الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ.
فَصْلٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ
ــ
[مغني المحتاج]
أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ صَرْفُهَا إلَى الْمِسْكِينِ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
(وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ) مِنْ الْفِدْيَةِ (إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ الْمُدِّ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ صَرْفِ فِدْيَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنْ زَكَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ (وَجِنْسُهَا) أَيْ الْفِدْيَةِ (جِنْسُ الْفِطْرَةِ) وَنَوْعُهَا وَصِفَتُهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُدِّ الَّذِي نُوجِبُهُ هُنَا وَفِي الْكَفَّارَاتِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَكَذَا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبُوسٍ وَخَادِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ. .
[فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ]
(فَصْلٌ) فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ (تَجِبُ الْكَفَّارَةُ) مَعَ التَّعْزِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) بِالْفِطْرِ لِصَوْمِ نَفْسِهِ (بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ) وَلَا شُبْهَةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - أَيْ جَبَلَيْهَا - أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ» بِالْأَمْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَأُتِيَ بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا.
وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خَوْصِ النَّخْلِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ بَعْضِ هَذَا الضَّابِطِ فِي كَلَامِهِ. وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ أُمُورًا طَرْدًا وَعَكْسًا، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا جَامَعَ الْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُ امْرَأَتَهُ فَفَسَدَ صَوْمُهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهَذَا خَرَجَ بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ. فَلَوْ زَادَهُ كَانَ أَوْلَى، وَمِنْهُ مَا لَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ بِلَا أَمَارَةٍ فَجَامَعَ ثُمَّ بَانَ نَهَارًا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْهَتْكَ. قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ وَلَا مُفْسِدٍ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ
ــ
[مغني المحتاج]
وَغَيْرُهُ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامَ.
قَالَ الشَّيْخَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضِي الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ شَكِّهِ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ، وَعُلِّلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَغَوِيَّ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأُولَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا، وَمِنْهُ مَا لَوْ شَكَّ فِي النَّهَارِ هَلْ نَوَى لَيْلًا أَمْ لَا ثُمَّ جَامَعَ فِي حَالِ الشَّكِّ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَإِنْ قَالَ الْغَزِّيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَمِنْهُ مَا إذَا نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ نَهَارًا بِجِمَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ: أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِنْ رَمَضَانَ بِ (عَنْ) لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ أَنْ يَزِيدَ أَدَاءً لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ. وَمِنْ الثَّانِي مَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فَالْجِمَاعُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا وَمَعَ ذَلِكَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ جِمَاعَهُ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْ الصَّوْمَ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يُفْسِدُهُ فَكَأَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ، عَلَى أَنَّ السُّبْكِيَّ اخْتَارَ أَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ، وَعَلَى هَذَا لَا إيرَادَ، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ فَلَا يَلْزَمُ بِجِمَاعِهِ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ بَقِيَّةِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ بِقَوْلِهِ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ) أَوْ مُكْرَهٍ أَوْ جَاهِلِ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِإِفْسَادٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَأُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ فَجَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا (وَلَا) عَلَى (مُفْسِدٍ غَيْرَ رَمَضَانَ) مِنْ نَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَمَخْصُوصٌ بِفَضَائِلَ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) مُفْسِدِ رَمَضَانَ (بِغَيْرِ الْجِمَاعِ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْإِنْزَالِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِجِمَاعٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (وَلَا) عَلَى صَائِمٍ (مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ) وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مَعَ الْإِبَاحَةِ (وَكَذَا بِغَيْرِهَا) وَإِنْ قُلْنَا: يَأْثَمُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ لَهُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تُبَاحُ بِدُونِ قَصْدِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ إنْ كَانَ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ جَمَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِلَا نِيَّةٍ بِدَلِيلِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَا كَذَلِكَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ تَرِدُ عَلَى الضَّابِطِ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ أَثِمَ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ) وَقْتَ الْجِمَاعِ (اللَّيْلَ) أَيْ بَقَاءَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادِهِ دُخُولَهُ
فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَوْمِهِ، وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا.
وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ، وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ وَعَنْهَا وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى.
ــ
[مغني المحتاج]
(فَبَانَ) جِمَاعُهُ (نَهَارًا) لِانْتِفَاءِ الْإِثْمِ (وَلَا) عَلَى (مَنْ جَامَعَ) عَامِدًا (بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ) أَيْ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، وَقَوْلُهُ: نَاسِيًا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَكْلِ (وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَوْمِهِ) بِهَذَا الْجِمَاعِ كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِنَصِّ الشَّارِعِ فِي الصَّلَاةِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ لِتَكَرُّرِهَا وَكَثْرَةِ حُصُولِ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ بِالْأَكْلِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ جَزْمًا (وَلَا) عَلَى (مَنْ زَنَى نَاسِيًا) لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ (وَلَا) عَلَى (مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا) بِالْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا لَا بِالصَّوْمِ.
تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِهِ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ، وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ تِلْكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظُ أَوْ تَتَذَكَّرُ وَتَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمُ فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمُوَاقِعُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَتَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ، وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ، وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ شَرَعَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ (وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ) فَقَطْ دُونَهَا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ (وَفِي قَوْلٍ) الْكَفَّارَةُ (عَنْهُ وَعَنْهَا) أَيْ يَلْزَمُهُمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي السَّبَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ يَجِبُ كَمَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا ثُمَّ يَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ تَامَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَكِنْ يَحْمِلُهَا الزَّوْجُ عَنْهَا وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى الزَّوْجِ. أَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِالشُّبْهَةِ أَوْ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يُتَحَمَّلُ عَنْهَا قَطْعًا (وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى) قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ لِتُسَاوِيهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْإِثْمِ كَحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. أَمَّا هِيَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَحِلُّ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ فِي قُبُلِهَا
وَتَلْزَمُ مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ.
وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الْمَرَضُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا،
ــ
[مغني المحتاج]
فَإِنْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَائِمَةً وَمَكَّنَتْهُ طَائِعَةً عَالِمَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا قَطْعًا.
(وَتَلْزَمُ) الْكَفَّارَةُ (مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) مِنْ رَمَضَانَ (وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ) لِهَتْكِ حُرْمَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُ بِالْجِمَاعِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ الضَّابِطُ الْمُتَقَدِّمُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ يَجِبُ فِطْرُهُ، وَإِذَا أَفْطَرَ هَلْ يُعَزَّرُ أَوْ لَا؟ يُنْظَرُ إنْ شَهِدَ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ يُعَزَّرْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ أَفْطَرَ ثُمَّ شَهِدَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ وَعُزِّرَ لِإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الظَّاهِرِ، وَحَقُّهُ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُخْفِيَهُ لِئَلَّا يُتَّهَمَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْفَسَادِ فَقَالَ (وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَفَّارَتَاهُمَا، سَوَاءٌ أَكَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَمْ لَا، كَحَجَّتَيْنِ جَامَعَ فِيهِمَا، فَلَوْ جَامَعَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهَا، فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَعَدُّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ فَعَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ (وَحُدُوثُ السَّفَرِ) وَلَوْ طَوِيلًا (بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ) جَزْمًا لِأَنَّ السَّفَرَ الْمُنْشَأَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ إنَّهُ كَحُدُوثِ الْمَرَضِ (وَكَذَا الْمَرَضُ) أَيْ حُدُوثُهُ لَا يُسْقِطُهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ. وَالثَّانِي يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَقَعْ وَاجِبًا، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِمَا فَعَلَ، هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ كَالسَّفَرِ، وَحُدُوثُ الرِّدَّةِ لَا يُسْقِطُهَا قَطْعًا، وَحُدُوثُ الْجُنُونِ أَوْ الْمَوْتِ يُسْقِطُهَا قَطْعًا، وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا فَطَرَأَ عَلَيْهَا حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَسْقَطَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي صِحَّةَ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالْجُنُونِ.
(وَيَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (مَعَهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ. فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ قَدْ انْجَبَرَ بِالْكَفَّارَةِ. وَالثَّالِثُ: إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ دَخَلَ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا فَلَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ جَزْمًا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَجِبُ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُرَتَّبَةٌ فَيَجِبُ أَوَّلًا (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ)(فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ صِفَتُهَا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي
فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ.
وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ (فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ (اسْتَقَرَّتْ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ: كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَقَرَّتْ لَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم الْمُوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ (فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ) مِنْهَا (فَعَلَهَا) كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا حَالَ الْوُجُوبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ أَحَدُ الْخِصَالِ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ هُوَ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ، وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أَوْ أَكْثَرَ رَتَّبَ، وَالثَّانِي: لَا تَسْتَقِرُّ، بَلْ تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ) وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَلَامٍ سَاكِنَةٍ شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَشِدَّةَ الْغُلْمَةِ قَدْ يُفْضِيَانِ بِهِ إلَى الْوِقَاعِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّتَابُعِ، وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ) كَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فَفِي الْأُمِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً، أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا لَهُمْ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ، أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ وَهُمْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ. وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفُ: وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ قَدْ يَكُونُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الصَّارِفَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُكَفِّرُ
خَاتِمَةٌ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا، وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَوْمٍ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَعْبَانَ أَبَدًا وَأُسِرَ مَثَلًا فَتَحَرَّى وَصَامَ رَجَبًا عَلَى أَنَّهُ شَعْبَانَ، وَصَامَ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّهُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ بَعْدَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ قَضَاءُ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ شَعْبَانَ وَالْآخَرُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.