الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيمارستان
وتختصر في كثير من الأحوال فيقال "مارستان"، وهي مأخوذة من الكلمة الفارسية "بيمار" بمعنى مريض، وإستان بمعنى مكان، وتدل على المستشفى. والبيمارستان في الاصطلاح الحديث يطلق بخاصة على مكان يأوى المجانين.
1 -
العصر الأول والشرق الإسلامي.
يقول العرب (انظر المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 405) إن أول مستشفى هي التي أقامها مناقيوس، وهو ملك أسطورى من ملوك مصر، أو أبقراط، ويقال إن أبقراط قد أقام للمرضى في حديقة بالقرب من داره "إكسنودوقيون" ومعناها لغة "مأوى للغرباء". وقد ذكر ابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء، طبعة ميلر Mueller، جـ 1، ص 26 - 27) أن سند هذا القول هو الكتاب الثالث من مصنف جالينوس: "في أخلاق النفس"(يرى إيثون)، وهو مصنف لم يصل إلينا باللغة اليونانية. ولم تكن البيمارستانات من سمات الحياة في أيام اليونان والرومان، ومن ثم فإن هذه الأشارات لا تحل مسألة أصل البيمارستانات، وينسب إلى الوليد بن عبد الملك الذي تولى الخلافة من عام 86 إلى 96 هـ (705 - 715 م) فضل بناء أول بيمارستان في الإسلام وأقام له أطباء وخصص لهم رواتب (المقريزى: كتابه المذكور)، ومع أن هذا قد ذكر بعبارات مماثلة ("بيمارستانات للمرضى") رواها كاتب قديم جدًّا هو ابن الفقيه حوالي سنة 289 هـ (902 م؛ ص 106 - 107) فإن هذه المسألة ما زالت مثار شك؛ ويروى الطبري (جـ 2، ص 1196) أن الوليد حظر على المجذوبين الخروج بين الناس وأجرى عليهم رواتب، وهي رواية مختصرة زيد عليها في فقرة أخرى (جـ 2، ص 1196) ذكر فيها الطبري أن الوليد "أعطى الناس وأعطى المجذمين وقال: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقَعد خادمًا وكل ضرير قائدا". وأورد ابن الأثير (في حوادث سنة 88 هـ = 707 م) ملحوظة صغيرة في هذا الصدد، وأضاف الذهبي أن الخدم والقواد لهم كانوا عبيدًا (تاريخ الإسلام، جـ 4، ص 67). وقد يبدو من
ذلك أننا نتناول هنا مسألة خاصة بإجراءات عزل، تشبه من بعض الوجوه ما حدث في الأندلس من بعد، حيث خصص حي برمته في قرطبة باسم "ربض المرضى" (انظر - E. Levi Hist. Esp. Mus.: Provencal، جـ 3، ص 381 - 382، 434).
وكانت إقامة أول بيمارستان حقيقى في الإسلام ثمرة للأثر المتصل الذي أحدثته المدرسة الطبية والمستشفى اللذان كانا قائمين في جنديسابور من أعمال خوزستان، فقد أنشئت هذه المدرسة والمستشفى في ظل الساسانيين، وأرست هذه المؤسسة تقاليدها السريانية الساسانية والهندية ثم الإغريقية أخيرًا، وأدخلتها في العصر العربي، وأحدثت منذ انتقال قصبة الدولة إلى العراق أثرًا عميقًا في تطور الطب العربي، أما من حيث المستشفيات فهان الاتصال بجنديسابور قد أثمر ثمرته في عهد هارن الرشيد (170 - 193 هـ = 786 - 809 م)، فقد وكل الرشيد إلى طبيب نصرانى من هذه المدرسة هو جبرائيل بن بختيشوع إنشاء بيمارستان في بغداد. وفي الوقت نفسه استقدم صيدلانيا بارعًا من جنديسابور إلى بغداد. وقد أصبح ابن هذا الرجل- وهو يوحنا (يحيا) بن ماسويه- رئيسًا للبيمارستان الجديد من بعد (ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة ليبير، ص 383 - 284؛ ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 174 - 175). وكان بيمارستان بغداد الأصلي يقوم في الحى الجنوبي الغربي على قناة كرخايا. وفيه اتبعت التقاليد المتحررة لجنديسابور فقد استجاب الهندى منكه لطلب يحيى بن خالد البرمكى وترجم إلى الفارسية الكتاب الطبى السنسكريتى "سسرتا سمهيتا"(الفهرست، ص 303)، وتقول بعض المصادر إن الرازي حاضَر في هذا البيمارستان.
على أنه ليس من الواضح لدينا مدى استمرار بيمارستان هارون في العمل وحده بهذا الميدان، ونحن نسمع منذ أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) -أو قبل ذلك بشيء من الزمن- بحشد من المؤسسات الجديدة في بغداد: البيمارستان الذي أقامه بدر المعتضدى غلام المعتضد (279 - 289 = 892 - 902 م) في حي المخرم
على الضفة الشرقية لدجلة (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221؛ وانظر ص 224)؛ والبيمارستان الذي أقيم في حي الحربية شمالي مدينة المنصور ووقف عليه الوزير الصالح علي بن عيسى مالًا سنة 302 هـ (914 م) وجعل الإشراف عليه هو وسائر بيمارستانات بغداد ومكة والمدينة للعالم أبي عثمان سعيد ابن يعقوب الدمشقي الذي عرف على خلاف ذلك بأنه مترجم (ابن أبي أصبيعة، جـ 1، ص 234)؛ وبيمارستان السيدة على الضفة الشرقية، وهو الذي افتتحه في المحرم من سنة 306 (يونيه سنة 918) سنان ابن ثابت، والظاهر أن سنانا قد خلف أبا عثمان الدمشقي في الإشراف العام على بيمارستانات بغداد وغيرها من البلدان (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221 - 222)؛ والبيمارستان المقتدرى في باب الشام الذي بنى حوالي هذا التاريخ (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 222)؛ وبيمارستان ابن الفرات في درب المفضل، ويقال إن ثابت بن سنان قد ولى أمره سنة 313 هـ (925 م؛ انظر ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 224). وكانت هذه البيمارستانات تسمتمد مواردها من أوقاف حبسها عليها السراة من أهل السلطان. وكانت الأموال المحبوسة عليها في أيدى نظار لم- يكونوا دائما حريصين على النهوض بمسئوليتهم (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221). ويمكن أن نكون فكرة عن حجم البيمارستان من إنفاقه الشهرى: فقد كان الإنفاق الشهرى للبيمارستان المقتدرى 200 دينار في الشهر، وبيمارستان السيدة 600 دينار في الشهر (المصدر المذكور). وكانت بعض أسباب الراحة تكفل للمرضى بتزويدهم بالبطاطين وفحم الخشب في الجو البارد (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 222). وكانت الجهود التي تبذل في هذا السبيل تتجاوز ذلك كثيرا في بعض الأحيان (انظر ما يلي).
أما معلوماتنا عن البيمارستانات التي كانت قائمة في الولايات فأقل من ذلك، على أن بعضها كان موجودًا بلا شك قبل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي). وكان بيمارستان الري مؤسسة كبيرة (ابن القفطى، ص 273؛ ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310 - 331)، وهذا البيمارستان قد ترأس عليه الرازي قبل قدومه إلى بغداد حيث
توفى رئيسًا لبيمارستان حالى سنة 320 هـ (932 م؛ انظر ابن القفطى، ص 272) ، والراجح أن بيمارستان الري كان قائما قبل هذا التاريخ بمدة. وقد زار المبرد مأوى للمجانين بدير حزقل بين واسط وبغداد في خلافة المتوكل أي بين سنتى 232 و 247 هـ (847 - 861 م، المسعودى: مروج الذهب، جـ 7، ص 197 وما بعدها).
وفي زمن سنان بن ثابت الذي توفى سنة 331 هـ (942؛ انظر الفهرست، ص 32) صدرت أوامر علي بن عيسى الآنف ذكره بأن يزور الأطباء السجون يوميًا، كما كان المساجين المرضى يزودون بالأدوية والأشربة، وكان يسمح للسيدات بالزيارة أيضًا، ومن الواضح أن زيارتهن كانت تتم بوصفهن ممرضات (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 221). وفي هذه المدة نفسها كان الأطباء الممارسون يرسلون للمرور بقرى السواد أي العراق الأسفل) كما كانت ترسل إليها "خزانة للأدوية والأشربة". ويظهر من المراسلات بين سنان والوزير بخصوص هذه الموحدة الطبية المتنقلة أن غير المسلمين كانوا يعالجون في البيمارستانات لذلك العهد (ابن أبي أصيبعة، الموضع المذكور).
وكان بعض بيمارستانات بغداد على الأقل- وهي التي ذكرناها آنفًا- لا يزال فيما يرجح قائمًا حين أقام عضد الدولة البويهى البيمارستان العضدى الكبير عند ثنية دجلة في غربي بغداد. وقد ذكر الرازي مرارًا فيما يتعلق بهذا البيمارستان الذي كان أشهر بيمارستانات بغداد منذ افتتاحه سنة 372 هـ (982 م) قبيل وفاة عضد الدولة (الذهبي: دول الإسلام، جـ 1، ص 167). ويقال إن الرازي اختار موقع هذا البيمارستان بأن عمد إلى تعليق قطعة من اللحم في كل قسم من المدينة، ثم اختار المكان الذي كانت قطعة اللحم فيه أقل تحللا من القطع الأخرى، كما يقال إن عضد الدولة اختار الرازي أول رئيس للبيمارستان (ويعرف باسم "ساعور" وهي مأخوذة من السريانية) من بين مائة طبيب (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 309 - 310). ولكن الرازي توفى قبل ذلك بخمسين عامًا. وتفسير هذه المفارقة قد لاحظه ابن أبي أصيبعة من قبل (الموضع المذكور) وربما كان السبب فيه التشابه في الرسم بين
البيمارستان العضدى والبيمارستان المعتضدى الذي أنشئ في حياة الرازي (انظر ما سبق).
وحين أنشئ البيمارستان العضدى، كان فيه أربعة وعشرون طبيبا (ابن القفطى، ص 235 - 236). وقد ذكر أنه كان به عدة طوائف من المتخصصين: "طبائعيون" و"كحالون" و"جرائحيون" و"مجبرون"(ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310). وكان مرتب جبرائيل بن عبيد، الذي كانت نوبته في البيمارستان يومين وليلتين في الأسبوع، ثلثمائة درهم في الشهر (ابن القفطى، ص 148) وكانت المحاضرات تلقى في البيمارستان العضدى (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 239، 244). ونحن نعلم بعض الكتب التي كانت تقرأ في هذا السبيل مثل "الأقراباذين" لسابور بن سهل الجنديسابورى (الفهرست، ص 297، بروكلمان، جـ 1، ص 232) وقد حل محله آخر الأمر كتاب آخر بنفس العنوان لابن التلميذ، وهو عميد (ساعور، انظر ما سبق) متأخر من عمداء البيمارستان العضدى (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 161، 259)، ولما زار ابن جبير بغداد سنة 580 هـ (1184 م) كان موقع البيمارستان شبيهًا بالحصن العظيم له مورد ماء يأخذ من دجلة، وله جميع الملحقات التي تزود بها القصور الملكية (الرحلة، طبعة ده غويه، ص 225 - 226).
وثمة بيمارستان آخر من البيمارستانات الكبيرة في الإسلام أيام القرون الوسطى، هو البيمارستان الذي أقدمه في دمشق نور الدين بن زنكى (541 - 569 هـ = 1146 - 1175 م) ويقال إن البيمارستان النورى قد بنى من الفدية التي أداها ملك فرنجى لم يذكر اسمه (المقريزى: الخطط، جظ 2، ص 408). ويصف ابن جبير (الرحلة، ص 283) كيف كانت هيئة المستشفى تحتفظ بقوائم بأسماء المرضى وكيمة الأدوية والأغذية اللازمة لكل منهم، وكانت مهام يوم قياسى في حياة طبيب من أئمة أطباء البيمارستان النورى تشتمل على: جولات لعيادة المرضى، وكتابة وصفات من الدواء والعلاج، وزيارة المرضى الخصصيين، ثم العودة إلى البيمارستان مساء للمحاضرة ثلاث ساعات في موضعات طبية (ابن أبي أصيبعة، جـ 2، ص
155). وكان ثمة بيمارستان نورى في حلب أيضًا (راغب الطباخ: تاريخ حلب، جـ 2، ص 77).
أما مصر فلم يكن فيها بيمارستان حتى جاء أحمد بن طولون فأقام واحدا سنة 259 - 261 هـ (872 - 874 م؛ انظر المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 405). وجرت القاعدة فيه على ألا يسمح لجندى أو عبد بدخوله للعلاج. وقد قف على هذا البيمارستان أوقاف كثيرة وزد بتيسيرات للرجال والنساء. وقد أقام صلاح الدين البيمارستان الناصرى، ولكن العمارة الكبيرة التي أنشأها المنصور قلاوون وتمت في أحد عشر شهرا سنة 683 هـ (1284 م) كانت أفخم بيمارستان في مصر، ربما كانت أوسع ما رآه الإسلام في هذا الصدد. ويقال إن المال الذي وقف عليه بلغ قرابة مليون من الدراهم في السنة (المقر يز ى: الخطط، جـ 2، ص 406)، وكان يسمح بالعلاج فيه للرجال والنساء. ولم يكن يطرد منه أحد، ولا تحدد مدة العلاج. أما البيمارستان المنصورى الذي كان من قبل قطصرا فاطميا، وهو مهيئ لثماية الآف شخص، فقد كانت فيه عنابر للحميات، وأمراض الرمد، والجراحات، الدوسنطاريا إلخ
…
ويعالج المرضى بها كل طائفة على حدة، كما كان مزودا بصيدلية مستوصف، ومخازن، وممرضين من الجنسين، وهيئة دارية كبيرة، وتر تيبات للمحاضرات، وأماكن للصلاة، وهكتبة، أو قل خير ما كان يستطاع تدبيره في ذلك العهد من خبرة في علاج المرضى. إن الوصف الذي زودنا به المقريزى (الخطط، جـ 2، ص 406 - 408) في هذه الشؤن لفضل أسداه إلى علم المستشفيات في الإسلام أيام القرون الوسطى.
وثمة كتب ألفت في البيمارستانات مثل: "كتاب في صفات البيمارستان" للرازى "بن أبي أصيبعة، جـ 1، ص 310)؛ "البيمارستانى الأمثل" (انظر ابن القفطى، ص 272 = ابن جلجل، طبعة فؤاد السيد، ص 77) وهو الآن مفقود مثله مثل "كتاب البيمارستانات" الزاهد العلماء الفارقى الذي كان رؤس بيمارستان زاهر في الجزيرة في القرن الخامس الهجرى الموافق الحادي عشر الميلادي (ابن أبي أصيبعة، جـ 1، ص
253). ونذكر في هذا السبيل- وإن اخللف بعض الاختلاف-: "المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية" لابن التلميذ، و "الدستور البيمارستانى" لابن أبي البيان؛ وكلاهما في الأقراباذين، وقد ذكرهما بول سبات Paul-Sbath (الفهرست، طبعة القاهرة، سنة 1938، جـ 1، ص 10، 75) الذي نشر الكتاب الأخير (Bulletin de l'Institut d'Egypte، جـ 15، سنة 1932 - 1933، 13 - 78).
المصادر:
(1)
Histoire de la Mid-: L.Leclerc icine Arabe، باريس سنة 1876 ص 557 - 572.
(2)
Arabian Medicine: E.G. Browne ، كمبردج سنة 1921، ص 45 - 46، 46، 101 - 102
(3)
Outline of: Amin A. Khayr Allah -Arabic Contributions to medicine and Al lied Sciences بيروت سنة 1946، 59 - 73 (وفيه أخطاء قليلة)
(4)
A Medical History of: C. Elgood Persia and the Eastern Caliphate، كمبردج سنة 1951، الفهرس (وهو يزودنا أيضًا بمعلومات عن المغرب الإسلامي)
(5)
Baghdad during: G. Le Strange the Abbasid Caliphate، أوكسفورد سنة 1900؛ طبعة جديدة سنة 1924، ص 62، 103 - 105.
(6)
Fifty Years: L. W. Lane Cairo Ago، لندن سنة 1896، ص 92 - 194 (انحطاط شأن البيمارستان المنصورى في القرن الماضي)
(7)
Arab: M.W. Hilton- Simpson Medical Surgery، أوكسفورد سنة 1922، ص 13 (المستشفيات القرية في الجزيرة الحديثة)
(8)
Histoire des bi-: Ahmed Isa Bey maristans a L'epoque Islamique (Hopitaux) القاهرة 1928
(9)
الكاتب نفسه: تاريخ البيمارستانات في الإسلام، دمشق سنة 1939
(10)
Alep: J. Sauvaget المتن ص 126 تعليق 1، ومجموعة الصور، لوحة 1.
خورشيد [دنلوب D.M.Dunlop] .
2 -
المغرب الإسلامي
إن أول بيمارستان في شمالي إفريقية لدينا عنه شاهد قد اقيم في مراكش على يد السلطان يعقوب المنصور الموحدى (580 - 595 هـ = 1184 - 1199 م) قبل مائة سنة تقريبا من تأسيس بيمارستان القاهرة المشهر. وكان هذا السلطان من مشجعى العمارة الكبار، وقد اجتذب إلى بلاطه أشهر أطباء الأندلس في زمانه وهم ابن الطفيل وابن شد وابن رشد الحفيد وابنه، ثم أقام في قصبة ملكه للغرباء أغنياء وفقراء بيمارستانا فخما نجد صفا له في عبد الواحد المراكشى (انظر المعجب، طبعة محمد الفاسى، سنة 1938، ص 176 - 177). وأنشأ السلطان نفسه أيضًا، في أجزاء مختلفة من إمبراطوريته، بيمارستانا للمجانين، وللمجذوبين وللعميان (القرطاس، طبعة فاس سنة 1305 هـ، ص 154، ترجمة Beaumier ص 306).
وقد حافظ السلاطين المرينيون الكبار: أبو يوسف يعقوب وأبو الحسن وأبو عنان، على هذه المؤسسات وأضافوا إليها غيرها (انظر القرطاس، طبعة فاس، سنة 1305 هـ ص 214؛ الذخيرة السنية، طبعة ابن شنب، ص 100، ابن مرزوق: المسند، طبعة ليفى بروفنسال في Hesperis، جـ 5، سنة 1925، ص 36؛ ابن بطوطة: الرحلة، طبعة دفرمرى وسانكوينتى جـ 4، ص 347). وفي تاريخ متأخر عن ذلك استأثر السلاطين الحاكمون بالموارد المخصصة لهذه البيمارستانات فأهملت ودرست.
وفي أوائل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وصف الحسن بن محمد الوزان الزياتى (ليوأفريقانوس) بيمارستانا في فاس فقال إنه في حالة اضمحلال كاهل، وكان يستخدم أصلا سجنًا للمجانين الخطرين ولا تزال هذه هي مهمته، كما أنه استخدم أيضًا سجنا للنساء (Description de I'Afrique: Leo Africanus، ترجمة Schefer، جـ 2، ص 78، ترجمة Epaulard، جـ 1، ص 188، Le Tourneau فاس، ص 255 - 257).
والظاهر أن البيمارستان الموحدى المشهور في مراكش قد درس دون أن
يترك أثرًا، وأصبح البيمارستان الذي أقامه هناك السلطان السعدى عبد الله الغالب بالله (965 - 981 هـ = 1557 - 1574 م) سجنًا للنساء (انظر الناصرى: كتاب سصاء، الترجمة، جـ 5، ص 63).
وفي سنة 1247 هـ (1831 - 1832 م) أقام السلطان العلوى مولاى عبد الرحمن في سلا بيمارستانا ملحقًا بضريح سيدى ابن عاشر. ولا تزال آثار البيمارستانات القديمة -التي اختفت أو بطل استعمالها- باقية في بعض مدن مراكش كما هي الحال في الرباط والقصر (انظر Textes: L. Brunot arabes de Rabat جـ 2، الحاشية 7532) وكذلك في طنجة.
وكان المجذومون (الجمع الجذمى أو تلطفا: المرضى) يسكنون في حي خاص يعرف بالحارة خارج المدن، وقد أنزلوا في فاس خارج باب الخوخة على طريق للمسان. ونقلوا في النصف الأول من القرن الثالث عشر إلى كهوف خارج باب الشريعة، ثم أقيموا سنة 658 هـ (1260) في كهوف أخرى خارج باب الجيسة. وكانوا في أوائل القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) يعيشون في بلدة قرب سوق الخميس (انظر القرطاس، طبعة الرباط سنة 1936، جـ 1، ص 53 - 54؛ Description de l'Afrique: Leo Africanus، ترجمة Epaulard، جـ 1، ص 229) وكانت الحارة بمراكش، في الأصل، خارج باب آغمات حتى نقلها في آخر القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) السلطان السعدى المنصور خارج باب دكالة.
وفي تونس أقام السلطان الحفصى أبو فارس أول بيمارستان لفقراء المسلمين أو غربائهم أو معتليهم، وقد تم هذا البيمارستان سنة 823 هـ (1420 م، انظر الزركشي: تاريخ الدولتين، طبعة تونس سنة 1289 هـ، ص 102). وفي غرناطة أقام السلطان النصرى محمد الخامس بيمارستانا فخمًا لمرضى المسلمين وفقرائهم. وقد جاء في النقش الذي على أساسه: "فاخترع به حسنة لم يسبق إليها من لدن دخل الإسلام هذه البلاد"، ولربما
كان هذا مبالغة في القول، لأنه كان ثمة بيمارستانات أخرى وفي غرناطة نفسها. ومنذ القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادي) ترجمت مجموعة مفردات بلنسية (- Valencia Vo cabulista)، كلمة بمصطلحات لهجية ومن ثم حية فقيل مرستان وملستان (انظر ابن الخطيب: الإحاطة، طبعة القاهرة سنة 1319 هـ، جـ 2، ص 29؛ Inscription arabes: Levi-Provencal d'Espagne ص 164؛ L. Seco de Lucena: : Plano de Granada arabe ص 53).
ويجب أن نفرق بين البيمارستانات التي أنشئت للمرضى والخانات أو المنازل (المآوى الليلية) المخصصة للرحالة. وكانت مثل هذه الخانات في المغرب الإسلامي تقام خارج أبواب المدن الكبيرة على يد معظم السلاطين الذين أقاموا بيمارستانات. وقد سميت هذه الخانات باسم "الزاوية"(انظر Le Zaouya merinite d' Anem-: G.S. Colin li، a Taza في Hespgris، سنة 1953 جـ 2، ص 1). والظاهر أن الخفاجى قد كرر خطأ قديما بقوله إن أول بيمارستان قد أنشئ على يد أبقراط وسماه "إخشندوكيون" أي نزل الغرباء (انظر شفاء العليل، طبعة القاهرة سنة 1282، ص 59).
وكان المؤلف المراكشى لكتاب المعجب (انظر ما سبق بيانه) الذي كان يكتب في بغداد سنة 621 هـ (1224 م) هو المؤلف المغربي الوحيد الذي استعمل الرسم الاشتقاقى الصحيح وهو "بيمارستان"، على حين يستعمل جميع الآخرين صبغة "مارستان" التي فقدت الحرف الفارسى. ولم تلبث الكلمة أن ظهرت مع اختصار الألف الأولى. وكان حرف الراء في اللهجات الأندلسية تعقبه الحركة a (Vocabulista: مرستان وملستان؛ وفي P. de Acala: مرستين) قد أكد الخفاجى هذا النطق في مصر أيام القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي؛ انظر الخفاجى: الشفاء، طبعة القاهرة سنة 1282، ص 206) وتنطق الكلمة في لغة القاهرة الحالية "مُرُستان". وفي اللهجات الحديثة بالمغرب يدخل في نطق الكلمة بعض الجنوح إلى المخارج الحلقية
فيقال "مرصطان"، ولعل السبب في هذا التغير في النطق وجدانى. وينطق بالكلمة في تطوان "مرصطران"، ومعنى الكلمة في كل الأنحاء هو "سجن المجانين الخطرين" (انظر W. Marcais: Textes arabes de Tanger، ص 460).
خورشيد [كولان G.S. Colin]
3 -
تركية:
وكان أول بيمارستان سلجوقى (دارالشفاء) ومدرسة قد أقيمتا في قيصرى سنة 602 هـ (1206 م) وقد أعقب هذا بناء بيمارستانات أخرى في سيواس وديوريكى، وجانقيرى، وقسطمونى، وقونية، وتوقاد، وأرضروم، وأرزنجان، وماردين وأماسية. وكانت مستشفيات الأناضول يطلق عليها وقتذاك -كما يطلق عليها اليوم- الأسماء:"بيمارستان" و"مارستان" و"تيمارخانه"، و"دار الشفاء" أو "دارالعافية". وكانت هذه البيمارستانات مستشفيات عامة من حيث إنها كانت تقبل جميع حالات المرضى، وكان القائمون بالعمل فيها جراحين وأطباء وصيدلانية وكحالين. وكانت ترصد لها أموال مستقلة، وتنظم بحسب حجمها وأهميتها وحاجاتها الخاصة وموقعها.
وكان أول بيمارستان عثمانى أقيم في الأناضول هو "دار الشفاء" الذي أنشأه يلدرم في بروسة، وكانت بروسة قبل الفتح العثمانى سنة 726 هـ (1306 م) خالية من بيمارستان. وقد وسع السلاطين العثمانيون الأوائل: أورخان ومراد الأول وبايزيد يلدرم في رقعة المدينة وأقاموا فيها بعض المنشآت من بينها "دار الشفاء" التي أنشاها يلدرم وافتتحت سنة 802 هـ (1399 م) وقد أصلحت هذه الدار التي كانت قسمًا من عمارة أقامها يلدرم ("يلدرم عمارتى" وهي مركز خاص يشمل بيمارستانا وحمامًا ونزلا لراحة المسافرين إلخ) عدة مرات قبل أن تهجر في منتصف القرن التاسع عشر وتحل محلها مستشفى أحمد وفيق باشا. وهذه الدار خرائب الآن.
أما مستشفى الجذام الذي أقيم في أدرنة في عهد مراد الثاني (824 -
855 هـ = 1421 - 1451 م) فقد ظل يعمل حوالي قرنين. وكان الأتراك قد بنوا، قبل هذا المستشفى، مستشفيات أخرى في سيواس وقسطمونى، وقيصرى في الأناضول.
وأما "دار شفاء" الفاتح التي افتتحت عام 875 هـ (1470 م) فقد افتتحها محمد الثاني الفاتح (855 - 886 هـ = 1451 - 1481 م)، وكانت جزءًا من "كلية". وهي الآن خربة من أثر عدة حرائق نزلت بها، ومع ذلك فإن منشآت هذه الدار ظلت تعمل حتى القرن الأخير. ويستدل من وقفّيتها على أنه كان ملتحقا بها عدد كبير من طلبة الطب علاوة على هيئة أطبائها، وكانت هذه هي الطريقة التقليدية لتدريب طلبة الطب في البيمارستانات الإسلامية.
وفي القرن نفسه أقام بايزيد الثاني (886 - 918 هـ = 1481 - 1512 م) عمارة أخرى في أدرنة على ضفاف نهر طونجة. وكان جزء من هذه العمارة بيمارستانا نسب إليه. وقد بدئ في إنشاء المبانى سنة 891 هـ (1486 م) وتمت في ثماني سنوات، ولكن الوقفية لم تقرر إلا سنة 898 هـ (1493 م) وهذه المنشأة خربة الآن، إلا أن هيئتها الطبية الكبيرة ظلت تخدم الجمهور حتى بداية هذا القرن. ويقول أولياجلبى إنه كان من بين الهيئة القائمة بالعمل فيها عثمرة موسيقيين كانوا يعزفون للمرضى بين الحين والحين. وكان ثمة كثير من الأخطاء في خطط هذه المنشأة التي أعدها في عجلة كبيرة كيرلت C. Gurlitt (انظر Die Bankunst Kon-: C.Gurlitt stantinopels، برلين سنة 1872، في مجلدين).
وفي القرن السادس عشر أقيمت ثلاثة بيمارستانات كبيرة في إستانبول وواحد في مغنيسيا، وقد أقيمت "بيمارخانه" خاصكى سنة 946 هـ (1539 م) في إستانبول لحرم سلطان زوجة سليمان القانونى .. أما "دار شفاء" سليمان ومدرسته الطبية فقد أقيمتا سنة 963 هـ (1555 م) في إستانبول باسم السلطان، وبنيت "دار شفاء" حافظه سلطان في مغنيسيا سنة 946 هـ (1539 م) تكريمًا لأم السلطان. وأتى الخراب على أجزاء من
(بيمارخانة) خاصكى بفعل الزلازل والحرائق، إلا أنها أصلحت وتستخدم الآن مركزًا صحيًا. وظلت "بيمارخانة" خاصكى تعمل حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد هجرت الآن.
وأقيم البيمارستان الرابع "بيمارخانه طوب طاشى" سنة 991 هـ (1583 م) في إستانبول لنور بانو سلطان أم مراد الثالث (982 - 1003 هـ = 1574 - 1595 م) واستخدمت هذه المنشأة مستشفى حتى سنة 1927. وهنالك أصبحت مستودعًا للطباق.
وفي القرن السابع عشر عمل أحمد الأول (1012 - 1016 = 1603 - 1617 م) على إقامة مستشفى كبير خلف ميدان سباق الخيل البوزنطى القديم قرب مسجده المشهور. وقد افتتح هذا المستشفى سنة 1025 هـ (1616 م) ولم يهدم إلا منذ عهد قريب فحسب لإفساح المجال لإقامة مدرسة جديدة.
وطرأ انكماش على إقامة المنشآت العثمانية الصحية والاجتماعية للنفع العام في القرن الثامن عشر، فلما جاء القرن التاسع عشر صبغت الخدمة العسكرية وطرز اللباس والتعليم وغير ذلك بالصبغة الحديثة في الإمبراطورية العثمانية، وفي سنة 1253 هـ (1837 م) أقيمت مستشفى الغرباء في إستانبول في أدرنة فابى بمدرسة مهرماه سلطان. وبينما كان هذا المستشفى يصبغ بالصبغة الحديثة على يد بزم عالم والده سلطان أم السلطان عبد المجيد، كانت مستشفيات عسكرية حديثة جديدة ومدرسة طبية جديدة تقام. وكان الغرض من هذه المنشآت الوفاء بالحاجات الطبية للجيش الجديد، وأقيمت مدرسة جديدة للطب والجراحة في إستانبول سنة 1243 هـ (1827 م) على يد السلطان محمد الثاني (1223 - 1255 هـ = 1808 - 1839 م)، وبدأت الدراسة فيها بالإيطالية، ثم استبدل بالإيطالية الفرنسية حين وفد إليها بعض أساتذة الطب الأكفاء من النمسا سنة 1839. وقد وسع هذه المدرسة الطبية السلطان عبد المجيد والسلطان عبد العزيز والسلطان عبد الحميد الثاني، ثم