الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِجارة لِتَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا.
وَإِذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالشُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ.
بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
ــ
[مغني المحتاج]
(فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا) لِئَلَّا يُحَطَّ بَعْضُ حَوْلِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ وُجِدَ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ (ثُمَّ يَفْتَتِحُ) مِنْ تَمَامِهِ (حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا) أَيْ فَيَجِبُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْوَالِ، وَمَا مَضَى مِنْ السَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالثَّانِي يَبْطُلُ حَوْلُ التِّجَارَةِ، وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا مِنْ الشِّرَاءِ، وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْمَذْكُورِ: تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِكُلِّ حَوْلٍ.
(وَإِذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ) الْمَشْرُوطَ لَهُ (بِالظُّهُورِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، بَلْ بِالْقِسْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَعَلَى الْمَالِكِ) عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (زَكَاةُ الْجَمِيعِ) رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ (فَإِنَّ أَخْرَجَهَا مِنْ) غَيْرِ (مَالِ الْقِرَاضِ) فَذَاكَ، أَوْ مِنْ مَالِهِ (حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَجْعَلُ إخْرَاجَهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَالْكَيَّالِ وَفِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَجِنَايَاتِهِمْ. وَالثَّانِي تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَالُ. وَالثَّالِثُ: زَكَاةُ الْأَصْلِ مِنْ الْأَصْلِ، وَزَكَاةُ الرِّبْحِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِيهِمَا (وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ) الْعَامِلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ (بِالظُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ) مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ بِالْقِسْمَةِ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاءُ حَوْلِ حِصَّتِهِ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي.
خَاتِمَةٌ يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التِّجَارَةِ أَوْ وَهَبَهُ فَكَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ.
[بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ]
ِ وَيُقَالُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ، وَيُقَالُ أَيْضًا زَكَاةُ
تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَالتَّاءُ فِي آخِرِهَا، كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بِضَمِّ الْفَاءِ وَاسْتَغْرَبَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا. قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: زَكَاةُ الْفِطْرَةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. يُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ، بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ، فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (1) وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ؛ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ مَا عِشْتُ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَجَبَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ.
(تَجِبُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ (بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ وَالثَّانِي تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا عَلَيْهِ كَالْأُضْحِيَّةِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لَا الْفَجْرُ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ بِمَجْمُوعِ الْوَقْتَيْنِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْفِطْرِ وَالْعِيدِ جَمِيعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَالَهُ لِزَوْجَتِهِ اهـ.
أَيْ قَالَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَةٌ فِي رَقِيقٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ أَوْ نَفَقَةُ قَرِيبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي نَوْبَتِهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ أَدَّى فِطْرَةَ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخْرِجُ فَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ (فَتُخْرَجُ) عَلَى الْأَظْهَرِ (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) مِمَّنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَعَبْدٍ وَقَرِيبٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَا مَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَطَلَاقٍ، وَكَذَا لَوْ اسْتَغْنَى الْقَرِيبُ وَلَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ تَلَفِ الْمَالِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْفِطْرَةَ بِالذِّمَّةِ (دُونَ مَنْ وُلِدَ) أَوْ تَجَدَّدَ مِنْ زَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ
وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ.
وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إلَّا فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ الْمُوجِبَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا وُجُوبَ فِيهِمَا.
(وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ) أَيْ الْعِيدِ لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ عَلَى قِيَاسِ زَكَاةِ الْمَالِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ تَعْبِيرَهُ لَيْسَ فِيهِ نَدْبُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ، بَلْ هُوَ صَادِقٌ بِإِخْرَاجِهَا مَعَ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ إغْنَاؤُهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ السُّرُورِ، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَقَضَى لِخُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ لِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عَنْ التَّمْكِينِ تَكُونُ أَدَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ.
(وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَهُوَ إجْمَاعٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا بِإِخْرَاجِهَا، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ الْخَاصَّ لَمْ يَشْمَلْهُمْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَأَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَنْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ مُرْتَدٌّ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ (إلَّا فِي عَبْدِهِ) أَيْ رَقِيقِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً (وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا، وَهَكَذَا كُلُّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ فِي الْعِدَّةِ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَةً مُدَّةَ التَّخَلُّفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْمُخْرِجُ أَمْ وَجَبَتْ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُخْرِجِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ، فَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ الْإِمَامُ: لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ يَنْوِي، وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَّةُ.
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ إلَّا فِي رَقِيقِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَوْ
وَلَا رَقِيقٍ، وَفِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ قِسْطُهُ.
وَلَا مُعْسِرٍ فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ فَمُعْسِرٌ،
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَعْطِفُ الْقَرِيبَ بِأَوْ.
(وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (رَقِيقٍ) لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الْمَذْكُورُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ، وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَلَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَإِنَّ فِطْرَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (وَفِي الْمُكَاتَبِ) كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَجْهٌ) أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَفِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ كَنَفَقَتِهِمْ. أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ جَزْمًا (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ) مِنْ الْفِطْرَةِ (قِسْطُهُ) أَيْ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى مَالِكِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ. هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ.
(وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (مُعْسِرٍ) وَقْتَ الْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ لَحْظَةٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا أَيْسَرَ قَبْلَ فَوَاتِ يَوْمِ الْعِيدِ الْإِخْرَاجُ. ثُمَّ حَدَّهُ بِقَوْلِهِ (فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ) بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا (عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ) أَيْ الَّذِي (فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ) يُخْرِجُهُ عَنْ فِطْرَتِهِ (فَمُعْسِرٌ) وَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا يُخْرِجُهُ فَمُوسِرٌ؛ لِأَنَّ الْقُوتَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤَدَّى فَاضِلًا عَنْ رَأْسِ مَالِهِ وَضَيْعَتِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ بِدُونِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفَارِقُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِالْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَوْجَبُوا الْكَسْبَ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الْبَعْضِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَجِبُ الِاكْتِسَابُ لِنَفْسِهِ لِإِحْيَائِهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ لِإِحْيَاءِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِاَلَّذِي كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ " مَنْ " إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ " مَنْ " لِمَنْ يَعْقِلُ. نَعَمْ يُؤْتَى بِهَا لِاخْتِلَاطِ مَنْ يَعْقِلُ بِغَيْرِهِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ التَّعْبِيرُ بِمَنْ.
(وَيُشْتَرَطُ) فِيمَا يُؤَدِّيهِ فِي الْفِطْرَةِ (كَوْنُهُ فَاضِلًا) أَيْضًا ابْتِدَاءً (عَنْ) مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ (مَسْكَنٍ) يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ التَّطْهِيرِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ، وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْخَادِمِ أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ أَوْ خِدْمَةِ مَمُونِهِ. أَمَّا حَاجَتُهُ لِعَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخَرَجَ بِاللَّائِقِ بِهِ مَا لَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ بِهِ، وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ، وَبِالِابْتِدَاءِ مَا لَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَبِمَمُونِهِ كَمَا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ فِي الدُّيُونِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ.
وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ.
وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْأَصْحَابِ: لَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ هَلَّ شَوَّالٌ فَالْفِطْرَةُ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ، وَبِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَلَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْفِطْرَةِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ، وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا لَا يُجْدِي، وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَرَّرَ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ خِلَافَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ.
(وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ) أَيْ فِطْرَةُ نَفْسِهِ (لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) بِمِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَيْ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالْجَامِعُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ مَا لَوْ أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ الَّتِي تَخْدِمُ عَادَةً أُمَّهَا لَا أَجْنَبِيَّةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ لِخِدْمَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الَّتِي صَحِبَتْهَا لِتَخْدُمَهَا بِنَفَقَتِهَا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ تَجِبُ فِطْرَتُهَا. أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، وَإِلَّا الزَّوْجَةَ الْمُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَتَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَيْهِ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ) أَوْلَى مِنْهُ الرَّقِيقُ (وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ) وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ ".
(وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَإِنْ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُبَعَّضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَلَا الِابْنُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ) وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْفِطْرَةِ لَا يُمَكِّنُ الزَّوْجَةَ مِنْ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ (وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ) أَنْ يَلْزَمَهُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ كَنَفَقَتِهَا، وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْعَامِلِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ بِالنَّفَقَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَمْ وَقْفًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ.
(وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ) وَقْتَ الْوُجُوبِ (أَوْ
كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا، وَكَذَا سَيِّدُ الْأَمَةِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ إذَا عَادَ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ
ــ
[مغني المحتاج]
كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا) إذْ أَيْسَرَتْ بِهَا (وَكَذَا) يَلْزَمُ (سَيِّدَ الْأَمَةِ) فِطْرَتُهَا، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَهَذَا أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ) وَتَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا شَيْئَانِ: الْمِلْكُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْمِلْكُ أَقْوَى. فَإِنْ قِيلَ: يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِمَا إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَسَارِ لَا تَسْقُطُ عَنْ السَّيِّدِ بَلْ يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا.
تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ هَلْ هُوَ كَالضَّمَانِ أَوْ الْحَوَالَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَلِلْخِلَافِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ إنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ فَلَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِبَلَدٍ وَالْمُؤَدِّي بِبَلَدٍ آخَرَ وَاخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ جَازَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ. وَمِنْهَا دُعَاءُ الْمُسْتَحِقِّ يَكُونُ لِلْمُؤَدِّي خَاصَّةً إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ دَعَا لَهُمَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْغَائِبِ، فَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ وَلَمْ تَنْتَهِ غَيْبَتُهُ إلَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَوْتِهِ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ لَيْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا (وَقِيلَ) إنَّمَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا (إذَا عَادَ) كَزَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جُوِّزَ هُنَاكَ لِلنَّمَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَحَلُّهُ إذَا اسْتَمَرَّ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ، فَلَوْ بَانَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَادَ إلَى سَيِّدِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى يَدِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّالِّ وَنَحْوِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إذَا عَادَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقِيلَ، وَقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَقِيلَ قَوْلَانِ. ثَانِيهِمَا لَا شَيْءَ، وَطَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ الَّتِي فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ، وَهِيَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَاتِبِ. أَمَّا إذَا انْتَهَتْ غَيْبَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ. فَإِنَّ قِيلَ: الْأَصَحُّ فِي جِنْسِ الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَكَيْفَ
وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ
وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ نَفْسَهُ، ثُمَّ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، ثُمَّ الْأَبَ، ثُمَّ الْأُمَّ، ثُمَّ الْكَبِيرَ.
وَهِيَ صَاعٌ، وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ
ــ
[مغني المحتاج]
يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ بَلَدِهِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِ آخِرِ بَلْدَةٍ عُلِمَ وُصُولُهُ إلَيْهَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا عَلَى هَذَا، وَيَدْفَعُ فِطْرَتَهُ لِلْقَاضِي لِيُخْرِجَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْأَقْوَاتِ نَعَمْ إنْ دَفَعَ إلَى الْقَاضِي الْبُرَّ خَرَجَ عَنْ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى الْأَقْوَاتِ، وَالنَّقْلُ جَائِزٌ لِلْقَاضِي الَّذِي لَهُ أَخْذُ الزَّكَوَاتِ.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ) إخْرَاجُهُ مُحَافَظَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالثَّانِي: لَا كَبَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ) وُجُوبًا (نَفْسَهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ» (1) وَالثَّانِي يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ (ثُمَّ زَوْجَتَهُ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَالثَّانِي: يُقَدِّمُ الْقَرِيبَ، وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ (ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ) لِأَنَّ نَفَقَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ بَعْدَهُ (ثُمَّ الْأَبَ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِشَرَفِهِ (ثُمَّ الْأُمَّ) لِقُوَّةِ حُرْمَتِهَا بِالْوِلَادَةِ (ثُمَّ) الْوَلَدَ (الْكَبِيرَ) عَلَى الْأَرِقَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ وَعَلَاقَتُهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ عَارِضٌ وَيَقْبَلُ الزَّوَالَ.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لَا كَسْبَ لَهُ وَهُوَ زَمِنٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّفَقَاتِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَاهُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِسَدِّ الْخُلَّةِ وَالْأُمَّ أَكْثَرُ حَاجَةً وَأَقَلُّ حِيلَةً، وَالْفِطْرَةَ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ، وَالْأَبَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ اهـ.
وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي الْبَابَيْنِ.
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءِ الْمُخْرِجِ مَعَ كَوْنِهِ أَعْجَزَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الرَّقِيقَ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ مِنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ ثُمَّ الْمُدَبَّرُ ثُمَّ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا لِنَقْصِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ.
(وَهِيَ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (صَاعٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ (وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ) دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا (قُلْتُ: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ
وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجِنْسُهُ الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ، وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ.
وَيَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، وَقِيلَ قُوتِهِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ) مِنْ كَوْنِ الرِّطْلِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَدْ سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ إيضَاحُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا، وَالْعِبْرَةُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ إنْ وُجِدَ أَوْ مِعْيَارِهِ، فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ: الصَّاعُ أَرْبَعُ حِفَانٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِهِمَا اهـ.
وَالصَّاعُ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ حِينَ يَخْطُبُ بِمِصْرَ خُطْبَةَ عِيدِ الْفِطْرِ: وَالصَّاعُ قَدَحَانِ بِكَيْلِ بَلَدِكُمْ هَذِهِ سَالِمٌ مِنْ الطِّينِ وَالْعَيْبِ وَالْغَلْثِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي بَلَدِكُمْ هَذِهِ إلَّا الْقَمْحُ اهـ.
وَتَقَدَّمَ فِي الصَّاعِ كَلَامٌ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ فَرَاجِعْهُ.
فَائِدَةٌ
ذَكَرَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي إيجَابِ الصَّاعِ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَمْتَنِعُ غَالِبًا مِنْ الْكَسْبِ فِي الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْخُبْزِ، فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ، وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ، فَيَأْتِي مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ.
(وَجِنْسُهُ) أَيْ الصَّاعِ الْوَاجِبِ (الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْمُعَشَّرَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ، وَفِي الْقَدِيمِ لَا يُجْزِئُ الْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَمَانِ (وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ) لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِهَذَا قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ: لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُشْرَ فِيهِ فَأَشْبَهَ التِّينَ وَنَحْوَهُ، وَفِي مَعْنَى الْأَقِطِ لَبَنٌ وَجُبْنٌ لَمْ يُنْزَعْ زُبْدُهُمَا فَيُجْزِئَانِ، وَإِجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَمْ الْحَاضِرَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ دُونَ الْحَاضِرَةِ. حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ. أَمَّا مَنْزُوعُ الزُّبْدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الْكَشْكُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَخِيضُ، وَلَا الْمَصْلُ، وَلَا السَّمْنُ، وَلَا اللَّحْمُ، وَلَا مُمَلَّحٌ مِنْ الْأَقِطِ أَفْسَدَ كَثِيرُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ، بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمِلْحِ فَيُجْزِئُ، لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا.
(وَيَجِبُ) الصَّاعُ (مِنْ) غَالِبِ (قُوتِ بَلَدِهِ) إنْ كَانَ بَلَدِيًّا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِيَ (وَقِيلَ) مِنْ غَالِبِ (قُوتِهِ) عَلَى الْخُصُوصِ (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ) جَمِيعِ (الْأَقْوَاتِ) فَأَوْفَى الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّنْوِيعِ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِلتَّخْيِيرِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَالِبِ الْقُوتِ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا غَالِبُ
وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَلَا عَكْسَ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ، وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ، فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ، وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ.
وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ، وَعَنْ قَرِيبِهِ أَعْلَى مِنْهُ.
وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ.
وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
قُوتِ وَقْتِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ.
تَنْبِيهٌ
لَوْ قَالَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ كَمَا قَدَّرْتُ غَالِبَ فِي عِبَارَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ أَقْوَاتٌ وَغَلَبَ بَعْضُهَا وَجَبَ مِنْ الْغَالِبِ وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ (وَيُجْزِئُ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْقُوتُ (الْأَعْلَى عَنْ) الْقُوتِ (الْأَدْنَى) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ بِنْتَ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ كَالْحِنْطَةِ عَنْ الشَّعِيرِ، وَالذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزَّكَوَاتِ الْمَالِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، فَأُمِرَ أَنْ يُوَاسِيَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا إلَى مَا هُوَ غِذَاءُ الْبَدَنِ وَبِهِ قِوَامُهُ، وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْغَرَضُ وَزِيَادَةٌ (وَلَا عَكْسَ) لِنَقْصِهِ عَنْ الْحَقِّ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (وَالِاعْتِبَارُ) فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى (بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ) رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ (وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فَقَالَ (فَالْبُرُّ) لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ اقْتِيَاتًا (خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ) وَمِنْ الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قِيلَ أَفْضَلُهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لَكَانَ مُتَّجِهًا، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْغَالِبِ لَا لِلْبَلَدِ نَفْسِهِ (وَالْأَصَحُّ: أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ (وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ) لِمَا مَرَّ فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَالثَّانِي أَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ، وَأَنَّ الزَّبِيبَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْأَرُزِّ، وَأَنَّ الْأَرُزَّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ.
(وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ) الْوَاجِبَ (وَعَنْ قَرِيبِهِ) أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ، أَوْ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ (أَعْلَى مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ لِأَحَدِ جُبْرَانَيْنِ شَاتَيْنِ، وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا.
تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ وَعَنْ غَيْرِهِ أَعْلَى مِنْهُ لَشَمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ. .
(وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ) الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ وَاحِدٌ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ، وَبِقَوْلِنَا: مِنْ جِنْسَيْنِ مَا لَوْ أَخْرَجَ صَاعًا مِنْ نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَا مِنْ الْغَالِبِ.
(وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا) إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ قُوتَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا تَقَدَّمَ (تَخَيَّرَ) إذْ لَيْسَ تَعْيِينُ الْبَعْضِ بِأَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَصْلَحُ كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ (وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا) أَيْ أَعْلَاهَا فِي الِاقْتِيَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْقَمْحَ الْمَخْلُوطَ بِالشَّعِيرِ تَخَيَّرَ إنْ
وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ.
قُلْتُ: الْوَاجِبُ الْحَبُّ السَّلِيمُ.
وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ.
وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ.
وَلَوْ أَيْسَرَا وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَانَ الْخَلِيطَانِ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفًا مِنْ ذَا وَنِصْفًا مِنْ ذَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُخْرِجُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ الْآخَرُ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعَّضَ الصَّاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ لَهُمْ فِيهَا يُجْزِئُ بِأَنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْأَشْيَاءَ النَّادِرَةَ أَخْرَجَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَى إلَيْهِ بَلَدَانِ فِي الْقُرْبِ، وَاخْتَلَفَ الْغَالِبُ مِنْ أَقْوَاتِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ الْأَعْلَى.
(وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ السَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُتَحَمِّلِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ.
(قُلْتُ: الْوَاجِبُ الْحَبُّ) حَيْثُ تَعَيَّنَ فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا، وَلَا الْخُبْزُ وَلَا الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ يَصْلُحُ لِمَا لَا تَصْلُحُ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ (السَّلِيمُ) فَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوَّسُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُهُ وَالْمَعِيبُ. قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] .
(وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ، وَكَذَا السَّفِيهُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ أَنَّ هَذَا فِي أَبٍ أَوْ جَدٍّ يَلِي الْمَالَ، فَإِنْ لَمْ يَلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ (كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ) فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا عَادَةً مُفْتَقِرَةٌ إلَى نِيَّةٍ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِغَيْرِ إذْنٍ (بِخِلَافِ) وَلَدِهِ (الْكَبِيرِ) الرَّشِيدِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ.
(وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ) مُنَاصَفَةً مَثَلًا (فِي عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ وَالْمُعْسِرُ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ (لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَإِنْ كَانَ وَصَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ نَوْبَةَ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ الصَّاعُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، أَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُبَعَّضِ الْمُعْسِرِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالرَّقِيقِ عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ، وَبِالْحِصَّةِ أَوْ الْقِسْطِ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ.
(وَلَوْ أَيْسَرَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِي الرَّقِيقِ (وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا) لِاخْتِلَافِ قُوتِ بَلَدِهِمَا بِأَنْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ، أَوْ لِاخْتِلَافِ قُوتِهِمَا عَلَى مَقَالَةٍ (أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ) أَيْ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، أَوْ مِنْ قُوتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْ قُوتِ مَحِلِّ الرَّقِيقِ كَمَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ السَّابِقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَكِنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا: إنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى صُورَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ نِسْبَتُهَا فِي الْقُرْبِ إلَى بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ قُوتُ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا بَلَدَ لِلْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُحْمَلُ إلَيْهَا مِنْ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ مِنْ الْأَقْوَاتِ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى تَصْوِيرٍ صَحِيحٍ لَا يُعْدَلُ إلَى تَغْلِيطِهِمْ، وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا صَحَّحَهُ هُنَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ الْأَصَحِّ اعْتِبَارَ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كُنْتُ قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلِغَالِبِ شُرَّاحِ الْكِتَابِ.
فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ صَرْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ يَكْفِي الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ فِي الْغَالِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ. وَقِيلَ يَجُوزُ صَرْفُهَا لِوَاحِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
ثَانِيهِمَا: لَوْ دَفَعَ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فَدَفَعَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ فِطْرَتِهِ جَازَ لِلدَّافِعِ الْأَوَّلِ أَخْذُهَا، فَإِنْ قِيلَ: وُجُوبُ الْفِطْرَةِ يُنَافِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ أَخْذَهَا لَا يَقْتَضِي غَايَةَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَقَدْ تَجِبُ زَكَاةُ الْمَالِ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ.
خَاتِمَةٌ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَهُمَا فِي خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ بِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْمِلْكُ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَئُولُ لَهُ الْمِلْكُ.
وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ عَنْ رَقِيقٍ فَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَنْ أَرِقَّاءَ فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي التَّرِكَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالدَّيْنِ.
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَجَبَتْ فِي تَرِكَتِهِ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَعَلَى الْوَارِثِ فِطْرَتُهُ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ قَبِلَ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ وَفِطْرَةُ الرَّقِيقِ فِي التَّرِكَةِ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ جُزْءٌ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى وَرَثَتِهِ عَنْ الرَّقِيقِ إنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ فِي مِلْكِهِمْ.
وَهَلْ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الْمُقِيمِينَ فِي الرِّبَاطِ؟ قَالَ الْفَارِقِيُّ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْغَلَّةَ، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُقِيمِينَ بِالرِّبَاطِ إذَا حَدَثَتْ غَلَّةٌ