المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأولبيان المجمل - التفسير بالبيان المتصل في القرآن الكريم

[بسمة بنت عبد الله الكنهل]

فهرس الكتاب

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أهداف البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌الجديد في البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌الفصل الأولالتفسير بالبيان المتّصل: التعريف به وأهميته

- ‌المبحث الأولتعريف التفسير بالبيان المتّصل، وعلاقته بالسّياقوفيه خمسة مطالب:

- ‌المطلب الأولتعريف "التفسير" لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثانيتعريف "البيان" لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثالثتعريف "المتَّصل" لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الرابعتعريف "التفسير بالبيان المتَّصل

- ‌المطلب الخامسعلاقة (التفسير بالبيان المتَّصل) بالسِّياق

- ‌المبحث الثانيأهمية التفسير بالبيان المتَّصلوفيه مطلبان:

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأولإعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة التفسير بالبيان المتّصل

- ‌المطلب الثانيعلاقة "التفسير بالبيان المتصل" بعلوم القرآن الكريم

- ‌الفصل الثانيأنواع البيان المتَّصل وطرق وروده في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولأنواع البيان المتَّصل في القرآن الكريموفيه ثلاثة مطالب:

- ‌المطلب الأولالاتصال في الآية نفسها

- ‌المطلب الثانيالاتصال بين آيات متتالية

- ‌المطلب الثالثشبه الاتّصال

- ‌المبحث الثانيطرق ورود البيان المتَّصل في القرآن الكريم.وفيه ثلاثة مطالب:

- ‌المطلب الأولبيان المجمل

- ‌المطلب الثانيتخصيص العام

- ‌المطلب الثالثتقييد المطلق

- ‌الفصل الثالثضوابط التفسير بالبيان المتّصل

- ‌المبحث الأولضوابط التفسير بالبيان المتَّصل.وفيه ثلاثة مطالب:

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأوللزوم التفصيل في قبول التفسير بالبيان المتَّصل

- ‌المطلب الثانيترك العدول عن ظاهر القرآن، إلا بدليل يجب الرجوع إليه

- ‌المطلب الثالثوصل معاني الكلام بعضه ببعض أولى ما وجد إلى ذلك سبيل

- ‌المبحث الثانيأسباب الخطأ في التفسير بالبيان المتّصلوفيه ثلاثة مطالب:

- ‌المطلب الأولمخالفة طرق التفسير المعتمدة

- ‌المطلب الثانيتقديم مقررات سابقة

- ‌المطلب الثالثالجهل بالتفسير اللغوي

- ‌المبحث الثالثأثر الخطأ في التفسير بالبيان المتَّصلوفيه مطلبان:

- ‌المطلب الأولالانحراف العقدي

- ‌المطلب الثانيالتشكيك في الأحكام الشرعية

- ‌الخاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأولبيان المجمل

‌المطلب الأول

بيان المجمل

في البداية نعرف بمصطلحي "المجمل"، و"البيان "؛ ليتبيّن المراد به، فنقول:

المجمل: " مالا يمكن معه معرفة المراد به"(1).

البيان: "إخراج الشيء من حيّز الإشكال إلى حيّز التّجلي والوضوح"(2).

بيان المجمل في البيان المتَّصل هو: أن يكون في الآية كلام يفتقر إلى ما يبيّنه، فيأتي بعده إيضاحٌ له، متصلًا به في الآية نفسها أو ما يليها.

أنواعه (3):

أولا: الإيضاح بعد الإبهام.

ثانيا: التَّفصيل بعد الإجمال.

والفرق بينهما أن الأول لما يكون فيه إشكال، والإيضاح رفع الإشكال.

والثاني تفسيرٌ وتفصيلٌ لكلامٍ ليس فيه إشكال البتة (4).

أولا: الإيضاح بعد الإبهام:

بأن يرد في الآية إبهام؛ لغرضٍ بلاغي، ثم يأتي بعده إيضاحٌ له.

الأغراض البلاغية للإيضاح بعد الإبهام:

قال ابن عاشور: "إنَّ بلاغة الكلام لا تنحصر في أحوال تراكيبه اللفظية، بل تتجاوز إلى الكيفيات التي تؤدى بها تلك التراكيب. فإن سكوت المتكلم البليغ في جملة

(1) التمهيد في أصول الفقه، لأبي الخطاب الكلوذاني (2/ 229).

(2)

المرجع السابق (2/ 230).

(3)

اكتفيت بذكر أبرز الأنواع، وأكثرها ورودا في القرآن الكريم.

(4)

تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، لابن أبي الإصبع (ص: 560) بتصرف.

ص: 63

سكوتًا خفيفًا قد يفيد من التشويق إلى ما يأتي بعده ما يفيده إبهام بعض كلامه ثم تعقيبه ببيانه

" (1).

ويرد الإيضاح بعد الإبهام في القرآن الكريم لأغراضٍ بلاغيةٍ من أبرزها:

(1)

تقديم المعنى الواحد في صورتين مختلفتين إحداهما مبهَمة والأخرى موضِّحة، كما تقدم الحسناء في كُلَّة (2) أولًا، وبعد ذلك تُعرض مَجلُوّة (3)، إذ تُرفع الكُلَّة عن وجهها ورأسها ومواطن زينتها، فتنجلي للأعين محاسنُها (4).

(2)

تمكين المعنى في نفس المتلقي تمكينًا زائدًا، لوقوعه بعد استشراف النّفس إليه بالإبهام (5).

قال الزمخشري (6): "والأمر الوارد على النفوس بعد تشوّفٍ وتطلعٍ منها إليه، أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به "(7).

(3)

تكميل لذة العلم به، إذ بدأت ناقصةً بالإبهام، وكُمِّلت بالإيضاح، فالشيء

(1) التحرير والتنوير (1/ 117).

(2)

الكلة: (بضم الكاف، وبكسرها) وهي التي تنصب كالخدر للجارية؛ ليسترها. يُنظر: جمهرة اللغة، باب الكاف واللام، مادة (كله)، (2/ 982)، ويُنظر: تهذيب اللغة، باب الخاء، فصل الراء، مادة (خدر)، (7/ 119).

(3)

(مَجلُوَّة): ظاهرة مكشوفة. لسان العرب (14/ 152)، فصل الجيم، مادة (جلا).

(4)

جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (ص: 202)، البلاغة العربية، لابن حبنّكة الميداني (2/ 66).

(5)

البلاغة العربية (2/ 66).

(6)

هو محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي، يكنى أبو القاسم، ولد سنة 467 هـ، معتزلي المذهب، متعصب لمذهبه، صنّف التصانيف في التفسير، وغريب الحديث والنحو، وغيرها من العلوم، من مؤلفاته" الكشاف"، و"أساس البلاغة"، توفي سنة 538 هـ. يُنظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة (3/ 265)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص: 120).

(7)

الكشاف، للزمخشري (4/ 527).

ص: 64

إذا عُلم ناقصًا، تشوّقت النفس إلى العلم به كاملاً، وحصل لديها ظمأ لمعرفته، فإذا استكملت النفس معرفته كانت لذتها أشدّ من حصول العلم به دفعة واحدة. (1).

(4)

تفخيم شأن المبيَّن، وتعظيمه (2).

قال ابن الأثير (3): "اعلم أن هذا النوع لا يعمد إلى استعماله إلا لضربٍ من المبالغة، فإذا جيء به في كلام، فإنما يفعل ذلك لتفخيم أمرٍ مبهمٍ وإعظامه؛ لأنه هو الذي يطرق السمع أولًا، فيذهب بالسامع كل مذهب

، فإن الإبهام أولًا يوقع السَّامع في حيرةٍ وتفكّر، واستعظام لما قرع سمعه، وتشوّف إلى معرفته، والاطّلاع على كُنهه" (4).

أنواعه في القرآن (5):

1 -

جواب استفهام.

2 -

إيضاح لفظٍ مفرد، أو معنى.

1 -

جواب استفهام:

بأن يرد استفهام في الآية، ثم يتلوه جوابٌ لذلك الاستفهام، سواء أكان غرض الاستفهام طلب العلم بشيءٍ ما، أم سوى ذلك من الأغراض البلاغية التي تُفهَم من

(1) البلاغة العربية (2/ 66، 67).

(2)

جواهر البلاغة (ص: 202).

(3)

هو أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب ضياء الدين؛ ، أحد وزراء الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي، له من الملفات:" الوشي المرقوم في حل المنظوم "، و " المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء "توفي سنة 622 هـ. وفيات الأعيان (5/ 389).

(4)

المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لابن الأثير (2/ 160).

(5)

اكتفيت بذكر أبرز الأنواع، وأكثرها ورودا في القرآن الكريم.

ص: 65

سياق الكلام ودلالته نحو: التَّشويق، أو التَّقرير، أو غيره من الأغراض البلاغية الأخرى. (1).

نحو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} (2).

المبيَّن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)} (3).

البيان المتَّصل: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} (4).

المعنى الإجمالي للبيان المتَّصل:

بدأت الآية باستفهامٍ عن التجارة المنجية من عذاب أليم، ثم بيَّن سبحانه هذه التجارة، بأسلوب الخبر المتضمن معنى الأمر؛ للإيذان بوجوب الامتثال، فقال:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ، فجعل العمل المذكور بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيه كما يربحون فيها، وذلك بدخولهم الجنّة ونجاتهم من النّار (5).

قال الرازي: "هل" بمعنى الاستفهام، ثم يتدرّج إلى أن يصير عرضًا (6) وحثًّا،

(1) يُنظر: جواهر البلاغة (ص: 83).

(2)

سورة الصف: 10 - 11.

(3)

سورة الصف: 10.

(4)

سورة الصف: 11.

(5)

يُنظر: جامع البيان (23/ 362، 363)، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (5/ 209)، وفتح القدير (5/ 264).

(6)

العرَض: "طلب الشيء بلين ورفق. ومن أدواته «ألا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام، و «أما» بفتح الهمزة وتخفيف الميم". علم المعاني، لابن عتيق (ص: 107).

ص: 66

والحثّ كالإغراء (1)، والإغراء أمر". (2).

قال الزّجاج: "وزعمَ بعض النحويين أن قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} جوابه {يَغْفِرْ لَكُمْ} ، وهذا خطأٌ لأنه ليست بالدلالة تَجب المغفرة إِنما تجب المغفرة بقبولهم ما يُؤَدي إِليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جواب {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ} (3).

2 -

إيضاح لفظ أو معنى كلام سابق (4):

بأن يرد في الآية لفظٌ أو معنى مبهم، ثم يأتي بعده ما يكون تفسيرًا موضحًا له.

مثال إيضاح اللفظ:

قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} (5). المبيَّن: {هَلُوعًا} . البيان المتَّصل: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} . المعنى الإجمالي للآيات: أن الله خلق الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره، ثم تعبَّده بإنفاق ما يحب والصّبر على ما يكره (6).

(1) الإغراء: "هو أمر المخاطب بلزوم ما يحمد به". شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (3/ 301).

(2)

مفاتيح الغيب (29/ 531).

(3)

معاني القرآن وإعرابه (1/ 266).

(4)

وكثير من هذا النوع يأتي باستخدام أسلوب الاستفهام نحو قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)} [سورة الهمزة: 5]، وقوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} [سورة الحاقة: 3].

(5)

سورة المعارج: 19 - 21.

(6)

معالم التنزيل (5/ 153).

ص: 67

وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بلفظ {هَلُوعًا} ، والهلوع في اللغة هو: الحريص الضجور البخيل الممسك الفخور، ثم جاء تفسير المقصود بلفظة الهلوع الواردة في الآية، فيما بعده من الآيات بقوله:{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} ، أي شديد الجزع، فلا يصبر على الفقر والشدة، وإذا أصابه الغنى والمال يمنع حق الله تعالى، إلا المصلين، فإنهم ليسوا هكذا (1).

مثال إيضاح معنى كلام سابق:

قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (2).

المبيَّن: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .

البيان المتَّصل: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} .

المعنى الإجمالي للبيان المتصل:

في الآية تعليم من الله أن نسأله أن يرشدنا ويوفقنا لسلوك الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وقد فسَّر الصراط المستقيم بقوله:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، والمنعَم عليهم، هم المذكورون في قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (3)، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، أي غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى

(1) يُنظر: تفسير السمرقندي (3/ 496)، والوجيز، للواحدي (ص: 1133).

(2)

سورة الفاتحة: 6 - 7.

(3)

سورة النساء: 69.

ص: 68

الحق، والمقصود بهم اليهود والنصارى (1).

قال ابن كثير (2) رحمه الله: " أكّد الكلام بـ (لا) ليدل على أن ثمَّ مسلكين فاسدين، وهما طريقتا اليهود والنصارى"(3).

قال الزمخشري: " {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدلٌ من الصراط المستقيم

فإن قلت: ما فائدة البدل؟ ، وهلا قيل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم!

قلتُ: فائدته التوكيد لما فيه من التّثنية والتّكرير، والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره: صراط المسلمين؛ ليكون ذلك شهادةً لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك ثنيتَ ذكره مجملًا أوّلًا، ومفصّلًا ثانيًا، وأوقعتَ فلانًا تفسيراً وإيضاحًا للأكرم الأفضل فجعلتَه عَلمًا في الكرم والفضل

" (4).

قال ابن عاشور: "

وإن إعادة الاسم في البدل أو البيان؛ ليبنى عليه ما يراد تعلقه بالاسم الأول، أسلوبٌ بهيجٌ من الكلام البليغ؛ لإشعار إعادة اللفظ بأن مدلوله

(1) يُنظر: جامع البيان (1/ 177)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 140)، وأيسر التفاسير، للجزائري (1/ 15).

(2)

هو أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، الإمام الحافظ المفسّر المؤرخ، ولد سنة 700 هـ، أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية، من مؤلفاته:"تفسير القرآن العظيم"، و"البداية والنهاية"، توفي سنة 774 هـ. يُنظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/ 67)، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/ 446).

(3)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 140).

(4)

الكشاف (1/ 16، 15).

ص: 69

بمحل العناية، وأنه حبيبٌ إلى النفس" (1).

ثانيا: التفصيل بعد الإجمال:

بأن يرد الكلام ابتداء بإيجازٍ واختصارٍ لغرضٍ بلاغي، ثم يَتبعه بيانٌ وتفصيلٌ يُزيل عنه إجماله.

الأغراض البلاغية لأسلوب التفصيل بعد الإجمال (2):

استخدم القرآن الكريم أسلوب التفصيل بعد الإجمال لأغراضٍ بلاغيةٍ متنوعةٍ، تتناسب مع مقصد الآيات، ومن أبرز تلك الأغراض ما يلي:

1 -

التّشويق:

نحو قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (3).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أتى بـ"أم" المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شدّ النَّفس إلى الاستماع إلى القصة لأنها حقيقةٌ عَجب "(4)، ثم جاء بأحداث القصة متتاليةً بعد ذلك.

(1) التحرير والتنوير (1/ 192).

قال ابن عاشور: "التحقيق عندي أن عطف البيان اسم لنوع من البدل وهو البدل المطابق وهو الذي لم يفصح أحد من النحاة على تفرقة معنوية بينهما ولا شاهدا يعين المصير إلى أحدهما دون الآخر". التحرير والتنوير (1/ 192).

(2)

بحث"أسلوب التفصيل بعد الإجمال وأغراضه البلاغية في القرآن الكريم"، لهاني خضر (ص: 45)، وما بعدها مختصرا).

(3)

سورة الكهف: 9 - 12.

(4)

تفسير العثيمين: الكهف (ص: 21).

ص: 70

2 -

التوكيد:

نحو قوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)} (1).

التمهيل: مصدر (مَهّلَ)، بمعنى:(أمهَلَ)، وهو الإنظار إلى وقتٍ معينٍ أو غير معين، فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإمهالهم وألا يستعجل، ثم أكّد أمره فقال:{أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} : أي إمهالًا، ولما كرّر الأمر توكيدًا خالف بين اللّفظين لتحسين التّكرير، فالأول مطلق، والثاني مقيد بقوله:{رُوَيْدًا} (2).

3 -

التعظيم والتفخيم:

نحو قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} (3).

قال ابن عطية (4): " والمترجح عندي أن المقام وأمن الداخل جعلا مثالًا مما حرّم الله من الآيات، وخُصّا بالذِّكر لعِظمهما، وأنهما تقوم بهما الحجة على الكفار، إذ هم مدرِكون لهاتين الآيتين بحواسّهم"(5).

(1) سورة الطارق: 17.

(2)

يُنظر: البحر المحيط في التفسير (10/ 453)، التحرير والتنوير (30/ 268).

(3)

سورة آل عمران: 96 - 97.

(4)

هو عبد الحق بن غالب بن عبد الملك، ابن عطية، أبو محمد الغرناطي القاضي، مالكي المذهب، ولد سنة 481 هـ، كان فقيها، عارفا بالأحكام، والحديث، والتفسير، من مؤلفاته:"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، وتوفي سنة 546 هـ. يُنظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لليعمري (2/ 58)، وطبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 60).

(5)

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية (1/ 475).

ص: 71

وسائل الربط بين أسلوب التّفصيل والإجمال (1):

ربط القرآن الكريم بين الإجمال وما يأتي بعده من تفصيل باستخدام أدواتٍ متنوعةٍ تستخدم في اللغة لهذا الغرض، ومن أبرزها ما يلي:

1 -

أمّا التفصيلية:

نحو قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} (2).

قال ابن عاشور: "في قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} إجمالٌ يفيد التّشويق إلى تفصيله بقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} .. الآيات؛ ليتمكن تفصيله في الذهن"(3).

2 -

(أنْ) التفسيرية:

نحو قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (4).

قال الزمخشري: " (أنْ) هي المفسِّرة لأن الوحي بمعنى القول"(5).

3 -

(مِن) البيانية:

نحو قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (6).

قال ابن عثيمين: قوله تعالى {مِنَ الْفَجْرِ} بيانٌ لمعنى {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} (7).

(1) بحث "أسلوب التفصيل بعد الإجمال وأغراضه في القرآن الكريم"، لهاني أبو خضر (ص: 40 - 43).

(2)

سورة الليل: 5 - 10.

(3)

التحرير والتنوير (30/ 379).

(4)

سورة طه: 38 - 39.

(5)

الكشاف (3/ 62)

(6)

سورة البقرة: 187.

(7)

تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (2/ 348).

ص: 72

4 -

البدل، أو عطف البيان (1):

نحو قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)} (2).

قال ابن عاشور: "والمراد بالمفاز: الجنة ونعيمها، وأوثرت كلمة {مَفَازًا} على كلمة: الجنة، لأن في اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين

، وأبدل {حَدَائِقَ} من {مَفَازًا} بدل بعضٍ من كل، باعتبار أنه بعض من مكان الفوز، أو بدل اشتمالٍ باعتبار معنى الفوز" (3).

5 -

(إذ) الظرفية:

نحو قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} (4).

(1) قال ابن مالك في شرح الكافية: "عطف البيان تابع يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه، ومجرى التوكيد في تقوية دلالته، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال، وليس نعتا؛ لأن تكميله بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو شيء من سببه، وليس توكيدًا؛ لأنه لا يرفع توهم مجاز، ولا وضع عام موضع خاص، وليس بدلا؛ لأن متبوعه مكمل به غير منوي الاطِّراح بخلاف البدل، فإن الغالب كون متبوعه منوي الاطراح، أو في حكم ما هو منوي الاطراح

". شرح الكافية الشافية، لابن مالك الجياني (3/ 1191، 1192).

"وقد يأتي لمجرد المدح بلا إيضاح، ومنه: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}، فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح". الإتقان في علوم القرآن (3/ 239).

(2)

سورة النبأ: 31 - 35.

(3)

التحرير والتنوير (30/ 44).

(4)

سورة التوبة: 40.

ص: 73

قال ابن عاشور: "إلا تنصروه، فهو غني عن نُصرتكم بنصر الله إياه، إذ قد نصره في حين لم يكن معه إلا واحدٌ لا يكون به نصر، فكما نصره يومئذ ينصره حين لا تنصرونه

ويتعلق {إِذْ أَخْرَجَهُ} بِـ {نَصَرَهُ} ، أي زمن إخراج الكفار إيّاه، أي من مكة، والمراد خروجه مهاجرًا" (1).

أنواعه في القرآن الكريم:

يكون التّفصيل بعد الإجمال على نوعين:

الأول: تفاصيل القصّة.

الثاني: تفاصيل كلام مجمل سابق.

الأول: تفاصيل القصة:

بأن ترد الآية فيها إشارةٌ مجملةٌ لقصةٍ ما، ثم تُردف بذكر تفاصيل القصّة فيما يتلوها من آيات، نحو قوله تعالى:

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} (2).

المبيَّن: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} .

البيان المتَّصل: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} .

المعنى الإجمالي للبيان المتَّصل:

بدأت الآيات بإشارة إلى قصة ثمود وتكذيبهم نبيهم صالح عليه السلام،

(1) التحرير والتنوير (10/ 201)

(2)

سورة الشمس: 11 - 15.

ص: 74

بقوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} ، ثم شرع في ذكر تفاصيل تلك القصة، وكيف كذّبوه، ثم بيّن أمارة ذلك التكذيب، فقال:{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} ، أي حين انبعث لعقرها بنشاطٍ وحرصٍ أشقى القوم، وهو قدَّار بن سالف، مع سكوت قومه على ما يفعل مما يدل على رضاهم عن فعله، فقال رسول الله صالح عليه السلام، لثمود: احذروا ناقة الله وسقياها، وإنما حذرهم سقيا الناقة؛ لأنه كان تقدم إليهم عن أمر الله، أن للناقة شرب يومٍ، ولهم شرب يومٍ آخر غير يوم الناقة، فكذّبوا صالحًا في خبره الذي أخبرهم به، من أنّ الله الذي جعل شرب الناقة يومًا، ولهم شرب يومٍ معلومٍ، وكذبوه فيما حذّرهم منه، من نزول العذاب إن خالفوا أمره فيها، فدمَّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحًا، وعقرهم ناقته، فسوى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يفلت منهم أحد (1).

" وعرضُ القصَّة بهذه الطريقة أسلوبٌ من أساليب التَّشويق يصنعه الآن المؤلفون والكُتَّاب في قصصهم، فيعطوننا في بداية القصة لقطةً لنهايتها؛ لإثارة الرغبة في تتبع أحداثها، ثم يعود فيعرض لك القصة من بدايتها تفصيلاً

ومن ذلك أسلوب القرآن في قصّة أهل الكهف، حيث ذكر القصّة موجزةً فقال:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)} (2)، ثم أخذ في عرضها تفصيلاً، فقال:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)} (3).

(1) يُنظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية (5/ 489، 488)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي (3/ 649)، تفسير المراغي (30/ 170).

(2)

سورة الكهف: 9 - 11.

(3)

سورة الكهف: 13.

ص: 75

وقد جاء هذا الأسلوب كثيرًا في قَصَص القرآن، ففي قصّة لوط عليه السلام يبدأ بنهاية القصة وما حاق بهم من العذاب:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (1).

ثم يعود إلى تفصيل الأحداث: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} (2)

" (3).

الثاني: تفصيل كلامٍ مجمل.

فيذكر الكلام على سبيل الإجمال، ثم يُتبع بذكر بعض التّفاصيل حسبما يقتضيه المقام (4).

ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} (5).

فالمبيّن: {عذاب أليم} .

والبيان المتَّصل: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} (6).

(1) سورة القمر: 33 - 34.

(2)

سورة القمر: 36 - 37.

(3)

تفسير الشعراوي (15/ 9420).

(4)

ولعل هذا النوع يدخل فيه ما يكون من قبيل البسط، حيث عرفه ابن أبي الإصبع بقوله:"البسط نقل المعنى من الإيجاز إلى الإطناب بسبب بسط العبارة عنه، وإن لم يستقص كل ما يكون من لوازمه". تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر (ص: 549).

(5)

سورة التوبة: 34 - 35.

(6)

سورة التوبة: 35.

ص: 76

المعنى الإجمالي للبيان المتَّصل:

يقول الله تعالى: فبشّر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضّة، وهم الذين لا يؤدون زكاتها، ولا يخرجون حقوق الله منها، {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، فجاء الإخبار عن ذلك العذاب مجملًا، ثم ذكر تفصيل ذلك العذاب في الآية التالية:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} ، فأخبر أنه يعذبهم به في يوم القيامة، حين يُحمى عليها، فتُدخل النار فيُوقد عليها، فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، ويقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا عذاب ذلك (1).

(1) يُنظر: جامع البيان (14/ 230، 229)، وزاد المسير (2/ 256، 255، 254).

ومن خلال تتبع مواضع التفسير بالبيان المتصل في آيات القرآن الكريم وجدت أن التفصيل بعد الإجمال يكون على حالات كثيرة، منها: ذكر الظرف أو الحال أو الوصف

وغيرها من التفاصيل.

ص: 77