الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ.
فَصْلٌ شَرْطُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ
(وَالِاسْتِقَاءَةِ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بَطَلَ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ
ــ
[مغني المحتاج]
غَدِهَا كُلَّهُ طُهْرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَمْ غَيْرَهَا. لَكِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الِانْقِطَاعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى تَمَّ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَكَذَا) إنْ تَمَّ لَهَا (قَدْرُ الْعَادَةِ) الَّتِي هِيَ دُونُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَاتَّسَقَتْ وَلَمْ تَنْسَ اتِّسَاقَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَيْلًا، أَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ أَوْ مُتَّسِقَةٌ وَنَسِيَتْ اتِّسَاقَهَا وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ عَادَتِهَا لَيْلًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ.
[فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ مَا قِيلَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ النِّيَّةَ شَرْطًا وَالْإِمْسَاكَ شَرْطًا فَلَا حَقِيقَةَ لِلصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ غَيْرُ النِّيَّةِ وَالْإِمْسَاكِ، فَإِذَا كَانَا شَرْطَيْنِ فَأَيْنَ الصَّوْمُ؟ فَقَالَ:(فَصْلٌ) شَرْطُ الصَّوْمِ أَيْ: شَرْطُ صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ (الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ) بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ. نَعَمْ فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الدُّبُرِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ خِلَافٌ فَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِيهِ التَّعْزِيرَ فَقَطْ.
(وَالِاسْتِقَاءَةِ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ - أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِ -، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» (1) هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ عَامِدًا مُخْتَارًا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَمَالَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ يُعْذَرُ مُطْلَقًا، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِمَا ذُكِرَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ) بِالِاسْتِقَاءَةِ كَأَنْ تَقَايَأَ مُنَكَّسًا (بَطَلَ) صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ عَيْنُهَا كَالْإِنْزَالِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ (وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَمْ يَضُرَّ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ
نُخَامَةً وَلَفَظَهَا فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ.
وَعَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مُفْطِرٌ بِالِاسْتِعَاطِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الْحُقْنَةِ أَوْ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
ــ
[مغني المحتاج]
نُخَامَةً) مِنْ الْبَاطِنِ وَهِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ مِنْ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ (وَلَفَظَهَا) أَيْ رَمَاهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَمْ مِنْ بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ تَتَكَرَّرُ فَرُخِّصَ فِيهِ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ بِهِ كَالِاسْتِقَاءَةِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: اقْتَلَعَ عَمَّا لَوْ لَفَظَهَا مَعَ نُزُولِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَلَبَةِ سُعَالٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ جَزْمًا، وَبِلَفْظِهَا عَمَّا إذَا بَقِيَتْ فِي مَحَلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ جَزْمًا، وَعَمَّا إذَا ابْتَلَعَهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجَتْ إلَى الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ جَزْمًا، (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ) بِأَنْ انْصَبَّتْ مِنْ الدِّمَاغِ فِي الثُّقْبَةِ النَّافِذَةِ مِنْهُ إلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ (فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا) إنْ أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَصِلَ شَيْءٌ إلَى الْبَاطِنِ (فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى ذَلِكَ (فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ) لِتَقْصِيرِهِ، وَالثَّانِي لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَنْ الْفِعْلِ، فَلَوْ لَمْ تَصِلْ إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ بِأَنْ كَانَتْ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ أَوْ حَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِهَا وَمَجِّهَا لَمْ يَضُرَّ.
(وَ) الْإِمْسَاكِ (عَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ) وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ لَمْ تُؤْكَلْ كَحَصَاةٍ. (إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْأَثَرُ، كَالرِّيحِ بِالشَّمِّ، وَحَرَارَةِ الْمَاءِ وَبُرُودَتِهِ بِالذَّوْقِ، وَبِالْجَوْفِ عَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ الَّذِي عَلَى لَحْمِ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذِ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى دَاخِلِ الْمُخِّ أَوْ اللَّحْمِ أَوْ غَرَزَ فِيهِ حَدِيدَةً فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْفٍ. فَإِنْ قِيلَ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ فَبَصَقَ حَتَّى صَارَ رِيقُهُ صَافِيًا ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ غَيْرُ رِيقِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّيقَ لَمَّا تَنَجَّسَ حَرُمَ ابْتِلَاعُهُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ) أَيْ الْجَوْفِ (قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (أَوْ الدَّوَاءَ) بِالْمَدِّ وَاحِدُ الْأَدْوِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا تُحِيلُهُ لَا تَتَغَذَّى بِهِ النَّفْسُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ فَأَشْبَهَ الْوَاصِلَ إلَى غَيْرِ الْجَوْفِ (فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ) أَيْ الْمَصَارِينِ جَمْعُ مِعًى بِوَزْنِ رِضًا (وَالْمَثَانَةِ) بِالْمُثَلَّثَةِ، وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ (مُفْطِرٌ بِالِاسْتِعَاطِ) رَاجِعٌ لِلدِّمَاغِ (أَوْ الْأَكْلِ) رَاجِعٌ لِلْبَطْنِ (أَوْ الْحُقْنَةِ) رَاجِعٌ لِلْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْبَوْلَ يُعَالَجُ بِهَا كَمَا يُعَالَجُ بِهَا الْغَائِطُ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَقَوْلُهُ (أَوْ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ) يَرْجِعُ لِلْبَطْنِ (أَوْ مَأْمُومَةٍ) يَرْجِعُ لِلرَّأْسِ (وَنَحْوِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ جَوْفٌ مُحِيلٌ.
وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ.
وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ. وَلَا الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ.
وَكَوْنُهُ بِقَصْدٍ: فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ، أَوْ
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالِاحْتِقَانِ؛ لِأَنَّ الْحُقْنَةَ هِيَ الْأَدْوِيَةُ الَّتِي يَحْتَقِنُ بِهَا الْمَرِيضُ، وَالْفِعْلُ هُوَ الِاحْتِقَانُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ: بَاطِنُ الدِّمَاغِ أَنَّ وُصُولَ عَيْنٍ إلَى خَرِيطَةِ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّاةِ أُمَّ الرَّأْسِ دُونَ بَاطِنِهَا الْمُسَمَّى بَاطِنَ الدِّمَاغِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفْطِرُ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْخَرِيطَةِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمْعَاءُ لَا يُشْتَرَطُ بَاطِنُهَا بَلْ لَوْ كَانَ عَلَى بَطْنِهِ جَائِفَةٌ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ) وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ (وَ) بَاطِنِ (الْإِحْلِيلِ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَثَانَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ أَوْ الْحَلَمَةَ (مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ كُلِّ مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَالثَّانِي: لَا، بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الْإِحَالَةِ، وَأُلْحِقَ بِالْجَوْفِ عَلَى الْأَوَّلِ الْحَلْقُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمُجَاوَزَةُ الْحُلْقُومِ، وَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ طَرَفَ أُصْبُعِهِ دُبُرَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَكَذَا حُكْمُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَوْ 53 أَدْخَلَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ أُذُنِهِ عُودًا أَوْ نَحْوَهُ فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ بَطَلَ صَوْمُهُ.
فَرْعٌ: لَوْ ابْتَلَعَ بِاللَّيْلِ طَرَفَ خَيْطٍ فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَطَرِيقُهُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طَعَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، بَلْ لَوْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ اهـ. هَذَا الْقِيَاسُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ إلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ.
(وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ (مَفْتُوحٌ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ) إلَى الْجَوْفِ (بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ) وَهِيَ ثُقَبُ الْبَدَنِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَهِيَ جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَمَا لَوْ طَلَى رَأْسَهُ أَوْ بَطْنَهُ بِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَإِنْ وَجَدَ لَهُ أَثَرًا بِبَاطِنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مَنْفَذٍ (وَلَا) يَضُرُّ (الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ) أَيْ الْكُحْلِ (بِحَلْقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَسَامِّ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ» فَلَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ لِلصَّائِمِ.
(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَاصِلِ (بِقَصْدٍ، فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ أَوْ
بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ.
وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا أَفْطَرَ.
وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
بَعُوضَةٌ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ بِإِطْبَاقِ الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ التُّرَابُ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مَقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ فَرَدَّهَا قَصْدًا أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ.
فَائِدَةٌ: جَمَعَ الْمُصَنِّفُ الذُّبَابَ وَأَفْرَدَ الْبَعُوضَةَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73]، وَقَالَ تَعَالَى {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] .
فَائِدَةٌ أُخْرَى: الْغَرْبَلَةُ إدَارَةُ الْحَبِّ فِي الْغِرْبَالِ لِيُنْتَقَى خَبِيثُهُ وَيَبْقَى طَيِّبُهُ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَنْ غَرْبَلَ النَّاسَ نَخَلُوهُ: أَيْ مَنْ فَتَّشَ عَنْ أُمُورِهِمْ وَأُصُولِهِمْ جَعَلُوهُ نُخَالَةً. وَفِي الْحَدِيثِ «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ تُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً» أَيْ يَذْهَبُ خِيَارُهُمْ وَيَبْقَى أَرَاذِلُهُمْ.
(وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَمَعْدِنُهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ قَرَارُهُ، وَمِنْهُ يَنْبُعُ، وَهُوَ الْحَنَكُ الْأَسْفَلُ تَحْتَ اللِّسَانِ (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ) وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ (ثُمَّ رَدَّهُ) إلَيْهِ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ (وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ) كَمَا يُعْتَادُ عِنْدَ الْفَتْلِ (وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ) وَابْتَلَعَهَا (أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ) الطَّاهِرِ: كَأَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ (أَوْ) ابْتَلَعَهُ (مُتَنَجِّسًا) كَمَنْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ وَإِنْ ابْيَضَّ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ صَافِيًا (أَفْطَرَ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَعْدِنِهِ وَصَارَ كَالْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ.
نَعَمْ لَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْفَمِ، فَإِنَّ اللِّسَانَ كَدَاخِلِ الْفَمِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِطْرِ.
قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَلَوْ غَسَلَ السِّوَاكَ وَاسْتَاكَ بِهِ: أَيْ مَعَ بَقَاءِ الرُّطُوبَةِ فَكَالْخَيْطِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ الْمَعْدِنَ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ؛ فَلِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الرِّيقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ عَمَّتْ بَلْوَاهُ بِدَمِ لِثَتِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ غَالِبًا أَنَّهُ يُسَامَحُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَيَكْفِي بَصْقُهُ الدَّمَ، وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ اهـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.
(وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ) وَلَوْ بِنَحْوِ مَصْطَكَى (فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْدِنِهِ فَهُوَ كَابْتِلَاعِهِ مُتَفَرِّقًا مِنْ مَعْدِنِهِ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ هَيِّنٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: جَمَعَهُ عَمَّا لَوْ
وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ، وَمَجِّهِ.
وَلَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ.
وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
ــ
[مغني المحتاج]
اجْتَمَعَ بِلَا قَصْدٍ كَالْمُجْتَمِعِ بِكَثْرَةِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا.
(وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ) الْمَشْرُوعِ (إلَى جَوْفِهِ) مِنْ بَاطِنٍ أَوْ دِمَاغٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ) فِي ذَلِكَ (أَفْطَرَ) ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ (فَلَا) يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ. أَمَّا سَبْقُ مَاءِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ: كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ أَوْ سَبَقَ مَاءُ غُسْلِ التَّبَرُّدِ أَوْ الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ، بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ سَبَقَ مَاءُ تَطْهِيرِ الْفَمِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَإِنْ بَالَغَ فِيهِ.
(وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ) مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ، وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِلَّا أَفْطَرَ. أَمَّا إذَا ابْتَلَعَهُ قَصْدًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ جَزْمًا.
فَائِدَةٌ: مَا خَرَجَ مِنْ الْأَسْنَانِ إنْ أَخْرَجَهُ بِالْخِلَالِ كُرِهَ أَكْلُهُ أَوْ بِالْأَصَابِعِ فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(وَلَوْ أُوجِرَ) كَأَنْ صُبَّ مَاءٌ فِي، حَلْقِهِ (مُكْرَهًا) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا (لَمْ يُفْطِرْ) لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ مِنْهُ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ) أَوْ شَرِبَ (أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ فِعْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْجُوعِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَكَلَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالنَّاسِي لَيْسَ مُخَاطَبًا بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أُكْرِهَتْ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْوَطْءِ، وَقُلْنَا: يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْفِطْرِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لَا كَفَّارَةَ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ أَفْطَرَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ.
(وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (1) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ " وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ "(إلَّا أَنْ يُكْثِرَ) فَيُفْطِرَ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَعَ الْكَثْرَةِ نَادِرٌ؛ وَلِهَذَا بَطَلَتْ بِكَثِيرِ الْكَلَامِ نَاسِيًا دُونَ قَلِيلِهِ، وَالْكَثِيرُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ: ثَلَاثُ لُقَمٍ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ، وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ الْمَارِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ لَهَا حَالًا
وَالْجِمَاعُ كَالْأَكْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَعَنْ الِاسْتِمْنَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ، وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ لَا فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ.
وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ، وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
تُذَكِّرُ الْمُصَلِّيَ أَنَّهُ فِيهَا فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ هَلْ يُفْطِرُ أَوْ لَا، وَحُكْمُهُ كَالنَّاسِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اعْتَقَدَ جَوَازَ الْأَكْلِ فَمَا الصَّوْمُ الَّذِي نَوَاهُ وَالْجَاهِلُ بِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْوِيَهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُفْطِرٍ خَاصٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ النَّادِرَةِ كَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى وَيَكُونُ الصَّوْمُ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْمُعْتَادِ، وَمَا عَدَاهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ (وَالْجِمَاعُ) نَاسِيًا (كَالْأَكْلِ) نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ بِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ هَيْئَةٌ يَتَذَكَّرُ بِهَا الْإِحْرَامَ، فَإِذَا نَسِيَ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ الصَّائِمِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ الْجِمَاعِ بِالْأَكْلِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَطُولَ زَمَنُهُ أَوْ لَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مُتَّجَهٌ، بَلْ مَجِيئُهُ فِي الْجِمَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ إنْ نَسِيَ أَحَدُهُمَا ذَكَّرَهُ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ تَقْتَضِي خِلَافَهُ.
(وَ) الْإِمْسَاكُ (عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ مُحَرَّمًا كَأَنْ أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ (فَيُفْطِرُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ مُفْطِرٌ، فَالْإِنْزَالُ بِنَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى (وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ) يُفْطِرُ بِهِ إذَا كَانَ (بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ) بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ (لَا فِكْرٍ) وَهُوَ إعْمَالُ الْخَاطِرِ فِي الشَّيْءِ (وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ) إذَا أَمْنَى بِهِمَا أَوْ بِضَمِّ امْرَأَةٍ بِحَائِلٍ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الثَّلَاثَةُ بِهَا، إذْ لَا مُبَاشَرَةَ، فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَكْرِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَقِيلَ: إنْ اعْتَادَ الْإِنْزَالَ بِالنَّظَرِ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: إنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَ امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ فَفِي فِطْرِهِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَجْهَانِ بَنَاهُمَا عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَبَّلَهَا وَفَارَقَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَنْزَلَ، فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُسْتَصْحَبَةً وَالذَّكَرُ قَائِمًا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ لَمْ يُفْطِرْ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ لِحَرَارَةِ الدَّمِ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي لَمْسِ الشَّعْرِ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ الْفَرْجَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَأَنْزَلَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضِ سَوْدَاءَ أَوْ حَكَّهُ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَاضِحِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ وَإِمْنَاؤُهُ بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ كَخُرُوجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ.
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً كَمَا هُوَ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِحَيْثُ يَخَافُ مَعَهُ الْجِمَاعَ أَوْ الْإِنْزَالَ، وَالْمُعَانَقَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا بِلَا حَائِلٍ كَالْقُبْلَةِ فِيمَا ذُكِرَ (وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَمْ
قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، تَرْكُهَا
ــ
[مغني المحتاج]
تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ وَلَوْ شَابًّا (تَرْكُهَا) حَسْمًا لِلْبَابِ، إذْ قَدْ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُحَرِّكَةٍ وَهِيَ مُحَرِّكَةٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسَنُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا (قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ، وَقَالَ: الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرَبَهُ، وَالشَّابُّ يُفْسِدُ صَوْمَهُ» فَفَهِمَ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَعَدَلَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا: تُحَرِّكُ إلَى حَرَّكَتْ لِمَا لَا يَخْفَى يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَلِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ مُرَادًا، وَإِذَا قُلْنَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ لَمْ تَشْمَلْ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيكَ الْقُبْلَةِ الشَّهْوَةَ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ الْمُطْلَقِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْقُبْلَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيكِ.
فَائِدَةٌ: سَأَلَ رَجُلٌ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]
سَلْ الْعَالِمَ الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرٍ
…
وَضَمَّةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحُ
فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]
فَقُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى
…
تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ
قَالَ الرَّبِيعُ: فَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ كَيْفَ أَفْتَى بِهَذَا، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْرَسَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ، فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يَضُمَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَأَفْتَيْتُهُ بِهَذِهِ الْفُتْيَا اهـ. وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ.
(وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ) أَمَّا الْفَصْدُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الْحِجَامَةُ؛ فَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» .
وَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ، وَزِيَادَةٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:«مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِب وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. نَعَمْ الْأَوْلَى تَرْكُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ.
فَائِدَةٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ فِيهَا شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ» .
وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ وَيَحِلُّ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ. قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ وَبَطَلَ فِي آخِرِهِ.
وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ
ــ
[مغني المحتاج]
(وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ) كَأَنْ يُعَايِنَ الْغُرُوبَ لِيَأْمَنَ الْغَلَطَ (وَيَحِلُّ) الْأَكْلُ آخِرَهُ (بِالِاجْتِهَادِ) بِوِرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي: لَا، لِإِمْكَانِ الصَّيْرِ إلَى الْيَقِينِ. أَمَّا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ بِظَنٍّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَقِيَاسُ اعْتِمَادِ الِاجْتِهَادِ جَوَازُ اعْتِمَادِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِالْغُرُوبِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ (وَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ) بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ) فِيهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ (وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ النَّهَارِ (أَوْ آخِرًا) أَيْ آخِرَ النَّهَارِ (وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ) لِتَحَقُّقِهِ خِلَافَ مَا ظَنَّهُ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ (أَوْ بِلَا ظَنٍّ) كَأَنْ هَجَمَ وَهُوَ جَائِزٌ فِي آخِرِ اللَّيْلِ حَرَامٌ فِي آخِرِ النَّهَارِ (وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ) الْأَكْلُ (فِي أَوَّلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ (وَبَطَلَ) إنْ وَقَعَ الْأَكْلُ (فِي آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا مُبَالَاةَ بِالتَّسَمُّحِ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَكَلَ، أَوْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَكَلَ.
(وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ) الصَّادِقُ (وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) أَيْ رَمَاهُ (صَحَّ صَوْمُهُ) وَإِنْ سَبَقَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ فِي فَمِهِ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ فَبِالْأَوْلَى إذَا جَعَلَهُ فِيهِ لَيْلًا، وَمِثْلُ اللَّفْظِ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَبْلَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ (وَكَذَا) يَصِحُّ صَوْمُهُ (لَوْ كَانَ) عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكُ الْجِمَاعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ، وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ حَالَ النَّزْعِ أَمْ لَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ.
تَنْبِيهٌ إتْيَانُ الْمُصَنِّفُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْفَجْرِ أَوَّلَ طُلُوعِهِ فَيَنْزِعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَا لَوْ أَحَسَّ وَهُوَ مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَنَزَعَ بِحَيْثُ وَافَقَ آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ، وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ مَضَى زَمَنٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِالنَّزْعِ التَّرْكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْلَمُ بِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَهُ الْحَقِيقِيَّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا تَعَبَّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا طُلُوعَ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ، وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الشَّخْصُ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ