الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُول الله وربه يُحِبهُ على ذَلِك كُله وَلَا سقط شَيْء مِنْهُ من عينه وَلَا سَقَطت مَنْزِلَته عِنْده بل هُوَ الْوَجِيه عِنْد الله الْقَرِيب وَلَوْلَا ماتقدم لَهُ من السوابق وَتحمل الشدائد والمحن الْعِظَام فِي الله ومقاسات الامر الشَّديد بَين فِرْعَوْن وَقَومه ثمَّ بنى إِسْرَائِيل وَمَا آذوه بِهِ وَمَا صَبر عَلَيْهِم لله لم يكن ذَلِك ثمَّ تَأمل حَال الْمَسِيح وَصَبره على قومه واحتماله فِي الله وَمَا تحمله مِنْهُم حَتَّى رَفعه الله إِلَيْهِ وطهره من الَّذين كفرُوا وانتقم من اعدائه وقطعهم فِي الارض ومزقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم الى آخر الدَّهْر
فصل فَإِذا جِئْت الى النَّبِي وتأملت سيرته مَعَ قومه وَصَبره فِي الله
واحتماله مالم يحْتَملهُ نَبِي قبله وتلون الاحوال عَلَيْهِ من سلم وَخَوف وغني وفقر وَأمن وَإِقَامَة فِي وَطنه وظعن عَنهُ وَتَركه لله وَقتل احبابه واوليائه بَين يَدَيْهِ واذى الْكفَّار لَهُ بِسَائِر انواع الاذى من القَوْل وَالْفِعْل وَالسحر وَالْكذب والافتراء عَلَيْهِ والبهتان وَهُوَ مَعَ ذَلِك كُله صابر على امْر الله يَدْعُو الى الله فَلم يؤذ نَبِي مَا أوذي وَلم يحْتَمل فِي الله مَا احتمله وَلم يُعْط نَبِي مَا اعطيه فَرفع الله لَهُ ذكره وَقرن اسْمَعْهُ باسمه وَجعله سيدالناس كلهم وَجعله اقْربْ الْخلق اليه وَسِيلَة واعظمهم عِنْده جاها واسمعهم عِنْده شَفَاعَة وَكَانَت تِلْكَ المحن والابتلاء عين كرامته وَهِي مِمَّا زَاده الله بهَا شرفا وفضلا وَسَاقه بهَا الى أعلا المقامات وَهَذَا حَال ورثته من بعده الامثل فالأمثل كل لَهُ نصيب من المحنة يَسُوقهُ الله بِهِ إِلَى كَمَاله بِحَسب مُتَابَعَته لَهُ وَمن لَا نصيب لَهُ من ذَلِك فحظه من الدُّنْيَا حَظّ من خلق لَهَا وخلقت لَهُ وَجعل خلاقه ونصيبه فِيهَا فَهُوَ يَأْكُل مِنْهَا رغدا ويتمتع فِيهَا حَتَّى يَنَالهُ نصِيبه من الْكتاب يمْتَحن اولياء الله وَهُوَ فِي دعة وخفض عَيْش وَيَخَافُونَ وَهُوَ آمن ويحزنون وَهُوَ فِي اهله مسرور لَهُ شَأْن وَلَهُم شَأْن وَهُوَ فِي وَاد وهم فِي وَاد همه مَا يُقيم بِهِ جاهه وَيسلم بِهِ مَاله وَتسمع بِهِ كَلمته لزم من ذَلِك مَا لزم ورضى من رضى وَسخط من سخط وهمهم إِقَامَة دين الله وإعلاء كَلمته وإعزاز اوليائه وان تكون الدعْوَة لَهُ وَحده فَيكون هُوَ وَحده المعبود لَا غَيره وَرَسُوله المطاع لَا سواهُ فَللَّه سُبْحَانَهُ من الحكم فِي ابتلائه انبياءه وَرُسُله وعباده الْمُؤمنِينَ مَا تتقاصر عقول الْعَالمين عَن مَعْرفَته وَهل وصل من وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إِلَّا على جسر المحنة والابتلاء
كَذَا الْمَعَالِي إِذا مَا رمت ندركها
…
فاعبر اليها على جسر من التَّعَب وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما ابدا الى يَوْم الدّين ورضى الله عَن اصحاب رَسُول الله اجمعين
فصل وَإِذا تَأَمَّلت الْحِكْمَة الباهرة فِي هَذَا الدّين القويم وَالْملَّة
الحنيفية والشريعة المحمدية الَّتِي لَا
تنَال الْعبارَة كمالها وَلَا يدْرك الْوَصْف حسنها وَلَا تقترح عقول الْعُقَلَاء وَلَو اجْتمعت وَكَانَت على اكمل عقل رجل مِنْهُم فَوْقهَا وَحسب الْعُقُول الْكَامِلَة الفاضلة ان ادركت حسنها وَشهِدت بفضلها وانه مَا طرق الْعَالم شَرِيعَة اكمل وَلَا اجل وَلَا اعظم مِنْهَا فَهِيَ نَفسهَا الشَّاهِد والمشهود لَهُ وَالْحجّة والمحتج لَهُ وَالدَّعْوَى والبرهان وَلَو لم يَأْتِ الرَّسُول ببرهان عَلَيْهَا لكفى بهَا برهانا وَآيَة وَشَاهدا على انها من عِنْد الله وَكلهَا شاهدة لَهُ بِكَمَال الْعلم وَكَمَال الْحِكْمَة وسعة الرَّحْمَة وَالْبر والاحسان والاحاطة بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَة وَالْعلم بالمباديء والعواقب وَأَنَّهَا من اعظم نعم الله الَّتِي انْعمْ بهَا على عباده فَمَا انْعمْ عَلَيْهِم بِنِعْمَة اجل من ان هدَاهُم لَهَا وجعلهم من اهلها وَمِمَّنْ ارتضاهم لَهَا فَلهَذَا امتن على عباده بَان هدَاهُم لَهَا قَالَ تَعَالَى {لقد من الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين} وَقَالَ مُعَرفا لِعِبَادِهِ ومذكرا لَهُم عَظِيم نعْمَته عَلَيْهِم مستدعيا مِنْهُم شكره على ان جعلهم من اهلها الْيَوْم اكملت لكم دينكُمْ الاية وَتَأمل كَيفَ وصف الدّين الَّذِي اخْتَارَهُ لَهُم بالكمال وَالنعْمَة الَّتِي اسبغها عَلَيْهِم بالتمام إِيذَانًا فِي الدّين بِأَنَّهُ لَا نقص فِيهِ وَلَا عيب وَلَا خلل وَلَا شَيْء خَارِجا عَن الْحِكْمَة بِوَجْه بل هُوَ الْكَامِل فِي حسنه وجلالته وَوصف النِّعْمَة بالتمام إِيذَانًا بدوامها واتصالها وَأَنه لَا يسلبهم إِيَّاهَا بعد إِذْ أعطاهموها بل يُتمهَا لَهُم بالدوام فِي هَذِه الدَّار وَفِي دَار الْقَرار وَتَأمل حسن اقتران التَّمام بِالنعْمَةِ وَحسن اقتران الْكَمَال بِالدّينِ وَإِضَافَة الدّين اليهم إِذْ هم القائمون بِهِ المقيمون لَهُ وأضاف النِّعْمَة اليه إِذْ هُوَ وَليهَا ومسديها والمنعم بهَا عَلَيْهِم فَهِيَ نعْمَته حَقًا وهم قابلوها واتى فِي الْكَمَال بِاللَّامِ المؤذنة بالاختصاص وَأَنه شَيْء خصوا بِهِ دون الامم وَفِي إتْمَام النِّعْمَة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والاحاطة فجَاء اتممت فِي مُقَابلَة أكملت وَعَلَيْكُم فِي مُقَابلَة لكم ونعمتي فِي مُقَابلَة دينكُمْ واكد ذَلِك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله {ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} وَكَانَ بعض السّلف الصَّالح يَقُول ياله من دين لَو ان لَهُ رجَالًا وَقد ذكرنَا فصلا مُخْتَصرا فِي دلَالَة خلقه على وحدانيته وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وأسمائه الْحسنى واردنا ان نختم بِهِ الْقسم الاول من الْكتاب ثمَّ راينا ان نتبعه فصلا فِي دلَالَة دينه وشرعه على وحدانيته وَعلمه وحكمته وَرَحمته وَسَائِر صِفَات كَمَاله إِذْ هَذَا من أشرف الْعُلُوم الَّتِي يكتسبها العَبْد فِي هَذِه الدَّار وَيدخل بهَا الى الدَّار الاخرة وَقد كَانَ الاولى بِنَا الامساك عَن ذَلِك لَان مَا يصفه الواصفون مِنْهُ وتنتهي اليه علومهم هُوَ كَمَا يدْخل الرجل اصبعه فِي اليم ثمَّ يَنْزِعهَا فَهُوَ يصف الْبَحْر بِمَا يعلق على إصبعه من البلل وَأَيْنَ ذَلِك من الْبَحْر فيظن السَّامع ان تِلْكَ الصّفة احاطت بالبحر وَإِنَّمَا هِيَ صفة مَا علق بالاصبع مِنْهُ وَإِلَّا فَالْأَمْر اجل وَأعظم وأوسع من ان تحيط عقول الْبشر بِأَدْنَى جُزْء مِنْهُ وماذا عَسى