المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌فَصْلٌ إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]

- ‌بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ:

- ‌[فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَاب فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ]

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كتاب البيع]

- ‌باب الربا

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ]

- ‌فَصْلٌ التَّصْرِيَةِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ]

- ‌بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ

- ‌[بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا]

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌[بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ]

الفصل: ‌[فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه]

فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَشَى فِي مَحِلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحِلِّ سَعْيِهِ أَوَّلًا. أَمَّا الْأُنْثَى فَتَمْشِي فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: إنْ خَلَتْ بِاللَّيْلِ سَعَتْ كَالذَّكَرِ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الذَّكَرُ فِي عَدْوِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فِي مَحِلِّهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. .

تَنْبِيهٌ: سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَنْ السِّتْرِ وَالطَّهَارَةِ مَعَ اشْتِرَاطِهِ لَهُمَا فِي الطَّوَافِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ وُجُوبِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَيُسَنَّانِ. وَيُسَنُّ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ فِي مَرَّاتِ السَّعْيِ، وَكَذَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَنْ يَكُونَ مَاشِيًا إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ رَكِبَ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَرِهَ السَّعْيَ رَاكِبًا إلَّا لِعُذْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَرَّاتِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ أَخْبَرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا ثُمَّ بَعْدَ السَّعْيِ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَصَارَ حَلَالًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ. .

[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

(فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ إنْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ (أَوْ مَنْصُوبِ) الْمُؤَمَّرِ عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ (أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ (بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ يَوْمَهَا (خُطْبَةً فَرْدَةً) وَلَا يَكْفِي عَنْهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا التَّعْلِيمُ لَا الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ فَلَمْ تُشَارِكْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ (يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ) الْيَوْمَ الثَّامِنَ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوُّونَ فِيهِ الْمَاءَ (إلَى مِنًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَتُذَكَّرُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَقَدْ تُؤَنَّثُ وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى - أَيْ يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، وَيَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَبِالتَّكْبِيرِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ (وَيُعَلِّمُهُمْ) فِيهَا (مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ فَقِيهًا قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ: هَذِهِ، وَخُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمَ

ص: 258

وَيَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُونَ بِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا عَرَفَاتًا. قُلْت: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ يَخْطُبُ

ــ

[مغني المحتاج]

عَرَفَةَ فَثِنْتَانِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ الْخَبَرُ السَّابِقُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى، وَلَا مُنَافَاةَ، إذْ الْإِطْلَاقُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ بَيَانٌ لِلْأَقَلِّ، وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ الْمَجْمُوعِ لَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ وَدَاعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَلَّلَا مِنْ مَنَاسِكِهِمَا لَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ إقَامَتِهِمَا (وَيَخْرُجُ) نَدْبًا (بِهِمْ مِنْ الْغَدِ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ جُمُعَةً (إلَى مِنًى) فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَبَاقِيَ الْخَمْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ حَرَامٌ، فَمَحِلُّهُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَتُهَا بِمِنًى، فَإِنْ حَدَثَ فِيهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ صَلَّوْا فِيهَا الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ إقَامَتِهَا وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ ثَمَّ، وَيَجُوزُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ (وَيَبِيتُونَ) نَدْبًا (بِهَا) فَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ بِإِجْمَاعٍ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ إيقَادِ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنْكَرَاتٍ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الزَّعْفَرَانِيُّ: يُسَنُّ الْمَشْيُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا إلَى انْقِضَاءِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقْصِدَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُكْثِرَ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَيُصَلِّيَ مَكْتُوبَاتِ يَوْمِهِ وَصُبْحَ غَدِهِ فِي مَسْجِدِهَا (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) عَلَى ثَبِيرٍ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ: جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ (قَصَدُوا عَرَفَاتٍ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُطِلُّ عَلَى مِنًى وَيَعُودُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ السَّائِرُ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت، وَإِلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ أَرَدْت، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا، وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا: مَوْضِعٌ (بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ لِلْوُقُوفِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبُوا إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ: إنَّهُ أَحَدُ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِمَكَّةَ، وَصَدْرُهُ مِنْ عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَتُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ.

قَالَ الْبَغَوِيّ: وَصَدْرُهُ مَحِلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ (ثُمَّ يَخْطُبُ

ص: 259

الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا. وَيَقِفُوا بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ

ــ

[مغني المحتاج]

الْإِمَامُ) أَوْ مَنْصُوبُهُ (بَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ يُعَلِّمُهُمْ فِي الْأُولَى الْمَنَاسِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَوْقِفِ، وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحِينَ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأُولَى يُؤَذَّنُ لِلظُّهْرِ فَيَفْرَغُ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ.

فَإِنْ قِيلَ الْأَذَانُ يَمْنَعُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُهَا.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُطْبَةِ مِنْ التَّعْلِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ، وَشُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا) تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا، وَالْقَصْرُ وَالْجَمْعُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِلنُّسُكِ، فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ الْمَكِّيِّينَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِالْإِتْمَامِ وَعَدِمِ الْجَمْعِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ بَعْدَ السَّلَامِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ: إنَّ الْحُجَّاجَ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ، يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ هِلَالٍ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِزَحْمَةٍ قَرُبَ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ مِيلٍ. أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَزُولَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا.

فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ. الْمُصَنِّفُ يَقِفُوا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبَ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُقُوفِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ. .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوُقُوفَ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ (وَ) أَنْ (يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ) بِإِكْثَارٍ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا

ص: 260

وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ

ــ

[مغني المحتاج]

يَتَكَلَّفُ - السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالسَّجْعِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا، أَوْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ، وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: - قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ فِي عَرَفَةَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - أَلْفَ مَرَّةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَأَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَطَهِّرًا، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَأَمَّا صُعُودُ الْجَبَلِ فَلَا فَضِيلَةَ فِي صُعُودِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ الْمُخْتَارَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] . الْآيَةَ. «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ، وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك، وَاغْنِنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك، وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي، وَاهْدِنِي، وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، وَاجْمَعْ لِي الْخَيْرَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» وَالْحَذَرَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَالْمَوْقِفُ أَعْظَمُ الْمَجَامِعِ، يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَوْلِيَاءُ وَالْخَوَاصُّ، وَيَكْثُرُ الْبُكَاءُ مَعَ ذَلِكَ، فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلتَّوْفِيقِ فِي دُعَائِهِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلْيُحْسِنْ الْوَاقِفُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ نَظَرَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ سَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ؟ فَقَالُوا لَا فَقَالَ: وَاَللَّهُ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ بِدَانِقٍ. وَرَأَى سَالِمٌ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ سَائِلًا يَسْأَلُ النَّاسَ فِي عَرَفَةَ فَقَالَ يَا عَاجِزًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَسْأَلُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَغَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِوَاسِطَةٍ: أَيْ يَهَبَ مُسِيئُهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَائِهِ لِخَبَرِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْمَوْقِفَيْنِ، وَالْجَمْرَتَيْنِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا الرَّأْسَ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْلِ بِالدُّعَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْنِي لِلشَّمْسِ، إلَّا لِعُذْرٍ. .

(فَرْعٌ) التَّعْرِيفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ لِلسَّلَفِ فِيهِ خِلَافٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ " أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَاتٌ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَمْ يُلْحِقْ بِفَاحِشِ الْبِدَعِ، بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ: أَيْ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا.

(فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ

ص: 261

وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا، وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقِيَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَنْفِرُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَالِازْدِلَافُ التَّقَرُّبُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] أَيْ قُرِّبَتْ، وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وَالِاجْتِمَاعُ الِازْدِلَافُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] أَيْ جَمَعْنَاهُمْ، وَقِيلَ لِمَجِيءِ النَّاسِ إلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ: أَيْ سَاعَاتٍ، وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

هَذَا إنْ أَمِنُوا فَوَاتَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَلَا جَمَعُوا.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ (وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ أَدْنَى لَحْظَةٍ بَعْدَ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَوَقَفْت هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ، وَلَيْسَ مِنْهَا وَادِي عُرَنَةَ وَلَا نَمِرَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ، فَخَبَرُ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ مُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُكْثُ بِهَا كَمَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ، وَلَا أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا الْبُقْعَةَ أَوْ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) مُحْرِمًا (أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ) إذَا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ (لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) جَمِيعَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَإِنْ أَفَاقَ لَحْظَةً كَفَى كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَالسَّكْرَانُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لَهُمْ أَنْ لَا يَقَعَ فَرْضًا وَلَكِنْ يَصِحُّ حَجُّهُمْ نَفْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْمَجْنُونِ وَفِي حَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ.

وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ وَلِيُّهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ لَا يُكْتَفَى بِوُقُوفِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا زِدْته (وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ) وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ (وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ) حِينِ (الزَّوَالِ) لِلشَّمْسِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ كَذَلِكَ وَقَالَ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَتَابَعَهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا وَإِمْكَانِ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا قَالُوا بِمِثْلِهِ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِفْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»

ص: 262

وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ، وَكَذَا إنْ عَادَ لَيْلًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا أَجْزَأَهُمْ، إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَرَدَّ هَذَا النَّفَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوَالِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ عَلَى الْوُقُوفِ مُرَاعَاةً لِفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْهَا بِالْوُقُوفِ (وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ: أَيْ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ بِمُزْدَلِفَةَ «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» وَالتَّفَثُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ شَعْثٍ وَوَسَخٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ (وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا) بَعْدَ الزَّوَالِ (ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ) إلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَ (أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْأَصْلُ فِي تَرْكِ النُّسُكِ إيجَابُ الدَّمِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ (وَإِنْ عَادَ) لِعَرَفَةَ (فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ جَزْمًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (وَكَذَا إنْ عَادَ) إلَيْهَا (لَيْلًا) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ، لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ (وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا) نَظُنُّ أَنَّهُ التَّاسِعُ كَأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا بِمُدَّةِ ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْهِلَالَ أَهَلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ كَانَ وُقُوفُهُمْ بَعْدَ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، كَمَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَيْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ (أَجْزَأَهُمْ) الْوُقُوفُ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد مُرْسَلًا «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا الْقَضَاءَ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً (إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ.

قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ فَلَا يُقِيمُونَ بِمِنًى إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَاصَّةً.

تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَالُ بَعْدَ الْعَاشِرِ أَوْ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ. فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ. فَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمَذْهَبُ لَا يُحْسَبُ، وَأَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ غَلَطًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِيَشْمَلَ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِمَعْنَى غَالِطِينَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ فِيهَا لَمْ

ص: 263