الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحشر الْكَافرين جمعهم وضمهم الى النَّار قَالَ تَعَالَى يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ الى الرَّحْمَن وَفْدًا وَقَالَ تَعَالَى احشروا الَّذين ظلمُوا أَزوَاجهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فاهدوهم الى صِرَاط الْجَحِيم فَهَذَا الْحَشْر هُوَ بعدحشرهم الى الْموقف وَهُوَ حشرهم وضمهم الى النَّار لانه قد اخبر عَنْهُم انهم قَالُوا يَا ويلنا هَذَا يَوْم الدّين هَذَا يَوْم الْفَصْل الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون ثمَّ قَالَ تَعَالَى احشروا الَّذين ظلمُوا وازواجهم وَهَذَا الْحَشْر الثَّانِي وعَلى هَذَا فهم مَا بَين الْحَشْر الاول من الْقُبُور الى الْموقف والحشر الثَّانِي من الْموقف الى النَّار فَعِنْدَ الْحَشْر الاول يسمعُونَ ويبصرون ويجادلون ويتكلمون وَعند الْحَشْر الثَّانِي يحشرون على وُجُوههم عميا وبكما وصما فَلِكُل موقف حَال يَلِيق بِهِ ويقتضيه عدل الرب تَعَالَى وحكمته فالقرآن يصدق بعضه بَعْضًا وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا
فصل وَالْمَقْصُود ان الله سبحانه وتعالى لما اقْتَضَت حكمته وَرَحمته إِخْرَاج
آدم وَذريته من الْجنَّة اعاضهم افضل مِنْهَا وَهُوَ مَا اعطاهم من عَهده الَّذِي جعله سَببا موصلا لَهُم اليه وطريقا وَاضحا بَين الدّلَالَة عَلَيْهِ من تمسك بِهِ فَازَ واهتدى وَمن اعْرِض عَنهُ شقى وغوى وَلما كَانَ هَذَا الْعَهْد الْكَرِيم والصراط الْمُسْتَقيم والنبأ الْعَظِيم لَا يُوصل اليه ابدا إِلَّا من بَاب الْعلم والارادة فالارادة بَاب الْوُصُول اليه وَالْعلم مِفْتَاح ذَلِك الْبَاب المتوقف فَتحه عَلَيْهِ وَكَمَال كل انسان إِنَّمَا يتم بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ همة ترقيه وَعلم يبصره ويهديه فَإِن مَرَاتِب السَّعَادَة والفلاح إِنَّمَا تفوت العَبْد من هَاتين الْجِهَتَيْنِ اَوْ من احداهما اما ان لَا يكون لَهُ علم بهَا فَلَا يَتَحَرَّك فِي طلبَهَا اَوْ يكون عَالما بهَا وَلَا تنهض همته اليها فَلَا يزَال فِي حضيض طبعه مَحْبُوسًا وَقَلبه عَن كَمَاله الَّذِي خلق لَهُ مصدودا منكوسا قد أسام نَفسه مَعَ الانعام رَاعيا مَعَ الهمل واستطاب لقيعات الرَّاحَة والبطالة واستلان فرَاش الْعَجز والكسل لَا كمن رفع لَهُ علم فشمر اليه وبورك لَهُ فِي تفرده فِي طَرِيق طلبه فَلَزِمَهُ واستقام عَلَيْهِ قد ابت غلبات شوقه الا لهجرة الى الله وَرَسُوله ومقتت نَفسه الرفقاء الا ابْن سَبِيل يرافقه فِي سَبيله وَلما كَانَ كَمَال الارادة بِحَسب كَمَال مرادها وَشرف الْعلم تَابع لشرف معلومه كَانَت نِهَايَة سَعَادَة العَبْد الَّذِي لَا سَعَادَة لَهُ بِدُونِهَا وَلَا حَيَاة لَهُ إِلَّا بهَا ان تكون إِرَادَته مُتَعَلقَة بالمراد الَّذِي لَا يبْلى وَلَا يفوت وعزمات همته مسافرة الى حَضْرَة الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى هَذَا الْمطلب الاسني والحظ الاوفى الا بِالْعلمِ الْمَوْرُوث عَن عَبده وَرَسُوله وخليله وحبيبه الَّذِي بَعثه لذَلِك دَاعيا وأقامه على هَذَا الطَّرِيق هاديا وَجعله وَاسِطَة بَينه وَبَين الانام وداعيا لَهُم بِإِذْنِهِ الى دَار السَّلَام وأبى سُبْحَانَهُ ان يفتح لَاحَدَّ مِنْهُم الاعلى يَدَيْهِ اَوْ يقبل من اُحْدُ مِنْهُم سعيا الا ان يكون مُبْتَدأ مِنْهُ ومنتهيا اليه
فالطرق كلهَا الا طَريقَة مسدودة والقلوب باسرها الا قُلُوب اتِّبَاعه المنقادة اليه عَن الله محبوسة مصدودة فَحق على من كَانَ فِي سَعَادَة نَفسه ساعيا وَكَانَ قلبه حَيا عَن الله واعيا ان يَجْعَل على هذَيْن الاصلين مدَار اقواله واعماله وان يصيرهما اخبيته الَّتِي اليها مفزعة فِي حَيَاته وطاء لَهُ فَلَا جرم كَانَ وضع هَذَا الْكتاب مؤسسا على هَاتين القاعدتين ومقصوده التَّعْرِيف بشرف هذَيْن الاصلين وسميته مِفْتَاح دَار السَّعَادَة ومنشور ولَايَة اهل الْعلم والارادة إِذْ كَانَ هَذَا من بعض النزل والتحف الَّتِي فتح الله بهَا على حِين انقطاعي اليه عِنْد بَيته والقائي نَفسِي بِبَابِهِ مِسْكينا ذليلا وَتعرض لنفحاته فِي بَيته وَحَوله بكرَة واصيلا فَمَا خَابَ من انْزِلْ بِهِ حَوَائِجه وعلق بِهِ آماله واصبح بِبَابِهِ مُقيما وبحماه نزيلا وَلما كَانَ الْعلم امام الارادة ومقدما عَلَيْهَا ومفصلا لَهَا ومرشدا لَهَا قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ على الْكَلَام على الْمحبَّة ثمَّ نتبعه ان شَاءَ الله بعد الْفَرَاغ مِنْهُ كتابا فِي الْكَلَام على الْمحبَّة واقسامها واحكامها وفوائدها وثمراتها واسبابها وموانعها وَمَا يقويها وَمَا يضعفها وَالِاسْتِدْلَال بِسَائِر طرق الادلة من النَّقْل وَالْعقل والفطرة وَالْقِيَاس وَالِاعْتِبَار والذوق والوجد على تعلقهَا بالاله الْحق الَّذِي لَا إِلَه غَيره بل لَا يَنْبَغِي ان تكون إِلَّا لَهُ وَمن اجله وَالرَّدّ على من انكر ذَلِك وتبيين فَسَاد قَوْله عقلا ونقلا وفطرة وَقِيَاسًا وذوقا ووجدا فَهَذَا مَضْمُون هَذِه التُّحْفَة وَهَذِه عرائس مَعَانِيهَا الان تجلى عَلَيْك وخود ابكارها البديعة الْجمال ترفل فِي حللها وَهِي تزف اليك فاما شمس منازلها بِسَعْد الاسعد وَأما خود تزف الى ضَرِير مقْعد فاختر لنَفسك احدى الخطتين وانزلها فِيمَا شِئْت من المنزلتين وَلَا بُد لكل نعْمَة من حَاسِد وَلكُل حق من جَاحد ومعاند هَذَا وَإِنَّمَا اودع من الْمعَانِي والنفائس رهن عِنْد متأمله ومطالعه لَهُ غنمه وعَلى مُؤَلفه غرمه وَله ثَمَرَته ومنفعته ولصاحبه كُله ومشقته مَعَ تعرضه لطعن الطاعنين والاعتراض المناقشين وَهَذِه بضاعته المزجاة وعقله المدود يعرض على عقول الْعَالمين وإلقائه نَفسه وَعرضه بَين مخالب الحاسدين وانياب الْبُغَاة الْمُعْتَدِينَ فلك ايها الْقَارئ صَفوه ولمؤلفه كدره وَهُوَ الَّذِي تجشم غراسه وتعبه وَلَك ثمره وَهَا هُوَ قد استهدف لسهام الراشقين واستعذر الى الله من الزلل وَالْخَطَأ ثمَّ الى عباده الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ فعياذا بك مِمَّن قصر فِي الْعلم وَالدّين بَاعه وطالت فِي الْجَهْل وآذى عِبَادك ذراعه فَهُوَ لجهله يرى الاحسان اساءة وَالسّنة بِدعَة وَالْعرْف نكرا ولظلمه يجزى بِالْحَسَنَة سَيِّئَة كَامِلَة وبالسيئة الْوَاحِدَة عشرا قد اتخذ بطر الْحق وغمط النَّاس سلما الى مَا يُحِبهُ من الْبَاطِل ويرضاه وَلَا يعرف من الْمَعْرُوف وَلَا يُنكر من الْمُنكر الا مَا وَافق إِرَادَته اَوْ حَالف هَوَاهُ يستطيل على اولياء الرَّسُول وَحزبه باصغريه ويجالس اهل الغي والجهالة ويزاحمهم بركبتيه قد ارتوى من مَاء آجن ونضلع واستشرف الى مَرَاتِب