الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا فَلم ينف الْوَلِيّ نفيا عَاما مُطلقًا بل نفى ان يكون لَهُ ولي من الذل واثبت فِي مَوضِع آخر ان لَهُ اولياء بقوله الا ان أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ وَقَوله الله ولي الَّذين آمنُوا فَهَذَا مُوالَاة رَحْمَة وإحسان وجبر والموالاة المنفية مُوالَاة حَاجَة وذل يُوضح هَذَا الْوَجْه السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعدالمائة وَهُوَ مَا روى عَن النَّبِي من وُجُوه مُتعَدِّدَة انه قَالَ يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وتاويل الْجَاهِلين فَهَذَا الْحمل الْمشَار اليه فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ التَّوَكُّل الْمَذْكُور فِي الاية فَأخْبر ان الْعلم الَّذِي جَاءَ بِهِ يحملهُ عدُول امته من كل خلف حَتَّى لَا يضيع وَيذْهب وَهَذَا يتَضَمَّن تعديله لحمله الْعلم الَّذِي بعث بِهِ وَهُوَ الْمشَار اليه فِي قَوْله هَذَا الْعلم فَكل من حمل الْعلم الْمشَار اليه لَا بُد وان يكون عدلا وَلِهَذَا اشْتهر عندالامة عَدَالَة نقلته وَحَمَلته اشتهارا لَا يقبل شكا وَلَا امتراء وَلَا ريب ان من عدله رَسُول الله لَا يسمع فِيهِ جرح فالائمة الَّذين اشتهروا عِنْد الامة بِنَقْل الْعلم النَّبَوِيّ وميراثه كلهم عدُول بتعديل رَسُول الله وَلِهَذَا لَا يقبل قدح بَعضهم فِي بعض وَهَذَا بِخِلَاف من اشْتهر عندالامة جرحه والقدح فِيهِ كأئمة الْبدع وَمن جرى مجراهم من المتهمين فِي الدّين فانهم لَيْسُوا عندالامة من حَملَة الْعلم فَمَا حمل علم رَسُول الله الا عدل وَلَكِن قد يغلط فِي مُسَمّى الْعَدَالَة فيظن ان المُرَاد بِالْعَدْلِ من لَا ذَنْب لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ عدل مؤتمن على الدّين وَإِن كَانَ مِنْهُ مَا يَتُوب الى الله مِنْهُ فَإِن هَذَا لَا يُنَافِي الْعَدَالَة كَمَا لَا يُنَافِي الايمان وَالْولَايَة
فصل وَهَذَا الحَدِيث لَهُ طرق عديدة مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عدي عَن مُوسَى
ابْن اسماعيل بن مُوسَى بن جَعْفَر عَن ابيه عَن جده جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن ابيه عَن عَليّ عَن النَّبِي وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْعَوام بن حَوْشَب عَن شهر بن حَوْشَب عَن معَاذ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذكره الْخَطِيب وَغَيره
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن ابي حبيب عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ من حَدِيث ابْن ابي كَرِيمَة عنم عاذ ابْن رِفَاعَة السلَامِي عَن ابي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن اسامة بن زيد عَن النَّبِي وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ حَمَّاد بن يزِيد عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن معَاذ بن رِفَاعَة عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمن العذري قَالَ قَالَ رَسُول الله قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا احْمَد بن الْحسن بن زيد حَدثنَا هَاشم بن الْقَاسِم حَدثنَا مثنى ابْن بكر ومبشر وَغَيرهمَا من اهل الْعلم كلهم يَقُولُونَ حَدثنَا معَاذ بن رِفَاعَة عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن
عَن النَّبِي يَعْنِي ان الْمَحْفُوظ من هَذَا الطَّرِيق مُرْسل لَان إِبْرَاهِيم هَذَا لَا صُحْبَة لَهُ وَقَالَ الْخلال فِي كتاب الْعِلَل قَرَأت على زُهَيْر بن صَالح بن احْمَد حَدثنَا مهنا قَالَ سَالَتْ احْمَد عَن حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري قَالَ قَالَ رَسُول الله يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين فَقلت لاحمد كَأَنَّهُ مَوْضُوع قَالَ لَا هُوَ صَحِيح فَقلت مِمَّن سمعته انت فَقَالَ من غير وَاحِد قلت من هم قَالَ حَدثنِي بِهِ مِسْكين الا انه يَقُول عَن معَاذ عَن الْقَاسِم بن عبد الرحمن قَالَ احْمَد ومعاذ بن رِفَاعَة لَا بَأْس بِهِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابو صَالح حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ سَمِعت النَّبِي يَقُول يَرث هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله وَمِنْهَا مارواه ابو احْمَد بن عدي من حَدِيث زُرَيْق بن عبد الله الالهاني عَن الْقَاسِم بن عبد الرحمن عَن ابي امامة الْبَاهِلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله رَوَاهُ عَنهُ بَقِيَّة وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ بن عدي ايضا من طَرِيق مَرْوَان الْفَزارِيّ عَن يزِيد بن كيسَان عَن ابي حَازِم عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ تَمام فِي فَوَائده من حَدِيث اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن ابي الْخَيْر عَن ابي قبيل عَن عبد الله بن عَمْرو وابي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَنهُ خَالِد بن عَمْرو وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ القَاضِي اسماعيل من حَدِيث عَليّ بن مُسلم البلوي عَن ابي صَالح الاشعري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي الْوَجْه السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعدالمائة ان بَقَاء الدّين وَالدُّنْيَا فِي بَقَاء الْعلم وبذهاب الْعلم تذْهب الدُّنْيَا وَالدّين فقوام الدّين وَالدُّنْيَا انما هُوَ بِالْعلمِ قَالَ الاوزاعي قَالَ ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة وَالْعلم يقبض قبضا سَرِيعا فنعش الْعلم ثبات الدّين وَالدُّنْيَا وَذَهَاب الْعلم ذهَاب ذل كُله وَقَالَ ابْن وهب اخبرني يزِيد عَن ابْن شهَاب قَالَ بلغنَا عَن رجال من اهل الْعلم انهم كَانُوا يَقُولُونَ الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة وَالْعلم يقبض قبضا سَرِيعا فنعش الْعلم ثبات الدّين وَالدُّنْيَا وَذَهَاب الْعلم ذهَاب ذَلِك كُله الْوَجْه الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعدالمائة ان الْعلم يرفع صَاحبه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَالا يرفعهُ الْملك وَلَا المَال وَلَا غَيرهمَا فالعلم يزِيد الشريف شرفا وَيرْفَع العَبْد الْمَمْلُوك حَتَّى يجلسه مجَالِس الْمُلُوك كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن ابي الطُّفَيْل ان نَافِع بن عبد الحارث اتى عمر بن الْخطاب بعسفان وَكَانَ عمر اسْتَعْملهُ على اهل مَكَّة فَقَالَ لَهُ عمر من اسْتخْلفت على اهل الْوَادي قَالَ اسْتخْلفت عَلَيْهِم ابْن ابزي فَقَالَ من ابْن ابزي فَقَالَ رجل من موالينا فَقَالَ عمر اسْتخْلفت عَلَيْهِم مولى فَقَالَ إِنَّه قَارِئ لكتاب الله عَالم بالفرائض فَقَالَ عمر اما أَن نَبِيكُم قد قَالَ إِن الله يرفع بِهَذَا الْكتاب اقواما وَيَضَع بِهِ آخَرين قَالَ ابو الْعَالِيَة كنت آتِي ابْن عَبَّاس وَهُوَ على سَرِيره وَحَوله قُرَيْش فَيَأْخُذ بيَدي فيجلسني مَعَه على السرير فتغامز بِي قُرَيْش فَفطن لَهُم ابْن عَبَّاس فَقَالَ كَذَا هَذَا الْعلم يزِيد الشريف شرفا وَيجْلس الْمَمْلُوك على الاسرة
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ كَانَ عَطاء ابْن ابي رَبَاح عبيدا اسود لامْرَأَة من مَكَّة وَكَانَ انفه كَأَنَّهُ بالاقة قَالَ وَجَاء سُلَيْمَان بن عبد الملك امير الْمُؤمنِينَ الى عَطاء هُوَ وابناه فجلسوا اليه وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا صلى انْفَتَلَ اليهم فَمَا زَالُوا يسألونه عَن مَنَاسِك الْحَج وَقد حول قَفاهُ اليهم ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان لابْنَيْهِ قوما فقاما فَقَالَ يَا بني تنيا فِي طلب الْعلم فَإِنِّي لَا انسى ذلنا بَين يَدي هَذَا العَبْد الاسود قَالَ الْحَرْبِيّ وَكَانَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الا وقص عُنُقه دَاخل فِي بدنه وَكَانَ منكباه خَارِجين كَأَنَّهُمَا زجان فَقَالَت امهِ يَا بني لَا تكون فِي مجْلِس قوم الا كنت المضحوك مِنْهُ المسخور بِهِ فَعَلَيْك بِطَلَب الْعلم فَإِنَّهُ يرفعك فولى قَضَاء مَكَّة عشْرين سنة قَالَ وَكَانَ الْخصم إِذا جلس اليه بَين يَدَيْهِ يرعد حَتَّى يقوم قَالَ وَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَة وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقبتي من النَّار فَقَالَت لَهُ يَا ابْن اخي واي رَقَبَة لَك وَقَالَ يحيى ابْن اكثم قَالَ الرَّشِيدِيّ مَا انبل الْمَرَاتِب قلت مَا انت فِيهِ يَا امير الْمُؤمنِينَ قَالَ فتعرف اجل مني قلت لَا قَالَ لكني اعرفه رجل فِي حلقه يَقُول حَدثنَا فلَان عَن فلَان عَن رَسُول الله قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اهذا خير مِنْك وانت ابْن عَم رَسُول الله وَولي عهد الْمُؤمنِينَ قَالَ نعم وَيلك هَذَا خير مني لَان اسْمه مقترن باسم رَسُول الله لَا يَمُوت ابدا وَنحن نموت ونفني وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر وَقَالَ خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان سَمِعت ابي الخناجر يَقُول كُنَّا فِي مجْلِس ابْن هَارُون وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا إِلَيْهِ فَمر امير الْمُؤمنِينَ فَوقف علينا فِي الْمجْلس وَفِي الْمجْلس الوف فَالْتَفت الى اصحابه وَقَالَ هَذَا الْملك وَفِي تَارِيخ بَغْدَاد للخطيب حَدثنِي ابو النجيب عبد الْغفار ابْن عبد الواحد قَالَ سَمِعت الْحسن بن عَليّ الْمقري يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن بن فَارس يَقُول سَمِعت الاستاذ ابْن العميد يَقُول مَا كنت اظن ان فِي الدُّنْيَا حلاوة الذ من الرياسة والوزارة الَّتِي انا فِيهَا حَتَّى شهِدت مذاكرة سُلَيْمَان ابْن ايوب بن احْمَد الطَّبَرَانِيّ وابي بكر الجعابي بحضرتي فَكَانَ الطَّبَرَانِيّ يغلب بِكَثْرَة حفظه وَكَانَ الجعابي يغلب الطَّبَرَانِيّ بفطنته وزكا اهل بَغْدَاد حَتَّى ارْتَفَعت اصواتهم وَلَا يكَاد احدهما يغلب صَاحبه فَقَالَ الجعابي عِنْدِي حَدِيث لَيْسَ فِي الدُّنْيَا الا عِنْدِي فَقَالَ هاته فَقَالَ حَدثنَا ابو خليف حَدثنَا سُلَيْمَان بن ايوب وَحدث بِالْحَدِيثِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ انبأنا سُلَيْمَان بن ايوب ومني سمع ابو خَليفَة فاسمع مني حَتَّى يَعْلُو اسنادك فَإنَّك تروي عَن ابي خَليفَة عني فَخَجِلَ الجعابي وغلبه الطَّبَرَانِيّ قَالَ ابْن العميد فوددت فِي مَكَاني ان الوزارة والرياسة ليتها لم تكن لي وَكنت الطَّبَرَانِيّ وفرحت مثل الْفَرح الَّذِي فَرح الطَّبَرَانِيّ لاجل الحَدِيث اَوْ كَمَا قَالَ وَقَالَ الْمُزنِيّ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول من تعلم الْقُرْآن عظمت قِيمَته وَمن نظر فِي الْفِقْه نبل مِقْدَاره وَمن تعلم اللُّغَة رق طبعه وَمن تعلم الْحساب جزل رَأْيه وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ علمه وَقد روى هَذَا الْكَلَام عَن الشَّافِعِي من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ من ارادالدنيا والاخرة فَعَلَيهِ بِطَلَب الْعلم وَقَالَ عبد
الله بن دَاوُد سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول ان هَذَا الحَدِيث عز فَمن اراد بِهِ الدُّنْيَا وجدهَا وَمن اراد بِهِ الاخرة وجدهَا وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل من اراد ان يشرف فِي الدُّنْيَا والاخرة فليتعلم الْعلم وَكفى بِالْمَرْءِ سَعَادَة ان يوثق بِهِ فِي دين الله وَيكون بَين الله وَبَين عباده وَقَالَ حَمْزَة بن سعيد الْمصْرِيّ لما حدث ابو مُسلم اللَّخْمِيّ اول يَوْم حدث قَالَ لِابْنِهِ كم فضل عندنَا من اثمان غلاتنا قَالَ ثَلَاثمِائَة دِينَار قَالَ فرقها على اصحاب الحَدِيث والفقراء شكرا ان أَبَاك الْيَوْم شهد عَليّ رَسُول الله فَقبلت شَهَادَته وَفِي كتاب الجليس والانيس لأبي الْفرج الْمعَافي بن زَكَرِيَّاء الْجريرِي حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن دُرَيْد حَدثنَا ابو حَاتِم عَن الْعُتْبِي عَن ابيه قَالَ ابتنى مُعَاوِيَة بالابطح مَجْلِسا فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَمَعَهُ ابْنه قرظة فَإِذا هُوَ بِجَمَاعَة على رحال لَهُم وَإِذا شَاب مِنْهُم قد رفع عقيرته يتَغَنَّى:
من يساجلني يساجل مَا جدا
…
يمْلَأ الدَّلْو الى عقد الكرب قَالَ من هَذَا قَالُوا عبد الله بن جَعْفَر قَالَ خلوا لَهُ الطَّرِيق ثمَّ إِذا هُوَ بِجَمَاعَة فيهم غُلَام يتَغَنَّى:
بَيْنَمَا يذكرنني ابصرتني
…
عِنْد قيد الْميل يسْعَى بِي الاغر قُلْنَ تعرفن الْفَتى قُلْنَ نعم
…
قد عَرفْنَاهُ وَهل يخفى الْقَمَر قَالَ من هَذَا قَالُوا عمر بن ابي ربيعَة قَالَ خلوا لَهُ الطَّرِيق فليذهب قَالَ ثمَّ اذا هوبجماعة وَإِذا فيهم رجل يسئل فَيُقَال لَهُ رميت قبل ان احْلق وحلقت قبل ان ارمي فِي اشياء اشكلت عَلَيْهِم من مَنَاسِك الْحَج فَقَالَ من هَذَا قَالُوا عبد الله بن عمر فَالْتَفت الى ابْنه قرظة وَقَالَ هَذَا وابيك الشّرف هَذَا وَالله شرف الدُّنْيَا والاخرة وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة ارْفَعْ النَّاس منزلَة عِنْد الله من كَانَ بَين الله وَبَين عباده وهم الانبياء وَالْعُلَمَاء وَقَالَ سهل التسترِي من أَرَادَ ان ينظر الى مجَالِس الانبياء فَلْينْظر الى مجَالِس الْعلمَاء يَجِيء الرجل فَيَقُول يَا فلَان ايش تَقول فِي رجل حلف على امْرَأَته بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُول طلقت امْرَأَته وَيَجِيء آخر فَيَقُول حَلَفت بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُول لَيْسَ يَحْنَث بِهَذَا القَوْل وَلَيْسَ هَذَا الا لنَبِيّ اَوْ عَالم فاعرفوا لَهُم ذَلِك الْوَجْه التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعدالمائة ان النُّفُوس الجاهلة الَّتِي لاعلم عِنْدهَا قد البست ثوب الذل والازراء عَلَيْهَا والتنقص بهَا اسرع مِنْهُ الى غَيرهَا وَهَذَا امْر مَعْلُوم عِنْد الْخَاص وَالْعَام قَالَ الاعمش اني لارى الشَّيْخ لَا يرْوى شَيْئا من الحَدِيث فاشتهى ان الطمه وَقَالَ مُعَاوِيَة سَمِعت الاعمش يَقُول من لم يطْلب الحَدِيث اشْتهى ان أضعفه بنعليوقال هِشَام بن عَليّ سَمِعت الاعمش يَقُول إِذا رايت الشَّيْخ لم يقرا الْقُرْآن وَلم يكْتب الحَدِيث فاصفع لَهُ فَإِنَّهُ من شُيُوخ القمراء قَالَ ابو صَالح قلت لابي جَعْفَر مَا شُيُوخ القمراء قَالَ شُيُوخ دهريون يَجْتَمعُونَ فِي ليَالِي الْقَمَر يتذاكرون أَيَّام النَّاس وَلَا يحسن احدهم ان يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَقَالَ الْمُزنِيّ كَانَ الشَّافِعِي إِذا رأى شَيخا سَأَلَهُ عَن الحَدِيث وَالْفِقْه فَإِن كَانَ عِنْده شَيْء وَإِلَّا قَالَ لَهُ لَا جَزَاك الله خيرا عَن نَفسك وَلَا عَن الاسلام قد
ضيعت نَفسك وضيعت الاسلام وَكَانَ بعض خلفاء بني الْعَبَّاس يلْعَب بالشطرنج فاستاذن عَلَيْهِ عَمه فاذن لَهُ وغطى الرقعة فَلَمَّا جلس قَالَ لَهُ يَا عَم هَل قَرَأت الْقُرْآن قَالَ قَالَ هَل كتبت شَيْئا من السّنة قَالَ لَا قَالَ فَهَل نظرت فِي الْفِقْه وَاخْتِلَاف النَّاس قَالَ لَا قَالَ فَهَل نظرت فِي الْعَرَبيَّة وايام النَّاس قَالَ لَا قَالَ فَقَالَ الْخَلِيفَة اكشف الرقعة ثمَّ اتم اللّعب وَزَالَ احتشامه وحياؤه مِنْهُ وَقَالَ لَهُ ملاعبه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تكشفها ومعنا من تحتشم مِنْهُ قَالَ اسْكُتْ فَمَا مَعنا اُحْدُ وَهَذَا لَان الانسان انما تميز عَن سائ الْحَيَوَانَات بِمَا خص بِهِ من الْعلم وَالْعقل والفهم فَإِذا عدم ذَلِك لم يبْق فِيهِ الا الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين سَائِر الْحَيَوَانَات وَهِي الحيوانية البهيمية وَمثل هَذَا لَا يستحي مِنْهُ النَّاس وَلَا يمْنَعُونَ بِحَضْرَتِهِ وشهوده مِمَّا يستحيا مِنْهُ من اولى الْفضل وَالْعلم الْوَجْه الاربعون بعدالمائة ان كل صَاحب بضَاعَة سوى الْعلم إِذا علم ان غير بضاعته خير مِنْهَا زهد فِي بضاعته وَرغب فِي الاخرى وود انها لَهُ عوض بضاعته الا صَاحب بضَاعَة الْعلم فَإِنَّهُ لَيْسَ يحب ان لَهُ يحظه مِنْهَا حَظّ اصلا وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِذا رأى الشَّيْخ لم يكْتب الحَدِيث قَالَ لاجزاك الله عَن الاسلام خيرا قَالَ ابو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ كنت عِنْد احْمَد بن ابي عمرَان فَمر بِنَا رجل من بني الدُّنْيَا فَنَظَرت اليه وشغلت بِهِ عَمَّا كنت فِيهِ من المذاكرة فَقَالَ لي كَأَنِّي بك قد فَكرت فِيمَا اعطى هَذَا الرجل من الدُّنْيَا قلت لَهُ نعم قَالَ هَل ادلك على خلة هَل لَك ان يحول الله اليك مَا عِنْده من المَال ويحول اليه مَا عنْدك من الْعلم فتعيش انت غَنِيا جَاهِلا ويعيش هُوَ عَالما فَقِيرا فَقلت مَا اخْتَار ان يحول الله مَا عِنْدِي من الْعلم الى مَا عِنْده فالعلم غنى بِلَا مَال وَعز بِلَا عشيرة وسلطان بِلَا رجال وَفِي ذَلِك قيل:
الْعلم كنز وَذخر لَا نفاد لَهُ
…
نعم القرين إِذا مَا صَاحب صحبا قد يجمع الْمَرْء مَالا ثمَّ يحرمه
…
عَمَّا قَلِيل فَيلقى الذل والحربا وجامع الْعلم مغبوط بِهِ ابدا
…
وَلَا يحاذر مِنْهُ الْفَوْت والسلبا يَا جَامع الْعلم نعم الذخر تجمعه
…
لَا تعدلن بِهِ درا وَلَا ذَهَبا
الْوَجْه الْحَادِي والاربعون بعدالمائة ان الله سُبْحَانَهُ اخبر انه يجزى الْمُحْسِنِينَ اجرهم باحسن مَا كانواي يعْملُونَ وَاخْبَرْ سُبْحَانَهُ انه يجزى على الاحسان بِالْعلمِ وَهَذَا يدل على انه من احسن الْجَزَاء اما الْمقَام الاول فَفِي قَوْله تَعَالَى وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ اولئك هم المتقون لَهُم مَا يشاءون عِنْد رَبهم ذَلِك جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ليكفر الله عَنْهُم اسوا الَّذِي عمِلُوا ويجزيهم اجرهم باحسن الَّذِي كانوايعملون وَهَذَا يتَنَاوَل الجزاءين الدنيوي والاخروي واما الْمقَام الثَّانِي فَفِي قَوْله تَعَالَى وَلما بلغ اشده آتيناه حكما وعلما وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ قَالَ الْحسن من احسن عبَادَة الله فِي شيبته لقاه الله الْحِكْمَة عِنْد كبر سنه وَذَلِكَ قَوْله وَلما بلغ اشده آتيناه
حكما وعلما وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ وَمن هَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء تَقول الْحِكْمَة من التمسني فَلم يجدني فليعمل باحسن مَا يعلم وليترك اقبح مَا يعلم فَإِذا فعل ذَلِك فَإنَّا مَعَه وَإِن لم يعرفنِي الْوَجْه الثَّانِي والاربعون بعدالمائة ان الله سُبْحَانَهُ جعل الْعلم للقلوب كالمطر للارض فَكَمَا انه لَا حَيَاة للارض الا بالمطر فَكَذَلِك لَا حَيَاة للقلب الا بِالْعلمِ وَفِي الْمُوَطَّأ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ يَا بني جَالس الْعلمَاء وزاحمهم بركبتيك فان الله تَعَالَى يحيى الْقُلُوب الْميتَة بِنور الْحِكْمَة كَمَا يحيى الارض بوابل الْمَطَر وَلِهَذَا فَإِن الأرضإنا تحْتَاج الى الْمَطَر فِي بعض الاوقات فَإِذا تتَابع عَلَيْهَا احْتَاجَت الى انْقِطَاعه واما الْعلم فَيحْتَاج اليه بِعَدَد الانفاس ولاتزيده كثرته الا صلاحا ونفعا الْوَجْه الثَّالِث والاربعون بعد الْمِائَة ان كثيرا من الاخلاق الَّتِي لَا تحمد فِي الشَّخْص بل يذم عَلَيْهَا تحمد فِي طلب الْعلم كالملق وَترك الاستحياء والذل والتردد الى ابواب الْعلمَاء وَنَحْوهَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة جَاءَ فِي الحَدِيث لَيْسَ الملق من اخلاق الْمُؤمنِينَ الا فِي طلب الْعلم وَهَذَا اثر عَن بعض السّلف وَقَالَ ابْن عَبَّاس ذللت طَالبا فعززت مَطْلُوبا وَقَالَ وجدت عَامَّة علم رَسُول الله عِنْد هَذَا الْحَيّ من الانصار إِن كنت لاقيل عِنْد بَاب احدهم وَلَو شِئْت اذن لي وَلَكِن ابْتغى بذلك طيب نَفسه وَقَالَ ابو اسحاق قَالَ على كَلِمَات لَو رحلتم الْمطِي فِيهِنَّ لافنيتموهن قبل ان تدركوا مِثْلهنَّ لايرجون عبد الا ربه وَلَا يخافن الا ذَنبه وَلَا يستحيي من لاي علم ان يتَعَلَّم وَلَا يستحيي إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم ان يَقُول لَا أعلم وَاعْلَمُوا ان منزلَة الصَّبْر من الايمان كمنزلة الراس من الْجَسَد فَإِذا ذهب الراس ذهب الْجَسَد وَإِذا ذهب الْبَصَر ذهب الايمان وَمن كَلَام بعض الْعلمَاء لاينال الْعلم مستحي وَلَا متكبر هَذَا يمنعهُ حياؤه من التَّعَلُّم وَهَذَا يمنعهُ كبره وَإِنَّمَا حمدت هَذِه الاخلاق فِي طلب الْعلم لانها طَرِيق الى تَحْصِيله فَكَانَت من كَمَال الرجل ومفضية الى كَمَاله وَمن كَلَام الْحسن من استتر عَن طلب الْعلم بِالْحَيَاءِ لبس للْجَهْل سرباله فَاقْطَعُوا سرابيل بِالْحَيَاءِ فانه من رُؤْيَة وَجهه رق علمه وَقَالَ الْخَلِيل منزلَة الْجَهْل بَين الْحيَاء والانفة وَمن كَلَام على رضى الله تَعَالَى عَنهُ قرنت الهيبة بالخيبة وَالْحيَاء بالحرمان وَقَالَ إِبْرَاهِيم لمنصور سل مَسْأَلَة الحمقى واحفظ حفظ الاكياس وَكَذَلِكَ سُؤال النَّاس هُوَ عيب وَنقص فِي الرجل وذلة تنَافِي الْمُرُوءَة الا فِي الْعلم فَإِنَّهُ عين كَمَاله ومروءته وعزه كَمَا قَالَ بعض اهل الْعلم خير خِصَال الرجل السُّؤَال عَن الْعلم وَقيل إِذا جَلَست الى عَالم فسل تفقها لاتعنتا وَقَالَ رية بن العجاج اتيت النسابة الْبكْرِيّ فَقَالَ من انت قلت انا ابْن العجاج قَالَ قصرت وَعرفت لَعَلَّك كقوم ان سكت لم يسلوني وان تَكَلَّمت لم يعوا عني قلت ارجو ان لَا اكون كَذَلِك قَالَ مَا اعداء الْمُرُوءَة قلت تُخبرنِي قَالَ بنوعم السوء ان رَأَوْا حسنا ستروه وَإِن رَأَوْا سَيِّئًا اذاعوه ثمَّ قَالَ إِن للْعلم آفَة ونكدا وهجنة فآفته
نسيانه ونكده الْكَذِب فِيهِ وهجنته نشره عندغير اهله وانشد ابْن الاعرابي:
مَا اقْربْ الاشياء حِين يَسُوقهَا
…
قدرُوا بعْدهَا إِذا لم تقدر فسل الْفَقِيه تكن فَقِيها مثله
…
من يسع فِي علم بذل يمهر فَتدبر الْعلم الَّذِي تفتى بِهِ
…
لَا خير فِي علم بِغَيْر تدبر وَلَقَد يجد الْمَرْء وَهُوَ مقصر
…
ويخيب جدالمرء غير مقصر ذهب الرِّجَال الْمُقْتَدِي بفعالهم
…
والمنكرون لكل امْر مُنكر وَبقيت فِي خلف يزين بَعضهم
…
بَعْضًا ليدفع معور عَن معور
وللعلم سِتّ مَرَاتِب اولها حسن السُّؤَال الثَّانِيَة حسن الانصات وَالِاسْتِمَاع الثَّالِثَة حسن الْفَهم الرَّابِعَة الْحِفْظ الْخَامِسَة التَّعْلِيم السَّادِسَة وَهِي ثَمَرَته وَهِي الْعَمَل بِهِ ومراعاة حُدُوده فَمن النَّاس من يحرمه لعدم حسن سُؤَاله أما لانه لَا يسال بِحَال اَوْ يسال عَن شَيْء وَغَيره اهم اليه مِنْهُ كمن يسْأَل عَن فضوله الَّتِي لَا يضر جَهله بهَا ويدع مَالا غنى لَهُ عَن مَعْرفَته وَهَذِه حَال كثير من الْجُهَّال المتعلمين وَمن النَّاس من يحرمه لسوء انصاته فَيكون الْكَلَام والممارات آثر عِنْده وَأحب اليه من الانصاب وَهَذِه آفَة كامنة فِي اكثر النُّفُوس الطالبة للْعلم وَهِي تمنعهم علما كثيرا وَلَو كَانَ حسن الْفَهم ذكر ابْن عبد البر عَن بعض السّلف انه قَالَ من كَانَ حسن الْفَهم رَدِيء الِاسْتِمَاع لم يقم خَيره بشره وَذكر عبد الله بن احْمَد فِي كتاب الْعِلَل لَهُ قَالَ كَانَ عُرْوَة بن الزبير يحب مماراة ابْن عَبَّاس فَكَانَ يخزن علمه عَنهُ وَكَانَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة يلطف لَهُ فِي السُّؤَال فيعزه بِالْعلمِ عزا وَقَالَ ابْن جريج لم أستخرج الْعلم الَّذِي استخرجت من عَطاء إِلَّا برفقي بِهِ وَقَالَ بعض السّلف إِذا جالست الْعَالم فَكُن على ان تسمع احرص مِنْك على ان تَقول وَقد قَالَ الله تَعَالَى إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب اَوْ القى السّمع وَهُوَ شَهِيد فَتَأمل مَا تَحت هَذِه الالفاظ من كنوز الْعلم وَكَيف تفتح مراعاتها للْعَبد ابواب الْعلم وَالْهدى وَكَيف ينغلق بَاب الْعلم عَنهُ من اهمالها وَعدم مراعاتها فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمر عباده ان يتدبروا آيَاته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بِمَا تكون تذكرة لمن كَانَ لَهُ قلب فَإِن من عدم الْقلب الواعي عَن الله لم ينْتَفع بِكُل آيَة تمر عَلَيْهِ وَلَو مرت بِهِ كل آيَة ومرور الايات عَلَيْهِ كطلوع الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ومرورها على من لَا بصر لَهُ فَإِذا كَانَ لَهُ قلب كَانَ بِمَنْزِلَة الْبَصِير إِذا مرت بِهِ المرئيات فَإِنَّهُ يَرَاهَا وَلَكِن صَاحب الْقلب لَا ينْتَفع بِقَلْبِه الا بأمرين احدهما ان يحضرهُ ويشهده لما يلقى اليه فَإِن كَانَ غَائِبا عَنهُ مُسَافِرًا فِي الاماني والشهوات والخيالات لَا ينْتَفع بِهِ فَإِذا احضره اشهده لم ينْتَفع الا بَان يلقى سَمعه ويصغى بكليته الى مايوعظ بِهِ ويرشد اليه وَهَا هُنَا ثَلَاثَة
امور احدها سَلامَة الْقلب وَصِحَّته وقبوله الثَّانِي احضاره وَجمعه وَمنعه من الشرود والتفرق الثَّالِث القاء السّمع وأصغاؤه والاقبال على الذّكر فَذكر الله تَعَالَى الامور الثَّلَاثَة فِي هَذِه الاية قَالَ ابْن عَطِيَّة الْقلب هُنَا عبارَة عَن الْعقل إِذْ هُوَ مَحَله وَالْمعْنَى لمن كَانَ لَهُ قلب واع ينْتَفع بِهِ قَالَ وَقَالَ الشبلي قلب حَاضر مَعَ الله لَا يغْفل عَنهُ طرفَة عين وَقَوله اَوْ القى السّمع وَهُوَ شَهِيد مَعْنَاهُ صرف سَمعه الى هَذِه الانباء الواعظة واثبته فِي سَمعه فَذَلِك القاء لَهُ عَلَيْهَا وَمِنْه قَوْله والقيت عَلَيْك محبَّة مني أَي اثبتها عَلَيْك وَقَوله وَهُوَ شَهِيد قَالَ بعض المتأولين مَعْنَاهُ وَهُوَ شَاهد مقبل على الامر غير معرض عَنهُ وَلَا مفكر فِي غير مَا يسمع قَالَ وَقَالَ قَتَادَة هِيَ إِشَارَة إِلَى اهل الْكتاب فَكَأَنَّهُ قَالَ ان هَذِه العبر لتذكرة لمن لَهُ فهم فَتدبر الْأَمر اَوْ لمن سَمعهَا من اهل الْكتاب فَشهد بِصِحَّتِهَا لعلمه بهَا من كِتَابه التَّوْرَاة وَسَائِر كتب بني اسرائيل قَالَ فشهيد على التَّأْوِيل الاول من الْمُشَاهدَة وعَلى التاويل الثَّانِي من الشَّهَادَة وَقَالَ الزّجاج معنى من كَانَ لَهُ قلب من شرف قلبه الى التفهم الا ترى ان قَوْله صم بكم عمي انهم لم يستمعوا اسْتِمَاع مستفهم مسترشد فَجعلُوا بِمَنْزِلَة من لم يسمع كَمَا قَالَ الشَّاعِر اصم عَمَّا سَاءَهُ سميع وَمعنى اَوْ القى السّمع اسْتمع وَلم يشغل قلبه بِغَيْر مَا يستمع وَالْعرب تَقول الق الى سَمعك أَي اسْتمع مني وَهُوَ شَهِيد أَي قلبه فِيمَا يسمع وَجَاء فِي التَّفْسِير انه يَعْنِي بِهِ اهل الْكتاب الَّذين عِنْدهم صفة النَّبِي فَالْمَعْنى اَوْ القى السّمع وَهُوَ شَهِيد اشاهد ان صفة النَّبِي فِي كِتَابه وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْن عَطِيَّة عَن قَتَادَة وَذكر ان شَهِيدا فِيهِ بِمَعْنى شَاهد أَي مخبر وَقَالَ صَاحب الْكَشَّاف لمن كَانَ لَهُ قلب واع لَان من لَا يعي قلبه فَكَانهُ لَا قلب لَهُ والقاء السّمع والاصغاء وَهُوَ شَهِيد أَي حَاضر بفطنته لَان من لَا يحضر ذهنه فَكَأَنَّهُ غَائِب اَوْ هُوَ مُؤمن شَاهد على صِحَّته وانه وَحي من الله وَهُوَ بعض الشُّهَدَاء فِي قَوْله لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَعَن قَتَادَة وَهُوَ شَاهد على صدقه من اهل الْكتاب لوُجُود نَعته عِنْده فَلم يخْتَلف فِي ان المُرَاد بِالْقَلْبِ الْقلب الواعي وان المُرَاد بالقاء السّمع إصغاؤه وإقباله على الْمُذكر وتفريغ سَمعه لَهُ وَاخْتلف فِي الشَّهِيد على اربعة اقوال احدها انه من الْمُشَاهدَة وَهِي الْحُضُور وَهَذَا اصح الاقوال وَلَا يَلِيق بالاية غَيره الثَّانِي انه شَهِيد من الشَّهَادَة وَفِيه على هَذِه ثَلَاثَة اقوال احدها انه شَاهد على صِحَة مَا مَعَه من الايقان الثَّانِي انه شَاهد من الشُّهَدَاء على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة الثَّالِث انه شَهَادَة من الله عِنْده على صِحَة نبوة رَسُول الله بِمَا علمه من الْكتب الْمنزلَة وَالصَّوَاب القَوْل الاول فَإِن قَوْله وَهُوَ شَهِيد جملَة حَالية وَالْوَاو فِيهَا وَاو الْحَال أَي القى السّمع فِي هَذِه الْحَال وَهَذَا يقتضى ان يكون حَال القائه السّمع شَهِيدا
وَهَذَا هُوَ من الْمُشَاهدَة والحضور وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ الشَّهَادَة فِي الاخرة اَوْ الدُّنْيَا لما كَانَ لتقييدها بالقاء السّمع معنى اذ يصير الْكَلَام ان فِي ذَلِك لاية لمن كَانَ لَهُ قلب اَوْ القي السّمع حَال كَونه شَاهدا بِمَا مَعَه فِي التَّوْرَاة اَوْ حَال كَونه شَاهدا يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ريب ان هَذَا لَيْسَ هُوَ المُرَاد بالاية وايضا فالاية عَامَّة فِي كل من لَهُ قلب والقى السّمع فَكيف يدعى تخصيصها بمؤمني اهل الْكتاب الَّذين عِنْدهم شَهَادَة من كتبهمْ على صفة النَّبِي وَأَيْضًا فالسورة مَكِّيَّة وَالْخطاب فِيهَا لَا يجوز ان يخْتَص بِأَهْل الْكتاب وَلَا سِيمَا مثل هَذَا الْخطاب الَّذِي علق فِيهِ حُصُول مَضْمُون الاية ومقصودها بِالْقَلْبِ الواعي وإلقاء السّمع فَكيف يُقَال هِيَ فِي اهل الْكتاب فَإِن قيل الْمُخْتَص بهم قَوْله وَهُوَ شَهِيد فَهَذَا افسد وافسد لَان قَوْله وَهُوَ شَهِيد يرجع الضَّمِير فِيهِ الى جملَة من تقدم وَهُوَ من لَهُ قلب اَوْ القى السّمع فَكيف يدعى عوده الى شَيْء غَايَته ان يكون بعض الْمَذْكُور اولا وَلَا دلَالَة فِي اللَّفْظ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِن الْمَشْهُود بِهِ مَحْذُوف وَلَا دلَالَة فِي اللَّفْظ عَلَيْهِ فَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ وَهُوَ شَاهد بِكَذَا لذكر الْمَشْهُود بِهِ إِذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا جعل من الشُّهُود وَهُوَ الْحُضُور فَإِنَّهُ لايقتضى مَفْعُولا مشهودا بِهِ ليتم الْكَلَام بِذكرِهِ وَحده وايضا فَإِن الاية تَضَمَّنت تقسيما وترديدا بَين قسمَيْنِ احدهما من كَانَ لَهُ قلب وَالثَّانِي من القى السّمع وَحضر بِقَلْبِه وَلم يغب فَهُوَ حَاضر الْقلب شَاهده لَا غائبه وَهَذَا وَالله اعْلَم سر الاتيان باو دون الْوَاو لِأَن المنتفع بالايات من النَّاس نَوْعَانِ احدهما ذُو الْقلب الواعي الزكي الَّذِي يَكْتَفِي بهدايته بِأَدْنَى تَنْبِيه وَلَا يحْتَاج الى ان يستجلب قلبه ويحضره ويجمعه من مَوَاضِع شتاته بل قلبه واع زكي قَابل للهدى غير معرض عَنهُ فَهَذَا لَا يحْتَاج الا الى وُصُول الْهدى اليه فَقَط لكَمَال استعداه وَصِحَّة فطرته فَإِذا جَاءَهُ الْهدى سارع قلبه الى قبُوله كانه كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ فَهُوَ قد أدْركهُ مُجملا ثمَّ جَاءَ الْهدى بتفصيل مَا شهد قلبه بِصِحَّتِهِ مُجملا وَهَذِه حَال أكمل الْخلق استجابة لدَعْوَة الرُّسُل كَمَا هِيَ حَال الصّديق الاكبر رضي الله عنه وَالنَّوْع الثَّانِي من لَيْسَ لَهُ هَذَا الاستعداد وَالْقَبُول فَإِذا ورد عَلَيْهِ الْهدى اصغى اليه بسمعه واحضر قلبه وَجمع فكرته عَلَيْهِ وَعلم صِحَّته وَحسنه بنظره واستدلاله وَهَذِه طَريقَة اكثر المستجيبين وَلَهُم نوع ضرب الامثال وَإِقَامَة الْحجَج وَذكر المعارضات والاجوبة عَنْهَا والاولون هم الَّذين يدعونَ بالحكمة وَهَؤُلَاء يدعونَ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة فَهَؤُلَاءِ نوعا المستجيبين واما المعارضون المدعون للحق فنوعان نوع يدعونَ بالمجادلة بِالَّتِي هِيَ احسن فان اسْتَجَابُوا وَإِلَّا فالمجادلة فَهَؤُلَاءِ لَا بُد لَهُم من جِدَال اَوْ جلاد وَمن تَأمل دَعْوَة الْقُرْآن وجدهَا شَامِلَة لهَؤُلَاء الاقسام متناولة لَهَا كلهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ادْع الى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ احسن فَهَؤُلَاءِ المدعوون بالْكلَام واما اهل الجلاد فهم الَّذين امْر الله قِتَالهمْ حَتَّى لاتكون فتْنَة وَيكون الدّين كُله لله واما من فسر الاية
بِأَن المُرَاد بِمن كَانَ لَهُ قلب هُوَ المستغنى بفطرته عَن علم الْمنطق وَهُوَ الْمُؤَيد بِقُوَّة قدسية ينَال بهَا الْحَد الاوسط بِسُرْعَة فَهُوَ لكَمَال فطرته مستغن عَن مراعات اوضاع الْمنطق وَالْمرَاد بِمن القى السّمع وَهُوَ شَهِيد من لَيست لَهُ هَذِه الْقُوَّة فَهُوَ مُحْتَاج الى تعلم الْمنطق ليوجب لَهُ مراعاته وإصغاؤه اليه ان لَا يزِيغ فِي فكره وَفسّر قَوْله ادْع الى سَبِيل رَبك بالحكمة انها الْقيَاس البرهاني وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة الْقيَاس الْخطابِيّ وجادلهم بِالَّتِي هِيَ احسن الْقيَاس الجدلي فَهَذَا لَيْسَ من تفاسير الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا اُحْدُ من ائمة التَّفْسِير بل وَلَا من تفاسير الْمُسلمين وَهُوَ تَحْرِيف لكَلَام الله تَعَالَى وَحمل لَهُ على اصْطِلَاح المنطقية المبخوسة الْحَظ من الْعقل والايمان وَهَذَا من جنس تفاسير القرامطة والباطنية وغلاة الاسماعيلية لما يفسرونه من الْقُرْآن وينزلونه على مذاهبهم الْبَاطِلَة وَالْقُرْآن بَرِيء من ذَلِك كُله منزه عَن هَذِه الاباطيل والهذيانات وَقد ذكرنَا بطلَان مَا فسر بِهِ المنطقيون هَذِه الاية الَّتِي نَحن فِيهَا والاية الاخرى فِي مَوضِع آخر من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَبينا بُطْلَانه عقلا وَشرعا ولغة وَعرفا وَأَنه يتعالى كَلَام الله عَن حمله على ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالْمَقْصُود بَيَان حرمَان الْعلم من هَذِه الْوُجُوه السِّتَّة احدها ترك السُّؤَال الثَّانِي سوء الانصات وَعدم القاء السّمع الثَّالِث سوء الْفَهم الرَّابِع عدم الْحِفْظ الْخَامِس عدم نشره وتلعيمه فَإِن من خزن علمه وَلم ينشره وَلم يُعلمهُ ابتلاه الله بنسيانه وذهابه مِنْهُ جَزَاء من جنس عمله وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ الْحس والوجود السَّادِس عدم الْعَمَل بِهِ فَإِن الْعَمَل بِهِ يُوجب تذكره وتدبره ومراعاته وَالنَّظَر فِيهِ فَإِذا اهمل الْعَمَل بِهِ نَسيَه قَالَ بعض السّلف كُنَّا نستعين على حفظ الْعلم بِالْعَمَلِ بِهِ وَقَالَ بعض السّلف ايضا الْعلم يَهْتِف بِالْعَمَلِ فَإِن اجابه حل والا ارتحل فَالْعَمَل بِهِ من اعظم اسباب حفظه وثباته وَترك الْعَمَل بِهِ أضاعه لَهُ فَمَا استدر الْعلم وَلَا استجلب بِمثل الْعَمَل قَالَ الله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَأما قَوْله تَعَالَى وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب بل هما جملتان مستقلتان طلبية وَهِي الامر بالتقوى وخبرية وَهِي قَوْله تَعَالَى ويعلمكم الله أَي وَالله يعلمكم مَا تَتَّقُون وَلَيْسَت جَوَابا لِلْأَمْرِ بالتقوى وَلَو أُرِيد بهَا الْجَزَاء لأتى بهَا مجزومة مُجَرّدَة عَن الْوَاو فَكَانَ يَقُول وَاتَّقوا الله يعلمكم اَوْ إِن تتقوه يعلمكم كَمَا قَالَ إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقانا فتدبره الْوَجْه الرَّابِع والاربعون بعد الْمِائَة ان الله سُبْحَانَهُ نفى التَّسْوِيَة بَين الْعَالم وَغَيره كَمَا نفى التَّسْوِيَة بَين الْخَبيث وَالطّيب وَبَين الاعمى والبصير وَبَين النُّور والظلمة وَبَين الظل والحرور وَبَين اصحاب الْجنَّة واصحاب النَّار وَبَين الابكم الْعَاجِز الَّذِي لَا يقدر على شَيْء وَمن يامر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَبَين الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار وَبَين الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات والمفسدين فِي الارض وَبَين الْمُتَّقِينَ
والفجار فَهَذِهِ عشرَة مَوَاضِع فِي الْقُرْآن نفى فِيهَا التَّسْوِيَة بَين هَؤُلَاءِ الاصناف وَهَذَا يدل على ان منزلَة الْعَالم من الْجَاهِل كمنزلة النُّور من الظلمَة والظل من الحرور وَالطّيب من الْخَبيث ومنزلة كل وَاحِد من هَذِه الاصناف مَعَ مُقَابلَة وَهَذَا كَاف فِي شرف الْعلم وَأَهله بل إِذا تَأَمَّلت هَذِه الاصناف كلهَا وَوجدت نفي التَّسْوِيَة بَينهَا رَاجعا الى الْعلم وموجبه فِيهِ وَقع التَّفْضِيل وانتفت الْمُسَاوَاة الْوَجْه الْخَامِس والاربعون بعدالمائة ان سُلَيْمَان لما توعد الهدهد بِأَن يعذبه عذَابا شَدِيدا اَوْ يذبحه إِنَّمَا نجا مِنْهُ بِالْعلمِ واقدم عَلَيْهِ فِي خطابه لَهُ بقوله احطت بِمَا لم تحط بِهِ خَبرا وَهَذَا الْخطاب إِنَّمَا جرأه عَلَيْهِ الْعلم وَإِلَّا فالهدهد مَعَ ضعفه لَا يتَمَكَّن من خطابه لِسُلَيْمَان مَعَ قوته بِمثل هَذَا الْخطاب لَوْلَا سُلْطَان الْعلم وَمن هَذَا الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة ان بعض اهل الْعلم سُئِلَ عَن مسالة فَقَالَ لَا اعلمها فَقَالَ اُحْدُ تلامذته انا اعْلَم هَذِه الْمَسْأَلَة فَغَضب الاستاذ وهم بِهِ فَقَالَ لَهُ ايها الاستاد لست اعْلَم من سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَو بلغت فِي الْعلم مَا بلغت وَلست انا اجهل من الهدهد وَقد قَالَ لِسُلَيْمَان احطت بِمَا لم تحط بِهِ فَلم يعتب عَلَيْهِ وَلم يعنفه الْوَجْه السَّادِس والاربعون بعدالمائة إِن من نَالَ شَيْئا من شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّمَا ناله بِالْعلمِ وتامل مَا حصل لادم من تميزه على الْمَلَائِكَة واعترافهم لَهُ بتعليم الله لَهُ الاسماء كلهَا ثمَّ مَا حصل لَهُ من تدارك الْمُصِيبَة والتعويض عَن سُكْنى الْجنَّة بِمَا هُوَ خير لَهُ مِنْهَا بِعلم الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها من ربه وَمَا حصل ليوسف من التَّمْكِين فِي الارض والعزة وَالْعَظَمَة بِعِلْمِهِ بتعبير تِلْكَ الرُّؤْيَا ثمَّ علمه بِوُجُوه اسْتِخْرَاج اخيه من إخْوَته بِمَا يقرونَ بِهِ ويحكمون هم بِهِ حَتَّى ال الامر الى مَا آل اليه من الْعِزّ وَالْعَاقبَة الحميدة وَكَمَال الْحَال الَّتِي توصل اليها بِالْعلمِ كَمَا اشار اليها سُبْحَانَهُ فِي قَوْله كَذَلِك كدنا ليوسف مَا كَانَ ليَأْخُذ اخاه فِي دين الْملك إِلَّا ان يَشَاء الله نرفع دَرَجَات من نشَاء وَفَوق كل ذِي علم عليم جَاءَ فِي تَفْسِيرهَا نرفع دَرَجَات من نشَاء بِالْعلمِ كَمَا رفعنَا دَرَجَة يُوسُف على اخوته بِالْعلمِ وَقَالَ فِي إِبْرَاهِيم وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه نرفع دَرَجَات من نشَاء فَهَذِهِ رفْعَة بِعلم الْحجَّة والاول رفْعَة بِعلم السياسة وَكَذَلِكَ مَا حصل للخضر بِسَبَب علمه من تلمذة كليم الرَّحْمَن لَهُ وتلطفه مَعَه فِي السُّؤَال حَتَّى قَالَ هَل اتبعك على ان تعلمن مِمَّا علمت رشدا وَكَذَلِكَ مَا حصل لِسُلَيْمَان من علم منطق الطير حَتَّى وصل الى ملك سبأ وقهر ملكتهم واحتوى على سَرِير ملكهَا ودخولها تَحت طَاعَته وَلذَلِك قَالَ يايها النَّاس علمنَا منطق الطير واوتينا من كل شَيْء إِن هَذَا لَهو الْفضل الْمُبين وَكَذَلِكَ مَا حصل لداود من علمه نسج الدروع من الْوِقَايَة من سلَاح الاعداء وَعدد سُبْحَانَهُ هَذِه النِّعْمَة بِهَذَا الْعلم على عباده فَقَالَ وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فَهَل انتم شاكرون وَكَذَلِكَ مَا حصل للمسيح من علم الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة والانجيل مَا رَفعه الله
بِهِ اليه وفضله وَكَرمه وَكَذَلِكَ مَا حصل لسَيِّد ولد آدم من الْعلم الَّذِي ذكره الله بِهِ نعْمَة عَلَيْهِ فَقَالَ وَانْزِلْ الله عَلَيْك الْكتاب وَالْحكمَة وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما الْوَجْه السَّابِع والاربعون بعدالمائة ان الله سُبْحَانَهُ اثنى على إِبْرَاهِيم خَلِيله بقوله تَعَالَى إِن إِبْرَاهِيم كَانَ امة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين شاكرا لأنعمه اجتباه فَهَذِهِ ارْبَعْ انواع من الثَّنَاء افتتحها بِأَنَّهُ امة والامة هُوَ الْقدْوَة الَّذِي يؤتم بِهِ قَالَ ابْن مَسْعُود والامة الْمعلم للخير وَهِي فعلة من الائتمام كقدوة وَهُوَ الَّذِي يَقْتَدِي بِهِ وَالْفرق بَين الامة والامام من وَجْهَيْن احدهما ان الامام كل مَا يؤتم بِهِ سَوَاء كَانَ بِقَصْدِهِ وشعوره اولا وَمِنْه سمى الطَّرِيق إِمَامًا كَقَوْلِه تَعَالَى وَإِن كَانَ اصحاب الايكة لظالمين فانتقمنا مِنْهُم وإنهما لبإمام مُبين أَي بطرِيق وَاضح لَا يخفى على السالك وَلَا يُسمى الطَّرِيق امة الثَّانِي ان الامة فِيهِ زِيَادَة معنى وَهُوَ الَّذِي جمع صِفَات الْكَمَال من الْعلم وَالْعَمَل بِحَيْثُ بَقِي فِيهَا فَردا وَحده فَهُوَ الْجَامِع لخصال تَفَرَّقت فِي غَيره فَكَأَنَّهُ باين غَيره باجتماعها فِيهِ وتفرقها اَوْ عدمهَا فِي غَيره وَلَفظ الامة يشْعر بِهَذَا الْمَعْنى لما فِيهِ من الْمِيم المضعفة الدَّالَّة على الضَّم بمخرجها وتكريرها وَكَذَلِكَ ضم اوله فَإِن الضمة من الْوَاو ومخرجها يَنْضَم عِنْد النُّطْق بهَا وأتى بِالتَّاءِ الدَّالَّة على الْوحدَة كالغرفة واللقمة وَمِنْه الحَدِيث إِن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة أمة وَحده فالضم والاجتماع لَازم لِمَعْنى الامة وَمِنْه سميت الامة الَّتِي هِيَ آحَاد الامم لانهم النَّاس المجتمعون على دين وَاحِد اَوْ فِي عصر وَاحِد الثَّانِي قَوْله قَانِتًا لله قَالَ ابْن مَسْعُود القانت الْمُطِيع والقنوت يُفَسر باشياء كلهَا ترجع الى دوَام الطَّاعَة الثَّالِث قَوْله حَنِيفا والحنيف الْمقبل على الله وَيلْزم هَذَا الْمَعْنى ميله عَمَّا سواهُ فالميل لَازم معنى الحنيف لَا انه مَوْضُوعه لُغَة الرَّابِع قَوْله شاكرا لانعمه وَالشُّكْر للنعم مَبْنِيّ على ثَلَاثَة اركان الاقرار بِالنعْمَةِ وإضافتها الى الْمُنعم بهَا وصرفها فِي مرضاته وَالْعَمَل فِيهَا بِمَا يجب فَلَا يكون العَبْد شَاعِرًا إِلَّا بِهَذِهِ الاشياء الثَّلَاثَة وَالْمَقْصُود انه مدح خَلِيله باربع صِفَات كلهَا ترجع الى الْعلم وَالْعَمَل بِمُوجبِه وتعليمه ونشره فَعَاد الْكَمَال كُله الى الْعلم وَالْعَمَل بِمُوجبِه ودعوة الْخلق اليه الْوَجْه الثَّامِن والاربعون بعدالمائة قَوْله سُبْحَانَهُ عَن الْمَسِيح انه قَالَ اني عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا اينما كنت قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة جعلني مُبَارَكًا اينما كنت قَالَ معلما للخير وَهَذَا يدل على ان تَعْلِيم الرجل الْخَيْر هُوَ الْبركَة الَّتِي جعلهَا الله فِيهِ فَإِن الْبركَة حُصُول الْخَيْر ونماؤه ودوامه وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ إِلَّا فِي الْعلم الْمَوْرُوث عَن الانبياء وتعليمه وَلِهَذَا سمى سُبْحَانَهُ كِتَابه مُبَارَكًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَهَذَا ذكر مبارك انزلناه {وَقَالَ} كتاب انزلناه اليك مبارك وَوصف رَسُوله بِأَنَّهُ مبارك كَمَا فِي قَول الْمَسِيح وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا اينما كنت فبركة كِتَابه وَرَسُوله هِيَ سَبَب مَا يحصل بهما من الْعلم وَالْهدى والدعوة الى الله الْوَجْه التَّاسِع والاربعون
بعد الْمِائَة مَا فِي الصَّحِيح عَن ابي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي انه قَالَ إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله الا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة اَوْ علم ينْتَفع بِهِ اَوْ ولد صَالح يَدْعُو لَهُ رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح وَهَذَا من اعظم الادلة على شرف الْعلم وفضله وَعظم ثَمَرَته فَإِن ثَوَابه يصل الى الرجل بعد مَوته مَا دَامَ ينْتَفع بِهِ فَكَأَنَّهُ حَيّ لم يَنْقَطِع عمله مَعَ مَاله من حَيَاة الذّكر وَالثنَاء فجريان اجره عَلَيْهِ إِذا انْقَطع عَن النَّاس ثَوَاب اعمالهم حَيَاة ثَانِيَة وَخص النَّبِي هَذِه الاشياء الثَّلَاثَة بوصول الثَّوَاب الى الْمَيِّت لانه سَبَب لحصولها وَالْعَبْد إِذا بَاشر السَّبَب الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الامر وَالنَّهْي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مسببه وَإِن كَانَ خَارِجا عَن سَعْيه وَكَسبه فَلَمَّا كَانَ هُوَ السَّبَب فِي حُصُول هَذَا الْوَلَد الصَّالح وَالصَّدَََقَة الْجَارِيَة وَالْعلم النافع جرى عَلَيْهِ ثَوَابه واجره لتسببه فِيهِ فَالْعَبْد إِنَّمَا يُثَاب على مَا بَاشرهُ اَوْ على مَا تولد مِنْهُ وَقد ذكر تَعَالَى هذَيْن الاصلين فِي كِتَابه فِي سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ ذَلِك بانهم لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل الله وَلَا يطئون موطئا بغيظ الْكفَّار وَلَا ينالون من عَدو نيلا الا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح إِن الله لَا يضيع اجْرِ المسحنين فَهَذِهِ الامور كلهَا متولدات عَن افعالهم غير مقدوره لَهُم وَإِنَّمَا الْمَقْدُور لَهُم اسبابها الَّتِي باشروها ثمَّ قَالَ وَلَا ينتفقون نَفَقَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَلَا يقطعون وَاديا الا كتب لَهُم لِيَجْزِيَهُم الله احسن مَا كَانُوا يعْملُونَ فالنفقة وَقطع الْوَادي افعال مقدورة لَهُم وَقَالَ فِي الْقسم الاول كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح إِلَّا ان الْمُتَوَلد حَاصِل عَن شَيْئَيْنِ افعالهم وَغَيرهَا فَلَيْسَتْ افعالهم سَببا مُسْتقِلّا فِي حُصُول الْمُتَوَلد بل هِيَ جُزْء من اجزاء السَّبَب فَيكْتب لَهُم من ذَلِك مَا كَانَ مُقَابلا لافعالهم وايضا فَإِن الظمأ وَالنّصب وغيظ الْعَدو لَيْسَ من أفعالهم فَلَا يكْتب لَهُم نَفسه وَلَكِن لما تولد عَن افعالهم كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح واما الْقسم الاخر وَهُوَ الافعال المقدورة نَفسهَا كالانفاق وَقطع الْوَادي فَهُوَ عمل صَالح فَيكْتب لَهُم نَفسه إِذْ هُوَ مَقْدُور لَهُم حَاصِل بارادتهم وقدرتهم فَعَاد الثَّوَاب الى الافعال المقدورة والمتولد عَنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْوَجْه الْخَمْسُونَ بعدالمائة مَا ذكره ابْن عبد البر عَن عبد الله بن دَاوُد قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عزل الله تبارك وتعالى الْعلمَاء عَن الْحساب فَيَقُول ادخُلُوا الْجنَّة على مَا كَانَ فِيكُم إِنِّي لم اجْعَل علمي فِيكُم الا لخير اردته بكم قَالَ ابْن عبد البر وَزَاد غَيره فِي هَذَا الْخَبَر أَن الله يحبس الْعلمَاء يَوْم الْقِيَامَة فِي زمرة وَاحِدَة حَتَّى يقْضِي بَين النَّاس وَيدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة واهل النَّار النَّار ثمَّ يَدْعُو الْعلمَاء فَيَقُول يَا معشر الْعلمَاء أَنِّي لم اضع حكمتي فِيكُم وانا اريد ان اعذبكم قد علمت انكم تخلطون من الْمعاصِي مَا يخلط غَيْركُمْ فسترتها عَلَيْكُم وغفرتها لكم وَإِنَّمَا كنت اعبد بفتياكم وتعليمكم عبَادي ادخُلُوا الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ قَالَ لَا معطي لما منع وَلَا مَانع لما اعطى قَالَ وروى نَحْو هَذَا
الْمَعْنى باسناد مُتَّصِل مَرْفُوع وَقد روى حَرْب الْكرْمَانِي فِي مسَائِله نَحوه مَرْفُوعا وَقَالَ إِبْرَاهِيم بَلغنِي انه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تُوضَع حَسَنَات الرجل فِي كَفه وسئياته فِي الكفة الْأُخْرَى فتشيل حَسَنَاته فَإِذا يئس فَظن انها النَّار جَاءَ شَيْء مثل السَّحَاب حَتَّى يَقع من حَسَنَاته فتشيل سيئاته قَالَ فَيُقَال لَهُ اتعرف هَذَا من عَمَلك فَيَقُول لَا فَيُقَال هَذَا مَا علمت النَّاس من الْخَيْر فَعمل بِهِ من بعْدك فَإِن قيل فقواعدالشرع تَقْتَضِي ان يسامح الْجَاهِل بِمَا لَا يسامح بِهِ الْعَالم وانه يغْفر لَهُ مَالا يغْفر للْعَالم فَإِن حجَّة الله عَلَيْهِ اقوم مِنْهَا على الْجَاهِل وَعلمه بقبح الْمعْصِيَة وبغض الله لَهَا وعقوبته عَلَيْهَا اعظم من علم الْجَاهِل ونعمة الله عَلَيْهِ بِمَا اودعه من الْعلم اعظم من نعْمَته على الْجَاهِل وَقد دلّت الشَّرِيعَة وَحكم الله على ان من حبي بالانعام وَخص بِالْفَضْلِ والاكرام ثمَّ اسام نَفسه مَعَ ميل الشَّهَوَات فارتعها فِي مراتع الهلكات وتجرأ على انتهاك الحرمات واستخف بالتبعات والسيئات انه يُقَابل من الانتقام والعتب بِمَا لَا يُقَابل بِهِ من لَيْسَ فِي مرتبته وعَلى هَذَا جَاءَ قَوْله تَعَالَى يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا وَلِهَذَا كَانَ حد الْحر ضعف حدالعبد فِي الزِّنَا وَالْقَذْف وَشرب الْخمر لكَمَال النِّعْمَة على الْحر وَمِمَّا يدل على هَذَا الحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي اثبته ابو نعيم وَغَيره عَن النَّبِي انه قَالَ اشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ قَالَ بعض السّلف يغْفر للجاهل سَبْعُونَ ذَنبا قبل ان يغْفر للْعَالم ذَنْب وَقَالَ بَعضهم ايضا إِن الله يعافي الْجُهَّال مَالا يعا 4 فِي لللعماء الْجَواب ان هَذَا الَّذِي ذكرتموه حق لَا ريب فِيهِ وَلَكِن من قواعدالشرع وَالْحكمَة ايضا ان من كثرت حَسَنَاته وعظمت وَكَانَ لَهُ فِي الاسلام تَأْثِير ظَاهر فَإِنَّهُ يحْتَمل لَهُ مَالا يحْتَمل لغيره ويعفي عَنهُ مَالا يعفي عَن غَيره فَإِن الْمعْصِيَة خبث وَالْمَاء إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث بِخِلَاف المَاء الْقَلِيل فَإِنَّهُ لَا يحمل ادنى خبث وَمن هَذَا قَول النَّبِي لعمر وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على اهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَهَذَا هُوَ الْمَانِع لَهُ من قتل من حس عَلَيْهِ وعَلى الْمُسلمين وارتكب مثل ذَلِك الذَّنب الْعَظِيم فَأخْبر انه شهد بَدْرًا فَدلَّ على ان مُقْتَضى عُقُوبَته قَائِم لَكِن منع من ترَتّب اثره عَلَيْهِ مَاله من المشهد الْعَظِيم فَوَقَعت تِلْكَ السقطة الْعَظِيمَة مغتفرة فِي جنب مَاله من الْحَسَنَات وَلما حض النَّبِي على الصَّدَقَة فَأخْرج عُثْمَان رضى الله عَنهُ تِلْكَ الصَّدَقَة الْعَظِيمَة قَالَ ماضر عُثْمَان مَا عمل بعْدهَا وَقَالَ لطلْحَة لما تطاطأ للنَّبِي حَتَّى صعد على ظَهره الى الصَّخْرَة اوجب طَلْحَة وَهَذَا مُوسَى كلم الرَّحْمَن عز وجل القى الالواح الَّتِي فِيهَا كَلَام الله الَّذِي كتبه لَهُ القاها على الارض حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَلَطم عين ملك الْمَوْت ففقأها وعاتب ربه لَيْلَة الاسراء فِي النَّبِي وَقَالَ شَاب بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من امته اكثر مِمَّا يدخلهَا من امتي واخذ بلحية
هَارُون وجره اليه وَهُوَ نَبِي الله وكل هَذَا لم ينقص من قدرَة شَيْئا عِنْد ربه وربه تَعَالَى يُكرمهُ وَيُحِبهُ فَإِن الامر الَّذِي قَامَ بِهِ مُوسَى والعدو الَّذِي برز لَهُ وَالصَّبْر الَّذِي صبره والاذى الَّذِي اوذيه فِي الله امْر لَا تُؤثر فِيهِ امثال هَذِه الامور وَلَا تغير فِي وَجهه وَلَا تخْفض مَنْزِلَته وَهَذَا امْر مَعْلُوم عِنْد النَّاس مُسْتَقر فِي فطرهم ان من لَهُ الوف من الْحَسَنَات فَإِنَّهُ يسامح بِالسَّيِّئَةِ والسيئتين وَنَحْوهَا حَتَّى انه ليختلج دَاعِي عُقُوبَته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب دَاعِي الشُّكْر لداعي الْعقُوبَة كَمَا قيل:
وَإِذا الجيب اتى بذنب وَاحِد
…
جَاءَت محاسنه بِأَلف شَفِيع وَقَالَ آخر:
فَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا
…
فافعاله اللَّاتِي سررن كثير وَالله سُبْحَانَهُ يوازن يَوْم الْقِيَامَة بَين حَسَنَات العَبْد وسيئاته فايهما غلب كَانَ التَّأْثِير لَهُ فيفعل بَاهل الْحَسَنَات الْكَثِيرَة وَالَّذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم احيانا من الْعَفو والمسامحة مَالا يَفْعَله مَعَ غَيرهم وايضا فان الْعَالم إِذا زل فَإِنَّهُ يحسن اسراع الْفَيْئَة وتدارك الفارط ومداواة الْجرْح فَهُوَ كالطبيب الحاذق الْبَصِير بِالْمرضِ وأسبابه وعلاجه فَإِن زَوَاله على يَده اسرع من زَوَاله على يَد الْجَاهِل وَأَيْضًا فَإِن مَعَه من مَعْرفَته بِأَمْر الله وتصديقه بوعده ووعيده وخشيته مِنْهُ ازرائه على نَفسه بارتكابه وإيمانه بِأَن الله حرمه وان لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ الى غير ذَلِك من الامور المحبوبة للرب مَا يغمر الذَّنب ويضعف اقتضائه ويزيل اثره بِخِلَاف الْجَاهِل بذلك اَوْ اكثره فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَه الا ظلمَة الْخَطِيئَة وقبحها واثارها المردية فَلَا يستوى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذَا الْموضع وَبِه يتَبَيَّن ان الامرين حق وانه لَا مُنَافَاة بَينهمَا وان كل وَاحِد من الْعَالم وَالْجَاهِل إِنَّمَا زَاد قبح الذَّنب مِنْهُ عى الاخر بِسَبَب جَهله وتجرد خطيئته عَمَّا يقاومها ويضعف تاثيرها ويزيل اثرها فَعَاد الْقبْح فِي الْمَوْضِعَيْنِ الى الْجَهْل وَمَا يستلزمه وقلته وَضَعفه الى الْعلم وَمَا يستلزمه وَهَذَا دَلِيل ظَاهر على شرف الْعلم وفضله وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْوَجْه الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعدالمائة ان الْعَالم مشتغل بِالْعلمِ والتعليم لَا يزَال فِي عبَادَة فَنَفْس تعلمه وتعليمه عبَادَة قَالَ ابْن مَسْعُود لايزال الْفَقِيه يصلى قَالُوا وَكَيف يصلى قَالَ ذكر الله على قلبه وَلسَانه ذكره ابْن عبد البر وَفِي حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا وموقوفا تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله حَسَنَة وَطَلَبه عبَادَة ومذاكرته تَسْبِيح وقدتقدم وَالصَّوَاب انه مَوْقُوف وَذكر ابْن عبد البر عَن معَاذ مَرْفُوعا لَان تَغْدُو فَتَتَعَلَّمُ بَابا من ابواب الْعلم خير لَك من ان تصلي مائَة رَكْعَة وَهَذَا لَا يثبت رَفعه وَقَالَ ابْن وهب كنت عِنْد مَالك بن انس فحانت صَلَاة الظّهْر اَوْ الْعَصْر وانا اقْرَأ عَلَيْهِ وَانْظُر فِي الْعلم بَين يَدَيْهِ فَجمعت كتبي وَقمت لاركع فَقَالَ لي مَالك مَا هَذَا فَقلت اقوم الى الصَّلَاة فَقَالَ ان هَذَا لعجب مَا الَّذِي قُمْت اليه افضل من الَّذِي كنت فِيهِ إِذا صحت فِيهِ النِّيَّة وَقَالَ الرّبيع سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول طلب الْعلم افضل من الصَّلَاة النَّافِلَة وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ
مَا من عمل افضل من طلب الْعلم إِذا صحت فِيهِ النِّيَّة وَقَالَ رجل للمعافي بن عمرَان ايما احب اللَّيْل اقوم اصلي اليك كُله اَوْ اكْتُبْ الحَدِيث فَقَالَ حَدِيث تكتبه احب الي من قيامك من اول اللَّيْل إِلَى آخِره وَقَالَ ايضا كِتَابَة حَدِيث وَاحِد احب الي من قيام لَيْلَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس تَذَاكر الْعلم بعض لَيْلَة احب الي من إحيائها وَفِي مسَائِل اسحاق بن مَنْصُور قلت لاحمد بن حَنْبَل قَوْله تَذَاكر الْعلم بعض لَيْلَة احب الي من إحيائها أَي علم اراد قَالَ هُوَ الْعلم الَّذِي ينْتَفع بِهِ النَّاس فِي أَمر دينهم قلت فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالطَّلَاق وَنَحْو هَذَا قَالَ نعم قَالَ اسحاق وَقَالَ لي اسحاق بن رَاهَوَيْه هُوَ كَمَا قَالَ احْمَد وَقَالَ ابو هُرَيْرَة لَان اجْلِسْ سَاعَة فاتفقه فِي ديني احب الي من احياء لَيْلَة الى الصَّباح وَذكر ابْن عبد البر من حَدِيث ابي هُرَيْرَة يرفعهُ لكل شَيْء عماد وعماد هَذَا الدّين الْفِقْه وَمَا عبد الله بِشَيْء افضل من فقه فِي الدّين الحَدِيث وَقد تقدم وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الباقر عَالم ينْتَفع بِعِلْمِهِ افضل من الف عَابِد وَقَالَ ايضا رِوَايَة الحَدِيث وبثه فِي النَّاس افضل من عبَادَة الف عَابِد وَلما كَانَ طلب الْعلم والبحث عَنهُ وكتابته والتفتيش عَلَيْهِ من عمل الْقلب والجوارح كَانَ من افضل الاعمال ومنزلته من عمل الْجَوَارِح كمنزله اعمال الْقلب من الاخلاص والتوكل والمحنة والانابة والخشية وَالرِّضَا وَنَحْوهَا من الاعمال الظَّاهِرَة فَإِن قيل فالعلم إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَة الى الْعَمَل وَمُرَاد لَهُ وَالْعَمَل هُوَ الْغَايَة وَمَعْلُوم ان الْغَايَة اشرف من الْوَسِيلَة فَكيف تفضل الْوَسَائِل على غاياتها قيل كل من الْعلم وَالْعَمَل يَنْقَسِم قسمَيْنِ مِنْهُ مَا يكون وَسِيلَة وَمِنْه مَا يكون غَايَة فَلَيْسَ الْعلم كُله وَسِيلَة مُرَادة لغَيْرهَا فَإِن الْعلم بِاللَّه واسمائه وَصِفَاته هُوَ اشرف الْعُلُوم على الاطلاق وَهُوَ مَطْلُوب لنَفسِهِ مُرَاد لذاته قَالَ الله تَعَالَى الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الارض مِثْلهنَّ يتنزل الامر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا ان الله على كل شَيْء قدير وان الله قد احاط بِكُل شَيْء علما فقد اخبر سُبْحَانَهُ انه خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَنزل الامر بَينهُنَّ ليعلم عباده انه بِكُل شَيْء عليم وعَلى كل شَيْء قدير فَهَذَا الْعلم هُوَ غَايَة الْخلق الْمَطْلُوبَة وَقَالَ تَعَالَى فَاعْلَم انه لَا اله الا الله فالعلم بوحدانيته تَعَالَى وَأَنه لَا إِلَه الا هُوَ مَطْلُوب لذاته وان كَانَ لَا يكْتَفى بِهِ وَحده بل لَا بُد مَعَه من عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ فهما امران مطلوبان لانفسهما ان يعرف الرب تَعَالَى باسمائه وَصِفَاته وأفعاله واحكامه وان يعبد بموجبها ومقتضاها فَكَمَا ان عِبَادَته مَطْلُوبَة مُرَادة لذاتها فَكَذَلِك الْعلم بِهِ ومرفته وايضا فَإِن الْعلم من افضل انواع الْعِبَادَات كَمَا تقدم تَقْرِيره فَهُوَ مُتَضَمّن للغاية الْوَسِيلَة وقولكم ان الْعَمَل غَايَة اما ان تريدوا بِهِ الْعَمَل الَّذِي يدْخل فِيهِ عمل الْقلب والجوارح اَوْ الْعَمَل الْمُخْتَص بالجوارح فَقَط فَإِن اريد الاول فَهُوَ حق وَهُوَ يدل على ان الْعلم غَايَة مَطْلُوبَة لانه من اعمال الْقلب كَمَا تقدم وان اريد بِهِ الثَّانِي وَهُوَ عمل الْجَوَارِح فَقَط فَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن اعمال الْقُلُوب مَقْصُودَة
وَمرَاده لذاتها بل فِي الْحَقِيقَة اعمال الْجَوَارِح وَسِيلَة مُرَادة لغَيْرهَا فَإِن الثَّوَاب وَالْعِقَاب والمدح والذم وتوابعها هُوَ للقلب اصلا وللجوارح تبعا وَكَذَلِكَ الاعمال الْمَقْصُودَة بهَا اولا صَلَاح الْقلب واستقامته وعبوديته لرَبه ومليكه وَجعلت اعمال الْجَوَارِح تَابِعَة لهَذَا الْمَقْصُود مُرَادة وان كَانَ كثير مِنْهَا مرَادا لاجل الْمصلحَة المترتبة عَلَيْهِ فَمن اجلها صَلَاح الْقلب وزكاه وطهارته واستقامته فَعلم ان الاعمال مِنْهَا غَايَة وَمِنْهَا وَسِيلَة وان الْعلم كَذَلِك وايضا فالعلم الَّذِي هُوَ وَسِيلَة الى الْعَمَل فَقَط إِذا تجرد عَن الْعَمَل لم ينْتَفع بِهِ صَاحبه فَالْعَمَل اشرف مِنْهُ وَأما الْعلم الْمَقْصُود الَّذِي تنشأ ثَمَرَته الْمَطْلُوبَة مِنْهُ من نَفسه فَهَذَا لَا يُقَال ان الْعَمَل الْمُجَرّد اشرف مِنْهُ فَكيف يكون مُجَرّد الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة افضل من الْعلم بِاللَّه واسمائه وَصِفَاته وَأَحْكَامه فِي خلقه وامره وَمن الْعلم بأعمال الْقُلُوب وآفات النُّفُوس والطرق الَّتِي تفْسد الاعمال وتمنع وصولها من الْقلب الى الله والمسافات الَّتِي بَين الاعمال وَالْقلب وَبَين الْقلب والرب تَعَالَى وَبِمَا تقطع تِلْكَ المسافات الى غير ذَلِك من علم الايمان وَمَا يقويه وَمَا يُضعفهُ فَكيف يُقَال ان مُجَرّد التَّعَبُّد الظَّاهِر بالجوارح افضل من هَذَا الْعلم بل من قَامَ بالامرين فَهُوَ اكمل وَإِذا كَانَ فِي احدهما فضل ففضل هَذَا الْعلم خير من فضل الْعِبَادَة فاذ كَانَ فِي العَبْد فضلَة عَن الْوَاجِب كَانَ صرفهَا الى الْعلم الْمَوْرُوث عَن الانبياء افضل من صرفهَا الى مُجَرّد الْعِبَادَة فَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذِه المسئلة وَالله اعْلَم الْوَجْه الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعدالمائة مَا رَوَاهُ الامام احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابي كَبْشَة الانماري قَالَ قَالَ رَسُول الله انما الدُّنْيَا لأربعة نفر عبد رزقه الله مَالا وعلما فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَاله ربه ويصل فِيهِ رَحمَه وَيعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا باحسن الْمنَازل عِنْد الله وَرجل آتَاهُ الله علما وَلم يؤته مَالا فَهُوَ يَقُول لَو ان لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته وهما فِي الاجر سَوَاء وَرجل آتَاهُ الله مَالا وَلم يؤته علما فَهُوَ يخبط فِي مَاله وَلَا يَتَّقِي فِيهِ ربه وَلَا يصل فِي رَحمَه وَلَا يعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا بأسوا الْمنَازل عِنْد الله وَرجل لم يؤته الله مَالا وَلَا علما فَهُوَ يَقُول لَو ان لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته وهما فِي الْوزر سَوَاء حَدِيث صَحِيح صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا فقسم النَّبِي اهل الدُّنْيَا أَرْبَعَة اقسام خَيرهمْ من اوتي علما ومالا فَهُوَ محسن الى النَّاس وَإِلَى نَفسه بِعِلْمِهِ وَمَاله ويليه فِي الْمرتبَة من اوتي علما وَلم يُؤْت مَالا وان كَانَ اجرهما سَوَاء فَذَلِك إِنَّمَا كَانَ بِالنِّيَّةِ والا فالمنفق الْمُتَصَدّق فَوْقه بِدَرَجَة الانفاق وَالصَّدَََقَة والعالم الَّذِي لَا مَال لَهُ إِنَّمَا ساواه فِي الاجر بِالنِّيَّةِ الجازمة المقترن بهَا مقدورهما وَهُوَ القَوْل الْمُجَرّد الثَّالِث من اوتي مَالا وَلم يُؤْت علما فَهَذَا اسوأ النَّاس منزلَة عِنْد الله لَان مَاله طَرِيق الى هَلَاكه فَلَو عَدمه لَكَانَ خيرا لَهُ فَإِنَّهُ اعطى مَا يتزود بِهِ الى الْجنَّة فَجعله زادا لَهُ الى النَّار الرَّابِع من لم يُؤْت مَالا
وَلَا علما وَمن نِيَّته انه لَو كَانَ لَهُ مَال لعمل فِيهِ بِمَعْصِيَة الله فَهَذَا يَلِي الْغَنِيّ الْجَاهِل فِي الْمرتبَة ويساويه فِي الْوزر بنيته الجازمة المقترن بهَا مقدورها وَهُوَ القَوْل الَّذِي لم يقدر على غَيره فقسم السُّعَدَاء قسمَيْنِ وَجعل الْعلم وَالْعَمَل بِمُوجبِه سَبَب سعادتهما وَقسم الاشقياء قسمَيْنِ وَجعل الْجَهْل وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ سَبَب شقاوتهما فَعَادَت السَّعَادَة بجملتها الى الْعلم وموجبه والشقاوة بجملتها الى الْجَهْل وثمرته الْوَجْه الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة مَا ثَبت عَن بعض السّلف انه قَالَ تفكر سَاعَة خير من عبَادَة سِتِّينَ سنة وسال رجل أم الدَّرْدَاء بعد مَوته عَن عِبَادَته فَقَالَت كَانَ نَهَاره اجمعه فِي بادية التفكر وَقَالَ الْحسن تفكر سَاعَة خير من قيام لَيْلَة وَقَالَ الْفضل التفكر مرْآة تريك حَسَنَاتك وسيئاتك وَقيل لابراهيم إِنَّك تطيل الفكرة فَقَالَ الفكرة مخ الْعقل وَكَانَ سُفْيَان كثيرا مَا يتَمَثَّل:
إِذا الْمَرْء كَانَت لَهُ فكرة
…
فَفِي كل شَيْء لَهُ عِبْرَة وَقَالَ الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون فِي الارض بِغَيْر الْحق قَالَ أمنعهم التفكر فِيهَا وَقَالَ بعض العارفين لَو طالعت قُلُوب الْمُتَّقِينَ بفكرها الى مَا قدر فِي حجب الْغَيْب من خير الاخرة لم يصف لَهُم فِي الدُّنْيَا عَيْش وَلم تقر لَهُم فِيهَا عين وَقَالَ الْحسن طول الْوحدَة أتم للفكرة وَطول الفكرة دَلِيل على طَرِيق الْجنَّة وَقَالَ وهب مَا طَالَتْ فكرة اُحْدُ قطّ الا علم وَمَا علم امْرُؤ قطّ الا عمل وَقَالَ عمر بن عبد العزيز الفكرة فِي نعم الله من افضل الْعِبَادَة وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك لبَعض اصحابه وَقد رَآهُ مفكرا ايْنَ بلغت قَالَ الصِّرَاط وَقَالَ بشر لَو فكر النَّاس فِي عَظمَة الله مَا عصوه وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ مقتصدتان فِي تفكر خير من قيام لَيْلَة بِلَا قلب وَقَالَ ابو سُلَيْمَان الْفِكر فِي الدُّنْيَا حجاب عَن الاخرة وعقوبة لاهل الْولَايَة والفكرة فِي الاخرة تورث الْحِكْمَة وتجلي الْقُلُوب وَقَالَ ابْن عَبَّاس التفكر فِي الْخَيْر يَدْعُو الى الْعَمَل بِهِ وَقَالَ الْحسن ان اهل الْعلم لم يزَالُوا يعودون بِالذكر على الْفِكر والفكر على الذّكر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت بالحكمة وَمن كَلَام الشَّافِعِي اسْتَعِينُوا على الْكَلَام بِالصَّمْتِ وعَلى الاستنباط بالفكرة وَهَذَا لَان الفكرة عمل الْقلب وَالْعِبَادَة عمل الجوارج وَالْقلب اشرف من الْجَوَارِح فَكَانَ عمله اشرف من عمل الْجَوَارِح وايضا فالتفكر يُوقع صَاحبه من الايمان على مَالا يوقعه عَلَيْهِ الْعَمَل الْمُجَرّد فان التفكر يُوجب لَهُ من انكشاف حقائق الامور وظهورها لَهُ وتميز مراتبها فِي الْخَيْر وَالشَّر وَمَعْرِفَة مفضولها من فاضلها واقبحها من قبيحها وَمَعْرِفَة اسبابها الموصلة اليها وَمَا يُقَاوم تِلْكَ الاسباب وَيدْفَع مُوجبهَا والتمييز بَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي تصحيله وَبَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي دفع اسبابه وَالْفرق بَين الْوَهم والخيال الْمَانِع لاكثر النُّفُوس من انتهاز الفرص بعد امكانها وَبَين السَّبَب الْمَانِع حَقِيقَة فيشتغل بِهِ دون الاول فَمَا قطع