الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ
تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ، وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ: الرُّطَبُ: وَالْعِنَبُ، وَمِنْ الْحَبِّ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالْأَرُزُّ، وَالْعَدَسُ، وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا.
ــ
[مغني المحتاج]
أَبْقَيْتَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الدُّعَاءَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ: إنْ سَأَلَهُ الْمَالِكُ وَجَبَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يُحَرَّمُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالسَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمُخَاطَبَةَ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَحْوَهَا: أَيْ مِنْ إلْقَاءِ دَرْسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ أَوْ أَتَى بِوِرْدٍ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
[بَاب زَكَاةِ النَّبَاتِ]
(بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ) النَّبَاتُ يَكُونُ مَصْدَرًا تَقُولُ نَبَتَ الشَّيْءُ نَبَاتًا، وَاسْمًا بِمَعْنَى النَّابِتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَيَنْقَسِمُ إلَى شَجَرٍ وَهُوَ مَا لَهُ سَاقٌ وَنَجْمٍ وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ كَالزَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي النَّوْعَيْنِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّبَاتِ لِشُمُولِهِ لَهُمَا، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ: إنَّ اسْتِعْمَالَ النَّبَاتِ فِي الثِّمَارِ غَيْرُ مَأْلُوفٍ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَقَوْلُهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَهُوَ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرَهَا (تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الشَّارِعُ مِنْهُ شَيْئًا لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ، بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ تَنَعُّمًا أَوْ تَأَدُّمًا كَالتِّينِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَالْقُوتُ أَشْرَفُ النَّبَاتِ، وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ الطَّعَامِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَقَاءِ نَفْعِهِ فِي الْمَعِدَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُقِيتُ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ، وَدَعَا صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رِزْقَ آلِهِ قُوتًا: أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنْ الطَّعَامِ. وَقَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (1) : أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ قُوتُهُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ عِيَالِهِ. وَقَالَ «قَوِّتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» ، سَأَلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: صِغَرُ الْأَرْغِفَةِ (وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ) بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْ الْحَبِّ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا (وَالْأَرُزُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ فِي أَشْهَرِ اللُّغَاتِ (وَالْعَدَسِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَمِثْلُهُ الْبِسِلَّاءُ (وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا) كَالْحِمِّصِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْبَاقِلَاءُ، وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ، وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْمَدِّ وَتُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَقَدْ تُقْصَرُ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ، وَهِيَ
وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالْقُرْطُمِ، وَالْعَسَلِ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ، وَالْهُرْطُمَانُ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشُ: وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِهِ فِي الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» (1) وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ «فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَالْقَضْبُ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: الرَّطْبُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ: كَخُوخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزِ هِنْدٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا مِنْ حُبُوبِ الْبَوَادِي كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَسُولِ وَهُوَ أُشْنَانٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا وَأَبْدَلَ التَّنْبِيهُ قَيَّدَ الِاخْتِيَارَ بِمَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ بِالصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ: إذْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ.
وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ.
(وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ "، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبَهُ لَكِنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ (وَ) فِي (الزَّعْفَرَانِ، وَ) فِي (الْوَرْسِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، رُوِيَ فِي الزَّعْفَرَانِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ، وَأُلْحِقَ الْوَرْسُ بِهِ: وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْيَمَنِ (وَ) فِي (الْقُرْطُمِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمِّهِمَا حَبُّ الْعُصْفُرُ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُ (وَ) فِي (الْعَسَلِ) سَوَاءٌ كَانَ نَحْلُهُ مَمْلُوكًا أَمْ أُخِذَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُبَاحَةِ. لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ. لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ فِي زَكَاتِهِ شَيْءٌ.
فَائِدَةٌ: لُعَابُ عَسَلِ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُجْمَعُ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ عَلَى أَعْسَالٍ وَعُسُلٍ وَعُسُولٍ وَعُسْلَانٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَافِظُ الْأَمِينُ. قَالَ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ وَيَصْطَفِيه، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ» وَفِيهِ أَيْضًا
وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٌ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
«عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ» فَجَمَعَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالطِّبِّ الْإِلَهِيِّ، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَجْسَادِ وَطِبِّ الْأَنْفُسِ، وَبَيْنَ السَّبَبِ الْأَرْضِيِّ وَالسَّبَبِ السَّمَاوِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ.
(وَنِصَابُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، سَمَّى بِهِ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ. قَالَ تَعَالَى:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ جَمَعَ (وَهِيَ) أَيْ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ (أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَمَجْمُوعُ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَيَكُونُ النِّصَابُ أَلْفَ مُدٍّ وَمِائَتَيْ مُدٍّ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلَ وَقُدِّرَتْ بِالْبَغْدَادِيِّ؛ لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ (وَبِالدِّمَشْقِيِّ) وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةُ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ) ؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ: أَنَّ الرِّطْلَ الْبَغْدَادِيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ الْمُدُّ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ، وَالصَّاعُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ فَاضْرِبْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثًا وَتِسْعِينَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَاجْعَلْ كُلَّ سِتِّمِائَةِ رِطْلٍ يَتَحَصَّلْ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) أَنَّهَا بِالدِّمَشْقِيِّ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) أَيْ فَإِذَا ضُرِبَ ذَلِكَ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَقُسِمَ عَلَى الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ بَلَغَ ذَلِكَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تِسْعُونَ مِثْقَالًا، وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَيُضْرَبُ بَسْطُ الْكَسْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي عَدَدِ تَكَرُّرِهِ وَهُوَ تِسْعُونَ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ يُقْسَمُ عَلَى مَخْرَجِهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ يَخْرُجُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ يُجْمَعُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَخْرُجْ مَا قَالَهُ (وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ، وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ مَا سَقَطَ مِنْ كُلِّ رِطْلٍ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ تُسْقِطُ ذَلِكَ مِنْ مَبْلَغِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِالْقِسْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ مِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَا دِرْهَمٍ، فَمِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَسُبْعَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ سُبْعَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي
وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ تَتَمَّرَ وَتَزَبَّبَ، وَإِلَّا فَرُطَبًا وَعِنَبًا.
وَالْحَبِّ مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُحَرَّرِ إلَى ضَبْطِ الْأَوْسُقِ بِالْأَرْطَالِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْبَغْدَادِيَّةِ وَلَا الدِّمَشْقِيَّةِ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ ثَمَانِمِائَةِ مَنٍّ، وَبِالْكَبِيرِ الَّذِي وَزْنُهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثَا مَنٍّ فَاخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ، مُسَاوٍ لِلْمَنِّ الْكَبِيرِ، وَالْمَنُّ الصَّغِيرُ رِطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالنِّصَابُ الْمَذْكُورُ تَحْدِيدٌ كَمَا صَحَّحَاهُ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَكَمَا فِي نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَزْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالرَّزِينِ فَكَيْلُهُ بِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ قَالَ الْقَمُولِيُّ: سِتَّةُ أَرَادِبَ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ يَجْعَلُ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفُ إرْدَبٍّ وَثُلُثٌ فَقَدْ اعْتَبَرْتُ الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْتُهُ فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدَحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثُلْثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً، وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ، فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا، وَعَلَى قَوْلِ الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ، وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ أَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ قَدَحَانِ تَقْرِيبًا.
(وَيُعْتَبَرُ) فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (تَمْرًا) بِالْمُثَنَّاةِ (أَوْ زَبِيبًا) هَذَا (إنْ تَتَمَّرَ) الرُّطَبُ (وَتَزَبَّبَ) الْعِنَبُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَاعْتُبِرَ الْأَوْسُقُ مِنْ التَّمْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا لَمْ يَتَتَمَّرْ الرُّطَبُ وَلَمْ يَتَزَبَّبْ الْعِنَبُ (فَرُطَبًا وَعِنَبًا) أَيْ فَيُوسَقُ رُطَبًا وَعِنَبًا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالْخَضْرَاوَاتِ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ مِمَّا يَجِفُّ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ، وَيُضَمُّ مَا لَا يَجِفُّ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجِفُّ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِذَا كَانَ يَجِفُّ، إلَّا أَنَّ جَافَّهُ يَكُونُ رَدِيئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا يَجِفُّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ ضَرَّ مَا يَتَجَفَّفُ بِأَصْلِهِ لِامْتِصَاصِ مَائِهِ لِعَطَشٍ قُطِعَتْ. وَأُخْرِجَ الْوَاجِبُ مِنْ رُطَبِهَا، وَيَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْعَامِلِ فِي قَطْعِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قَطَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَثِمَ وَعُزِّرَ، وَعَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَقِيلَ يُسَنُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِقَطْعِ الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا.
(وَ) يُعْتَبَرُ فِي (الْحَبِّ) بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ (وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ) وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ (كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ: نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَمَا سَيَأْتِي (فَ) نِصَابُهُ (عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ أَوْ أَبْقَى بِالنِّصْفِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَصْفِيَتُهُ مِنْ قِشْرِهِ وَأَنَّ قِشْرَهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ. فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَحْصُلُ مِنْ دُونِ الْعَشَرَةِ اعْتَبَرْنَاهُ أَوَّلًا يَحْصُلُ مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: وَلَا تَدْخُلُ قِشْرَةُ الْبَاقِلَاءُ السُّفْلَى فِي الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ.
وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ، وَيُضَمُّ النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسُرَ أَخْرَجَ الْوَسَطَ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ حِنْطَةٌ وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلَى آخَرَ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْوَجْهُ تَرْجِيحُ الدُّخُولِ أَوْ الْجَزْمُ بِهِ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْصُوصُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ فِي الْعَلَسِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْبَاقِلَاءُ وَالْحِمَّصُ وَالشَّعِيرُ فَيُطْحَنُ فِي قِشْرِهِ وَيُؤْكَلُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَاهُ مَعَ قِشْرِهِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ النَّصِّ.
وَلَا أَثَرَ لِلْقِشْرَةِ الْحَمْرَاءِ اللَّاصِقَةِ بِالْأَرُزِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ غَيْرِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ ذُكِرَا مِثَالًا وَأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ غَيْرُهُمَا يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَيْسَ. غَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
(وَلَا يُكَمَّلُ) فِي النِّصَابِ (جِنْسٌ بِجِنْسٍ) أَمَّا التَّمْرُ مَعَ الزَّبِيبِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَمَّا الْحِنْطَةُ مَعَ الشَّعِيرِ وَالْعَدَسُ مَعَ الْحِمَّصِ فَبِالْقِيَاسِ (وَيُضَمُّ) فِيهِ (النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ) كَأَنْوَاعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ وَإِنْ تَبَايَنَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا (وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ الْأَنْوَاعِ (بِقِسْطِهِ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي. فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَوْعًا مِنْهَا بِشَرْطِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤْخَذُ الْبَعْضُ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ عَسُرَ) لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (أَخْرَجَ الْوَسَطَ) مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْغَالِبِ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا) وَهُوَ قُوتُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ يَكُونُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ حِنْطَةٌ تُوجَدُ بِالشَّامِ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالشَّامِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِزَمَنِهِ دُونَ زَمَنِ الرَّادِّ (وَالسُّلْتُ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ (جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ) فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ: شَعِيرٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ (وَقِيلَ: حِنْطَةٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِهَا لَوْنًا أَوْ مَلَاسَةً.
وَالْأَوَّلُ قَالَ: اكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ (وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (إلَى) ثَمَرِ وَزَرْعِ عَامٍ (آخَرَ) وَلَوْ فُرِضَ اطِّلَاعُ ثَمَرِ الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ (وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ) الْوَاحِدِ (بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ) لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَبِلَادِهِ حَرَارَةً أَوْ بُرُودَةً كَنَجْدٍ وَتِهَامَةَ فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يُسْرِعُ إدْرَاكُ الثَّمَرِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ لِبَرْدِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً.
قَالَ شَيْخُنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا فِي عَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِمَا
وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جَذَاذِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضَمَّ.
وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ.
وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَطْعِ فَيُضَمُّ طَلْعُ نَخْلِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ طَلَعَ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ وَإِعْجَامِهِمَا: أَيْ قَطْعِهِ (لَمْ يُضَمَّ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ عَامَيْنِ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ اطَّلَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ ضُمَّ إلَيْهِ جَزْمًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ فَلَا ضَمَّ بَلْ هُمَا كَثَمَرَةِ عَامَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْجِذَاذِ كَالْجِذَاذِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخْلَةٌ تِهَامِيَّةٌ تَحْمِلُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَنَجْدِيَّةٌ تُبْطِئُ بِحَمْلِهَا فَحَمَلَتْ النَّجْدِيَّةُ بَعْدَ جِذَاذِ حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ فِي الْعَامِ ضَمَّ ثَمَرَ النَّجْدِيَّةِ إلَى ثَمَرِ التِّهَامِيَّةِ، فَإِنْ أَدْرَكَ حَمْلَ التِّهَامِيَّةِ الثَّانِي لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا، وَلَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهَا لَزِمَهُ ضَمُّهُ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ.
(وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ زِرَاعَتُهُمَا فِي الْفُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الذُّرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالصَّيْفِ (وَالْأَظْهَرُ) فِي الضَّمِّ (اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَنَةُ الزَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الزَّرْعَانِ فِي سَنَةٍ إذْ الْحَصَادُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَصَادُ الثَّانِي خَارِجًا عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادَ فَرْعُهُ وَثَمَرَتُهُ، وَحَكَيَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أُخَرَ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَالْأَوَّلُ عَزَّاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، إنَّهُ نَقْلٌ بَاطِلٌ يَطُولُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ فَضْلًا عَنْ عَزْوِهِ إلَى الْأَكْثَرِينَ بَلْ، رَجَّحَ كَثِيرُونَ اعْتِبَارَ وُقُوعَ الزَّرْعَيْنِ فِي عَامٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ النَّقِيبِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْلِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ اهـ.
وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَصَادِ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ؟ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: تَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَى الثَّانِي، وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا. وَالْآخَرُ بَقْلٌ لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ فِيهِ بِالضَّمِّ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ زَرْعُ عَامَ أَوْ عَامَيْنِ صُدِّقَ الْمَالِكُ فِي قَوْلِ عَامَيْنِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. .
وَالْمُسْتَخْلَفُ مِنْ أَصْلٍ كَذُرَةٍ سُنْبِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي عَامٍ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ كَمَا سَلَفَ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَادَانِ لِلتَّأْبِيدِ فَجَعَلَ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ بِخِلَافِ الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَلْحَقَ الْخَارِجَ مِنْهَا ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ كَزَرْعٍ تَعَجَّلَ إدْرَاكَ بَعْضِهِ.
(وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ) أَوْ بِمَا انْصَبَّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ (أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ) وَهُوَ الْبَعْلُ (مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ) مِنْهُمَا (بِنَضْحٍ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ بِحَيَوَانٍ وَيُسَمَّى الذَّكَرُ
أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ نِصْفُهُ.
وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ.
ــ
[مغني المحتاج]
نَاضِحًا وَالْأُنْثَى نَاضِحَةً، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَيَوَانُ أَيْضًا سَانِيَةً سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَنُونٌ وَمُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ (أَوْ دُولَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ، وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ، أَوْ دَالِيَةٍ وَهِيَ الْبَكَرَةُ، أَوْ نَاعُورَةٍ وَهِيَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ (أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَوْ وُهِبَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْعُشْرُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إنَّ فِي الْبَعْلِ الْعُشْرَ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ كَثْرَةُ الْمَئُونَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَالْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ: مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ فِي حُفْرَةٍ، وَتُسَمَّى الْحُفْرَةُ عَاثُورَاءَ لِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا.
تَنْبِيهٌ الْأَوْلَى فِي قِرَاءَةِ " مَا " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمَا اشْتَرَاهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَمْدُودَةٌ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَعُمُّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِخِلَافِ الْمَمْدُودَةِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: وَتَعُمُّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَاءَ النَّجِسَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ.
(وَالْقَنَوَاتُ) وَالسَّوَّاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ (كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَفِي الْمَسْقِيِّ بِمَا يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ لِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ، وَالْأَنْهَارُ إنَّمَا تُحْفَرُ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِطَبْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْيِ بِالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ لِلزَّرْعِ نَفْسِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّوْعَيْنِ كَالنَّضْحِ وَالْمَطَرِ (سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) أَيْ الْعُشْرِ عَمَلًا بِوَاجِبِ النَّوْعَيْنِ (فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ) فَإِنْ غَلَبَ الْمَطَرُ فَالْعُشْرُ أَوْ النَّضْحُ فَنِصْفُهُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْغَلَبَةِ (وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ) ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ؛ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَثُلُثُهُ بِالدُّولَابِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِلثُّلُثَيْنِ وَثُلُثُ نِصْفِ الْعُشْرِ لِلثُّلُثِ، وَفِي عَكْسِهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ، وَالْغَلَبَةُ وَالتَّقْسِيطُ (بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ) أَوْ الثَّمَرِ (وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ) أَيْ النَّافِعَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ عَيْشِ الزَّرْعِ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ السَّقْيَاتِ بِالنَّضْحِ أَكْثَرُ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ
وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ.
وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ وَجُهِلَ مِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَبَ فِيهِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ. وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجُهِلَ عَيْنُهُ فَالْوَاجِبُ يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ الْيَقِينُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السَّقْيِ بِمَاءَيْنِ أَنْشَأَ الزَّرْعَ عَلَى قَصْدِ السَّقْيِ بِهِمَا أَمْ أَنْشَأَهُ قَاصِدًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ عَرَضَ السَّقْيُ بِالْآخَرِ. وَقِيلَ فِي الْحَالِ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ حُكْمُ مَا قَصَدَهُ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ مَسْقِيٌّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَآخَرُ مَسْقِيٌّ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَمَامِ النِّصَابِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سَقَى؟ صُدِّقَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا.
(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ فِيمَا ذُكِرَ (بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ حِصْرِمٌ وَبَلَحٌ (وَ) بِبُدُوِّ (اشْتِدَادِ الْحَبِّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَامٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا ذُكِرَ وُجُوبَ إخْرَاجِهَا فِي الْحَالِ، بَلْ انْعِقَادَ سَبَبِ وُجُوبِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحَبِّ الْمُصَفَّى عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ضَابِطُ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادُ وَلَا بُدُوُّ صَلَاحِ الْجَمِيعِ وَاشْتِدَادُهُ، وَمُؤْنَةُ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَالدِّيَاسِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ.
فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا يَجِفُّ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ رَدَّهَا وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ مِثْلِيٌّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّطْبَ مُتَقَوِّمٌ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى فَقْدِ الْمِثْلِ، فَلَوْ جَفَّفَهَا السَّاعِي وَنَقَصَتْ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ مِنْ أَصْلِهِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّهَا تُجْزِئُ.
وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي الْحَبَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ إلَّا الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاجِبَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا كَمَا مَرَّ.
وَلَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا وَثَمَرَتَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّتِهِ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْبَائِعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَنْ أَمْضَى الْبَيْعَ فِي الْأُولَى وَفَسَخَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ. فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ اشْتَرَى النَّخِيلَ بِثَمَرَتِهَا أَوْ ثَمَرَتَهَا فَقَطْ كَافِرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا عَلَى أَحَدٍ. أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوُجُوبِ. أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا فَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ
وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ.
وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِيَدِهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ الثَّمَرِ لَمْ يَرُدَّ وَلَهُ الْأَرْشُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرَّدُّ. أَمَّا لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ فَجَائِزٌ إسْقَاطُ الْبَائِعِ حَقَّهُ.
وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا الصَّلَاحُ حَرُمَ الْقَطْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهِ بِمَصِّ الثَّمَرَةِ مَاءَ الشَّجَرَةِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي الرِّضَا بِالْإِبْقَاءِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ، وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
فَرْعٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ: وَهَذَا إذَا بَدَا بَعْدَ اللُّزُومِ وَإِلَّا فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ فِي زَمَنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ إنْ قُلْنَا: الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ.
(وَيُسَنُّ خَرْصُ) أَيْ حَرْزُ (الثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ (إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَقِيلَ: يَجِبُ الْخَرْصُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْخَرْصُ لُغَةً: الْقَوْلُ بِالظَّنِّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] وَاصْطِلَاحًا مَا تَقَرَّرَ، وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَلَا فَرْقَ فِي الْخَرْصِ بَيْنَ ثِمَارِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ثِمَارَ الْبَصْرَةِ. فَقَالَ: يَحْرُمُ خَرْصُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِكَثْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِي خَرْصِهَا، وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا الْأَكْلَ مِنْهَا لِلْمُجْتَازِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ. قَالَ: وَهَذَا فِي النَّخْلِ. أَمَّا الْكَرْمُ فَهُمْ فِيهِ كَغَيْرِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ مِنْ شَخْصٍ أَوْ بَلَدٍ مَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ اهـ.
وَيَجُوزُ خَرْصُ الْكُلِّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي نَوْعٍ دُونَ آخَرَ فِي أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْحَبُّ فَلَا خَرْصَ فِيهِ لِاسْتِتَارِ حَبِّهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا رُطَبًا بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ، وَبِبُدُوِّ الصَّلَاحِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ، وَلَا يَنْضَبِطُ الْمِقْدَارُ لِكَثْرَةِ الْعَاهَاتِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ،.
وَكَيْفِيَّةُ الْخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عَنَاقِيدِهَا وَيَقُولَ عَلَيْهَا مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ كَذَا، وَيُجِيبُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَذَا، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ بِنَخْلَةٍ بَعْدَ نَخْلَةٍ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ جَازَ أَنْ يُخْرَصَ الْجَمِيعُ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا ثُمَّ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام -
وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ.
فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ
ــ
[مغني المحتاج]
«إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّتِهِمْ.
وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْمَخْرُوصِ لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ لِطَمَعِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُ.
(وَ) الْمَشْهُورُ (أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ) وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا أَوَّلَ مَا تَطِيبُ الثَّمَرَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْخَارِصِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ (الْعَدَالَةُ) فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (وَكَذَا) شَرْطُهُ (الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ كَمَا فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهَا بَعْدَ جَفَافِهِ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّهِمْ عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ يَبْقَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِ حَقٍّ إلَى الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَيُسَمَّى هَذَا قَوْلَ الْعِبْرَةِ: أَيْ لِاعْتِبَارِهِ الْقَدْرَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ التَّضْمِينِ. أَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِآفَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُشْتَرَطُ) فِي الِانْقِطَاعِ وَالصَّيْرُورَةِ الْمَذْكُورَيْنِ (التَّصْرِيحُ) مِنْ الْخَارِصِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِتَضْمِينِهِ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمَالِكِ كَأَنْ يَقُولَ السَّاعِي: ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ بِكَذَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَقَبُولُ الْمَالِكِ) التَّضْمِينَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَوْ ضَمَّنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ كَمَا كَانَ وَالْمُضَمِّنُ هُوَ السَّاعِي أَوَ الْإِمَامُ وَتَقْيِيدُهُ الْقَبُولَ بِالْمَالِكِ رُبَّمَا يُخْرِجُ الْوَلِيَّ وَنَحْوَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا (وَقِيلَ يَنْقَطِعُ) حَقُّهُمْ (بِنَفْسِ
الْخَرْصِ، فَإِذَا ضَمِنَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ.
وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُقْبَلْ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْخَرْصِ) ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّضْمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الثِّمَارُ جَمِيعُهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلضَّمَانِ وَسَيَأْتِي، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا زَكَّى الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ (فَإِذَا ضَمِنَ) أَيْ الْمَالِكُ (جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ) لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَنْ الْعَيْنِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ قَبْلَ التَّضْمِينِ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ لَا بَعْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ لَا مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ بِالْخَرْصِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ لِيَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَرَةِ.
وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقَهُمْ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ التَّضْمِينِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُعْسِرًا، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فِي دَيْنِهِ أَوْ يَأْكُلُهَا عِيَالُهُ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَيَضِيعُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ كَوْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ الْخَرِبَةِ.
(وَلَوْ ادَّعَى) الْمَالِكُ (هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهْمًا مِنْ كَلَامِهِمْ (أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ) أَيْ اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ كَحَرِيقٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَهْبٍ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ عُمُومُهُ، وَلَكِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ الثَّمَرِ بِهِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنْ عُرِفَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ.
تَنْبِيهٌ الْيَمِينُ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَعْلُهُ السَّرِقَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْهَلَاكِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالضَّائِعِ بَدَلَ الْهَلَاكِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى وُقُوعِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا (ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَتِهَا (يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ مَالِهِ بِخُصُوصِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا، وَلَوْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ مَثَلًا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْجَرِينِ حَرِيقٌ لَمْ يُبَالَ بِكَلَامِهِ.
(وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ) فِيمَا خَرَصَهُ: أَيْ إخْبَارَهُ عَمْدًا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا عِنْدَهُ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً (أَوْ غَلَطَهُ) فِيهِ (بِمَا يَبْعُدُ) أَيْ لَا يَقَعُ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخَرْصِ كَالرُّبْعِ (لَمْ يُقْبَلْ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقِيَاسًا عَلَى دَعْوَى الْجَوْرِ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَى الشَّاهِدِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ عَادَةً. نَعَمْ يُحَطُّ عَنْهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ، وَهُوَ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقُبِلَ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَلَطَ الْخَارِصِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ