكَةِ. كُفِّنَ مِنْهَا دَفْعًا لِلْمِنَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ تَرِكَةٌ فَعَلَى (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ) أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ (وَسَيِّدٍ) فِي رَقِيقِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ (وَكَذَا) مَحَلُّ الْكَفَنِ أَيْضًا (الزَّوْجُ) الْمُوسِرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَعَلَيْهِ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَعَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا وَتَجْهِيزِ خَادِمِهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ وَالسَّيِّدَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مُوسِرَةً أَمْ لَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ وَكَذَا الزَّوْجُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ عَلَى الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ تَرِكَةٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ التَّمْكِينِ الْمُقَابِلِ لِلنَّفَقَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ وُجُوبَ التَّكْفِينِ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَلَا، أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَصَغِيرَةٍ وَنَاشِزَةٍ فَمَا ذُكِرَ فِي تَرِكَتِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِذَلِكَ كُمِّلَ مِنْ مَالِهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَاتُهُ دُفْعَةً بِنَحْوِ هَدْمٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا كَفَنًا فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُعْسِرَةُ، أَوْ مَنْ يُخْشَى فَسَادُهَا، أَوْ مُتْنَ مُرَتَّبًا هَلْ تُقَدَّمُ الْأُولَى أَوْ الْمُعْسِرَةُ أَوْ يُقْرَعُ؟ احْتِمَالَاتٌ أَقْرَبُهَا أَوَّلُهَا فِيهِمَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ، وَلَا كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ مِنْ كَفَنٍ وَغَيْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ، وَفِيهِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مَعَ مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، زَادَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمَجَّانًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَلَا بَدَلَ يُصَارُ إلَيْهِ (وَ) إذَا وَقَعَ التَّكْفِينُ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ وَوَقَعَ فِيهَا تَفَاوُتٌ (يُبْسَطُ) أَوَّلًا (أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا) وَأَطْوَلُهَا (وَالثَّانِيَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ (فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ) فَوْقَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا، فَلِهَذَا بُسِطَ الْأَحْسَنُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ الْكَفَنِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَيَذَرُ) بِالْمُعْجَمَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ (عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الْأُخْرَى (حَنُوطٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَيُقَالُ لَهُ الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ
وَكَافُورٌ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَيُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ، وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الطِّيبِ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَذَرِيرَةِ الْقَصَبِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كُلُّ طِيبٍ خُلِطَ لِلْمَيِّتِ (وَكَافُورٌ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ الطِّيبِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي أُصُولِ الْحَنُوطِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ، بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ وَيَشُدُّهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ جُعِلَ بَيْنَ كُلِّ ثَوْبَيْنِ حَنُوطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا) أَيْ اللَّفَائِفِ بِرِفْقٍ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى قَفَاهُ وَهَلْ تُجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسَلَانِ فِي جَنْبِهِ؟ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ (وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ كَمَا مَرَّ، وَيُسَنُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ بِنَحْوِ عُودٍ أَوَّلًا (وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ) بِخِرْقَةٍ بَعْدَ دَسِّ قُطْنٍ حَلِيجٍ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ بَيْنَ أَلْيَيْهِ حَتَّى يَصِلَ لِحَلَقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا، وَيُكْرَهُ إيصَالُهُ دَاخِلَ الْحَلَقَةِ، وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ (وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ) مِنْ أُذُنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، وَعَلَى أَعْضَاءِ سُجُودِهِ كَجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ (قُطْنٌ) عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ لِيُخْفِيَ مَا عَسَاهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَيَدْفَعَ عَنْهُ الْهَوَامَّ (وَيُلَفُّ عَلَيْهِ) بَعْدَ ذَلِكَ (اللَّفَائِفُ) بِأَنْ يُثْنِيَ الطَّرَفَ الْأَيْسَرَ ثُمَّ الْأَيْمَنَ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ، وَيَجْمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَكُونُ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ (وَتُشَدُّ) عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِعَقْدِ الْإِزَارِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا أَنْ يُكْرَى لِلْمَيِّتِ مِنْ الثِّيَابِ مَا فِيهِ زِينَةٌ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ (فَإِذَا وُضِعَ) الْمَيِّتُ (فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ (وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ) أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ كَفَنُهُ فَفِي التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ أَكَانَ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَفِي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَقُسِّمَتْ التَّرِكَةُ ثُمَّ سُرِقَ كَفَنُهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُمْ ثَانِيًا لَلَزِمَهُمْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى اهـ.
وَهَذَا أَوْجَهُ وَلَا يُسَنُّ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعَ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُعِدَّ
وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِنَفْسِهِ قَبْرًا يُدْفَنُ فِيهِ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَقَالَ (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ) لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَحَمْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأَوَّلُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَالثَّانِي التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَيِّتِ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ، وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُود بِكُلٍّ مِنْهُمَا، هَذَا إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَّةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ) أَيْ الْعَمُودَيْنِ (عَلَى عَاتِقِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ (وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ) الْخَشَبَتَيْنِ (الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَخَّرَتَانِ لِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى الطَّرِيقِ وَإِنْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَامِلًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى ارْتِفَاعِ مُؤَخِّرَةِ النَّعْشِ وَتَنَكُّسِ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ وَيَأْخُذُ اثْنَانِ بِالْمُؤَخَّرَتَيْنِ فِي حَالَتَيْ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، فَحَامِلُوهُ بِلَا عَجْزٍ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ خَمْسَةٌ فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وِتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ فَقَالَ (وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ (وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ) يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَامِلُونَ أَرْبَعَةً، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْكَيْفِيَّةُ بِالتَّرْبِيعِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَرْبَعَةُ عَنْهَا حَمَلَهَا سِتَّةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَحْمِلُ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَوْ يُزَادُ أَعْمِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَحْتَ الْجِنَازَةِ كَمَا فُعِلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ جَسِيمًا.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنْ حَمَلَهُ وَاحِدٌ جَازَ إذْ لَا إزْرَاءَ فِيهِ. وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِالْحَمْلِ بِالْهَيْئَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْعَمُودَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى كَتِفَيْهِ، ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَأْخُذَ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ، أَوْ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَبْدَأَ بِالْأَيْمَنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ أَوْ بِالْهَيْئَتَيْنِ فِيمَا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ مُؤَخَّرًا أَوْ مُقَدَّمًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ (وَالْمَشْيُ) لِلْمُشَيِّعِ لَهَا وَكَوْنُهُ (أَمَامَهَا) أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَحَقُّ الشَّفِيعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ. وَأَمَّا خَبَرُ «امْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ» فَضَعِيفٌ وَكَوْنُهُ (بِقُرْبِهَا) وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا (أَفْضَلُ) مِنْهُ بَعِيدًا بِأَنْ لَا يَرَاهَا لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: