الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمام بوادر الفتن في الجيش، ولكن هذا الخديو اشتهر من الناحية الأخرى بلين العريكة والتنور فكان محل تقدير جميع الذين اتصلوا به، ومن بينهم اللورد وغيره من الساسة الأوروبيين الذين وصفوه في كتاباتهم (1). وتزوج توفيق باشا وهو في الحادية والعشرين بأميرة من البيت الخديوى، ولم يتزوج عليها بقية حياته.
المصادر:
(1)
جورجى زيدان: مشاهير الشرق، القاهرة، 1910 جـ 1، ص 48 وما بعدها.
(2)
Modern Egypt: Lord Cromer ، لندن عام، وخاصة ص 715 وما بعدها.
(3)
Geschichte Ae-: A. Hasenclever aim 19 Jahrhumdert gypttens هال سنة 1917 وبخاصة ص وما بعدها.
[كرامرز J.H Kramers]
توفيق فكرت
واسمه على التحقيق محمد توفيق، أما الاسم المستعار الذي كان يوقع به أشعاره وهو "فكرت" فقد تسمى به في عهد متأخر بدلا من "توفيق نظمى" الذي استعاره قبل ذلك: شاعر وناظم تركى فحل، وهو صاحب المدرسة الحديثة في الشعر التركى.
ولد في الآستانة في الثامن والعشرين من شعبان عام 1284 هـ الموافق للخامس والعشرين من ديسمبر عام 1867 م، وكان أبوه حسين أفندى كاتب سر فاطمة سلطان، ثم أصبح متصرفا، وقد انحدر من أسرة من أعيان الجركس في الأناضول. وأمه خديجة رفيعه هانم، وهي سيدة تركية من جزيرة خيوس Chios، ولعلها من أصل يونانى. وقد عنى بتعليمه، فأرسل أول الأمر إلى مدرسة محمودية والده رشديه في آق سراى حتى إذا أغلقت هذه المدرسة من جراء تدفق المهاجرين في الحرب التركية الروسية التحق في التاسعة من عمره بمدرسة
(1) نظن أن الغرض في هذا التقدير واضح لا يحتاج إلى تعليق.
غلطه سراى العليا (غلطه سراى سلطانى سى)، وظل متصلا بها طوال حياته تقريبا. فلما بلغ الحادية عشرة ماتت عنه أمه وكانت قد ذهبت حاجة مع أخيها الأكبر إلى مكة فماتا في البادية بالهواء الأصفر (ولم يقدر فكرت فجيعته فيها إلا عند وفاة أخته، فبكاها بمرثية: همشيرم أيجون في عام 1318 هـ الموافق لعام 1900) وكان في طفولته خشن الجانب خليت بينه وبين رغائبه، ولكنه لما كبر كبح جماح نفسه ومال إلى الجد وعزف عن الناس واستغرق في نفسه. وفي عام 1304 هـ (1886 - 1887 م) تخرج في المدرسة وكان أبرز طلابها، ثم التحق بوظيفة من وظائف الباب العالى، وانصرف عنها عام 1311 هـ، ذلك أن حياة الخمول التي كانت تتسم بها وظائف الحكومة وقتذاك لم توافق طبعه المستقيم. وقام في الوقت نفسه بتدريس الفرنسية والتركية والخط في مدرسة التجارة في كديكُ باشا. وفي عام 1306 هـ (1888 - 1889 م) أصبح مدرس اللغة التركية في مدرسة غلطه سراى العليا، ثم تركُ عمله فيها عام 1311 م (1893) لأن الحكومة أنقصت راتبه. وفي 1312 (1894 - 1895 م) أصبح مدرسا بكلية روبرت في روملى حصار، وبقى فيها حتى وفاته. وقد ابتنى لنفسه في روملى حصار "دار آشيان" وزينها وفق مزاجه الفني الخاص (وكانت له مشاركة في الفن أيضًا) وسط منظر رائع، وعاش فيها حياة ريفية هانئة جديرة بشاعر، مع زوجه، وكانت ابنة عمه، وقد بنى بها عام 1306 هـ (1888 م) ومع. ابنه خالوق الذي أهدى إليه أحد دواوين شعره ومن عجائب المقدور أنه بينما ماتت أمه حاخة تنصَر ولده خالوق في كلاسكو ثم. مهندسا في أمريكا، وهكذا فقدته القضية التركية.
واشترك توفيق منذ. م 1307 هـ في تحرير جريدة المرصاد التي كان. ينشرها الشاعر إسماعيل صفا. وأنشأ هو وبعض رفاقه الذين يتفقون معه في المزاج الأدبى مجلة "معلومات" وقد عطلتها الرقابةجعد صدور أربعة وعشرين عددًا منها.
وفي عام 1311 هـ أشرف من الناحية الأدبية على تحرير مجلة "ثروت فنون" المشهورة التي أنشأها أحمد إحسان عام 1890. وقد نشط لصناعة الأدب منذ ذاك حتى أصبح في وقت قصير مؤلفًا ذائع الصيت. ولقى في عهد السلطان عبد الحميد جميع صنوف العنت. ونصبته حكومة تركية الفتاة بعد ثورة عام 1908 مديرًا لمدرسة غلطه سراى العالية بعد ما رفض منصب وزارة المعارف.
وقد حاول أن يجعل من هذه المدرسة معهدًا، تركيا مثاليًا، غير أنه سرعان ما اصطدم برجعية وزارة المعارف وجمودها فاعتزل عمله عام 1327 هـ (1910 م) ثم وقف نفسه على نظم الشعر والتدريس بكلية روبرت. وترجع إلى هذا العهد خطته في إصلاح التعليم بإنشاء صنف جديد من المدارس التركية "يكى مكتب". ولكن هذه الخطة لم تنفذ قط. وتوفى بعد مرض طويل عام 1331 هـ أي في الثامن عشر من أغسطس عام 1915.
وبدأ فكرت بنظم غزلياته وهو حدث في الرابعة عشرة من عمره، وتأثر القدماء في ذلك (منتخبات ترجمان حقيقت، ص 533) وزاد قرانه الأدبى بمجاورة شيوخه في الأدب فيظى ومعلم ناجى وبخاصة رجائى زاده إكرم، وكان له على شاعرنا سلطان كبير، مثله في ذلك مثل أبناء الجيل الجديد جميعًا. ويعود الفضل إلى إكرم أيضًا في حمل فكرت على رياسة تحرير مجلة "ثروت فنون" ودخلت المجلة في طور جديد بانضمام فكرت إلى هيئة محرريها. وقد رسمت المجلة المثل للأدب التركى العصرى بأسره، ويعرف هذا المثل في الأدب التركى بطور توفيق فكرت (في الشعر) وخالد ضيا (في النثر). وسرعان ما انضم المشتركون في تحرير صحيفة "مكتب" - التي كان يصدرها حسين جاهد على النسق الغربيّ- إلى مجلة ثروت فنون. وكانت هيئة محرريها تضم على إكرم وعبد الحق حامد وجناب شهاب الدين وخالد ضيا وعلى نادر وحسين ناظم وأحمد رشيد. وكانت "مصور معلومات" تمثل الاتجاه الشرقي لهذا الأدب.
ونشر فكرت بعد أن خلص من أعبائه بعامين أهم كتبه: "رباب شكسته .. "أي العود المحطم (أدبيات جديدة كتبخانه سى، رقم 2، إستانبول سنة 1314 هـ الموافق عام 1896 م) وقد لقى هذا الكتاب نجاحا لا نظير له، وطبع مرات كثيرة (وطبع بعد ذلك مع بقية كتبه المتاخرة). ونظم عام ، 1317 " سيس"(أي الضباب)، وهي أقوى قصائده وقد حمل فيها على استبداد عبد الحميد.
ولا يجد قارئها اليوم ما كان يجده فيها وقتذاك من عنف. ونشر بعد الثورة "رجوع". وفي 1318 هـ الموافق عام 1900 م نظم مرثيته "همشيرم إيجون"، وفي عام 1322 هـ الموافق عام 1904 م نشر "لحظة تأخر" بعد فشل الاعتداء على السلطان عبد الحميد، كما نشر عا 1908 م " ملت شرقيسى". وقد نشر في العدد الأول من مجلة "طغين" التي كان يصدرها منظومتيه "سيس" و"رجوع" اللتين كانتا تتداولان سرًّا.
وفي عام 1327 هـ الموافق عام 1909 نشرت "دوقسان بشه دوغرى" ولقيت استحسانا عند ظهورها في عدد خاص من صحيفة "فجر آتى، ربابكك جواب، خلو قيس دفتر" ونشرت بحذافيرها مرة أخرى في "أدبيات جديدة كتبخانة سى، رقم 31" وظهرت في عام 1328 هـ الموافق لعام 1910 م قصيدته "خوان يغما"، كما ظهرت عام 1330 مجموعة أناشيد للأطفال في بارماق حسابى: شرمين، وهي آخر ما صدر عنه.
ولم تكن تواليف توفيق فكرت كثيرة، إلا أنها تحتل مكان الصدارة في الأدب التركى. وقد كثر الآن الخلاف حول شخص فكرت، فبينما أسرف قوم في مدحه أيام حياته فقالوا إنه شاعر فحل مفلق إذ يقوم آخرين ينقصون من قدره بعد وفاته فيرمونه بإيثار البديع والبراعة في النظم. وذاع صيته وشيكًا ثم انعكست الآية بعد وفاته، ويلخص النقد التالي هذه النظرة الجديدة إليه:"إن فكرت خالد في الأدب التركى لبراعته في النظم وذكره باق لرجولته، ولكن شاعريته قد عفيّ عليها النسيان".
وفكرت -ككل شاعر- يجب أن يدرس في عصره وفي محيطه إنصافًا له، فهو أستاذ متضلع في النظم وهو خالق النهضة التركية وأكبر ممثل للمدرسة المستغربة، وقد تخلص العصر السابق الذي كان يمثله كمال وحامد وإكرم من غلبة القوالب العربية والفارسية ولكنه أبقى على الروح الشرقية.
وكان العبء الملقى على هذا العصر هو التخلص من النظرة الإسلامية للحياة وإحلال النظرة الغربية -أو قل الفرنسية- مكانها، وقد تأثر فكرت بالأدب الفرنسى فاستقى من فرانسواكوبيه Francois Coppee والكونت ده ليل صولى يرودوم Sully Prudhc، كما اغترف من موسيه Musset ولامرتين وبودلير Baudelaire وفرلين Verlaine.
وابتكر فكرت لغة شعرية جديدة، واصطنع قواعد جديدة للقوافى على أساس أن القافية لا يقضد بها إلى العين كما هو الشأن عند إكرم وعبد الحق حامد وإنما يقصد بها إلى الأذن، ووفق - بفضل سلامة ذوقه وسداد رأيه- إلى ترقية اللغة مبنى ومعنى وفق الأساليب التركية، فقضى بذلكُ على الفوضى اللغوية وصب في القوالب التركية الدخيل من الكلمات والقوافى، وإن لم يعترض من حيث المفردات على ازدحام التركية بالألفاظ العربية والفارسية.
ولذلك نجد في شعره الكثير من الألفاظ الغريبة غير التركية. وأسدى فكرت للغة الشعر ما أسداه نامق كمال للنثر. وعممت القواعد التي وضعها وانتهجها حتى لم يعد أحد يستشعر أنها كانت من المبتدعات. وكان جل اهتمامه موجهًا إلى اللغة من هذه الناحية، ففاق بذلدُ غيره من الشعراء. وهو يشبه من حيث سلامة اللغة معلم ناجى ويبزهم جميعا في امتلاكُ ناصيتها. ويشبه أيضًا بلاتن Platen بعض الشبه فلغته بليغة ونظمه برئ من الخطأ حتى أن خصوم "الانحطاط"- مثل أحمد مدحت- لم يأخذوا عليه هفوة، وعبارته مصقولة كالمرمر لا روح فيها.
وظهرت سماته الخاصة به حتى في غزلياته الأولى كان خضع بكليته لسلطان المدرسة القديمة. وزاد امتلاكه
لناصية اللغة، وسرعان ما تبحر في الأوزان فتفوق بذلك على جميع أقرانه وأصبح شعره مثلًا يحتذيه الشعراء كافة.
وكانت المدرسة القديمة تجعل البيت من الشعر وحدة قائمة مستقلة عما سواها (وهذا هو السبب الذي جعل الأبيات، وخاصة في الغزل، غير مقيدة بالقصيدة حتى كثر نقلها) ولكن فكرت سار على نقيض ذلك فترجم عن مشاعره في مجموع من الأبيات. ومن ثم اتصفت أبياته بالمرونة والقرب من الطبيعة اللذين برئ منهما حوار حامد المنظوم. وأراد أن يكيف لغة أشعاره بحيث ينسجم جرسها مع الموضوعات التي تعالجها وهذا ما حاوله نفعى قبله ومن الجدير بالملاحظة مقدمته للقصيدة التي شاعت في التركية منذ ذلك الحين. وظل فكرت يؤثر الطول في بحوره ولم يخرج على هذا إلا في الأناشيد التي نظمها للأطفال، ولولا هذا ما أجمع أنصار المدرسة القديمة على أنه شاعر.
وكان ذكاء. فكرت ذكاء نقادة عالج به مشكلات عصره الأخلاقية والدينية والسياسية ولم يستمع في ذلك إلا لصوت قلبه وضميره. ولكنه لم يكن فيلسوفًا يستطيع أن يجد حلا لمشكلات الإنسان، ولم يكن من أصحاب ما وراء الطبيعة فينفذ في أعماق النفس. وكانت ملكاته العقلية عادية جدًّا، بل نستطيع أن نقول إنها كانت دون المتوسط. أما مصنفاه "إينا نمقٌ احتياجى" و"تأريخ قديم" فيفصحان عن الإلحاد المأثور عن عصره. ففي عهد عبد الحميد الاستبدادى الخانق، ثم في عهد تركية الفتاة الذي فشا فيه التعصب والفوضى، استطاع فكرت باستقامته واعتداده بنفسه وإخلاصه الشديد لواجبه وحماسه الفياض أن يؤدى خدمة جليلة لوطنه بالأشعار التي نظمها، مما جعل الدعوة توجه إلى شباب ذلكُ العصر:"كن في نفسك مثل فكرت، ولوطنكُ مثل نامق كمال! ". وفي كل قصيدة من قصائد فكرت درس يتعلم، ومن ثم كان له سلطان كبير في تثقيف شباب تركية، وكان يؤمن إيمانا قويا بفائدة التعليم.
وتوفيق فكرت شاعر وإن لم تكن له المكانة العظيمة التي أسبغها عليه
معاصروه، فقد كان يعوزه الشعور المتدفق الذي اتسم به نامق كمال وبخاصة في أشعار الطور الثاني من حياته. فإن الإشعار التي جرح بها الاستبداد- مثل قصيدته "سيس" القوية والتي كان شباب العصر ينزلونها منزلة الكتب المقدسة- أصبح الناس يرونها فاترة يعوزها الصدق. ولم تكن هذه الأشعار وليدة القنوط كما كانت أشعار نامق كمال. وقد مجد فكرت أصغر الأشياء وأقلها قيمة، ففاق بذلكُ إكرم الذي قال إن كل شيء صالح للشعر، وقصر جهده عند التطبيق على الزهر والسحب والماء والفجر إلخ. وجرى فكرت على مألوف عصره فنظم عدة مقطوعات على الصور التي تنشرها المجلات وأثبت بعضها في ديوانه "رباب شكسته". وجدير بنا أن نذكر بنوع خاص القصائد الواضحة المعالم التي يتميز بها نديم ونفعى وفضولى وحامد. وكان فكرت يتعسر في النظم، يصارع الألفاظ والمعانى حتى يتم القصيد، ويتضح لنا هذا من اعترافه ومن الجهد والمشقة الظاهرين في أشعاره مما يقلل من شأنها بوصفها من آثار الفنون، كما يتضح من قلة إنتاجه بعض الشيء.
المصادر:
نذكر إلى جانب مؤلفات توفيق فكرت التي ذكرناها وأشعاره المتفرقة في المجلات والدواوين:
(1)
إقدام، رقم 6648، 20 أغسطس 1915.
(2)
بروسه لي محمد طاهر: عثمانلى مؤلفلرى، إستانبول سنة 1333، هـ جـ 2 ص.380
(3)
نزهت هاشم: من أدبياته دوغرى، إستانبول، سنة 1918 ، ص 169
(4)
روشن أشرف: توفيق فكرت، حياتنه دائر خاطرلر، إستانبول سنة 1919
(5)
إسماعيل حبيب: تورك تجدد أبياتى تاريخي، إستانبول سنة 1340 هـ، ص 440 - 457
(6)
كوبريلى زاده محمد فؤاد: بوكونكى أدبيات، إستانبول سنة 1324 هـ، ص 324 - 329