الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ
شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ،
ــ
[مغني المحتاج]
مَلَكُوهَا وَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ مُطْلَقًا فَمَنْ دَخَلَ الرِّبَاطَ قَبْل الْغُرُوبِ عَلَى عَزْمِ الْمُقَامِ لَزِمَهُ الْفِطْرَةُ فِي الْمَعْلُومِ الْحَاصِلِ لِلرِّبَاطِ، وَإِنْ شَرَطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قُوتَهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ وَهَكَذَا حَكَمَ الْمُتَفَقِّهَةُ فِي الْمَدَارِسِ، فَإِنَّ جِرَايَتَهُمْ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّهْرِ، فَإِذَا أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلِلْوَقْفِ غَلَّةٌ لَزِمَهُمْ الْفِطْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَبَضُوا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمُشَاهَرَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَلَّةِ.
[بَاب مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَمَا تَجِبُ فِيهِ]
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ أَيْ زَكَاةُ الْمَالِ (وَمَا تَجِبُ فِيهِ) مِمَّا اتَّصَفَ بِوَصْفٍ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ وَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ كَالْغَصْبِ وَالْجُحُودِ وَالْإِضْلَالِ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا قَدْ يُسْقِطُ كَالدَّيْنِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَنْوَاعِ الْمَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَقَالَ (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ) بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ وَهِيَ الْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالنَّقْدَانِ وَالْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ وَالتِّجَارَةُ عَلَى مَالِكِهِ (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتُرِزَ بِزَكَاةِ الْمَالِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا كَانَ يُخْرِجُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى
وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
رَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَعَلَى الْقَدِيمُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ مِلْكًا ضَعِيفًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ غَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ) زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ حَوْلُهُ فِي رِدَّتِهِ (إنْ أَبَقِينَا مِلْكَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ إنْ أَزَلْنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَمَوْقُوفَةٌ، فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُنَا بِالْوَقْفِ.
أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ،
دُونَ الْمُكَاتَبِ
وَتَجِبُ فِي مَالٍ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَكَذَا عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ.
وَفِي الْمَغْصُوبِ
ــ
[مغني المحتاج]
سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ كَمَا نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فِي هَذِهِ، وَفِي الْأُولَى عَلَى قَوْلِ اللُّزُومِ فِيهَا، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ (دُونَ الْمُكَاتَبِ) فَلَا تَلْزَمُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ، فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ بِعَجْزٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْعَقْدُ حَوْلَ السَّيِّدِ مِنْ حِينِ زَوَالِهَا.
تَنْبِيهٌ ضَمَّ فِي الْحَاوِي إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُ لِمُعَيَّنٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ، وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ. الثَّانِي: كَوْنُهُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْحَمْلِ الْمَوْقُوفِ لَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا ثِقَةَ بِحَيَاتِهِ، فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ، وَيُمْكِنُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ.
، ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ:(وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) لِشُمُولِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَهُمَا، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَإِنَّ الْخَصْمَ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَصِحَّ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَلَا فِي تَأَخُّرِ إخْرَاجِهَا إلَى الْبُلُوغِ شَيْءٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا صَحِيحًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ وَمَا لَهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ، وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ، وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُمَا، وَمَحِلُّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ، وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ زَكَاةَ الْمَالِ حَتَّى يُكْمِلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا، فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ أَيْضًا: إنَّ قَيِّمَ الْحَاكِمِ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا أَخْرَجَاهَا إنْ كَمُلَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا، وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذُكِرَ السَّفِيهُ.
فَائِدَةٌ أَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْ سُؤَالٍ صُورَتُهُ: كَيْفَ تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالْغِشُّ فِيهَا مِلْكُهُمْ بِأَنَّ الْغِشَّ إنْ كَانَ يُمَاثِلُ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَالتَّخْلِيصِ فَيُسَامَحُ بِهِ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهَا.
(وَكَذَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ (عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ أَيْ بِمَا عَدَا الْعِتْقَ، وَالثَّانِي: لَا لِنُقْصَانِهِ بِالرِّقِّ، فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ.
(وَ) تَجِبُ (فِي الْمَغْصُوبِ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِهِ، وَمِثْلُهُ الْمَسْرُوقُ وَأَهْمَلَهُ
وَالضَّالِّ وَالْمَجْحُودِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ.
وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ.
وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَمَغْصُوبٍ.
وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ، أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا فَكَذَا فِي
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُصَنِّفُ مَعَ ذِكْرِ الْمُحَرِّرِ لَهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ (وَالضَّالِّ) وَالْوَاقِعِ فِي بَحْرٍ وَمَا دَفَنَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَكَانَهُ (وَالْمَجْحُودِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ وَلَا عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِمِلْكِ النِّصَابِ وَتَمَامِ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لِامْتِنَاعِ النَّمَاءِ وَالتَّصَرُّفِ، فَأَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى السَّيِّدِ. أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى نَزْعِ الْمَغْصُوبِ أَوْ كَانَ لَهُ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ قَطْعًا، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ (وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ) الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ قَبْلَهُ، فَإِذَا عَادَ زَكَّاهُ لِلْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْمَاشِيَةِ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَنْقُصَ النِّصَابُ بِمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُعَوِّضُ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ.
(وَ) تَجِبُ قَطْعًا فِي (الْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا مِنْ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ) فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ لَا يَصِحُّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَانْتِزَاعِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ.
(وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ، وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ فِي بَلَدِ الْمَالِ إنْ اسْتَقَرَّ فِيهِ، فَإِنْ بَعُدَ بَلَدُ الْمَالِ عَنْ الْمَالِكِ وَمَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ أَوْ حَاكِمٌ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ أَوْ شَكٍّ فِي سَلَامَتِهِ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
(وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً) لَا لِلتِّجَارَةِ، كَأَنْ أَقْرَضَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ قَبَضَهُ أَوْ كَانَ (غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ. أَمَّا الْمَاشِيَةُ؛ فَلِأَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ فِيهَا النَّمَاءُ وَلَا نَمَاءَ فِيهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ نَقْدًا وَهُوَ حَاصِلٌ؛ وَلِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاتِهَا، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ. وَاعْتَرَضَ هَذَا التَّعْلِيلَ الرَّافِعِيُّ بِجَوَازِ ثُبُوتِ لَحْمِ رَاعِيَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ رَاعِيَةٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَهُ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ السَّوْمَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَارِجِ، وَمِثْلُ الْمَاشِيَةِ الْمُعَشَّرُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الزَّهْوُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ؛ فَلِأَنَّ لِلْعَبْدِ إسْقَاطَهُ مَتَى شَاءَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ (أَوْ عَرْضًا) لِلتِّجَارَةِ (أَوْ نَقْدًا فَكَذَا) أَيْ لَا زَكَاةَ فِيهِ (فِي
الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ فَكَمَغْصُوبٍ، وَإِنْ تَيَسَّرَ وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ، أَوْ مُؤَجَّلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ، وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ
ــ
[مغني المحتاج]
الْقَدِيمِ) إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ حَقِيقَةً، فَأَشْبَهَ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ (وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ) كَمَطْلٍ أَوْ غَيْبَةِ مَلِيءٍ وَجُحُودٍ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَحْصُلَ وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ فِي الْبَاطِنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ دُونَ الْإِخْرَاجِ قَطْعًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ.
(وَإِنْ تَيَسَّرَ) أَخْذُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ وَبِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ يَعْلَمُهُ الْقَاضِي، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ (وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى قَبْضِهِ فَهُوَ كَالْمُودَعِ، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُخْرِجُ فِي الْحَالِّ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقِيلَ: لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ فَيُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الظَّفَرُ بِأَخْذِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْجَاحِدِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا ضَرَرٍ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ تَزْكِيَتَهُ فِي الْحَالِّ (أَوْ مُؤَجَّلًا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ) فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا، وَقِيلَ عَكْسُهُ (وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ وَلَا مَانِعَ سِوَى الْأَجَلِ، وَحِينَئِذٍ مَتَى حَلَّ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، قَبَضَ أَمْ لَا.
فَائِدَةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ اقْتَضَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَابُ الْأَصْنَافِ رُبُعَ عُشْرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَذَلِكَ يَجُرُّ إلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَاقِعٍ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، كَالدَّعْوَى بِالصَّدَاقِ وَالدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجَمِيعِ فَكَيْفَ يَدَّعِي بِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ الْقَبْضَ لِأَجْلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُسْقِطِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ حِينَ حَلِفِهِ وَلَا يَقُولُ إنَّهُ بَاقٍ لَهُ اهـ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ صَدَاقِهَا وَقَدْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ أَحْوَالٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ مِنْ جَمِيعِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ فَتَفَطَّنْ لَهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا) سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَمْ لَا، مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا، لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ أَمْ لَا (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: يَمْنَعُ كَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ.
(وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ النَّقْدُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ كَانَ أَوْلَى،، وَالرِّكَازُ (وَالْعَرْضُ) وَلَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعْدِنُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ وَالْبَاطِنَ إنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحُوجُ إلَى صَرْفِهِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ.
وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ قُدِّمَتْ، وَفِي قَوْلٍ الدَّيْنُ، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي قَضَائِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَهِيَ مِنْ الْبَاطِنِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْبَاطِنِ لَكِنْ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَزِدْ الْمَالُ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ زَادَ وَكَانَ الزَّائِدُ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ قَطْعًا، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ قَطْعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهَلْ يَلْتَحِقُ دَيْنُ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ بِبَاقِي الدُّيُونِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِ الرُّويَانِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِهَا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ (لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ) ؛ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْقَاضِي لِكُلِّ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ شَيْئًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْأَخْذِ فَلَمْ يَتَّفِقَ الْأَخْذُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ، وَلَا عَلَى الْمَالِكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَخَذُوهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَلَوْ تَرَكُوهُ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ لِتَبَيُّنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَدَمُ لُزُومِهَا عَلَيْهِ مَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ - إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِمْ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا بَيْعٍ أَوْ تَعْوِيضٍ: قَالَ: وَقَدْ صَوَّرَهَا بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْحَجْرِ يَقْتَضِيهِ. فَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ.
(وَ) عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (لَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ) بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهَا (قُدِّمَتْ) أَيْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ؛ وَلِأَنَّ مَصْرِفَهَا أَيْضًا إلَى الْآدَمِيِّينَ، فَقُدِّمَتْ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا مَعَ الدَّيْنِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَجُّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْكَفَّارَةُ وَالنَّذْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ الْجِزْيَةُ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ يَسْتَوِيَانِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَفِي قَوْلٍ) يُقَدَّمُ (الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ لِافْتِقَارِهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ، وَكَمَا يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ) فَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَعُودُ إلَى الْآدَمِيِّينَ أَيْضًا، وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ مِنْهُمَا وُجُوبًا، وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَكَفَّارَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ النِّصَابُ مَوْجُودًا: أَيْ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَيَسْتَوِيَانِ، وَبِالتَّرِكَةِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ فَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ جَعَلَهُ صَدَقَةً أَوْ أُضْحِيَّةً قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَلَا
وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ، وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ، وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ.
وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ
ــ
[مغني المحتاج]
زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَزِمَهُ الْحَجُّ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ.
(وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَبَعْدَ الْحِيَازَةِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ (إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (حَوْلٌ وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ) بِدُونِ الْخُمْسِ (فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ) مَاشِيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا (وَجَبَتْ زَكَاتُهَا) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ بِأَنْ لَمْ يَخْتَارُوا تَمَلُّكَهَا أَوْ لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ أَوْ مَضَى، وَالْغَنِيمَةُ أَصْنَافٌ أَوْ صِنْفٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ بِخُمْسِ الْخُمْسِ (فَلَا) زَكَاةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ ضَعْفِهِ لِسُقُوطِهِ بِالْإِعْرَاضِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَلِعَدَمِ الْحَوْلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَاذَا نَصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ، وَلِعَدَمِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَلِعَدَمِ بُلُوغِهِ نِصَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ الْخَامِسِ، وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ السَّادِسِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ أَهْلِ الْخُمْسِ، إذْ لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.
(وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ) سَوَاءٌ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَالْقَبْضِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا بَعْضَ نِصَابٍ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ إصْدَاقِ التَّقْدِيمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَبَعْدَ الْحَوْلِ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْجَمِيعِ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْمُصَدَّقِ أَوْ لَمْ يَأْخُذَ شَيْئًا، فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَأَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا مِنْهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّتِهَا رَجَعَ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهَا وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ إنْ دَامَتْ الْخُلْطَةُ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَمَامِ النِّصَابِ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا إذَا عَلِمَتْ بِالسَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ انْبَنَى عَلَى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ شَرْطٌ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ. نَعَمْ وَلَوْ طَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ بِهِ فَامْتَنَعَ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ فَكَالْمَغْصُوبِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالصَّدَاقِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا مَالَ الْجَعَالَةِ.
(وَلَوْ أَكْرَى) غَيْرَهُ (دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا) مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ كُلَّ سَنَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا (وَقَبَضَهَا) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ) عَلَيْهِ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ