المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌فَصْلٌ إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]

- ‌بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ:

- ‌[فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَاب فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ]

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[كتاب البيع]

- ‌باب الربا

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ]

- ‌فَصْلٌ التَّصْرِيَةِ

- ‌[بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ]

- ‌بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ

- ‌[بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا]

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌[بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ

‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ

ــ

[مغني المحتاج]

[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

(كِتَابُ الِاعْتِكَافِ) هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، وَقَالَ تَعَالَى:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، وَقِيلَ عَكَفَ عَلَى الْخَيْرِ وَانْعَكَفَ عَلَى الشَّرِّ. وَشَرْعًا: اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةٍ (1) . وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» (2) وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125](هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ (وَ) هُوَ (فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ

ص: 188

لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ،

ــ

[مغني المحتاج]

فِي غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي سُنَنِ الصَّوْمِ، وَأَعَادَهَا لِذِكْرِ حِكْمَةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ قَوْلُهُ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ. قَالَ تَعَالَى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَأَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا لَا تَنْتَقِلُ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُنَازِعُهُ حَيْثُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ عَلَى الْيَقِينِ اهـ.

وَهَذَا أَوْلَى، نَعَمْ حَالُ مَنْ اطَّلَعَ أَكْمَلُ إذَا قَامَ بِوَظَائِفِهَا. وَقَدْ نُقِلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ فِي لَيْلَتِهَا مِنْ قَوْلِ: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا يَجْتَهِدُ فِي لَيْلَتِهَا، وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُسَنُّ إنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله) تَعَالَى (إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي) وَالْعِشْرِينَ (أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ) مِنْهُ، يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ.

وَلِلثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ نَصُّ الْمُخْتَصَرِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ، وَفِي الْقَدِيمِ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْتَارِ، ثُمَّ لَيْلَةُ أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ إنَّهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَخَصَّهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَشْفَاعِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهَا نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَوْلًا. وَالسَّبَبُ فِي إبْهَامِهَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَكْثُرَ اجْتِهَادُهُمْ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَيَطْلُبُونَهَا فِي جَمِيعِهَا، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ.

فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهَا قَدْ انْقَضَتْ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْتَهَدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَبْقَى يَعْرِفُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً وَاحِدَةً.

وَأَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ أَرْبَعَةٌ: مَسْجِدٌ، وَلُبْثٌ، وَنِيَّةٌ، وَمُعْتَكِفٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِمَنْعِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلِمَنْعِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْهَا فَتَعَيَّنَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ

ص: 189

وَالْجَامِعُ أَوْلَى.

وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ.

وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ،

ــ

[مغني المحتاج]

الِاعْتِكَافِ، وَلَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَى مَسْجِدٍ إلَّا التَّحِيَّةَ وَالِاعْتِكَافَ وَالطَّوَافَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَيَصِحُّ فِي رَحْبَتِهِ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلَا فِيمَا أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ وَوُقِفَ بِنَاؤُهُ مَسْجِدًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْحِيلَةُ فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ مَصْطَبَةً أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَقِفَهَا مَسْجِدًا فَيَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُبْنَ نَحْوُ مَصْطَبَةٍ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الصِّحَّةِ (وَ) الْمَسْجِدُ (الْجَامِعُ) وَهُوَ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ (أَوْلَى) بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ. وَيَجِبُ الْجَامِعُ لِلِاعْتِكَافِ فِيهِ إنْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَكَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخُرُوجُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِتَقْصِيرِهِ بَعْدَ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا فِي جَامِعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ اعْتِكَافَهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ يُصَلِّي فِيهِ أَوَّلًا لَمْ يَضُرَّهُ، أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَامِعُ بَلْ يَصِحُّ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمُكْثِ جُنُبًا وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْجَامِعِ أَوْلَى مَا إذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَالْمُعَيَّنُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ.

(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْيِيرِهِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ فِيهِ، وَلِأَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُنَّ كُنَّ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَفَى بُيُوتُهُنَّ لَكَانَتْ لَهُنَّ أَوْلَى، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَكَانُ صَلَاتِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ صَلَاةِ الرَّجُلِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِهَا فِي بَيْتِهَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ لَهَا أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.

(وَلَوْ عَيَّنَ) النَّاذِرُ (الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ) فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ وَزِيَادَةِ فَضْلِهِ لِكَثْرَةِ تَضَاعُفُ الصَّلَاةِ فِيهِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي النَّذْرِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ زِيَادَةُ الْفَضِيلَةُ قِيلَ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ الَّذِي يُطَافُ فِيهِ حَوْلَهَا، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ

ص: 190

وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فِي الْأَظْهَرِ، وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا، وَلَا عَكْسَ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى، وَلَا عَكْسَ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا، وَقِيلَ يَكْفِي مُرُورٌ بِلَا لُبْثٌ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

مِنْ الْبَيْتِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْبَيَانِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ بِقَاعِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ، وَالْقَلْبُ إلَى هَذَا أَمْيَلُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ عَيَّنَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ وَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الْحِجْرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّضْعِيفَ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ، وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يَقُولُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَرَى التَّضْعِيفَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَعْيِينِ ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ عَنْ شَيْخِهِ: إنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي بَابِ النَّذْرِ (وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، وَ) مَسْجِدُ (الْأَقْصَى) إذَا عَيَّنَهُمَا النَّاذِرُ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَا (فِي الْأَظْهَرِ) وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَسْجِدَانِ تُشَدُّ إلَيْهِمَا الرِّحَالُ فَأَشْبَهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نُسُكٌ فَأَشْبَهَا بَقِيَّةَ الْمَسَاجِدِ، وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنْ مَا عَيَّنَهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَيُشْعِرُ أَيْضًا تَعْبِيرُهُ بِالِاعْتِكَافِ أَنَّ نَذْرَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالتَّعْيِينِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فِي الْفَضْلِ (وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ، وَعَلَى هَذَا هُمَا مُتَسَاوِيَانِ (وَلَا عَكْسَ) لِمَا سَبَقَ، سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْيِينِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ التَّعْيِينُ أَيْضًا، فَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَخَّرَهُ كَانَ قَضَاءً، وَيَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَ، وَأَجْزَاءُ الْمَسْجِدِ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي أَدَاءِ الْمَنْذُورِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةً بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأَنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَكْفِي قَدْرُهَا، وَلَا يَجِبُ السُّكُونُ بَلْ يَكْفِي التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ يَرْجِعُ إلَى جُمْلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَصْلُ اللُّبْثِ، وَالثَّانِيَةُ قَدْرُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُقَابِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ) أَيْ قَرِيبٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مُعْتَادٌ فِي الْحَاجَةِ الَّتِي تَعِنُّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقُرْبَةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِ سَاعَةٍ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ لَحْظَةٌ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ

ص: 191

وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ كَلَمْسٍ، وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ إنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا فَلَا.

وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ.

وَلَا يَضُرُّ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ.

ــ

[مغني المحتاج]

يَوْمٌ، وَيُسَنُّ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ.

(وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ) مِنْ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ سَوَاءٌ أَجَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ خَارِجَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِمُنَافَاتِهِ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ جِمَاعَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ مُطْلَقًا إذَا أَدَّى إلَى مُكْثٍ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَكِفًا أَمْ لَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اعْتِكَافُهُ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا.

وَأَمَّا إذَا جَامَعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مُعْتَكِفًا فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَحْرُمْ إذْ غَايَتُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ.

وَأَمَّا الْمَاضِي فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْذُورًا مُتَتَابِعًا فَيُسْتَأْنَفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَنْذُورًا أَمْ نَفْلًا، وَلَوْ شَتَمَ إنْسَانًا، أَوْ اغْتَابَهُ، أَوْ أَكَلَ حَرَامًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَبَطَلَ ثَوَابُهُ. قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ أَوْ أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ، أَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ) فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافَ (إنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا فَلَا) تُبْطِلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ. وَالثَّانِي تُبْطِلُهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187][الْبَقَرَةَ] وَالثَّالِثُ: لَا مُطْلَقًا كَالْحَجِّ، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَزِمَ مِنْهَا مُكْثٌ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ، وَكَذَا خَارِجَهُ إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ وَاجِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَفْلًا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَمَّا إذَا نَظَرَ أَوْ تَفَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَبِالشَّهْوَةِ عَمَّا إذَا قَبَّلَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ وَنَحْوِهِ، أَوْ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يُبْطِلُهُ إذَا أَنْزَلَ جَزْمًا، وَالِاسْتِمْنَاءُ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَقَدْ عُرِفَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخُنْثَى مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ بِالْجِمَاعِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى أَنْ يُنْزِلَ مِنْ فَرْجَيْهِ.

(وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) لِلِاعْتِكَافِ (فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ) نَاسِيًا صَوْمَهُ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي الصِّيَامِ، وَلَوْ جَامَعَ جَاهِلًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ جَاهِلًا وَقَدْ مَرَّ فِي الصِّيَامِ أَيْضًا، وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْجِمَاعِ.

(وَلَا يَضُرُّ) فِي الِاعْتِكَافِ، (التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ) بِاغْتِسَالٍ وَقَصِّ شَارِبٍ، وَلُبْسِ ثِيَابٍ حَسَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَرَكَهُ وَلَا أَمَرَ بِتَرْكِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ.

وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الصَّنَائِعُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ مَا لَمْ يَكْثُرْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا كُرِهَتْ لِحُرْمَتِهِ إلَّا كِتَابَةَ الْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُكْرَهُ لَهُ الْحِرْفَةُ فِيهِ بِخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْمُعَاوَضَةِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَغْسِلَ يَدَهُ فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْكُلَ فِي سُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فِي طَسْتٍ أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ نَضْحُهُ بِمُسْتَعْمَلٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَلِأَنَّهُ أَنْظَفُ مِنْ غُسَالَةِ الْيَدِ الْخَالِصَةِ يَغْسِلُهَا فِيهِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ

ص: 192

وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ.

وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِمَا.

ــ

[مغني المحتاج]

وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَيَجُوزُ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ فِيهِ فِي إنَاءٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَفَتْحِ دُمَّلٍ وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ لِلْحَاجَةِ، أَمَّا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ هَوَائِهِ بِهَا مَعَ زِيَادَةِ الْقُبْحِ، وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِيهِ إذَا أَمِنَ التَّلْوِيثَ، فَإِنْ لَوَّثَ الْخَارِجُ بِمَا ذُكِرَ الْمَسْجِدَ أَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فِيهِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ حَرُمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَنَّ الدِّمَاءَ أَخَفُّ مِنْهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَحِلِّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَلِأَنَّهُمَا أَقْبَحُ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ نَحْوِ الْفَصْدِ مُتَوَجِّهًا لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِهِمَا.

وَإِنْ اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ فِي طَاعَةٍ، وَيُسَنُّ لَهُ الصَّوْمُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) لَا يَضُرُّهُ (الْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ) وَاعْتِكَافُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِخَبَرِ أَنَسٍ «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» (1) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

(وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ) الِاعْتِكَافُ يَوْمَ صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ أَفْضَلُ؛ فَإِذَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ لَزِمَهُ كَالتَّتَابُعِ، وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَطْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّوْمُ عَنْ رَمَضَانَ أَمْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا، وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ.

(وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَوْ يَصُومَ (أَوْ) عَكْسَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ (يَصُومَ مُعْتَكِفًا) أَوْ بِاعْتِكَافٍ (لَزِمَاهُ) أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الصَّوْمَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ لِمَوْصُوفِهَا، وَأَلْحَقُوا الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ بِالْحَالِ الصَّرِيحَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (وُجُوبُ جَمْعِهِمَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسَهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهُمَا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّوْمَ يُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَفِّ، وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ الْجَمْعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ

ص: 193

وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ، وَيَنْوِي فِي الْمَنْذُورِ الْفَرْضِيَّةَ.

وَإِذَا أَطْلَقَ كَفَتْهُ، وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ لَكِنْ لَوْ خَرَجَ وَعَادَ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِئْنَافِ.

وَلَوْ نَوَى مُدَّةً فَخَرَجَ فِيهَا وَعَادَ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ أَوَّلَهَا فَلَا، وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ اسْتَأْنَفَ

ــ

[مغني المحتاج]

وَالصَّوْمُ يَصْلُحُ وَصْفًا لِلِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ لَوْ اعْتَكَفَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ نَفْلًا كَانَ الصَّوْمُ أَوْ وَاجِبًا بِغَيْرِ هَذَا النَّذْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ أَنْ يَكْفِيَهُ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ صَادِقٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَكَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَهُ اهـ.

وَالْأَوْجُهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْعِيدِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: اعْتَكَفَهُ وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ الْجَمْعِ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ جَازَ لَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَهُوَ أَفْضَلُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ، تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَوْ لَا (وَ) لَكِنْ (يَنْوِي) حَتْمًا (فِي) الِاعْتِكَافِ (الْمَنْذُورِ الْفَرْضِيَّةَ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الِاعْتِكَافِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا، وَلَوْ نَوَى كَوْنَهُ عَنْ نَذْرِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ ذِكْرِ الْفَرْضِ كَمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ مَنْذُورٍ فَائِتٍ وَمَنْذُورٍ غَيْرِ فَائِتٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِي التَّعَرُّضِ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ.

وَلَوْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ كَالصَّوْمِ (وَإِذَا أَطْلَقَ) نِيَّةَ الِاعْتِكَافِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً (كَفَتْهُ) هَذِهِ النِّيَّةُ (وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ) لِشُمُولِ النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِذَلِكَ (لَكِنْ لَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (احْتَاجَ) إنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَى الْعَوْدِ (إلَى الِاسْتِئْنَافِ) لِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، سَوَاءٌ أَخَرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ وَهُوَ يُرِيدُ اعْتِكَافًا جَدِيدًا. فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فَكَيْفَ يَكْتَفِي بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الزِّيَادَةِ وُجِدَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَصَارَ كَمَنْ نَوَى الْمُدَّتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ نَوَى، قِيلَ السَّلَامُ زِيَادَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ.

(وَلَوْ نَوَى مُدَّةً) أَيْ اعْتِكَافَهَا كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ تَطَوُّعًا أَوْ كَانَ قَدْ نَذَرَ أَيَّامًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا التَّتَابُعَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ وَفَاءِ نَذْرِهِ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (فِيهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (فَإِنْ خَرَجَ) مِنْهُ (لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ (لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) لِلنِّيَّةِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ إنْ أَرَادَهُ بَعْدَ الْعَوْدِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ لِقَطْعِهِ الْأَوَّلَ بِالْخُرُوجِ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا الْعَوْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي النَّفْلِ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ (أَوْ) خَرَجَ (لَهَا) أَيْ الْحَاجَةِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَ النِّيَّةِ (وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةَ خُرُوجِهِ) لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا (اسْتَأْنَفَ) النِّيَّةَ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ

ص: 194

وَقِيلَ لَا يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا.

وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَقِيلَ إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةً وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجَبَ.

وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ.

ــ

[مغني المحتاج]

مَا إذَا لَمْ يَطُلْ (وَقِيلَ: لَا يَسْتَأْنِفُ) النِّيَّةَ (مُطْلَقًا) لِأَنَّ النِّيَّةَ شَمِلَتْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ بِالتَّعْيِينِ.

أَمَّا إذَا نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ فِيهَا التَّتَابُعَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَحَيْضٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ وَعَادَ (لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ) عِنْدَ الْعَوْدِ لِشُمُولِهَا جَمِيعَ الْمُدَّةِ، وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْعَوْدِ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. فَإِنْ أَخَّرَ ذَاكِرًا عَالِمًا مُخْتَارًا انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ) قَضَاءِ (حَاجَةً، وَ) غَيْرِ (غُسْلِ الْجَنَابَةِ) يَعْنِي مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحْيِ مِنْهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ الشُّرْبِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْأَصَحِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ (وَجَبَ) اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ بِمَا عَرَضَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ مِمَّا لَهُ عَنْهُ بُدٌّ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ اقْتِصَارَهُ كَالْمُحَرَّرِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ مَحِلِّ الْخِلَافِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَلَوْ عَبَّرَ: بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَمَّا يَقْطَعُهُ فَإِنَّهَا تَجِبُ قَطْعًا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَلَهُ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ (وَالْجَنَابَةِ) فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ كَافِرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَمُبَرْسَمٍ، وَسَكْرَانَ، وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّتِهِمْ وَلَا حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ لِحُرْمَةِ مُكْثِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ مُكْثُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَذِي جِرَاحٍ وَقُرُوحٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَسْجِدِ مِنْهَا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ. نَعَمْ لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ وُقِفَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ صَحَّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْثُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ عَدَمِ صِحَّةِ اعْتِكَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ، أَمَّا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَحْسُبُ زَمَنَهُ مِنْ اعْتِكَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ لِلرَّقِيقِ وَمِنْ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ وَالتَّمَتُّعُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ. نَعَمْ إنْ لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِمَا مَنْفَعَةً كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَا الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ كَمَا فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْجَمَاعَةِ، وَلِلزَّوْجِ إخْرَاجُ الزَّوْجِ، وَلِلسَّيِّدِ إخْرَاجُ الرَّقِيقِ مِنْ التَّطَوُّعِ وَإِنْ اعْتَكَفَا بِإِذْنِهِمَا لِمَا مَرَّ، وَكَذَا مِنْ النَّذْرِ إلَّا إنْ أَذِنَا فِيهِ وَفِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَزَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا إنْ أَذِنَا

ص: 195

وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ بَطَلَ، وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ.

وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إنْ لَمْ يُخْرَجْ،

ــ

[مغني المحتاج]

فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُتَتَابِعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا فِي الْجَمِيعِ؛ لِإِذْنِهِمَا فِي الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ تَمَكُّنِهِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ. لَكِنْ إنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي مَنْفَعَتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: صَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ أَوْ لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَهُوَ كَالْقِنِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ، وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ.

(وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ) مُتَعَدِّيًا (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ وَسُكْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ) فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ، وَهُوَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَبْنِيَانِ. أَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَتَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا فِي السُّكْرِ فَإِلْحَاقًا بِالنَّوْمِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَبْنِي الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ اسْتِتَابَتُهُ فِيهِ وَلَا يَبْنِي السَّكْرَانُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ لِلْآيَةِ، وَالرَّابِعُ: يَبْنِي السَّكْرَانُ دُونَ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ كَالنَّوْمِ وَالرِّدَّةُ تُنَافِي الْعِبَادَةَ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَا حُبُوطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ حَيْثُ التَّتَابُعُ، وَهَذَا فِي السَّكْرَانِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الثَّوَابَ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَوْتِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ فَهِيَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. فَإِنْ قِيلَ ثَنَّى الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ فِي اعْتِكَافِهِمَا، وَالْأَوْلَى إفْرَادُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ هُنَا بِأَوْ، وَقَدْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْرَدًا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ هُوَ الْفِعْلُ، وَالضَّمِيرُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالسَّكْرَانِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ، عَلَيْهِمَا فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمَا.

(وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ) عَلَى الْمُعْتَكِفِ (لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى) مِنْ اعْتِكَافِهِ الْمُتَتَابِعِ (إنْ لَمْ يُخْرَجْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَا عَرَضَ لَهُ، فَإِنْ أَخْرَجَ مَعَ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا لَوْ حَمَلَ الْعَاقِلُ مُكْرَهًا، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ بِمَشَقَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِمَا. أَمَّا لَوْ طَرَأَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ كَالسُّكْرِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ فِي

ص: 196