الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ.
فَصْلٌ الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْقِبْلَةِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ نَجِسًا فَلِذَلِكَ جَازَ التَّحَرِّي، وَهُنَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مَحْظُورٍ (وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ) لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِأَعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ بِهِ أَوْ مُدْخِلٌ لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. إذْ الْحَاصِلُ لَهُ الْحَجُّ فَقَطْ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجِبُهُ إذْ لَا وُجُوبَ بِالشَّكِّ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَطْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَالْوَاجِبُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ نِيَّتُهُ أَوْ نِيَّةُ الْقِرَانِ، وَهِيَ أَوْلَى لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ لَا الْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ أَيْضًا. وَإِنْ نَوَاهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَبَكْرٍ صَارَ مِثْلَهُمَا فِي إحْرَامِهِمَا إنْ اتَّفَقَا فِيمَا أَحْرَمَا بِهِ وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا فَيَأْتِي بِمَا يَأْتِيَانِ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي الصَّحِيحِ، وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ.
[فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ]
(فَصْلٌ) فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ (الْمُحْرِمُ) أَيْ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (يَنْوِي) بِقَلْبِهِ حَتْمًا دُخُولَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ جَزْمًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ لَوَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا مَرَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِيجَابِ (وَيُلَبِّي) مَعَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا فَيَنْوِي بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ مَثَلًا وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ، وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ نُسُكًا وَنَطَقَ لِسَانُهُ بِغَيْرِهِ انْعَقَدَ مَا نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَحْرَمَ لَكَ شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي (فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ وَتَقُومُ التَّلْبِيَةُ مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ لِإِطْبَاقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالصَّلَاةِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ.
(وَيُسَنُّ الْغُسْلُ) لِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ: أَحَدُهُمَا: (لِلْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ
فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
ــ
[مغني المحتاج]
وَإِحْرَامُهُ جُنُبًا، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ، وَلِهَذَا سُنَّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؟ وَإِذَا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَا الْإِحْرَامَ حَتَّى يَطْهُرَا إنْ أَمْكَنَ التَّأْخِيرُ بِأَنْ أَمْكَنَهُمَا الْمُقَامُ بِالْمِيقَاتِ لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا، وَيُنْدَبُ أَيْضًا لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَطْلُوبِ إزَالَتُهَا كَشَعْرِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَالْأَظْفَارِ وَالْأَوْسَاخِ، وَغَسْلُ الرَّأْسِ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يُلَبِّدَ الذَّكَرُ شَعْرَهُ بِصَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ فِيهِ الْقَمْلُ، وَلَا يَتَشَعَّثُ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَيَكُونُ التَّلْبِيدُ بَعْدَ الْغُسْلِ (فَإِنْ عَجَزَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ عَنْ الْغُسْلِ لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ (تَيَمَّمَ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ وَيَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ أَيْضًا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَهَلْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْغُسْلِ وَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ يَتَيَمَّمُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا عَنْ الْغُسْلِ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْغُسْلِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّيَمُّمَ عَقِبَ جَمِيعِ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِ الْحُكْمِ لِكُلِّهَا. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَنَاوَلُ الْفِقْدَانَ وَالْمَرَضَ وَالْجِرَاحَةَ وَالْبَرْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الثَّانِي لِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَالْغُسْلُ الثَّالِثُ:(لِدُخُولِ مَكَّةَ) وَلَوْ حَلَالًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُحْرِمِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَلَالِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ فَاتَ لَمْ يَبْعُدْ نَدْبُ قَضَائِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا هُنَاكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لِكَوْنِهِ مُقِيمًا هُنَاكَ (وَ) الْغُسْلُ الرَّابِعُ بَعْدَ الزَّوَالِ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِنَمِرَةَ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَقَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَكِنْ تَقْرِيبُهُ لِلزَّوَالِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَسُمِّيَتْ عَرَفَةَ قِيلَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا ثَمَّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ فِيهَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَاسِكَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الْخَامِسُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِلْوُقُوفِ (بِمُزْدَلِفَةَ) عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (غَدَاةَ) يَوْمِ (النَّحْرِ) أَيْ بَعْدَ فَجْرِهِ (وَ) الْغُسْلُ السَّادِسُ (فِي) كُلِّ يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ
لِلرَّمْيِ.
وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا ثَوْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ، لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ.
وَأَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
(لِلرَّمْيِ) أَيْ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ اجْتِمَاعٍ فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغُسْلَ عَلَى الزَّوَالِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ نَظِيرَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْغُسْلُ السَّابِعُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ عَرَفَةَ، وَلَا لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ، وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ الدُّخُولِ، وَلَا لِلْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَإِنْ جَزَمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى بِاسْتِحْبَابِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُطَيِّبَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا خَلِيَّةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقِيلَ لَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ كَذَهَابِهَا إلَى الْجُمُعَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ زَمَانَ الْجُمُعَةِ وَمَكَانَهَا ضَيِّقٌ وَلَا يُمْكِنُهَا تَجَنُّبُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ. نَعَمْ الْمُحِدَّةُ لَا تَتَطَيَّبُ (وَكَذَا ثَوْبُهُ) مِنْ إزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ يُسَنُّ تَطْيِيبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْبَدَنِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُنْزَعُ وَيُلْبَسُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي اسْتِحْبَابِ تَطْيِيبِ الثَّوْبِ، وَصُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَالَ: لَا يُنْدَبُ جَزْمًا، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَوَازَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ) أَيْ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ (بَعْدَ الْإِحْرَامِ) كَالْبَدَنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَالْوَبِيصُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْوَاوِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: هُوَ الْبَرِيقُ، وَالْمَفْرِقُ وَسَطُ الرَّأْسِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الِاسْتِدَامَةِ مَا إذَا لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ) لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ) أَيْ الَّذِي رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ (ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ أَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُخْلَعَ وَيُلْبَسَ فَجُعِلَ عَفْوًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةً فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ مَاءً ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ امْتَنَعَ لُبْسُهُ بَعْدَ نَزْعِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِانْتِقَالِ الطِّيبِ بِإِسَالَةِ الْعَرَقِ، وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَضُرَّ جَزْمًا.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ) غَيْرُ الْمُحِدَّةِ (لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا) أَيْ كُلَّ يَدٍ مِنْهَا إلَى الْكُوعِ فَقَطْ بِالْحِنَّاءِ خَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُزَوَّجَةً، شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَتَمْسَحُ
وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْنِ
ــ
[مغني المحتاج]
وَجْهَهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فَتَسْتَتِرُ بَشَرَتُهُ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِالْحِنَّاءِ تَعْمِيمًا دُونَ التَّطْرِيفِ وَالتَّنْقِيشِ وَالتَّسْوِيدِ. أَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَبِغَيْرِ الْمُحِدَّةِ الْمُحِدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَيُنْدَبُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ اخْتِصَاصَ النَّدْبِ بِالْمُحْرِمَةِ لَكِنَّهُ لِلْمُحْرِمَةِ آكَدُ. نَعَمْ يُكْرَهُ لِلْخَلِيَّةِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ.
(وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ (لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ) لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِسُنِّيَّتِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ كَالْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ لَمْ يُوجَدْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّيْدِ عَدَمَ وُجُوبِ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ الْوَطْءَ بَلْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْإِحْرَامِ بِالْوَطْءِ.
وَأَمَّا الصَّيْدُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ نَزْعِ الثَّوْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَجِبُ قَبْلَهُ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِنَاءً عَلَى أَنْ يَتَجَرَّدَ بِالنَّصْبِ، وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالرَّفْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ رَأَيْت فِي الْأَصْلِ قَابِلَتَهُ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ: وَيَتَجَرَّدُ مَضْبُوطًا بِضَمِّ الدَّالِ: أَيْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يُعْطَفُ عَلَى السُّنَنِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَخِيطٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَوْلَى مِنْهُ مُحِيطٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِشُمُولِهِ اللِّبْدَ وَالْمَنْسُوجَ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الثِّيَابِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَجِبُ نَزْعُ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ قَبْلَ الطِّيبِ، وَأَنْ (يَلْبَسَ) الرَّجُلُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ (إزَارًا وَرِدَاءً) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَبْيَضَيْنِ) لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ» ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَا جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ لَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُورِ كَذَلِكَ: أَيْ إذَا تُوُهِّمَتْ نَجَاسَتُهُ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُكْرَهُ الْمَصْبُوغُ وَلَوْ بِنِيلَةٍ أَوْ مَغْرَةٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ أَيْ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ أَنَّ لُبْسَهُ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كَرَاهَةَ الْمَصْبُوغِ بِمَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ (نَعْلَيْنِ) لِخَبَرِ «لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ
وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا، وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ.
وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْكَفَّيْنِ.
(وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) لِلْإِحْرَامِ قَبْلَهُ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ» ، وَيُحْرِمَانِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا أَغْنَتْ عَنْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُ الْفَرِيضَةِ الرَّاتِبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِحْرَامُ بَعْدَ صَلَاةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَسْجِدٌ، وَلَا فَرْقَ فِي صَلَاتِهِمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ.
(ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ) الشَّخْصُ إنْ كَانَ رَاكِبًا (إذَا انْبَعَثَتْ) أَيْ اسْتَوَتْ (بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ دَابَّتُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَائِمَةً إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَوْ) يُحْرِمَ إذَا (تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَاشِيًا) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَهْلَلْنَا - أَيْ أَرَدْنَا أَنْ نُهِلَّ - أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا» ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا بَدَأَ بِالسَّيْرِ أَحْرَمَ، وَهِيَ أَخَصْرُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَأَشْمَلُ (وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) جَالِسًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا. نَعَمْ الْإِمَامُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ يَوْمَ السَّابِعِ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَتَقَدَّمَ إحْرَامُهُ مَسِيرَهُ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ مَسِيرَهُ لِلنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ غَيْرِهِ يُنَازِعُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ غَرِيبٌ وَمُحْتَمَلٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمُحْرِمِ (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ) مِنْ لَبَّ، وَأَلَبَّ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طَاهِرٍ وَحَائِضٍ وَجُنُبٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ شِعَارُ النُّسُكِ (وَرَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (بِهَا) رَفْعًا لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِكْثَارُ وَرَفْعُ - أَيْ مَا دَامَ مُحْرِمًا - فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّهُ اسْتِثْنَاءُ التَّلْبِيَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ صَوْتُهَا بِحَيْثُ تَقْتَصِرُ عَلَى سَمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَيُسَنُّ لِلْمُلَبِّي فِي التَّلْبِيَةِ إدْخَالُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ كَمَا
وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ.
وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ، وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ،
ــ
[مغني المحتاج]
ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَخَاصَّةً) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خُصُوصًا أَيْ يَتَأَكَّدُ، وَقَوْلُهُ (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ قُصِدَ بِهِ إفَادَةُ ضَابِطٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا قَوْلُهُ (كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا بِخَطِّهِ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ اسْمُ مَكَان يَصْعَدُ فِيهِ وَيَهْبِطُ (وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ يُرْفَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي كَرُكُوبٍ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيمَا ذُكِرَ، فَتَتَأَكَّدُ فِي أُمُورٍ أُخَرَ كَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْهُ، وَعِنْدَ سَمَاعِ رَعْدٍ أَوْ هَيَجَانِ رِيحٍ، قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا، رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَقْتِ السَّحَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ تَنْزِيهًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ وَأَذْكَارٌ خَاصَّةٌ فَصَارَ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا فِي الطَّوَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الْمُتَطَوِّعِ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ. لَكِنْ (بِلَا جَهْرٍ) فِي ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ.
وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِمَا قَطْعًا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ) وَمَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ فِي طَاعَتِكَ. مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ سَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ (لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) أَرَادَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا شَرِيكَ لَكَ إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ (إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِنَصَبِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا - أَيْ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ. ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِلَا شَرِيكٍ لَهُ، وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى، وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] [الْحَجُّ] فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ حِينَئِذٍ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا، وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ