الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَهده ان يحييه حَيَاة طيبَة ويجزيه اجره فِي الاخرة فَقَالَ تَعَالَى من عمل صَالحا من ذكر اَوْ انثى وَهُوَ مُؤمن فلنحيينه حَيَاة طيبَة ولنجزينهم اجرهم باحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ فاخبر سُبْحَانَهُ عَن فلاح مَا تمسك بعهده علماوعملا فِي العاجلة بِالْحَيَاةِ الطّيبَة وَفِي الاخرة باحسن الْجَزَاء وَهَذَا بعكس من لَهُ الْمَعيشَة الضنك فِي الدُّنْيَا والبرزخ ونسيانه فِي الْعَذَاب بالاخرة وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قرين وانهم ليصدونهم عَن السَّبِيل وَيَحْسبُونَ انهم مهتدون فَأخْبر سُبْحَانَهُ ان من ابتلاه بقرينه من الشَّيَاطِين وضلاله بِهِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب اعراضه وعشوه عَن ذكره الَّذِي انزله على رَسُوله فَكَانَ عُقُوبَة هَذَا الاعراض ان قيض لَهُ شَيْطَانا يقارنه فيصده عَن سَبِيل ربه وَطَرِيق فلاحه وَهُوَ يحْسب انه مهتد حَتَّى إِذا وافى ربه يَوْم الْقِيَامَة مَعَ قرينه وعاين هَلَاكه وافلاسه قَالَ يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعدالمشرقين فبئس القرين وكل من اعْرِض عَن الاهتداء بِالْوَحْي الَّذِي هُوَ ذكر الله فَلَا بُد ان يَقُول هَذَا يَوْم الْقِيَامَة فَإِن قيل فَهَل لهَذَا عذر فِي ضَلَالَة إِذا كَانَ يحْسب انه على هدى كَمَا قَالَ تَعَالَى وَيَحْسبُونَ انهم مهتدون قيل لَا عذر لهَذَا وامثاله من الضلال الَّذين منشأ ضلالهم الاعراض عَن الْوَحْي الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَلَو ظن انه مهتد فَإِنَّهُ مفرط باعراضه عَن اتِّبَاع دَاعِي الْهدى فَإِذا ضل فَإِنَّمَا اتى من تفريطه واعراضه وَهَذَا بِخِلَاف من كَانَ ضلاله لعدم بُلُوغ الرسَالَة وعجزه عَن الْوُصُول اليها فَذَاك لَهُ حكم آخر والوعيد فِي الْقُرْآن إِنَّمَا يتَنَاوَل الاول واما الثَّانِي فَإِن الله لَا يعذب احدا إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا وَقَالَ تَعَالَى رسلًا مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل وَقَالَ تَعَالَى فِي اهل النَّار وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين وَقَالَ تَعَالَى ان تَقول نفس يَا حسرتي على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين اَوْ تَقول لَو ان الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ اَوْ تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو ان لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن
فصل وَقَوله تَعَالَى ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى قَالَ رب لم حشرتني اعمى
وَقد كنت بَصيرًا اخْتلف فِيهِ هَل هُوَ من عمى البصيرة اَوْ من عمى الْبَصَر وَالَّذين قَالُوا هُوَ من عمى البصيرة إِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك قَوْله اسْمَع بهم وابصر يَوْم ياتوننا وَقَوله لقدكنت فِي غَفلَة من هَذَا فكشفنا عَنْك غطاءك فبصرك الْيَوْم حَدِيد وَقَوله يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَقَوله لترون الْجَحِيم ثمَّ لترونها عين الْيَقِين ونظائر هَذَا مِمَّا يثبت لَهُم الرُّؤْيَة
فِي الاخرة كَقَوْلِه تَعَالَى وتراهم يعرضون عَلَيْهَا خاشعين من الذل ينظرُونَ من طرف خَفِي وَقَوله يَوْم يدعونَ الى نَار جَهَنَّم دَعَا هَذِه النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون افسحر هَذَا ام انتم لَا تبصرون وَقَوله رأى المجرمون النَّار فظنوا انهم مواقعوها وَالَّذين رجحوا انه منعمى الْبَصَر قَالُوا السِّيَاق لَا يدل الا عَلَيْهِ لقَوْله قَالَ رب لم حشرتني اعمى وَقد كنت بَصيرًا وَهُوَ لم يكن بَصيرًا فِي كفره قطّ بل قد تبين لَهُ حِينَئِذٍ انه كَانَ فِي الدُّنْيَا فِي عمى عَن الْحق فَكيف يَقُول وَقد كنت بَصيرًا وَكَيف يُجَاب بقوله كَذَلِك اتتك آيَاتنَا فنسيتها وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى بل هَذَا الْجَواب فِيهِ تَنْبِيه على انه من عمى الْبَصَر وانه جوزي من جنس عمله فَإِنَّهُ لما اعْرِض عَن الذّكر الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله وعميت عَنهُ بصيرته أعمى الله بَصَره يَوْم الْقِيَامَة وَتَركه فِي الْعَذَاب كَمَا ترك الذّكر فِي الدُّنْيَا فجازاه على عمى بصيرته عمى فِي الاخرة وعَلى تَركه ذكره تَركه فِي الْعَذَاب وَقَالَ تَعَالَى وَمن يهد الله فَهُوَ المهتد وَمن يضلل فَلَنْ تَجِد لَهُم اولياء من دونه ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكما وصما وَقد قيل فِي هَذِه الاية ايضا انهم عمي وبكم وصم عَن الْهدى كَمَا قيل فِي قَوْله ونحشره يَوْم الْقِيَامَة اعمى قَالُوا لانهم يَتَكَلَّمُونَ يَوْمئِذٍ ويسمعون ويبصرون وَمن نصرانه الْعَمى والبكم والصمم المضاد لِلْبَصَرِ والسمع والنطق قَالَ بَعضهم هُوَ عمى وصمم وبكم مُقَيّد لَا مُطلق فهم عمى عَن رُؤْيَة مَا يسرهم وسماعه وَلِهَذَا قد روى عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ لَا يرَوْنَ شَيْئا يسرهم وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا الْحَشْر حِين تتوفاهم الْمَلَائِكَة يخرجُون من الدُّنْيَا كَذَلِك فَإِذا قَامُوا من قُبُورهم الى الْموقف قَامُوا كَذَلِك ثمَّ انهم يسمعُونَ ويبصرون فِيمَا بعد وهذامروى عَن الْحسن وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا دخلُوا النَّار واستقروا فِيهَا سلبو الاسماع والابصار والنطق حِين يَقُول لَهُم الرب تبارك وتعالى اخْسَئُوا فِيهَا ولاتكلمون فَحِينَئِذٍ يَنْقَطِع الرَّجَاء وتبكم عُقُولهمْ فيصيرون بأجمعهم عميا بكما صمًّا لَا يبصرون وَلَا يسمعُونَ وَلَا ينطقون وَلَا يسمع مِنْهُم الا الزَّفِير والشهيق وَهَذَا مَنْقُول عَن مقَاتل وَالَّذين قَالُوا المُرَاد بِهِ الْعَمى عَن الْحجَّة إِنَّمَا مُرَادهم انهم لَا حجَّة لَهُم وَلم يُرِيدُوا ان لَهُم حجَّة هم عمى عَنْهَا بل هم عمى عَن الْهدى كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فان العَبْد يَمُوت على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَيبْعَث على مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا يظْهر أَن الصَّوَاب هُوَ القَوْل الاخر وانه عمى الْبَصَر فَإِن الْكَافِر يعلم الْحق يَوْم الْقِيَامَة عيَانًا ويقر بِمَا كَانَ يجحده فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ هُوَ اعمى عَن الْحق يَوْمئِذٍ وَفصل الْخطاب ان الْحَشْر هُوَ الضَّم وَالْجمع وَيُرَاد بِهِ تَارَة الْحَشْر الى موقف الْقِيَامَة كَقَوْلِه النَّبِي انكم مَحْشُورُونَ الى الله حُفَاة عُرَاة غرلًا وَكَقَوْلِه تَعَالَى وَإِذا الوحوش حشرت وَكَقَوْلِه تَعَالَى وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم احدا وَيُرَاد بِهِ الضَّم وَالْجمع إِلَى دَار المستقر فحشر الْمُتَّقِينَ جمعهم وضمهم الى الْجنَّة