الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُرُوجه وَإِخْرَاج بنيه من بُسْتَان هَذَا شَأْنه وَلَكِن من قَالَ بِهَذَا وَإِنَّمَا كَانَت جنَّة لَا يلْحقهَا آفَة وَلَا تَنْقَطِع ثمارها وَلَا تغور انهارها وَلَا يجوع ساكنها وَلَا يظمأ وَلَا يضحى للشمس وَلَا يعرى وَلَا يمسهُ فِيهَا التَّعَب وَالنّصب والشقاء وَمثل هَذِه الْجنَّة يحسن لوم الانسان على التَّسَبُّب فِي خُرُوجه مِنْهَا قَالُوا واما اعتذار آدم عليه الصلاة والسلام يَوْم الْقِيَامَة لأهل الْموقف بِأَن خطيئته هِيَ الَّتِي اخرجته من الْجنَّة فَلَا يحسن ان يستفتحها لَهُم فَهَذَا لَا يسْتَلْزم ان تكون هِيَ بِعَينهَا الَّتِي اخْرُج مِنْهَا بل إِذا كَانَت غَيرهَا كَانَ أبلغ فِي الِاعْتِذَار فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْخُرُوج من غير جنَّة الْخلد حصل بِسَبَب الْخَطِيئَة فَكيف يَلِيق استفتاح جنَّة الْخلد والشفاعة فِيهَا ثمَّ خرج من غَيرهَا بخطيئة فَهَذَا موقف نظر الْفَرِيقَيْنِ وَنِهَايَة أَقْدَام الطَّائِفَتَيْنِ فَمن كَانَ لَهُ فضل علم فِي هَذِه المسئلة فليجد بِهِ فَهَذَا وَقت الْحَاجة اليه وَمن علم مُنْتَهى خطوته وَمِقْدَار بضاعته فليكل الامر الى عالمه وَلَا يرضى لنَفسِهِ بالتنقيص والازراء عَلَيْهِ وَليكن من اهل التلول الَّذين هم نظارة الْحَرْب إِذا لم يكن من أهل الْكر والفر والطعن وَالضَّرْب فقد تلاقت الفحول وتطاعنت الاقران وضاق بهم المجال فِي حلبة هَذَا الميدان
إِذا تلاقى الفحول فِي لجب
…
فَكيف حَال الغصيص فِي الْوسط
هَذِه معاقد حجج الطَّائِفَتَيْنِ مجتازة ببابك واليك تساق وَهَذِه بضائع تجار الْعلمَاء يُنَادي عَلَيْهَا فِي سوق الكساد لَا فِي سوق النِّفَاق فَمن لم يكن لَهُ بِهِ شَيْء من اسباب الْبَيَان والتبصرة فَلَا يعْدم من قد استفرغ وَسعه وبذل جهده مِنْهُ التصويب والمعذرة وَلَا يرضى لنَفسِهِ بشر الخطتين وابخس الحظين جهل الْحق وأسبابه ومعاداة اهله وطلابه وَإِذا عظم الْمَطْلُوب وأعوزك الرفيق الناصح الْعَلِيم فارحل بهمتك من بَين الاموات وَعَلَيْك بمعلم إِبْرَاهِيم فقد ذكرنَا فِي هَذِه المسئلة من النقول والادلة والنكت البديعة مَا لَعَلَّه لَا يُوجد فِي شَيْء من كتب المصنفين وَلَا يعرف قدره الا من كَانَ من الْفُضَلَاء المنصفين وَمن الله سُبْحَانَهُ الاستمداد وَعَلِيهِ التَّوَكُّل واليه الِاسْتِنَاد فَإِنَّهُ لَا يخيب من توكل عَلَيْهِ وَلَا يضيع من لَاذَ بِهِ وفوض امْرَهْ اليه وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
فصل وَلما اهبطه سُبْحَانَهُ من الْجنَّة وَعرضه وَذريته لانواع المحن وَالْبَلَاء
اعطاهم افضل مِمَّا مَنعهم وهوعهده الَّذِي عهد اليه وَإِلَى بنيه وَأخْبر انه من تمسك بِهِ مِنْهُم صَار الى رضوانه وَدَار كرامته قَالَ تَعَالَى عقب اخراجه مِنْهَا قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ مني هدى
فَمن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ وَفِي الاية الاخرى قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا فاما ياتينكم مني هدى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى وَمن اعْرِض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا نحشره يَوْم الْقِيَامَة اعمى قَالَ رب لم حشرتني اعمى وَقد كنت بَصيرًا قَالَ كَذَلِك اتتك آيَاتنَا فنسيتها وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى فَلَمَّا كَسره سُبْحَانَهُ باهباطه من الْجنَّة جبره وَذريته بِهَذَا الْعَهْد الَّذِي عَهده اليهم فَقَالَ تَعَالَى فاما يَأْتينكُمْ مني هدى وَهَذِه هِيَ ان الشّرطِيَّة الْمُؤَكّدَة بِمَا الدَّالَّة على استغراق الزَّمَان وَالْمعْنَى أَي وَقت وَأي حِين اتاكم من يهدى وَجعل جَوَاب هَذَا الشَّرْط جملَة شَرْطِيَّة وَهِي قَوْله فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى كَمَا تَقول إِن زرتني فَمن بشرني بقدومك فَهُوَ حر وَجَوَاب الشَّرْط يكون جملَة تَامَّة أما خَبرا مَحْضا كَقَوْلِك ان زرتني اكرمتك اَوْ خَبرا مَقْرُونا بِالشّرطِ كَهَذا اومؤكدا بالقسم اَوْ بِأَن وَاللَّام كَقَوْلِه تَعَالَى وَإِن اطعتموهم انكم لمشركون واما طلبا كَقَوْل النَّبِي اذا سَالَتْ فاسأل الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَقَوله وَإِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا وَقَوله تَعَالَى وَإِذا حللتم فاصطادوا فَإِذا انْسَلَخَ الاشهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَأكْثر مَا يَأْتِي هَذَا النَّوْع مَعَ إِذا الَّتِي تفِيد تَحْقِيق وُقُوع الشَّرْط لسر وَهُوَ افادته تحقيقالطلب عِنْد تَحْقِيق الشَّرْط فَمَتَى تحقق الشَّرْط فالطلب مُتَحَقق فَأتى بإذا الدَّالَّة على تَحْقِيق الشَّرْط فَعلم تَحْقِيق الطّلب عِنْدهَا وَقد يَأْتِي مَعَ ان قَلِيلا كَقَوْلِه تَعَالَى وَإِن كَذبُوك فَقل لي عَمَلي وَلكم عَمَلكُمْ واما جملَة انشائية كَقَوْلِه لعَبْدِهِ الْكَافِر ان اسلمت فانت حر ولامرأته ان فعلت كَذَا فانت طَالِق فَهَذَا انشاء لِلْعِتْقِ وَالطَّلَاق عِنْد وجود الشَّرْط على رَأْي اَوْ انشاء لَهُ حَال التَّعْلِيق ويتأخر نُفُوذه الى حِين وجود الشَّرْط على رَأْي آخر وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فجواب الشَّرْط جملَة انشائية وَالْمَقْصُود ان جَوَاب الشَّرْط فِي الاية الْمَذْكُورَة جملَة شَرْطِيَّة وَهِي قَوْله فَمن اتبع هُدَايَ فلاخوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ وَهَذَا الشَّرْط يقتضى ارتباط الْجُمْلَة الاولى بِالثَّانِيَةِ ارتباط الْعلَّة بالمعلول وَالسَّبَب بالمسبب فَيكون الشَّرْط الَّذِي هُوَ ملزوم عِلّة ومقتضيا للجزاء الَّذِي هُوَ لَازم فَإِن كَانَ بَينهمَا تلازم من الطَّرفَيْنِ كَانَ وجود كل مِنْهُمَا بِدُونِ دُخُول الاخر مُمْتَنعا كدخول الْجنَّة بالاسلام وارتفاع الْخَوْف والحزن والضلال والشقاء مَعَ مُتَابعَة الْهوى وَهَذِه هِيَ عَامَّة شُرُوط الْقُرْآن وَالسّنة فَإِنَّهَا اسباب وَعلل وَالْحكم ينتفى بِانْتِفَاء علته وَإِن كَانَ التلازم بَينهمَا من اُحْدُ الطَّرفَيْنِ كَانَ الشَّرْط ملزوما خَاصّا وَالْجَزَاء لَازِما عَاما فَمَتَى تحقق الشَّرْط الْمَلْزُوم الْخَاص تحقق الْجَزَاء اللَّازِم الْعَام وَلَا يلْزم الْعَكْس كَمَا يُقَال ان كَانَ هَذَا انسانا فَهُوَ حَيَوَان وَإِن كَانَ البيع صَحِيحا فالملك ثَابت وَهَذَا غَالب مَا يَأْتِي فِي قِيَاس الدّلَالَة حَيْثُ يكون الشَّرْط دَلِيلا على الْجَزَاء فَيلْزم من وجوده وجود الْجَزَاء لَان الْجَزَاء لَازمه وَوُجُود الْمَلْزُوم يسْتَلْزم وجود اللَّازِم وَلَا يلْزم من عَدمه عدم الْجَزَاء وان
وَقع هَذَا الشَّرْط بَين عِلّة ومعلول فَإِن كَانَ الحكم مُعَللا بعلل صَحَّ ذَلِك وَجَاز ان يكون الْجَزَاء اعم من الشَّرْط كَقَوْلِك إِن كَانَ هَذَا مُرْتَدا فَهُوَ حَلَال الدَّم فَإِن حل الدَّم اعم من حلّه بِالرّدَّةِ إِلَّا ان يُقَال ان حكم الْعلَّة الْمعينَة ينتفى بانتفائها وَإِن ثَبت الحكم بعلة اخرى فَهُوَ حكم آخر واما حكم الْعلَّة الْمعينَة فمحال ان ينفى مَعَ زَوَالهَا وَحِينَئِذٍ فَيَعُود التلازم من الطَّرفَيْنِ وَيلْزم من وجود كل وَاحِد من الشَّرْط وَالْجَزَاء وجود الاخر وَمن عَدمه عَدمه وَتَمام تَحْقِيق هَذَا فِي مسئلة تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين وَلِلنَّاسِ فِيهِ نزاع مَشْهُور وَفصل الْخطاب فِيهَا ان الحكم الْوَاحِد ان كَانَ وَاحِدًا بالنوع كحل الدَّم وَثُبُوت الْملك وَنقض الطَّهَارَة جَازَ تَعْلِيله بالعلل الْمُخْتَلفَة وَإِن كَانَ وَاحِدًا بِالْعينِ كحل الدَّم بِالرّدَّةِ وَثُبُوت الْملك بِالْبيعِ اوالميراث وَنَحْو ذَلِك لم يجز تَعْلِيله بعلتين مختلفتين وَبِهَذَا التَّفْصِيل يَزُول الِاشْتِبَاه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله اعْلَم وَمن تَأمل ادلة الطَّائِفَتَيْنِ وجد كل مَا احْتج بِهِ من رأى تَعْلِيل الحكم بعلل مُخْتَلفَة إِنَّمَا يدل على تَعْلِيل الْوَاحِد بالنوع بهَا وكل من نفى تَعْلِيل الحكم بعلتين إِنَّمَا يتم دَلِيله على نفي تَعْلِيل الْوَاحِد بِالْعينِ بهما فالقولان عِنْد التَّحْقِيق يرجعان الى شَيْء وَاحِد وَالْمَقْصُود ان الله سُبْحَانَهُ جعل اتِّبَاع هداه وَعَهده الَّذِي عَهده الى آدم سَببا ومقتضيا لعدم الْخَوْف والحزن والضلال والشقاء وَهَذَا الْجَزَاء ثَابت بِثُبُوت الشَّرْط مُنْتَفٍ بانتفائه كَمَا تقدم بَيَانه وَنفى الْخَوْف والحزن عَن مُتبع الْهدى نفي لجَمِيع انواع الشرور فَإِن الْمَكْرُوه الَّذِي ينزل بِالْعَبدِ مَتى علم بحصوله فَهُوَ خَائِف مِنْهُ ان يَقع بِهِ وَإِذا وَقع بِهِ فَهُوَ حَزِين على مَا أَصَابَهُ مِنْهُ فَهُوَ دَائِما فِي خوف وحزن وكل خَائِف حَزِين فَكل حَزِين خَائِف وكل من الْخَوْف والحزن يكون على فعل المحبوب وَحُصُول الْمَكْرُوه فالاقسام اربعة خوف من فَوت المحبوب وَحُصُول الْمَكْرُوه وَهَذَا جماع الشَّرّ كُله فنفى الله سُبْحَانَهُ ذَلِك عَن مُتبع هداه الَّذِي أنزلهُ على السّنة رسله وأتى فِي نفي الْخَوْف بِالِاسْمِ الدَّال على نفي الثُّبُوت واللزوم فَإِن أهل الْجنَّة لَا بُد لَهُم من الْخَوْف فِي الدُّنْيَا وَفِي البرزخ وَيَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ يَقُول آدم وَغَيره من الانبياء نَفسِي نَفسِي فَأخْبر سُبْحَانَهُ انهم وَإِن خَافُوا فَلَا خوف عَلَيْهِم أَي لَا يلحقهم الْخَوْف الَّذِي خَافُوا مِنْهُ وأتى فِي نفي الْحزن بِالْفِعْلِ الْمُضَارع الدَّال على نفي التجدد والحدوث أَي لَا يلحقهم حزن وَلَا يحدث لَهُم إِذا لم يذكرُوا مَا سلف مِنْهُم بل هم فِي سرُور دَائِم لَا يعرض لَهُم حزن على مَا فَاتَ وَأما الْخَوْف فَلَمَّا كَانَ تعلقه بالمستقبل دون الْمَاضِي نفي لُحُوقه لَهُم جملَة أَي الَّذِي خَافُوا مِنْهُ لَا ينالهم وَلَا يلم بهم وَالله اعْلَم فالحزين إِنَّمَا يحزن فِي الْمُسْتَقْبل على مَا مضى والخائف إِنَّمَا يخَاف فِي الْحَال مِمَّا يسْتَقْبل فَلَا خوف عَلَيْهِم أَي لَا يلحقهم مَا خَافُوا مِنْهُ وَلَا يعرض لَهُم حزن على مَا فَاتَ وَقَالَ فِي الاية الاخرى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى فنفى عَن مُتبع هداه امرين الضلال والشقاء قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا
تكفل الله لمن قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِمَا فِيهِ ان لَا يضل فِي الدُّنْيَا وَلَا يشقى فِي الاخرة ثمَّ قَرَأَ فَأَما ياتينكم مني هدى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى والاية نفت مُسَمّى الضلال والشقاء عَن مُتبع الْهدى مُطلقًا فاقتضت الاية انه لَا يضل فِي الدُّنْيَا وَلَا يشقى وَلَا يضل فِي الاخرة وَلَا يشقى فِيهَا فَإِن الْمَرَاتِب اربعة هدى وشقاوة فِي الدُّنْيَا وَهدى وشقاوة فِي الاخرة لَكِن ذكر ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فِي كل دَار اظهر مرتبتيها فَذكر الضلال فِي الدُّنْيَا إِذْ هُوَ اظهر لنا وَأقرب من ذكر الضلال فِي الاخرة وايضا فضلال الدُّنْيَا اضل ضلال فِي الاخرة وشقاء الاخرة مُسْتَلْزم للضلال فِيهَا فنبه بِكُل مرتبَة على الْأُخْرَى فنبه بِنَفْي ضلال الدُّنْيَا على نفي ضلال الاخرة فَإِن العَبْد يَمُوت على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَيبْعَث على مَا مَاتَ عَلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى فِي الاية الْأُخْرَى وَمن اعْرِض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا ونحشره يَوْم الْقِيَامَة اعمى قَالَ رب لم حشرتني اعمى وَقد كنت بَصيرًا قَالَ كَذَلِك اتتك آيَاتنَا فنسيتها وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى وَقَالَ فِي الاية الاخرى وَمن كَانَ فِي هَذِه اعمى فَهُوَ فِي الاخرة اعمى وأضل سَبِيلا فَأخْبر ان من كَانَ فِي هَذِه الدَّار ضَالًّا فَهُوَ فِي الاخرة اضل واما نفي شقاء الدُّنْيَا فقد يُقَال انه لما انْتَفَى عَنهُ الضلال فِيهَا وَحصل لَهُ الْهدى وَالْهدى فِيهِ من برد الْيَقِين وطمأنينة الْقلب وذاق طعم الايمان فَوجدَ حلاوته وفرحة الْقلب بِهِ وسروره والتنعيم بِهِ ومصير الْقلب حَيا بالايمان مستنيرا بِهِ قَوِيا بِهِ قد نَالَ بِهِ غذاؤه ورواءه وشفاءه وحياته ونوره وقوته ولذته ونعيمه مَا هُوَ من اجل انواع النَّعيم واطيب الطَّيِّبَات واعظم اللَّذَّات قَالَ الله تَعَالَى من عمل صَالحا من ذكر اَوْ انثى وَهُوَ مُؤمن فلنحيينه حَيَاة طيبَة ولنجزينهم اجرهم باحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ فَهَذَا خبر اصدق الصَّادِقين ومخبره عِنْد اهله عين الْيَقِين بل هُوَ حق الْيَقِين وَلَا بُد لكل من عمل صَالحا ان يحييه الله حَيَاة طيبَة بِحَسب إيمَانه وَعَمله وَلَكِن يغلط الجفاة الاجلاف فِي مُسَمّى الْحَيَاة حَيْثُ يظنونها التنعم فِي أَنْوَاع المآكل والمشارب والملابس والمناكح اَوْ لَذَّة الرياسة وَالْمَال وقهر الاعداء والتفنن بأنواع الشَّهَوَات وَلَا ريب ان هَذِه لَذَّة مُشْتَركَة بَين الْبَهَائِم بل قد يكون حَظّ كثير من الْبَهَائِم مِنْهَا أَكثر من حَظّ الانسان فَمن لم تكن عِنْده لَذَّة الا اللَّذَّة الَّتِي تشاركه فِيهَا السبَاع وَالدَّوَاب والانعام فَذَلِك مِمَّن يُنَادي عَلَيْهِ من مَكَان بعيد وَلَكِن ايْنَ هَذِه اللَّذَّة من اللَّذَّة بِأَمْر إِذا خالط بشاشته الْقُلُوب سلى عَن الابناء وَالنِّسَاء والاوطان والاموال والاخوان والمساكن ورضى بِتَرْكِهَا كلهَا وَالْخُرُوج مِنْهَا رَأْسا وَعرض نَفسه لانواع المكاره والمشاق وَهُوَ متحل بِهَذَا منشرح الصَّدْر بِهِ يطيب لَهُ قتل ابْنه وَأَبِيهِ وصاحبته واخيه لَا تَأْخُذهُ فِي ذَلِك لومة لائم حَتَّى ان احدهم ليتلقى الرمْح بصدره وَيَقُول فزت وَرب الْكَعْبَة ويستطيل الاخر حَيَاته حَتَّى يلقى قوته من يَده وَيَقُول انها لحياة طَوِيلَة ان صبرت حَتَّى أكلهَا ثمَّ يتَقَدَّم الى الْمَوْت فَرحا
مَسْرُورا وَيَقُول الاخر مَعَ فقره لَو علم الْمُلُوك وابناء الْمُلُوك مَا نَحن عَلَيْهِ لجالدونا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ وَيَقُول الاخر انه ليمر بِالْقَلْبِ اوقات يرقص فِيهَا طَربا وَقَالَ بعض العارفين انه لتمر بِي اوقات اقول فِيهَا إِن كَانَ اهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا انهم لفي عَيْش طيب وَمن تَأمل قَول النَّبِي لما نَهَاهُم عَن الْوِصَال فَقَالُوا انك تواصل فَقَالَ اني لست كهيئتكم إِنِّي اظل عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني علم ان هَذَا طَعَام الارواح وشرابها وَمَا يفِيض عَلَيْهَا من أَنْوَاع الْبَهْجَة واللذة وَالسُّرُور وَالنَّعِيم الَّذِي رَسُول الله فِي الذرْوَة الْعليا مِنْهُ وَغَيره إِذا تعلق بغباره رأى ملك الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا بِالنِّسْبَةِ اليه هباء منثورا بل بَاطِلا وغرورا وَغلط من قَالَ انه كَانَ يَأْكُل وَيشْرب طَعَاما وَشَرَابًا يغتذى بِهِ بدنه لوجوه احدها انه قَالَ اظل عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني وَلَو كَانَ اكلا وشربا لم يكن وصالا وَلَا صوما الثَّانِي ان النَّبِي اخبرهم انهم لَيْسُوا كَهَيْئَته فِي الْوِصَال فَإِنَّهُم إِذا واصلوا تضرروا بذلك واماهو فَإِنَّهُ إِذا وَاصل لَا يتَضَرَّر بالوصال فَلَو كَانَ يَأْكُل وَيشْرب لَكَانَ الْجَواب وَأَنا ايضا لَا اواصل بل آكل وأشرب كَمَا تَأْكُلُونَ وتشربون فَلَمَّا قررهم على قَوْلهم انك تواصل وَلم يُنكره عَلَيْهِم دلّ على انه كَانَ مواصلا وانه لم يكن يَأْكُل اكلا وشربا يفْطر الصَّائِم الثَّالِث انه لَو كَانَ اكلا وشربا يفْطر الصَّائِم لم يَصح الْجَواب بالفارق بَينهم وَبَينه فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون هُوَ وهم مشتركون فِي عدم الْوِصَال فَكيف يَصح الْجَواب بقوله لست كهيئتكم وَهَذَا امْر يُعلمهُ غَالب النَّاس ان الْقلب مَتى حصل لَهُ مَا يفرحه ويسره من نيل مَطْلُوبه ووصال حَبِيبه اَوْ مَا يغمه ويسؤوه ويحزنه شغل عَن الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى ان كثيرا من العشاق تمر بِهِ الايام لَا يَأْكُل شَيْئا وَلَا تطلب نَفسه اكلا وَقد افصح الْقَائِل فِي هَذَا الْمَعْنى
لَهَا احاديث من ذكراك تشغلها
…
عَن الشَّرَاب وتلهيها عَن الزَّاد
لَهَا بِوَجْهِك نور تستضيء بِهِ
…
وَمن حَدِيثك فِي اعقابها حادى إِذْ اشتكت من كلال السّير اَوْ عدهَا
…
روح الْقدوم فتحيا عِنْد ميعاد
وَالْمَقْصُود ان الْهدى مُسْتَلْزم لسعادة الدُّنْيَا وَطيب الْحَيَاة وَالنَّعِيم العاجل وَهُوَ أَمر يشْهد بِهِ الْحس والوجد واما سَعَادَة الاخرة فغيب يعلم بالايمان فَذكرهَا ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا لكَونهَا اهم وَهِي الْغَايَة الْمَطْلُوبَة وضلال الدُّنْيَا اظهر وبالنجاة مِنْهُ ينجو من كل شَرّ وَهُوَ اضل ضلال الاخرة وشقائها فَلذَلِك ذكره وَحده وَالله اعْلَم