الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَتسمع لُغَات مُخْتَلفَة كلَاما منتظما مؤلفا وَلَا يدْرِي كل مِنْهُم مَا يَقُول الاخر وَاللِّسَان الَّذِي هُوَ جارحة وَاحِد فِي الشكل والمنظر وَكَذَلِكَ الْحلق والاضراس والشفتان وَالْكَلَام مُخْتَلف متفاوت اعظم تفَاوت فالاية فِي ذَلِك كالاية فِي الارض الَّتِي تسقى بِمَاء وَاحِد وَتخرج مَعَ ذَلِك من انواع النَّبَات والازهار والحبوب وَالثِّمَار تِلْكَ الانواع الْمُخْتَلفَة المتباينة وَلِهَذَا اخبر الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه ان فِي كل مِنْهُمَا آيَات فَقَالَ وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات والارض وَاخْتِلَاف السنتكم والونكم إِن فِي ذَلِك لايات للْعَالمين وَقَالَ {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات وجنات من أعناب وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير صنْوَان يسقى بِمَاء وَاحِد} الاية فَانْظُر الان فِي الحنجرة كَيفَ هِيَ كالأنبوب لخُرُوج الصَّوْت وَاللِّسَان والشفتان والاسنان لصياغة الْحُرُوف والنغمات الا ترى ان من سَقَطت اسنانه لم يقم الْحُرُوف الَّتِي تخرج مِنْهَا وَمن اللِّسَان وَمن سَقَطت شفته كَيفَ لم يقم الرَّاء وَاللَّام وَمن عرضت لَهُ آفَة فِي حلقه كَيفَ لم يتَمَكَّن من الْحُرُوف الحلقية وَقد شبه اصحاب التشريح مخرج الصَّوْت بالمزمار والرئة بالزق الَّذِي ينْفخ فِيهِ من تَحْتَهُ ليدْخل الرّيح فِيهِ والفضلات الَّتِي تقبض على الرئة ليخرج الصَّوْت من الحنجرة بالاكف الَّتِي تقبض على الزق حَتَّى يخرج الْهَوَاء فِي الْقصب والشفتين والاسنان الَّتِي تصوغ الصَّوْت حروفا ونغما بالاصابع الَّتِي تخْتَلف على المزمار فتصوغه الحانا والماقطع الَّتِي يَنْتَهِي اليها الصَّوْت بالابخاش الَّتِي فِي القصبة حَتَّى قيل ان المزمار إِنَّمَا اتخذ على مِثَال ذَلِك من الانسان فَإِذا تعجبت من الصِّنَاعَة الَّتِي تعملها اكف النَّاس حَتَّى تخرج مِنْهَا تِلْكَ الاصوات فَمَا احراك بطول التَّعَجُّب من الصِّنَاعَة الالهية الَّتِي اخرجت تِلْكَ الْحُرُوف والاصوات من اللَّحْم وَالدَّم وَالْعُرُوق وَالْعِظَام وَيَا بعد مَا بَينهمَا وَلَكِن المألوف الْمُعْتَاد لَا يَقع عِنْد النُّفُوس موقع التَّعَجُّب فَإِذا رَأَتْ مَالا نِسْبَة لَهُ اليه اصلا الا انه غَرِيب عِنْدهَا تَلَقَّتْهُ بالتعجب وتسبيح الرب تَعَالَى وَعِنْدهَا من آيَاته العجيبة الباهرة مَا هُوَ اعظم من ذَلِك مِمَّا لَا يُدْرِكهُ الْقيَاس ثمَّ تَأمل اخْتِلَاف هَذِه النغمات وتباين هَذِه الاصوات مَعَ تشابه الْحَنَاجِر والحلوق والالسنة والشفاة والاسنان فَمن الَّذِي ميز بَينهَا أتم تَمْيِيز مَعَ تشابه محالها سوى الخلاق الْعَلِيم
فصل وَفِي هَذِه الالات مآرب اخرى وَمَنَافع سوى مَنْفَعَة الْكَلَام فَفِي الحنجرة
مَسْلَك النسيم الْبَارِد الَّذِي يروح على الْفُؤَاد بِهَذَا النَّفس الدَّائِم المتتابع وَفِي اللِّسَان مَنْفَعَة الذَّوْق فتذاق بِهِ الطعوم وتدرك لذتها ويميز بهَا بَينهَا فَيعرف حَقِيقَة كل وَاحِد مِنْهَا وَفِيه مَعَ ذَلِك مَعُونَة على إساغة الطَّعَام وان يلوكه ويقلبه حَتَّى يسهل مسلكه فِي الْحلق وَفِي الاسنان من الْمَنَافِع مَا هُوَ مَعْلُوم من تقطيع الطَّعَام كَمَا تقدم وفيهَا إِسْنَاد الشفتين وإمساكهما
عَن الاسترخاء وتشويه الصُّورَة وَلِهَذَا ترى من سَقَطت اسنانه كَيفَ تسترخي شفتاه وَفِي الشفتين مَنَافِع عديدة يرشف بهَا الشَّرَاب حَتَّى يكون الدَّاخِل مِنْهُ الى حلقه بِقدر فَلَا يشرق بِهِ الشَّارِب ثمَّ هما بَاب مغلق على الْفَم الَّذِي اليه يَنْتَهِي اليه مَا يخرج من الْجوف وَمِنْه يبتدي مَا يلج فَهِيَ فهما عَطاء وطابق عَلَيْهِ يفتحهما البواب مَتى شَاءَ ويغلقهما إِذا شَاءَ وهما ايضا جمال وزينة للْوَجْه وَفِيهِمَا مَنَافِع اخرى سوى ذَلِك وَانْظُر الى من سَقَطت شفتاه مَا اشوه منظره وَقد بَان ان كل وَاحِد من هَذِه الاعضاء يتَصَرَّف الى وُجُوه شَتَّى من الْمَنَافِع والمآرب والمصالح كَمَا تتصرف الاداة الْوَاحِدَة فِي اعمال شَتَّى هَذَا وَلَو رَأَيْت الدِّمَاغ وكشف لَك عَن تركيبه وخلقه لرايت الْعجب العجاب وَتكشف لَك عَن تركيب يحار فِيهِ الْعقل قد لف بحجب وأغشيه بَعْضهَا فَوق بعض لتصونه عَن الاعراض وَتَحفظه عَن الِاضْطِرَاب ثمَّ اطبقت عَلَيْهِ الجمجمة بِمَنْزِلَة الخوذة وبيضة الْحَدِيد لتقيه حد الصدمة والسقطة والضربة الَّتِي تصل اليه فتتلقاها تِلْكَ الْبَيْضَة عَنهُ بِمَنْزِلَة الخوذة الَّتِي على راس الْمُحَارب ثمَّ جللت تِلْكَ الجمجمة بِالْجلدِ الَّذِي هُوَ فَرْوَة الراس يستر الْعظم من البروز للمؤذيات ثمَّ كُسِيت تِلْكَ الفروة حلَّة من الشّعْر الوافر وقاية لَهَا وسترا من الْحر وَالْبرد والاذى وجمالا وزينة لَهُ فسل الْمُعَطل من الَّذِي حصن الدِّمَاغ هَذَا التحصين وَقدره هَذَا التَّقْدِير وَجعله خزانَة اودع فِيهَا من الْمَنَافِع والقوى والعجائب مَا اودعه ثمَّ احكم سد تِلْكَ الخزانة وحصنها اتم تحصين وصانها اعظم صِيَانة وَجعلهَا مَعْدن الْحَواس والادراكات وَمن الَّذِي جعل الاجفان على الْعَينَيْنِ كالغشاء والاشفار كالاشراج والاهداب كالرفوف فوف عَلَيْهَا إِذا فتحت وَمن الَّذِي ركب طبقاتها الْمُخْتَلفَة طبقَة فَوق طبقَة حَتَّى بلغت عدد السَّمَوَات سبعا وَجعل لكل طبقَة مَنْفَعَة وَفَائِدَة فَلَو اختلت طبقَة مِنْهَا لاختل الْبَصَر وَمن شقهما فِي الْوَجْه احسن شقّ واعطاهما احسن شكل وأودع الملاحة فيهمَا وجعلهما مرْآة للقلب وطليعة وحارسا للبدن ورائدا يُرْسِلهُ كالجند فِي مهماته فَلَا يتعب وَلَا يعيا على كَثْرَة ظعنه وَطول سَفَره وَمن اودع النُّور الباصر فِيهِ فِي قدر جرم العدسة فَيرى فِيهِ السَّمَوَات والارض وَالْجِبَال وَالشَّمْس وَالْقَمَر والبحار والعجائب من دَاخل سبع طَبَقَات وجعلهما فِي أعلا الْوَجْه بِمَنْزِلَة الحارس على الرابية الْعَالِيَة ربيتة للبدن وَمن حجب الْملك فِي الصُّدُور وَأَجْلسهُ هُنَاكَ على كرْسِي المملكة واقام جند الْجَوَارِح والاعضاء والقوى الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة فِي خدمته وذللها لَهُ فَهِيَ مؤتمرة إِذا امرها منتهية إِذا نهاها سامعة لَهُ مطيعة تكدح وتسعى فِي مرضاته فَلَا تَسْتَطِيع مِنْهُ خلاصا وَلَا خُرُوجًا عَن امْرَهْ فَمِنْهَا رَسُوله وَمِنْهَا بريده وَمِنْهَا ترجمانه وَمِنْهَا اعوانه وكل مِنْهَا على عمل لَا يتعداه وَلَا يتَصَرَّف فِي غير عمله حَتَّى إِذا أَرَادَ الرَّاحَة أوعز اليها بالهدو والسكون ليَأْخُذ الْملك رَاحَته فَإِذا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه قَامَت جُنُوده