المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل وإذا تأملت ما دعى الله سبحانه في كتابه عباده الى الفكر فيه - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط العلمية - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصل وَلما اهبطه سُبْحَانَهُ من الْجنَّة وَعرضه وَذريته لانواع المحن وَالْبَلَاء

- ‌فصل وَهَذَانِ الضلالان اعني الضلال والشقاء يذكرهما سُبْحَانَهُ كثيرا فِي

- ‌فصل وَقَوله تَعَالَى فاما ياتينكم مني هدى هُوَ خطاب لمن اهبطه من الْجنَّة

- ‌فصل ومتابعة هدى الله الَّتِي رتب عَلَيْهَا هَذِه الامور هِيَ تَصْدِيق خَبره من

- ‌فصل وَالْقلب السَّلِيم الَّذِي ينجو من عَذَاب الله هُوَ الْقلب الَّذِي قد سلم

- ‌فصل وَهَذِه الْمُتَابَعَة هِيَ التِّلَاوَة الَّتِي اثنى الله على اهلها فِي قَوْله

- ‌فصل ثمَّ قَالَ تَعَالَى وَمن اعْرِض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا ونحشره

- ‌فصل وَقَوله تَعَالَى فَإِن لَهُ معيشة ضنكا فَسرهَا غير وَاحِد من السّلف بِعَذَاب

- ‌فصل وَقَوله تَعَالَى ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى قَالَ رب لم حشرتني اعمى

- ‌فصل وَالْمَقْصُود ان الله سبحانه وتعالى لما اقْتَضَت حكمته وَرَحمته إِخْرَاج

- ‌قَالَ الله تعال شهد الله انه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة واولو الْعلم قَائِما

- ‌فصل وَهَذَا الحَدِيث لَهُ طرق عديدة مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عدي عَن مُوسَى

- ‌فصل إِذا عرف هَذَا فالفكر هُوَ احضار معرفتين فِي الْقلب ليستثمر مِنْهُمَا

- ‌فصل وَإِذا تَأَمَّلت مَا دعى الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه عباده الى الْفِكر فِيهِ

- ‌فصل فَارْجِع الان الى النُّطْفَة وَتَأمل حَالهَا اولا وَمَا صَارَت اليه ثَانِيًا

- ‌فصل وَالنَّظَر فِي هَذِه الايات وامثالها نَوْعَانِ نظر اليها بالبصر الظَّاهِر

- ‌فصل وَإِذا نظرت الى الارض وَكَيف خلقت رَأَيْتهَا من اعظم آيَات فاطرها

- ‌فصل وَمن آيَاته سُبْحَانَهُ تَعَالَى اللَّيْل وَالنَّهَار وهما من اعْجَبْ آيَاته

- ‌فصل وَمن آيَاته وعجائب مصنوعاته الْبحار المكتنفة لاقطار الارض الَّتِي هِيَ

- ‌فصل وَمن آيَاته سُبْحَانَهُ خلق الْحَيَوَان على اخْتِلَاف صِفَاته واجناسه

- ‌فصل تامل الْعبْرَة فِي مَوضِع هَذَا الْعَالم وتاليف أَجْزَائِهِ ونظمها على احسن

- ‌فصل فَتَأمل خلق السَّمَاء وارجع الْبَصَر فِيهَا كرة بعد كرة كَيفَ ترَاهَا من

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي طلوعهما وغروبهما لاقامة دَوْلَتِي

- ‌فصل ثمَّ تَأمل بعد ذَلِك احوال هَذِه الشَّمْس فِي انخفاضها وارتفاعها لاقامة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حَال الشَّمْس وَالْقَمَر وَمَا اودعاه من النُّور والاضاءة وَكَيف

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي طُلُوع الشَّمْس على الْعَالم كَيفَ قدره الْعَزِيز

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي مقادير اللَّيْل وَالنَّهَار تجدها على غَايَة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل إنارة الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فِي ظلمَة اللَّيْل وَالْحكمَة فِي ذَلِك

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حكمته تبارك وتعالى فِي هَذِه النُّجُوم وَكَثْرَتهَا وَعَجِيب خلقهَا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل اخْتِلَاف سير الْكَوَاكِب وَمَا فِيهِ من الْعَجَائِب كَيفَ تَجِد بَعْضهَا لَا

- ‌فصل ثمَّ تامل هَذَا الْفلك الدوار بشمسه وقمره ونجومه وبروجه وَكَيف يَدُور

- ‌فصل فسل الْمُعَطل الجاحد مَا تَقول فِي دولاب دائر على نهر قد احكمت

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الممسك لِلسَّمَوَاتِ والارض الْحَافِظ لَهما ان تَزُولَا اَوْ تقعا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذِه الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي الْحر وَالْبرد وَقيام الْحَيَوَان

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلق النَّار على مَا هِيَ عَلَيْهِ من الكمون

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حكمته تَعَالَى فِي كَونه خص بهَا الانسان دون غَيره من

- ‌فصل ثمَّ تامل هَذَا الْهَوَاء وَمَا فِيهِ من الْمصَالح فَإِنَّهُ حَيَاة هَذِه الابدان

- ‌فصل ثمَّ تَأمل خلق الارض على مَا هِيَ عَلَيْهِ حِين خلقهَا واقفة سَاكِنة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي ان جعل مهب الشمَال عَلَيْهَا ارْفَعْ

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة العجيبة فِي الْجبَال الَّذِي يحسبها الْجَاهِل الغافل

- ‌فصل وَلما اقْتَضَت حكمته تبارك وتعالى ان جعل من الارض السهل والوعر

- ‌فصل وَلما كَانَت الرِّيَاح تجول فِيهَا وَتدْخل فِي تجاويفها وتحدث فِيهَا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله عز وجل فِي عزة هذَيْن النَّقْدَيْنِ الذَّهَب وَالْفِضَّة

- ‌فصل وَتَأمل الْحِكْمَة البديعة فِي تيسيره سُبْحَانَهُ على عباده مَا هم احوج

- ‌فصل وَمن ذَلِك سَعَة الارض وامتدادها وَلَوْلَا ذَلِك لضاقت عَن مسَاكِن الانس

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي نزُول الْمَطَر على الارض من علو ليعم

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة البا لُغَة فِي إنزاله بِقدر الْحَاجة حَتَّى إِذا اخذت

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الالهية فِي اخراج الاقوات وَالثِّمَار والحبوب

- ‌فصل ثمَّ تَأمل إِذا نصبت خيمة اَوْ فسطاطا كَيفَ تمده من كل جَانب

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلق الْوَرق فَإنَّك ترى فِي الورقة الْوَاحِدَة من جملَة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير فِي كَونهَا جعلت زِينَة للشجر وسترا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حكمته سُبْحَانَهُ فِي إبداع الْعَجم والنوى فِي جَوف الثَّمَرَة وَمَا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل خلقه الرُّمَّان وماذا فِيهِ من الحكم والعجائب فَإنَّك ترى دَاخل

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذَا الرّيع والنماء الَّذِي وَضعه الله فِي الزَّرْع حَتَّى صَارَت

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي الْحُبُوب كالبر وَالشعِير وَنَحْوهمَا كَيفَ يخرج الْحبّ

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الباهرة فِي هَذِه الاشجار كَيفَ ترَاهَا فِي كل عَام

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي شَجَرَة اليقطين والبطيخ والجزر كَيفَ لما اقْتَضَت

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذِه النَّخْلَة الَّتِي هِيَ احدى آيَات الله تَجِد فِيهَا من

- ‌فصل ثمَّ تَأمل احوال هَذِه العقاقير والادوية الَّتِي يُخرجهَا الله من

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي اعطائه سُبْحَانَهُ بَهِيمَة الانعام

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلق الات الْبَطْش فِي الْحَيَوَانَات من الانسان

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلقَة الْحَيَوَان الَّذِي يَأْكُل اللَّحْم من الْبَهَائِم

- ‌فصل ثمَّ تَأمل اولا ذَوَات الاربع من الْحَيَوَان كَيفَ ترَاهَا تتبع امهاتها

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي قَوَائِم الْحَيَوَان كَيفَ اقْتَضَت ان يكون

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي ان جعل ظُهُور الدَّوَابّ مبسوطة كَأَنَّهَا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي كَون فرج الدَّابَّة جعل بارزا من وَرَائِهَا ليتَمَكَّن

- ‌فصل ثمَّ تَأمل كَيفَ كُسِيت اجسام الْحَيَوَان البهيمي هَذِه الْكسْوَة من الشّعْر

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حِكْمَة عَجِيبَة جعلت للبهائم والوحوش وَالسِّبَاع وَالدَّوَاب على

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الباهرة فِي وَجه الدَّابَّة كَيفَ هُوَ فانك ترى الْعَينَيْنِ

- ‌فصل ثمَّ تَأمل شفر الْفِيل وَمَا فِيهِ من الحكم الباهرة فَإِنَّهُ يقوم لَهُ

- ‌فصل ثمَّ تَأمل خلق الزرافة وَاخْتِلَاف اعضائهم وَشبههَا باعضاء جَمِيع

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذِه النملة الضعيفة وَمَا اعطيته من الفطنة اَوْ لحيلة فِي

- ‌فصل وَمن عَجِيب الفطنة فِي الْحَيَوَان ان الثَّعْلَب إِذا اعوزه الطَّعَام وَلم

- ‌فصل ثمَّ تَأمل جسم الطَّائِر وخلقته فَإِنَّهُ حِين قدر بَان يكون طائرا فِي

- ‌فصل ثمَّ تَأمل خلقَة الْبَيْضَة وَمَا فِيهَا من المخ الاصفر الخاثر وَالْمَاء

- ‌فصل وَتَأمل الْحِكْمَة فِي حوصلة الطَّائِر وَمَا قدرت لَهُ فَإِن فِي مَسْلَك الطَّعَام

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذِه الالوان والاصباغ والوشى الَّتِي ترَاهَا فِي كثير من

- ‌فصل تَأمل هَذَا الطَّائِر الطَّوِيل السَّاقَيْن وَأعرف الْمَنْفَعَة فِي طول سَاقيه

- ‌فصل ثمَّ تَأمل احوال النَّحْل وَمَا فِيهَا من العبر والايات فَانْظُر اليها

- ‌فصل وَمن اعْجَبْ امرها مَالا يَهْتَدِي لَهُ اكثر النَّاس ولايعرفونه وَهُوَ

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْعبْرَة الَّتِي ذكرهَا الله عز وجل فِي الانعام وَمَا سقانا

- ‌فصل ثمَّ تَأمل الْعبْرَة فِي السّمك وَكَيْفِيَّة خلقته وَأَنه خلق غير ذِي قَوَائِم

- ‌فصل فاعد الان النّظر فِيك وَفِي نَفسك مرّة ثَانِيَة من الَّذِي دبرك بالطف

- ‌فصل فَانْظُر كَيفَ جعلت آلَات الْجِمَاع فِي الذّكر والانثى جَمِيعًا على وفْق

- ‌فصل فَارْجِع الان الى نَفسك وَكرر النّظر فِيك فَهُوَ يَكْفِيك وَتَأمل اعضاءك

- ‌فصل فاعد النّظر فِي نَفسك وَتَأمل حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير فِي تركيب الْبدن

- ‌فصل قَالَ الله تَعَالَى وَلَقَد كرمنا بني آدم وحملناهم فِي الْبر وَالْبَحْر

- ‌فصل فاعد النّظر فِي نَفسك وَحِكْمَة الخلاق الْعَلِيم فِي خلقك وَانْظُر الى

- ‌فصل ثمَّ اعينت هَذِه الْحَواس بمخلوقات اخر مُنْفَصِلَة عَنْهَا تكون وَاسِطَة فِي

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حَال من عدم الْبَصَر وَمَا يَنَالهُ من الْخلَل فِي أُمُوره فَإِنَّهُ

- ‌فصل وَأما من عدم البيانين بَيَان الْقلب وَبَيَان اللِّسَان فَذَلِك بِمَنْزِلَة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حكمته فِي الاعضاء الَّتِي خلقت فِيك آحادا ومثنى وَثَلَاث

- ‌فصل من ايْنَ للطبيعة هَذَا الِاخْتِلَاف وَالْفرق الْحَاصِل فِي النَّوْع الانسان

- ‌فصل ثمَّ تَأمل لم صَارَت الْمَرْأَة وَالرجل إِذا ادركا اشْتَركَا فِي نَبَات

- ‌فصل ثمَّ تَأمل هَذَا الصَّوْت الْخَارِج من الْحلق وتهيئة آلاته وَالْكَلَام

- ‌فصل وَفِي هَذِه الالات مآرب اخرى وَمَنَافع سوى مَنْفَعَة الْكَلَام فَفِي الحنجرة

- ‌فصل وَمن جعل فِي الْحلق منفذين احدهما للصوت وَالنَّفس الْوَاصِل الى الرئة

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله تَعَالَى فِي كَثْرَة بكاء الاطفال وَمَا لَهُم فِيهِ

- ‌فصل وَكَذَلِكَ اعطاهم من الْعُلُوم الْمُتَعَلّقَة بصلاح معاشهم ودنياهم بِقدر

- ‌فصل وَمن حكمته سُبْحَانَهُ مَا مَنعهم من الْعلم علم السَّاعَة وَمَعْرِفَة آجالهم

- ‌فصل وَمِنْهَا انه سُبْحَانَهُ يجب ان يتفضل عَلَيْهِم وَيتم عَلَيْهِم نعمه وَيُرِيهمْ

- ‌فصل وَمِنْهَا انه سُبْحَانَهُ لَهُ الاسماء الْحسنى وَلكُل اسْم من اسمائه اثر من

- ‌فصل وَمِنْه انه سُبْحَانَهُ يعرف عباده عزه فِي قَضَائِهِ وَقدره ونفوذ مَشِيئَته

- ‌فصل وَمِنْهَا انه يعرف العَبْد حَاجته إِلَى حفظه لَهُ ومعونته وصيانته وانه

- ‌فصل وَمِنْهَا انه سُبْحَانَهُ يستجلب من عَبده بذلك مَا هُوَ من اعظم أَسبَاب

- ‌فصل وَمِنْهَا انه سُبْحَانَهُ يسْتَخْرج بذلك من عَبده تَمام عبوديته فَإِن تَمام

- ‌فصل وَمِنْهَا ان العَبْد يعرف حَقِيقَة نَفسه وَأَنَّهَا الظالمة وان مَا صدر مِنْهَا

- ‌فصل وَمِنْهَا تَعْرِيفه سُبْحَانَهُ عَبده سَعَة حلمه وَكَرمه فِي ستره عَلَيْهِ وَأَنه لَو

- ‌فصل وَمِنْهَا تَعْرِيفه عَبده انه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى النجَاة إِلَّا بعفوه ومغفرته

- ‌فصل وَمِنْهَا تَعْرِيفه عَبده كرمه سُبْحَانَهُ فِي قبُول تَوْبَته ومغفرته لَهُ على

- ‌فصل وَمِنْهَا إِقَامَة حجَّة عدله على عَبده ليعلم العَبْد ان لله عَلَيْهِ الْحجَّة

- ‌فصل وَمِنْهَا ان يُعَامل العَبْد بني جنسه فِي إسائتهم اليه وزلاتهم مَعَه

- ‌فصل وَمِنْهَا انه إِذا عرف هَذَا فاحسن الى من اساء اليه وَلم يُقَابله

- ‌فصل وَمِنْهَا ان يخلع صولة الطَّاعَة من قلبه وَينْزع عَنهُ رِدَاء الْكبر

- ‌فصل وَمِنْهَا ان لله عز وجل على الْقُلُوب انواعا من الْعُبُودِيَّة من الخشية

- ‌فصل وَمِنْهَا انه يعرف العَبْد مِقْدَار نعْمَة معافاته وفضله فِي توفيقه لَهُ

- ‌فصل وَمِنْهَا ان التَّوْبَة توجب للتائب آثارا عَجِيبَة من المقامات الَّتِي لَا

- ‌فصل وَمِنْهَا ان الله سُبْحَانَهُ يُحِبهُ ويفرح بتوبته اعظم فَرح وَقد تقرر ان

- ‌فصل وَمِنْهَا انه إِذا شهد ذنُوبه ومعاصيه وتفريطه فِي حق ربه استكثر

- ‌فصل وَمِنْهَا ان الذَّنب يُوجب لصَاحبه التقيظ والتحرز من مصائد عدوه

- ‌فصل وَمِنْهَا ان الْقلب يكون ذاهلا عَن عدوه معرضًا عَنهُ مشتغلا بِبَعْض

- ‌فصل وَمِنْهَا ان مثل هَذَا يصير كالطبيب ينْتَفع بِهِ المرضى فِي علاجهم

- ‌فصل وَمِنْهَا انه سُبْحَانَهُ يُذِيق عَبده الم الْحجاب عَنهُ وَالْعَبْد وَزَوَال ذَلِك

- ‌فصل وَمِنْهَا ان الْحِكْمَة الالهية اقْتَضَت تركيب الشَّهْوَة وَالْغَضَب فِي الانسان

- ‌فصل وَمِنْهَا ان الله سُبْحَانَهُ إِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خيرا انساه رُؤْيَة طاعاته

- ‌فصل وَمِنْهَا ان شُهُود العَبْد ذنُوبه وخطاياه مُوجب لَهُ ان لَا يرى لنَفسِهِ

- ‌فصل وَمِنْهَا انه وَيُوجب لَهُ الامساك عَن عُيُوب النَّاس والفكر فِيهَا فَإِنَّهُ فِي

- ‌فصل وَمِنْهَا انه إِذا شهدنفسه مَعَ ربه مسيئا خاطئا مفرطا مَعَ فرط إِحْسَان

- ‌فصل وَإِذا تَأَمَّلت حكمته سُبْحَانَهُ فِيمَا ابتلى بِهِ عباده وصفوته بِمَا ساقهم

- ‌فصل ثمَّ تَأمل حَال الكليم مُوسَى عليه السلام وَمَا آلت اليه محنته

- ‌فصل فَإِذا جِئْت الى النَّبِي وتأملت سيرته مَعَ قومه وَصَبره فِي الله

- ‌فصل وَإِذا تَأَمَّلت الْحِكْمَة الباهرة فِي هَذَا الدّين القويم وَالْملَّة

- ‌فصل وبصائر النَّاس فِي هَذَا النُّور الباهر تَنْقَسِم الى ثَلَاثَة اقسام احدها

- ‌فصل قد شهِدت الْفطر والعقول بِأَن للْعَالم رَبًّا قَادِرًا حَلِيمًا عليما رحِيما

الفصل: ‌فصل وإذا تأملت ما دعى الله سبحانه في كتابه عباده الى الفكر فيه

الَّذِي جعل كَلَامه حَيَاة للقلوب وشفاء لما فِي الصُّدُور وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَيْء أَنْفَع للقلب من قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر فَإِنَّهُ جَامع لجَمِيع منَازِل السائرين واحوال العاملين ومقامات العارفين وَهُوَ الَّذِي يُورث الْمحبَّة والشوق وَالْخَوْف والرجاء والانابة والتوكل وَالرِّضَا والتفويض وَالشُّكْر وَالصَّبْر وَسَائِر الاحوال الَّتِي بهَا حَيَاة الْقلب وكماله وَكَذَلِكَ يزْجر عَن جَمِيع الصِّفَات والافعال المذمومة وَالَّتِي بهَا فَسَاد الْقلب وهلاكه فَلَو علم النَّاس مَا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر لاشتغلوا بهَا عَن كل مَا سواهَا فَإِذا قَرَأَهُ بتفكر حَتَّى مر بِآيَة وَهُوَ مُحْتَاجا إِلَيْهَا فِي شِفَاء قلبه كررها وَلَو مائَة مرّة وَلَو لَيْلَة فقراءة آيَة بتفكر وتفهم خير من قِرَاءَة ختمة بِغَيْر تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى الى حُصُول الايمان وذوق حلاوة الْقُرْآن وَهَذِه كَانَت عَادَة السّلف يردد احدهم الاية الى الصَّباح وَقد ثَبت عَن النَّبِي انه قَامَ بِآيَة يُرَدِّدهَا حَتَّى الصَّباح وَهِي قَوْله {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فقراءة الْقُرْآن بالتفكر هِيَ اصل صَلَاح الْقلب وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود لاتهذوا الْقُرْآن هَذَا الشّعْر وَلَا تنثروه نثر الدقل وقفُوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب لَا يكن هم احدكم آخر السُّورَة وروى ابو ايوب عَن ابي جَمْرَة قَالَ قلت لِابْنِ عَبَّاس اني سريع الْقِرَاءَة إِنِّي اقرا الْقُرْآن فِي ثَلَاث قَالَ لَان اقْرَأ سُورَة من الْقُرْآن فِي لَيْلَة فأتدبرها وأرتلها احب الي من ان اقْرَأ الْقُرْآن كَمَا تقْرَأ والتفكر فِي الْقُرْآن نَوْعَانِ تفكر فِيهِ ليَقَع على مُرَاد الرب تَعَالَى مِنْهُ وتفكر فِي مَعَاني مَا دَعَا عباده الى التفكر فِيهِ فالاول تفكر فِي الدَّلِيل القرآني وَالثَّانِي تفكر فِي الدَّلِيل العياني الاول ففكر فِي آيَاته المسموعة وَالثَّانِي تفكر فِي آيَاته المشهودة وَلِهَذَا انْزِلْ الله الْقُرْآن ليتدبر ويتفكر فِيهِ وَيعْمل بِهِ لَا لمُجَرّد تِلَاوَته مَعَ الاعراض عَنهُ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ انْزِلْ الْقُرْآن ليعْمَل بِهِ فاتخذوا تِلَاوَته عملا

‌فصل وَإِذا تَأَمَّلت مَا دعى الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه عباده الى الْفِكر فِيهِ

اوقعك على الْعلم بِهِ سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله من عُمُوم قدرته وَعلمه وَكَمَال حكمته وَرَحمته واحسانه وبره ولطفه وعدله وَرضَاهُ وغضبه وثوابه وعقابه فَبِهَذَا تعرف الى عباده وندبهم الى التفكر فِي آيَاته وَنَذْكُر لذَلِك امثلة مِمَّا ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه يسْتَدلّ بهَا على غَيرهَا فَمن ذَلِك خلق الانسان وقدندب سُبْحَانَهُ الى التفكر فِيهِ وَالنَّظَر فِي غير مَوضِع من كِتَابه كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق} وَقَوله تَعَالَى {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} وَقَالَ تَعَالَى يايها النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة مخلقة وَغير مخلقة لنبين لكم ونقر فِي الارحام مَا نشَاء الى اجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا ثمَّ لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعدعلم

ص: 187

{شَيْئا} وَقَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى ثمَّ كَانَ علقَة فخلق فسوى فَجعل مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} وَقَالَ تَعَالَى {ألم نخلقكم من مَاء مهين فجعلناه فِي قَرَار مكين إِلَى قدر مَعْلُوم فقدرنا فَنعم القادرون} وَقَالَ {أَو لم ير الْإِنْسَان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} وَقَالَ {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن يَدْعُو العَبْد الى النّظر والفكر فِي مبدأ خلقه ووسطه وَآخره إِذْ نَفسه وخلقه من اعظم الدَّلَائِل على خالقه وفاطره واقرب شَيْء الى الانسان نَفسه وَفِيه من الْعَجَائِب الدَّالَّة على عَظمَة الله مَا تَنْقَضِي الاعمار فِي الْوُقُوف على بعضه وَهُوَ غافل عَنهُ معرض عَن التفكر فِيهِ وَلَو فكر فِي نَفسه لزجره مَا يعلم من عجائب خلقهَا عَن كفره قَالَ الله تَعَالَى {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره من أَي شَيْء خلقه من نُطْفَة خلقه فقدره ثمَّ السَّبِيل يسره ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره} فَلم يُكَرر سُبْحَانَهُ على اسماعنا وعقولنا ذكر هَذَا لنسمع لفظ النُّطْفَة والعلقة والمضغة وَالتُّرَاب وَلَا لنتكلم بهَا فَقَط وَلَا لمُجَرّد تعريفنا بذلك بل لامر وَرَاء ذَلِك كُله هُوَ الْمَقْصُود بِالْخِطَابِ واليه جرى ذَلِك الحَدِيث فَانْظُر الان الى النُّطْفَة بِعَين البصيرة وَهِي قَطْرَة من مَاء مهين ضَعِيف مستقذر لَو مرت بهَا سَاعَة من الزَّمَان فَسدتْ وانتنت كَيفَ استخرجها رب الارباب الْعَلِيم الْقَدِير من بَين الصلب والترائب منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها وَاخْتِلَاف مجاريها الى ان سَاقهَا الى مستقرها ومجمعها وَكَيف جمع سُبْحَانَهُ بَين الذّكر والانثى والقى الْمحبَّة بَينهمَا وَكَيف قادهما بسلسلة الشَّهْوَة والمحبة الى الِاجْتِمَاع الَّذِي هُوَ سَبَب تخليق الْوَلَد وتكوينه وَكَيف قدر اجْتِمَاع ذَيْنك الماءين مَعَ بعد كل مِنْهُمَا عَن صَاحبه وساقهما من اعماق الْعُرُوق والاعضاء وجمعهما فِي مَوضِع وَاحِد جعل لَهما قرارا مكينا لَا يَنَالهُ هَوَاء يُفْسِدهُ وَلَا برد بِحَمْدِهِ وَلَا عَارض يصل اليه وَلَا آفَة تتسلط عَلَيْهِ ثمَّ قلب تِلْكَ النُّطْفَة الْبَيْضَاء الْمشْربَة علقَة حَمْرَاء تضرب الى سَواد ثمَّ جعلهَا مُضْغَة لحم مُخَالفَة للعلقة فِي لَوْنهَا وحقيقتها وشكلها ثمَّ جعله عظاما مُجَرّدَة لَا كسْوَة عَلَيْهَا مباينة للمضغة فِي شكلها وهيأتها وقدرها وملمسها ولونها وَانْظُر كَيفَ قسم تِلْكَ الاجزاء المتشابهة المتساوية الى الاعصاب وَالْعِظَام وَالْعُرُوق والاوتار واليابس واللين وَبَين ذَلِك ثمَّ كَيفَ ربط بَعْضهَا بِبَعْض اقوى رِبَاط وأشده وابعده عَن الانحلال وَكَيف كساها لَحْمًا رَكبه عَلَيْهَا وَجعله وعَاء لَهَا وغشاء وحافظا وَجعلهَا حاملة لَهُ مُقِيمَة لَهُ فاللحم قَائِم بهَا وَهِي مَحْفُوظَة بِهِ وَكَيف صورها فاحسن صورها وشق لَهَا السّمع وَالْبَصَر والفم والانف وَسَائِر

ص: 188

المنافذ وَمد الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وبسطهما وَقسم رؤسهما بالاصابع ثمَّ قسم الاصابع بالانامل وَركب الاعضاء الْبَاطِنَة من الْقلب والمعدة والكبد وَالطحَال والرئة وَالرحم والمثانة والامعاء كل وَاحِد مِنْهَا لَهُ قدر يَخُصُّهُ وَمَنْفَعَة تخصه ثمَّ انْظُر الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي تركيب الْعِظَام قواما للبدن وعمادا لَهُ وَكَيف قدرهَا ربه وخالقها بتقادير مُخْتَلفَة وأشكال مُخْتَلفَة فَمِنْهَا الصَّغِير وَالْكَبِير والطويل والقصير والمنحنى والمستدير والدقيق والعريض والمصمت والمجوف وَكَيف ركب بَعْضهَا فِي بعض فَمِنْهَا مَا تركيبه تركيب الذّكر فِي الانثى وَمِنْهَا مَا تركيبه تركيب اتِّصَال فَقَط وَكَيف اخْتلفت اشكالها باخْتلَاف مَنَافِعهَا كالاضراس فَإِنَّهَا لما كَانَت آلَة للطحن جعلت عريضة وَلما كَانَت الاسنان آلَة للْقطع جعلت مستدقة محددة وَلما كَانَ الانسان مُحْتَاجا الى الْحَرَكَة بجملة بدنه وببعض اعضائه للتردد فِي حَاجته لم يَجْعَل عِظَامه عظما وَاحِدًا بل عظاما مُتعَدِّدَة وَجعل بَينهَا مفاصل حَتَّى تتيسر بهَا الْحَرَكَة وَكَانَ قدر كل وَاحِد مِنْهَا وشكله على حسب الْحَرَكَة الْمَطْلُوبَة مِنْهُ وَكَيف شدّ اسر تِلْكَ المفاصل والاعضاء وربط بَعْضهَا بِبَعْض بأوتار ورباطات انبتها من اُحْدُ طرفِي الْعظم والصق اُحْدُ طرفِي الْعظم بالطرف الاخر كالرباط لَهُ ثمَّ جعل فِي اُحْدُ طرفِي الْعظم زَوَائِد خَارِجَة عَنهُ وَفِي الآخر نقرا غائصة فِيهِ مُوَافقَة لشكل تِلْكَ الزَّوَائِد ليدْخل فِيهَا وينطبق عَلَيْهَا فَإِذا أَرَادَ العَبْد ان يُحَرك جُزْء من بدنه لم يمْتَنع عَلَيْهِ وَلَوْلَا المفاصل لتعذر ذَلِك عَلَيْهِ وَتَأمل كَيْفيَّة خلق الراس وَكَثْرَة مَا فِيهِ من الْعِظَام حَتَّى قيل إِنَّهَا خَمْسَة وَخَمْسُونَ عظما مُخْتَلفَة الاشكال والمقادير وَالْمَنَافِع وَكَيف رَكبه سبحانه وتعالى على الْبدن وَجعله عَالِيا علو الرَّاكِب على مركوبه وَلما كَانَ عَالِيا على الْبدن جعل فِيهِ الْحَواس الْخمس وآلات الادراك كلهَا من السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس وَجعل حاسة الْبَصَر فِي مقدمه ليَكُون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن وَركب كل عين من سبع طَبَقَات لكل طبقَة وصف مَخْصُوص وَمِقْدَار مَخْصُوص وَمَنْفَعَة مَخْصُوصَة لَو فقدت طبقَة من تِلْكَ الطَّبَقَات السَّبع اَوْ زَالَت عَن هيئتها وموضعها لتعطلت الْعين عَن الابصار ثمَّ اركز سُبْحَانَهُ دَاخل تِلْكَ الطَّبَقَات السَّبع خلقا عجيبا وَهُوَ إِنْسَان الْعين بِقدر العدسة يبصر بِهِ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب والارض وَالسَّمَاء وجعلهمن الْعين بِمَنْزِلَة الْقلب من الاعضاء فهوملكها وَتلك الطَّبَقَات والاجفان والاهداب خدم لَهُ وحجاب وحراس فَتَبَارَكَ الله احسن الْخَالِقِينَ فَانْظُر كَيفَ حسن شكل الْعَينَيْنِ وهيئتها ومقدارهما ثمَّ جملهما بالاجفان غطاء لَهما وسترا وحفظا وزينة فهما يتلقيان عَن الْعين الاذى والقذا وَالْغُبَار ويكنانهما من الْبَارِد المؤذي والحار المؤذي ثمَّ غرس فِي اطراف تِلْكَ الاجفان الاهداب جمالا وزينة ولمنافع اخر وَرَاء الْجمال والزينة ثمَّ اودعهما ذَلِك النُّور الباصر والضوء الباهر الَّذِي يخرق مَا بَين السَّمَاء والارض ثمَّ يخرق السَّمَاء مجاوزا لرؤية مَا فَوْقهَا من الْكَوَاكِب وَقد

ص: 189

اودع سُبْحَانَهُ هَذَا السِّرّ العجيب فِي هَذَا الْمِقْدَار الصَّغِير بِحَيْثُ تنطبع فِيهِ صُورَة السَّمَوَات مَعَ اتساع اكنافها وتباعد اقطارها وشق لَهُ السّمع وَخلق الاذن احسن خلقه وابلغها فِي حُصُول الْمَقْصُود مِنْهَا فَجَعلهَا مجوفة كالصدفة لِتجمع الصَّوْت فتؤديه الى الصماخ وليحس بدبيب الْحَيَوَان فِيهَا فيبادر الى اخراجه وَجعل فِيهَا غضونا وتجاويف واعوجاجات تمسك الْهَوَاء وَالصَّوْت الدَّاخِل فتكسر حِدته ثمَّ تُؤَدِّيه الى الصماخ وَمن حِكْمَة ذَلِك ان يطول بِهِ الطَّرِيق على الْحَيَوَان فَلَا يصل الى الصماخ حَتَّى يَسْتَيْقِظ اَوْ ينتبه لامساكه وَفِيه ايضا حكم غير ذَلِك ثمَّ اقْتَضَت حِكْمَة الرب الْخَالِق سُبْحَانَهُ ان جعل مَاء الاذن مرا فِي غَايَة المرارة فَلَا يُجَاوِزهُ الْحَيَوَان وَلَا يقطعهُ دَاخِلا الى بَاطِن الاذن بل إِذا وصل اليه اعْمَلْ الْحِيلَة فِي رُجُوعه وَجعل مَاء الْعَينَيْنِ ملحا ليحفظها فَإِنَّهَا شحمة قَابِلَة للْفَسَاد فَكَانَت ملوحة مَائِهَا صِيَانة لَهَا وحفظا وَجعل مَاء الْفَم عذبا حلوا ليدرك بِهِ طعوم الاشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِذْ لَو كَانَ على غير هَذِه الصّفة لاحالها الى طَبِيعَته كَمَا ان من عرض لفمه المرارة اسْتمرّ طعم الاشياء الَّتِي لَيست بِمرَّة كَمَا قيل

وَمن يَك ذَا فَم مر مَرِيض

يجدمرا بِهِ المَاء الزلالا

وَنصب سُبْحَانَهُ قَصَبَة الانف فِي الْوَجْه فَأحْسن شكله وهيأته وَوَضعه وَفتح فِيهِ المنخرين وحجز بَينهمَا بحاجز واودع فيهمَا حاسة الشم الَّتِي تدْرك بهَا انواع الروائح الطّيبَة والخبيثة والنافعة والضارة وليستنشق بِهِ الْهَوَاء فيوصله الى الْقلب فيتروح بِهِ ويتغذى بِهِ ثمَّ لم يَجْعَل فِي دَاخله من الاعوجاجات والغضون مَا جعل فِي الاذن لِئَلَّا يمسك الرَّائِحَة فيضعفها وَيقطع مجْراهَا وَجعله سُبْحَانَهُ مصبا تنحدر اليه فضلات الدِّمَاغ فتجتمع فِيهِ ثمَّ تخرج مِنْهُ واقتضت حكمته ان جعل اعلاه ادق من اسفله لَان اسفله إِذا كَانَ وَاسِعًا اجْتمعت فِيهِ تِلْكَ الفضلات فَخرجت بسهولة ولانه يَأْخُذ من الْهَوَاء ملأَهُ ثمَّ يتصاعد فِي مجْرَاه قَلِيلا حَتَّى يصل الى الْقلب وصُولا لَا يضرّهُ وَلَا يزعجه ثمَّ فصل بَين المنخرين بحاجز بَينهمَا حِكْمَة مِنْهُ وَرَحْمَة فَإِنَّهُ لما كَانَ قَصَبَة ومجرى ساترا لما يتحدر فِيهِ من فضلات الراس ومجرى النَّفس الصاعد مِنْهُ جعل فِي وَسطه حاجزا لِئَلَّا يفْسد بِمَا يجرى فِيهِ فَيمْنَع نشقه للنَّفس بل إِمَّا ان تعتمد الفضلات نازلة من اُحْدُ المنفذين فِي الْغَالِب فَيبقى الاخر للتنفس وَإِمَّا ان يجرى فيهمَا فينقسم فَلَا ينسد الانف جملَة بل يبْقى فِيهِ مدْخل للتنفس وايضا فَإِنَّهُ لما كَانَ عضوا وَاحِدًا وحاسة وَاحِدَة وَلم يكن عضوين وحاستين كالاذنين والعينين اللَّتَيْنِ اقْتَضَت الْحِكْمَة تعددهما فَإِنَّهُ رُبمَا اصيبت احداهما اوعرضت لَهَا آفَة تمنعها من كمالها فَتكون الاخرى سَالِمَة فَلَا تتعطل

ص: 190

مَنْفَعَة هَذَا الْحس جملَة وَكَانَ وجود انفين فِي الْوَجْه شَيْئا ظَاهرا فنصب فِيهِ انفا وَاحِدًا وَجعل فِيهِ منفذين حجز بَينهمَا بحاجز يجرى مجْرى تعدد الْعَينَيْنِ والاذنين فِي الْمَنْفَعَة وَهُوَ وَاحِد فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين واحسن الْخَالِقِينَ وشق سُبْحَانَهُ للْعَبد الْفَم فِي احسن مَوضِع واليقه بِهِ واودع فِيهِ من الْمَنَافِع وآلات الذَّوْق وَالْكَلَام وآلات الطَّحْن وَالْقطع مَا يبهر الْعُقُول عجائبه فأودعه اللِّسَان الَّذِي هُوَ اُحْدُ آيَاته الدَّالَّة عَلَيْهِ وَجعله ترجمانا لملك الاعضاء مُبينًا مُؤديا عَنهُ كَمَا جعل الاذن رَسُولا مُؤديا مبلغا اليه فَهِيَ رَسُوله وبريده الَّذِي يُؤَدِّي اليه الاخبار وَاللِّسَان بريده وَرَسُوله الَّذِي يُؤَدِّي عَنهُ مَا يُرِيد واقتضت حكمته سُبْحَانَهُ ان جعل هَذَا الرَّسُول مصونا مَحْفُوظًا مَسْتُورا غير بارز مَكْشُوف كالاذن وَالْعين والانف لَان تِلْكَ الاعضاء لما كَانَت تُؤدِّي من الْخَارِج اليه جعلت بارزة ظَاهِرَة وَلما كَانَ اللِّسَان مُؤديا مِنْهُ الى الْخَارِج جعل لَهُ سترا مصونا لعدم الْفَائِدَة فِي إبرازه لانه لَا يَأْخُذ من الْخَارِج الى الْقلب وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُ لما كَانَ اشرف الاعضاء بعدالقلب ومنزلته مِنْهُ منزلَة ترجمانه ووزيره ضرب عَلَيْهِ سرادق تستره وتصونه وَجعل فِي ذَلِك السرادق كالقلب فِي الصَّدْر وايضا فَإِنَّهُ من الطف الاعضاء والينها واشدها رُطُوبَة وَهُوَ لَا يتَصَرَّف إِلَّا بِوَاسِطَة الرُّطُوبَة المحيطة بِهِ فَلَو كَانَ بارزا صارعرضة للحرارة واليبوسة والنشاف الْمَانِع لَهُ من التَّصَرُّف ولغير ذَلِك من الحكم والفوائد ثمَّ زين سُبْحَانَهُ الْفَم بِمَا فِيهِ من الاسنان الَّتِي هن جمال لَهُ وزينة وَبهَا قوام العَبْد وغذاؤه وَجعل بَعْضهَا ارحاء للطحن وَبَعضهَا آلَة للْقطع فاحكم اصولها وحدد رؤسها وبيض لَوْنهَا ورتب صفوفها مُتَسَاوِيَة الرؤس متناسقة التَّرْتِيب كَأَنَّهَا الدّرّ المنظوم بَيَاضًا وصفاء وحسنا واحاط سُبْحَانَهُ على ذَلِك حائطين واودعهما من الْمَنَافِع وَالْحكم مَا اودعهما وهما الشفتان فَحسن لونهما وشكلهما وَوَضعهمَا وهيأتهماوجعلهما غطاء للفم وطبقا لَهُ وجعلهما إتماما لمخارج حُرُوف الْكَلَام وَنِهَايَة لَهُ كَمَا جعل اقصى الْحلق بداية لَهُ وَاللِّسَان وَمَا جاوره وسطا وَلِهَذَا كَانَ اكثر الْعَمَل فِيهَا لَهُ إِذْ هُوَ الْوَاسِطَة واقتضت حكمته ان جعل الشفتين لَحْمًا صرفا لَا عظم فِيهِ وَلَا عصب ليتَمَكَّن بهما من مص الشَّرَاب ويسهل عَلَيْهِ فتحهما وطبقهما وَخص الفك الاسفل بِالتَّحْرِيكِ لَان تَحْرِيك الاخف احسن ولانه يشْتَمل على الاعضاء الشَّرِيفَة فَلم يخاطر بهَا فِي الْحَرَكَة وَخلق سُبْحَانَهُ الْحَنَاجِر مُخْتَلفَة الاشكال فِي الضّيق وَالسعَة والخشونة والملاسة والصلابة واللين والطول وَالْقصر فاختلفت بذلك الاصوات اعظم اخْتِلَاف وَلَا يكَاد يشْتَبه صوتان إِلَّا نَادرا وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيح قبُول شَهَادَة الاعمى لتمييزه بَين الاشخاص بأصواتهم كَمَا يُمَيّز الْبَصِير بَينهم بصورهم والاشتباه الْعَارِض بَين الاصوات كالاشتباه الْعَارِض بَين الصُّور وزين سُبْحَانَهُ الرَّأْس بالشعر وَجعله لباسا لَهُ لاحتياجه اليه وزين الْوَجْه بِمَا

ص: 191

انبت فِيهِ من الشُّعُور الْمُخْتَلفَة الاشكال والمقادير فزينه بالحاجبين وجعلهما وقاية لما يتحدر من بشرة الراس الى الْعَينَيْنِ وقوسهما وَأحسن خطهما وزين أجفاف الْعَينَيْنِ بالاهداب وزين الْوَجْه ايضا باللحية وَجعلهَا كمالا ووقارا ومهابة لرجل زين الشفتين بِمَا انبت فَوْقهمَا من الشَّارِب وتحتهما من العنفقة وَكَذَلِكَ خلقه سُبْحَانَهُ لِلْيَدَيْنِ اللَّتَيْنِ هما آلَة العَبْد وسلاحه وَرَأس مَال معاشه فطولهما يحيث يصلان الى مَا شَاءَ من بدنه وَعرض الْكَفّ ليتَمَكَّن بِهِ من الْقَبْض والبسط وَقسم فِيهِ الاصابع الْخمس وَقسم كل اصبع بِثَلَاث انامل والابهام بِاثْنَتَيْنِ وَوضع الاصابع الاربعة فِي جَانب والابهام فِي جَانب لتدور الابهام على الْجَمِيع فَجَاءَت على احسن وضع صلحت بِهِ للقبض والبسط ومباشرة الاعمال وَلَو اجْتمع الاولون والاخرون على ان يستنبطوا بدقيق افكارهم وضعا آخر للاصابع سوى مَا وضعت عَلَيْهِ لم يَجدوا اليه سَبِيلا فَتَبَارَكَ من لَو شَاءَ لسواها وَجعلهَا طبقًا وَاحِدًا كالصفيحة فَلم يتَمَكَّن العَبْد بذلك من مصالحة وانواع تَصَرُّفَاته ودقيق الصَّنَائِع والخط وَغير ذَلِك فَإِن بسط اصابعه كَانَت طبقًا يضع عَلَيْهِ مَا يُرِيد وان ضمهَا وَقَبضهَا كَانَت دبوسا وَآلَة للضرب وان جعلهَا بَين الضَّم والبسط كَانَت مغرفة لَهُ يتَنَاوَل بهَا وَتمسك فِيهَا مَا يتَنَاوَلهُ وَركب الاظفار على رؤسها زِينَة لَهَا وعمادا ووقاية وليلتقط بهَا الاشياء الدقيقة الَّتِي لَا ينالها جسم الاصابع وَجعلهَا سِلَاحا لغيره من الْحَيَوَان وَالطير وَآلَة لمعاشه وليحك الانسان بهَا بدنه عِنْد الْحَاجة فالظفر الَّذِي هُوَ أقل الاشياء وأحقرها لَو عَدمه الانسان ثمَّ ظَهرت بِهِ حكة لاشتدت حَاجته اليه وَلم يقم مقَامه شَيْء فِي حك بدنه ثمَّ هدى الْيَد الى مَوضِع الحك حَتَّى تمتد اليه وَلَو فِي النّوم والغفلة من غير حَاجَة الى طلب وَلَو اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لم يعثر على مَوضِع الحك الا بعد تَعب ومشقة ثمَّ انْظُر الى الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي جعل عِظَام اسفل الْبدن غَلِيظَة قَوِيَّة لانها اساس لَهُ وَعِظَام اعاليه دونهَا فِي الثخانة والصلابة لانها مَحْمُولَة ثمَّ انْظُر كَيفَ جعل الرَّقَبَة مركبا للرأس وركبها من سبع خَرَزَات مجوفات مستديرات ثمَّ طبق بَعْضهَا على بعض وَركب كل خرزة تركيبا محكما متقنا حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا خرزة وَاحِدَة ثمَّ ركب الرَّقَبَة على الظّهْر والصدر ثمَّ ركب الظّهْر من أَعْلَاهُ الى مُنْتَهى عظم الْعَجز من أَربع وَعشْرين خرزة مركبة بَعْضهَا فِي بعض هِيَ مجمع اضلاعه وَالَّتِي تمسكها ان تنْحَل وتنفصل ثمَّ وصل تِلْكَ الْعِظَام بَعْضهَا بِبَعْض فوصل عِظَام الظّهْر بعظام الصَّدْر وَعِظَام الْكَتِفَيْنِ بعظام العضدين والعضدين بالذراعين والذراعين بالكف والاصابع وَانْظُر كَيفَ كسا الْعِظَام العريضة كعظام الظّهْر والراس كسْوَة من اللَّحْم تناسبها وَالْعِظَام الدقيقة كسْوَة تناسبها كالاصابع والمتوسطة كَذَلِك كعظام الذراعين والعضدين فَهُوَ مركب على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عظما مِائَتَان وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ مفاصل وباقيها صغَار حشيت خلال المفاصل فَلَو زَادَت عظما وَاحِدًا لَكَانَ مضرَّة على الانسان

ص: 192

يحْتَاج الى قلعة وَلَو نقصت عظما وَاحِدًا كَانَ نُقْصَانا يحْتَاج الى جبره فالطبيب ينظر فِي هَذِه الْعِظَام وَكَيْفِيَّة تركيبها ليعرف وَجه العلاج فِي جبرها والعارف ينظر فِيهَا ليستدل بهَا على عَظمَة باريها وخالقها وحكمته وَعلمه ولطفه وَكم بَين النظرين ثمَّ انه سُبْحَانَهُ ربط تِلْكَ الاعضاء والاجزاء بالرباطات فَشد بهَا اسرها وَجعلهَا كالاوتاد تمسكها وتحفظها حَتَّى بلغ عَددهَا الى خَمْسمِائَة وَتِسْعَة وَعشْرين رِبَاطًا وَهِي مُخْتَلفَة فِي الغلظ والدقة والطول وَالْقصر والاستقامة والانحناء بِحَسب اخْتِلَاف موَاضعهَا ومحالها فَجعل مِنْهَا اربعة وَعشْرين رِبَاطًا آلَة لتحريك الْعين وَفتحهَا وَضمّهَا وإبصارها لَو نقضت مِنْهُنَّ رِبَاطًا وَاحِدًا اخْتَلَّ امْر الْعين وَهَكَذَا لكل عُضْو من الاعضاء رباطات هن لَهُ كالالات الَّتِي بهَا يَتَحَرَّك ويتصرف وَيفْعل كل ذَلِك صنع الرب الْحَكِيم وَتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فِي قَطْرَة مَاء مهين فويل للمكذبين وبعدا للجاحدين وَمن عجائب خلقه انه جعل فِي الراس ثَلَاث خَزَائِن نَافِذا بَعْضهَا الى بعض خزانَة فِي مقدمه وخزانة فِي وَسطه وخزانة فِي آخِره واودع تِلْكَ الخزائن من أسراره مَا اودعها من الذّكر والفكر والتعقل وَمن عجائب خلقه مَا فِيهِ من الامور الْبَاطِنَة الَّتِي لَا تشاهد كالقلب والكبد وَالطحَال والرئة والامعاء والمثانة وَسَائِر مَا فِي بَطْنه من الالات العجيبة والقوى المتعددة الْمُخْتَلفَة الْمَنَافِع فَأَما الْقلب فَهُوَ الْملك الْمُسْتَعْمل لجَمِيع آلَات الْبدن والمستخدم لَهَا فَهُوَ محفوف بهَا محشود مخدوم مُسْتَقر فِي الْوسط وَهُوَ اشرف اعضاء الْبدن وَبِه قوام الْحَيَاة وَهُوَ منبع الرّوح الحيواني والحرارة الغريزية وَهُوَ مَعْدن الْعقل وَالْعلم والحلم والشجاعة وَالْكَرم وَالصَّبْر وَالِاحْتِمَال وَالْحب والارادة وَالرِّضَا وَالْغَضَب وَسَائِر صِفَات الْكَمَال فَجَمِيع الاعضاء الظَّاهِرَة والباطنة وقواها انما هِيَ جند من اجناد الْقلب فَإِن الْعين طليعته ورائده الَّذِي يكْشف لَهُ المرئيات فَإِن رَأَتْ شَيْئا أدته اليه ولشدة الارتباط الَّذِي بَينهَا وَبَينه إِذا اسْتَقر فِيهِ شَيْء ظهر فِيهَا فَهِيَ مرآته المترجمة للنَّاظِر مَا فِيهِ كَمَا ان اللِّسَان ترجمانه الْمُؤَدِّي للسمع مَا فِيهِ وَلِهَذَا كثيرا مَا يقرن سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بَين هَذِه الثَّلَاث كَقَوْلِه {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَقَوله {وَجَعَلنَا لَهُم سمعا وأبصارا وأفئدة} وَقَوله {صم بكم عمي} وَقد تقدم ذَلِك وَكَذَلِكَ يقرن بَين الْقلب وَالْبَصَر كَقَوْلِه {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وَقَوله فِي حق رَسُوله مُحَمَّد مَا كذب الْفُؤَاد وَمَا رأى ثمَّ قَالَ {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى} وَكَذَلِكَ الاذن هِيَ رَسُوله الْمُؤَدى اليه وَكَذَلِكَ اللِّسَان ترجمانه وَبِالْجُمْلَةِ فسائر الاعضاء خدمه وَجُنُوده وَقَالَ النَّبِي الا ان فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح لَهَا سَائِر الْجَسَد وَإِذا فَسدتْ فسد لَهَا سَائِر الْجَسَد إِلَّا وَهِي الْقلب وَقَالَ ابو هُرَيْرَة الْقلب ملك والاعضاء جُنُوده فان طَابَ الْملك طابت جُنُوده وَإِذا خبث الْملك خبثت جُنُوده وَجعلت الرئة لَهُ كالمروحة تروح عَلَيْهِ دَائِما لانه اشد الاعضاء

ص: 193

حرارة بل هُوَ منبع الْحَرَارَة واما الدِّمَاغ وَهُوَ المخ فَإِنَّهُ جعل بَارِدًا وَاخْتلف فِي حِكْمَة ذَاك فَقَالَت طَائِفَة إِنَّمَا كَانَ الدِّمَاغ بَارِد التبريد الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْقلب ليردها عَن الافراط الى الِاعْتِدَال وَردت طَائِفَة هَذَا وَقَالَت لَو كَانَ كَذَلِك لم يكن الدِّمَاغ بَعيدا عَن الْقلب بل كَانَ يَنْبَغِي ان يُحِيط بِهِ كالرئة اَوْ يكون قَرِيبا مِنْهُ فِي الصَّدْر ليكسر حرارته قَالَت الْفرْقَة الاولى بعدالدماغ من الْقلب لَا يمْنَع مَا ذَكرْنَاهُ من الْحِكْمَة لانه لَو قرب مِنْهُ لغلبته حرارة الْقلب بقوتها فَجعل الْبعد بَينهمَا بِحَيْثُ لَا يتفاسدان وتعتدل كَيْفيَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا بكيفية الاخر وَهَذَا بِخِلَاف الرئة فَإِنَّهَا آلَة للترويح على الْقلب لم تجْعَل لتعديل حرارته وتوسطت فرقة أُخْرَى وَقَالَت بل المخ حَار لكنه فاتر الْحَرَارَة وَفِيه تبريد بالخاصية فَإِنَّهُ مبدأ للذهن وَلِهَذَا كَانَ الذِّهْن يحْتَاج الى مَوضِع سَاكن قار صَاف عَن الاقذار والكدر خَال من الجلبة والزجل وَلذَلِك يكون جودة الْفِكر والتذكر واستخراج الصَّوَاب عِنْد سُكُون الْبدن وفتور حركاته وَقلة شواغله ومزعجاته وَلذَلِك لم يصلح لَهَا الْقلب وَكَانَ الدِّمَاغ معتدلا فِي ذَلِك صَالحا لَهُ وَلذَلِك تجود هَذِه الافعال فِي اللَّيْل وَفِي الْمَوَاضِع الخالية وتفسد عِنْد التهاب نَار الْغَضَب والشهوة وَعند الْهم الشَّديد وَمَعَ التَّعَب والحركات القوية الْبَدَنِيَّة والنفسانية وَهَذَا بحث مُتَّصِل بقاعدة اخرى وَهِي ان الْحَواس وَالْعقل هَل مبدؤها الْقلب والدماغ فَقَالَت طَائِفَة مبدؤها كلهَا الْقلب وَهِي مرتبطة بِهِ وَبَينه وَبَين الْحَواس منافذ وطرق قَالُوا وكل وَاحِد من هَذِه الاعضاء الَّتِي هِيَ آلَات الْحَواس لَهُ اتِّصَال بِالْقَلْبِ بأعصاب وَغير ذَلِك وَهَذِه الاعصاب تخرج من الْقلب الى ان تَأتي الى كل وَاحِد من هَذِه الاجسام الَّتِي فِيهَا هَذِه الْحَواس قَالُوا فالعين إِذا ابصرت شَيْئا أدته بالالة الَّتِي فِيهَا الى الْقلب لَان هَذِه الالة مُتَّصِلَة مِنْهَا الى الْقلب والسمع إِذا احس صَوتا اداه الى الْقلب وَكَذَلِكَ كل حاسة ثمَّ اوردوا على انفسهم سؤالا فَقَالُوا ان قيل كَيفَ يجوز ان يكون عُضْو وَاحِد على ضروب من الامتزاج يمده عدَّة حواس مُخْتَلفَة وأجسام هَذِه الْحَواس مُخْتَلفَة وَقُوَّة كل حاسة مُخَالفَة لقُوَّة الحاسة الاخرى واجابوا عَن ذَلِك بِأَن جَمِيع الْعُرُوق الَّتِي فِي الْبدن كلهَا مُتَّصِلَة بِالْقَلْبِ إِمَّا بِنَفسِهَا وَإِمَّا بِوَاسِطَة فَمَا من عرق وَلَا عُضْو الاوله اتِّصَال بِالْقَلْبِ اتِّصَالًا قَرِيبا اَوْ بَعيدا قَالُوا وينبعث مِنْهُ فِي تِلْكَ الْعُرُوق والمجاري الى كل عُضْو مَا بناسبه ويشاكله فينبعث مِنْهُ الى الْعَينَيْنِ مَا يكون مِنْهُ حس الْبَصَر وَإِلَى الاذنين مَا يدْرك بِهِ المسموعات وَإِلَى اللَّحْم مَا يكون مِنْهُ حس اللَّمْس وَإِلَى الانف مَا يكون بِهِ حس الشم وَإِلَى اللِّسَان مَا يكون بِهِ حس الذَّوْق وَإِلَى كل ذِي قُوَّة مَا يمد قوته ويحفظها فَهُوَ الْمعد لهَذِهِ الاعضاء والحواس والقوى وَلِهَذَا كَانَ الراي الصَّحِيح انه اول الاعضاء تكوينا قَالُوا وَلَا ريب ان مبدأ الْقُوَّة الْعَاقِلَة مِنْهُ وَإِن كَانَ قد خَالف فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا بل الْعقل

ص: 194

فِي الرَّأْس فَالصَّوَاب ان مبدأه ومنشأه من الْقلب وفروعه وثمرته فِي الراس وَالْقُرْآن قد دلّ على هَذَا بقوله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} وَقَالَ {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} وَلم يرد بِالْقَلْبِ هُنَا مُضْغَة اللَّحْم الْمُشْتَركَة بَين الْحَيَوَانَات بل المُرَاد مَا فِيهِ من الْعقل واللب ونازعهم فِي ذَلِك طَائِفَة اخرى وَقَالُوا مبدأ هَذِه الْحَواس إِنَّمَا هُوَ الدِّمَاغ وانكروا ان يكون بَين الْقلب وَالْعين والاذن والانف اعصاب اَوْ عروف وَقَالُوا هَذَا كذب على الْخلقَة وَالصَّوَاب التَّوَسُّط بَين الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ ان الْقلب تنبعث مِنْهُ قُوَّة الى هَذِه الْحَواس وَهِي قُوَّة معنوية لَا تحْتَاج فِي وصولها اليه الى مجار مَخْصُوصَة واعصاب تكون حاملة لَهَا فَإِن وُصُول القوى الى هَذِه الْحَواس والاعضاء لَا يتَوَقَّف الاعلى قبُولهَا واستعداها وامداد الْقلب لَا على مجار وأعصاب وَبِهَذَا يَزُول الالتباس فِي هَذَا الْمقَام الَّذِي طَال فِيهِ الْكَلَام وَكثر فِيهِ النزاع وَالْخِصَام وَالله اعْلَم وَبِه التَّوْفِيق للصَّوَاب وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه على أقل الْقَلِيل من وُجُوه الْحِكْمَة الَّتِي فِي خلق الانسان والامر اضعاف اضعاف مَا يخْطر بالبال اَوْ يجرى فِيهِ الْمقَال وَإِنَّمَا فَائِدَة ذكر هَذِه الشذرة الَّتِي هِيَ كل شَيْء بِالنِّسْبَةِ الى مَا وَرَاءَهَا التَّنْبِيه وَإِذا نظر العَبْد الى غذائه فَقَط فِي مدخله ومستقره ومخرجه رأى فِيهِ العبر والعجائب كَيفَ جعلت لَهُ آلَة يتَنَاوَل بهَا ثمَّ بَاب يدْخل مِنْهُ ثمَّ آلَة تقطعه صغَارًا ثمَّ طاحون يطحنه ثمَّ اعين بِمَاء يعجنه ثمَّ جعل لَهُ مجْرى وطريقا الى جَانب النَّفس ينزل هَذَا ويصعد هَذَا فَلَا يَلْتَقِيَانِ مَعَ غَايَة الْقرب ثمَّ جعل لَهُ حوايا وطرقا توصله الى الْمعدة فَهِيَ خزانته وَمَوْضِع اجتماعه وَلها بَابَانِ بَاب اعلى يدْخل مِنْهُ الطَّعَام وَبَاب اسفل يخرج مِنْهُ تفله وَالْبَاب الاعلى اوسع من الاسفل إِذْ الاعلى مدْخل للحاصل والاسفل مصرف للضار مِنْهُ والاسفل منطبق دَائِما ليستقر الطَّعَام فِي مَوْضِعه فَإِذا انْتهى الهضم فَإِن ذَلِك الْبَاب ينفتح الى انْقِضَاء الدّفع وَيُسمى البواب لذَلِك والاعلى يُسمى فَم الْمعدة وَالطَّعَام ينزل الى الْمعدة متكيمسا فَإِذا اسْتَقر فِيهَا انماع وذاب ويحيط بالمعدة من داخلها وخارجها حرارة نارية بل رُبمَا تزيد على حرارة النَّار ينضج بهَا الطَّعَام فِيهَا كَمَا ينضج الطَّعَام فِي الْقدر بالنَّار المحيطة بِهِ وَلذَلِك يذيب مَا هُوَ مستحجر كالحصا وَغَيره حَتَّى يتْركهُ مَائِعا فَإِذا أذابته علا صَفوه الى فَوق ورس كدره الى اسفل وَمن الْمعدة عروق مُتَّصِلَة بِسَائِر الْبدن يبْعَث فِيهَا مَعْلُوم كل عُضْو وقوامه بِحَسب استعداه وقبوله فيبعث اشرف مَا فِي ذَلِك والطفه واخفه الى الارواح فيبعث الى الْبَصَر بصرا والى السّمع سمعا والى الشم شما والى كل حاسة بحسبها فَهَذَا الطف مَا يتَوَلَّد عَن الْغذَاء ثمَّ ينبعث مِنْهُ الى الدِّمَاغ مَا يُنَاسِبه فِي اللطافة والاعتدال ثمَّ ينبعث من الْبَاقِي الى الاعضاء فِي تِلْكَ المجاري بحسبها وينبعث مِنْهُ الى الْعِظَام وَالشعر والاظفار مَا يغذيها

ص: 195