الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة
تقدم في الفصل السابق أن (التفسير بالبيان المتَّصل) لم يُعرف عند العلماء كمصطلح لنوع من أنواع تفسير القرآن بالقرآن، ولكنهم يعرفونه بحكم سليقتهم اللغوية، فهو أسلوبٌ سائرٌ في كلامهم.
قال ابن الأنباري (1): " إن كلام العرب يصحح بعضه بعضًا، ويرتبط أوله بآخره .. "(2).
وقد أشار العلماء إلى أمثلة من البيان المتَّصل، في ثنايا تفصيلهم في باب:(المجمل والمبين)، كأسلوبٍ من أساليب البيان، وفي باب:(الإيجاز والإطناب)، كنوعٍ من أنواع الإطناب، وفي باب:(المطلق والمقيّد)
…
، وغيره من أبواب علوم
القرآن الأخرى.
وقد اعتمده العلماء في تفسير القرآن بالقرآن؛ إذ هو نوع من أنواعه، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: " إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختُصِر في مكان فقد بُسط في
(1) هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشّار، ابن الأنباري النحوي، كان من أعلم الناس
بالنحو والأدب وأكثرهم حفظا له، ولد سنة 271 هـ، وكان صدوقا، من أهل السّنّة، وكان من أحفظ الناس للغة والنحو والشعر وتفسير القرآن له مؤلفات كثيرة، منها:" غريب الأثر" و"الأضداد"، توفي سنة 328 هـ. يُنظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة (3/ 201)، وسير أعلام النبلاء (11/ 489).
(2)
كتاب الأضداد، لابن الأنباري (ص: 2).
موضع آخر" (1).
وعقّب الشارح (2) بقوله: " .. منه ما لا يتنازع فيه اثنان لوضوحه واستبانته، وأوضح أمثلته ما يكون على طريقة السؤال والجواب، أو على طريقة ذكر الموصوف ثم إتباعه بأوصافه
…
وكثيرٌ من هذا النوع يأتي متواليًا " (3).
كما صنّف الزركشي في كتابه "البرهان" آيات القرآن الكريم من حيث البيان، فجعلها على قسمين:
الأول: ما هو بيِّن بنفسه بلفظٍ لا يحتاج لبيانٍ منه ولا من غيره.
الثاني: ما ليس ببيِّن في نفسه؛ فيحتاج إلى بيان، وبيانه إما في آية أخرى أو في السنة.
والبيان في آية أخرى قد يكون مضمرًا، أو متقدمًا، أو متأخرًا، وقد يكون واضحًا، ثم قسّم البيان الواضح إلى قسمين أيضا: ما كان عقبه، وما كان منفصلًا عنه، وقد استشهد على كل حالةٍ ونوعٍ بالآيات القرآنية (4).
ولاريب أن القسم الأخير (الواضح الذي يكون بيانه في آيةٍ عقبه) يدخل دخولًا أوليًا في البيان المتَّصل (5).
(1) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية (ص: 39).
(2)
وهو الدكتور: مساعد الطيار، في كتابه:" شرح مقدمة في أصول التفسير".
(3)
شرح مقدمة في أصول التفسير، للطيار (ص: 271، 272)، وهذه الأمثلة التي ذكرها من أبرز وجوه وروده في القرآن الكريم، وسيأتي بيانها في الفصل الثاني.
(4)
يُنظر: البرهان في علوم القرآن (2/ 183 - 186) باختصار.
(5)
وسيأتي في الفصل القادم تفصيلٌ لأنواع البيان المتصل.
وأحسب أن ذلك الاهتمام من قبل العلماء كان لأسبابٍ من أبرزها ما يأتي:
أولا: إعمال الرسول ‘ وسلف الأمة التفسير بالبيان المتّصل.
ثانيا: علاقة "التفسير بالبيان المتّصل" بعلوم القرآن الأخرى.