الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18)
الطبعات الجميلة التي قام بها نيكلسون Nicholson لكتب السراج والعطار وابن عربي والرومى، وإلى ترجمة Richard Hartmann لكاتب القشيرى وترجمة Hart لكتاب داراشكوه في Journal Asiatique سنة 1926 ، ص 285 وإلى شروح Gard- ner على كتاب مشكاة الأنوار للغزالى Al Ghazzalis mishkat al - anwar - لندن سنة 1924 ، وشرح Horten على السهروردى الحلبى Die Philosophie der Erleuch tung nach Suhr awardi هالة 1912؛ وشرح كوبريلى زاده محمد فؤاد على المتصوفة الترك الأول: تورك أدبياتنده إيلك متصوفلر، إستانبول سنة 1919 وشرح Nyberg على ابن عربي Schriften des Ibn al - Ara- Kleinere) (bi ليدن سنة 1919 - إلخ
(20)
وأمهات الكتب العربية في الصوف هي تواليف المحاسبى والمكى والغزالى وابن عربي، وهي كتب مشايعة له، وانظر كذلك مصنفات المعارضين الكبيرين للتصوف وهما ابن الجوزي: تلبيس إبليس، طبعة القاهرة سنة 340 هـ، وابن تيمية.
[ماسينيون Louis Massignon]
تعليق على مادة "التصوف
"
أ- نشاة كلمة صوفى، ومتصوف وأصلهما
1 -
كان الإقبال على الدين والزهد في الدنيا غالبًا على المسلمين في صدر الإسلام، فلم يكونوا في حاجة إلى وصف يمتاز به أهل التقى والعكوف على الطاعات والانقطاع إلى الله، ولم يتسم أفاضلهم في الجيل الأول بتسمية سوى صحبة رسول الله، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم الصحابة، ولما أدركهم أهل الجيل الثاني سمى من صحب الصحابة بالتابعين.
فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة المتاع الدنيوى قيل للخواص ممن لهم شدة عناية بأمر الدين، الزهاد والعباد.
ثم ظهرت الفرق الإسلامية، فادعى كل فريق أن فيهم زهادًا وعبادًا، هنالك انفرد خواص أهل السنة المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة،
واشتهر هذا الاسم قبل المائتين من الهجرة، فهو اسم محدث بعد عهد الصحابة والتابعين (1).
ويقول بعض العلماء: إن هذا الاسم معروف في الملة الإسلامية من قبل ذلك، بل يذهب بعضهم إلى أنه لفظ جاهلى عرفته العرب قبل ظهور الإسلام.
قال أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسى المتوفى سنة 378 هـ (988 م) في كتاب "اللمع" في التصوف: "وأما القائل إنه اسم محدث أحدثه البغداديون فمحال، لأنه في وقت الحسن البصري (2) كان يعرف هذا الاسم، وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم، وقد روى عنه أنه قال:(رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئًا فلم يأخذه وقال: معى أربعة دوانيق فيكفينى ما معى).
وروى عن سفيان الثوري (3) رحمه الله أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفى (4) ما عرفت دقيق الرياء. وقد ذكر في الكتاب الذي جمع أخبار مكة عن محمد ابن إسحاق بن يسار (5) وعن غيره يذكر فيه حديثًا: إن قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، وكان يجئ من بلد بعيد رجل صوفى فيطوف بالبيت وينصرف. فإن صح ذلك يدل على أن قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم، وكان يندسب إليه أهل الفضل والصلاح والله أعلم".
فاستعمال لفظ صوفى ومتصوف لم ينتشر في الإسلام إلا في القرن الثاني وما بعده، سواء) كان هذا التعبير عن الزهد "بالصوفى" حدث في أثناء المائة الثانية كما هو رأى ابن خلدون المتوفى عام 806 هـ (1406 م) في مقدمته، أم كان هذا التعبير معروفا في الإسلام قبل القرن الثاني، أم كان لفظًا جاهليًا على ما ذكره صاحب "اللمع" الذي
(1) مقدمة ابن خلدون، وكشف الظنون عند الكلام على التصوف.
(2)
المتوفى سنة 110 هـ (727 م).
(3)
المتوفى سنة 161 هـ (777 م).
(4)
المتوفى سنة هـ 150 هـ (773 م) وقيل أنه أول من سمى بالصوفى.
(5)
المتوفى سنة 150 هـ (767 م).
يحاول أن يبرئ الصوفية من انتحال اسم مبتدع لم يعرفه الصحابة ولا التابعون.
ويقول ابن تيمية في رسالته "الصوفية والفقراء":
"أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك. وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل (1) وأبي سليمان الدارانى (2) وغيرهما. وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري".
أما الأستاذ ماسينيون Louis Mas- signon فيقول في كتابه:
Recueil de textes inedits concernatc l Histoire de Mystique en pays d'Islam المطبوع سنة 1929 بباريس، عند كلامه على عَبْدَك الصوفى المتوفى حوالي سنة 120 هـ الموافق 825 م:"صاحب عزلة بغدادى، وهو أول من لقب بالصوفى، وكان هذا اللفظ يومئذ يدل على بعض زهاد الشيعة بالكوفة، وعلى رهط من الثائرين بالإسكندرية. وقد يعد من الزنادقة بسبب امتناعه عن أكل اللحم"، ويريد الأستاذ أول من لقب بالصوفى في بغداد كما يؤخذ مما نقله في نفس الكتاب عن الهمذانى، ونصه:
"ولم يكن السالكون لطريق الله في الأعصار السالفة والقرون الأولى يعرفون باسم المتصوفة، وإنما الصوفى لفظ اشتهر في القرن الثالث، وأول من سمى ببغداد بهذا الاسم عبدك الصوفى، وهو من كبار المشايخ وقدمائهم، وكان قبل بشر بن الحارث الحافى والسرى بن المفلس السقطى".
ويقول ماسينيون في المادة التي نحن بصددها ماخلاصته:
"وورد لفظ الصوفى" لقبًا مفردًا لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي إذ نعت به جابر بن حيان، وهو صاحب كيمياء شيعى من أهل الكوفة له في الزهد مذهب خاص، وأبو هشام الكوفي
(1) المتوفى سنة 241 هـ (855 م).
(2)
عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الزاهد المتوفى سنة 215 هـ (830 م).
الصوفى المشهور.
"أما صيغة الجمع "الصوفية" التي ظهرت عام 199 هـ (814 م) في خبر فتنة قامت بالإسكندرية فكانت تدل قرابة ذلك العهد على مذهب من مذاهب التصوف الإسلامي يكاد يكون شيعيًا نشأ في الكوفة وكان عَبْدَك الصوفى آخر أئمته، وهو من القائلين بأن الإمامة بالتعيين، وكان لا يأكل اللحم، وتوفى ببغداد حوالي عام 210 هـ (825 م) وإذن فكلمة صوفى كانت أول أمرها مقصورة على الكوفة".
2 -
أما أصل هذا التعبير فالأقاويل فيه كثيرة: فمن مرجح أنه لفظ جامد غير مشتق "كالقشيرى" المتوفى عام 465 هـ الموافق 1073 م.
وقد جاء في "الرسالة مع شرحها" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري المتوفى سنة 926 هـ (1519 م). "وليس يشهد بهذا الاسم من حيث العربية قياس بين ولا إشتقاق كذلك لأن مصدر "صفا" صفو بتأخير حرف العلة عن الفاء، والأظهر فيه أنه غير مشتق بل هو جامد كاللقب".
ومن قائل إنه مشتق "من الصفاء أو الصفو" والمراد صفو قلوب أهل التصوف وانشراح صدورهم ورضاهم بما يجريه الله عليهم، ثم إنهم مع الله في صفاء لا يشوبه شاغل، وهم بما أطلعهم الله عليه قد صفوا من كدر الجهل، قالوا: وكان في الأصل صفوى فاستثقل ذلك فقيل صوفى".
ومن قائل: إن اللفظ مأخوذ من "الصوف" لأن لباس الصوف كان يكثر في الزهاد، قال صاحب اللمع: "فلما أضفتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسما مجملا عاما مخبرًا عن جميع العلوم والأعمال والأخلاق والأحوال الشريفة المحمودة، ألا ترى أن الله تعالى ذكر طائفة من خواص أصحاب عيسى عليه السلام فنسبهم إلى ظاهر اللبسة فقال عز وجل:{إِذْ قَال الْحَوَارِيُّونَ} الآية، وكانوا قومًا يلبسون البياض فنسبهم الله تعالى إلى ذلك، ولم ينسبهم إلى نوع من العلوم والأعمال والأحوال التي كانوا بها مترسمين، فكذلك الصوفية عندي والله أعلم نسبوا إلى ظاهر اللباس ولم
ينسبوا إلى نوع من أنواع العلوم والأحوال التي هم بها مترسمون، لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين، وقيل في تسمية أصحاب عيسى عليه السلام بالحواريين، إنهم كانوا قَصَارين يغسلون الثياب، أي يحورونها، وهو التبييض. وقال قائلون: إن الصوفية نسبة إلى الصُّفَّة (1) التي ينسب إليها كثير من الصحابة، فيقال أهل الصفة، وأهل الصفة هم زهاد من مهاجرى الصحابة فقراء غرباء، كانوا سبعين ويقلون حينًا ويكثرون لا مسكن لهم ولا مال ولا ولد يسكنون صفة المسجد، وهو موضع مظلل في مسجد المدينة.
لكن النسبة إلى الصفة لا تجئ على الصوفى، بل على الصّفى.
وثم أقوال ضعيفة آخر، كالقول بأن الصوفى نسبة إلى الصف الأول، لأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة والمناجاة وارتفاع الهمة مع الله تعالى والقرب منه، أو لأنهم كانوا أسرع الناس إلى الصف الأول في المساجد عند الصلاة.
وكالقول بأنهم منسوبون إلى صوفة القفا، أي ما يتدلى في نقرة القفا من شعر يرسلونه متلبدًا مشعثًا كالصوف. وفي الأساس "صوفة قفاه زغباته وقيل
(1) وجاء في الرسالة أهل الصفة لابن تيمية: مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1، ص 26 - 20).
"أما الصفة التي ينسب إليها أهل الصفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت في مؤخر مسجد النبي -صلعم- في شمال المسجد بالمدينة النبوية كان يأوى إليها من فقراء المسلمين من ليس له أهل ولا مكان يأوى إليه.
ويكثر المهاجرون إلى المدينة من الأغنياء والفقراء والأهلين والعزاب فكان من لم يتيسر له مكان يأوى إليه يأوى إلى تلك الصفة التي في المسجد، ولم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له ويجئ ناس بعد ناس وكانوا تارة يكثرون وتارة يقلون. فتارة يكونون عشرة أو أقل وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر وتارة يكونون ستين وسبعين.
وأما جملة من أوى إلى الصفة من الصحابة مع تفرقهم فقد قيل كانوا نحو أربعمانة من الصحابة وقد قيل كانوا أكثر من ذلك".
"وكان فقراء المسلمين من أهل الصفة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الذي لا يصدهم عما هو أوجب وأحب إلى الله من الكسب. وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله.
وكان أهل الصفة ضيف الإسلام يبعث إليهم النبي -[صلى الله عليه وسلم]- بما يكون عنده وأن الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق".
الشعر السائل من الرأس"؛ أو منسوبون إلى صوفة بن مروان بن أد ابن طانحة، هكذا جاء في كتاب جلاء العينين؛ والذي في القاموس وشرحه واللسان:
"وصوفة أبو حي من مضر وهو الغوث بن مر بن أد بن طاحنة بن إلياس بن مضر، كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ويجيزون الحاج أي يفيضون بهم، وكانت العرب إذا حجت وحضرت عرفة لا تدفع منها حتى يدفع بها صوفة.
وسمى الغوث بصوفة لأن أمه جعلت في رأسه صوفة وجعلته ربيطًا للكعبة يخدمها، وقيل صوفة اسم لقبيلة اجتمعت من أفناء قبائل".
وأرجح الأقوال وأقربها إلى العقل: مذهب القائلين بأن الصوفى نسبة إلى الصوف، وأن المتصوف مأخوذ منه أيضًا، فيقال تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص، فلهذا القول وجه سائغ في الاشتقاق، وهو مختار كبار العلماء من الصوفية مثل صاحب اللمع وشارح الرسالة القشيرية، ومن غيرهم كابن خلدون وابن تيمية وجمهرة الصوفية يميلون إلى رد اسمهم إلى الصفاء وإن لم يكن لذلك وجه ظاهر في قواعد اللغة.
ب- أساس التصوف وما مر به من الأدوار.
أطلق لفظ الصوفى والمتصوف بادئ الأمر مرادفا للزاهد والعابد والفقير، ولم يكن لهذه الألفاظ معنى يزيد على شدة العناية بأمر الدين ومراعاة أحكام الشريعة (1) فإن الفقر والزهد ولبس الصوف مظهر ذلك.
وكانت أحكام الشريعة تتلقى من صدور الرجال لا فرق بين عباداتها ومعاملاتها وعقائدها، ثم تحدث الناس في الأمور الدينية على نظام علمي، ونشأ التدوين فكان أول ما توجهت إليه الهمم وانصرفت إليه الأفكار علم الشريعة بمعنى الأحكام العملية حتى لحسب الناس أن الاشتغال بهذا العلم والعمل به هو غاية الدين.
(1) وفي رسالة القشيرى عن أبي حمزة البغدادي: علامة الصوفى الصادق أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العزة ويخفى بعد الشهرة.
هنالك تطور معنى التصوف إلى ما يناسب الكمال في الدين الذي وضع له اللفظ أولًا وأدى هذا الطموح إلى نشأة علم دينى إلى جانب العلم الفقهى.
وفي مختصر جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمرى القرطبي المتوفى سنة 463 هـ:
"وقال سفيان: كتب ابن منبه إلى مكحول إنك امرؤ قد أصبت فيما ظهر من علم الإسلام شرفًا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، وأعلم أن إحدى المحبتين سوف يمنع منك الأخرى".
وقد ذكر بن تيمية في رسالته "الصوفية والفقراء": "إن الأمور الصوفية التي فيها زيادة في العبادة والأحوال خرجت من البصرة، فافترق الناس في أمر هؤلاء الذين زادوا في أحوال الزهد والورع والعبادة على ما عرف من حال الصحابة، فقوم يذمونهم وينتقصونهم وقوم يجعلون هذا الطريق من أكمل الطرق وأعلاها، والتحقيق أنهم في هذه العبادات والأحوال مجتهدون كما كان جيرانهم من أهل الكوفة مجتهدين في مسائل القضاء والإمارة ونحو ذلك". وزاد ابن تيمية هذا الرأى بيانًا فقال:
"وإذن عرف أن منشأ التصوف كان من البصرة، وأنه كان فيها من يسلك من طريق العبادة والزهد ماله فيه اجتهاد كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ماله فيه اجتهاد، وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفى، وليس طريقهم مقيدًا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال".
وكلام ابن تيمية يشير إلى ما بين التصوف والفقه من الصلة.
وانقسم علم الشريعة إلى قسمين: علم يدل ويدعو إلى الأعمال الظاهرة التي تجرى على الجوارح والأعضاء الجسمية وهي العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم إلى آخره، وأحكام المعاملات كالحدود والزواج والطلاق، والعتق والبيوع والفرائض
والقصاص، وسمى هذا العلم علم الفقه وهو مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا في العبادات والمعاملات.
والثاني- علم يدل على الأعمال الباطنة ويدعو إليها والأعمال الباطنة هي أعمال القلوب، وسمى هذا العلم الثاني علم التصوف، وسمى المتصوفون أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا من عداهم أهل ظواهر وأهل رسوم.
وأهل الرسوم طائفتان القرّاء، والفقهاء؛ فالقراء هم أهل التنسك والتعبد سواء أكانوا يقرءون القرآن أم لا يقرءون، وهمتهم مقصورة على ظاهر العبادة دون أرواح المعارف وأعمال القلوب.
والفقهاء هم المشتغلون بالفتيا وعلوم الشريعة، وهؤلاء وهؤلاء عند الصوفية أهل رسوم، ففريق مع رسوم العلم، وفريق مع رسوم العبادة.
والتصوف في هذا الدور عبارة عن الأخلاق الدينية ومعانى العبادة.
قال ابن القيم (1) في "مدارج السالكين":
"واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم أن التصوف هو الخلق".
وقال في موضوع آخر: "إن هذا العلم مبنى على الإرادة فهي أساسه ومجمع بنائه، وهو يشتمل على تفاصيل أحكام الإرادة وهي حركة القلب، ولهذا سمى علم الباطن كما أن علم الفقه يشتمل على تفاصيل أحكام الجوارح، ولهذا سمى علم الظاهر" وبذلك يتبين أن أولى خطوات التصوف في سبيل التكون العلمي كانت عبارة عن نشأة علم الأخلاق الإسلامي.
وهذا التدرج في معنى التصوف طبيعى بسيط لا تبدو فيه دلائل تأثير خارج عن العبادات الإسلامية ولا جهد المفكرين في فهم معانيها وآثارها الروحية واتصالها بالقلوب.
ثم اتسعت أنظار الباحثين في العلوم الدينية ودقت وترامت هممهم إلى الكلام في أصول الدين بعقولهم، ولطفت أذواق المراقبين منهم لمعانى العبادات وحركات القلوب، فأخذ
(1) المتوفى سنة 756 هـ (1355 م).
التصوف يتسامى إلى نظرية خاصة في المعرفة وسبيل الوصول إليها، وهذه النظرية على ما بينه الغزالى في كتاب إحياء علوم الدين هي: "السعادة التي وعد الله بها المتقين هي المعرفة والتوحيد، والمعرفة هي معرفة حضرة الربوبية المحيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله، والكون كله من أفعاله.
"فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنة بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق، وتكون سعة نصيب الإنسان من الجنة بحسب سعة معرفته وبمقدار ما يتجلى له من الله وصفاته وأفعاله. وإنما مراد الطاعات كلها وأعمال الجوارح تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه.
"وهذه المعرفة تحصل للإنسان من وجهين: أحدهما: طريق الاستدلال والتعلم ويسمى اعتبارًا واستبصارًا ويختص به العلماء والحكماء.
والثاني: مالا يكون بطريق التعلم ولا الاستدلال، ولكنه يهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدرى.
وهو ينقسم إلى ما لا يدرى العبد كيف حصل له، ومن أين حصل، وإلى ما يطلع معه على السبب الذي استفاد منه ذلك العلم، وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، على أنه في الحالين موقن بأن العلم جاءه من الله، والعلم في الحالين بواسطة الملك، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملك.
والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، ويختص به الأولياء. والثاني وحيًا ويختص به الأنبياء.
وأهل التصوف يؤثرون العلوم الإلهامية دون التعليمية، ويعدونها المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية التي يستحيل معها إمكان الخطأ.
ولذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، والبحث عن الأقاويل والأدلة، بل قالوا إن الطريق إلى تحصيل تلك الدرجة بتقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى .. فطريق الصوفية يرجع إلى تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة للنفس ثم استعداد وانتظار للتجلى".