الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كانت بنغازى قصبة ومقر اتحاد ليبيا الفدرالى الملكى سنة 1951 م (1) وقاعدة برقة، ولكنها فقدت صناعاتها وكثيرًا من شأنها من حيث ميناء، وشأن مطارها شأن حربى فوق كل شيء. وقد بلغ عدد سكانها، سنة 1954 م حوالي 63.000 نسمة، كلهم من المسلمين فيما عدا قليل من اليهود والأوربيين.
خورشيد [دسبوا J. Despois]
بوسعيد
الأسرة الحاكمة في عُمان وزنجبار، وأصلهم من الأزد. وقد أصبح مؤسسها، أحمد بن سعيد، واليًا على صَحار في عهد إمام عمان اليَعْرُبى، سيف بن سلطان الثاني، ونجح في الدفاع عن صحار ضد قائد نادرشاه، محمد تقى خان شيرازى، الذي تصالح معه. وفي بضع سنين أقام أحمد نفسه، بالقوة والدهاء والغدر، سيدًا على عُمان، وكان الشاه مشغولا في حرب مع الترك فلم يصنع شيئًا ليسترد مركزه. ولم يثبت تاريخ اتخاذ أحمد لقب الإمام رسميًا، ولا يمكن أن يكون هذا التاريخ هو سنة 1154 هـ (1741 م)، كما يقال في العادة، وهناك بعض الشواهد على أن ذلك حدث عام 1163 هـ (1749 م). وقد حابى بوسعيد- بطبيعة الحال - الترك على حساب الفرس، وساعد الأولين في الدفاع عن البصْرة سنة 1189 هـ (1775 م)، وشجع التجارة وساعد في إخضاع القراصنة الهنود، وخلفه ابنه سعيد سنة 1198 هـ (1783 م) ولم يكن محبوبًا لدى الجمهور، فانسحب إلى الرستاق، وتخلَّى عن الحكم لابنه حامد، ولكنه احتفظ لنفسه بلقب الإمام. ولم
(1) نالت ليبيا استقلالها فيما بعد وأصبحت
جمهورية ثم الجماهيرية العربية الليبية
ويرأسها العقيد معمر القذافى.
يستعمل هذا اللقب أحد بعده من أفراد أسرته. وكان الحكام بعد يلقبون بالسيد، وإن كانوا يعرفون عامة عند الأجانب بالسلطان. وكان سعيد على قيد الحياة سنة 1226 هـ (1811 م) ولكنه توفى في غضون العشر السنوات التالية. وخلف حامدًا (توفى سنة 1206 هـ / 1792 م) عمُّه سلطان، الذي استولى على جاهبار وهُرْمُز وكِشْم وبندر عباس والبحرين. ووافقت بلاد فارس على أن تؤجر جاهبار وبندر عباس إلى بوسعيد الذي كان قد استولى على كوادَر. وفي سنة 1213 هـ (1798 م)، عقد معاهدة يسمح فيها للبريطانيين بأن ينشئوا ويحصنوا لهم محلة يقيم فيها تجارهم في بندر عباس. ووعدهم بألا يسمح لا للفرنسيين ولا الهولنديين بإنشاء محلات في ملكه ما داموا في حرب مع البريطانيين. وكان في أخريات أيامه في خطر دائم من هجمات الوهابيين، وقتل في حرب بحرية بالقرب من لنكَه سنة 1210 هـ (1804 م). وانتصر في الصراع على الحكم بدر بن سيف بمساندة الوهابيين، ولكن سعيد بن سلطان قتله، وكان سعيد يحكم بالمشاركة مع سالم أخيه، فلما مات سالم انفرد بالحكم سنة 1236 هـ (1821 م).
وكان سعيد أعظم أفراد أسرته، غير أن مركزه في الجزيرة العربية كان غير مأمون، إما بسبب النزاع العائلى أو بسبب هجمات الوهابيين. ونشأ عن السبب الأول استقلال صُحار استقلالا موقوتًا، تحت حكم أسرة قيس بن أحمد، أما الوهابيون فكان إحجامهم إما نظير ما يدفع لهم وإما خيفة من تدخل البريطانيين. وكان أعظم أعمال سعيد توسيعه ممتلكاته الإفريقية حتى جعلها إمبراطورية تجارية تدعمها قوة بحرية.
وفقد الأئمة اليعربيون معظم ما فتحوه في إفريقية أثناء غزو بلاد فارس لعُمان. وكان سعيد عند توليه، يحكم زنجبار فقط وجزءًا من بمبه، وربما مافْيه، ولامو، وكِلْوه التي خسرها ثم استردها، وأيد سلطته بالقوة على مستعمرات العرب والسواحلية من مقدِشُّو (موكَاديشو) إلى رأس دِلْكَادُو. وأخطر مقاومة كانت عند مُمبْسًا ذلك أن القبائل الحاميّة وقبائل البَنْتو كانت لا تكاد تعترفَ بسلطته، بل إن سعيدا -حتى في الجزائر الرئيسية- لم يحصل إلا على الجزية من رؤساء الوهاديمو (مونى مكوو) والوَببمْبه (الديوانى) والوَتُمباتو (الشِها). وفي السنوات الوسطى من القرن كان الساحل من فَنْكَه إلى بانيانى (فيما عدا تنكَه) في قبضة سعيد، بالاشتراك مع ملك أوسمْبَره الذي أرسل ممثلين أقرهم سعيد في مراكزهم. وأحبط الفرنسيون محاولة سعيد لضم "نوسِّى به". وفي سنة 1270 هـ (1854 م) تنازل عن جزائر خوريان موريان للبريطانيين.
فلما مات سعيد سنة 1273 هـ (1856 م) بقى ابنه ثوَينى مهيمنًا على مسقط وابنه الآخر مجيد مسيطرا على زنجبار، وأحيل النزاع على لورد كاننكَ فقضى فيه بان يحتفظ مجيد بزنجبار وأن يدفع ثوينى تعويضًا سنويًا مع التنويه خاصة بأن ذلك لا يعد جزية. وأتى بعد مجيد بَرْغش، الذي سبق له أن حاول الاستيلاء على الحكم عند وفاة سعيد، وحاول مرة أخرى بعد ذلك بسنين قليلة. وأصبح نفوذ الممثل البريطانى، سير جون كيرك، أعلى نفوذ. وفي سنة 1270 هـ (1873 م) حرمت تجارة الرقيق. وأدى تغلغل الألمان في إفريقية إلى تعيين لجنة إنكليزية فرنسية ألمانية لتعيين الحدود في دولة بوسعيد. وحكمت بالاعتراف
ببرغش حاكما على زنجبار ويمبه وجزر صغيرة في نطاق 12 ميلا منها، وأرخبيل لامو والساحل من تونكى إلى كبينى حتى عرض عشرة أميال، وكِسْمايو وَبَرَوَة ومَرْكه وَمقدشو ووَرْشيخ، ونزل عن لامو بعد ذلك لشركة شرقي إفريقية البريطانية، وعن موانى الصومال لإيطاليا. ووفقا لاتفاق إنكليزى ألمانى عقد سنة 1307 هـ (1890 م) بيعت الممتلكات شمال نهر أومبا إلى الألمان. وصار الباقي جميعه تقريبًا تحت الحماية البريطانية، وأخرت أراضى البر الرئيسى بآجال، وفي سنة 1309 هـ (1892 م) أعيد تنظيم الإدارة، وعين وزير أول بريطانى (جنرال تويد ماثيوز). وحاول خالد بن برغش الاستيلاء على السلطة سنة 1310 هـ (1893 م) وسنة 1313 هـ (1896 م)، وأفضت ثورته الأخيرة إلى أن ضربت سفينة حربية إنكليزية قصره بالقنابل ودمرته. وفي سنة 1314 هـ (1897 م) ألغى المركز الشرعي للاسترقاق.
وكان الوزير البريطانى وصيًا على الملك القاصر علي بن حمُود (1320 - 1323 هـ = 1902 - 1905 م) وفي سنة 1331 هـ (1913 م) نقلت المسئولية عن زنجبار من وزارة الخارجية إلى وزارة المستعمرات.
واغتيل ثوينى الذي احتفظ بعمان بناء على رأى كَاننك. واتهم ابنه سالم بالاشتراك في اغتياله فنفاه، بعد فترة قصيرة من حكمه، عزّانُ بنَ قيس الذي قتل هو أيضًا في حرب أهلية. وفي سنة 1288 هـ (1871 م) وافق تركى على اقتسام عمان مع إبراهيم أخي عزّان، واحتفظ إبراهيم بصحار غير أن تركى استردها بعد سنين، وفي خلال تلك الاضطرابات جددت فارس تأجير بندر عباس بأجل (1285 هـ / 1868 م)،
واستردت جاهبار (1288 هـ / 1872 م). وفي سنة 1290 هـ (1873 م) حظر الاتجار في الرقيق تحت الضغط البريطانى، وحوالى سنة 1319 هـ (1901 م) ابتدأت حركة انشقاق في الداخل يتزعمها عيسى بن صالح. وفي سنة 1331 هـ (1913 م) انتخب سالم الحزوسى إماما. وفي سنة 1333 هـ (1915 م) هاجم الثوار مسقط ولم تنقذها إلا فصيلة من الجنود الهنود. وقتل سالم سنة 1338 - 1339 هـ (1920 م) واتفق خلفه محمد بن عبد الله، مع سيد تيمور على أن تتمتع القبائل في الداخل باستقلال ذاتى، وتضم عمان الحديثة ظُفار وتحدها أراضى سلطان قِشْم وشيخ رأس الخيمة والصحراء، وعلى الساحل حول فُجيرة أرض تحيط بها أراضى الغير جعلت دولة صلح بحرى.
المصادر:
(1)
المراجع العربية الكبرى عن هذه الفترة حتى وفاة سيد سعيد هي التاريخ الإخبارى لابن رَزيق، ترجمة History of Imams: and Sayyids j .G.P.Badger of Oman والنص العربي لم يطبع بعد، وهو الآن محفوظ في مكتبة كمبردج تحت رقم 2892، وابن رزيق مع ذلك مهمل فيما يختص بالتواريخ، ولكن من الممكن تصحيح بعضها من مخطوط مجهول المؤلف في المتحف البريطانى.
(2)
وعن تواريخ الإمام أحمد انظر C.F Beckingham في J.R.A.S، سنة 1941.
(3)
عبد الله بن حُميد السالمى: تحفة الأعيان بسيرة آل عمان، القاهرة سنة 1350 هـ.
(4)
East Africa and its R. Coupland Africa j Invaders Exploitation of East
(5)
Zanzibar and: L.W.Hollingworth ce the foreign i
(6)
Chronology and: W.H. Ingrams Zanzibar Rulers زنجبار سنة 1926.
(7)
Arab Rule: : under the B. Thom- as، Al Bu Said Dynasty في محاضر الأكاديمية البريطانية. المجلد الرابع والعشرين.
(8)
Said bin Sultan (1791 - 1856): -R.Said - Ruete Ruler of Oman and 7 an .u zihar لندن، سنة 1929.
(9)
الكاتب نفسه: - ences of the history of the Al Bu Said Dy .. nasty لندن (؟ ) سنة 1931.
(10)
الكاتب نفسه: في. Isi عدد. 20، سنة 1932، ص 237 - 246.
(11)
. A Collection of treaties،: G.U Aitchson Engagements، & Sanads لمجلد 12، جـ 3، والمجلد 13 جزء 4. وانظر أيضًا مصادر مواد بحر فارس وزنجبار.
عبد القادر [بكنكهام Beckingham]
البوسنة والهرسك (*)
1 -
الإحصاءات
تبلغ مساحة البوسنة والهرسك 19.702 ميلا مربعا، ومساحة البوسنة
(*) يبلغ عدد السكان: 4.651.000 نفس الكثافة: 235 في الميل المربع.
الأعراق: مسلمون 44 % صرب 31 % كروات 17 % واللغات: الصربية الكرواتية (رسمية) 99 % والأديان: المسلمون 40 % الأورثوذكس 31 % الكاثوليك 15 %
العاصمة: سراييفو Sarahevo
الحكومة: في مرحلة الانتقال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافى كان رئيس الدولة على عزت بيجوفتش Aliha Izatbegovic المولود سنة 1925 والذي تولى منصبه في ديسمبر 1990.
العملة: الدينار اليوغسلافى الجديد.
بعد الفتح العثمانى سنة 1463 أصبحت البوسنة والهرسك ولاية عثمانية، وفي 1868 أصبحت جزءًا من الدولة الثنائية لدولة النمسا والمجر) ضم إليها رسميا سنة 1908. وفي سنة 1918 أصبحت جزءًا من يوغسلافيا، وكان بين كل من البوسنة والهرسك اتحاد فدرالى وفقا لدستور سنة 1946. وفي أكتوبر 1991 تبنى برلمان البوسنة والهرسك إعلان الاستقلال وجرى استفتاء عليه في 29 فبراير 1992، وعارض الصرب ذلك مما أدى إلى حروب عرقية مريرة، وفي السابع من أبريل اعترفت الأمم المتحدة والاتحاد إلأوروبى بالجمهوريه واشتعلت الحرب العرقية بين صرب البوسنة والمسلمين والكروات وقتل =
وحدها 16.173 ميلا مربعا، والهرسك وحده 3.529 ميلا مربعًا، وكان عدد السكان وفق التعداد الذي أجرته السلطات التركية عام 1875 - عندما كانت هذه الأراضي لا تزال تابعة للحكم التركى 1.051.000 نسمة تقريبًا.
وبلغ مجموع سكان البوسنة والهرسك وفق تعداد سنة 1910: 1.898.044 نسمة منهم:
612.
000 مسلمون.
825.
338 من الصرب الأرثوذكس.
434.
190 من الروم الكاثوليك.
8.
136 من الإنجيليين من إكزبورغ.
488 من الإنجليين السويسريين.
8.
2.2 من يهود أسبانيا.
3.
658 من اليهود الآخرين.
96 من معتقدات أخرى.
ويشتغل غالبا السكان بالزراعة، وهناك -وفق ما قال به رؤساء العشائر- 14.742 من أصحاب الأراضي و 136.854 من الزراع الأحرار و 79.701 من الكمث Kmets 31.416 من الزراع الأحرار الذين في الوقت نفسه من الكمث Kmets و 20.450 من الأفراد المشتغلين بالأعمال المتصلة بالزراعة، ومجموع كل أولئك 1.66.587 نسمة بما في ذلك أسرهم. أما بقية السكان فيشتغلون في الغالب بالتجارة والصناعة.
= الصرب الآف المسلمين وشرعوا في عمليات تطهير عرقية بشعة، وفي 23 فبراير 1994 اتفق المسلمون والكروات على وقف الحرب = بينهما وفي 18 مارس تم توقيع اتفاق بين المسلمين والكروات لإنشاء اتحاد كونفدرالى في البوسنة بينهما (المسلمين والكروات).
وفي منتصف سنة 1974 سيطر صرب البوسنة على أكثر من 70 % من المنطقة (البوسنة والهرسك)، وتم وضع خطة سلام دولية تعطى للصرب 49 % من البوسنة المقسمة، و 51 % لاتحاد المسلمين والكروات، وقد رفض صرب البوسنة ذلك.
د. عبد الرحمن الشيخ
2 -
تاريخها:
يمكن أن نشبه الركن الشمالي الغربي من شبه جزيرة البلقان بمدخل جسر عبرت عليه شعوب مختلفة منذ أقدم العصور في هجرتها من الجنوب الشرقي إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. وكانت البوسنة والهرسك قبل العهد الروماني تحتلها قبائل إلليرية مختلفة. وليس لدينا من مصادر تاريخها قبل العهد الروماني إلا الآثار الباقية من عهد ما قبل التاريخ. وأقدم الآثار، وأهمها في البوسنة، هو طلل "بَتْمير" Butmir في "سراييفو"، ويرجع تاريخه إلى العصر الحجرى. وكان الإلليريون ينقسمون إلى قبائل صغيرة، ووصف الكتاب المتقدمون من كان يعيش منهم على الشاطئ بأنهم قرصان، ومن كان منهم يعيش في الجبال بأنهم قطاع طرق. وكانت أشجع هذه القبائل الإلليرية تعيش في المنطقة التي تشغلها البوسنة والهرسك الآن. ولم يتمكن الرومان من إخضاعهم إلا بعد حروب طويلة (من القرن السادس قبل الميلاد إلى التاسع الميلادي). وظلت البوسنة والهرسك من الولايات الرومانية طيلة أربعة قرون. وكانت أول الأمر جزءًا من إقليم الليريكوم - Illyr icum، ولكنها ألحقت بعد ذلك بالمنطقة التي على الشاطئ الإدرياوى وكونت ولاية دلماشيا Dalmatia. واستغلت مناجم البوسنة بنشاط كبير في القرنين الميلاديين الأولين. ومهدت الطرق التي تصل سالونا Salona(سبلاتو Spalato الحديثة) بما يعرف بسيسك Sisek ومتروفيكا Mitrovica، ثم مدت إلى مدن أخرى، وذلك تسهيلا لنقل منتجات تلك المناجم وتمكينًا للرومان من الدفاع عن المنطقة الواقعة بين الساف Save والدانوب والأراضى التي إلى الشمال من نهر الدانوب المعروفة باسم بانونيا (Ponnoni وكان في إليدزه Ilidze القريبة من سراييفو حمام جميل، كما عثر في ستولاك Stolac بالهرسك على أرصفة من الفسيفساء الجميلة. وظهر في القرنين الثاني والثالث الميلاديين من بين جنود يانونيا وإلليريا أشخاص استطاعوا أن يصلوا إلى عرش الإمبراطورية. وأعظم الأباطرة الإلليريين هو دقلديانوس الذي صنع الكثير لموطنه المحبوب وخاصة لمسقط
رأسه دالماشيا. ولما قسمت الإمبراطورية ظلت البوسنة والهرسك تابعة لإيطاليا، أي في القسم الغربي. ومن هذه الأصقاع انتشرت الديانة المسيحية لأول مرة بين المدن الساحلية، ومنها إلى المرتفعات البوسنوية. ولما قسمت الإمبراطورية عام 395 م أصبح للقسطنطينية الحاضرة الجديدة في هذه البلاد- مكانة كبيرة.
وفي القرن السابع الميلادي خربت هجرات الأوار Avars والصقالبة Slavs وهم من الصقالبة الطورانيين- آثار الحضارة الرومانية، وهم الذين أحدثوا الخصائص الجنسية الحديثة الموجودة في الإقليم الذي على طول البوسنة والهرسك، وكان يسمى وقتذاك هم Hum (Chlm) .
وكانت القبائل الصقلبية- ولم تكن بينها رابطة قوية- يقودها زعماء من الأمراء يعرفون بلقب الفويفود Voivods وظلت هذه القبائل تحت حكم الأوار إلى أن هزم هؤلاء عند مهاجمتهم للقسطنطينية عام 626. وبين عامي 626 و 640 م خلعت بعض القبائل الكبيرة التي تعرف في مجموعها باسم الكروات والصرب- نير الأوار وتوغلوا في القسم الشمالي الغربي من شبه جزيرة البلقان وفتحوا دلماشيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وشمالى ألبانيا ومنطقة نوفى بازار. وكانت القبائل الصقلبية التي احتلت دلماشيا الحديثة حتى ستينا Setina وجزءا من البوسنة الحديثة إلى نهر أورباس Urbas تقريبًا تعرف باسم الكروات، وكان يتزعم هذه القبائل روبان الأكبر، كما كان يطلق على أتباعه لقب الروبانية. واستقرت أرومة الصرب في الجبل الأسود وما جاوره من مناطق وفي زيته Zeta وفي روشكه Roshka نسبة إلى نهر يعرف بالاسم نفسه. واعتنق الكروات بعد ذلك الكاثوليكية الرومانية بينما كان الصرب منذ البداية من أتباع الكنيسة اليونانية الأورثوذكسية. ووسط هذه القبائل التي انقسمت إلى أمتين هما الكروات والصرب، قامت البوسنة تسكنها قبائل تتكلم اللغة نفسها. وانقسمت البوسنة والهرسك إلى مناطق تعرف
بالـ"بانات". ويحكم كلا منها "بان"، وهذا الاسم من أصل اوارى بلا شك.
وكان حظ أهل البوسنة والهرسك من القرن السابع إلى الثاني عشر كحظ الكروات والصرب، فقد اعترفوا بسلطان إمبراطور بوزنطة اعترافًا غير مباشر إلى أن ضمت الدولة المجرية إليها، أو بتعبير أدق أدخلت في دائرة نفوذها كرواتيا أولًا ثم امتد هذا النفوذ ناحية الجنوب الغربي في بداية القرن الثاني عشر في المنطقة التي حول ملتقى نهرى راما Rama ونارنته Narenta. وتم الاحتلال الجزئى للبوسنة في عهد الملك كولومان Koloman المجرى (من 1096 إلى 1116 م) وهو الملك الذي لم يكن سلطانه يمتد داخل مملكة الكروات القديمة فحسب بل كان يشمل ساحل دلماشيا أيضًا. وفي عام 1137 م خضعت البوشنة للملك بيله Bela الثاني الذي نصب ولده لاديسلاوس Ladislaus دوقًا على البوسنة وهو في الخامسة من عمره، بيد أن سلطان المجر لم يقض على نفوذ الزعماء الوطنيين، وظلت البلاد خاصعة للقوانين والعادات القديمة التي أخذت تتطور وفقًا لمقوماتها الخاصة. ولم يستطع أحد المذهبين الروماني الكاثوليكى والأرثوذكسى أن ينتصر على الآخر في البوسنة. واحتفظ الصقالبة الجدد من سكان جبال الألب الدينارية بعقائدهم الوثنية. وظلوا من ثم على الحياد فيما يتصل بالشئون الدينية. وأدى وجود هؤلاء القوم بين مذهبين مختلفين إلى تمهيد السبيل لقيام مذهب دينى جديد هو البوكوملية (1) Bogomilisme الذي
(1) مذهب البوكوملية نسبة لرجل يدعى بوكومل Bogomil وهذا المذهب هو حلقة الاتصال بين المذاهب الهرطيقية في الشرق والآجري التي في الغرب. وكان اتباع هذا المذهب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر يعرفون باسم "البلغارى". وهم يأخذون بتعاليم مانى وينكرون القول بأن عيسى هو ابن الله كما يرفضون القول بالثالوث المقدس أي الاتحاد الأب والابن والروح القدس كما يشكون في قيمة الطقوس والمراسم الدينية. وهم يفسرون معجزات المسيح تفسيرا روحيا أي أنها ليست أعمالا تمت في الواقع وبالفعل كما يرفضوت التعميد ويقولون أنه شيء روحى لا يتم بالماء أو الزيت إنما يكون بإنكار الذات والصلاة وتلاوة الترانيم. وأن الصلاة يجب أن تقام في المنازل الخاصة وليست في الكنائس، كما قالوا أن الخبز والخمر في العشاء الرباني الأخير لم يتحول إلى لحم ودم. ويذهبون أخيرًا إلى أن تقديس التماثيل والصلبان والتقرب إلى الأولياء وعبادة البقايا المقدسة ضرب من الوثنية.
وكان أتباع هذا المذهب من أقوى العوامل في نشر مثل هذه التعاليم في الروسيا وبين شعوب أوروبا.
أخذ يقوى على مر الأيام حتى أثره في تاريخ البوسنة على الرغم مما نال القائلين به من اضطهاد البابوات وملوك المجر والصرب، وهناك آلاف من الآثار تختلف في جودة صنعها تشهد بأن هذا المذهب كان هو السائد يومًا من الأيام، ونخص بالذكر منها القبور الفخمة في ستلك Stalac وكاكنج دبج Kakanj Dobag واعتنق أشراف البوسنة والهرسك وأمراؤهم هذا المذهب منذ عهد متقدم، بل إن زعيم هذه البلاد بانوس Banus تمذهب به مدة من الزمن.
ويمكننا أن نقسم تاريخ البوسنة من عام 1137 إلى 1878 إلى ستة عصور:
1 -
البوسنة تحت حكم البانات، وقد حكموا البلاد بأسرها من عام 1137 إلى 1251 م.
2 -
البوسنة عندما كان يحكم أجزاء مختلفة منها بانات في وقت واحد.
3 -
عصر القطورمانيين - dux Kotoro mans من عام 1314 إلى 1377 م.
4 -
مملكة البوسنة ودوقية سان سافا من عام 1377 إلى عام 1463 م.
5 -
انقسام البلاد بين المجر والدولة العثمانية من عام 1463 إلى 1528 م.
6 -
البوسنة تصبح ولاية من ولايات الدولة العثمانية وذلك من عام 1528 إلى 1878 م.
وقد حكم في العصر الأول أربعة بانات أشهرهم كولين Kuhn، وفي نهاية القرن الثاني عشر أخذ المذهب البكومولى في الانتشار ونشط البلاط البابوى في القضاء عليه. وبدأ كولين حكم البلاد عام 1180 م، ويقال إنه جاهد كثيرًا في سبيل رخائها، وتعتقد أسرة كولينوفتش بك- وهي أسرة إسلامية معروفة في البوسنة- أنها انحدرت من هذا الحاكم، ولكن ليس هناك من الوثائق ما يؤيد هذا الزعم. والعهد الذي تلا موت كولين عهد مظلم في تاريخ البوسنة، فقد اعتبر الحزب الكاثوليكى برجزده - Prijezda من أسرة كولين- حاكما للبلاد. بينما التف الحزب البوجوملى الوطنى- وكان
الأكثرية في البلاد- حول نينوسلاف Mate Ninoslav .
وكان نينوسلاف- إبان حكمه الطويل- يتهادن أحيانًا مع ملك المجر، ويطلب أحيانا أخرى عون البابا عليه، وكان من المهارة بحيث يستطيع التخلص دائما من أحرج الأزمات. وكان من حسن حظه أن اقتتلت مدن دلماشيا واستنفذ هذا النزاع جهود ملك المجر.
وما إن مات نينوسلاف في العقد الخامس من القرن الثالث عشر الميلادي حتى تزعزعت قوة البوسنة ومنح بيله الرابع ملك المجر الجزء الغربي من الصرب الحديثة بما في ذلك حصن مجبه Machva- إلى الدوق الروسى رستسلاف Rostislav الذي تزوج من ابنته أنّا Anna . وإبان هذا العهد بدأت تظهر قوة بعض الأسر الهامة من نبلاء الكروات بدلماشيا الذين بادروا إلى نصرة الملك على التتار، نخص منها أسرة شوبيج Shuhich وهم أجداد بيت زرينكس Zringis . وأنشأ الملك بيله لهذه الأسر بانات في بعض المناطق مثل بانة سولى (طوزله Tuzla) وبانة أوزوره Ozora ، وبذلك أصبحت البوسنة مقسمة إلى أقسام صغيرة متعددة، بينما ظلت الهرسك بنظامها الإقطاعى خاضعة لعدد قليل من الأسر الكبيرة. ومما ساعد على تقسيم هذه البلاد الاضطراب الذي نشأ عن انقراض بيت Arbad أرباد في المجر.
وفي عام 1314 ظهرت في البوسنة أسرة جديدة هي أسرة قطورمان المنحدرة من برجزده، وحكم اصطفان قطر ومانوفتش المتوفى عام 1353 م البلاد ثلاثين عامًا. وكان على المذهب البوجوملى وإن التفت حوله بطانة من قساوسة الكاثوليك، والمحقق أن زوجته كانت كاثوليكية. وكان يتظاهر بتعلقه بمحالفة المجر ويعترف بحمايتها له. ولكنه كان يحيك الدسائس للمجر سرًّا كلما رأى ذلك في مصلحته. وذهبت ابنته أليصابات إلى البلاط المجرى في أوفن Ofen حيث وقع في غرامها الملك لويس الأكبر وكان شابًّا مترملا فتزوجها.
وبعد موت قطر ومانوفتش خلفه ابن أخيه تورتكو Turtko في حكم بانته، ولما
كان في بداية حكمه تحت وصاية أمه لحداثته فقد كان عليه أن يحمى نفسه من الفتن التي قام بها بعض رعاياه، وأن يعترف بسلطان عمه، بل شعر بقوته ونفوذه كما يدل على ذلك النقش المحفور على صخر في درزنيكه - Drez nica. بيد أن هذه الخصومات قوّت من خلق هذا الأمير الذي سرعان ما رأى بثاقب نظره نقط الضعف في أعدائه وأصبح أبرز شخصية في تاريخ بلاده، واتخذ لنفسه لقب ملك عام 1377، وتوجته الكنيسة، وأسس مملكة البوسنة التي لم يقدر لها أن تحيا إلا أمدًا وجيزًا. ولم يعترض لويس ملك المجر على اتخاذه لقب الملك. ولسنا نعرف شيئًا عن التفاصيل الدقيقة لهذا الحادث، وتقع أهم فترة من حكم تورتكو بين عامي 1382 إلى 1391 م، وهي الفترة التي شب فيها الاضطراب الذي أعقب وفاة لويس الأكبر. واستغل الثورات التي شبت في جنوب المجر وكرواتيا ضد الملكة أليصابات، ووسع رقعة أملاكه على حساب نفوذ المجر الذي كان قد تزعزع في تلك النواحى، وخضعت له مدن دلماشيا الواحدة بعد الأخرى ما عدا مدينة زاره، وحارب تورتكو إلى جانب الصرب في وقعصة قوصوه الطاحنة التي حدثت في الخامس عشر من يولية عام 1389 م واشترك في ثورات الأراضي الصربية على الساحل. ولا يمكن أن نجزم بأنه كان بطل الفكرة القومية الصربية لأنه اتخذ لنفسه لقب ملوك الصرب. وليس من شك في أنه كان مستقلا تمام الاستقلال، وأنه يعتبر والحالة هذه مؤسس مملكة البوسنة. وخلفه أخوه الأصغر استيفن دبشه Stephen Dabisha المتوفى عام 1395 م وجاء بعده ابن تورتكو غير الشرعي واسمه استيفن أستوجه الأول Ostoja المتوفى عام 1418. ثم اقتسم الملك بعده ولده الشرعي ستيفن أوستوجتش Ostojich (1418 - 1421) وابن استيفن تورتكو الأول المسمى ستيفن توزتكو الثاني (1404 - 1421). وحكم البلاد من عام 1444 إلى عام 1461 م استيفن توماش Tomash ابن أوستوجه غير الشرعي، وكان ابنه استيفن توماسيفتش Tomasevich آخر وريث من الذكور لبيت قطرومانوفتش.
وتلاشت الآثار العظيمة لحكم تورتكو في عهد استيفن دبشه الذي أصبح تابعا لسكسموند Sigsmond ملك المجر. وهكذا لم تعد مدن دلماشيا تثق أو تهتم بملك البوسنة. ولم يكن عهد سكسموند مشهودًا. فقد أعقبت وقعة قوصوه المشئومة انتصار الترك في نيقوبوليس عام 1396 م. وتحالف خصوم ملك المجر مع الترك وحذا حذوهم الأمراء المسيحيون في شبه جزيرة البلقان. وأصبح ملوك البوسنة في تلك الفترة ألعوبة في أيدى وزرائهم. وكان تدبير الشئون في يد اثنين. من رجال السياسة الحقيقيين: هرفوجه Hervojc دوق اسبلاتو Splato في البوسنة المتوفى عام 1416 م، وهو من بيت هوفاتن Hervaten وسندلج هوانيع Sondalj Hranich المتوفى عام 1435 في الجنوب، وهو ابن الأمير فكوفتش Hranja Vukovicch وهو من الأسرة التي انحدر منها الأمراء المستقلون الذين حكموا الهرسك فيما بعد. وفي عام 1408 استولى قائد سكسموند- نيقولاس كراى Nicoles Guray وجون ماروتى John Marothy - على قلعة دبر Dobor بعد قتال عنيف أسر فيه الملك تورتكو الثاني، واستغل العثمانيون هذا النضال، وأصبح هرفوجه حاكمًا من قبل ملك المجر، ولكنه استطاع عام 1415 م بمساعدة الترك القضاء على جيش من جيوش المجر. واتخذ معسكره الرئيسى في قلعة بايجة Jajce التي شيدها، ولكن الترك ظلوا مع ذلك في الأراضي البوسنوية أي في جزء منها في الجنوب الشرقي لإقليم سراييفو الحديث.
ودخلت البوسنة منذ ذلك الوقت في دائرة النفوذ التركى والمجرى والبندقى. وأصيبت الموحدة البوسنوية بضربة أخرى، وذلك أن استيفن فوكتش - Vuk cich " أكبر أمراء البوسنة ببركة الله" وهو ابن عم سندلج، اتخذ لنفسه عام 1448 م لقب دوق سان سافا وأجبر البوسنة على الاعتراف به. وعرفت بلاده منذ ذلك التاريخ باسم الهرسك. وظلت هذه البلاد حتى عام 1436 في حالة يرثى لها، بل إن الانتصارات التي- أحرزها حنا هونيادى لم تحفز ملوك
البوسنة على أن ينفضوا عن كاهلهم النفوذ التركى الذي وقعوا تحت نيره.
وبعد أن فتح العثمانيون القسطنطينية عام 1453 م أصبح إحرازهم مثل هذا الانتصار في الشمال وفي الغرب لا يتوقف إلا على الزمن فقط، واستولى الأتراك آخر الأمر على البوسنة ووقع آخر ملوكها ستيفان توماشيفج Stephan Tomashevich فريسة للسياسة ذات الوجهين التي اتبعها. فقد اتهمه معاصروه بأنه قتل أباه، كما رمى بأنه باع حصن سمندرية للأتراك، وكان من المنتظر أن تهب الدول المناصرة له لحمايته ولكنها لم تلق بالها إلى وعوده وتركته وشأنه، فاعتزل في حصن لابايجه "المنيع Jajca واتخذه مقرًا له، واحتلت جموع الأتراك بوبوفك - Roh ofac ويايجه وكليوج Kljch الواحدة بعد الأخرى في زمن وجيز وأخذ الملك أسيرًا. واختلفت الروايات في تفصيل خاتمة هذا الملك المحزنة، غير أنه لا شك في أن السلطان قد أطاح برأسه ليضمن بقاء بلاده في حوزته؛ وهناك رأس مثبت فوق هيكل معروض على أنه رأس ستيفان توماشوفيح.
ولم تكن البوسنة قد أصبحت بعد خاضعة تمام الخضوع للأتراك، إذ انتزع الملك متياس Mathias المجرى شمالها من العثمانيين ثم قاتلهم عام عام 1463 م بغية الاستيلاء على يايجه Jajca، واستولى عليها وظلت في حوزته على الرغم من دفاع الإنكشارية عنها دفاعًا مجيدًا. وقد احتفظ أسميًا باستقلال الناحية التي فتحها وولى عليها عينًا من أعيانها ذا ثروة طائلة اسمه نيقولا أو يلاكى Nicola Ujlaky عام 1471. وكانت هذه المنطقة عبارة عن بانة البوسنة القديمة، وهي البلاد التي على نهر الساف حتى سربنيحه Srehenica وتعرف اليوم باسم ناحية طوزله Tuzla مضافا إليها تيوجك بالقرب من أزفورندُ. وظهرت بانة يابجه محتلة احتلالًا عسكريًا، وكانت علاقاتها وثيقة بالأقاليم الصقلبية المنخفضة. ولم يدم نيقولا أو جلاكى إلا أمدًا قصيرًا. وأصبح ابنه حنا أميرًا على البوسنة عام 1491. وصدت سيوف المجر الأتراك حتى بعد وقعة موهاكس المروعة في البوسنة، ولم يكن في حوزة الأتراك- حتى عام 1528 - إلا جزء من الهرسك والجزء الجنوبي من البوسنة.
ولم تقع البلاد التي ظلت محتفظة باستقلالها في أيدى الترك إلا بعد اجتياح مملكة المجر عام 1526 م، وتمكن الأتراك بفضل المجهودات المتواصلة التي بذلها سليمان الأول من أن يجعلوا البوسنة ولاية تركية آخر الأمر. واعتنقت الطبقات الغنية المثقفة من السكان وأغلب ملاك الأراضي الإسلام، وأظهروا غيرة عظيمة على الدين الأسلامى وخاصة لأنه حافظ على موروث حقوقهم. أما تاريخ البوسنة والهرسك بعد الفتح التركى فهو في الواقع تاريخ الدولة العثمانية. وأخبار القرنين السادس عشر والسابع عشر مليئة بذكر القتال ضد المجر في ظل بيت هابسبرغ. "وسراة البلاد الذين كانوا فيما سبق على مذهب البجوملية قد هيأتهم نشأتهم في زمن قلق ملئ - بالحروب والذين ولدوا ليقودوا بقية أهل البلاد والذين كانوا على خبرة تامة بشئون المجر والمجريين والذين كانوا يحقدون حقدًا شديدًا على البابوية ساعدهم هذا كله على أن يكون لهم شأن خطير في الحرب التي شبت ضد المجر". وطالما كان نفوذ الأتراك في أوجه وجيش الإمبراطور الجرمانى عاجزًا- ولو إلى أمد قصير- عن رفع نير الترك عن المجر، فإن سكان البوسنة من المسيحيين لم يشتركوا في هذا النضال، وكان المسلمون من أهل البلاد هم العنصر الحاكم، وقد استطاعوا أن يجعلوا كلمتهم مسموعة في الجزء التركى من المجر أيضًا. وانتخب من صفوفهم رؤساء الإدارات العسكرية والمدنية. وولى تسعة من السياسيين الذين ولدوا في البوسنة أكبر المناصب التركية، وهو منصب الصدارة العظمى في المدة بين عامي 1544 و 1611 م. وكان من بين هؤلاء ثلاثة من أسرة صوقولوفتش من بلدة كرازدة Garazde . وتولى مسلمو البوسنة الدفاع عن الحدود الشمالية الغربية من الدولة فقط. وتختلف الروايات في ذكر عدد. ولاة البوسنة تبعا للتاريخ الذي تذهب إليه كل رواية في تعيين أول وال من الولاة، وتبعًا لإحصاء أسماء الولاة الذين حكموا أكثر من مرة. ويزعم مؤرخو البوسنة والهرسك من المسلمين أن إسحاق بك الذي عين عام 1418 هو أول الولاة، وأنه قد أقيم من الولاة 264
واليًا ما بين عامي 1418 و 1878 م. وأشهر ولاة البوسنة، الذي مجده المسلمون بصفة خاصة، هو غازى خسرو بك الذي حكم من عام 1506 إلى 1512 ومن 1520 إلى 1542 م، وتبلغ قيمة الأوقاف التي حبسها على الأغراض العلمية والخيرية عدة ملايين، من الكرونات وفقا لتقديرنا الحالى. ولا يزال جزء من منحه ومكتبته باقيًا إلى اليوم، كما أن المسجد والمدرسة والخانقاه التي أسسها في سراييفو ما زالت محل تبجيل الناس. وظلت البوسنة إقليمًا يحكمه بك إلى عام 1573، وبعد ذلك أخذ يحكمها باشا. وكان أول من حكمها من الباشاوات هو فرهاد باشا صوقولوفتش. وكان الولاة بادئ الأمر يسكنون سراييفو ثم انتقلوا بعد ذلك إلى بنالوقة عندما وقعت البوسنة كلها في يد الترك ثم انتقلوا إلى ترافنك عام 1686، ويقول البعض إنهم سكنوها قبل ذلك وكانت البوسنة التركية تشمل: البوسنة الداخلية وكراجينه (وهي الكروات التركية مضافًا إليها بهكه التي فتحت في نهاية القرن الثالث عشر) وسنجق نوفى بازار، والهرسك بما فيها تربيخه وزتّه، وظلت الجنود المرتزقة تحت حكم ضباطها الذين كانوا يتوارثون مناصبهم العسكرية مخلصين للحكومة المحلية طالما كان سلطان الترك قويًّا، وكانت البوسنة حصنًا من حصون الدولة العثمانية. وفي القرن السابع عشر تبدل حظ الترك في الحروب، إذ استولى الدوق يوجين ده سافوا Eugene de Savoie على أوفن عام 1697 م وأحرق ضواحي سراييفو وفقدت البوسنة تلك الشهرة التي ذاعت عنها بأنها حصن لا يُغلب. وتخلى السلطان بمقتضى صلح يساروفتز عام 1718 عن جزء من البوسنة على المجرى الأدنى لنهر الساف للإمبراطور والملك شارل الثالث، ومع ذلك فقد أعيدت هذه الناحية إلى الأتراك بعد تلك الغارة الفاشلة 1739 م.
ولما كانت سياسة بيت هابسبرغ متجهة اتجاها كليا ناحية الغرب، فقد ظلت البوسنة تحت حكم الأتراك في القرن الئامن عشر في أمن وسلام، وكانت السياسة التي انتهجها رجال
الحكم في فينا تجاه شؤون الشرق تقتضي الاحتفاظ بكيان الدولة العثمانية تنفيذًا للاتفاق الذي عقدته الدول الغربية. وظل هذا المبدأ مرعيا على الرغم من أن الاضمحلال كان قد أخذ يدب في أوصال الدولة التركية: إذ فقدت الصرب (1804 - 1715 م) ومصر واليونان. وبدأت الأمور تتحرج في البوسنة في صدر القرن التاسع عشر. ولم يقابل البوسنويون الإصلاحات الأوربية في حكومة الآستانة بالرضى، وهب المسلمون من الصقالبة لمقاومة هذه الاصلاحات بقوة السلاح بزعامة حسين قائد كرادجك عام 1830 م. وأراد الوزير محمد وجيه باشا عام. إدخال النظم الادارية الحديثة التي نص عليها الخط شريف كلخانة الصادر عام 1839 م، وبدأ يستبدل بقادة النواحى الوطنيين آخرين مسلمينْ كانوا يعينون من قبل رجال الحكم بالآستاثة، وعد أشراف البوسنة هذا الأمر بمثابة ضربة شديدة موجهة لهم، فانتقض أشراف مسلمي سراييفو على هذا الوزير ولكن جيوش السلطان أخضعتهم في فتز Vetiz من نواحى ترافنك. وفي عام 1843 و 1846 م شبت الفتن في كراجينه بالكروات التركية لأن الحكومة التركية طلبت من مسلمي هذه البلاد أداء الرسوم القانونية وكانوا قد أبوا دفعها. وقد شتت شمل الثوار في كلتا المناسبتين، وكان هناك مصدر عظيم للقلق ألا وهو عدم تجديد الصلات التي بين الملاك المسلمين- وهم الباهى والبكوات والأغوات- وبين الفلاحين "كمت".
واشتكى الفلاحون من أنهم تحت رحمة الملاك وأهوائهم، وفي عام 1748 م أصدر الوالى طاهر ياشا أمرًا بمنع تسخير الفلاحين في مزارع الملاك الخاصة (بكلك) وأن يقدم الفلاحون لهؤلاء ثلث محصول الغلال والفاكهة والخضر في المزارع التي يستغلونها (ويعرف هذا الثلث، بـ"ترتنا") كما يقدمون إليهم نصف غلة علف الماشية، ولم يرض الفلاحون أو الملاك عن هذا القرار، ولما فرض طاهر باشا على كل صاحب منزل من المسلمين والنصارى أن يدفع أربعة وأربعين قرشًا كل ستة أشهر، أضف إلى ذلك ما يدفعه كل
مسيحى من الخراج وقدره سبعة قروش وأوجب دفع العشور على كل الممتلكات، ثار المسلمون في كراجينه وحاصروا قلعة بهاج، وكان على باشا رضوان بكوفح وزير الهرسك يشجع الثوار في السر، وسرعان ما امتدت الثورة في البوسنة كلها ثم قضى عليها السردار عمر باشا آخر الأمر في شتاء سنة 1850 - 1851. وفي ربيع سنة 1851 م قبض عمر باشا على على باشا في بونه بالقرب من مستر وأخذه أسيرًا، ويقال إن على باشا قتل في حادث أثناء سيره إلى الأسر، وقتل بعض من بقى من الأسرى ونفى البعض وأعيدت الأنظمة السياسية القديمة، ونقل مقر الوالى من "ترافنك" إلى سراييفو مرة أخرى، وبذلك كسرت شوكة الطبقة الأرستقراطية، وفي الوقت الذي ثار فيه المسلمون بالبوسنة كان السخط قد أخذ يزداد بين المسيحيين الذين شكوا من أن الإصلاحات التي نص عليها في المرسومين السلطانيين "خط همايون" اللذين صدرا في عامي 1839 و 1856 م لم تنفذ، وانتقض المسيحيون في بعض النواحى على ملاك الأرض من المسلمين فاتخذ الترك تدابير شديدة لإخضاعهم ففر عدد كبير من نصارى البوسنة إلى النمسا وطلبوا تدخل الحكومة النمسوية في الأمر عام 1888 م. وقدموا إلى السفير التركى عريضة مرفوعة إلى السلطان طلبوا فيها حمايتهم من ملاك الأراضي. وأرسل الباب- العالى وفدًا إلى البوسنة لفض هذا النزاع، وفي عام 1859 م صدرت لائحه بتاريخ 14 صفر عام 1276 هـ (7 سبتمبر 1859 م) عن مزارع البوسنة والهرسك (شفتلك) نظمت ما يدفعه الفلاحون إلى ملاك الأرض وغير ذلك من الحقوق والالتزامات الخاصة بالطرفين. ولكن هذه اللائحة كان يعتورها النقص، ولذلك فقد كانت سببا في قيام منازعات جديدة. فقام النصارى بثورة في الهرسك عام 1875 م وكانت شؤمًا على الترك، وامتدت هذه الثورة إلى الصرب الأرثوذكس في البوسنة. ولم يخمدها في الحقيقة سوى إحتلال قوات النمسا والمجر لهاتين الولايتين نتيجة لما أتفق عليه في مؤتمر برلين الذي عقد عام 1878 م، وكان آخر ولاة البوسنة
من قبل الأتراك هو أحمد مظهر باشا (1878 م). وفي 5 أكتوبر عام 1908 م أعلن ضم البوسنة والهرسك للنمسا والمجر ووافقت على ذلك الدول الأوربية وأقره الترك آخر الأمر. وفي هذا اليوم وجه الإمبراطور فرانسوا جوزيف الأول- عن طريق وزير خارجيته الكونت فون أيهرنتال von Aehrentha - رسالة بخطه اعلن فيها امتداد سلطانه على البوسنة والهرسكء وقرر أن قانون وراثة العرش في البيت المالك يشمل هاتين الولايتين أيضًا.
3 -
التشريع:
أعلن أثناء تقدم جيوش النمسا والمجر نحو البوسنة والهرسك أن جميع القوانين القديمة المتبعة فيهما تظل نافذة ما لم تنسخها قوانين أخرى جديدة، وعلى هذا فقد كانت جميع هذه القوانين التركية التي كانت نافذة وقت الاحتلال وترجمتها أمرًا ضروريًا منذ أول الأمر، وقد نشرت هذه القوانين في مجموعة القوانين واللوائح الخاصة بالبوسنة والهرسك ما بين.1878 - 1880 م، وهي شعالج نواحى التشريع المخللفة وبخاصة الملكية العقارية وأنواع هذه الملكية وطريقه إنتقالها من شخص إلى آخر والتشريع التجارى والمحاكم التجارية والشرعية إلخ.
وكانت السلطة التشريعية في البوسنة والهرسك- إلى حين إعلان الدستور الجديد عام- في يد الإمبراطور، وكانت مشاريع القوانين تعد بمعرفة الحكومات الإقليمية في كلتا الولايتين، ودعى المجلس النيابى (سابر) للمعماونة في التشريع طبقًا للدستور الجديد، ويتكون المجلس النيابى من أعضاء معينين بحكم وظائفهم ومن أعضاء منتخبين. والأعضاء الأولون هم: رئيس العلماء ومدير وقف المعارف ومفتيّا سراييفو ومستر وأقدم مفت عهدًا بمنصب الإفتاء وأساقفة الصرب الأرثوذكس الأربعة ونائب رئيس المجلس الأعلى في الإدارة والتعليم بالكنيسة الصربية الأرثوذكسية، وكبير أساقفة الكنيسة الرومانية الكاثوليكيه، واثنان من
أساقفة أبرشية الرومان الكاثوليك واثنان من أساقفة الطائفة الفرنسيسكانية وحاخام اليهود الربانيين ورئيس غرفة المحامين وعمدة العاصمة سراييفو ورئيس الغرفة التجارية والصناعية فيها، فكان عدد النواب المنتخبين 72 نائبا. وحددت مدة نيابتهم بخمس سنوات ولا يكون التصويت على أمرمن الأمور صحيحا إلا إذا حضر أكثر من نصف الأعضاء وصوتت الأغلبية المطلقة في صالح الأمر. وإذا كان هذا الأمر صتصلا بالتشريع في مسائل التعليم والزراعة فيتعين حضور أربعة أخماس الأعضاء على الأقل وموافقة ثلثي الحاضرين على الأقل. رغباته في المسائل التي تمس البوسنة والهرسك، وكل طائفة في البرلمان تنتخب ممثلين في المجالس الأقليمية بما يناسب تعدادها في البلاد.
وأهم المسائل التي يبحثها البرلمان هي: إقرار الميزانية سنويا وعقد القروض الجديدة وتحويل القروض الحالية، وبيع أملاك الدولة أو رهنها، والتشريع الجنائى والمدنى مع مراعاة ضمان تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين فيما يختص بالزواج والميراث وشئون الأسرة. ويبحث البرلمان أيضًا في الشئون الصحية والصناعية والمسائل التي تتصل بخير الأمة كالتعليم ودور العلم باسرها والشئون الدينية بما في ذلك علاقات الطوائف بعضها ببعض وبالحكومة فيما يتعلق بالمساواة بينهم في الحقوق. ولا يتدخل البرلمان في التنظيم الداخلى للطوائف المختلفة التي يعترف بها القانون ولا في قيامهم بالشعائر الدينية، وينظر البرلمان أيضًا في التشريع الزراعى وفرض الضرائب الجديدة ورفع قيمتها وزيادة قيمة الموجود منها أو فرض زيادة
خاصة على ضريبة جبيت بالفعل، ومد المخطوط الحديدية التي تفرضها الحكومة وشق الطرق وغير ذلك من ضروب المواصلات، وتنظيم الجماعات، وفحص الحسابات والتصديق عليها، إلخ. ويجب على المجالس الإقليمية عرض التقديرات الخاصة بدخلها ومصروفاتها على البرلمان سنويًا وفي انتظام. وعلى البرلمان أن يشرع في دراستها فورًا كى يمكن التصديق عليها قبل أن تبدأ السنة الجديدة وإذا لم يقبل البرلمان على دراستها في الوقت المناسب يعمل بالميزانية القديمة إلى أن يصدر المرسوم باعتماد الميزانية الجديدة، فتحل محلها.
وينتخب الناس أعضاء البرلمان، مع مراعاة الطوائف. فكل شخص من أهالى البوسنة والهرسك تربى سنه على الرابعة والعشرين وأقام في مسكن ثابت بهذه البلاد مدة سنة على الأقل له حق التصويت، وهذا الحق أيضًا أعطى لمن تتوفر فيه هذه الشروط من أهل النمسا والمجر الذين يشتغلون في الخدمة المدنية بالبوسنة والهرسك- موظفين أو مدنيين، ويشترط فيمن يرشح نفسه للانتخاب في البرلمان أن يكون ذكرًا له حق التصويت تربى سنه على الثلاثين ويتمتع بجميع الحقوق المدنية، ويستثنى من ذلك الموظفون الملحقون بالخدمة المدنية في البوسنة والهرسك، والموظفون القائمون بالخدمة في السكك الحديد الوطنية، والمدرسون، والموظفون الآخرون الذين يعملون بالمدارس العامة. وجمهور الناخبين مقسم بين المجالس. وعدد النواب المنتخبين اثنان وسبعون، يخص المجلس الأول منهم ثمانية عشر، والثاني عشرين نائبا، والثالث أربعة وثلاثين.
وتوزع المقاعد داخل المجلس الأول وفي المجلسين الثاني والثالث مجتمعين بنسبة عدد طوائف السكان الثلاث الهامة، ولذلك فإن للكاثوليك في المجلس الأول أربعة مقاعد، وللمسلمين ستة، وللصرب التابعين للكنيسة الأرثوذكسية ثمانية. أما المجلسان الثاني والثالث فللكاثوليك فيهما اثنا عشر مقعدًا وللمسلمين ثمانية عشر وللصرب التابعين للكنيسه الأرثوذكسيه ثلاثة وعشرون. يضاف
إلى ذلك أن لليهود في المجلس الثاني مقعدًا واحدًا. والطبقة الأولى التي يحق لها الانتخاب في المجلس الأول هي جمهور ملاك الأراضي المسلمين الذين يدفعون ضريبة مباشرة عن أراضيهم لا تقل عن 140 كرونا، أي ما يساوى خمسة جنيهات إنكليزية وستة عشر شلنًا وثمانية بنسات. ويسمح لملاك الأراضي من الطوائف الأخرى الذين لا يقل ما يدفعونه من الضريبة عن 140 كرونًا أن يصوتوا ضمن هذه الطبقة أو في ذلكم القسم من الطبقة الثانية الذي تنتمى إليه ملتهم.
وطبقة الناخبين الثانية تشمل جميع الأشخاص الذين يدفعون من الضرائب المباشرة ما لايقل عن 500 كرون، أي ما يساوى واحدًا وعشرين جنيها إنكليزيًا وستة شلنات وثمانية بنسات، فيما خلا عوائد البيع بالتجزئة، والأشخاص الذين أتموا تعليمهم في المدارس العالية أو فيما يشبهها من المعاهد في أنحاء إمبراطورية النمسا والمجر، ورجال الدين من جميع الطوائف الذين يعترف بهم القانون، وجميع الموظفين الذين يشتغلون بالخدمة المدنية في البوسنة والهرسك سواء أكانوا من العاملين أم ممن أحيلوا على المعاش، وكذلك موظفى السكك الحديدية وضباط الجيش ثم الضباط "المحالين على الاستيداع، ويضم المجلس الثاني جميع سكان المدن الذين لم يشملهم المجلس الأول.
والمصوتون الذين يعيشون في الريف ولم يشملهم المجلس الأول يكونون المجلس الثالث. ويراعى في انتخاب ممثلى الطبقة الأولى من المصوتين في المجلس الأول أن البلاد بأسرها تكون ناحية انتخابية إسلامية واحدة، بينما يراعى في انتخاب ممثلى الطبقة الثانية من المصوتين في هذا المجلس أن البلاد بأسرها تكون ناحية انتخابية لكل من الدينين. ولكل ناخب في المجلس الأول أن يصوت لعدد كبير من المرشحين طالما أن هناك مقاعد خالية مخصصة للناحية الانتخابية التي يصوت فيها.
أما انتخاب ممثلى المجلسين الثاني والثالث فقد روعى في تقسيم البلاد
بأسرها إلى نواح انتخابية طائفية تنتخب كل ناحية نائبًا عنها. ويسمح لكل ناخب هنا أيضًا أن ينتخب مرشحين لمجلس آخر غير الذي يتبعه هو. وإذا كان عدد أفراد طائفة من الطوائف صغيرًا بحيث لا يمكن أن يخصص لهم مقعد- مثل طائفة اليروتستانت- فإن في مكنة هذه الطائفة أن تصوت عند الانتخاب في قسم من أقسام المجلس الانتخابية الطائفية، وفقا للمجلكس الخاص الذي تنتمى إليه هذه الطائفة.
وقد احتفل لأول مرة بافتتاح البرلمان في سراييفو في الخامس عشر من يونية عام 1910 م. وقد حقق هذا الدستور الجديد الإقليمى ما عقد عليه من آمال بشكل مرضى في أول جلسة، وثبت أنه أداة نافعة جدًّا لتعاون الحكومة والشعب في إدارة البلاد دون أن يكون هناك تصادم بينهما، وقد قام البرلمان الجديد في تلك المدة الوجيزة التي مضت على إنشائه بكثير من الإصلاحات في جميع مناحى الحياة العامة.
4 -
الإدارة:
البوسنة والهرسك تكونان ولاية واحدة، وهي خاضعة للحكومة المسئولة وتحت إشراف الوزارة العامة الإمبراطورية والملكية، ووزير المالية العام يشرف على مختلف الشئون المالية التي سبق أن ذكرناها من قبل الوزارة العامة. أما إدارة الإقليم وتنفيذ القوانين فمن واجب حكومة البوسنة والهرسك الإقليمية في سراييفو، وهذه الحكومة خاضعة للوزارة العامة ومسئولة أمامها عن إدارة هذا الأقليم، ورأس هذه الحكومة الإقليمية هو بصفة عامة ضابط من ذوي الرتب الرفيعة (مفتش الجيش أو قائده)، ويعاونه في إدارة المقاطعة في الشئون المدنية موظفون مدنيون Adliatus والحكومة الإقليمية مقسمة إلى أربعة أقسام هي: المصالح الإدارية، والمصالح القضائية، والمصالح المالية، والمصالح التجارية، وعلى رأس كل قسم وزير. وقد نُسج على منوال الترك في تقسيم هذه البلاد مع إدخال بعض التعديلات التي لا تذكر، فقسمت البوسنة والهرسك إلى
ست نواح: بنالوقة وبهاج ومستر وسراييفو وترافنك وطوزله، أما عدد المراكز فأربعة وخمسون، ومراكز بنالوقة هي: بنالوقة وهي تشمل المدينة والبلاد التي حولها وتكوّن مركزين، ودرفنت ودبيكه البوسنوية وجرادشكه البوسنوية، ونوفى البوسنوية، وكترفروش، وبريدور، وبرنيفور، وتشنى، ومراكز بهاج هي: بهاج وكزن وكليوج وكروبه، وبتروفك البوسنوية وسنسكموست، ومراكز مستر هي: بلك وجكلو وكنيكة وليبنية ولينبشكى ومستر، ومدينة مستر وما حولها تكوّن مركزين منفصلين. أما مراكز سراييفو فهي: جينكه وفوجه وفينكة وركتكة وسراييفو، وهي العاصمة ولها نظام خاص بها، وفشكراد وفسكو. ومراكز ترافنك هي: بكنيو وكلمج وججسه ولفنو وبرز وترافنك وفركرفكف زنكه وربجه وبنيك. ومراكز طوزله هي: بيلنه وبرجكه وكرجنكة وكردجك وكلدسى ومكلى وسربرنكه وطوزله، والجزء الصناعى من طوزله يكوّن مركزًا قائمًا بذاته، وكذلك جزؤها الزراعى، وفلسنكه وزفرنك.
وبلغ عدد الموظفين المدنيين وغيرهم في البوسنة والهرسك 10.944 عام 1909 م منهم 3846 من النمساويين و 3057 من المواطنين المجريين و 4024 من أهل البوسنة والهرسك و 17 من مختلف الدول الأجنبية. وفيما يلي تقديرات الميزانية عن عام 1910 كما صدقت عليها الحكومة:
المصروفات: 5.182.886 كرون، أي 215.954 جنيهًا إنكليزيًا.
الدخل: 5.338.570 كرون، أي 222.438 جنيها إنكليزيًا.
أما فيما يختص بالصحة العامة فإنه مما يجدر ذكره أنه كان بسراييفو عام 1909 م مستشفى إقليمى للجمهور، وتسعة مستشفيات بالمراكز، وأربعة عشر مستشفى محلية، تضاف إلى ذلك مستشفى خاص وخمس وخمسون صيدلية. وقد اتخذت التدابير في 34 مركزًا للقضاء على مرض الزهري المتفشى بين الأهلين، كما اتخذت أيضًا التدابير المناسبة لمكافحة الأمراض التي يتعرض لها الحجاج في ذهابهم إلى مكة، وقد أدى 56 من الأهالى فريضة الحج عام 1909 - 1910 م.
5 -
الدين:
كان الصرب الأرثوذكس الذين كانوا في الحكومة تابعين للكنيسة اليونانية، والكاثوليك اليهود (الأسيان) معتبرين من أصحاب الملل، ولم يظهر اليونان الكاثوليك وأتباع الكنيسة الإنجيلية إلا بعد الفتح عندما هاجر معتنقو هذين المذهبين إلى تلك البلاد. وينفذ نظام الكنيسة الإنجيلية، وأعيد تنظيم الكنيسة الأرثوذكسية الصربية عام 1905 وسمح لها بمباشرة وتنظيم شئونها الدينية والتعليمية بعيدلم عن إشراف الحكومة طالما أنها لا تخرق قوانين البلاد، وقد صدر عام 1905 م قانون خاص يحدد عمل هذه الكنيسة المتمتعة بالاستقلال الذاتى ونفوذها في المسائل الدينية والتعليمية. ولم يكن للدين الإسلام بصفته ملة من الملل نظام خاص في البوسنة والهرسك قبل الفتح النمساوى، كما كان هذا هو حاله في أقاليم تركية [أوربية] أخرى.
وأبدى المسلمون منذ عام 1881 رغبتهم في أن يكون لهم زعيم خاص بهم، هو رئيس العلماء، يستطيع أن يشرف على شئون دينهم بمعاونة مجلس من المتفقهين في الشريعة الإسلامية. وقد تحققت هذه الرغبة عام 1882 م وتأسس المجلس من أربعة أعضاء ورئيس. وفي عام 1883 عين مجلس مؤقت نيط به التثبت من جميع الأوقاف في البلاد والإشراف على مصروفاتها وتنفيذ الأنظمة الجديدة الخاصة بإدارة هذه الأوقاف. وفي عام 1884 عممت مجالس الوقف المؤقتة في جميع النواحى، وكان يشرف على كل مجلس منها قاضى الناحية، وعليه أن يتحقق من وجود الأعيان الموقوفة، وأن يشرف على المساجد والعمائر الموقوفة، ومراقبة متولى شئون الوقف وموظفيه، وأن يعرض حساباته على مجلس الوقف المؤقت، ويقوم بتنفيذ إرشاداته في هذا الصدد، وفي عام 1894 نظمت إدارة الوقف من جديد، واستبدل بمجلس الوقف المؤقت مجلس آخر في كل إقليم، وهذا المجلس عبارة عن هيئة إدارية وتشريعية ومجلس إقليمى للوقف لأنه قد أدخل عليه الأداة التنفيذية، وهذا المجلس مكون من رئيس ومفتش وكاتب وأربعة أعضاء من
مجلس العلماء وقاضيين من المحكمة الشرعية العليا واثنين من وجوه المسلمين من كل من نواحى البوسنة والهرسك الست، وهؤلاء يظلون في مناصبهم ثلاث سنوات، ويكون تعيينهم بمعرفة الوزارة، أما هيئة الوقف الأقليمية فهي مكونة من رئيس مجلس الوقف الأقليمى والمفتى وكاتب السر وما تقتضيه الحاجة من كتاب وحاسبين.
وظلت الحال على هذا المنوال حتى عام 1909، وفيه منح المسلمون حق مزاولة شئون دينهم بأنفسهم، وهو الحق الذي سبقهم إليه الصرب التابعون للكنيسة الأرثوذكسية عام 1905، وأهم ما اشتمل عليه القانون الذي صدر في هذا الشأن هو الواجبات المفروضة على الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وهي تأسيس المساجد وعمائر المسلمين الأخرى سواء كانت دينية أو تعليمية أو خيرية والمحافظة عليها، وإعداد العدد اللازم من المدرسين ورجال الدين ودفع مرتباتهم، وتعليم أولاد المسلمين أصول الإسلام وعقائده، ونشر الدعوة بين المسلمين والعمل على توحيد معرفتهم بهذا الدين بقدر المستطاع، والهيئة التنفيذية لوقف معارف عبارة عن "جماعت" ومجلس جماعت، ومجلس الناحية، والمجلس الأقليمى وهيئة المجلس الأقليمى، وهناك أيضًا بعض هيئات منتخبة، وهيئات نواح وهيئات مراكز، وكل هذه الهيئات ينتخبها جمهور المسلمين طبقا لأحكام القانون المشار إليه.
ووقف معارف مستقل استقلالا ذاتيا، والسلطات الدينية تنظر في جميع المسائل طبقًا لهذا القانون وتكون أحكامها نهائية، ولذلك فلا يجوز رفع استئناف عن هذه الأحكام للمحاكم المدنية طالما أنها لا تتعارض وقانون البلاد العام. وإذا أصدرت هيئة من هذه الهيئات المستقلة استقلالا ذاتيًا حكما يناقض القانون العام فللحكومة الحق في إلغائه وإعادة القضية إلى الهيئة المختصة من هذه الهيئات للنظر فيها ثانية بغية الوصول إلى حكم جديد.
وللحكومة الإقليمية أن تطلب من مجلس العلماء والمجلس الإقليمى وهيئته تفصيلات عن أعمالها وعن الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وعلى هذه المجالس أن توافيها بما تطلب.
وكل جماعة من المسلمين يبلغ عددها مائة على الأقل تؤلف "وقف معارف جماعت". وتنتخب "جماعت مجلس" لمدة ثلاث سنوات، ويتألف المجلس في الناحية من ممثلى الجماعة بها، ومهمة مجلس الناحية تنحصر على الأغلب في الحصول على المعلومات الخاصة بالأعيان المنقولة وغير المنقولة لوقف معارف وفي الإشراف على عمائره الدينية وغير الدينية، وعلى أعمال متولى الوقف، وكذلك على جميع سكان الناحية الذين لهم استحقاق في وقف معارف. وعلى هذا المجلس أيضًا أن يراعى قيام المدارس والمكاتب ومعاهد وقف معارف الأخرى ببرامجها على الوجه الأكمل.
وإذا آنس في المدارس والمعاهد خروجًا عن البرنامج الموضوع لتعليم الدين الإسلامى بها فعليه أن يرفع تقريرًا بذلك إلى المفتى ومجلس العلماء أو إلى الموظفين السياسيين.
ومجلس وقف معارف الإقليمى هو رأس الهيئات المستقلة استقلالا ذاتيا التي تشرف وتحكم في شئون جميع ممتلكات وقف معارف في البوسنة والهرسك، ومقر هذا المجلس في سراييفو. وأعضاؤه هم رئيس العلماء ومفتو بنالوقة وبهاج وموار وترافنك وطوزله وسراييفو، وناظر وقف معارف وأربعة وعشرون عضوا تنتخبهم مجالس النواحى. والرئيس القانوشى للمجلس الوطنى هو رئيس العلماء، ونائب الرئيس ينتخبه أعضاء المجلس أنفسهم من بينهم، وواجبات المجلس الإقليمى الخاصة هي الإشراف على مختلف فروع وقف معارف وعلى جميع موظفى هذا الوقف ومرءوسيهم. وتقرير تشييد المساجد والمدارس والمكاتب والمنشآت الخيرية على اختلاف أنواعها، وبيع واستبدال أو رهن جميع ممتلكات وقف معارف المنقولة وغير المنقولة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتسوية التقديرات
السنوية للأوقاف الشخصية وأموال معارف الرئيسى، وتغيير التعليمات القائمة وسن التعليمات الجديدة الخاصة بإدارة وقف معارف والإشراف على ممتلكاته.
وهيئة المجلس الإقليمى هي أداته التنفيذية الحاكمة. وهي تتألف من ناظر وقف معارف، وهو الرئيس، ومفتى سراييفو وستة أعضاء آخرين ينتخبهم المجلس من هيئته. وعمل هيئة المجلس الوطنى ينحصر بصفة خاصة في العمل اليومى المألوف الخاص بممتلكات وقف معارف والإشراف على أعمال مجالس النواحى وتوجيهها، وكذلك الإشراف على الأوقاف الشخصية كالنظر على أعيانها وتحقيق الأغراض التي وقفت من أجلها، وتحصيل أموال وقف معارف وإنفاقها في الوجوه التي يراها المجلس الإقليمى، والموافقة على الأوقاف التي تنذر للصالحين للأعمال النافعة، وقبول العطايا والتركات. وهذه الهيئة تعين أيضًا متولى الأوقاف وغيرهم من موظفى وقف معارف الإداريين، وتعيين المدرسين الذين يعلمون العلوم غير الدينية في مدارس وقف معارف، والموظفين والخدم في مجالس النواحى، والإشراف من جهة النظام على هؤلاء جميعا، وتقديم المقترحات إلى مجلس العلماء فيما يختص بتعيين الموظفين الدينيين وغيرهم الذين يتناولون مرتباتهم من أموال وقف معارف.
وكل وقف قائم بذاته يتولى شئونه متول تعينه الهيئة طبقًا للوائحها. والمتولى يمثل الوقف الذي يدير شئونه أمام المجلس أو سلطة أخرى.
وموارد وقف معارف الرئيسية تتألف من الأملاك المنقولة وغير المنقولة التي دخلت في مال الوقف أو التي ستدخل في المستقبل. ووظيفة مال الوقف الرئيسى هي: سد جميع النفقات الخاصة بإدارة وقف معارف، وتقرير نفقات الصيانة ونفقات الأملاك التي وقفها الناس، وصرف الإعانات لإصلاح المساجد وتشييدها وصيانتها وللمعاهد الدينية وللمدارس التي لم توقف عليها أعيان أو التي لا تقوم الأعيان الموقوفة عليها بسد جميع نفقاتها .. إلخ
…
ومهمة مجلس العلماء، ومقره في سراييفو، الإشراف الأعلى على جميع شئون المسلمين الدينية في البوسنة والهرسك. وهذا المجلس مكون من: رئيس العلماء، وهو الرئيس، وأربعة أعضاء، وهذا المجلس تنتخبه هيئه قائمه بذاتها ويكون الانتخاب في جلسة سرية، وهذه الهيئة مكونة من 30 عضوًا من رتبة الخوجه، أي مفتى سراييفو وبنالوقة وبهاج ومستر وترافنك وطوزله بصفتهم من الأعضاء الذين كانوا من الموظفين يضاف إليهم الأربعة والعشرون الباقون وهم من الأعضاء المنتخبين. ويعين الملك والإمبراطور رئيسا للعلماء من بين الثلاثة المرشحين الذين تنتخبهم الهيئة. وعندما يخلو منصب في مجلس العلماء يعين مجلس الوزراء الملكى الإمبراطورى مكانه واحدًا من الأثنين الذين إنتخبتهم الهيئة. وتطلب الهيئة من شيخ الإسلام بالأستانة أن يخول لرئيس العلماء الذي عينه الإمبراطور القيام بالواجبات الدينية التي يفرضها عليه منصبه. وهذا الالتماس يعرض على شيخ الإسلام بوساطة السفارة الملكية الإمبراطورية في الآستانة. ولمجلس العلماء سلطة القيام على جميع شئون الإسلام والإشراف عليها وتوجيهها. وأن يتعرف حاجة المسلمين إلى تشييد المساجد أو العمائر الدينية الأخرى كالمكاتب والمدارس والمعاهد المختلفة سواء أكانت دينية أم خيرية، وللمجلس أيضًا أن يقدم اقتراحاته في هذه الشئون إلى الهيئة التنفيذية لوقف معارف، وهو يراقب تنفيذ شرائع الإسلام المختلفة في المدارس الإسلامية وفي المدارس العامة والمعاهد على الجملة. وعلى المجلس أن يشترك مع مجلس وقف معارف الإقليمى في وضع برامج التعليم في جميع المدارس والمكاتب وكذلك في وضع برنامج التعليم الدينى في معاهد وقف معارف الأخرى، وأن يحدد خطة التعليم الدينى الإسلامي في مدارس الحكومة والمعاهد بالاشتراك مع الحكومة الأقليمية. وهو الذي يعين مدرسى وقف معارف وموظفيه الآخرين سواء كانوا مختصين بالدين أو التعليم بناء على إقتراح هيئة الجمعية. والمجلس يختار أيضا أولئك الذين يدرسون الدين
الإسلامي في مدارس الحكومة وفي المعاهد العامة الأخرى، ويعرضون أسماء المرشحين على الحكومة الأقليمية لاعتماد تعيينهم. ويقوم بامتحان المرشحين لمناصب القضاء الشرعي ولمناصب معاهد الوقف التعليمية ويعطى إجازات لهم. ويرشح أشخاصًا لمناصب الإفتاء ويعرض الأمر على الحكومة الإقليمية.
ويتمتع رئيس العلماء بحقوق خاصة هي تعيين "المراسلات" للقضاه الشرعيين وتعيين الأئمة والخطباء والإشراف على كلية الشريعة "سراييفو". وعلى مجلس العلماء أن يستفتى شيخ الإسلام بالآستانة في مسائل الشرع المشتبه فيها أو المختلف عليها. وترسل الوثائق التي تتضمن هذا الاستفتاء إلى شيخ الإسلام بالطرق الدبلوماسية بواسطة الحكومة الإقليمية ويصل الرد بهذه الوسيلة أيضًا.
وهناك مفت بكل مركز من مراكز البوسنة والهرسك. وتقوم الحكومة الإقليمية بتعيين المفتين بعد أن يرشحهم مجلس العلماء. وتفصيل ذلك أن المجلس يرشح لكل منصب اثنين ممن تتوافر فيهم المؤهلات المطلوبة، وتختار الحكومة واحدًا منهما. وأهم واجبات المفتى هي إصدار الفتاوى عند الحاجة وزيارة المساجد وغيرها من أماكن العبادة ليتأكد من أن برنامج تعليم الدين الإسلامي كما وضعه مجلس العلماء متبع في المدارس الحكومية والدينية والمعاهد الأخرى، وترأس امتحانات التلاميذ في المدارس إلخ.
والحكومة الإقليمية لها حق تشييد وصيانة المعاهد في البوسنة والهرسك لترقية تعليم الدين الإسلامي بالتعاون مع مجلس العلماء. وأهم معاهد وقف معارف هي المكاتب والمدارس. وللجمعية الأقليمية أن تنشئ معاهد أخرى لتعليم صبيان المسلمين، ولكن لا بد من تصديق الحكومة الإقليمية في هذه الحالة، والتعليم غير الدينى في مدارس وقف معارف يمكن أن يقوم به مدرسون مهيأون لهذا الغرض، والمكاتب هي مدارس ابتدائية لتعليم الدين الإسلامي، والتعليم فيها مجانى. ومجلس العلماء
هو الذي يضع برنامج المكاتب والجداول ويعين المواد التي تدرس فيها. وعلى كل مسلم أن يرسل أولاده إلى مكتب من هذه المكاتب المذكورة قبل أن يناهزوا الثامنة، والإناث قبل أن يبلغن السابعة أما المدارس فأرقى من المكاتب في تعليم الدين، والغرض منها تعليم عدد كاف من الخوجات لسد حاجات البلاد الدينية وهذه المدارس يديرها مجلس العلماء ويشرف عليها إشرافا تاما. ويقوم بتدريس المواد فيها مدرسون يعينهم مجلس العلماء بناء على اقتراح هيئة الجمعية الإقليمية.
وللجمعية الإقليمية حق ثابت في جمع ضريبة للأغراض الدينية تغطى نفقات شئون العبادة وإدارة وقف معارف وتسد حاجات التعليم والدين بصفة عامة. وهذه الضريبة تجبى بنسبة مئوية بالإضافة إلى جميع الضرائب المباشرة، وقد حددت هذه الضريبة في العشرة الأعوام التي كان المرسوم فيها ناجزًا بما يوازى عشر جميع الضرائب المباشرة، وبلغت ميزانية الوقف جملة عام 1909 م كما يأتي:
114 و 761 كرونًا (31.713 جنيهًا إنكليزيًا) للخرج 768.277 كرونًا (32.011 جنيهًا إنكليزيًا) للدخل أي بربح قدره 7.163 كرونًا (298 جنيهًا إنكليزيًا). وقدرت أعيان الوقف المنقولة وغير المنقولة في العام نفسه بمبلغ 9.931.061 كرونا (413.793 جنيها إنكليزيا). وبلغ عدد وقاف الشخصية 1050.
6 -
التعليم:
لم يكن المرسوم التركى الصادر عام 1285 هـ (1869 م) والذي لم يوضع موضع التنفيذ قط ملائمًا لأحوال البوسنة والهرسك المتغيرة بعد الفتح ولذلك فقد أدخلت الحكومة الجديدة على نظام التعليم إصلاحات واسعة النطاق.
وكان عدد المدارس الابتدائية في البوسنة والهرسك عام 1909: 434 مدرسة، 389 منها غير دينية، وإحدى عشرة مدرسة خصوصية، وبلغ عدد طلاب هذه المدارس جميعًا 38.950 من الطلبة. وقد أنشئت مدارس ابتدائية خاصة
(رشديات) لسد حاجات المسلمين الدينية والاجتماعية وذلك في عواصم النواحى الست وفي برجكه وهي حاضرة مركز. والغاية من هذه المدارس هي نفس الغاية من المدارس الأخرى، وبرنامجها كبرنامج المدارس الابتدائية فيما عدا العربية والتركية اللتين هما مادتان إضافيتان واتجهت العناية أيضًا إلى تعليم البنات المسلمات بقدر الإمكان، وأهم المعاهد الخاصة بذلك هي مدرسة البنات المسلمات بسراييفو، وتعينها الحكومة، وبها أربعة فصول ابتدائية ودراسة ثانوية مدتها ثلاث سنوات غايتها إعداد سيدات مسلمات للتدريس في الفصول التحضيرية في المدارس الابتدائية، وفي عام 1909 كان بالبوسنة والهرسك أيضًا تسع مدارس تجارية ومدرسة حربية داخلية للصبيان، ومهمتها إعداد صبيان البلاد لدخول الكليات الحربية، وثلاث مدارس غير دينية لتعليم البنات، وسبع أخرى دينية لتثقيفهن، ومدرستان صناعيتان ومدرسة للغات ومدرسة للمعلمين ومعهد دينى للمعلمات وثلاث مدارس علمية عامة ومدرستان طائفيتان عاليتان وجامعة فرنسسكانية ومدرستان ثانويتان Realachulen .
وقد اتخذت التدابير في شأن التعليم الدينى بجميع هذه المعاهد، فعين فيها مدرسون من جميع الطوائف، وكان في مكنة الطلبة المسلمين في المدارس العليا أن يتعلموا العربية بدلا من اليونانية، ومعاهد التعليم التي تعينها الجماعة الإسلامية هي المكاتب والمدارس ودار المعلمين في سراييفو. وأطفال المسلمين يدخلون المكاتب قبل أن يلتحقوا بالمدارس الابتدائية غير الدينية، ويتعلمون فيها دروسهم الدينية الأولى. ولا تدرس المواد في المكاتب إلا نادرًا. ولما كانت طرائق الخوجات في هذه المكاتب لا تأتى بنتيجة مرضية، فقد قام مجلس الوقف في العقد الأخير من القرن التاسع عشر بحركة إصلاح في المكاتب بمساعدة الحكومة وبلغ عدد المكاتب على الطريقة القديمة عام 1909 ما يقرب من ألف مكتب (صبيان مكتب) يضاف إليها 92 على الطريقة الجديدة (مكتب إبتدائى) 83 منها للصبيان و 9 للبنات.
وقد نظمت المدارس في البوسنة والهرسك على نسق مثيلاتها في تركية، وهي في حاجة إلى الإصلاح، وكان عدد هذه المدارس عام 1909: 42 مدرسة تضم 1613 تلميذًا (سوخته). وأشهرها مدرستا قرشونلى وخانقاه في سراييفو ويعينها وقف غازى خسرو بك أما دار المعلمين التي أسست عام 1893 م بسراييفو فهي عبارة عن نوع من الدراسة التكميلية لهذه المدارس، وهي تزود طلابها -إلى جانب المواد التي تدرس في المدارس، وغالبها العربية والتركية- بدراسات في لغة البلاد وفي غيرها من المواد المفيدة كالتاريخ والجغرافيا والحساب والتربية، وتؤهلهم لمناصب التعليم في المكاتب أو لتدريس العلوم الدينية إلخ .. ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات. وقد التحق بدار المعلمين في المدة ما بين عام 1880 و 1909 ستون طالبًا (سوخته).
وتسد كلية الشريعة بسراييفو حاجة من حاجات الإسلام. وقد أنشئت هذه الكلية عام 1885 م، وأخذت الحكومة تعينها منذ سنة 1888. وغايتها الأولى تفقيه المرشحين الصالحين لمناصب القضاء الشرعي، ودخول هذه المدرسة موقوف على رأى مجلس العلماء وتصديق الحكومة، وقد أم هذه الكلية في السنة الدراسية 1908 - 1909: 28 طالبا 25 منهم كانوا يعيشون في الكلية وتصرف لهم الملابس أيضًا، وتبلغ مدة الدراسة بها خمس سنوات وبرنامجها يشمل المواد الآتية: اللغة العربية والمنطق وعلم المعاني والبيان والعقائد والفقه وأصوله والسنن والفرائض وأصول المحاكمة والفقه الأوربى ولغة البلاد والحساب والجغرافيا والتاريخ والخط العربي، وكانت هيئة التدريس بالكلية عام 1908 - 1909 مكونة من تسعة أساتذة.
ويمكننا أن نضيف إلى معاهد العلم في البلاد المتحف الوطنى بسراييفو الذي أسس عام 1885 م وضمته الحكومة إليها عام 1888، ولسان حال مجلة Glasnik Zemaljskog muzeja Bosdi i Hercegovini التي كانت تصدر كل ثلاثة شهور ابتداء من سنة 1889 م، وتنشر مختارات من مقالات هذه المجلة سنويًا باللغة الألمانية بعنوان:
Wissenschaftliche mitteillungen aus -R-und H وظهرت عام 1909 خمس وثلاثون صحيفة، يمكننا تصنيفها وفقا لنزعاتها السياسية والدينية كما يأتي: 6 كرواتية و 6 صربية و 6 مستقلة، 4 إسلامية، 4 رومية كاثوليكية، 2 صربية أرثوذكسية.
وقد أخذ مسلمو البوسنة والهرسك - الذين كانوا قبل الفتح يشتركون في الحياة العقلية في تركية ويكتبون باللغتين العربية والتركية- يستعملون الآن اللغة العربية في كتاباتهم العلمية والأدبية. وهم يكتبون عادة بالحروف اللاتينية. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة بين الخوجات بصفة خاصة حركة ترمى إلى كتابة المصنفات الأدبية ذات الصبغة الدينية على الأقل باللغة الصربية المكتوبة بحروف عربية، ولذلك فقد وفقت الابجدية العربية لسد حاجة اللغة الصقلبية. وقد ظهرت مجلة الجمعية الوطنية للمعلمين والأئمة بسراييفو بهذه الصورة.
7 -
القضاء:
كانت عدة بلاد قد حصلت من الحكومة التركية على حق محاكمة رعاياها بمعرفة قناصلها، وقد ألغى هذا النظام بموافقة هذه البلاد فيما بين عامي 1878 - 1881 م، ولم يكن الإلغاء مقصورا على النمسا والمجر وإنما شمل أيضًا بلادا أخرى، ونظمت المحاكم عقب الفتح بحيث تلائم نظام السلطات الحكومية. وكان في سراييفو محكمة عليا وهي أكبر محاكم البلاد، وهناك محاكم في حاضرة كل ناحية، ومحاكم في عاصمة كل مركز. يضاف إلى ذلك أن هناك محاكم في مراكز بعض المدن الهامة. وقد نظمت المحاكم الشرعية التي ضمت إلى المحاكم التي أسلفنا ذكرها على أسس خاصة. المحكمة الشرعية في المركز مكونة من القاضي الشرعي- وهو رجل تعلم التعليم الذي يؤهله لهذا المنصب وتخرج في كلية الشريعة في سراييفو (انظر ما أسلفنا بيانه) - ومساعديه وعدد من الموظفين الدينيين تابعين له والمحكمة الشرعية العليا تتكون من رئيس للمحكمة وقاضيين لها ثم أثنين من كبار قضاة الشريعة. وقد حددت خكومة البوسنة والهرسك سلطة المحاكم الشرعية القضائية عام 1883، فهي تقضى بصفة خاصة في:
أ- المسائل الخاصة بأحكام الزواج حالة كون الزوجين مسلمين سواء أكانت المسألة خاصة بقانون الملكية أو غيرها.
ب- القضايا التي تتعلق بالأبوة والبنوة وهي تحكم أيضًا في القضايا الخاصة بالميراث وتوزيع الأراضي ما دامت من ذلك النوع المعروف في الشريعة الإسلامية، بـ"الملك".
والمحكمة الشرعية تحكم في القضايا التي من النوع الأول بمفردها، ولا تنفرد بالحكم في القضايا التي من النوع الثاني، وللمحكمة الشرعية العليا أن تأخذ رأى مجلس العلماء في آية مسألة قبل أن تنتهي إلى حكم، وبخاصة في المسائل التي تحتاج إلى زيادة في الشرح، أما فيما يختص بأحكام المحاكم الشرعية، فإنها تُذَيل بعبارة تتضمن أن الحكم سينفذ غير أن الحكم بالفعل لا يكون إلا بواسطة المحاكم غير الشرعية.
وقد حكمت المحاكم الشرعية في 2629 قضية عام 1909 و 17367 مسألة من مسائل الميراث، وسجلت 7312 زيجة وسمحت بالطلاق في 719 حالة، وتمنح للقضاة الشرعيين مرتبات على منوال بقية الموظفين الذين في طبقتهم.
ويجدر بنا أن نلاحظ فيما يختص بإحصاء الجنايات أن عدد الأشخاص الذين حكم عليهم في جنايات أو جنح بلغ 3072، منهم 1032 من المسلمين و 1504 من الروم الأرثوذكس و 517 من الكاثوليك و 10 من اليهود و 9 من المنتمين إلى ديانات أخرى.
8 -
المال:
قضت أحكام النمسا والمجر عام 1880 - فيما يختص بإدارة البوسنة والهرسك- بأن تدار شئون هذه البلاد بحيث يغطى دخلها مصاريف حكومتها. وقد زادت ميزانية البوسنة والهرسك زيادة كبيرة منذ الفتح تبعا لتقدم وسائل المواصلات وتحسن الأحوال الاقتصادية بصفة عامة، وقد بلغ دخل الحكومة المدنية عام 1879 م:9.321.000 كرونّ (388.696 جنيهًا إنكليزيًا) وخرجها 8.942.224 كرونًا
(372.952 جنيهًا إنكليزيًا) والفائض 378.976 كرون (15.749 جنيهًا إنكليزيًا) وبلغ الخرج عام 1890 م: 19.373.282 كرونا (807.220 جنيهًا إنكليزيًا) وبلغ عام 1900 م: 41.526.368 كرونًا (1.730.252 جنيها إنجليزيا) وبلغ الخرج كله وفقا لتقدير عام 1910 م: 74.251.160 كرونا (3.093.832 جنيها إنكليزيا) وبلغ الدخل 74.376.409 كرونا (3.090.017 جنيها إنكليزيا) وبلغ الفائض 124.999 كرونا (5185 جنيها إنكليزيا).
ومصلحة الدخل قائمة على القوانين والطرائق التي كانت سارية إبان الحكم التركى، وقد بقيت القوانين التركية من الوجهه العملية ولم يدخل عليها تغيير تقريبا. واهم ضريبة مباشرة هي العشر وجمعها أعشار، وهي في حقيقتها تقضى بأن تستولى الحكومة من كل مالك على عشر محصوله من كل نخلة، وهذه الضريبة التي كانت تدفع في الأصل من نوع المحصول أصبحت في معظم الأماكن تحصل في ظل الحكم التركى، ولما كانت لكل من هاتين الطريقتين مبادئ تشعر بها الحكومة والشعب فقد أستنت الحكومة عام 1879 م سُنّة تقضى بدفع قيمة الضريبة نقدً طبقا للثمن السائد في السوق. غير أن المتاعب التي نشأت من تغير قيمة العشور سنويا حدت بالحكومة عام 1906 إلى تحديد مبلغ معين روعى فيه متوسط الأسعار. وعلى هذا لم يصب التغير طبيعة الضريبة وإنما طريقة جمعها فقط، وحل السعر المتوسط للعشور محل العشور التي كان ثمنها يتغير سنويا، وبلغ قيمة ما جمع من هذه الضريبة عام 1909 م:9.308.000 كرون (387.833 جنيه إنكليزى).
9 -
إحصائيات اقتصادية:
ما إن استقرت الأحوال الاقتصادية عقب الفتح حتى اتخذت الحكومة عدة تدابير لتحسين حالة البلاد وخاصة فيما يختص بالزراعة.
وبلغ مقدار المحاصيل المختلفة سنة 1908 - 1909 بالهندردويت متريًا (1) كما يلي:
1907 -
1908 - 1909
القمح 566.318 - 752.515 - 723.373
الشعير 518.312 - 520.150 - 765.580
الأذرة 1678189 - 2240250 - 2787066
الشوفان 376187 - 518500 - 766808
البطاطس 802647 - 633667 - 1439703
العلف 4780351 - 3241850 - 7016190
البرقوق 433623 - 1302433 - 222358
وقد أخذت الحكومة من التبغ الذي تحتكره مقدار 5.226.737 قنطارًا وبلغ ثمنه 5.152.790 كرونا (214.700 جنيه إنكليزى).
والأراضى الصالحة للزراعة إما مملوكة ملكًا حرًّا لملاك الأراضي أو أن للفلاحين (كمت) بعض حقوق فيها. ونصيب الفلاح (جفتلك) هو أن يبقى ملتزمًا للأرض طالما هو قادر على زراعتها بنجاح، وللمالك أن يتصرف في الإلتزام طبقا لهواه في المسائل الأخرى، ويجب على الفلاح أن يعطى للمالك نصيبًا معينًا من المحصول سنويًا. واتخذت الحكومة التدابير لطرد الفلاح قانونًا من الأرض عندما يهمل في زرع نصيبه وقد حددت العلاقات بين الملتزم وبين المالك بمقتضى المرسوم العثمانى الصادر في صفر سنة 1276 (12 سبتمبر 1859). ولم تلغ حكومة النمسا والمجر هذا المرسوم بل ظل ناجزًا. ويستطيع الفلاح أن يشترى نصيبه "جفتلك" بالاتفاق مع المالك، وبذلدُ يصبح صاحب الأرض. وقد بلغ مقدار ما اشتراه الفلاحون من عام 1879 م إلى عام 1909: 26221 جفتلك من أراضى الالتزام بلغ ثمنها 20.259.574 كرونا (843.318 جنيها إنكليزيًا).
واشتهرت البوسنة بوفرة معادنها منذ القدم. وقد أصبح لمناجم الملح والفحم والحديد أهمية كبرى في يومنا هذا. وبلغ ثمن ما استخرج منها عام 1909 م: 12.952.503 كرون (539.692 جنيه إنكليزى).
(1) قنطار إنكليزى يساوى 112 رطلًا في إنكلترة و 100 رطل في الولايات المتحدة.
وتبلغ مساحة الغابات في البوسنة والهرسك 6.374.287 فدانًا منها 48.945 فدانًا موقوفة. ومعظم هذه الأفدنة من وقف خسروبك في سراييفو.
ويبلغ طول المخطوط الحديدية في البوسنة والهرسك 1088 ميلا، منها 743 خطوط عريضة و 345 ضيقة. وبلغ طول الطرق الرئيسية عام 1909: 1372 ميلا وطول الطرق في النواحى 1556 ميلا.
وبلغ مقدار الواردات من الشحم وحيوان الذبح 31051 رأسًا عام 1909 والصادرات 266940 أما كمية بقية التجارة 3970000 قنطار منها 22.72 % من الواردات و 77.28 % من الصادرات.
المصادر:
(1)
سنة 1901.
(2)
Bosnia T. Ritter-Vitezovich captiv 6. ناجى سزمبات، سنة 1712 م.
(3)
Ph. Laztrich pb Ochievea: Epitome vetustatum Bosniensis U-4 kprovinciae أنكونا سنة 1776 م.
(4)
De regno: Narentius Prudentius Bosniae eiusque imtoritu، البندقية سنة 1781.
(5)
Poletische: M. Schimek Geschichte des Koenigreichs Bosnien and 1471 Rama von 867 bis، فينا سنة 1787.
(6)
KoniQreiches Bosnien كتبه ضابط من سلاح المهندسين في الجيش التركي بفينا عام 1790 م.
(7)
Geschichte der A. Gebhardi .Konigreiche Dalmatien، Croatien .Slavonien، Rascien، Bosnien etc، فينا سنة 1805.
(8)
عمر أفندى في Oriental Transl- Fund، لندن سنة 1839 م.
(9)
J. Jukich (باسمه المستعار Zemljopis i povjestnicai: (Boshnjak .S ، Bosnp أكرام سنة 1851.
(10)
Ungarn and seine J. Gh. Engel Nenenlaen der Geschichte von Servien und Bosnien، هال سنة 1861 م.
(11)
Geschichtliche: G. Thoemm ++ el -politische and topograp hische Sta -tistische Beschreibungen des، Vilajets Bos en، فينا سنة 1867 م.
(12)
Studien: Johann Roshkiewicz ueber Bosnien and die Hercegovina ليبسك وفينا سنة 1868 م.
(13)
L'herzegowina: G. Thomson . باريس سنة 1875.
(14)
Bosnie et Her-: Charles Yriarte باريس سنة 1876 م.
(15)
Die Christlichen: G. Kinkel Untertanen der Tuerkei in Bosnien and der Hercegovina بال سنة 1876 م.
(16)
nsurection de: Grandin I'Hercigovine، باريس سنة 1876 م.
(17)
Studien ueber Bosni-: Elbinger en and die Hercegovina، سنة 1876 م
(18)
Bosnia and Her- A. J. Evans 1875 cegovina during the Insurrection لندن 1876 م.
(19)
Through Bosnia and: Evans -Hercegovina on Foof during the In surrenction، لندن سنة 1877 م.
(20)
Reisen in Bnsnien and: Blau der Hercegovina، برلين سنة 1877 م.
(21)
H. Daublesky von Sterneck: -Geographische Verhaeltnisse، Kom munikationen and das Reisen in Bosnien and der Hercegovina and L'.jNord-Montenegro فينا سنة 1877 م.
(22)
Bosnien، das Land and Seine Bewohner، فينا 1878 م.
(23)
Neueste Beschreibung and vollstoendiges . Ortslexikon، براغ سنة 1878 م.
(24)
Land and Leute: Ed. Rueffer ، von Bosnien and der Hercegovina H Auft، براغ سنة 1878 م.
(25)
Okkupution Bosniens and der Truppen im . Hercegovina durch die K.K Jahre 1878 Mach - authentischen Zuellen
dargestellt in der Abteilung fuer Kriegsgechichte des K.K. Kriegsarchives، فينا سنة 1879.
(26)
Handelsstrassen un Bergwerke von Serhien and Rosnein wahrend de.c Mittelater، براغ سنة 1879.
(27)
Bosnisches: Fr. von Helfert . فينا سنة 1779 م
(28)
La Bosnie depuis: E.Marbeau d'occupation austro-hongroise باريس سنة 1880.
(29)
Altertumer der Her-: Hoernes cegovinc، فينا سنة 1880 م.
(30)
Bosnien، land and leute: Straus برلين سنة 1882 - 1884.
(31)
Kratka provjest: Knezhevich bas kraljeva، راغوسة سنة 1884 م.
(32)
Erinnerungen: Josef Koetsehet aus dem Leben des Serdar Michael Lattas Erkem Omer Pachn، سراييفو سنة 1884 م.
(32)
Erinnerungen
(33)
ens von den altesten Zeiten his ruin Ver falle des Konigreiches وترجمه إلى الألمانية Bojnichich، ليسك سنة 1886 م.
(34)
Beitrage Zur: Bruno Walter Kenntnis der Erzlagerstatten Bosniens سراييفو سنة 1887.
(35)
Hercegovina بوادبست سنة 1887 م وبالألمانية أيضًا: Rncnien and the Hercegovina، فينا سنة 1888 م
(36)
Dinarische Wanderungen: M. Hoerns Cultur - and ladschaftsbilder aus Bosnien Fund der Hercegovina فينا سنة 1888 م.
(37)
Bihachi bihack: : Lopashich Krajino، أكرام سنة 1890.
(38)
Mostar and sein: Karl Peez(rA Cultuskreis ليبسك سنة 1891 م.
(39)
Die Staatsrechtiche: H.Schneller Stellung von Bosnine and der Hercegovina ليبسك سنة 1892.
(40)
Die praehistorischen: W. Radimsky Fundstotten ihre Erforschung and
Behandlung mit besondere Beruecksichtigung Bosniens and der cHercegovina فينا وسراييفو سنة 1892 م.
(41)
Romische Strassen in: Ph. Ballif Bosnien and der Hercegovina. فينا سنة 1893.
(42)
Bosnische Musik: C.V.Sax، وهو عبارة عن مستخرج من كتاب Wissensch. Mitt aus Bosnien and der Hercegovina، فينا سنة 1894 م.
(43)
Reiseblder aus Bosnien: Waal، فينا سنة 1885 م.
(44)
W.Radimsky M.Hoemes: Dieneolithische Station von Butmir bei Saraievo in Bnsnien جـ 1 فينا 1895.
(45)
Einiges uber das: A.Rucker Gnldvnrknmmen in Bnsnien، فينا سنة 1896 م.
(46)
Lopaehich: Oko Kupe i Korane. إ كرام سنة 1896 م
(47)
A travers la Bosnien: Capus، باريس سنة 1896.
(48)
Die: Fr.Tiala، j M.Heornes Neolithische: Station von Butnir bei 11 .Sarajevo in Bosnien. Bd فينا سنة 1898 م.
(49)
Bosnienund der: Petriniensis Xroatische Staat إكرام سنة 1898 م.
(50)
Bosnisches Skizzenbuch: M. Preindlsberger درسدن سنة 1900 م.
(51)
Kratkauputa: Safvetbeg Bashagich u proshlost Bosen i Hercegovine od godicnc 1463 - 1866. سراييفو سنة 1900 م.
(52)
Rambles and Studies: R. Munro jr، in Bosnia Herzegovina أدنبرة سنة 1900 م.
(53)
La Bosnie et 1'Hercegovine، وهو كتاب طبعه كل من L. Bertrand و P. Boyer تحت إشراف باريس سنة 1901 م.
(54)
Aus Bosniens: Josef Koetschet letzter Tuerkenziet طبعة فينا وليبسك سنة 1905 م.
(55)
Dle praegungen der: E.von Zambaur Osmanen in Rnsnin في .. Numismatiche Zeitschr فينا سنة 1908 م، ص 143 - 152.
(56)
Geschichte des: C.R.v. Sax Machtverfalles: der Turkic، فينا سنة 1908 م
(57)
Kroatien and dessen Beziehungen Zu Bosnien، كتبه مبعوث كرواتى، فينا سنة 1909 م
(58)
Osman Pascha.der: J.Koetschet letzte grosse Wezir Bosniens and seine Nachfolgr " طبعة Grassel. سراييفو سنة 1909 م.
(9)
Untersuchungen: L.V. Thalloczy ueber den Ursprung des bosnichen Banates وهو عبارة عن مسمتخرج مما جاء في Wissensch. Mitt. aus Bosnien and der .Herc، فينا سنة 1909.
(60)
Einige Shriftstuecke: B. Cherovich aus der alten Krajtna وهو عبارة عن مستخرج مما جاء في. Wissensch. Mitt aus Bosnien and der HerceR، فينا سنة 1909 م.
(61)
Wahrheit ueber: C.R.v. Sax Die die Serbische Frage and das Serbentum Bosnien، فينا سنة 1909 م.
(62)
Rosnyak is: L.V. Thalloezy szerb elets nemzedekrajzi tanulmanyok، دراسات في تراجم وأنساب البوسنة والصرب، بودابست سنة 1909 م
(63)
Wie wir zu Bosnien: Aug. Foumier j Kamen فينا سنة 1909 م.
(64)
Bosn- herceg Ver-: Leo Geller fassung and polit. Grundgesetze فينا سنة 1910 م.
(65)
Bosniens and dei Hercegovina فينا سنة 1911 م.
(66)
Die osterr ung.: L.V. Thalloezy ، 19 Monarchic in Wort and Bild. Bd Bosnien and die Hercegovine، والجانب التاريخي من هذا المقال مأخوذ معظمه من هذا المؤرخ.
(67)
دستور (مجموعة القوانين التركية)، الآستانة سنة 1289 هـ وقد ورد بصفحة 765 المرسوم المنظم للعلاقات القضائية بين أصحاب الأموال والـ"كمت" وهذا المرسوم صدر بتاريخ 14 صفر.
(68)
Gesetz-und Verordnungsblatt fur Bosnien and die Hercegovina 1787 - 1910. فينا سنة 1881 عن السنوات من 1878 - 1880 م، وسراييفو من سنة 1871 - 1910 م.
(69)
Wissenchaftliche Mitteilungen وهو. j aus Bosnien and der Hercegovin يصدر سنويا منذ عام 1893 م.
(70)
Berichte ueber die Verwaltung -1906 von Bosnien and der Hercegovina 1910.Hg. vom k. u. k.gemeinsamen Finan، ministerium، فينا سنة 1906 - 1910 م.
(71)
Safvetbeg Bashagich ، رسالة جامعية باللغة الصربية الكرواتية عن رجال الأدب في البوسنة والهرسك الذين كتبوا مصنفات بالتركية والعربية أو الفارسية في العهد التركى، وهذه الرسالة لم تطبع بعد.
(72)
صالح صدقى بن ح. حسين بن فيض الله: السراى تاريخ ديار بوسنه وهرسك، وهو مخطوط تركى في المتحف الوطنى بسراييفو، يتحدث عن تاريخ البوسنة والهرسك حتى عام 1876 م، وكان مؤلف هذا الكتاب مؤقتا لمسجد الغازى خسرو بك بسراييفو، وقد توفى عام 1889 م.
(73)
عمر أفندى: تاريخ غزوات ديار بوسنه عام 1150، الآستانة 1154.
(74)
تاريخ بجوى، الآستانة عام 1283 هـ.
[كرسماريك J. Krcsmarik]
البوسنة والهرسك:
1 -
إلمامة عامة.
تقع البوسنة والهرسك بمجموع مساحتها البالغ قدرها 51.129 كيلو مترًا مربعًا بين خطى عرض 42 ْ 26 َ و 45 ْ 15 َ شمالا، وخطى طول 15 ْ 44 َ و 19 ْ 41 َ شرقًا، فهي بذلك تشغل المنطقة الغربية من يوغوسلافيا، الجبلية في معظمها والغنية بمواردها المعدنية وقوتها المائية وأحراجها. وهي تنقسم إلى وحدتين جغرافيتين تاريخيتين متميزتين: البوسنة والهرسك. ويشير اسم البوسنة إلى الجزء الأكبر
الشمالي، بينما يضم الهرسك النواحى الجنوبية مع حوض نهر نيرتفا Neretva والاسم البوسنة مشتق من نهر البوسنة (ومعناه غير محقق ولكنه من غير شك إيفيرى الأصل). وهو يجرى في الجزء الأوسط من البلاد، وقد وجدت حول منبع هذا النهر وحوضه الأعلى بقايا آثار ناحية تعرف بالبوسنة (ذكرها لأول مرة قسطنطين يورفير كينتوس وظنها تابعة للصرب). وكان يسكنها مستوطنون أوائل من أفراد قبائل صقلبية. وبعد أن عانى الإقليم الكثير من تقلبات الأحوال التي جرها عليه تعاقب الحكام من أجانب ووطنيين، أصبح جزءًا متكاملًا في دولة جديدة بهذا الاسم تحت حكم الملك تفرتكو الأول Tvertko (1353 - 1391 م). ولم تشمل حدودها أراضى البوسنة والهرسك الحالية (فيما عدا ناحية صغيرة في الشمال الغربي) فحسب، بل شملت أيضًا جزءًا كبيرًا من الساحل الأدرياوى مع النواحى المجاورة في الجنوب والجنوب الشرقي. وكانت البوسنة تحت الحكم التركى إحدى سناجق الإمبراطورية العثمانية، وأصبحت في سنة 988 هـ (1508 م) إيالة تضم مساحة أكبر من مساحة البوسنة والهرسك الحالية، ولم يكن ذلك فحسب قبل فقدها الأراضي الذي منيت به في العقد الثاني من القرن الثاني عشر الهجرى (نهاية القرن السابع عشر الميلادي) بل بعد أن فقدت هذه الأراضي أيضًا.
ويرجع اسم الهرسك إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي عندما ثار ستيفان فوكجيش كوساجا، أحد أعضاء مجلس الأشراف، على ملك البوسنة حينئذ ونادى بنفسه "هرسك"(أي دوق) سانت سافا. ومن ثم سميت المنطقة هرسكوفينا (أي أرض الهرسك). وهي بالتركية هرسك إيلى أو هرسك سنجقى. وتطابق رقعة الأرض التي تشملها البوسنة والهرسك الآن المساحة التي كانت تشغلها ولاية البوسنة والهرسك أيام الحكم النمسوى (1878 - 1918 م)، والتي كانت جزءًا من مملكة الصرب والكروات والسلوفين (من سنة 1918 م)، وبقيت الحدود وامتداد الإقليم على ما هي عليه مدة
الإدارة الأخيرة للمملكة الجديدة (بمقتضى ما يسمونه دستور قويفودان. وبعد إلغاء الحكم النيابى في يوغوسلافيا (1929 م) قامت مملكة مطلقة السلطة في يوغوسلافيا مكونة من تسع وجدات إدارية كبيرة باسم "بانوفينا". وغير هذا التقسيم من حدود البلاد. فالوحدتان الإداريتان، (بانوفينا) اللتان كانت قاعدتاهما في سراييفو وبنالوقة والداخلتان في البوسنة والهرسك تضمان الآن أجزاء من الأراضي المجاورة، بحيث أصبح جزء من أراضى البوسنة والهرسك تابعًا للوحدة الإدارية (بانوفينا) التي قاعدتها إسيليت بينما دخل جزء من أرض الهرسك ضمن الأراضي التي قاعدتها في الجبل الأسود. وكانت تقوم في يوغوسلافيا جمهورية شعبية للبوسنة والهرسك داخلة في حدودها التاريخية التقليدية.
والنظام الاجتماعى والسياسى في البوسنة والهرسك باعتبارها إحدى جمهوريات يوغوسلافيا قائم على الدستور المكتوب لجمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الشعبية الذي أقر في الثالث عشر من يناير سنة 1946، ودستور جمهورية البوسنة والهرسك الشعبية المؤرخ في الواحد والثلاثين من ديسمبر سنة 1946، والقانون الدستورى الصادر في 13 يناير سنة 1953 الخاص بإنشاء التنظيمات الاجتماعية والشعبية لجمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية والأجهزة الفيدرالية الحكومية والقانون الدستورى الصادر في 29 من يناير سنة 1953 الخاص بالتنظيم الاجتماعى والسياسى لجمهورية البوسنة والهرسك الشعبية والأجهزة الجمهورية للحكومة.
ولجمهورية البوسنة والهرسك الشعبية- شأن جميع الجمهوريات الأخرى في يوغوسلافيا، - جميعها الشعبية التشريعية بمجلسها التنفيذى، وسكرتاريتها في سراييفو قصبة البلاد. وتنقسم الجمهورية إلى اثنى عشرة ناحية و 134 كميونًا .. (سنة 1958).
ويبلغ عدد سكان البوسنة والهرسك، كما يدل عليه الإحصاء الذي أجرى في سنة 1953 م:2.847.790
نسمة. واللغة الصربية الكرواتية هي لغة الحديث (باستثناء عدد قليل من المستوطنين السلوفينيين والمقدونيين وبعض أقليات وطنية). وينقسم الشعب مع هذا بحسب الجنسية، إلى: صرب (معظمهم تابع للكنيسة الأرثوذكسية والباقي مسلمون وكروات (معظمهم تابع للكنيسة الرومانية الكاثوليكية والباقي مسلمون) وممتنعين عن اعلان جنسياتهم وغالبيتهم العظمى من المسلمين.
وكان في البوسنة والهرسك- وفقًا للنتائج التمهيدية لتعداد سنة 1953 - 103 % لا ينتمون لطائفة و 35.1 % من الأرثوذكس و 21.4 % من الروم الكاثوليك و 32.3 % من المسلمين و 0.9 % من طوائف أخرى.
والإحصاءات الرسمية النهائية المطبوعة للتعداد الذي عمل في سنة 1953 م كما يلي:
صرب: 1.264.372 - 44.3 % منهم 35.228 مسلمون.
كروات: 654.229 - 23.0 % منهم 15.477 مسلمون.
يوغوسلاف لم يوضحوا جنسيتهم: 891.800 - 31.4 % منهم 860.486 مسلمون.
آخرون: 37.389 - 1.3 %.
ورغم اللغة المشتركة والقربى السلالية الوثيقة للسكان فإنهم ينقسمون إلى ثلاث طوائف، تبعًا للمؤثرات التاريخية بعامة، واختلاف المعتقدات الدينية بخاصة، وكانت هذه هي علة قيام الفروق الوطنية بين الصرب والكروات. وجاء إسلام البوسنة والهرسك (وهي تخوم الإمبراطورية العثمانية التي دامت قرونًا طويلة والواقعة على الحدود عينها بين الشرق والغرب بمؤثراتها الخاصة بها) فأضاف عنصرًا طائفيًا ثالثًا.
وكان التصنيف الرسمى للسكان أيام حكم النمسا والمجر تبعًا لطوائفهم، باستثناء عدد قليل من المستوطنين الذين سجلت جنسياتهم طبقًا لحقيقتها، ولو أن الجزء الأكبر من السكان كان قد أصبح على وعى بجنسياته، فمثلا، اقر السكان الأرثوذكس علانية بأنهم من الصرب وأقر الروم الكاثوليك بأنهم
كروات. وكانت كل من بلغراد وزغرب، حتى الحرب العالمية الثانية، تدعى القرابة الوطنية بمسلمى البوسنة، الأمر الذي ترتب عليه أن فريقًا من المسلمين -معظمهم من مستنيرى أهل الحضر- قد جاهروا بأنهم صرب أو كروات.
وبقيت الأغلبية العظمى من مسلمي البوسنة والهرسك مع ذلك غير متأثرين، وامتنعوا عن الاعتراف بأنفسهم صربًا أو كرواتًا، واحترمت يوغوسلافيا الحديثة آراءهم الشخصية وشعورهم في مسألة الجنسية كل الاحترام، واصبح المسلمون المتكلمون باللغة الصربية الكرواتية تبعًا لذلك أحرارًا في قيد أنفسهم صربًا أو كرواتًا أو عدم توضيح جنسياتهم. ومن بين الأسباب الأخرى نجد أن وجود أعداد كبيرة من المسلمين المتكلمين باللغة الصربية الكرواتية الذين لم يبت في أمر جنسيتهم، قد اقتضى أن يكون للبوسنة والهرسك جمهورية شعبية قائمة بذاتها في يوغوسلافيا الجديدة.
ولم تتسبب القرون الأربعة من الحكم التركى (807 هـ / 1403 م- 1295 هـ / 1878 م) في إسلام جانب كبير من السكان فحسب، بل تركت طابعها أيضًا على القطر بأكمله. واللغة الصربية الكرواتية في البوسنة والهرسك يتكلم بها المسلمون وسائر السكان على حد سواء. وتأصلت تبعًا لذلك عناصر ثقافية شرقية في أنماط الحياة وطرقها، لا بين المسلمين وحدهم بل بين سكان البوسنة والهرسك جميعًا أيضًا.
وأبطأت القرون من الحكم التركى التي مرت بالبلاد من نمو مجتمع الطبقة الوسطى في البوسنة والهرسك، على أن السياسة الإقتصادية التي اتبعتها النمسا والمجر في البوسنة والهرسك قد أثبتت عجزها في تطوير واستغلال إمكانيات الإنتاج من مصادر هذا القطر. فبقيت البوسنة والهرسك، نتيجة لذلك، قطرًا متخلفًا من عدة وجوه. ولم يطرأ على هذا التخلف الموروث أي تحسن كبير نظرًا للظروف غير المواتية في يوغوسلافيا ما قبل الحرب وسياستها الإقتصادية ولم يحدث- إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام نظام الحكم
الجديد في يوغوسلافيا بإجراءات ثورية- أن استُغلت المصادر الطبيعية في البوسنة والهرسك استغلالا تامًّا نتيجة لازدياد تصنيع البلاد. فقد أقيمت منذ سنة 1945 م- ولا تزال تقام- مشروعات صناعية عديدة ومؤسسات، وتبنى محطات مائية وأخرى حرارية، صغيرة وكبيرة، لتوليد الكهرباء. وأدخلت الوسائل العصرية على صناعة التعدين، واتسعت. وبلغ مقدار ما استثمر في الصناعات والتعدين في البوسنة والهرسك ما بين سنتى 1947 - 1954 م مبلغ 236.494 مليون دينار أي ما يعادل 61.3 % من مجموع الأموال المستثمرة. وكان لا بد من ضبط سياسة التوظيف المالى وإدخال بعض تغييرات طفيفة عليه بعد هذه الجهود المركزة للتصنيع. وبلغ مجموع الأموال الموظفة في سنة 1957 م:75.667 مليونًا، أنفق منها على الصناعة والتعدين مبلغ 33.846 مليونًا. وانعكست نتيجة هذا التصنيع السريع على الإحصائيات الرسمية الخاصة بمعدل السكان الزراعيين في البوسنة والهرسك على النحو التالي:
السنة - يعملون في الزراعة والأحراج وصيد الأسماك - يعملون في حرف أخرى
1895 -
88.4 - 11.6
1910 -
86.6 - 13.4
1931 -
83.4 - 16.5
1948 -
86.7 - 33.3
1953 -
63.5 - 36.5
وكان معدل النمو في الفروع الأخرى من الاقتصاد القومى أقل سرعة. وخاصة في الانتفاع بالأراضى الزراعية وتربية الماشية والأغنام. ولكن الميل الحديث يتجه الآن في السياسة الزراعية إلى زيادة التوكيد على فلاحة الأرض وأنماط أخرى في الزراعة. وفي سنة 1957 كان مقدار ما في البوسنة والهرسك من الأراضي الزراعية 2.613.000 هكتار، منها 64.7 % صالحة للزراعة والباقي مراعٍ وتلال معشوشبة ومستنقعات وآجام (0.1 %).
أما من حيث المواصلات، فما زالت البوسنة والهرسك تعانى نتائج الأحوال المعاكسة السابقة، وبخاصة في شبكة المخطوط الحديدية. فقد كان في البلاد سنة 1159 م:2.111 كليو مترًا من السكك الحديدية منها 1.339 كيلو مترًا
من المقاس العادى و 722 كيلو مترا من المقاس الضيق.
وبلغ مقدار الإنتاج القومى في البوسنة والهرسك في غضون عام 1956: 215.639 مليون دينار. وأهم المصادر والمقادير (بالمليون) التي ساهمت بها كل صناعة هي كما يلي:
الصناعة والتعدين 108.446
الزراعة 46.828
البناء 11.154
المواصلات 19.877
الأحراج 10.041
الصناعات اليدوية 5.653
التجارة والتموين 13.640
وما ورثه الشعب من التطور الناقص في شئون البلد الاقتصادية، ورث مثيله من التخلف في الثقافة، وخاصة في أنحاء الريف. فقد أنشات حكومة النمسا والمجر مدارس ابتدائية تشرف عليها الدولة، ولم تلغ المدارس الطائفية. وأدخل نظام التعليم الابتدائى الإلزامى في البوسنة والهرسك سنة 1911 م.
غير أنه في سنة 1912 - 1913 كان عدد المدارس الابتدائية التي تشرف عليها الدولة 374 مدرسة فقط. وكان العدد القليل من المدارس التي تشرف عليها الدولة يضاف إليه المدارس الطائفية يمكنه أن يستوعب 18.55 % من مجموع التلاميذ في سن التعليم ليس غير. واعترفت الحكومة الملكية اليوغوسلافية بالمدارس الابتدائية للدولة دون غيرها، ومع هذا فلم يكن يستطيع أن يلتحق بها إلا ثلث الأطفال الذين في سن التعليم. وفي عام 1938 - 1939 م كان عدد المدارس الابتدائية 1.092 مدرسة فقط، وكان هو السبب في ارتفاع معدل الأمية في ذلك الوقت. ورغم الجهود العظيمة التي بذلت بعد الحرب العالمية الثانية لزيادة عدد المدارس وخفض أمية البالغين فقد دلت إحصائيات سنة 1953 م على وجود 225.000 من الأميين الذكور و 615.000 من الاناث في البوسنة والهرسك من مجموع 2.116.000 فردًا فوق سن العاشرة.
وبذلت سنة 1945 وما بعدها جهود خاصة لرفع مستوى الإلمام بالقراءة والكتابة والتعليم في البوسنة والهرسك، وهكذا بلغ مجموع المدارس الابتدائية جملة واحدة 2.406 مدرسة (ويتضمن ذلك التعليم التكميلى ونظام الثمانى سنوات) و 37 معهدًا (مدرسة ثانوية تدرس فيها اللغتان اللاتينية واليونانية القديمتان) و 159 مدرسة للتدريب المهنى و 57 من مدارس أخرى. وكان للبالغين 26 مدرسة أولية على نظام السنتين و 10 مدارس ثانوية و 22 مدرسة صناعية للصناع و 19 للصناع المهرة و 11 مدرسة أخرى. وأنشئت في سراييفو بعد الحرب بزمن جامعة ذات سبع كليات وكذلك أكاديمية للموسيقى ومعاهد للعلوم. وفي البوسنة والهرسك، فوق ما ذكر، ثلاث كليات للمعلمين، وكليات عليا للتدريب المهنى وستة مسارح 60 مكتبة للعلوم و 325 مكتبة عامة و 18 متحفًا ومحطة إذاعة لاسلكية.
المصادر:
(1)
Statistichki godishnjak FNRJ za 1958 بلغراد سنة 1958.
(2)
Rezultaki papisha stanovnishtva Vi - الكتاب الأول، 1953 سنة talna i etnichka obelezhja تحت الطبع) (يعد مكتب الإحصاء الفيدرالى في جمهورية يوغوسلافيا الشعبية بحوثًا مفيدة بالإنجليزية والفرنسية) Informationi Podci o srezoima (يصدره مكتب الإحصاء في البوسنة والهرسك)، سراييفو، 1958.
(3)
nciklopadija Jugoslavje المجلد الثاني (انظر مادة البوسنة والهرسك) زغرب، سنة 1956.
2 -
تاريخ البوسنة والهرسك تحت الحكم العثمانى.
(1)
أثناء قيام سلطان الأتراك.
كان رسوخ قدم الإسلام في البوسنة والهرسك مقترنًا بقيام الحكم التركى وتوطد دعائمه. وقد حدث الغزو التركى الأول سنة 788 هـ (1386 م) في حكم الملك تفرتكو الأول أول ملوك البوسنة (1353 م 1391 وملك من سنة 1377 م) عندما كان في أوج قوته. ووقع الغزو الثاني سنة 790 هـ
(1388 م) عندما هزم الفويفود فلاتكو فوكوفتش الجيش التركى. وفي السنة التالية اشترك جيش بوسنوى في معركة قوصوه ليشد أزر لازار الدوق الصربى وجرح السلطان مراد جرحًا مميتًا أثناء سير المعركة ومات عندما انتهت. ولكن الأمير بايزيد نجح في استخلاص النصر، ووقع الدوق لازار أسيرًا، واعترف خلفاؤه بعد وقعة قوصوه بالسيادة التركية. وأضعف أتباع الملك الصربيون مركز البوسنة إضعافًا شديدًا. وسُمح لخلف الملك تفرتكو أن يحكم الأراضي التي كانت تابعة له بالفعل. ولكن القسم الأكبر من البوسنة كان تحت سلطان أعضاء من مجلس الأشراف يمارسون فيها سلطات كاملة، كل في ولايته. ونجم عن فتح الترك سكوبيه (وبالتركية أسكوب) سنة 794 هـ (1392 م) إقامة تخوم تركية تحيط بالصرب والبوسنة، وأصبحت سكوبيه قاعدة الحكم لأول سنجق- بكى وهو باشا يكت، الذي خلفه ابنه إسحاق. وتوالت غارات الأتراك بعد سنة 148 هـ (145 م) وكان من أثرها ازدياد الشعور بالنفوذ التركى في الشئون الداخلية للبلاد، وتفاقمت الشحناء بين بارونات البوسنة والمطالبين بالعرش، وما إن تولى تفرتكو الثاني الملك (1420 - 1443 م) حتى اعترف بالسيادة التركية. وخضع ملوك البوسنة (من سنة 832 هـ = 1428 - 1429 م). للجزية التي فرضها الأتراك الذين احتلوا بصفة مؤقتة بعض المدن ووضعوا حاميات فيها في مناسبات كثيرة. ولم يكن قبل منتصف القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) أن استقر للأتراك قرار راسخ في مدينة هودبجد وما جاورها من البلاد (في ناحية سراييفو الحالية) حيث أقام عيسى بك ابن إسحاق حاكم سكوبيه ثغرا (بلدًا على الحدود) وتولى أمرها تحت الإشراف المباشر لموظف تركى من رتبة عالية بلقب فويفودا. وكانت هذه المساحة من الأرض تحت إشراف مزدوج، ذلك أن السادة البوسنويين للنواحى المجاورة كانوا تابعين للترك.
وهذه المنطقة الإدارية مقيدة في سجلات ضرائب الأملاك التركية لسنة
859 هـ (1455 م) ولكن لم يذكر فيها شيء عن محلة باسم سراى أوواسى. مع وجود ناحية مسجلة بنفس هذا الاسم. ومع ذلك فاصول سراييفو تعود إلى ما قبل انهيار مملكة البوسنة نهائيًا، إذ ورد ذكر لبليدة سراى أوواسى في سجلات سنة 866 هـ (1362 هـ).
وكان على عرش البوسنة وقتئذ ستيفان توماش (1443 - 1461 م) الذي اعتمد على مساندة الغرب ولكنه عجز عن إبراء ذمته من تعهده بأداء جزية للأتراك. وفي تلك المناسبة لم يطالبه البابا بالدخول في المذهب الكاثوليكى فحسب بل طالبه أيضًا بقمع "الزندقة" وهي عقيدة تأصلت جذورها رغم الاضطهادات المستمرة وأصبحت هي العقيدة الرسمية للبلاد. ولم يكن من الملك. على تردده، إلا أن أمر آخر الأمر باضطهاد هؤلاء الزنادقة الذين التجأوا إلى النواحى التي يحكمها الأتراك والإقليم الذي سمى فيما بعد الهرسك- واستمر الترك بعد ذلك يستغلون الخصومة الدينية في المملكة والخلافات الاجتماعية أيضًا. وانتهت محاولة ضم مملكة البوسنة إلى الصرب - التي كانت تحكم حكمًا استبداديًا عن طريق زيجة مدبرة بين ستيبان توماسيفتش ابن الملك وأميرة صربية- بسقوط الدولة الاستبدادية وعاصمة بلادها سمدريفو (1459 م)، واعتمد ستيبان توماسيفتش على عون الغرب أكثر مما فعل أبوه.
ولما رفض الملك سنة 867 هـ (1463 م) أداء الجزية قامت الجيوش التركية بقيادة السلطان نفسه بغزو بلاد البوسنة وفتحها سريعًا. وما كادت الجيوش التركية تنسحب حتى زحف ملك المجر ماتيوس كورقينوس على بلاد البوسنة واحتل مدينة يايجه والنواحى التي تتاخمها. وفي السنة التالية استولى المجريون على سربرنك وأنشأوا فيها ولايتين (بانتين بالصربية الكرواتية) جعلوا قاعدة إحداهما في يايجه والأخرى في سربرنك -وتكونت من ذلك ثغور للمجر يعززها الحزام في الجنوب من نهر سافا- ومن هناك كانت تشن الغارات الكثيرة خلال القرن
التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادي) والتي بلغت مداها باحتلال سراييفو ثلاثة أيام. وأقام الملك ماتياس أحد باروناته ملكًا على البوسنة، وكان الترك قد أقاموا على النواحى التي احتلوها في الماضي ابن عم للأسرة السابقة. وأسسوا مملكة اسمية لم تدم إلا إلى سنة 881 هـ (1476 م).
وكان محمد بك مينت أوغلى أول سنجق بكى للبوسنة سنة 886 هـ (1482 م) وأنشئ سنجق الهرسك سنة 874 هـ (1470 م؛ وفتح الترك باقي الهرسك في آخر سنة 886 هـ- 1482 م) ثم أنشئ سنجق آخر بعد ذلك جعل مركزه في تسفورنيك وسقطت ولاية سربرنك في أيدى الترك سنة 918 هـ (1512 م) واستولوا كذلك على يايجه وبنالوقه بعد وقعة موهاكس (سنة 1527 أو 1528 م) ومن البوسنة نفذ الأتراك إلى لبكا واحتلوا الجزء الأكبر من دلماشيا بما فيه قلعة كليس. واشترك السنجق بكى البوسنوى في فتح سلافونيا.
وكانت سراييفو حتى منتصف القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) مقر سنجق البوسنة، وأقيم فيها كثير من الأبنية الفاخرة المهيبة. أنشأها السنجق بكى غازى خسرو بك، الذي جاءها في وظيفة سنجق بكى سنة 926 هـ (1520 م) وتوفي سنة 948 هـ (1541 م). وأصبحت سراييفو في ذلك الوقت مكانًا كبيرًا هامًا، ومع ذلك فقد نقلوا مقر الحكم إلى بنالوقة (حوالي منتصف القرن العاشر الهجرى = السادس عشر الميلادي) وتم تخطيطها وبناؤها لتكون مدينة إسلامية على يد فرهاد (صوقوللى) حاكم البوسنة الذي أصبح أول باشا بوسنوى (بكلربكى). وفي سنة 988 هـ (1580 م) أنشئت إيالة البوسنة، وجعلت بنالوقة قاعدتها. وكانت تضم سبعة سناجق (البوسنة والهرسك، وكليس، وكركا، وبكرك، وتسفورنيك، وبوركا) كما كانت تضم علاوة على مساحتها الحالية أجزاء من سلافونيا، ولبكا، ودلماشيا، كما تضم نواحى على حدود الصرب. وفي أوائل القرن الحادي عشر الهجرى (أواخر القرن السادس عشر الميلادي) كان في
الولاية ثمانية سناجق. وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي عشر الهجرى (أوائل القرن السابع عشر الميلادي) ضم سنجق بوزكا إلى إيالة كانيتسه المنشأة حديثًا.
وجاء الفتح العثمانى بتغييرات كبيرة في النظم الاجتماعية للبوسنة والهرسك، وفي الوقت الذي خضعت فيه البوسنة والهرسك للسيطرة التركية، كانت قواعد بناء وتنظيم الإمبراطورية العثمانية قد استكملت.
وبعد أن تم للترك فتح البلاد، بدأوا بإدخال نظامهم الاجتماعى فيها وفرضوا حكومة مركزية صرفة، وأسلوبهم العسكرى، ونشأت عن ذلك تغييرات في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وتولى الحكام الجدد استخراج المعادن، وهو يلي الزراعة أهم فروع نشاط البوسنة الاقتصادى السابق. وصارت المناجم جميعها ملكًا للسطان، وأدبرت أيام ارباب الإقطاع العظام أولى القوة الذين كانت لهم السيادة في إقاليمهم، ودخل نظام التيمارات التي تشرف عليها سلطة مركزية في العلاقات الزراعية الخاصة بتوزيع الأراضي. وكان يدير شئون السناجق حكام يباشر الإشراف عليهم السلاطين، الذين كانت لهم أعظم الدخول بعد الأباطرة، وكان استبدال الحكام عندهم يحدث أكثر مما يجب. ومن الناحية الأخرى خف الضغط عن الفلاحين وابتدأت تربية الأغنام في التحسن، أما في الريف فقد أصبح الغالب عليه الاستقلال الذاتى وأساليب الحياة على النظام الأبوى.
وحدثت في نفس الوقت تغييرات دينية وسلالية شملت السكان جميعًا. ودخل الناس في الإسلام أفواجًا، وتحسنت الفلاحة الحيوانية تحسنًا ملحوظًا في بعض الجهات الجبلية، وبخاصة في الهرسك. وأعيد توطين مربى الأغنام في النواحى التي امحلتها الحروب وغيرها. وانقلب ألوف من مربى الأغنام فلاحين بعد ما استوطنوا الأراضي الخصبة، وتوفرت بذلك قوة بشرية لاستصلاح مساحات من الأراضي التي تخربت. ونظرًا للأهمية الكبيرة المتعلقة بعملهم كمستوطنين،
فقد سمح للمستوطنين أن يحتفظوا بامتيازاتهم السابقة في تربية الأغنام. ومع هذا فإن نمو النظام الإقطاعى واستتباب الأحوال قد جعلا الكثير جدًّا من المستوطنين رعايا عاديين. ولما كان معظم هؤلاء المستوطنين من الصرب الأرثوذكس، فقد عادت الجهات التي خوت من الصرب، آهلة بهم من جديد.
ومن الناحية الأخرى فإن دخول الناس في الإسلام قد أعان ديانة الحاكمين على اكتساب أشياع وأتباع من جميع الطبقات: فلاحين وسادة إقطاع وسكان مدن. ولم يكن إسلام أهل البوسنة والهرسك موضوع بحث شامل كامل حتى الآن، ولذلك بقى مشكلة تترقب الحل. وكان الرأى المقبول السائد قبل الحرب العالمية الأولى أن أتباع الكنيسة المنشقة المسمين بالبوكوميل دخلوا في الإسلام جماعات زعمًا بتماثل في الرأى حول القانون الأخلاقى، وللاضطهادات الدينية التي قامت بها كنيسة رومة ضدهم. وما زال هذا رأى جمهرة من العلماء (أ. سولوفيف Solovjev وآخرون). فدخول الناس في الإسلام جماعات سمح لنبلاء البوسنة بالاحتفاظ بأملاكهم، وبقى النمط التقليدى لملكية الأراضي في البوسنة والهرسك على حاله لم يصبه تغيير حتى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي). وكان دخول نظام التيمار بمثابة بناء يقام فوق بناء. ومن كبار المعضدين لهذه النظرية ش. تروهيلكا Truhelka. فالبوسنة على رأى تروهيلكا وغيره كانت تتمتع من أول الأمر بمنزلة خاصة بذاتها في الإمبراطورية العثمانية.
وفي فترة ما بين الحربين العالميتين نهض بعض العلماء اليوغسلافيين (ف. جوبر يلوفج، وفـ سكاريج) إلى البرهنة على أن هذه الاراء لا أساس لها. وكان من رأيهم: (أ) أن الإسلام دخل شيئًا فشيئًا. (ب) أن نبلاء البوسنة لم يحتفظوا بأملاكهم بعد الفتح بسبب قيام نظام التيمارات. و (جـ) أن مسوغات ملكية الأراضي مثل تلك التي سادت في القرن الثامن عشر واستمرت إلى القرن التالي، كانت قد تطورت
تطورًا تدريجيًا فحسب ضمن إطار نظام تقسيم الأراضي الزراعية القديم.
واتجه اهتمام المؤرخين اليوغوسلافيين المحدثين إلى مصادر تركية من الطراز الأول وبخاصة سجلات الأملاك العقارية الخليقة بأن تلقى ضوءًا على تاريخ الشعوب اليوغوسلافية في المدة التي نحن بصددها. ومع هذا، فنتائج هذه البحوث لم تعلن كلها بعد.
وعندما كان الأتراك يحتلون جانبًا من البوسنة قبل سنة 867 هـ (1463 م) لم يكن هناك تيمارات سباهية في الثغور التي يسيطر عليها عيسى بك، وكانت التيمارات الموجودة ملكًا لرجال من حامية القلعة في هوديدجد. زد على ذلك أنه كان هناك عدد من السباهية، معظمهم مسلمون وقليل منهم مسيحيون، ضمن أملاك عيسى بك في داخل الثغور. أما بعد الفتح فإن معظم السباهية كانوا يؤخذون على الأخص من هنا ومن مقدونيا ثم من الصرب ومن بعض المناطق الأخرى. وكان بين السباهية الذين يرسلون إلى البوسنة كثير من أصل صقلبى. وبعد تصفية زعماء ممثلى طبقة النبلاء البوسنويين القديمة أثناء الفتح وبعده، أبقى الأتراك. أول الأمر لأفراد قليلين من أسر النبلاء ولعدد لا بأس به من ملاك الأراضي الإقطاعيين القدامى الأقل شأنًا، أملاكهم. وكذلك منح الفاتحون أراضى لمشايخ مربى الأغنام. وإلى هذا يعزى وجود الكثير من السباهية المسيحيين في ذلك الوقت، وبخاصة في الهرسك.
وجاء انحياز أصحاب الإقطاع البوسنوى إلى جانب الأتراك مبكرًا بعض الشيء، في وقت كان لامناص لهم فيه من الاعتماد على نفوذ الترك في تسوية المخاصمات. ولهذا قيدت أرض أسرة دوقية بافلوفتش في سجلات الأملاك العقارية سنة 859 هـ (1455 م) باعتبارها أرضًا تؤدى الجزية جملة واحدة (مقاطعة؛ انظر: باشوكالت أرشيوى، ماليه، دفتر رقم 544). وظل الحظر السياسي الذي يسير عليه هرسك ستيبان مدة طويلة معتمدًا كل الاعتماد على الأتراك. وكذلك
كان على أبنائه أن يعتمدوا بعض الوقت على الأتراك، أما ابنه الأصغر فقد انحاز إلى الأتراك واعتنق الإسلام وتقلد منصب الصدارة العظمى خمس مرات في حكم بايزيد الثاني وسليم الأول باسم هرسك زاده أحمد باشا. وتقلد عدد كبير من مواطنى البوسنة والهرسك التابعين إلى أسر إقطاعية إسلامية وغلمان جندوا من بين الرعايا طبقًا لنظام الدوشرمة وعلموا في البلاط، مناصب الوزارة والصدراة العظمى، فمحمد باشا سوكولوفتش (صوقوللى) وهو من رجال الدولة العثمانية الأوائل اللذين ولوا منصب الصدارة العظمى (972 هـ / 1564 م 987 هـ / 1579 م) كان سليل أسرة صربية ذات جاه، وكان ذوو قرباه المسيحيون بطارق في الصرب بعد عوده بطريرقية بج. ثم إن صلة الدم والنسب بين رجال من سلالات بوسنوية تقلدوا مناصب رفيعة وبين ذوي قرباهم، قد ساعدت إلى حد كبير في رفع اقدار بعض الأسر البوسنوية.
ومع أن صفوف السباهية كانت إلى حد ما، تملأ بوافدين من الأجانب إلا أن الغالبية كانت من سلالات وطنية تجمع من بين إقطاعيى البوسنة القدامى أو من السباهية الجدد الذين أقيموا اثناء الحكم التركى. ورصدت السجلات العقارية الأولى لسنجق البوسنة أسماء مسلمة السباهية وذوى قرباهم من النصارى، كما وجدت كذلك أسماء افراد أسرهم كاملة مجتمعه حول أسماء بعض أصحاب المناصب البارزين (انظر: باشوكالت أرشيوى، طابو دفتر 18 و 24) وكانت أملاك السلطان في البوسنة في تلك المدة واملاكُ السنجق بكية تتاخم عددًا من جفتلكات يمتلكها ملاك إقطاعيون وغيرهم كما كان لبعض السباهية جفتلكات علاوة على مالهم من تيمارات، ولو أن القاعدة في معظم هذه التيمارات أن لا تشتمل على جفتلكات. وكانت الجفتلكات أملاكًا تورث، وظل هذا حالها حتى لو فقد السباهى حقه في التيمار. والظاهر بعامة أن عددًا من الإقطاعيين الأوائل الذين دخلوا في الإسلام قد احتفظوا بأراضيهم الموروثة على شكل جفتلكات، وكانت هذه رغم
ذلك قليلة العدد وتتكون من أملاك صغيرة. فالنظرية والحالة هذه لاتكاد تدعم ماذهب إليه تروهلكا من أن النبلاء البوسنويين بقوا محتفظين بأملاكهم وقت الفتح وأنهم نجحوا في الاحتفاظ بها حتى القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) والواقع أن عدد الجفتلكات استمر في الزيادة ولو أنها زيادة طفيفة، حتى بداية القرن العاشر الهجرى (نهاية القرن الخامس الميلادي) وهنالك ألغيت الجفتلكات التي من هذا القبيل آخر الأمر في عهد السلطان سليمان القانونى. ومع هذا فقد قدر لهذه الجفتلكات أن تكون قاعدة ونمطًا من الماضي للتطور المقبل في العلاقات الزراعية الخاصة بتقسيم الأراضي.
وكان أن أصبح نسل السباهية المسيحيين وأفراد الأسر التي أسلمت الذين ارتفعوابنصيبهم تحت الحكم التركى من السباهية والزعماء ودزدارية قلاع وأصحاب مناصب سامية. ويسّرت الأهمية المعطاة للبوسنة، باعتبارها من أرض الثغور، للمسلمين الارتفاع إلى مراتب النفوذ والسلطة، والحقيقة أنه بعد إيغال الجيوش التركية وغزو مناطق تحت حكم المجر، أمر الكثير جدًّا من السباهية أن يستوطنوا الأقاليم المفتوحة حديثًا، ولكن هذا لم يأت بنفس النتائج التي أتى بها في الصرب، حيث توقف دخول التاس في الإسلام منذ غزا الأتراك المجر. وكان إسلام الناس في البوسنة والهرسك قد تسبب في خلق قاعدة عريضة من المسلمين المجندين، لا من أهل المدن فحسب بل من الفلاحين أيضًا.
وبدأ قبل الفترة السابقة على الغزو التركى خلق الظروف الضرورية لتطوير جماعات المدن في البوسنة بأسباب التطور والنماء بعد أن توطد الحكم التركى. وكانت الصناعات التركية الدقيقة -وبخاصة الصناعات اليدوية التي يمتاز بها الشرق الأدنى- أرقى من مثيلاتها في البوسنة في فترات سابقة. وحصل بذلك تطور سريع في الصناعات اليدوية والحرف ذات الطابع الشرقي أثناء القرنين
الأولين من الحكم التركى، وتقدمت سريعًا الصناعات المتصلة بإنتاج الجلود وصياغة الذهب والمهن المتصلة بإنتاج المعدات الحربية ومستلزمات أهل المدن. وكانت صناعة التعدين العثمانية من الناحية الأخرى أقل تطورًا عما كانت عليه في البوسنة أو الصرب حيث كان المستوطنون السكسون قد أدخلوا أصولهم الفنية وقواعدهم في التعدين. ونظرًا لما أدخلته السلطات التركية من النظم الإدارية البيروقراطية في مناطق المناجم التي أدمجت في أملاك السلطنة (خاص) انتكست صناعة التعدين في القرن الأول من الحكم التركى وهبط الإنتاج تبعا لذلك، ثم هبط بنوع أخص في حصيلة المعادن الثمينة. وزاد إنتاج الحديد مع هذا زيادة ضئيلة. ولهذه الأسباب كان نمو المدن في البوسنة والهرسك أثناء الحكم التركى مقترنا (بصرف النظر عن الاعتبارات الحربية التي كانت أهم العوامل في تحديد مواقع المدن وبنائها) لا بتنمية صناعات التعدين، بل مقترنا أكثر من ذلك بتقدم الحرف والصناعات المتعلقة بها. وكانت المدن التي يقيمها الأتراك تقع كلها في المواقع التي تهيأ فيها جودة المواصلات. وعلى مدى النصف الثاني من القرن العاشر (الخامس عشر الميلادي) كان دخول الإسلام في مدن أسواق التعدين في البوسنة القديمة بطيئا وكان أقل تمهيدًا إلى تطورها مما كانت عليه الحال في المدن الجديدة التي بناها الأتراك على مواقع مدن أسواق سابقة. وهناك مثال جيد لذلك هو سراييفو وبنالوقة من بين مدن أخرى اتسعت وتطورت إلى مراكز للحرف ومحال للصناعات، لكونها كانت مراكزًا للسلطات التركية والحاميات الحربية. وعلاوة على الموظفين المدنيين من المسلمين والجنود استمر سكان أمثال هذه المدن في الازدياد بسبب هجرة المسلمين إليها من أماكن شتى حاملين معهم عادات وأساليب شرقية في الحياة. وفي بادئ الأمر كان تجار دُبروفنك هم الوحيدين أصحاب التجارة الواسعة.
وكان إنشاء أهم مدن البوسنة والهرسك من ابتكار ولاة أفراد، وفي داخل هذه المدن وحواليها قامت أملاك هؤلاء الولاة، ومصانعهم، ودورهم، وحماماتهم، ودكاكينهم التي كانوا
يوصون بها ويتركونها في حياتهم وقفًا على أعمال البر والصدقات. وهكذا بنيت مساجد كثيرة وتكايا ومدارس دينية ومكتبات ملحقة بالمدارس والمساجد، وأدخلت طرق الدراويش طقوسا صوفية وشعائر أعجب بها سكان المدن. ومجمل القول أن مدن البوسنة والهرسك أصبحت معاقل للقوة التركية وموائل للثقافة التركية. وكذلك كان للمدن تأثير على الريف، فاجتذب أعدادًا كثيرة من الفلاحين وناسا من البقاع الريفية. وكان معظم المهاجرين فلاحين أسلموا، وغير مسلمين لم يلبثوا أن دخلوا وشيكا في الإسلام. وكان النصارى واليهود من أهل المدن قلة. وتزودنا أقدم سجلات العقارات التركية في البوسنة والهرسك بأدلة من الوثائق تثبت موضوع الجدل بأن الإسلام الجماعى كان منشؤه في المدن والنواحى الريفية التي تكتنفها. وتشير السجلات إلى أن الفلاحين الذين دخلوا في الإسلام في سنجق البوسنة إنما كانوا في أول هذه الفترة حول مدينة سراييفو فحسب. وفي سنة 894 هـ (1489 م) كان في سنجق البوسنة أكثر من 25.000 دار للمسيحيين ونحو 1300 للأرامل المسيحيات وأكثر من 4000 للعزاب منهم، وذلك بالمقارنة بما يقرب من 4500 منزل للمسلمين وفوق 2300 للعزاب منهم (انظر: باشوكالت أرشيوى. طابو دفتر رقم 24) وتدل السجلات الأولى لسنة 882 هـ (1477 م) للعقارات في سنجق الهرسك (طابو دفتر رقم 5) وكذلك في غيرها من سجلات العقارات أن اعتناق الإسلام لم يكن ابن لحظة، ولا يوجد أي دليل يؤيد الزعم القائل بأن حشودا من الأشياع التابعين لكنيسة البوسنة المنشقة كانوا منضمين إلى الفاتحين. ولم يكن ليوجد مؤمنون مخلصون لكنيسة البوسنة (كريستيانى) في غير بعض قرى الجبال في الهرسك، كما أن بعض المؤمنين بكنيسة البوسنة (كريستيانى) كانوا مقيدين على اعتبار أنهم يعيشون في قرية مهجورة في سنجق البوسنة. وكانت هذه هي الحالة الوحيدة. ويبدو أن اضطهاد عشرين سنة لهراطقة البوسنة في أيام الملك ستيبان توماش والملك ستيبان توماشيفتش قد شتت شمل كنيسة
البوسنة الهرطيقية. ولا شك أن تحول هرسك ستيبان فوكجيش قد ساهم أيضًا في توهين مركز كنيسة البوسنة في الهرسك. وقد اعترفت الحكومة التركية بالكنيسة الصربية الأرثوذكسية، وتمتعت الكنيسة بموجب براءة سلطانية بحقوق وميزات كبيرة. ومنح السلطان محمد الثاني الفاتح الكنيسة الكاثوليكية أيضًا بعض الامتيازات. ويتضح من المعلومات الواردة في سجلات العقارات أن المؤمنين المخلصين لكنيسة البوسنة قد اعتكفوا في نواح نائية منعزلة في الهرسك. وليس ثمة شاهد مسجل عن قيام أي تحول إلى الإسلام في تلك الأنحاء ولا من السكان في ذلك الوقت. والذي يستخلص من ذلك أن هراطقة البوسنة في معظم المناطق كانوا قد ثابوا إلى الحظيرة (أرثوذكس أو كاثوليك) مما يستبعد معه تحول أتباع كنيسة البوسنة تحولا جماعيا إلى الإسلام.
ومع هذا فالراجح أن الاضطهادات السابقة من جانب الكنيسة الكاثوليكية مع الضغط الذي احتجت عليه الكنيسة الأرثوذكسية صاحبة الحق في تحصيل أموال الكنيسة، خلقت ظروفًا عملت على تحويل التابعين السابقين لكنيسة البوسنة إلى الإسلام، ومهما يكن الأمر فإن تطور المدن إلى مراكز للإسلام وتأثيرها على القرى المجاورة قد أدى إلى انتشار الإسلام باطراد بين فلاحى بعض المناطق منذ القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر للميلاد)، وهكذا وضع الأساس لاعتناق عدد عظيم من أهل القرى للإسلام. واتخذت في أيام سليمان القانونى التدابير للحد من تزايد سلطان الاقطاعيين التي كانت قد دخلت كلها في الإسلام قبيل ذلك، فألزم سباهية البوسنة بالانتقال إلى الأراضي التي فتحت حديثًا، وانتقلت التيمارات الشاغرة إلى سباهية من نواح أخرى وغير الوضع في الجفتلكات وصارت أراضى رعايا، ولم يكن إلا وقتئذ، ثم بعد ذلك على نطاق واسع، أن استحوذ الكثير من ندماء البلاط على أملاك في البوسنة عن طريق الابتزاز والرشوة. ومع هذا، فلم يكن بد في نفس الوقت من المهادنة نظرًا لضرورات الدفاع وخاصة على الثغور ولوجود
مساحات كبيرة من الأراضي المخربة. وعلى مدى النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) استمر عدد الجفتلكات التي في حوزة أرباب الإقطاع وضباط الجيش في الازدياد، وبخاصة في نواحى الحدود. وكان منصب قبودان خاصًّا فيما سبق بالخدمة على الأنهار في الثغور، ثم أصبح قائدا للحصون وأعمال الدفاع في ناحيته. وكان يمكن لطبقة الاقطاع الوطنية أن تعتمد دائمًا على منصب القبودان إن شاءت عونا مجديًا. وأضفى إنشاء إيالة البوسنة كثيرًا من الأهمية على النبلاء الوطنيين.
وأثبت النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) أنه فترة نمو سريع وتطور في بعض مدن البوسنة. وأعقب ذلك زيادة مطردة في حجم التجارة مع المدن الايطالية، يقوم بها تجار من البلاد ذوو عزم، وتجار كبار من دبروفنك، وتمتع السكان المسلمون باعتبارهم الأغلبية مميزات معينة، وعاشوا في إحياء خاصة بهم بمعزل عن النصارى، وأغلقت بعض نقابات المهن أبوابها نظرًا لتدفق وافدين جدد، ومن هذا القبيل هجرة سكان مسلمين إلى أماكن ومدن فيما وراء نهر سافا.
وظهرت في النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) أمارات أزمة في الكيان الإدارى العثمانى العام؛ وازدادت ظهور، في مالية البلاد. وكان من نتائجها إضعاف كبير للقوة الحربية التركية. وظهر أثر الأزمة في البوسنة أيضًا. وانتهت آخر المغامرات الحربية الهجومية بقيادة حسن باشا بريدويفتش بكلر بكى البوسنة بالاستيلاء على بهاج، وفي السنة التالية (1002 هـ - 1593 م) منى جيش من البوسنة بقيادة حسن باشا بهزيمة فادحة عند سيساك جرت في أعقابها الحرب بين آل هسبورغ وتركية.
(ب) فترة الأزمات في الدولة التركية وهزائم العثمانيين الحربية:
بقى الكيان الإدارى وحجم إيالة البوسنة، اللذان أخذا شكلًا محدد، في مطلع القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي)، دون تغيير
حتى نهاية القرن تقريبًا. وكان حاكم الولاية في هذا الوقت يحمل لقب وزير، ونقل مقر الحكومة من بنالوقة إلى سراييفو سنة 1049 هـ (1639 م).
وانعكست الأزمة الاقتصادية والمالية للإمبراطورية العثمانية والصدوع التي أصابت الكيان العثمانى على الأحوال السائدة في البوسنة أيضًا، حيث توالت الاضطرابات واستفحل الفساد. وكان لا بد للحكومة المركزية -نظرًا للصعوبات المالية وارتفاع تكاليف الإشراف على مساحات شاسعة من الأقاليم المحتلة- من أن توسع نظام تأجير الدخول الخاصة والهمايونية جميعها لآجال مسماة وأن تزيد الضرائب وتفرض أخرى جديدة. واتسع نظام التأجير لآجال حتى شمل تأجير الضرائب المحلية بل إيرادات التيمارات والزعامات التي اهتبلها ندماء السلاطين وكبار الموظفين الملحقون بالمكاتب المركزية وكثير من الرجال المشهورين في العاصمة. وأصبح النظام البيروقراطى المتمركز الذي كان المقصود به قمع الطغيان وكبح جماحه، مصدرًا للفساد تمارسه السلطات المحلية أيضًا. ومن النصف الثاني للقرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) فصاعدًا ازدادت الأعباء المالية واستغلال الرعايا (الفلاحين) ووقع العبء على مربى الأغنام بالمثل في النواحى المستقلة ذاتيًا، وكانت الحرب الطويلة (1593 - 1606 م) تستنزف باستمرار الموارد التركية والقوة البشرية. وكان على البوسنة أن تتلقى صدمات الحرب في مركزها المعرض للخطر. وبسبب الحرب اشتد القلق. وكثرت الفتن من جانب أهل الصرب في الهرسك أثناء الحرب وبعدها. وطوال العقدين الأولين من القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) أرسل ثوار سابقون من الأناضول إلى البوسنة ليكونوا ولاة عليها، فارتدوا في البوسنة ثوارًا كما كانوا، وكانوا يستطيعون دائمًا الاعتماد على عون جموع كبيرة من الساخطين من طبقة السباهية الوطنيين الذين اشتد بهم الغضب والبغضاء لما كان ينعم به على ندماء السلطان والقريبين من السلطات المركزية من تيمارات وزعامات، ومن ثم
أتيح المجال للأفراد والبيروقراطيين المحليين أن يستولوا على أملاك في حجم عدة تيمارات معًا. وكان الولاة الترك -الذين كانت مدة حكمهم قصيرة إلى حد ما - شديدى الرغبة في جمع الثروات واستغلال البلاد لمآربهم الذاتية، مثلهم في ذلك كمثل كبار الموظفين الذين ترسلهم الحكومة للتحرى عن سوء التصرف وتقصى أسباب الاضطراب.
واستمرت طبقة الإقطاع الوطنية -رغم قيام الأحوال التي من هذا القبيل- في نمو وازدادت قوة ونجح تحويل أراضى الفلاحين إلى جفتلكات تملَّكها الولاة العسكريون والسباهية والمواطنون الموسرون كما نجح نقل ملكية الأملاك الحرة الموروثة (بشتينا) التي كانت لرؤساء القرى (كنز إس) وأراض أخرى من غير هذا القبيل. وكان يطلب من الفلاحين مستأجرى مثل هذه الجفتلكات (جفتجى، كمك) أن يوردوا لصاحب الجفتلك ثلثا من ريع (وفي فترة متأخرة عن ذلك خمس، وفي بعض الحالات تسع) محصولهم. علاوة على إجبارهم على العمل في الجفتلكات التي يملكها صاحب الجفتلك خاصة لنفسه. وأمثال هؤلاء المستأجرين ملزمون بدفع العشر والسالارية وباقي المكوس وعوائد نظام التيمارات إلى السباهية (أصحاب الأرض) إذا كان الجفتلك جزءًا من تيمار أو زعامت كما كانت الحال في معظم الأحوال. واتسع نظام حكومة القبودانات حتى طبق في النواحى الداخلية للبلاد، ذلك أن الحكومة المركزية كانت عاجزة عن تهيئة الوسائل للاحتفاظ بجيش من المرتزقة بالحجم الذي تدعو إليه الحاجة. وما إن بلغت الأمور هذا الحد حتى تغطرس القبودانات وصاروا يضربون بأوامر الباشوات عرض الحائط.
وأذعن السلطان أحمد (1603 - 1717 م) لمطالب سباهية البوسنة الذين كان يؤيدهم الباشا، وأصدر فرمانًا قرر فيه الحق في توارث التيمارات في الأسرة (أوجاقلق) متى كان الوارث من أبناء أو إخوة المتوفى أو من ذوي قرباه الذين يعيشون في الأسرة (أوجاق).
وأثرت التغييرات في ملكية الأراضي وفي السياسة الاقتصادية على الفلاحين المسيحيين بنوع خاص؛ وقلما تدخل أحد في أراضى الفلاحين المسلمين. ووسعت الضرائب المتصاعدة والاستغلال المتزايد من شقة الانقسام الموجود بين طبقتى الفلاحين. ومن ثم كثر فرار الفلاحين النصارى عبر الحدود وازداد الخارجون على القانون (بالتركية: حيدوت) الذين عملوا قطاع طرق وهددوا الأمن في الطرق.
وصارت الاتجاهات نحو تطوير الزراعة وغيرها من فروع الاقتصاد القومى التي تجلت في فترة مبكرة، أشد ظهورًا أثناء النصف الثاني من القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) وأثناء القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي). وأخذت صناعة التعدين في التدهور ووصلت في آخر القرن إلى الحضيض. ونمت المدن وتطورت في النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي نتيجة لاتساع الصناعة والتجارة. وثبت أن افتتاح ميناء أسبليت (1592) -المنافس لميناء دبروفنك- حادث ذو أهمية عظيمة في تجارة البوسنة. وخضعت النقابات المهنية في المدن لأمر الانكشارية دون سواهم، مما أدى بعد ذلك إلى تحول هذه النقابات إلى مؤسسات مغلقة. وظهر الأعيان والأغوات ذوو السطوة في أعداد متزايدة. وكان جانب من سكان المدن مع ذلك، من المسيحيين، وكان منهم صناع وتجار. وتبع ازدياد هجرة أهل القرى إلى المدن زيادة الضرائب على الأراضي المهجورة زيادة كبيرة، وطوال النصف الثاني من القرن العاشر والنصف الأول من القرن الحادي عشر الميلاديين ارتفع شأن بعض المدن وحجمها وبخاصة مدينة سراييفو. وساعد تكدس الثروات على الاشتغال بالربا، وكان في المدن -علاوة على الطبقة المسلمة الموسرة- أسر مسيحية بذاتها من تجارأغنياء وتجار جملة -مرابون مسيحيون. وظهر في النظام الاجتماعى المدني اتجاه واضح نحو تفرقة حادة بين الذين هم أغنياء (الطبقة ذات النفوذ السياسي) وبين
الطبقة الدنيا من فقراء المدن. وحدث في القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) عدة اضطرابات وأعمال شغب خطيرة بين فقراء سراييفو وجلهم من المسلمين.
وحالت حرب الثلاثين السنة في أوروبا في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) دون قيام عمليات حربية كبرى ضد الأتراك، على حين تسببت حربان طويلتان في النصف الثاني من القرن في كثير من الآلام. وهبط مستوى الأحوال المعيشية والاقتصادية في إيالة البوسنة. فالحرب ضد البندقية (1664 - 1669 م) الأخرى الأقصر منها ضد آل هبسبرغ (1663 - 1664 م) دارت رحاهما على أراضى ولاية البوسنة حيث توالت الغارات. وكان من نتائج فرار السكان المسيحيين عبر الحدود أن انضم كثير من هؤلاء الفرار (ويسمون أوسكوتشى) إلى الخدمة العسكرية في البندقية. وكان في الهرسك أيضًا اضطرابات وقلاقل قام بها الشعب. ثم جاءت بعد الحروب فترة أربع عشرة سنة من سلام رحب به الناس، ونشأ عنه -إجمالا- توحد السلطان التركى. وكان الهجوم على فينا فاتحة حرب جديدة مع الحلف المقدس، دامت وقتا طويلًا (1683 - 1699 م)، وللمرة الأولى أفلتت البوسنة جنوبي السافا من أن تكون ميدانًا للعمليات الحربية. بيد أنه كان على الجيش البوسنوى أن يشترك في الحرب ويدافع عن الحدود. واحتلت الجيوش النمسوية بصفة مؤقتة بعض النواحى جنوبي نهر السافا (سنة 1688 م) وبعد تسع سنوات تقدم الأمير أيوجين -عقب موقعة سيتا- حتى سراييفو وأتى عليها إحراقا سنة 1109 هـ (1697 م) وهاجر السكان المسيحيون -وبخاصة الروم الكاثوليك - وانسحبوا مع الجيوش المغيرة. وجاء الطاعون في أعقاب الحروب الطويلة. واحتفظت إيالة البوسنة بمقتضى شروط معاهدة صلح كارلوفتش (1110 هـ 1699 م) -بحدود البوسنة والهرسك الحالية في الشمال والغرب مع بعض تغييرات طفيفة. على أنه بدئ في إقامة تحصينات جديدة على
هذه الحدود، وترميم القديم منها وأنشئت وظائف قبودان أكثر مما كان. واشتملت الإيالة على خمسة سناجق:(البوسنة، الهرسك، كليس، تسفورنك، وبهاج) وألغى السنجق الأخير بعد ذلك بوقت قصير. ونقل في هذا الوقت مقر وزير البوسنة من سراييفو إلى ترافنك.
وعاد المسلمون اللاجئون من الجهات التي تخلت عنها المجر وسلافونيا وكرواتيا ودلماشيا وأقاموا في البوسنة على الأراضي المهجورة أو القليلة السكان التي سمح لهم بامتلاكها باعتبارها جفتلكات، وكان هؤلاء المستوطنون الجدد يشعرون بالكراهية والمقت نحو الدول المسيحية والعصاة مما أدى إلى زيادة الفرقة والشقاق بين المسلمين والمسيحيين، وجاء عدد من المستوطنين للإقامة في المدن، وكانوا في معظمهم بحارة وأصحاب مهن وجنودًا.
واستدعى موقع إيالة البوسنة المعرض للغزو بذل جهود كبيرة من السكان المسلمين. وبمقتضى معاهدة صلح بوزاريفاج (1130 هـ / 1718 م) أعطيت النمسا حزامًا من الأرض جنوب نهر السافا، وأعطيت بعض المناطق حول الحدود الغربية أيضًا للنمسا والبندقية. وبالرغم من الخراب الذي سببه الطاعون وما اقترن به من تعاقب مواسم حصاد سيئة، وخسائر فادحة منى بها سباهية البوسنة، فقد أحرز جيش من البوسنة تحت قيادة حكيم أوغلى على باشا نصرًا حاسما على النمسويين عند بنالوقة سنة 1150 هـ (1737 م). وانتزعت معاهدة بلغراد سنة 1152 هـ (1739 م). من النمسا كل البلاد التي كان النمساويون قد غنموها بمقتضى معاهدة بوراريفاج، ما عدا حصن فوريان.
وما إن حان هذا الوقت حتى كان النبلاء الإقطاعيون البوسنويون بخاصة، والمسلمون بعامة، قد فقدوا ثقتهم بسلطان الإمبراطورية. وعزز وفود الإنكشارية من الأقاليم المهجورة المركز الممتاز لبعض المدن، وبخاصة سراييفو التي كانت قد منحت استقلالا ذاتيًا فعليًا. وأعطيت السلطة العظمى
للأعيان والحكام العسكريين (باشوات) والقبودانات وأصبحت هذه الطبقة من كبار الموظفين هي الممثلة الرئيسية للسلطة السياسية. وفي أيام على باشا أنشئ مجلس الأعيان، وكان تكوينه من أعيان البلد والقبودانات وذوى الحيثية من جهات مختلفة من الإيالة، وكان المراد من المجلس أن يمارس الرقابة على الوزير نفسه، ومنح السلطة لكى يحدد بعض إيرادات الوزير.
ولما كان المجلس منبثقا من هذه الطبقة المتميزة فإن وجود النبلاء المسلمين المحليين إنما قام على إخضاع الفلاحين معتمدًا على توسيع رقعة الاسترقاق توسيعًا آخر وتسلم البيكوات والأغوات، بصفتهم سادة الأرض والجفتلكات، جفتلكات جديدة أو استولوا عليها، وتسببوا بذلك في أن يستوطن فلاحو الأراضي التي تربى الماشية أراضى أخرى مهجورة. وكانوا يعملون مستقلين عن السلطة المركزية. واغتصب القبودانات سلطات وأعمال موظفى الدولة وأجروا إيراداتها ووضعوا أيديهم على الجفتلكات واقتنوا الأملاك بشتى الوسائل. وهناك أسر قبودانات مسجلة في العقود الأولى من القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) بلغت مراكز سامية في المجتمع قرب نهاية القرن.
وكان لا بد لوزراء البوسنة من رفع فئات الضرائب، وفرض غيرها من مكوس وضرائب وذلك لكى يحصلوا على الثروة ويعتاضوا ما دفعوه من ضرائب ورشاوى في سبيل الحصول على مناصبهم. والواقع أنهم كانوا في كثير من الأحوال يطالبون بتوريد بضائع بالذات على الفور دفعة مقدمة من ضرائب تستحق الأداء بعد 6 - 9 أشهر، وقد أثار هذا العمل سلسلة من الفتن والقلاقل بين سكان المدن الفقراء والفلاحين المسلمين دامت عشر سنوات في منتصف القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي).
وكان لمثل هذه الظروف أثرها المشئوم على التجارة في المدن والقرى على حد سواء. وكانت الأحوال السائدة نكسة خطيرة أصابت النمو الاقتصادى للبلاد.
وفي الحرب بين النمسا وتركية (1788 - 1791) ألقيت مسئولية الدفاع عن نواحى الحدود على قوات البوسنة. وبصرف النظر عن استيلاء الجيوش النمسوية على بعض حصون الحدود (1788 - 1790 م) فإنهم لم يحرزوا إلا نجاحًا هزيلًا. وتنازلت تركية بمقتضى معاهدة سفيشتوف عن جزء صغير من أراضيها. وجلا النمساويون عن الحصون التي احتلوها.
وفي مستهل القرن الثالث عشر الهجرى (نهاية الثامن عشر الميلادي) أدخل السلطان سليم الثالث سلسلة من الإصلاحات والإجراءات لكبح جماح الإنكشارية. وجاءت سياسة الإصلاحات المقترحة معاكسة للأسس الثابتة والنفوذ السائد لطبقة الأشراف من المسلمين، وللمركز المتميز للسكان المسلمين في المدن في إيالة البوسنة.
(جـ) فترة الإصلاحات في تركية والفتن في البوسنة.
لم يكن في الإمكان أن تقابل الإصلاحات التركية الجديدة في البوسنة إلا بالسخط، وذلك لتدخلها كما هو واقع، في الكيان الحربى الوطيد. ولأنها موجهة ضد الإنكشارية وسباهية الجيش. وشنت عدة حملات على العصاة في بلاد الصرب اشترك فيها بيكوات وأغوات وجموع غفيرة من سكان المدن، ومع هذا فقد انهزم الجيش البوسنوى هزيمة فادحة عند ميشار (1806 م). وحدثت بعد ذلك بقليل قلاقل من فلاحى الصرب في البوسنة ولكنها أخمدت سريعًا. واحتاج الأمر إلى جهود أكبر ليتم قمع تمرد الدروبنياكية في الهرسك قمعًا باتًا. واشترك مسلمو البوسنة كذلك في قمع القلاقل في بلاد الصرب سنة 1813 م.
وتحسنت التجارة العابرة (ترانزيت) أثناء فترة حصار نابليون للقارة. واستخدمت طرق البوسنة في ذلك الوقت لنقل القطن بصفة خاصة. وقام بهذا العمل تجار من الصرب ويهود، أصبح كثير منهم بسبب ذلك من الأغنياء. واعتمد التجار المسلمون في البوسنة في نجاحهم على الاحتفاظ بالميزات والحقوق الخاصة التي كانت
لهم. ونالت سراييفو قسطًا كبيرًا من الاستقلال إزاء الوزراء. ونشبت حالات متتالية من الخلاف الخطير والنزاع بين الوزير والأهلين، أفضت في بعض الأوقات إلى مقاومة مسلحة. وبتعيين جلال الدين باشا ووصوله سنة 1820 م استتب القانون والنظام بتضحيات كبيرة في الأرواح. وكان إلغاء نظام الإنكشارية باعثًا على فتنة قام بها الجماهير مرة أخرى وبخاصة في سراييفو، وأخمدها عبد الرحمن باشا. واستمر السخط العام مع ذلك ومقاومة الإصلاح. وعندما بذلت محاولة في سنة 1246 هـ (1831 م) لتنفيذ الإصلاحات وإعادة تنظيم الجيش قامت فتنة تزعمها نبلاء البوسنة المسلمون بقيادة حسين قبودان كرادا شجفتش. وطالب العصاة باستقلال البوسنة والهرسك استقلالا إداريًا تامًّا، وبحقهم في اختيار وزيرهم، وأن تؤدى البوسنة جزية سنوية للسلطان. وهي مطالب لو أنها أجيبت لكان معناها حماية ميزات الأشراف والنظام الحربى القائم. ومع هذا، فإنه عندما ابتدأ الصدام اعتزل قبودانات الهرسك بقيادة على أغا رضوان بكوفتش هذه الحركة. ورغم انتصار حسين قبودان على الجيوش الهمايونية والتفاهم الذي توصلوا إليه مع الصدر الأعظم، فقد انتهى هذا النجاح الأولى العظيم إلى لاشئ بسبب مطامع القائد الشخصية (انتخب لمنصب الوزارة في أوائل جمادى الأولى سنة 1247 هـ - 17 من أكتوبر سنة 1831) ، والتنافس بين زعماء البوسنة، وسحقت حركة العصيان. وأعلنت الهرسك "باشا لق" يحكمها على باشا رضوانبكوفتش سنة 1833.
وبعد إخماد حركة العصيان ألغى توراث القبودانلق (سنة 1830 م) وحل محله المسلِّمْلق. وعين القبودانات السابقون والأعيان والسباهية (الذين ألغى نظامهم) مسلّمية وأعطوا لقب القواد. وكانت سياسة اليد الحديدية في القفاز المخملى هي السياسة التي استخدمها الباب العالى تجاه أشراف البوسنة والمتبرمين الشُكس. واستمر التصادم قائمًا رغم ذلك وبخاصة بين سكان سراييفو والوزراء. وتشتت شمل المقاومة نهائيًا على يد عمر باشا
لاطاس، وهو ضابط صغير سابق في البحرية النمسوية، ولد في ليكا (كرواتيا) وأرسل سنة (1850 - 1852 م) إلى البوسنة بسلطات خاصة على رأس قوات كبيرة. ونجح في تحطيم النفوذ السياسي الكبير الذي كان لأشراف البوسنة، ووضع الإصلاحات موضع التنفيذ. وأعدم على باشا، وألغى باشالق الهرسك. وقسمت البوسنة إلى ستة قائمقاملق والهرسك إلى ثلاثة، وصارت سراييفو المقر الرسمى للوزير.
وأجريت إصلاحات أخرى في إدارة إيالة البوسنة أثناء تولى طوبال عثمان باشا (1861 - 1869 م) منصب الوزير. وقسمت البلاد إلى سبعة سناجق وأنشئ مجلس الولاية في سنة 1866، وهو جماعة استشارية على أساس طائفى. وشرعوا في تطبيق النظم العصرية على أحوال المعيشة والخدمات الصحية والمواصلات. (مدت أول سكة حديدية بنالوقة - نوفي سنة 1872 م) وأنشئت مطبعة الولاية في الستينات من القرن، وفتحت عدة مدارس.
وساعدت الإصلاحات والإجراءات التي اتخذت على تطوير فروع من الاقتصاد القومى، وتحسنت التجارة والصناعة، وإن كانت النقابات المهنية قد تعرضت للخطر بسبب تطور السوق، وأثرى كثير من الأسر الصربية في المدن، وكان من نتيجة ذلك أن الريف بدأ يحس بنفوذ المواطنين من الصرب.
غير أن الإصلاحات لم تكن بعيدة الغور بحيث تتناول جوهر الكيان الزراعى وقضاياه، فبإلغاء نظام السباهية جعلت العشور ضريبة تؤدى للدولة. وسن نظام لمعاشات تجرى على السباهية تعويضًا لهم عن فقدان دخلهم وحل هذا النظام محل الإيجارات. ومع هذا، شرع السباهية في تحويل أراضى الزراعة الحرة المتبقية إلى جفتلكات ليعوضوا بذلك خسائرهم، وتم هذا قبيل منتصف القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي)، ولذلك بقى حق تملك الأرض حسب النظام الإقطاعى واستئجار الأرض ملازمًا للفلاحين المسيحيين، لأن الفلاحين المسلمين ظلوا باقين على حيازة جفتلكاتهم. وكان القصد أن يكون تحمل الضرائب الفادحة واقعًا في أكثره
على كاهل الفلاحين، وعلاوة على ذلك فإن الضرائب والمكوس التي أكره الفلاحون (كمت) على دفعها دون مسوغ لم يكن لها نصاب معين بل كانت تجبى استبداديًا. ومثل هذه الأحوال كانت سببًا في السخط العام بين الفلاحين، وأثارت فتنًا متوالية.
وأخذ طاهر باشا وزير البوسنة على عاتقه تسوية المسألة الزراعية (في سنة 1848 م) ويقضى مشروعه الجديد بأن لملاك الجفتلكات أن يحصلوا على ثلث المحصول السنوى، وأن تلغى السخرة، وذلك فيما عدا الهرسك التي سمح فيها للفلاحين (كمت) بتوريد الثلث من محصولهم، على أن يسرى مفعول التعهدات التي أخذت على ملاك الجفتلكات في مدينة سراييفو- كتزويد الفلاحين (كمت) بالبذور والثيران والمساكن في كافة أنحاء البوسنة. ولكن ملاك الجفتلكات أخذوا يحصلون على ثلث المحصول في كل مكان، وأصروا على السخرة. ولم يوفوا بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم. وسبب هذا الكثير من السخط بين الفلاحين، ولم يرض عنه ملاك الجفتلكات أيضًا، واقتضى الأمر القيام بمحاولات فاشلة قبل أن يبت في الأمر نهائيًا- بعد أن أصبح القانون الزراعى نافذًا (في خلال شهر رمضان سنة 1274 هـ) بمرسوم أعلن في صفر سنة 1276 هـ (سبتمبر 1859 م) يقرر الإجراءات المألوفة بالنسبة للفلاحين (كمت). ولم تتخذ، مع ذلك، شروط لتوحيد نظام الضرائب وغيرها من المكوس لتطبيقها في أنحاء البوسنة والهرسك كافة. وبقيت مواد المرسوم الخاصة بنظام حق ملكية الأراضي سارية المفعول حتى نهاية سنة 1918 م.
وتسببت هذه الأحوال غير المرضية في قيام سلسلة من الفتن بين الفلاحين حوالي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وعندما تضافرت جهود حشود من الفلاحين النصارى والفلاحين (كمت) والأغوات والبيكوات، أخذت الفتنة الكبيرة في سنة 1875 م لونًا سياسيًا باشتراك سكان المدن من الصرب فيها، وبخاصة بعد نشوب الحرب بين بلاد الصرب والجبل
الأسود وبين تركية. والواقع أن فتنة الهرسك كانت جماعية، أما في البوسنة فإنه لم يشترك فيها غير نواحى التخوم. واستدعى قيام الفتنة تدخل الدول العظمى. وقضت معاهدة سان ستفانو بأن تمنح تركية البوسنة والهرسك استقلالًا ذاتيًا.
ووضعت البوسنة والهرسك تحت انتداب النمسا والمجر بمقتضى شروط مؤتمر برلين. ولقيت الجيوش النمسوية التي أرسلت لاحتلال البلاد مقاومة من مسلمي البوسنة لم تكن في الحسبان، وكان على رأس الثوار رجال الطبقة الدنيا، لأن الرجال ذوي المكانة من أهل البوسنة لم يرغبوا في الانحياز إلى فريق دون الآخر بعد انسحاب السلطات التركية والجيش- اللذين حرضا الشعب على الثورة ضد الغزاة وتأليف حكومة من الشعب في سراييفو. وابتدأ الاحتلال في 29 من يولية وتم في 20 من أكتوبر 1878 م. واتخذت إجراءات صارمة لتحطيم المقاومة في بعض النواحى، وبخاصة حول مدينة سراييفو وفي داخلها.
المصادر:
الدراسات التاريخية المتعلقة بفترة الحكم التركى في البوسنة والهرسك أبعد من أن تكون كاملة. ولو أنه طرأ عليها الكثير من التقدم أخيرًا. ولم ينشر بعد معظم المواد التاريخية المتعلقة بهذا العهد. ويتولى المعهد الشرقي بسراييفو جمع هذه المواد للنشر وتحقيقها، وسجلات ضرائب الأملاك التركية مع مجموعات (قانوننامه) المحفوظة في باشوكالت أرشيوى باستانبول، ومجموعات "وقف نامه"(كتب عنها F. Spaho و H. Kreshvljakovich H. Shabanovich و G. Elezovich وآخرون).
ووثائق مخزونة في دار حفظ الوثائق في دبروفنك (كتب عنها CH. Truhelka و F. Kraelitz و G. Elezovich H.Sabonovichj و J.Radonich و V.Skarich وآخرون) ذات أهمية خاصة بالنسبة للجزء المتقدم من فترة الحكم التركى. وكذلك "قاضى سجلات" الخاصة بالقرن السابع عشر ومعها شذرات من سجلات من القرن السادس عشر الميلادي وموارد سجلات عامة (المعهد
الشرقي، مكتبة خسرو بك وغيرها)، وبعض السجلات العامة لولاية البوسنة (من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي) محفوظة في المعهد الشرقي بسراييفو. وتوجد معلومات قيمة تتعلق بالجزء الأخير من الفترة في التاريخ الإخبارى الذي لم ينشر بعد، وعنوانه "تاريخ ديار بوسنة" لصالح صدقى أفندى حاجى حسينوفج المعروف باسم "موقت" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. والنسخة بخط يد المؤلف مودعة في المعهد الشرقي بسراييفو.
وأهم مجموعات المصادر ما يلي:
(1)
CK .Truhelka: Tursko - slovjenski Spomenici dubrovachke. archive كلاسنك زم. متحف البوسنة والهرسك سنة 1911.
(2)
Najstarije: H. Sabanocivh vakufname u Bosni، Prilozi za origentalnu filologiju الجزء الثاني (سنة 1915 م) والجزء الثالث والرابع (سنة 1952).
(3)
Turcica historiam Monumenta illustrantia Slavorum Mer، الجزء 1، ، Kanuni i Kanun-name المجلد الأول (تحقيق المعهد الشرقي بسراييفو)، سراييفو سنة 1957.
(4)
Fojnichka regesta،: J. Matasovich Akademije Nauka Spomenik Srpske، المجلد 112 (سنة 1930).
(5)
نقوش بلغات شرقية اكتشفت في البوسنة ونشرها M .Mujesinovich . في filologiju orjentalnu Prilozi za الجزء الثاني سنة 1951، والثالث والرابع سنة 1952 - 1953 وغيرها. (6) وكتب Kuripeshich (1530) وأوليا جلبى من منتصف القرن السابع عشر أهم من غيرها من كتب الرحلات التي تحتوى على معلومات وبيانات قيمة.
(7)
نشر H .Hadzhibegich: المصادر الخاصة بابتداء الفتنة سنة 1875 في Turski documenti o pochetka Ustanka u 1875 Hercegovini Bosni، في Prilozi za Oriientalnu 1875 Bosni الجزء الأول سنة 1950)
تواريخ عامة عن البوسنة:
(8)
Kratka uputa u: S. Bachagich Proshlost Bosni i Hercegouine سراييفو سنة 1900.
(9)
Provijest Bosne u: M. Prelog doba osmanlijske vlade، الجزء الأول والثاني، سراييفو، سنة 1912 و 3191. وقد عفى عليهما الزمن الآن.
(10)
Historje Bosne i: V.Corovich، بلغراد سنة 1940 (الكتاب الأول المطبوع لغاية سنة 1482 فحسب).
(11)
Historija Naroda Jugoslavije i بلغراد سنة 1953، ص 514 - 576 (إلى سنة 1482 أيضًا). ويوجد مختصر لتاريخ البوسنة والهرسك تحت الحكم التركى في:
(12)
Istorije Naroda Jugoslavije، الكتاب الثاني (تحت الطبع).
(13)
القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، كتبها N. Filipovich.
(14)
وكتب عن القرن الثامن عشر H. Kreshevljakovich.
(15)
وكتب تاريخ الثقافة H. Sabanovich واستخدمت المادة التاريخية التركية التي لم تنشر بعد وخاصة سجلات ضرائب الأملاك ومراجع عن المصادر والمراجع.
عجالات ورسائل:
(16)
Pitanje turske: H. Sabanovich vlasti u Bosni do pohoda Mehmeda II -1463 god.، Godishnak 1 st. drushtva Bos nei Bosnaski Hercegovine Vi i Poshaluk سنة 1956
(17)
الكاتب نفسه: Bosanski pash- kraja XVII vijeka postanak i up- aluk do ravsa padjela (رسالة جامعية تحت الطبع).
(18)
Kapitanije: H.Kreshevljakovich u Bosni Hercegevini، سراييفو سنة 1954.
(19)
H.Handzich: Pogled na Sudstvo u، Bosni، Hercegovini za vrijeme turske vlasti سرايفو، سنة 1940.
(20)
Historichka،: Ch. Truhelka Podloga agrarnog pitanja u Bosni متحف كلاسنك زم، المجلد السابع عشر (1915).
(21)
muslimankog Plemstva u Bosni، المعهد اليوغوسلافى، الجزء الأول سنة 1935.
(22)
Islamizacija Bosne: M. Handzhich Hercegovine ، porijeklo Bosnaskohercegovachkih muslimana سراييفو، سنة 1940.
(23)
Nestanak bogumustva.: A.Solovjev istamizacija Bosne
(24)
Godisnjak 1 st Drustva Bosne Hercegovinek جـ 1 سنة 1949.
(25)
Pogted na: N. Filipovich osrnanski teudalizam (s posebeniin obzirom na agivine odnose) الجزء الرابع، سنة 1952.
(26)
O vojnucima sa: B. Djurdjev osvrtom na razvoi turskog teudalizma na pitanje bosanskog agaluka متحف كلاسنك رم، الجزء الثاني سنة 1947.
(27)
Odzhakluk timun: N .Filipovich Bosni i Hercegovini في za Prilozi Orijentalu filalogiju، المجلد الخامس (سنة 1954/ 1955).
(28)
Gradska: H. Kreshvljakovich privreda i esnan Bosne i Hercegovine، -Godishjak 1 st. Drusgtvu Bosne i Her cegovine (سنة 1949).
(29)
Staro Rudarsko: V. Skarich provo i tehnika u Sribji i Bosni بلغراد، سنة 1939.
(30)
Sarajevo i njegova: V.Skarich okolina od najstarijih vremena do austro ugarske okupcije - سراييفو سنة 1937.
(31)
Bosnanski nam-: A. Handzhich jesnik Hekim-Oglo Ali-Pasha Prilozi za orijentalnu filulogiju، المجلد الخامس (سنة 1954/ 1955).
(32)
Pobuna u tuzlanskom: F.Spaho srezu polovicum Glasnik zem. muzeja Osamnaestog vijika مجلد 65 (سنة 1933).
(33)
Bosanski namjesnik: A. Bejtich، zaduzhbine mehmedpacha Kukavicainijegova u Bosni (1752 - 1756 و 1757 - 1760) Prilozi za orijentalnu filogiju، المجلدان السادس والسابع (1956 - 1957).
(34)
Is proshlosti Bosne: V.Skarich .Godishujak 1 st vijeka Hercegovine XIX drushtva Bosne i Hecegovine I سنة 1949.
(35)
Die letzten Unruhen: L.Ranhe in Bosnien 1820 - 1832، Hist. - politische zeitschrift، المجلد الثاني (1935).
(36)
pitanje u: V.Popovich Agrarno Bosni i Hercegovini ، turski neredi za vreme reforme Abdul Medzhida (1839 - (1861، بلغراد سنة 1949.
(37)
Erinnerungen: J.Koestschet aus dem Lelien des Sirdar Ekrem Omar Pascha، سراييفو سنة 1885.
(38)
Osman der letzte: J.Koetscht grosse Wezir Bosniens und seine Nachfolgu سراييفو، 1909.
(39)
Bosnaski us-: V. Chubrilovich 1878 - 1875: tanak بلغراد سنة 1930
3 -
الثقافة الإسلامية في البوسنة والهرسك: كان من شأن إسلام فريق من أهل البوسنة والهرسك، وهو من ثمار الفتح التركى، أن وسم الحياة والثقافة في البلاد بميسمه. وكان أسلوب المعيشة، العامة والخاصة. عند مسلمي البوسنة والهرسك شبيها بأمثاله في الولايات الأخرى من الإمبراطوريهّ العثمانية، وبخاصة في المدن. وكانت المحلات في المدن هي قوام الثقافة الإسلامية في البوسنة والهرسك، إذ كان الطابع المسيطر عليها حضريا في مداه وسماته. وكان للفلاحين المسلمين خصائص معينة لاصقة بهم. ونظرًا لاصطباغ البلاد بالصبغة الأوروبية فقد مالت عناصر الثقافة الشرقية إلى الزوال، وخاصة بين السكان المسيحيين في فترة ما بعد الحكم التركى. وتفاقم هذا الأمر حين أصبحت البلاد جزءًا من يوغوسلافيا. ومع كل فإن العناصر المميزة للثقافة الإسلامية لم تختف حتى في أيامنا هذه. والأكثر من ذلك أنها لم تختف حتى بين النصارى، فما بال المسلمين. ولم يزل الكثير من سمات الحياة الشرقية ماثلا للعيان، مثل أسلوب المعيشة والأثاث، والطهى والشرب وخصال أخرى قديمة، ومازالت الطرائق الشرقية شائعة في صباغة الحلى، ونسج الأبسطة، وكثير من فروع الفنون التطبيقية.
ويوجد أخلد آثار النفوذ الثقافى الإسلامي في ميدان العمارة وتخطيط
المدن، ووجدت بعض المبادئ الشرقية في تخطيط المدن استعدادًا للتطبيق بالنظر إلى علية المواقع ذات الشرفات. ومازالت مدن البوسنة تظهر الأنموذج السابق في التخطيط الذي يقسمها إلى حيين، وهما الجارشى (مركز البيع والشراء والتجارة) والمحلات (أحياء السكنى).
ويمكن تمييز ثلاث مراحل في تخطيط المدن وتشييدها بصفة عامة طوال مدة الحكم التركى:
(أ) الفترة الأولى حتى نهاية القرن السادس عشر تقريبًا.
(ب) الفترة الثانية حتى نهاية القرن السابع عشر.
(جـ) الفترة الثالثة حتى نهاية الحكم التركى في البوسنة والهرسك. ففي أثناء الفترة الأولى من تطور المحلات الإسلامية في المدن كان الولاة وكبار الأعيان الأتراك هم الذين يقومون بتشييد أماكن العبادة والأبنية العامة، وهي النماذج الممثلة للعمارة التذكارية. وإلى هذا التاريخ تعود أروع الآثار في طراز العمارة الإسلامية في البوسنة والهرسك مثل مسجد ألا جه في فوجة (سنة 1550 م) ومسجد الغازى خسروبك (1530 م) ومسجد على باشا (1561) في سراييفو، ومسجد فرهاد باشا (1579) في بنالوقة، ومدرسة الغازى خسروبك المسماة سلجوقية ثم بعد ذلك قورشوملية مع حمام الغازى خسروبك (قبل سنة 1557 م). وبروسه بزستان (1551 م) في سراييفو وكثير غيرها. ولما نمت نقابات أرباب الحرف وتطورت سريعا في الفترة الثانية وكل إلى التجار تشييد الأبنية العامة. والأبنية التي تعود إلى هذه الفترة أقل أبهة في مظهرها باستثناء بعض أبنية أقامها الحكام أو بعض ذوي المناصب الرفيعة من الأتراك.، مثال ذلك تكية حاجى سنان (سنة 1640) في سراييفو. وتظهر على العمارة في الفترة الثالثة علامات الانحطاط (في أواخر المدة) وتغلغل الأفكار الأوروبية فيها، والتشبه بالطراز السائد في مدن تركية، كما ظهرت عليه أيضًا مؤثرات مباشرة. ومع هذا فقد أخرجت هذه الفترة عدة نماذج هامة للمهارة الصناعية. وتطور مدينة
ترافنك، المقر الرسمى للوزير، يعتبر مثالا لهذه الفترة. ومسجد السليمانية (البناء الحالى يعود إلى سنة 1816 م) بنى فوق بزستان. وجدد عدد من المساجد العتيقة أثناء هذه الفترة، وأبرز المعماريون المسلمون في بناء الأبنية العامة التذكارية الملامح الجوهرية للفن العثمانى، بيد أن أشكال وخصائص هذا الفن لم تتجل كلها في البوسنة والهرسك. وقام معلمون معماريون وطنيون ببناء مساجد صغيرة وأبنية عامة ومنازل للسكنى، ولهذا ظهرت على هذا الطراز من البناء ملامح شخصية، وبان على نماذج العمارة الإسلامية علامات لاتخطئها العين من الانحطاط في فترة ما بعد الحكم التركى. وحاولت الحكومات النمسوية المجرية تطوير خصائص فن العمارة الإسلامي بمحاكاة الطراز المغربي. وتباينت الأبنية المقامة على هذا النمط مع نماذج العمارة الإسلامية السابقة في البوسنة والهرسك، ومع نماذج الفترة الأخيرة من الحكم النمسوى فضلًا عن تنافرها مع المنظر العام لداخلية بلاد البوسنة وعدم مواءمتها للأحوال الجوية. وقد ثبت فشل اصطناع هذا النمط من البناء. وأهم أنموذج له هو سراى البلدية في سراييفو. وحافظ طراز البوسنة والهرسك في العمارة على كيانه فيما يختص بمنازل السكنى فترة أطول قبل أن يختفى نهائيًا.
وتدخل طائفة كبيرة من الألفاظ والاصطلاحات اللغوية التركية والفارسية والعربية الأصل في الاستعمال العادى في البوسنة والهرسك، وكان ذلك على مدى أكبر منه في الجهات التي يتكلم فيها الناس بالعربية الكرواتية. واستوعب الأسلوب الأدبى المبكر أيضًا هذه الألفاظ المستعارة، وهجرت الألفاظ والعبارات التركية في لغة الحديث العادية مع تطور اللغة الصربية الكرواتية وبتأثيرها وتوحيد قواعدها منذ سنة 1878، وازداد ذلك من سنة 1918. وكانت حروف الهجاء السيريلية مستخدمة في المراسلات الشخصية عند مسلمي البوسنة والهرسك وبخاصة بين مسلمي البوسنة والهرسك
الوطنيين أثناء الحكم التركى، وكانت الحروف العربية تستخدم في كتابة نصوص الآداب العربية الكرواتية التي ينشئها المسلمون في البوسنة والهرسك. كما كانت تستعمل في كتابة بعض المتون الصربية الكرواتية الدينية أثناء حكم النمسا وفي يوغوسلافيا قبل الحرب. وبعض الكتب المطبوعة بهذه الحروف، مازال الحصول عليها متاحًا. وكان الهجاء فيها اجتهاديًا في البدء ثم سنت لها قواعد تدريجا بعد ذلك، ومع هذا فلا تكاد تستعمل هذه الحروف بعد سنة 1930 حتى ولا في الكتب الدينية.
ولم يدرس الإنتاج الأدبى عند المسلمين في البوسنة والهرسك دراسة شاملة حتى الآن، لا باللغة الصربية الكراوتية ولا باللغات الشرقية. ويختلف المسلمون في البوسنة والهرسك اختلًافا طفيفًا عن جيرانهم المسيحيين في ولعهم بالأغانى الشعبية والشعر الشعبي. ومنظومات ملاحم الكوسلار المتقدمة في البوسنة والهرسك لها كل الخصائص الأساسية لقصائد الملاحم التقليدية في اللغة الصربية الكرواتية. وإنما ينحصر الاختلاف في الاتجاه الدينى وكثرة تردد العبارات التركية والعزوف عن قصائد البطولة إلى الشعر القصصى. وحسنكينيجه Hasanaginica قصيدة بوسنوية شعبية ذائعة الصيت في عالم الأدب. وما زالت بعض قصائد من الملاحم الشعبية من الطراز السابق باقية في جنوبي البوسنة والهرسك: وبزغ نمط من الشعر متأخر في الزمن في الملاحم الإسلامية بين قوم ثغر في الغرب يعرف باسم "كرايينا" Krajina ينشدونه بمصاحبة التمبوريكا (المندولين) ويختلف من عدة وجوه عن قصائد الكوسلار. وإذا ما قورنت الأغانى الشعبية للمسلمين من أهل البوسنة والهرسك بمثيلاتها عند مواطنيهم اتضح أن لها أيضًا، وإلى درجة رفيعة، عددًا من السمات المميزة الخاصة بها. وأشهر هذه القصائد وأروجها هي القصائد الغرامية المسماة الـ "سفدالنكا": وبصرف النظر عن المؤثرات الشرقية في اللغة والموضوعات، والموسيقى الواضحة في التلحين، فالسفدالنكا قصائد أصيلة
مثالية لمسلمى البوسنة والهرسك يحبها ويستمتع بها الناس في جميع أنحاء يوغوسلافيا.
وإذا حكمنا بنتائج الدراسات التي نشرت حتى الآن، فإن هؤلاء الشعراء المسلمين من أهل البوسنة والهرسك الذين كتبوا باللغات الشرقية كتبوا في الغالب بالتركية، وأقل من ذلك بالفارسية، وفي حالات قليلة جدًّا بالعربية، وبين الكتاب الأتراك عدة أفراد من أصل بوسنوى. كان منهم شعراء مشهورون مثل درويش باشا ابن بايزيد أغا (قتل سنة 1012 هـ / 1603 م) ومولده في مستر (الهرسك)، وصاحب الأسلوب الذائع الصيت محمد نركيسى (توفي سنة 1044 هـ / 1634 م) المولود في سراييفو. ولم يكن مولدهم فقط في البوسنة والهرسك ولكنهم تقلدوا أيضًا مناصب فيها مددا طويلة، فكان الأول باشا البوسنة والأخير مدرسًا وقاضيًا. وكان أحمد سودى أيضًا من أصل بوسنوى (توفى سنة 1005 هـ / 1596/ 1597 م) وهو الشارح المشهور للآداب الفارسية. ومن أخصب كتاب الشعر بالفارسية إنتاجًا، وكان يكتب أيضًا بالتركية، الشيخ فوزى، من مستر (توفى حوالي سنة 1160 هـ / 1747 م) وأحمد وحدتى المولود في دوبروم قرب قبشغراد (توفي سنة 1007 هـ / 1598 م)، وشعراء غيرهم كثيرون انحرفوا عن الإسلام القويم. وكتب باللغتين التركية والصربية الكرواتية كل من حسن قائمى، من سراييفو (المتوفى سنة 1103 هـ / 1691 - 1962 م) وأسكوفى البوسنوى، المسمى أيضًا هوابى (توفى حوالي سنة 1061 هـ / 1650 - 1651 م) وقد ولد في طوزله دورا، وغير هوْلاء شعراء كثيرون من أهل البوسنة والهرسك كانوا يكتبون بالتركية وبالصربية الكرواتية. وألف الأخير منهم معجمًا للغة الصربية الكرواتية منظومًا بالتركية. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين) وحتى الوقت الحاضر، كان ثمة جماعة من الشعراء نظموا قصائد دينية بروح التقاليد القديمة، ومن هذه الأشعار الجديرة
بالاعتبار والتقدير قصائد في مولد النبي (مولود) وكانت الفترة السابقة مجرد حكايات تقليدية للنصوص التركية تتلوها كتابات أصيلة. وكان معظم النثر عند مسلمي البوسنة والهرسك باللغة العربية، وكان يعني إلى حد كبير بموضوعات أصول الدين الإسلامي وأحكام الشريعة وإدارة الدولة والتاريخ. وأقام كثير من كتاب البوسنة والهرسك وعملوا في إستانبول وجهات أخرى من الإمبراطورية العثمانية مثل عبد الله بوسنوى (المتوفى سنة 1054 هـ = 1644 م) صاحب رسائل في الفلسفة الصوفية، وشارح فصوص الحكم لابن العربي. واشتهر حسن كافى، المولود في بروساك (آق حصار) بكتابته في القانون والسياسة، وأهله علو كعبه في الأدب لمنصب قاضيلق في موطنه وظل يشغله طول حياته، وهناك توفي سنة 1023 هـ (1616 م)، وهو مؤلف كتاب "نظام العالم" المشهور فضلا عن مؤلفاته الأخرى. ومن الممكن أن تعد نحو أربعين مؤلفًا كان لهم نشاط في مجال الدراسات الدينية والقانونية أثناء الفترة الأدبية في البوسنة والهرسك. وكان كثير من مشاهير المؤرخين الأتراك من نسل بوسنوى مثل إبراهيم بجوى، ومع هذا فكتابة التاريخ بالتركية في البوسنة والهرسك لم تنشا إلا بعد ذلك. وكان القاضي عمر النوقوى مؤرخا ممتازا في القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي)، وكان يكتب بالتركية، وهو مؤلف "غزوات حكيم أوغلى على باشا" وهو كتاب يتناول الأحداث التاريخية في البوسنة من غرة المحرم سنة 1149 هـ (1736 م) إلى آخر جمادى الأولى سنة 1152 هـ (1739). وأول طبعة له قام بها إبراهيم متفرقة (1154 هـ - 1741 م) ثم أعيد طبعه بعد ذلك وترجم إلى الإنجليزية والألمانية. وفي فترة الانتقال بين آخر القرن الثاني عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادي) وأول القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي)، سجلت أسماء بضعة مؤرخين إخباريين بارزين (مصطفى باشسكى وصالح صدقى) دونوا الأحداث التي عاصروها. ومن المؤرخين الذين تناولوا الفترة الأخيرة
من الحكم التركى والأحداث التي تلت الاحتلال النمسوى للبلاد، نذكر صالح صدقى أفندى حاجى حسينوفتش (توفي سنة 1305 هـ - 1888 م) ومحمد أفندى قاضيج (1271 هـ = 1885 م - 1349 هـ 1931 م) جامع مواد تاريخية نسخها بنفسه (28 كتابًا، وتوجد نسخة من المخطوط مودعة في مكتبة غازى خسرو بك، بسراييفو). والتحول عن طريقه تدوين التاريخ القديمة تظهر في مؤلف شيخ سيف الدين أفندى كموره (المتوفى سنة 1335 هـ / 1917 م) وكذلك تتجلى بعض خصائص الدراسات الإسلامية الأولى وبعض مفاهيم التدوين التاريخي في مؤلفات دكتور صفوت بك باشا كيج (1870 - 1934) أول مؤرخ عصرى للفترة التركية وأول عالم شرقي في البوسنة والهرسك، وكان شاعرًا أيضًا.
ومع ذلك، فإننا نجد منذ سنة 1878، وبخاصة منذ سنة 1918 (وبصرف النظر عن المدرسة الرومانتيكية في الفكر التي مازالت تتمسك بالمعتقدات الأولى ويعد الدكتور باشا كيج من ممثليها البارزين) أن الجهود الأدبية قد جنحت أكثر وأكثر إلى الاندماج في الآداب الصربية الكرواتية. وأ. ق. جابيج (المتوفى 1918 م) كان مفتى مستر، ومجاهدًا كبيرًا في سبيل الاستقلال الذاتى الدينى. وكان له في تركية القدح المعلى استاذًا في اللغة العربية والأدب، وأخرج أيضًا مجموعة من مختارات القصائد لمعاصرى النبي.
وكانت المكاتب والمدارس والمعاهد الدينية (المساجد والتكايا وأمثالها) مستنبت التربية الإسلامية والثقافة في البوسنة والهرسك، كما كانت في كل الولايات التركية. والمكاتب، كما هي العادة، ملحقة بالمساجد، وكانت تقوم بالتربية الابتدائية التي أساسها تعليم قراءة القرآن والمبادئ الدينية الأولية. أما المدارس الثانوية والعالية فقد أنشئت على غرار المدارس التركية. وأول مدرسة سجلت في سراييفو ترجع إلى الربع الأول من القرن العاشر الهجرى (أوائل القرن السادس عشر للميلاد).
ومن "الوقف نامه" لسنة 943 هـ / 1537 م انشأ غازى خسرو بك سنجق بكى البوسنة، مدرسة خسرو بك بمكتبتها الخاصة. وفرغ من بنائها في السنة التالية، ومازالت قائمة إلى اليوم تجاه باب الحرم في مسجد خسرو بك، ومن ذلك الوقت جعلت مكتبة المدرسة معهدًا عامًا مستقلًا لوقف خسروبك الذي ساعد على توسيع مجالها. وتضم قائمة محتوياتها المجموعة الأصلية من المجلدات في اللغات الشرقية، ومعها الكثير من النسخ المضافة ومخطوطات ووثائق تركية أخذت من الأوقاف والمدارس والمكتبات الخاصة. وأخذ عدد المدارس في الازدياد، غير أن مدرسة غازى خسروبك كانت أشهرها، وهي الآن مدرسة ثانوية تدرس فيها أصول الدين. وعنيت طرق مختلفة من الدراويش بالتعاليم الصوفية وبدراسات في اللغة الفارسية. ويبدو أن إنشاء أول تكية كان قبل سقوط البوسنة النهائى. وفي الخانقاه التي أنشأها غازى خسروبك تفاصيل في البناء مثيرة للاهتمام. وكانت تكاليف الصيانة والتعليم الدينى والتربية من مال الوقف.
ويرجع الفضل إلى طوبال عثمان باشا في التطور الأساسي للتعليم العام ومنشآته، فقد أنشأ "الرشدية" الأولى و "مكتب حقوق (مدرسة الحقوق الإدارية) واعقب ذلك افتتاحه ناديا للمطالعة العامة ومطبعة. وتتولى الدولة بمقتضى أحكام قانون التعليم (1286 هـ / 1869 م) مسئولية الخدمات التربوية وعمارة المدراس. ولم يحصل تدخل في شئون المدارس ذات الصبغة الطائفية، ولكنها كانت خاضعة لرقابة الدولة. ولم تنفذ مواد قانون التعليم بتمامها في البوسنة والهرسك، ولو أنهم كانوا ينشئون مكاتب للصبيان ورشديات ومدارس للصناعات وللمعلمين. وتدل الإحصاءات الرسمية عل أنه كان ثمة في أواخر أيام الأتراك 917 مكتبًا و 43 مدرسة و 28 رشدية، علاوة على مدرسة حربية في سراييفو من درجة أدنى. ومدرسة لمعلمى المكاتب ومدرسة تجارة.
وشرعت حكومة النمسا والمجر في إدخال منهجها في التعليم الأميرى، دون أن تتدخل في شئون المدارس المحلية وكان تعليم الدين إجباريًا في المدارس الأميرية. وبقيت المكاتب والمدارس (التركية) مدارس دينية. وأصبح التحاق الأطفال المسلمين بالمكاتب إلزاميا بمقتضى ما سنه قانون سنة 1909 من لوائح. ولم يكن يمكن السماح لطفل مسلم بدخول مدرسة ثانوية مالم يكن قد سبق له دخول المكتب. واتخذت إجراءات معينة لإصلاح المكاتب ولكن لم تهيأ لها أسباب النجاح في معظم الحالات. وفي سنة 1909 كان هناك زهاء 1000 مكتب قديم (صبيان مكتبى) و 92 مدرسة (مكتب ابتدائى) واعتبرت الرشديات ضمن المدارس الأولية لأطفال المسلمين واستمرت كذلك من بعد مع إصلاح برامجها -في القرى وبليدة برجكو فحسب- واستخدمت المدارس (القديمة) مدارس تدريب للوظائف الدينية المتواضعة. وفي سنة 1887 م أنشئت كلية لطلبة الشريعة ولقضاة المحاكم الشرعية مستقبلا. وأنشأ ديوان الأوقاف في سنة 1892 كلية لمعلمى المكاتب. وكان الطلبة المسلمون في مدارس الدولة مخيرين بين تعلم اليونانية القديمة أو العربية.
ولم تعترف الدولة أثناء تعاقب الحكومات اليوغوسلافية المتتالية بعد الحرب العالمية الأولى إلا بالمدارس الابتدائية التي لم يستوعب عددها القليل أطفال المسلمين في سن التعليم. وكان التعليم الدينى يدرس لجميع التلاميذ الملتحقين بالمدارس الابتدائية، وأصبحت المكاتب مدارس أولية أو معاهد لتعليم القرآن. وكان الدين يدرس في جميع المدارس الثانوية كذلك، وفتحت مدرسة ثانوية أميرية للشريعة في سراييفو سنة 1918 م. وبقيت كلية تدريب القضاة الشرعيين موجودة حتى سنة 1937، وهنالك أنشئت مدرسة عليا للشريعة وأصول الدين الإسلامي في مستوى الكلية. وتولى ديوان الأوقاف الإنفاق على كلية معلمى المكاتب، وهي المدارس التي أصبحت الآن ثانوية لتدريس مواد أصول الدين
بصفة أساسية. وأدخلت إصلاحات أولية على "المدارس" في سنة 1933 ووضع لها برنامج محدد سنة 1939 بحيث تكون الدراسة فيها مشابهة للمدارس الثانوية الأدنى درجة. وكانت مدرسة غازى خسروبك شاذة عن هذه القاعدة في أنها مزودة بمقررات ثانوية أعلى. والمعروف أن عددًا من مسلمي البوسنة والهرسك قد تخرجوا من جامعات غربية. وانتقلت مهمة منح الإجازات للتلاميذ والطلبة المسلمين، وتحمل نفقات صيانة وإدارة المدارس الداخلية وتقديم التسهيلات التعليمية الأخرى، التي كانت منوطة بديوان الأوقاف، إلى جمعيات إسلامية شتى، في الميدان العلمانى على آية حال، مثل جمعية "كاجرت" وجمعية "أوزدانيكا" وغيرهما.
وانفصلت في يوغوسلافيا الجديدة الجماعات والجمعيات الدينية عن الدولة، ولكن الدولة قد تمد يد المساعدة إلى الجماعات الدينية. ويسمح بتدريس الدين في الجهات المجاورة لأماكن العبادة فقط (كنص قانون الطوائف الدينية لسنة 1953). ومع ذلك فقد أطلقت حرية الطوائف الدينية في فتح مدارس لتدريب الموظفين وعمال الإدارة الدينيين. وبقيت المكاتب التي كان التحاق المسلمين بها إلزاميًا بأمر الطائفة الدينية الإسلامية موجودة حتى سنة 1952، وهناك ألغيت في أنحاء البوسنة والهرسك وفي عهد الإدارة النمسوية المجرية.
وفي يوغوسلافيا قبل الحرب، كانت دراسة فروع العلوم الإسلامية ذات العلاقة بالدين واللغات الشرقية على صلة محكمة بنشاط المدارس والكليات المذكورة آنفًا. وكان متحف زيماليسكى في سراييفو مهتمًا بجمع المخطوطات الشرقية والسجلات من دور المحفوظات التركية. وكان من القائمين بأمر المتحف نفر ممن درسوا الأدب الشرقي والسجلات التاريخية، وهنا تهيأت الظروف لتنمية الدراسات العلمية الحديثة في هذا الميدان (Ch. Truhelka، V.Skarich، F.Spaho، R.Muderizovich وآخرون).
وفي السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية، صرفت عناية متزايدة في البوسنة والهرسك للدراسات الشرقية الخاصة بالشعوب الإسلامية، ولهذا أعدت بالمدرسة الثانوية في سراييفو مناهج على النمطين الشرقي والغربى على السواء، وفي جامعة سراييفو أنشئ في سنة 1949 كرسى لفقه اللغات الشرقية (التركية والعربية والفارسية وآدابها) ويقدم كرسى التاريخ أيضًا مناهج فضلا عن عنايته الخاصة بالدراسات التي تتصل بتاريخ الشعوب اليوغوسلافية أثناء الحكم التركى. ويضم المعهد الشرقي بسراييفو المنشأ سنة. 1950 مجموعة قيمة من المخطوطات الشرقية ومواد تاريخية تركية أخذت من متحف زيماليسكى في سراييفو. وفضلا عن نشره كتابه السنوى فإن المعهد الشرقي يضطلع بإعداد مجموعة منسقة من السجلات التركية والمصادر ذات الصلة بالشعوب اليوغوسلافية (Monumenta -Turcica Historiam Slavorum Merid ionalium illustrantia) وهكذا يصبح تحت الرقابة العلمانية ميدان فسيح للدراسات الخاصة باللغات التركية والفارسية والعربية والشعوب اليوغوسلافية أثناء الحكم التركى وفروع أخرى كثيرة من المعرفة الإسلامية كانت يوما ما في نطاق المعاهد والهيئات الدينية.
المصادر:
(1)
Die moslims in Bosni-: A. Hangi en- Hercegovina-ihre Lebensweise، Sillen und Gebrauche، سراييفو سنة 1907.
(2)
Spomenici osmanlijske: A.Bejtich arkitekture u Bosni i Hercegovini، prilozi Za orijentalun filologiju، الجزء الثالث والرابع سراييفو، سنة 1953 - 1953.
(3)
Turcizmi u narodnom: A.Shkaljich govoru i narodnoj knjizhuenosti Bosne i Hercegovine، الجزآن 1 و 2، سراييفو سنة 1933.
(4)
Narodne pjesme: K.Hoerman muslimana u Bosni i Hercegovini جـ 1 و 2، سراييفو سنة 1933، Hrvatske nerodne Pjesme- Skupila
Junachka Pjes- جـ 3 و 4 Matica Hrvatska me (Muhamedovske)، زغرب سنة 1933.
(5)
Narodne Junachke: A. Nametak Pjesme muslimanske سراييفو، 1933.
(6)
Sevdalinke Izbor iz: H. Dizdar bosansko - hucegovachke narodne lirike، سراييفو سنة 1944.
(7)
Die Volksepic der: M.Murko bosnischen mohammedaner، في مجلة Verieno f. Volkshunde. المجلد التاسع (سنة 1909).
(8)
Tragom srpsko -: M. Murko hrvatske narodne spice Putovanja u، godinama سنة 1930 - 32 المجلد 1 - 11 (نشرته Jugoslavenska akademija (umjetnosti، زغرب، سنة 1933.
(9)
Studije o krajnskoj: A. Schmaus epici (نشرته Jugosl. akad. eznanosti i (umjetnosti، زغرب، سنة 1933.
(10)
Serbo -: Kemura - Chorovich Kroatische Dichtungen bosnischer moslims aus dem XVIL.، XVIII.، und XIX Jh. سراييفو، سنة 1912.
(11)
Makbul - i aryf: D. M. Korkut Bosnevije shakidija) uskuefi (Potar: في متحف Gleisnik Hrv. zem. liv .. سراييفو سنة 1943.
(12)
محمد بن محمد .. الخانجى البوسنوى: الجوهر الأسنى في تراجم علماء وشعراء بوسنه، القاهرة سنة 1339 هـ.
(13)
Knijizhevni rad: M.Handzhich bosnasko - hercegovachkih muslimana سراييفو سنة 1934.
(14)
Bulbulistan du: M. Malich -Shaikh Fewzi de Mostar، poete her zegovinen de lange persane باريس، 1935.
(15)
Die Anfaende der: M. Braun -Europaeisierung in der Literatyr der mos -lemischen Slaven in Bosnien and Her zogowina ليبسك سنة 1943.
(16)
O nashim: F. Bajraktarevich mevlodimo، بلغراد سنة 1937.
(17)
Pregled Shtampanik: O. Sokoluvich djela na srpokohrvatom jeziku muslimana 1878 - 1948 Bosne i Hecsegovine، od، سراييفو سنة 1957
(Glasnik Vrhovnog starjeshinctva za 1955 - 59 g)
(18)
Srednje i struch-: Dj. Pejanoviche ne Shkole u Bosni i Herzogovini، سراييفو سنة 1953.
4 -
الجماعة الدينية الإسلامية في البوسنة والهرسك منذ عام 1878 الميلادي.
كانت الحقوق السلطانية على البوسنة والهرسك معترفًا بها للسلطان حتى سنة 1908 م، وهنالك ألحقت الولاية بالنمسا والمجر، وظل مركز البوسنة والهرسك، مع ذلك، غير واضح المعالم في نطاق المملكة الثنائية. ومعظم السبب في ذلك يرجع إلى الدستور الثنائى للنمسا والمجر.
وكانت البوسنة والهرسك من قبل الضم ومن بعده واقعتين تحت رقابة ثنائية تمارسها وزارة المالية في حكومة النمسا والمجر، وكان لكل من الدولتين حقوق معينة فيما يختص بالسياسة الإدارية وإنشاء السكك الحديدية ومسائل خاصة بتجارة البلد وماليتها.
وكان نظام حكم النمسا والمجر في البوسنة والهرسك بيروقراطيًا بوليسيًا طوال أيامه، وكان المسئول عن الحكومة حاكمًا عسكريًا، وعدد الدوائر الحكومية أربع ثم سبع بعد ذلك. وعين للحاكم مساعد مدنى سنة 1882 كان له الإشراف الفعلى على الخدمة المدنية. وقسمت البلاد، من أجل الأغراض الإدارية إلى ست دوائر (وبالروسية Okrug) وهي: بنالوقة، وبيهاج، ومستر، وترافنيك، وسراييفو، وطوزله وقسمت هذه إلى نواح (سرزأس) وإسبوستافات Ispostava (وهو أصغر الوحدات الإدارية). ولم ينفصل القضاء عن حكومة البلاد إلا في سنة 1906 م. ومنحت البلاد بعد ضمها دستورًا في سنة 1910 م بمجلس نيابى (Sabor) مؤلف من اثنين وسبعين نائبًا. وعشرين عضوًا بالتعيين بحكم
مناصبهم، وكان البعض من هؤلاء ممثلين دينيين، (فمن المسلمين رئيس العلماء ومدير إدارة الأوقاف وثلاثة مفتين، وكان البعض الآخر من كبار موظفى الدولة). وكان النواب ينتخبون لثلاث عشاير) (Guriae) حسب مراتبهم، كانت الأولى منها منقسمة إلى طبقتين، ويتبع كبار أصحاب الأملاك المسلمين الأولى منها. وتقوم المراكز الانتخابية بتنظيم هذه العشائر على أساس ملى، وحصر الدستور سلطات المجلس إزاء الحكومة في حدود ضيقة، وفرض في نفس الوقت حدودًا كثيرة على سيادة الحكومة بالنسبة لوزارة المالية في حكومة النمسا والمجر.
وفي سنة 1912 أعطى الحاكم سلطات إضافية خاصة بالخدمة المدنية. وأجل المجلس النيابى فلم ينعقد قط طول أيام الحرب العالمية الأولى.
وبالرغم من أن الحكومة النمسوية المجرية قد أدخلت نظامًا حديثًا في الإدارة، ونمت الصناعة (التعدين وصناعات الخشب بوجه خاص) وأنشات الطرق والسكك الحديدية وأقامت مدارس وبعض معاهد علمية، فإن هيكل المجتمع لم يطرأ عليه تغيير من عدة وجوه. والحق أنه كان في مكنة الحكومة النمسوية المجرية أن تكتسب إلى صفها بهذه الوسائل الجانب الأكبر من أشراف المسلمين غير أن بقاء مسألة ملكية الأراضي الزراعية دون حل، أدى إلى ركود الزراعة وأثر تأثيرًا سيئًا في الفلاحين وبخاصة الكمت (ومعظمهم من المسيحيين الأرثوذكس). ولم يقرب صدور قانون الاسترجاع الاختيارى للأرض في سنة 1911 م من حل مشكلة الملكية العقارية، ولم ينتج عنه إلا تغييرات قليلة الأهمية في العلاقات القائمة.
وقام ب. كالاى Kallay . وزير المالية في المملكة الثنائية، وكان إلى ذلك مؤرخًا ذائع الصيت، بالدور الرئيسى في توجيه سياسة النمسا والمجر في البوسنة والهرسك من سنة 1882 إلى 1902 م. وقد حاول أن ينشئ أمة بوسنوية ولغة بوسنوية لكى يجعل للبوسنة والهرسك كيانًا مستقلًا في داخل المملكة الثنائية، ويكبح من انتشار
القومية الصربية الكرواتية. وعجزت للك السياسة عن أن تستميل إليها من بين الأهلين عددًا كافيا من المشايعين. فقد نما الوعى القومى عند الصرب والكروات، وكانت الأغلبية المسلمة، التي لم تتضح لها بعد جنسية، تنظر إلى تركية على أنها الوطن الأم. هذا إلى أن كثيرًا من الأسر البوسنوية قد استقرت في تركية واتخذتها موطنًا، وكان الزعماء المسلمون يلحون في إصرار على الحقوق السلطانية للسلطان العثمانى على مسلمي البوسنة والهرسك، ولم يتبن القضية البوسنوية غير فريق صغير من المستنيرين وأصحاب الأراضي المسلمين.
أما الحركة الصربية السياسية فقد جعلت همها الأكبر الوصول إلى الاستقلال الذاتى في أمور الكنيسة والحرية في إدارة مدارس الطائفة. ووجدت الفكرة أنصار، لها بين جموع كبيرة من السكان وجماعة المستنيرين الناشئة حديثًا، بيد أن الكازدا الصربيين (أصحاب الثروة) هم الذين اندفعوا إلى المقدمة وقادوا الحركة، وذلك لأن سخطهم كان عامًا بسبب تغلب المصالح المالية النمسوية المجرية ورأس المال التجارى على ما كانوا يمارسونه من الربا في أعمال التجارة. ونجحت الحركة في جهودها. ومنحوا استقلالا ذاتيًا في مسائل الدين والتعليم الدينى.
وأخذت الريب تزداد في نفوس المسلمين من جراء اعمال أتت بها السلطات النمسوية المجرية. فلكى تتمكن الحكومة من الإشراف على المعاهد الدينية ابتدعت سنة 1822 م منصب "رئيس العلماء"، وهو الرئيس الدينى الأعلى لمسلمى البوسنة والهرسك. وكذلك "علما مجلس"، أعلى هيئة دينية ذات سيادة، يرأسها رئيس العلماء ومعه أربعة أعضاء. وبلغ الأمر بهذا النظام إلى التحكم في حقوق ديوان الأوقاف. وسخط المسلمون وارتاعوا وقدموا التماسًا للإمبراطور سنة 1886 م يرجونه فيه أن يمنحهم الاستقلال الذاتى في إدارة الأوقاف، وفي سنة 1899 م نشب صراع مرير بقيادة أ. ف دجابيج مفتى مستر، لتحقيق الاستقلال الذاتى، دينيًّا وتربويًا
لجميع مسلمي البوسنة والهرسك. وارتبط الصراع بالحركة الأرثوذكسية (الصرب). وأصر دجابيج على طلب أكثر ما يمكن من الامتيازات ولكن آراء الأغلبية هزمته. وفي سنة 1900 عرض على الوزير كالاى مسودة قانون للطائفة الدينية الإسلامية، أكدوا فيه تأكيدًا خاصًّا الحقوق السلطانية للسلطان على مسلمي البوسنة والهرسك، وهو مبدأ لم تكن السلطات النمسوية المجرية مستعدة لقبوله، ولما غادر دجابيج مفتى مستر البوسنة والهرسك للمشاورة مع السلطان؛ منع من العودة إلى البوسنة والهرسك. وأخذت الحركة من سنة 1906 م فصاعدًا شكلا أكثر تنظيمًا وتحديدًا. وانتخبت لجنة تنفيذية من التنظيمات الشعبية الإسلامية يرأسها "على بك فردوس" وبينما اللجنة تناضل في سبيل مصالح أصحاب الأملاك إذا بهم يدخلون في نفس الوقت في مفاوضات مع الحكومة من أجل الحكم الذاتى الدينى. وتلكأت المفاوضات لأن الحكومة النمسوية المجرية رفضت أن تعير أذنها لسماع أدنى تلويح بالحق السلطانى للسلطان على مسلمي البوسنة والهرسك. ووصلت المفاوضات بعد الانضمام إلى نتائج مرضية، عندما أجاز الإمبراطور القانون الخاص بحكومة مستقلة ذاتيًا للشئون الدينية لمسلمى البوسنة والهرسك (وقف معارف)، خولت فيه بموجبه السلطة الإدارية العليا فيما يتعلق بالأوقاف ورواتب المدارس والكليات إلى ديوان وقف معارف (سابور)، المكون من ثمانية أعضاء معينين بحكم وظائفهم وهم رئيس العلماء وستة مفتين ومدير ديوان الأوقاف، ومن أربعة وعشرين عضوًا تنتخبهم لجان ديوان الناحية. ورئيس السابور هو رئيس العلماء بحكم منصبه. وكانت لجنة "وقف معارف" هي الأداة الإدارية والتنفيذية معًا. وكانت لجان الناحية من الجماعات الأقل شأنًا في ديوان "وقف معارف" وتنتخبها جمعيات الناحية، ومن بينها جمعيات و "جمعيات مجلس". ويتولى السلطة الدينية العليا "علما مجلس" ويتكون من أربعة أعضاء ويرأسه
رئيس العلماء. ويكون انتخاب الرئيس وأعضاء مجلس العلماء عن طريق جماعة انتخابية منفصلة مكونة من ستة مفتين وأربعة وعشرين عضوًا منتخبًا وتعرض الجماعة الانتخابية على الإمبراطور ثلاثة من المنتخبين المرشحين للرئاسة ويعين واحد منهم في منصب الرئيس بمرسوم، ولاينهض هذا بأعماله إلا بعد حصوله على إذن (منشوره) في مباشرة واجباته الدينية من شيخ الإسلام بإستانبول. ويرسل الالتماس الخاص بذلك إلي إستانبول عن طريق سفارة النمسا والمجر. وإذا شغر مكان في مجلس العلماء عين فيه واحد -من قبل وزارة المالية- من اثنين من المنتخبين المرشحين. ولكل إدارة (Okrog) مفتيها الذي تختاره الحكومة من بين المرشحين الذين يعرضهم "علما مجلس". وتؤدى الميزانية البلدية مرتبات كبار الموظفين والمستخدمين الدينيين. وقد سوى القانون أيضًا مسألة المدارس الطائفية للمسلمين وحقوق كبار الموظفين الدينيين فيما يختص بالقضاة الشرعيين.
وباندماج البوسنة والهرسك في يوغوسلافيا برزت مسألة الطائفية الدينية الإسلامية مرة أخرى في المقدمة. وفضلًا عن ذلك فقد كان هناك مسلمون في يوغوسلافيا، خارج البوسنة والهرسك، وبقى قانون سنة 1909 م سارى المفعول، رغم ذلك، حتى سنة 1930 م، وكانت هناك منظمة دينية إسلامية قائمة بذاتها تضم الصرب ومقدونيا والجبل الأسود. وأصيب بعض ملاك الأراضي المسلمين من جراء تطبيق الإصلاح بأفدح مما أصيبت به الأوقاف في البوسنة والهرسك، ذلك لأن أملاك الأوقاف كانت أرض بناء في المدن أكثر منها أرض زراعة في الريف. بيد أن اللامركزية في إدارة الأوقاف في البوسنة والهرسك والإدارة المالية المختلة، والتصرفات السيئة، كل هذا جر عليهما النكبات.
وبعد إلغاء الحكم النيابى في يوغوسلافيا نفذ في سنة 1930 م قانون خاص بالطائفة الدينية الإسلامية ودستورها في المملكة اليوغوسلافية،
وهكذا اتحدت الطوائف الدينية الإسلامية المستقلة استقلالا ذاتيًا من العهد السابق، تحت رئاسة رئيس واحد هو رئيس العلماء ورئيسين من "مجلس علماء". ونقل كل من المقر الرسمى لرئيس العلماء ومركز ديوان الطائفة الدينية الإسلامية إلى بلغراد. ثم كان هناك فوق ذلك مجلسان للعلماء ومجلسان "لوقف معارف" بلجانهما الإدارية، وكانت مكاتبهما الرئيسية في سراييفو وسكوبيه. وكان المفتون، وديوان ناحية "وقف معارف" برئاسة أحد قضاة الشريعة، "وجمعيات مجلس" برئاسة "جمعيت إمام" أدنى من ذلك سلطة.
ومن الممكن أن نرى معالم القانون والدستور فيما هو واقع من أن أغلبية المناصب كانت بالتعيين وأن منصب رئيس العلماء كانت له الصدارة في مجلس العلماء. وكان رئيس العلماء، في الواقع رأسًا ورمزًا لطائفة دينية إسلامية موحدة في الدولة بينما كانت الإدارة ثنائية (سراييفو وسكوبيه)، وسنت قوانين خاصة لتنظيم انتخاب المرشحين لمنصب رئيس العلماء من بين أعضاء مجلس العلماء والمفتين. وكان على الجماعة الانتخابية أن تختار ثلاثة مرشحين لمنصب الرئاسة يعين واحد منهم بأمر ملكى بتوصية من كل من وزير العدل ورئيس الوزراء. وكان تعيين أعضاء مجلس العلماء والمفتين كذلك بأوامر ملكية بتوصية من وزير العدل.
وبنفاذ القانون الجديد والدستور في سنة 1936 م حدثت تغييرات لا تتعارض، مع ذلك، مع الموحدة التي يعبر عنها منصب الرئيس ولا مع ثنائية الجماعات الحاكمة الأخرى. وأصبحت الإدارات الرئيسية للطائفة الدينية الإسلامية هي ما يأتي: جماعت مجلس، ومأمورية أوقاف الناحية، وعلما مجلس في كل من سراييفو وسكوبيه، وجمعية وقف معارف في سراييفو وسكوبيه (سابور)، مع لجان الجمعية، ودواوين الأوقاف، ورئيس العلماء مع من يختاره أو بكامل هيئة المجلس. وكان محل إقامة الرئيس في سراييفو. واستغنى عن وظيفة المفتى. والميزة الأولى لهذه
التنظيمات هي في تخير الجماعات وكبار موظفى الدولة. فلانتخاب أعضاء لمجلس العلماء كانت كل جمعية تختار جماعة انتخابية من عشرة أعضاء، وهذه بدورها تشكل جماعة انتخابية واحدة لانتخاب ثلاثة مرشحين للرئاسة. وكما كان يحدث سابقًا، يعين واحد من المرشحين (وهو في الغالب من يحصل على أكثرية الأصوات) بأمر ملكى بناء على توصية من وزير العدل وكان عن طريق هذا التنظيم أن أثبتت المنظمة الإسلامية اليوغوسلافية -وهي الحزب الذي يتزعمه م. سياهو- وجودها في الجماعة الدينية.
وفي يوغوسلافيا الجديدة صين مركز الجماعة الدينية الإسلامية وامتيازاتها بأحكام سنت في الدستور وعدلت بقانون سنة 1953 الخاص بالمركز الشرعي للطوائف الدينية المختلفة. وفصلت التنظيمات الدينية عن الدولة، واعتبر اعتناق معتقدات دينية مسألة خاصة. وسمح للطوائف الدينية أن تدير مدارس لتخريج موظفين ومستخدمين دينيين، كما سمح للدولة أن تمد يد العون لهذه الطوائف الدينية.
وتدار سياسة الطائفة الدينية الإسلامية بموجب أحكام دستور الطائفة الإسلامية في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الشعبية، الذي سنته ونفذته الجمعية التشريعية العليا للأوقاف في سنة 1947 م. وأدخلت عليه منذ ذلك الوقت تعديلات وأضيفت إليه أخرى. واستكمل الدستور وحدة التنظيم الدينى للمسلمين، لا عن طريق منصب رئيس العلماء فحسب، بل عن طريق إنشاء الجمعية التشريعية العليا للأوقاف أيضًا، التي رخصت في نفس الوقت من أجل البناء الاتحادى للدولة، بإنشاء مجالس علماء وجمعيات تشريعية للأوقاف كل على حدة في الجمهوريات الأربع التي يؤلف فيها المسلمون جانبًا عظيمًا من السكان. وتنتخب الجمعية التشريعية العليا للأوقاف كلا من رئيس العلماء والأعضاء الأربعة في الهيئة العليا.
المصادر:
(1)
N. Stojanovich، O. Naszhich، V. Skarich - Bosna i Hercegovina pod austro ugarskom upravom، Srpski nauod u XIX veku بلغراد، سنة 19378.