الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحفظها فَيكون الْغذَاء دَاخِلا الى الْمعدة من طرق ومجار وخارجا مِنْهَا الى الاعضاء من طرق ومجار هَذَا وَارِد اليها وَهَذَا صادر عَنْهَا حِكْمَة بَالِغَة ونعمة سابغة وَلما كَانَ الْغذَاء إِذا اسْتَحَالَ فِي الْمعدة اسْتَحَالَ دَمًا وَمرَّة سَوْدَاء وَمرَّة صفراء وبلغما اقْتَضَت حكمته سبحانه وتعالى ان جعل لكل وَاحِد من هَذِه الاخلاط مصرفا ينصب اليه ويجتمع فِيهِ وَلَا ينبعث الى الاعضاء الشَّرِيفَة الا أكمله فَوضع المرارة مصبا للمرة الصَّفْرَاء وَوضع الطحال مقرا للمرة السَّوْدَاء والكبد تمتص اشرف مَا فِي ذَلِك وَهُوَ الدَّم ثمَّ تبعثه الى جَمِيع الْبدن من عرق وَاحِد يَنْقَسِم على مجار كَثِيرَة يُوصل الى كل وَاحِد من الشُّعُور والاعصاب وَالْعِظَام وَالْعُرُوق مَا يكون بِهِ قوامه ثمَّ إِذا نظرت الى مَا فِيهِ من القوى الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة الْمُخْتَلفَة فِي انفسها ومنافعها رايت الْعجب العجاب كقوة سَمعه وبصره وَشمه وزوقه ولمسه وحبه وبغضه وَرضَاهُ وغضبه وَغير ذَلِك من القوى الْمُتَعَلّقَة بالادراك والارادة وَكَذَلِكَ القوى المتصرفة فِي غذائه كالقوة المنضجة لَهُ وكالقوة الماسكة لَهُ والدافعة لَهُ الى الاعضاء وَالْقُوَّة الهاضمة لَهُ بعد اخذ الاعضاء حَاجَتهَا مِنْهُ الى غير ذَلِك من عجائب خلقته الظَّاهِرَة والباطنة
فصل فَارْجِع الان الى النُّطْفَة وَتَأمل حَالهَا اولا وَمَا صَارَت اليه ثَانِيًا
وَأَنه لَو اجْتمع الانس وَالْجِنّ على ان يخلقوا لَهَا سمعا اَوْ بصرا اَوْ عقلا اَوْ قدرَة اَوْ علما اَوْ روحا بل عظما وَاحِدًا من اصغر عظامها بل عرقا من ادق عروقها بل شَعْرَة وَاحِدَة لعجزوا عَن ذَلِك بل ذَلِك كُله آثَار صنع الله الَّذِي اتقن كل شَيْء فِي قَطْرَة من مَاء مهين فَمن هَذَا صنعه فِي قَطْرَة مَاء فَكيف صنعه فِي ملكوت السَّمَوَات وعلوها وسعتها واستدارتها وَعظم خلقهَا وَحسن بنائها وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها ومقاديرها واشكالها وتفاوت مشارقها وَمَغَارِبهَا فَلَا ذرة فِيهَا تنفك عَن حِكْمَة بل هِيَ احكم خلقا واتقن صنعا واجمع الْعَجَائِب من بدن الانسان بل لَا نِسْبَة لجَمِيع مَا فِي الارض الى عجائب السَّمَوَات قَالَ الله تَعَالَى {أأنتم أَشد خلقا أم السَّمَاء بناها رفع سمكها فسواها} وَقَالَ تَعَالَى ان فِي خلق السَّمَوَات والارض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس الى قَوْله {لآيَات لقوم يعْقلُونَ} فَبَدَأَ بِذكر خلق السَّمَوَات وَقَالَ تَعَالَى ان فِي خلق السَّمَوَات والارض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لايات لاولي الالباب وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن فالارض والبحار والهواء وكل مَا تَحت السَّمَوَات بالاضافة الى السَّمَوَات كقطرة فِي بَحر وَلِهَذَا قل ان تَجِيء سُورَة فِي الْقُرْآن الا وفيهَا ذكرهَا إِمَّا إِخْبَارًا عَن عظمها وسعتها وَإِمَّا اقساما بهَا وَإِمَّا دُعَاء الى النّظر فِيهَا وَإِمَّا ارشادا للعباد ان يستدلوا بهَا على عظ
بانيها ورافعها وَإِمَّا اسْتِدْلَالا مِنْهُ سُبْحَانَهُ بخلقها على مَا أخبر بِهِ من الْمعَاد وَالْقيمَة وَإِمَّا اسْتِدْلَالا مِنْهُ بربوبيته لَهَا على وحدانيته وَأَنه الله الَّذِي لَا إِلَه الا هُوَ وَإِمَّا اسْتِدْلَالا مِنْهُ بحسنها واستوائها والتئام اجزائها وَعدم الفطور فِيهَا على تَمام حكمته وَقدرته وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا من الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر والعجائب الَّتِي تتقاصر عقول الْبشر عَن قليلها فكم من قسم فِي الْقُرْآن بهَا كَقَوْلِه {وَالسَّمَاء ذَات البروج} {وَالسَّمَاء والطارق} {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} {والنجم إِذا هوى} والنجم الثاقب {فَلَا أقسم بالخنس} وَهِي الْكَوَاكِب الَّتِي تكون خنسا عِنْد طُلُوعهَا جوَار فِي مجْراهَا ومسيرها كنسا عِنْد غُرُوبهَا فاقسم بهَا فِي أحوالها الثَّلَاثَة وَلم يقسم فيكتابه بِشَيْء من مخلوقاته أَكثر من السَّمَاء والنجوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَهُوَ سُبْحَانَهُ يقسم بِمَا يقسم بِهِ من مخلوقاته لتَضَمّنه الايات والعجائب الدَّالَّة عَلَيْهِ وَكلما كَانَ اعظم آيَة وأبلغ فِي الدّلَالَة كَانَ إقسامه بِهِ اكثر من غَيره وَلِهَذَا يعظم هَذَا الْقسم كَقَوْلِه {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ انه قسم بمواقع هَذِه النُّجُوم الَّتِي فِي السَّمَاء فَإِن اسْم النُّجُوم عِنْد الاطلاق إِنَّمَا ينْصَرف اليها وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لم تجر عَادَته سُبْحَانَهُ بِاسْتِعْمَال النُّجُوم فِي آيَات الْقُرْآن وَلَا فِي مَوضِع وَاحِد من كِتَابه حَتَّى تحمل عَلَيْهِ هَذِه الاية وَجَرت عَادَته بِاسْتِعْمَال النُّجُوم فِي الْكَوَاكِب فِي جَمِيع الْقُرْآن وَأَيْضًا فَإِن نَظِير الاقسام بمواقعها هُنَا إقسامه بهوى النَّجْم فِي قَوْله والنجم إذاهوى وايضا فَإِن هَذَا قَول جُمْهُور اهل التَّفْسِير وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يقسم بِالْقُرْآنِ نَفسه لَا بوصوله إِلَى عباده هَذِه طَريقَة الْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} {حم وَالْكتاب الْمُبين} ونظائره وَالْمَقْصُود انه سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يقسم من مخلوقاتهبما هُوَ من آيَاته الدَّالَّة على ربوبيته ووحدانيته وَقد اثنى سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه على المتفكرين فِي خلق السَّمَوَات والارض وذم المعرضين عَن ذَلِك فَقَالَ {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفا مَحْفُوظًا وهم عَن آياتها معرضون} وَتَأمل خلق هَذَا السّقف الاعظم مَعَ صلابته وشدته ووثاقته من دُخان وَهُوَ بخار المَاء قَالَ الله تَعَالَى {وبنينا فَوْقكُم سبعا شدادا} وَقَالَ تَعَالَى {أأنتم أَشد خلقا أم السَّمَاء بناها رفع سمكها فسواها} وَقَالَ {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفا مَحْفُوظًا} فَانْظُر الى هَذَا الْبناء الْعَظِيم الشَّديد الْوَاسِع الَّذِي رفع سمكه اعظم ارْتِفَاع وزينه باحسن زِينَة وأودعه الْعَجَائِب والايات وَكَيف ابْتَدَأَ خلقه من بخار ارْتَفع من المَاء وَهُوَ الدُّخان
فسبحان من لَا يقدر الْخلق قدره
…
وَمن هُوَ فَوق الْعَرْش فَرد موحد
لقد تعرف الى خلقه بأنواع التعرفات وَنصب لَهُم الدلالات واوضح لَهُم الايات الْبَينَات ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة ويحيا من حييّ بَيِّنَة وان الله يسمع عليم فَارْجِع الْبَصَر الى السَّمَاء وَانْظُر فِيهَا وَفِي كواكبها ودورانها وطلوعها وغروبها وشمسها وقمرها وَاخْتِلَاف مشارقها وَمَغَارِبهَا ودؤوبها
فِي الْحَرَكَة على الدَّوَام من غير فتور فِي حركتها وَلَا تغير فِي سَيرهَا بلت جري فِي منَازِل قد رتبت لَهَا بِحِسَاب مُقَدّر لَا يزِيد وَلَا ينقص الى ان يطويها فاطرها وبديعها وَانْظُر الى كثرت كواكبها وَاخْتِلَاف الوانها ومقاديرها فبعضها يمِيل الى الْحمرَة وَبَعضهَا الى البيضا وَبَعضهَا الى اللَّوْن الرصاصي ثمَّ انْظُر الى مسير الشَّمْس فِي فلكها فِي مُدَّة سنة ثمَّ هِيَ فِي كل يَوْم تطلع وتغرب بسير سخرها لَهُ خَالِقهَا لَا تتعداه وَلَا تقصر عَنهُ وَلَوْلَا طُلُوعهَا وغروبهالما عرف اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا الْمَوَاقِيت ولاطبق الظلام على الْعَالم اَوْ الضياء وَلم يتَمَيَّز وَقت المعاش من وَقت السبات والراحة وَكَيف قدر لَهَا السَّمِيع الْعَلِيم سفرينمتباعدين احدهما سفرها صاعدة الى اوجها وَالثَّانِي سفرها هابطة الى حضيضها تنْتَقل فِي منَازِل هَذَا السّفر منزلَة منزلَة حَتَّى تبلغ غايتها مِنْهُ فاحدث ذَلِك السّفر بقدرة الرب الْقَادِر اخْتِلَاف الْفُصُول من الصَّيف والشتاء والخريف وَالربيع فَإِذا انخفض سَيرهَا عَن وسط السَّمَاء برد الْهَوَاء وَظهر الشتَاء وَإِذا اسْتَوَت فِي وسط السَّمَاء اشْتَدَّ القيظ وَإِذا كَانَت بَين المسافتين اعتدل الزَّمَان وَقَامَت مصَالح الْعباد وَالْحَيَوَان والنبات بِهَذِهِ الْفُصُول الاربعة وَاخْتلفت بِسَبَبِهَا الاقوات واحوال النَّبَات والوانه وَمَنَافع الْحَيَوَان والاغذية وَغَيرهَا وَانْظُر الى الْقَمَر وعجائب آيَاته كَيفَ يبديه الله كالخيط الدَّقِيق ثمَّ يتزايد نوره ويتكامل شَيْئا فَشَيْئًا كل لَيْلَة حَتَّى يَنْتَهِي الى ابداره وكماله وَتَمَامه ثمَّ يَأْخُذ فِي النُّقْصَان حَتَّى يعود الى حَالَته الاولى ليظْهر من ذَلِك مَوَاقِيت الْعباد فِي معاشهم وعبادتهم ومناسكهم فتميزت بِهِ الاشهر والسنين وَقَامَ حِسَاب الْعَالم مَعَ مَا فِي ذَلِك من الحكم والايات والعبر الَّتِي لَا يحصيها الا الله وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا من كَوْكَب من الْكَوَاكِب الا وللرب تبارك وتعالى فِي خلقه حكم كَثِيرَة ثمَّ فِي مِقْدَاره ثمَّ فِي شكله ولونه ثمَّ فِي مَوْضِعه من السَّمَاء وقربه من وَسطهَا وَبعده وقربه من الْكَوْكَب الَّذِي يَلِيهِ وَبعده مِنْهُ وَإِذا اردت معرفَة ذَلِك على سَبِيل الاجمال فقسه باعضاء بدنك واختلافها وتفاوت اما بَين المتجاورات مِنْهَا وَبعد مَا بَين المتباعدات وأشكالها ومقاديرها وتفاوت منافعا وَمَا خلقت لَهُ وَأَيْنَ نِسْبَة ذَلِك الى عظم السَّمَوَات وكواكبها وآياتها وَقد اتّفق أَرْبَاب الْهَيْئَة على ان الشَّمْس بِقدر الارض مائَة مرّة ونيفا وَسِتِّينَ مرّة وَالْكَوَاكِب الَّتِي نرَاهَا كثير مِنْهَا اصغرها بِقدر الارض وَبِهَذَا يعرف ارتفاعها وَبعدهَا وَفِي حَدِيث ابي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ان بَين الارض وَالسَّمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَبَين كل سماءين كَذَلِك وانت ترى الْكَوْكَب كانه لَا يسير وَهُوَ من اول جُزْء من طلوعه الى تَمام طلوعه يكون فلكه قد طلع بِقدر مَسَافَة الارض مائَة مرّة اَوْ اكثر وَذَلِكَ بعد لَحْظَة وَاحِدَة لَان الْكَوْكَب إِذا كَانَ بِقدر الارض مائَة مرّة مثلا ثمَّ سَار فِي اللحظة من مَوضِع الى مَوضِع فقد قطع بِقدر مَسَافَة الارض مائَة مرّة وَزِيَادَة فِي لَحْظَة من اللحظات وَهَكَذَا يسير على الدَّوَام وَالْعَبْد غافل