الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضروب الْمحَال وفنون الوساوس والهوى والهوس والخبط وهم يحسبون انهم على شَيْء إِلَّا انهم هم الْكَاذِبُونَ فَالْحَمْد لله الَّذِي من على الْمُؤمنِينَ {إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين}
فصل وَمن حكمته سُبْحَانَهُ مَا مَنعهم من الْعلم علم السَّاعَة وَمَعْرِفَة آجالهم
وَفِي ذَلِك من الْحِكْمَة الْبَالِغَة مَالا يحْتَاج الى نظر فَلَو عرف الانسان مِقْدَار عمره فَإِن كَانَ قصير الْعُمر لميتهنأ بالعيش وَكَيف يتهنأ بِهِ وَهُوَ يترقب الْمَوْت فِي ذَلِك الْوَقْت فلولا طول الامل لخربت الدُّنْيَا وأنما عمارتها بالامال وَإِن كَانَ طَوِيل الْعُمر وَقد تحقق ذَلِك فَهُوَ واثق بِالْبَقَاءِ فَلَا يُبَالِي بالانهماك فِي الشَّهَوَات والمعاصي وأنواع الْفساد وَيَقُول إِذا قرب الْوَقْت احدثت تَوْبَة وَهَذَا مَذْهَب لَا يرتضيه الله تَعَالَى عز وجل من عباده وَلَا يقبله مِنْهُم وَلَا تصلح عَلَيْهِ احوال الْعَالم وَلَا يصلح الْعَالم إِلَّا على هَذَا الَّذِي اقتضته حكمته وَسبق فِي علمه فَلَو ان عبدا من عبيدك عمل على ان يستحضك اعواما ثمَّ يرضيك سَاعَة وَاحِدَة إِذا تَيَقّن انه صائر اليك لم تقبل مِنْهُ وَلم يفز لديك بِمَا يفوز بِهِ من همه رضاك وَكَذَا سنة الله عز وجل ان العَبْد إِذا عاين الِانْتِقَال الى الله تَعَالَى لم يَنْفَعهُ تَوْبَة وَلَا اقلاع قَالَ تَعَالَى {وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن} وَقَوله فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا آمنا بِاللَّه وَحده وكفرنا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكين فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا باسنا سنة الله الَّتِي خلت فِي عباده وَالله تَعَالَى إِنَّمَا يغْفر للْعَبد إِذا كَانَ وُقُوع الذَّنب مِنْهُ على وَجه غَلَبَة الشَّهْوَة وَقُوَّة الطبيعة فيواقع الذَّنب مَعَ كَرَاهَته لَهُ من غير إِصْرَار فِي نَفسه فَهَذَا ترجى لَهُ مغْفرَة الله وصفحه وعفوه لعلمه تَعَالَى بضفعه وَغَلَبَة شَهْوَته لَهُ وَأَنه يرى كل وَقت مَالا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِذا وَاقع الذَّنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لرَبه خَائِف مختلج فِي صَدره شَهْوَة النَّفس الذَّنب وَكَرَاهَة الايمان لَهُ فَهُوَ يُجيب دَاعِي النَّفس تاره وداعي الايمان تارات فاما من بنى امْرَهْ على ان لَا يقف عَن ذَنْب وَلَا يقدم خوفًا وَلَا يدع لله شَهْوَة وَهُوَ فَرح مسرور يضْحك ظهرا لبطن إِذْ ظفر بالذنب فَهَذَا الَّذِي يخَاف عَلَيْهِ ان يُحَال بَينه وَبَين التَّوْبَة وَلَا يوفق لَهَا فَإِنَّهُ من مَعَاصيه وقبائحه على نقد عَاجل يتقاضاه سلفا وتعجيلا وَمن تَوْبَته وإيابه ورجوعه إِلَى الله على دين مُؤَجل الى انْقِضَاء الاجل وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الضَّرْب من النَّاس يُحَال بَينهم وَبَين التَّوْبَة غَالِبا لَان النُّزُوع عَن اللَّذَّات والشهوات الى مُخَالفَة الطَّبْع وَالنَّفس والاستمرار على ذَلِك شَدِيد على النَّفس صَعب عَلَيْهَا اثقل من الْجبَال وَلَا سِيمَا إِذا انضاف إِلَى ذَلِك ضعف البصيرة وَقلة النَّصِيب من الايمان فنفسه لَا تطوع لَهُ ان يَبِيع نَقْدا بنسيئة وَلَا عَاجلا بآجل كَمَا قَالَ بعض هَؤُلَاءِ وَقد سُئِلَ ايما احب اليك دِرْهَم الْيَوْم اَوْ دِينَار غَدا فَقَالَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَلَكِن ربع دِرْهَم من اول امس فَحَرَام على هَؤُلَاءِ ان يوفقوا للتَّوْبَة إِلَّا ان يَشَاء الله فَإِذا بلغ
العَبْد حد الْكبر وضعفت بصيرته ووهت قواه وَقد اوجبت لَهُ تِلْكَ الاعمال قُوَّة فِي غيه وضعفا فِي إيمَانه صَارَت كالملكة لَهُ بِحَيْثُ لَا يتَمَكَّن من تَركهَا فَإِن كَثْرَة المزاولات تُعْطى الملكات فَتبقى للنَّفس هَيْئَة راسخة وملكة ثَابِتَة فِي الغي والمعاصي وَكلما صدر عَنهُ وَاحِد مِنْهَا اثرا أثرا زَائِدا على اثر مَا قبله فيقوى الاثران وهلم جرا فيهجم عَلَيْهِ الضعْف وَالْكبر ووهن الْقُوَّة على هَذِه الْحَال فَينْتَقل الى الله بِنَجَاسَتِهِ واوساخه وادرانه لم يتَطَهَّر للقدوم على الله فَمَا ظَنّه بربه وَلَو انه تَابَ وأناب وَقت الْقُدْرَة والامكان لقبلت تَوْبَته ومحيت سيئاته وَلَكِن حيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون وَلَا شَيْء اشهى لمن انْتقل الى الله على هَذِه الْحَال من التَّوْبَة وَلَكِن فرط فِي أَدَاء الدّين حَتَّى نفذ المَال وَلَو أَدَّاهُ وَقت الامكان لقبله ربه وَسَيعْلَمُ المسرف والمفرط أَي ديان ادان وَأي غَرِيم بتقاضاه وَيَوْم يكون الْوَفَاء من الْحَسَنَات فَإِن فنيت فَيحمل السَّيِّئَات فَبَان ان من حِكْمَة الله ونعمه على عباده ان ستر عَنْهُم مقادير آجالهم ومبلغ اعمارهم فَلَا يزَال الْكيس يترقب الْمَوْت وَقد وَضعه بَين عَيْنَيْهِ فينكف عَمَّا يضرّهُ فِي معاده ويجتهد فِيمَا يَنْفَعهُ وَيسر بِهِ عِنْد الْقدوم فَإِن قلت فها هُوَ مَعَ كَونه قد غيب عَنهُ مِقْدَار اجله وَهُوَ يترقب الْمَوْت فِي كل سَاعَة وَمَعَ ذَلِك يقارف الْفَوَاحِش وينتهك الْمَحَارِم فَأَي فَائِدَة وَحِكْمَة حصلت بستر اجله عَنهُ قيل لعمر الله ان الامر كَذَلِك وَهُوَ الْموضع الَّذِي حير الالباب والعقلاء وافترق النَّاس لاجله فرقا شَتَّى ففرقة انكرت الْحِكْمَة وتعليل افعال الرب جملَة وَقَالُوا بالجبر الْمَحْض وسدوا على انفسهم الْبَاب وَقَالُوا لَا تعلل افعال الرب تَعَالَى ولاهي مَقْصُود بهَا مصَالح الْعباد وَإِنَّمَا مصدرها مَحْض الْمَشِيئَة وَصرف الارادة فأنكروا حِكْمَة الله فِي امْرَهْ وَنَهْيه وَفرْقَة نفت لاجله الْقدر جملَة وَزَعَمُوا ان أَفعَال الْعباد غير مخلوقة لله حَتَّى يطْلب لَهَا وُجُوه الْحِكْمَة وَإِنَّمَا هِيَ خلقهمْ وابداعهم فَهِيَ وَاقعَة بِحَسب جهلهم وظلمهم وضعفهم فَلَا يَقع على السداد وَالصَّوَاب الا اقل الْقَلِيل مِنْهَا فهاتان الطائفتان متقابلتان اعظم تقَابل فَالْأولى غلت فِي الْجَبْر وانكار الحكم الْمَقْصُودَة فِي أَفعَال الله وَالثَّانيَِة غلت فِي الْقدر واخرجت كثيرا من الْحَوَادِث بل اكثرها عَن ملك الرب وَقدرته وَهدى الله اهل السّنة الْوسط لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق باذنه فأثبتوا لله عز وجل عُمُوم الْقُدْرَة والمشيئة وَأَنه تَعَالَى ان يكون فِي مسلكه مَالا يَشَاء اَوْ يَشَاء مَالا يكون وَأَن اهل سمواته وارضه اعجز واضعف من ان يخلقوا مَالا يخلقه الله اَوْ يحدثوا مَالا يَشَاء بل مَا شَاءَ الله كَانَ وَوجد وجوده بمشيئته وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَامْتنع وجوده لعدم الْمَشِيئَة لَهُ وانه لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِهِ وَلَا تتحرك فِي الْعَالم الْعلوِي والسفلي ذرة الا بِإِذْنِهِ وَمَعَ ذَلِك فَلهُ فِي كل مَا خلق وَقضى وَقدر وَشرع من الحكم الْبَالِغَة والعواقب الحميدة مَا اقْتَضَاهُ كَمَال حكمته وَعلمه وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم فَمَا خلق شَيْئا وَلَا قَضَاهُ وَلَا شَرعه الا لحكمة بَالِغَة وان تقاصرت عَنْهَا عقول الْبشر فَهُوَ الْحَكِيم الْقَدِير فَلَا تجحد حكمته كمالا تجحد قدرته
والطائفة الاولى جحدت الْحِكْمَة وَالثَّانيَِة جحدت الْقُدْرَة والامة الْوسط اثبتت لَهُ كَمَال الْحِكْمَة وَكَمَال الْقُدْرَة فالفرقة الاولى تشهد فِي الْمعْصِيَة مُجَرّد الْمَشِيئَة والخلق العاري عَن الْحِكْمَة وَرُبمَا شهِدت الْجَبْر وَأَن حركاتهم بِمَنْزِلَة حركات الاشجار وَنَحْوهَا والفرقة الثَّانِيَة تشهد فِي الْمعْصِيَة مُجَرّد كَونهَا فاعلة محدثة مختارة هِيَ الَّتِي شَاءَت ذَلِك بِدُونِ مَشِيئَة الله والامة الْوسط تشهد عز الربوبية وقهر الْمَشِيئَة ونفوذها فِي كل شَيْء وَتشهد مَعَ ذَلِك فعلهَا وكسبها واختيارها وايثارها شهواتها على مرضات رَبهَا فَيُوجب الشُّهُود الاول لَهَا سُؤال رَبهَا والتذلل والتضرع لَهُ ان يوفقها لطاعته ويحول بَينهَا وَبَين مَعْصِيَته وان يثبتها على دينه ويعصمها بطواعيته وَيُوجب الشُّهُود الثَّانِي لَهَا اعترافها بالذنب وإقرارها بِهِ على نَفسهَا وَأَنَّهَا هِيَ الظالمة الْمُسْتَحقَّة للعقوبة وتنزيه رَبهَا عَن الظُّلم وان يعذبها بِغَيْر اسْتِحْقَاق مِنْهَا اَوْ يعذبها على مَا لم تعمله فيجتمع لَهَا من الشهودين شُهُود التَّوْحِيد وَالشَّرْع وَالْعدْل وَالْحكمَة وَقد ذكرنَا فِي الفتوحات القدسية مشَاهد الْخلق فِي مواقعة الذَّنب وانها تَنْتَهِي الى ثَمَانِيَة مشَاهد احدها المشهد الحيواني البهيمي الَّذِي شُهُود صَاحبه مَقْصُور على شهوات لذته بِهِ فَقَط وَهُوَ فِي هَذَا المشهد مشارك لجَمِيع الْحَيَوَانَات وَرُبمَا يزِيد عَلَيْهَا فِي اللَّذَّة وَكَثْرَة التَّمَتُّع وَالثَّانِي مشْهد الْجَبْر وان الْفَاعِل فِيهِ سواهُ والمحرك لَهُ غَيره وَلَا ذَنْب لَهُ هُوَ وَهَذَا مشْهد الْمُشْركين واعداء الرُّسُل الثَّالِث مشْهد الْقدر وَهُوَ انه هُوَ الْخَالِق لفعله الْمُحدث لَهُ بِدُونِ مَشِيئَة الله وخلقه وَهَذَا مشْهد الْقَدَرِيَّة الْمَجُوسِيَّة الرَّابِع مشْهد اهل الْعلم والايمان وَهُوَ مشْهد الْقدر وَالشَّرْع يشْهد فعله وَقَضَاء الله وَقدره كَمَا تقدم الْخَامِس مشْهد الْفقر والفاقة وَالْعجز والضعف وانه إِن لم يعنه الله ويثبته ويوفقه فَهُوَ هَالك وَالْفرق بَين مشْهد هَذَا ومشهد الجبرية ظَاهر السَّادِس مشْهد التَّوْحِيد وَهُوَ الَّذِي يشْهد فِيهِ إنفراد الله عز وجل بالخلق والابداع ونفوذ الْمَشِيئَة وان الْخلق اعجز من ان يعصوه بِغَيْر مَشِيئَته وَالْفرق بَين هَذَا المشهد وَبَين المشهد الْخَامِس ان صَاحبه شَاهد لكَمَال فقره وَضَعفه وَحَاجته وَهَذَا شَاهد لِتَفَرُّد الله بالخلق والابداع وَأَنه لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِهِ السَّابِع مشْهد الْحِكْمَة وَهُوَ ان يشْهد حِكْمَة الله عز وجل فِي قَضَائِهِ وتخليته بَين العَبْد والذنب وَللَّه فِي ذَلِك حكم تعجز الْعُقُول عَن الاحاطة بهَا وَذكرنَا مِنْهَا فِي ذَلِك الْكتاب قَرِيبا من اربعين حِكْمَة وَقد تقدم فِي اول هَذَا الْكتاب التَّنْبِيه على بَعْضهَا الثَّامِن مشْهد الاسماء وَالصِّفَات وَهُوَ ان يشْهد ارتباط الْخلق والامر وَالْقَضَاء وَالْقدر بأسمائه تَعَالَى وَصِفَاته وان ذَلِك مُوجبهَا ومقتضاها فأسماؤه الْحسنى اقْتَضَت مَا اقتضته من التَّخْلِيَة بَين العَبْد وَبَين الذَّنب فَإِنَّهُ الْغفار التواب الْعَفو الْحَلِيم وَهَذِه اسماء تطلب آثارها وموجباتها وَلَا بُد فَلَو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم وَهَذَا المشهد وَالَّذِي قبله اجل هَذِه الْمشَاهد واشرفها وارفعها قدرا
وهما لخواص الْخَلِيفَة فَتَأمل بعد مَا بَينهمَا وَبَين المشهد الاول وَهَذَانِ المشهدان يطرحان العَبْد على بَاب الْمحبَّة ويفتحان لَهُ من المعارف والعلوم امورا لَا يعبر عَنْهَا وَهَذَا بَاب عَظِيم من ابواب الْمعرفَة قل من استفتحه من النَّاس وَهُوَ شُهُود الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي قَضَاء السَّيِّئَات وَتَقْدِير الْمعاصِي وَإِنَّمَا استفتح النَّاس بَاب الحكم فِي الاوامر والنواهي وخاضوا فِيهَا واتوا بِمَا وصلت اليه علومهم واستفتحوا ايضا بَابهَا فِي الْمَخْلُوقَات كَمَا قدمْنَاهُ وَأتوا فِيهِ بِمَا وصلت اليه قواهم واما هَذَا الْبَاب فَكَمَا رَأَيْت كَلَامهم فِيهِ فَقل ان ترى لاحدهم فِيهِ مَا يشفى اَوْ يلموكيف يطلع على حِكْمَة هَذَا الْبَاب من عِنْده ان اعمال الْعباد لَيست مخلوقة لله وَلَا دَاخِلَة تَحت مَشِيئَته اصلا وَكَيف يتطلب لَهَا حِكْمَة اَوْ يثبتها ام كَيفَ يطلع عَلَيْهَا من يَقُول هِيَ خلق الله وَلَكِن افعاله غير معللة بالحكم وَلَا يدخلهَا لَام تَعْلِيل اصلا وَإِن جَاءَ شَيْء من ذَلِك صرف الى لَام الْعَاقِبَة لَا الى لَام الْعلَّة والغاية فَأَما إِذا جَاءَت الْبَاء فِي افعاله صرفت الى بَاء المصاحبة لَا الى بَاء السَّبَبِيَّة وَإِذا كَانَ المتكلمون عِنْد النَّاس هم هَؤُلَاءِ الطائفتان فَإِنَّهُم لَا يرَوْنَ الْحق خَارِجا عَنْهُمَا ثمَّ كثير من الْفُضَلَاء يتحير إِذا رأى بعض اقوالهم الْفَاسِدَة وَلَا يدرى أَيْن يذهب وَلما عربت كتب الفلاسفة صَار كثير من النَّاس إِذا رأى اقوال الْمُتَكَلِّمين الضعيفة وَقد قَالُوا إِن هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُول قطع القنطرة وعدي الى ذَلِك الْبر وكل ذَلِك من الْجَهْل الْقَبِيح وَالظَّن الْفَاسِد ان الْحق لَا يخرج عَن اقوالهم فَمَا اكثر خُرُوج الْحق عَن اقوالهم وَمَا اكثر مَا يذهبون فِي الْمسَائِل الَّتِي هِيَ حق وصواب الى خلاف الصَّوَاب وَالْمَقْصُود ان الْمُتَكَلِّمين لَو اجْمَعُوا على شَيْء لم يكن اجماعهم حجَّة عِنْد اُحْدُ من الْعلمَاء فَكيف إِذا اخْتلفُوا وَالْمَقْصُود ان مُشَاهدَة حِكْمَة الله فِي اقضيته واقداره الَّتِي يجربها على عباده باختياراتهم وإراداتهم هِيَ من الطف مَا تكلم فِيهِ النَّاس وأدقه واغمضه وَفِي ذَلِك حكم لَا يعلمهَا إِلَّا الْحَكِيم الْعَلِيم سُبْحَانَهُ وَنحن نشِير الى بَعْضهَا فَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ يحب التوابين حَتَّى انه من محبته لَهُم يفرح بتوبة احدهم اعظم من فَرح الْوَاحِد براحلته الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فِي الارض الدوية الْمهْلكَة إِذا فقدها وايس مِنْهَا وَلَيْسَ فِي أَنْوَاع الْفَرح أكمل وَلَا اعظم من هَذَا الْفَرح كَمَا سنوضح ذَلِك ونزيده تقريرا عَن قريب إِن شَاءَ الله وَلَوْلَا الْمحبَّة التَّامَّة للتَّوْبَة ولأهلها لم يحصل هَذَا الْفَرح وَمن الْمَعْلُوم ان وجود الْمُسَبّب بِدُونِ سَببه مُمْتَنع وَهل يُوجد ملزوم بِدُونِ لَازمه اَوْ غَايَة بِدُونِ وسيلتها وَهَذَا معنى قَول بعض العارفين وَلَو لم تكن التَّوْبَة احب الاشياء اليه لما ابتلى بالذنب اكرم الْمَخْلُوقَات عَلَيْهِ فالتوبة هِيَ غَايَة كَمَال كل آدَمِيّ وَإِنَّمَا كَانَ كَمَال ابيهم بهَا فكم بَين حَالَة وَقد قيل لَهُ إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى وَإنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى وَبَين قَوْله ثمَّ اجتباه ربه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهدى فالحال الاولى حَال أكل وَشرب