الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل وَهَذَانِ الضلالان اعني الضلال والشقاء يذكرهما سُبْحَانَهُ كثيرا فِي
كَلَامه ويخبر انهما حَظّ اعدائه وَيذكر ضدهما وهما الْهدى والفلاح كثيرا ويخبر انهما حَظّ اوليائه اما الاول فكقوله تَعَالَى ان الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر فالضلال الضلال والسعر هُوَ الشَّقَاء وَالْعَذَاب وَقَالَ تَعَالَى قد خسر الَّذين كذبُوا بلقاء الله وَمَا كَانُوا مهتدين وَأما الثَّانِي فكقوله تَعَالَى فِي أول الْبَقَرَة وَقد ذكر الْمُؤمنِينَ وصفاتهم اولئك على هدى من رَبهم واولئك هم المفلحون وَكَذَلِكَ فِي أول لُقْمَان وَقَالَ فِي الانعام الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا ايمانهم بظُلْم اولئك لَهُم الامن وهم مهتدون وَلما كَانَت سُورَة ام الْقُرْآن اعظم سُورَة فِي الْقُرْآن وافرضها قِرَاءَة على الامة واجمعها لكل مَا يحْتَاج اليه العَبْد واعمها نفعا ذكر فِيهَا الامرين فَأمرنَا ان نقُول اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين انعمت عَلَيْهِم فَذكر الْهِدَايَة وَالنعْمَة وهما الْهدى والفلاح ثمَّ قَالَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَذكر المغضوب عَلَيْهِم وهم اهل الشَّقَاء والضالين وهم اهل الضلال وكل من الطَّائِفَتَيْنِ لَهُ الضلال والشقاء لَكِن ذكر الوصفين مَعًا لتكن الدّلَالَة على كل مِنْهُمَا بِصَرِيح لَفظه وايضا فَإِنَّهُ ذكر ماهو اظهر الوصفين فِي كل طَائِفَة فَإِن الْغَضَب على الْيَهُود أظهر لعنادهم الْحق بعدمعرفته والضلال فِي النَّصَارَى اظهر لغَلَبَة الْجَهْل فيهم وَقد صَحَّ عَن النَّبِي انه قَالَ الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم وَالنَّصَارَى ضالون
فصل وَقَوله تَعَالَى فاما ياتينكم مني هدى هُوَ خطاب لمن اهبطه من الْجنَّة
بقوله اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضكُم لبَعض عَدو ثمَّ قَالَ فاما يَأْتينكُمْ مني هدى وكلا الخطابين لابوي الثقلَيْن وَهُوَ دَلِيل على ان الْجِنّ مامورون منهيون داخلون تَحت شرائع الانبياء وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَين الامة وان نَبينَا بعث اليهم كَمَا بعث الى الانس كَمَا لَا خلاف بَينهَا ان مسيئهم مُسْتَحقّ للعقاب وانما اخْتلف عُلَمَاء الاسلام فِي الْمُسلم مِنْهُم هَل يدْخل الْجنَّة فالجمهور على ان محسنهم فِي الْجنَّة كَمَا ان مسيئهم فِي النَّار وَقيل بل ثوابهم سلامتهم من الْجَحِيم واما الْجنَّة فَلَا يدخلهَا اُحْدُ من اولاد إِبْلِيس وإنماهي لبني آدم وصالحي ذُريَّته خَاصَّة وَحكى هَذَا القَوْل عَن ابي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَاحْتج الاولون بِوُجُوه احدها هَذِه الاية فانه سُبْحَانَهُ اخبر ان من اتبع هداه فَلَا يخَاف وَلَا يحزن وَلَا يضل وَلَا يشقى وَهَذَا مُسْتَلْزم
لكَمَال النَّعيم وَلَا يُقَال ان الاية إِنَّمَا تدل على نفي الْعَذَاب فَقَط وَلَا خلاف ان مؤمنيهم لَا يعاقبون لانا نقُول لولم تدل الاية الا على امْر عدمي فَقَط لم يكن مدحا لمؤمني الانس وَلما كَانَ فِيهَا الا مُجَرّد امرعدمي وَهُوَ عدم الْخَوْف والحزن وَمَعْلُوم ان سِيَاق الاية ومقصودها إِنَّمَا اريد بِهِ ان من اتبع هدى الله الَّذِي انزله حصل لَهُ غَايَة النَّعيم واندفععنه غَايَة الشَّقَاء وَعبر عَن هَذَا الْمَعْنى الْمَطْلُوب بِنَفْي الامور الْمَذْكُورَة لاقْتِضَاء الْحَال لذَلِك فَإِنَّهُ لما اهبط آدم من الْجنَّة حصل لَهُ من الْخَوْف والحزن والشقاء مَا حصل فاخبره سُبْحَانَهُ انه معطيه وَذريته عهدا من اتبعهُ مِنْهُم انْتَفَى عَنهُ الْخَوْف والحزن والضلال والشقاء وَمَعْلُوم انه لَا ينتفى ذَلِك كُله إِلَّا بِدُخُول دَار النَّعيم وَلَكِن الْمقَام بِذكر التَّصْرِيح بِنَفْي غَايَة المكروهات اولى الثَّانِي قَوْله تَعَالَى وَإِذ صرفنَا اليك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا انصتوا فَلَمَّا قضى ولوا الى قَومهمْ منذرين قَالُوا يَا قَومنَا إناسمعنا كتابا انْزِلْ من بعد مُوسَى مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ يهدي الى الْحق وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم يَا قَومنَا اجيبوا دَاعِي الله وآمنوا بِهِ يغْفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عَذَاب اليم فَأخْبرنَا سُبْحَانَهُ عَن نذيرهم اخبارا بقوله ان من اجاب داعيه غفر لَهُ وَأَجَارَهُ من الْعَذَاب وَلَو كَانَت الْمَغْفِرَة لَهُم إِنَّمَا ينالون بهَا مُجَرّد النجَاة من الْعَذَاب كَانَ ذَلِك حَاصِلا بقوله ويجركم من عَذَاب اليم بل تَمام الْمَغْفِرَة دُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار فَكل من غفر الله لَهُ فَلَا بُد من دُخُوله الْجنَّة الثَّالِث قَوْله تَعَالَى فِي الْحور الْعين لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان فَهَذَا يدل على ان مؤمني الْجِنّ والانس يدْخلُونَ الْجنَّة وَأَنه لم يسْبق من اُحْدُ مِنْهُم طمث لَاحَدَّ من الْحور فَدلَّ على ان مؤمنيهم يتأنى مِنْهُم طمث الْحور الْعين بعد الدُّخُول كَمَا يَتَأَتَّى من الانس وَلَو كَانُوا مِمَّن لَا يدْخل الْجنَّة لما حسن الاخبار عَنْهُم بذلك الرَّابِع قَوْله تَعَالَى فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة اعدت للْكَافِرِينَ وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ان لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الانهار كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وَأتوا بِهِ متشابها وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة وهم فِيهَا خَالدُونَ وَالْجِنّ مِنْهُم مُؤمن وَمِنْهُم كَافِر كَمَا قَالَ صالحوهم وانا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون فَكَمَا دخل كافرهم فِي الاية الثَّانِيَة وَجب ان يدْخل مؤمنهم فِي الاولى الْخَامِس قَوْله عَن صالحيهم فَمن اسْلَمْ فَأُولَئِك تحروا رشدا والرشد هُوَ الْهدى والفلاح وَهُوَ الَّذِي يهدى اليه الْقُرْآن وَمن لم يدْخل الْجنَّة لم ينل غَايَة الرشد بل لم يحصل لَهُ من الرشد الا مجردالعلم السَّادِس قَوْله تَعَالَى سابقوا الى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا كعرض السَّمَاء والارض اعدت للَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم ومؤمنهم مِمَّن آمن بِاللَّه وَرُسُله فَيدْخل فِي المبشرين وَيسْتَحق الْبشَارَة السَّابِع قَوْله تَعَالَى وَالله يَدْعُو الى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء الى صِرَاط مُسْتَقِيم {عَم}
سُبْحَانَهُ بالدعوة وَخص بالهداية المفضية اليها فَمن هداه اليها فَهُوَ من دَعَاهُ اليها فَمن اهْتَدَى من الْجِنّ فَهُوَ من المدعوين اليها الثَّامِن قَوْله تَعَالَى وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا يَا معشر الْجِنّ قد استكثرتم من الانس وَقَالَ اولياؤهم من الانس رَبنَا استمتع بَعْضنَا بِبَعْض وبلغنا اجلنا الَّذِي اجلت لنا قَالَ النَّار مثواكم خَالِدين فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ الله ان رَبك حَكِيم عليم وَكَذَلِكَ نولي بعض الظَّالِمين بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَا معشر الْجِنّ والانس الم ياتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا قَالُوا شَهِدنَا على انفسنا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا وشهدوا على انفسهم انهم كَانُوا كَافِرين ذَلِك ان لم يكن رَبك مهلك الْقرى بظُلْم واهلها غافلون وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وَهَذَا عَام فِي الْجِنّ والانس فاخبرهم تَعَالَى ان لكلهم دَرَجَات من عمله فَاقْتضى ان يكون لمحسنهم دَرَجَات من عمله كَمَا لمحسن الانس التَّاسِع قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة ان لَا تخافوا ولاتحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون وقولوه تَعَالَى {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة خَالِدين فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَوجه التَّمَسُّك بالاية من جوه ثَلَاثَة احدها عُمُوم الِاسْم الْمَوْصُول فِيهَا الثَّانِي ترتيبه الْجَزَاء المذكورعلى الْمَسْأَلَة ليدل على انه مُسْتَحقّ بهَا وَهُوَ قَول رَبنَا الله مَعَ الاسْتقَامَة وَالْحكم يعم بِعُمُوم علته فَإِذا كَانَ دُخُول الْجنَّة مُرَتبا على الاقرار بِاللَّه وربوبيته مَعَ الاسْتقَامَة على امْرَهْ فَمن اتى ذَلِك اسْتحق الْجَزَاء الثَّالِث انه قَالَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ اولئك اصحاب الْجنَّة خَالِدين فِيهَا جَزَاء بِمَا كانوايعملون فَدلَّ على ان كل من لَا خوف عَلَيْهِ وَلَا حزن فَهُوَ من اهل الْجنَّة وَقد تقدم فِي اول الايات قَوْله تَعَالَى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ وانه متناول لِلْفَرِيقَيْنِ ودلت هَذِه الاية على ان من لَا خوف عَلَيْهِ وَلَا حزن فَهُوَ من اهل الْجنَّة الْعَاشِر انه إِذا دخل مسيئهم النَّار بِعدْل الله فدخول محسنهم الْجنَّة بفضله وَرَحمته اولى فَإِن رَحمته سبقت غَضَبه وَالْفضل اغلب من الْعدْل وَلِهَذَا لَا يدْخل النَّار الا من عمل اعمال اهل النَّار واما الْجنَّة فيدخلها من لم يعْمل خيرا قطّ بل ينشيء لَهَا أَقْوَامًا يسكنهم إِيَّاهَا من غير عمل عملوه وَيرْفَع فِيهَا دَرَجَات العَبْد من غير سعي مِنْهُ بل بِمَا يصل اليه من دُعَاء الْمُؤمنِينَ وصلاتهم وصدقتهم وأعمال الْبر الَّتِي يهدونها اليه بِخِلَاف اهل النَّار فَإِنَّهُ لَا يعذب فِيهَا بِغَيْر عمل اصلا وَقد ثَبت بِنَصّ الْقُرْآن واجماع الامة ان مسيء الْجِنّ فِي النَّار بِعدْل الله وَبِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فمحسنهم فِي الْجنَّة بِفضل الله بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَكِن قيل انهم يكونُونَ فِي ربض الْجنَّة يراهم اهل الْجنَّة وَلَا يرونهم كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يرَوْنَ بني آدم من حَيْثُ لَا يرونهم وَمثل هَذَا لايعلم الا بتوقيف تَنْقَطِع الْحجَّة عِنْده فَإِن ثبتَتْ حجَّة يجب اتباعها وَإِلَّا فَهُوَ مِمَّا يحْكى ليعلم وَصِحَّته مَوْقُوفَة على الدَّلِيل وَالله أعلم