المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تونس (*) ويقال "تونس": حاضرة بلاد تونس، وهي على خط عرض - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌تونس (*) ويقال "تونس": حاضرة بلاد تونس، وهي على خط عرض

‌تونس

(*)

ويقال "تونس": حاضرة بلاد تونس، وهي على خط عرض 36 ْ 47 َ 39 َ شمالًا، وخط طول 7 ْ 51 َ شرقي كرينويتش. وتونس في الوقت الحاضر مدينتان متصلتان متباينتان تمام التباين، تختلف الحياة في إحداهما عن الأخرى اختلافا عظيما. فالأولى مدينة يسكنها أهل البلاد، وليسوا جميعا من المسلمين، وهي أثر من آثار القرون الخوالى بقى على حا له أو كاد، أما الأخرى فمدينة أوربية حديثة النشأة مظهرها جديد كل الجدة ومازالت تنمو وتتسع باطراد. والمدينة القديمة على مسيرة ثلاثة أرباع الميل تقريبًا من طرف البركة المسماة ببحيرة تونس، وهي ترتفع شيئًا فشيئا من الشرق إلى الغرب حتى تشرف على مغيض من ماء ملح كاد يجف يعرف بـ "سبخة السيجومى"، وعلى هذا الجانب خارج أرباض تونس ذروة "المنوبية"، وفيها مشارف مترامية وإلى الجنوب الشرقي من المدينة وفي كنفها هضبة سيدى أبي الحسن وجبل الجلود، وعلى مسافة أخرى تلال Bir Kassa " بيركسَه" وإلى الشمال هضبتا "بلفادير" و"رأس الطابية" ووراءهما جبل أحمر وجبل نهيل. ولا تحول هذه المعارج بين تونس وبين سهولة الاتصال بسهل مرناق ووادي نهر ملْيَنَة من ناحية وبسهل منْوبة ووادي مَجِردةَ من ناحية أخرى، كما يصلها ساحَل البحيرة الشمالي بحلق الوادي Goulette وقرطاجنة. وحصونها الطبيعية جيدة وإن لم تكن ممتازة، وموقع تونس موُات جدًّا من الوجهة الاقتصادية، فهي على المخارج من أواسط بلاد تونس، في موضع جد خصيبء وهي قريبة من البحر والصلة بينها وبين السواحل الأوربية الدانية قريبة.

ويقال في تفسير كلمة تونس أنها من مصدر عربي وأن مدينة ترشيش التي ورد ذكرها في

(*) السكان: 9.018.687 نفس.

الكثافة السكانية: 142 في الميل المربع المناطق الحضرية: 60 %، العاصمة: تونس الحكم: جمهورى، الرئيس زين العابدين بن على المولود في 3 سبتمبر 1936 والذي شغل منصبه في 7 نوفمبر 1987.

ص: 2434

الكتاب المقدس. وينقل بعضهم عن بعض في غير تثبت. وأنهتد بعد إلى اشتقاق معقول وقد قيل إن اسم تونس - كمدينة تونس نفسها- يرجع إلى العهود البونية إن لم يكن قبلها. وروى ديودورس Diodoros وبوليبيوس bius أن تينس بلدة كبيرة شيدت وراء حصون، ولا شك أنها قامت في معظمها حول "القصبة" الحالية على مسافة من البحيرة وكانت صالحة للملاحة وقتذاك. وقد حاصرها الليبيون وفتحوها، وهم الذين ثاروا في مستهل القرن الرابع عشر قبل الميلاد ثم فتحها أكاثو قليس Agathocles ركولوس ns L. وكانت معسكر الجند المرتزقة الثوار ثم سقطت في يد سقبيو الإفريقى Scipio Africanus. ولعل سقبيو الأمليانى Scipio Emillianus هو الذي دمرها (انظر du Nord . المجلدات الأول والثاني والثالث في مواضع مختلفة).

ويجب ألا نخلط بين تينس التي غدت تونس فيما بعد وبين مدينة أخرى بالاسم نفسه على رأس بونة (1) وتعرف بالبيضاء، ونحن نتساءل: هل كانت تينس هذه من أهم حواضر السكان الأصليين

وأعظم المدن الليبية بلا منازع تقابلها المستعمرة الفينيقية "قرطاجة" كما زعم تيسو Tissot .

ومهما يكن من شيء فقد أخملتها منافستها الزاهرة زمانًا طويلا. ولم تصبح مدينة عظيمة إلا بعد ذلك بأمد طويل ولم يكن لها شأن خاص في عهود الرومان والوندال والبوزنطيين. وقد وصلها بقرطاجنة طريق رومانى، ولم يكن يذكرنا بوجودها سوى إشارات متفرقة في مصنفات الجغرافيين أو رجال الدين. ونحن نتساءل: أمن الأساطير أم من التاريخ حياة القديسة زيتونة St- Olive التي عاشت أيام الوندال، والتي يقال إن الجامع الكبير (جامع الزيتونة) سمى باسمها، وإن الملك مارتين صاحب أرغون طالب بجثمانها رسميا عام 1402

(1) اسمه في الكتب العربية رأس أدار.

ص: 2435

وكان الفتح الإسلامي، فبرزت مدينة تونس من الظلمات إلى النور فجاة، وسجلت اسمها في صفحات التاريخ بوصفها المدينة الإسلامية التي ورثت بعض مفاخر قرطاجنة، ثم سرعان ما أخذت تنافس مدينة القيروان. فلما استولى حسان بن النعمان عام 698 م على قرطاجنة، العاصمة القديمة، ودمرها بادر إلى البليدة القائمة عند نهاية البحيرة وأخذ يحولها إلى قاعدة بحرية تقلع منها الأساطيل في سفرات نائية، ويحتمى فيها من مباغتة الروم. وشيد في تونس "دار الصناعة" ولعله جلب من مصر ألف أسرة قبطية تزود هذه الدار بمهرة الصناع. ولسنا نعرف عن المدينة نفسها في هذه الفترة شيئًا محققًا وكل الذي نستطيع أن نتبينه ظنون يشوبها الابهام عن أصل مختلف الشعوب التي نزحت إليها: فالذي لاشك فيه أنه نزلها أولًا تجار وعمال نصارى ثم أخذ سكانها يتضاعفون بمن أسلم من أهلها، ومن انضم إليهم من الجند العرب وكانوا غلاظًا مشاغبين (1) والمسجد الجامع هو أول بناء إسلامي بحق شيد لغرض ديني، وقد ظل قبلة أهل المدينة قرونًا، وفي رواية أن الذي شيده هو ابن الحَبْحاب عامل بنى أمية (وقد بنى عام 114 هـ الموافق 731 م) وهو الذي جدد كذلك دار الصناعة. ولكنا لا نعرف من الذي شيد الأسوار التي قال اليعقوبى إنها كانت كلها من الطين اللبن إلا عند البحيرة، كانت من الحجارة. وصفوة القول أن تونس لم تكن كالقيروان في انتظام نشأتها، فقد نمت فجاة، وتبدلت حياتها السياسية والدينية والاجتماعية تبدلا عظيم الخطر وتهيأت لشأنها الجديد الذي أملته الظروف وإرادة فاتحها البعيد النظر، ولعل ذلكُ لم يكن طفرة كما يتبادر لأول وهلة بل تم على مراحل.

وأخذت مدينة تونس تتوسع في تجارتها إبان القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ولكنها كانت مع ذلك مشهورة بصفة خاصة بتدريس الفقه

(1) هذا الوصف لا يطابق حال الجند الفاتحين الذين نشروا في البلاد هداية، وأنقذوها من ظلمات الجهالة والاستعباد.

محمد الخضر حسين

ص: 2436

وعلوم الدين فكان فيها- قبل أن يرتفع صيت القيروان- علماء مبرزون ساهموا بدروسهم في نشر الإسلام بين ربوع البلاد بأسرها: منهم المحدثان علي بن زياد وعباس بن الوليد الفارسى. وقد صنف أبوالعرب التميميّ في مستهل العهد الفاطمي رسالة نافعة في طبقات هؤلاء العلماء التونسيين الأول (كتاب طبقات علماء تونس، نشره وترجمه محمد بن شنب مع "طبقات علماء إفريقية") وقد أضيفت إلى المسجد الجامع بنايات دعت الضرورة إليها كما زين بوسائل شتى. وأدخل على هذا المسجد تعديلات هامة لاشك أنها من عمل أحمد الأغلبى البناء العظيم. وعلى القبة المواجهة للمحراب نقش باسم الخليفة العباسى تاريخه 250 هـ الموافق م. ومهما يكن من شيء فقدكان من اليسير جلب الحجر والمرمر إلى تونس لتشييد المبانى دينية أو غير دينية. ذلك أن قرطاجنة كانت قريبة فما أيسر أن تنهب خرائبها وتهيئ الكثير من مواد البناء والعمد وتيجانها.

أما من الناحية السياسية فيظهر أن تونس كانت مجمع المغارضة ومركز مناهضة السلطان في القيروان. وكان الجند من بنى تميم الذين تضمهم أسوارها مبعث القلاقل والفتن، واشتركت تونس في جميع الفتن التي أخمدها عمال الأمويين والعباسيين ثم أمراء الأغالبة، واشتركت في الثورة الكبيرة التي حمل لواءها منصور الطنْبُذى، ففتحها زيادة الله الأول عنوة وخرب أسوارها عام 218 هـ الموافق 833 م، وأنزل بها إبراهيم الثاني جام غضبه بعد فتنة من هذه الفتن، ورأى أن يضبط أمورها بنقل بلاطه وقصبة حكومته إليها عام 281 هـ الموافق 894 م وشيد لهذا الغرض عددًا من المبانى منها "القصبة" ولكنه قفل راجعًا إلى رَقادَة بعد عامين اثنين، ولما حاول ابنه عبد الله الثاني أن يعود إلى الاستقرار في تونس قُتل عام 290 هـ الموافق 903 م في قصر بناه لنفسه وشيكًا، وقتل قاتلاه وعلق الأول على باب الجزيرة أو بعبارة أخرى (رأس. بونة) والثاني على باب القيروان. ولم تكن الأسباب قد تهيأت بعد لكى تصبح تونس قصبة إفريقية.

ص: 2437

وتعمد الفاطميون وخلفاؤهم من صنهاجة- وكانت قصبتهم في القيروان أو في المهدية التي أنشئوها- إهمال مدينة تونس. ويظهر أن أهلها ظلوا متمسكين بأهداب السنة. ومما له دلالته الكبيرة أن أعظم أولياء تونس، ولايزال يمجده الناس إلى الآن، قد عاش في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، أي في الوقت الذي اقتتل فيه أولو الأمر من الشيعة والثوار من الخوارج أعنف قتال في سبيل الغلبة على إفريقية: هذا الولى هو سيدى محرز (محرز بن خلف) الذي سأل ابن أبي زيد (327 هـ الموافق 939 م) تأليف رسالته الشهيرة وتلقاها، وهي اللاصة المعتمدة للمذهب المالكي في شمالي إفريقية (انظر ابن ناجى: معالم الإيمان، جـ 3، ص 138). وكان هو الذي أنزل السكينة في قلوب أهل المدينة بعد أن مرت بها تلك الفترة الوجيزة المشئومة التي احتل فيها أبو يزيد المدينة عام 332 هـ الموافق 944 م، وحثهم على إقامة سور مكين حولها وشجعهم على تنظيم أسباب الإتجار فيما بينهم. ولعل الفضل في بناء فندق "الحائرية" القديم راجع إليه، وهو قبالة زاويته تقريبًا وعلى مسافة قصيرة من باب كبير من أبواب المدينة، وربما صح هذا على "السويقة" التي سمى الباب باسمها فقيل "باب السويقة"، وثمة رواية متواترة تذهب إلى أن سيدى محز أنشأ أيضًا "حارة" اليهود وهي على مسافة من زاويته في اتجاه المسجد الجامع، وجلى أنه قصد بهذا العمل إلى أن يستبقى في ذلك الحى قومًا يحذقون التجارة خاصة، وهي من أسباب ازدهار المدينة.

وقد شهد ابن حوقل في القرن العاشر الميلادي بما كانت عليه مدينة تونس من ازدهار، فأطنب في وفرة غلاتها وحسن موقعها وثراء أهلها. وخص بالذكر فخارهاورى البساتين التي حولها بطواحين الماء. وزاد البكرى تفاصيل أخرى في القرن التالي فذكر الأسوار والخندق والأبواب الخمسة: وهي باب الجزيرة في الجنوب، وباب البحر الذي يفتح على الفرضة، وباب قرطاجنة في الشرق، وباب السقائين- وجلى أنه كباب السويقة في الشمال- وباب أرطه في الغرب؛ وكان مدخل

ص: 2438

الفرضة يغلق بسلسلة يحميها من الشمال سور ومن الجنوب حصن من الحجر يعرف بـ "قصر السلسلة". وقد أعجب البكرى بالمسجد الجامع، وكان درج مدخله (في الجانب الشرقي) كما هو الآن: اثنتى عشرة درجة، وبأسواقها الكثيرة العامرة وحماماتها، وكان فيها خمسة عشر حماماً، وأشار بكثرة زادها (الفاكهة والسمك) ولم يفته أن يذكر فخارها. ثم انتقل إلى موضوع آخر فتحدث عن إقبال أهل تونس على الفقه.

والظاهر أن تونس كانت في أمن ورخاء مايقرب من قرن، حتى وقعت الواقعة المشئومة في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي فقلبت الخالة الاقتصادية والسياسية بأسرها رأسًا على عقب، ونعنى بهذه الواقعة غزوة العرب الهلالية.

وغلب الفاتحون الجدد بنى زيرى الضعفاء على أمرهم فاعتكفوا في المهدية، ووقعت تونس زمانا في يد عابد بن أبي الغيث أمير بنى رياح عام 446 هـ الموافق 1054 مـ، ثم أرادت أن تأمن على نفسها فدخلت في طاعة الناصر الحمادى صاحب القلعة فأرسل إليها عامله عبد الحق بن خراسان الصنهاجى عام 451 هـ الموافق 1059 م وسرعان ماجاهر هذا العامل باستقلاله فتأسست بذلك أول دولة تونسية، ومكنت هذه الدولة لنفسها قرناً من الزمان إلا عشرين عاما (من 1128 إلى 1208) حتى غزاها الموحدون بعد ذلك بقرن على التحقيق.

وجار عليها أول الأمر الرياحية من بنى على، وكانوا قد وطدوا أقدامهم في المُعلقة من أعمال قرطاجنة فصالحتهم تونس لتأمن غاراتهم ووعدوا بألا يتعرضوا للناحية أو لأحد من أهلها نظير جزية سنوية، بل إنهم سرعان ماحضروا أسواق تونس للبيع والشراء جميعا. وسلمت المدينة من سعايات زيرية المهدية ونورمان صقلية، وعكر صفوها في الوقت نفسه شبوب الفتن والأحزاب المتنافسة وشغب الصف واقتتالهم والتنابذ بين الأحياء المختلفة، ومع ذلك فقد بدأت تجارتها في البحر تنفق في هذا العهد المضطرب، فانتظمت تجارتها مع إيطاليا ونمت، وازدادت

ص: 2439

العلاقات التجارية مع النصارى فأدى ذلك إلى رخاء لم يكن في الحسبان. وقد كان لبنى خراسان أنفسهم نصيب كبير في ترقية مدينة تونس وازدهارها فحصنها أحمد، وهو أعظم أمرائهم، في النصف الأول من القرن الثاني عشر وبنى الأسوار التي ذكرها الإدريسي. كما أنه هو الذي شيد "القصر"، وربما كان المسجد المعروف الآن بجامع القصر متصلا به في أول الأمر. وفي هذا الحى بالقرب من شارع بنوكريسَان- والظاهر أنه تحريف خراسان- لاتزال مقبرة بنى خراسان قائمة إلى الآن، ولعلها كانت متصلة في الأصل بمقبرة السلسلة (في موضع بيمارستان صديقى). والباب الكبير للمسجد الجامع من أيام هذه الدولة. وتحددت هيئة تونس الآن عندما قامت ضاحيتاها الكبيرتان: باب سويقة وباب الجزيرة، وهما تمتدان شمالي المدينة القديمة وجنوبيها. وأخذ شانها يعظم حتى أصبحت قصبة إفريقية. وقد ظل هذا حالها من أيام عبد المؤمن عام 554 هـ الموافق 1159 م إلى وقتنا هذا. فاندمج تاريخها السياسي في تاريخ سلطنة تونس.

وقد أفزعت الناس غارات ابن عبد الكريم الرغراغى الفاشلة عام 595 هـ الموافق 119 م، كما شق عليهم حكم آخر المرابطين يحيى بن غانية عام 1203 - 1204 م العابر، فكان من نصيب الحفصيين أن يعيدوا إلى تونس أمنها وسلامتها وأن يزيدوا في منشآتها وأن يجعلوا منها قصبة جديرة باسمها. وقد شيد أبو محمد بن أبي حفص- وكان لا يزال يحكم البلاد من قبل خليفة مراكش- في حي باب السويقة (في شارع الحلفاويين) مسجدًا جامعًا، يعرف باسمه إلى الآن وإن كان هذا الاسم قد حرف بطبيعة الحال حتى أصبح "باى محمد"(1).

(1) المعروف في التاريخ الصحيح أن هذا الجامع في المائة السابعة ولم يجئ من بنى حفص من يلقب بأبى محمد إلا الحسن بن محمد الذي تولى الملك سنة 932 وقد ورد في كتب التاريخ التونسية أن الذي سعى في تأسيسه أبو محمد عبد الله المرجانى من فضلاء تونس في دلك العصر (انظر كتاب تاريخ معالم التوحيد للمؤرخ المحقق السيد محمد بن الخوجه ص 70).

ص: 2440

وكان أبو زكريا الورع أول أمراء هذه الدولة المستقلين، وتدل منشآته على أن المدينة بدأت تدخل في عهد جديد. فقد شيد عام 1230 م خارج المدينة ناحية الجنوب الغربيّ مصلاه الحصين المعروف بـ"جامع السلطان"، وهو الذي أشار إليه ابن بطوطة في القرن التالي، ثم شرع في تعمير القصبة، وأقام في طرفها مسجدًا خاصًّا به هو مسجد الموحدين أو القصبة، ومئذنته على النمط الموحدى الخالص، والتاريخ من خارجها (انظر Houdas Mission scientif. en Tu-: and R. Basset I nicie الجزائرسنة 1882 م، ص 5 - 9) وأنشا خزانة كتب قيمة بددها ابن اللحيانى أحد خلفائه واقتفى أثر المشارقة ففتح في تونس مدرسة هي مدسة الشماعية بالقرب من سوق الشماعين القديم وهو الآن سوق البلغجية، وقد رممت فيما بعد وكانت أول مدرسة فتحت في شمالي إفريقية. وأبو زكريا هذا هو الذي أجار بنات يحيى بن غانية الثلاث في القصر الذي عرف منذ ذلك بـ "قصر البنات". ثم إنه هو الذي نظم الأسواق حول المسجد الجامع مباشرة وفتح سوق العطارين، وربما كان هو الذي أنشأ كذلك سوق القماش.

وجاء بعده ابنه الخليفة المستنصر بالله فلم يقتف أثر أبيه في العناية بشئون التجارة والدين بل كان رجلًا تياهًا يميل إلى الأبهة والبذخ. فبنى قاعة لمحافله تعرف ب "قبة أسارالىُ" عام 1253 م في قصر القصبة، وغرس حدائق للهوه في الربض المجاور له عند رأس الطابية على الطريق إلى باردو عند أبي فهر (ولايعرف موقعها على التحقيق على الرغم من قول ابن أبي دينار إنها عين البطوم " ويقول حسن عبد الوهاب إنها في الجبل الأحمر بالقرب من الأرينة وذلك في كتاب ابن فضل الله الذي نشره، ص 12، تعليق رقم 1) وهي التي ساق لها ابن خلدون وصفاً بديعًا. ووصل القاعة بالبساتين طريق محجوب تسير فيه النساء فلا يراهن أحد. وفي عام 665 هـ الموافق 1267 م أتم الخليفة تعمير جسور

ص: 2441

قرطاجنة المعلقة القديمة المعروفة بالحنايا فأشاد (1) ابن حازم بهذا الصنيع في شعره؛ وجلب الماء إلى بركة فهر الكبيرة ومنها إلى المسجد الجامع.

وبنت أمه عطف- وكانت أرملة فاضلة لزوج تقى- مدرسة أخرى هي المدرسة التوفيقية الملحقة بجامع التوفيق أو جامع الهوى الذي يرجع تاريخه إلى هذا العهد. وقد بنى الحفصيون في القرن الأول من حكمهم مسجدين آخرين هما: جامع الزيتونة البرانى (2) عام 1283 م) خارج باب البحر، وقد شيد بأمر أبي الفضل النخاتل ليحل محل الفندق وجامع العلق في الحي نفسه عند المصلى. وبنى أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحاق مدرسة ثالثة هي مدرسة المعرض في سوق الكتبيتين- وقد بنيت هي الأخرى لتحل محل فندق- ولكنها زالت من الوجود وأصبحت أثرلم بعد عين. ثم عمرت الأسوار أو بعضها على الأقل، ومنها الباب الجديد وباب المناورة وربما معها باب البنات، وليس له الآن وجود.

وكانت تونس عام 1300 م قدم أصبحت قريبة الشبه جدًّا بتونس الحالية. فقد امتدت المدينة من الشمال إلى الجنوب وكانت تنحصر بين القصبة من ناحية الغرب- وهي قصر الأمير الحصين الذي يشرف على المدينة وعلى سهل المنوبة- وبين باب البحر من ناحية الشرق عند أسفل السهل، وهذا الباب يفتح على دار الصناعة ومنها إلى البحيرة، وفي منتصف هذا المرقى، وفي سرة المدينة بالضبط المسجد الكبير وتفتح أبوابه على الأسواق الجديدة المحيطة به. وقد عرف الباب الشمالي بباب البهور (3) ونحن نتساءل: أكان اسم الباب الغربيّ باب الشفاء؟ وكانت كل سوق تغلق أبوابها إذا جاء الليل، ولا يزال هذا شأنها إلى

(1) الذي مدح المستنصر هو حازم بن محمد القرطاجنى الذي وفد من الأندلس في عهد المستنصر واستوطن تونس

(2)

أسسه، حمد بن مرزوق بن ابى عمارة المسيلى، وكان سئ السيرة، ويسمى هذا الجامع الآن بجامع "باب البحر" لموقعه علي مقربة من مياه البحر.

(3)

ينطق به أهالى تونس بالهاء وهكذا يكتبه بعض المؤرخين.

ص: 2442

اليوم، وباب الربع القريب من السوق الذي يعرف بهذا الاسم هو المخرج الجنوبي لهذا الحى كما هي الحال الآن. وقد تجمعت دكاكين بعض أرباب الحرف اليدوية حول المدينة خارج هذه الأبواب. فالصباغون داخل باب الجزيرة، والحدادون عند الباب الجديد، والسروجية (1) عند باب المنارة. وكانت تجاور باب البحر بطبيعة الحال عدة فنادق يتوزعها تجار النصارى، فلما ضاقت بهم هذه البقعة بادروا إلى بناء حي صغير -أو ربض- خاص بهم خارج الباب، وهو الصورة الأولى للحى الأوربى. وكانت الدور تبنى متلاصقة، لا فسحة بينها ولا رحبة للأسواق والمحافل: ولم تكن بطحاء ابن مردوم سوى مفرق طريق.

أما الأحياء الخارجية، فهي أحدث عهدًا وأقل زحامًا، فيها رحبات واسعة يبيع الناس فيها ويشترون: الفخار والحلفاء في حي باب السويقة والحيوان (الخيل في المركاض والغنم في رحبة الغنم) وربما الغلال في حي باب الجزيرة. ويحيى كل حي من هذه الأحياء سور خارجى ينتهى عند القصبة؛ أما أبواب الصف الأول من هذه الحصون فهي في الربض (الحى الجنوبي): باب خالد، ولا شك أنه كان في الأصل باب تالمنصور، في الغرب، وباب الجرجانيّ (2) في الجنوب، وباب الفلآق (وخارجه قيسارية) وباب علاوة (3) في الجنوب الشرقي، وفي الحى الشمالي: باب الخضراء في الشمال الشرقي وباب [أبي] سعدون في الشمال الغربيّ، وباب الأقواس في الغرب، ولعله عين باب العلوج وقد ورد ذكره لأول مرة بعد هذا العهد. وإذا أردنا أن نعين مكان ربض العلوج فلا مناص من أن نضعه بجوار الباب الأخير اللهم إلا إذا كان الحسن بن محمد الوزان الزياتى قد أكد أنه خارج

(1) يعرف هذا السوق بسوق السراجين تصنع فيه سروج الخيل.

(2)

أهالى تونس يقولون باب القرجانى.

(3)

أهالى تونس يقولون باب عليوة.

ص: 2443

المنارة. والعلوج مرتزقة نصارى يدفع لهم سلاطين تونس أعطياتهم.

أما القصبة نفسها، فإن أحد بابيها يفتح على الريف وهو باب الغدر والآخر على المدينة وهو باب إنتَجمى (انظر باب إيمزتجمى التلمسانى؛ بغية الرواد، طبعة بل، جـ 34)

وبين باب علاوة وباب الخضراء مجموع من الخنادق تجرى فيها الميازيب فتصب شرقًا في البحيرة؛ والمقابر حول المدينة وقد لحقت على الأيام بأرباضها، فلما اتسعت هذه الأرباض خرجت عنها. وإلى الجنوب الغربيّ الزلاج الرحب ويكاد يكون قائمًا بنفسه وهو يخلد ذكر أبي الحسن الشاذلى المتصوف (سيدى بالحسن)، صاحب الطريقة الشاذلية، وقد عاش هناك في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي. وتلاصق باب الجرجانيّ بجوار مقبرة الهنتاتية أضرحة كثيرة من "الأولياء". وفي مناقبهم التي لم ينشر معظمها معلومات قيمة عن تخطيط المواضع التونسية في عهد الحفصيين تكمل ما جاء به الزركشي أو ابن الشماع. وقد سميت باسم لاله (1) المنوبية المشهورة (انظر المجلة الأسيوية، سنة 1899 م، ص 485 - 494؛ وكتاب مناقب السيدة عائشة المنوبية، تونس سنة 1344 هـ)، المتوفاة عام 1267 قرية تشرف على المدينة من ناحية الجنوب - La Apan (cubia لا يزال النساء يزرنها ويتوسلن بها إلى الحمل.

وقد اعتزت تونس بالمرابطين الذين لا ينكر سلطانهم السياسي أحد، مثل أبي محمد المرجانى مؤدب أبي عصيدة الذي أصبح خليفة فيما بعد. ولها أن تفاخر أكثر من ذلك بمن أخرجتهم من الفقهاء الأدباء والعلماء الذين ازداد عددهم على الأيام. وقد ازدهرت بها علوم الدين كما قال العبدرى عام 1289 م. وممن برزوا فيها القاضي بن زيتون عند نهاية القرن الثالث عشر الميلادي.

(1) كلمة لاله يستعملها العامة هنالك بمعنى سيدتى وفي الخلاصة النقية أنها توفيت سنة 665 هـ أو 653 هـ

ص: 2444

وكانت للمسلمين المهاجرين من الأندلس مشاركة قيمة في النهوض بدراسة الأدب وفقه المالكية منهم ابن الأبار وقاضي القضاة ابن الغماز، وقد وفدا من بلنسية؛ وبنو عصفور من أشبيلية وكذلك بنو خلدون أجداد ابن خلدون مؤرخ شمالي إفريقية الأشهر (ولد عام 1332 م).

كان القرن الرابع عشر موضع إعجاب الرحالة خالد البَلَوى (عام 1335 - 1340) فهو العصر الذهبي للفقهاء والمفسرين، ومن هؤلاء قضاة القضاة ابن عبد الرفيع وابن عبد السلام وعيسى الغُبْرينْى والقاضي وابن راشد القَفْصى والمفتى ابن هارون ثم ابن عرفة-لإمام. الجليل. أما في ميدان السياسة فإنا لم نأنس في الحكام إلا ضعفًا وفي المحكومين إلا اضطرابًا وخوفًا. فليس أيسر من أن يهدد الأعراب المدينة، كما احتلها المرينيون مرتين. وكان نموها ناحية الغرب وناحية الجنوب الغربيّ بالغ القوة في القرن السابق ثم أعقبه عصر ركود ولا نقول عصر اضمحلال. ومع ذلك فنحن نذكر أن مدرستين قد أنشئتا في هذا العهد، ابتنت الأولى أخت الخليفة أبي يحيى أبي بكر (1314 - 1324 م)، وتعرف بالمدرسة العُنْقية (وقد عمرت فيما بعد وهي في شارع عنق الجمل)، وبنى الأخرى ابن تَفراكين الحاجب، وقد أصبحت الآن أطلالا (في شارع سيدى إبراهيم). ومن سمات هذا العصر أن المهندسين قد عنوا أولًا وقبل كل شيء بما تتطلبه ضرورات الحرب. فقد عمَر أبو الحسن المرينى بعد هزيمته في القيروان عام 1348 م أسوار مدينة تونس واحتفر حولها خندقًا؛ ودعم ابن تفراكين الأسوار الخارجية وأنشأ أحباسا عظيمة لحمايتها.

فإذا انتقلنا إلى عا م 1400 م وكان القرن الخامس عشر، فقد استقرت أمورها السياسية أكثر من ذي قبل فنشطت لذلك حركة المبانى نشاطًا ملحوظا، بيد أنها لم تكن واسعة النطاق في الواقع. ولم يشيد أبو فارس وحفيده أبو عمر عثمان في حكمهما الطويل إلا خزانتى كتب ومدارس قليلة، وانصرف جل اهتمامهما إلى أعمال البر

ص: 2445

فابتنيا أول مارستان إسلامي في تونس، وقد تم بناؤه عام 832 هـ (1420 م) وعدة زوايا في الأرباض يلتجئ إليها الناس في النهار والليل جميعا، كما اهتما بما يتصل بالماء مدفوعين إلى ذلك بعامل الدين أيضًا: فأنشأ مأجلا (وهو صهريج كبير) في المصلى، وميضأة في سوق العطارين عام 854 هـ (1450 م) وسقايات ومصَاصة، وهي ضرب من السبل يمص فيه الإنسان الماء من صنبور. ويكشف لنا هذا كله لونا من ورع الضعفاء العاجزين. وأخذ المرابطون وأصحاب الطرق يسيطرون على الدين يوما بعد يوم. وقد وصف آل القَلجْانى (1) وبنو الرَصاع في هذا العصر بأنهم فقهاء مبرزون، وكانت لتونس خطبة (2) ثامنة في ربض باب إلسويقة. عام 1451. وأبرز رجال هذا العصر سيدى أحمد بن عروس (انظر مناقبه، تونس، سنة 1303) الذي وفد من مراكش ودفن في زاويته عام 1463 م وهو صاحب الطريقة العروسية؛ وسيدى قاسم الجَليزى (3) الذي جاء من الأندلس.

وتوفى عام 1497 م وزاويته التي دفن فيها قريبة من باب خالد التي سمى منذ ذاكُ ب "باب سيدى قاسم" وسقفها مكسو بالآجر على النمط الأندلسيّ، وسيدى منصور بن جرِدان (4) المتوفى 1499.

والظاهر أن التجارة كانت آخذة بأسباب الرقى وقتذاك؛ وقد حافظت تونس على اتصالها بأوربة رغم عدة حوادث، بل لعلها ازدادت توثقًا؛ ويتجلى ما بلغته الصناعة والتجارة المحلية فيها من شأن أيام أبي فارس حتى قبل أن يعفيها من كل مجبى (ضريبة) من الأرقام الخاصة بعام التي وردت في تحفة الأريب لعبد الله

(1) الصحيح القلشانى.

(2)

يراد جامع لصلاة الجمعة، وهذا الجامع هو ثامن الجوامع المؤسسة في تونس، ويسص الآن جامع التفافتة لكثرة من تولى إمامته من آل النفاتى، وكانوا من أعلام أهل العلم.

(3)

هكذا يجرى على الألسنة، وجماعة من علماء تونس اختاروا كتابته بتقديم الزاى على الجيم فيقولون الزليجى والزلاج (انظر معاهد التوحيد).

(4)

له زاوية في تونس بها ضريحه.

ص: 2446

الترجمان (1)، وكان نصرانيًّا فأسلم واسمه الأول فرا أنسلم ترميده القطلونى Catalan Fra Anselm Turmeda، ولا يزال قبره داخل باب المنارة. ونحن نرى في أثناء سرد الأسواق المهمة وجود فنادق للزيت والخضر وفحم الحجر وسوق للصَفّارين (النحاسي) وسوق للعزافين (صانعى السلال)؛ ولايزال طريق العزّافين (e El-Azafine) وسوق القَشئاشين (وهم بائعو التحف) باقيين. وقد قدر عدد المنازل رسميًا عام 1361 بسبعة آلاف منزل كما قال ابن الشماع، ثم زاد عام 1516 إلى عشرة آلاف منزل كما قال الحسن بن محمد الوزان الزياتى.

وأورد الرحالة فان غسيله - Van Ghis tele معلومات قيمة عن حياة النصارى في تونس عام 1485، أما أولو الأمر فقد إنتهجوا سنة أسلافهم وعملوا على الإقامة خارج المدينة، وأغلب ما يكون ذلك في صيغتهم باردو: وقد ذكرت هذه الصيغة التونسية باسم برادو - pra " do منذ 1410 م وحرّف هذا الاسم كثيرًام، وسرعان ما أصبحت مجموعة كبيرة من المبانى. وينسب قصر العَبدليه عند المرسى وكذلك خزانة الكتب المعروفة بالاسم نفسه، والملحقة بالمسجد الجامع إلى أبي عبد الله الحفصى آخر الأمراء المستقلين (عام 1500 م).

وكان القرن السادس عشر قرنًا يسوده الاضطراب، فأصبحت المدينة المنكودة الطالع غرضا من أهم أغراض الترك والأسبان في حروبهم الطويلة، وقد نهبها جنود خير الدين عام 1534 م. ثم سلبها جيش شارل الخامس المظفر في العام الذي يليه. وفر أهلها في جمع واحد أمام النصارى من باب الفَلاق، وقد غير اسمه تبعًا لذلك فأصبح باب الفلّة (أي باب الهزيمة). وجلى أن الأحوال التي عمر فيها الحفصيون ما تخرب وصانوه لم تكن جد مواتية لنمو المدينة. فقد صرف الأمراء كل اهتمامهم إلى الحصون التي زيدت عليها حصون حلق الوادي،

(1) أسلم على يد السلطان أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصى وكان قسيسًا وهو مؤلف تحفة الأديب في الرد على أهل الصليب.

ص: 2447

ويظهر أنها لم تتم حتى بعد خريف عام 1573 م عندما طرد دون جون النمساوى من تونس القائد رمضان الذي ظل عاملا عليها أربع سنين من قبل على باشا أولوج (قلج). وقد حصنت القصبة تحصينًا قويًّا، وقام في مكان دار الصناعة بنوع خاص- ولعلها خربت قبل ذلك بزمن - (انظر 1914 E Revue Tunisinne: Grandchamp، ص 9 - 10) علي ساحل البحيرة، حصن على هيئة النجم يصله بأسوار المدينة متراسان: وهذا الحصن هو البرج الذي ذكره ابن أبي دينار والقلعة الجديدة nova are في التخطيط الذي رسم عام 1575 م (انظر Essai bibl.: Monchicourt sur les plans imprils de .. Tunis-Goulette . au XVJeme siecle R.Afr سنة ص 31). بيد أن هذا الجهد ذهب أدراج الرياح. وعاث الجند الأسبان في المدينة فسادًام فهجرها الأهلون (انظر، عام 1914 ص 12) واستولى الترك في سبتمبر عام 1574 م على هذا الحصن وهدموه. وأقام سنان باشا في تونس حكما موطد الأركان، فأخذت العمارة في الأزدهار بعد ذلك بأمد وجيز.

وزاد خروج الناس من الأندلس واستمر قرونا واتسع مداه فجاءة عندما رحب الداى عثمان بعرب الأندلس الذين طردهم فيليب الثالث. فأقام أهل الحضر منهم في تونس وسكنوا حيين اثنين هما شارع الأندلس (جنوب غربي "المدينة") وحومَة الأندلس بالقرب من موضع الحلفاويين، وهم الذين أدخلوا صناعة الشاشية (القلانس الحُمر). ، V، N بيسونيل عام 1724 م أنه كان يصنع منها .. ، 480 واحدة كل سنة، وقد استخدم فيها خمسة عشر ألف نفس. وقد ظهرت تونس بمظهر خاص في القرن السابع عشر بفضل اجتماع الأندلسيين المسلمين بالترك الحنفية المشارقة وما كان للمرتدين الأوربى المنبت والقرصان من شأن فيها.

وكان الداى يوسف الأول أول من اشتهر بإقامة المنشآت العامة. وقد أورد ابن أبي دينار بيانا بها: إنشاء حي تجارى حول باب البنات، وتعمير سوق

ص: 2448

الغزل المجاور لهذا الحى، وبناء سوق لتجار جربة، واصلاح عدة أسواق أخرى، وتوسيع أسواق الحفصيين ناحية الشمال وهي: سوق البشامقية (1)(وهم صناع السراويل التركية) في شارع سيدي ابن زياد، وسوق البركة لبيع الرقيق السودان (2) وسوق الترك للخياطين الترك؛ وإنشاء قهوة، ومد مجارى المياه إلى بقاع مختلفة في المدينة كالمسجد الجامع فيما يلي سوق الترك. وشيد صفيه على ثابت (عام 1620 م) الميضأة البديعة التي تزين الآن "البلفدير"، وعمر على كذلك المسجد القديم في ربض باب الجزيرة. وربما كانت إعادة بناء باب المسجد الشرقي المعروف بباب الجنائز قد حدثت في ذلك العهد. وابتنى يوسف (عام 1622 م) في شارع سيدى ابن زياد مدرسة ومسجدًا للحنفية مئذنته مثمنة الشكل وإلى جانبه ضريحه. وأخذ سلطان الدايات يتضاءل بعده فلم يقوموا بعمل عظيم. وقنع أحمد خوجه (1640 - 1647) بتعميرالمدرسة الشماعية والمدرسة العنيقة، وشيد محمد لاز عام 1649 م مئذنة مسجد القصر العجيبة؛ فلما توفى عام 1653 م شيدت له ولأهل بيته "تربة" في ميدان القصبة.

وقد شيد الدايات المرادية كثيرًا من العمائر، وبنَىَ حمودة مسجد سيدى ابن عروس الحنفي (تم عام 1654 م) على نمط مسجد الداى يوسف وبالقرب منه كما بنى بجواره ضريحا لأهل بيته. وعمر كذلك منارة المسجد الكبير وشيد مارستانا في شارع العزافين وشرع في تعمير الجسر المعلق وبنى ولده مراد المدرسة المرادية (عام 1673 م) في سوق القماش، وفتح ابنه الثاني سوق الشاشية وأقام حفيده محمد مسجد سيدى محرز بعد عام 1375 م وهو أهم مساجد المدينة ويقال أن المهندس الفرنسى دفيليه Daviler هو الذي رسم خطبة قبابه. وقد وصل إلينا وصف بديع لتونس في مذكرات الفارس درفيو Chevalier d'Arieux (باريس، المجلد الرابع، عام 1735) التي كتبت حول عام. فقد كانت القصبة في أول

(1) جمع بشامقى وهو صانع البشامق، واحدها بشماق، وهو في الأصل حذاء يلبسه نساء الأتراك في البيوت ثم شاركهم في لبسه الرجال، وهذه السوق قائمة حتى الآن.

(2)

هذه السوق يباع فيها الآن المصوغات والجواهر الثمينة.

ص: 2449

أمرها مقر الباشوات قبل تقلص سلطانهم، وكانت تضم بنايتين كبيرتين: في الأولى حرس الدايات والضباط مع أهلهم، والثانية وراءها وفيها السقيفة التي يلقى فيها الداى جنده وفي أقصاها مسكنهم. أما الديوان الذي يرأس فيه الأغا المجلس العسكرى فهو قاعة متسعة مستطيلة الشكل (انظر كذلك وصفا مفصلا آخر كتبه لاكندامين La Condamine، عام ولا تزال المحكمة الشرعية في هذا الموضع.

وكان الحى الواقع غربي المدينة وشمال غربها (وبخاصة طريق الباشا) هو حي السراة أو الحى التركى بحق. وقد زينت بالمرمر دور الدايات الفخمة وغيرهم من الأعيان. وكانت الرحبة الوسطى- وهي من سمات الدور المألوفة في ذلك العهد- تزين أحيانًا بجوسق أو بركة من الماء، ومن أسف أن الرياش والزخارف كانت فيها نزعة إلى محاكاة الردئ من المتاع الإيطالى.

وتوسع القرصان في مغاماتهم توسعا كبير، جدًّا فازداد بذلك عدد العبيد من النصارى (بلغوا ستة آلاف عام 1654؛ انظر عن حياتهم ينيون R.T ، Pignon عام. 11830، ص 18 وما بعدها)؛ ومن ثم أكثر عدد تلكُ السجون العجيبة التي ينسب كل منها إلى القديس الذي تنذر له البيعة التي تحتويها هذه السجون. فقد ذكر الأب دان Dan تسعة منها عام 1635 وسرعان ما أصبحت ثلاثة عشر سجنا. ونحن إذا سلمنا بما ذهب إليه كرانشان (La France: P. Grandchamp -en Tunisie au XVlleme siecle، Avant]et VI . propos des ، تونس، 11928 - 1929) وعددنا قصة حبس القديس فنسنت بولس في تونس من عام 1605 - 1607، أسطورة من الأساطير فإننا يجب أن نعنى خاصة ببعثة يوليان كيرالن اللازاى- Lazarist Julien Guerin L 5 (عام 1645 - 1648) لأنه وفق إلى تنصير محمد جلبى المشهور باسم الدون فيليب وهو ابن الداى أحمد خوجه، وأن نعنى كذلك بفعال مبعوث

ص: 2450

آخر هو جان له فاشيه Jean le Vacher قنصل فرنسامن عام 1648 إلى 165 ومن عام 165 إلى 1666 (انظر Jean le vacher: R.Gleizes، باريس سنة 1914 - ، في Revue des questions .histor يوليو 1928). ففي أيامه شيدت أول كنيسة عامة في دار القنصلية نذرت إلى القديس لويس، وهو أيضًا الذي أقام على اطلالها كنيسة القديس أنطونيوس في وسط المقبرة الرومانية الكاثوليكية، وأقام حولها الأسوار العالية خارج باب البحر (في موضع الكتدرائية الحالية)؛ ونظم العبادات في بيعَ السجون وهو الذي استأذن من الدَيوان وحصل منه على أرض بنى عليها قنصلية للفرنسيين عرفت بـ"فندق الفرنسيين"، وقد تم بناؤها عام 1661 (شارع الجمرك القديم Rue de l'ancienne DouanE` Grandchamp: المصدر المذكور، جـ 6، ص 22 - 32). واشرف النساكُ الإيطاليون على تلك البعثة من عام 1672 م: ووصف سانت جرفيه. . St Gervais دارهم حوالي عام 1730 (Memoires historiques. باريس، سنة 1716، ص 86) كما وصف الكنيسة اليونانية ومارستان الثالوثين المحبوس عليه مال كثير. وكان اليروتستانت يدفنون خارج باب قرطاجنة في مقبرة القديس جورج في الموضع الذي تقوم عليه الآن الكنيسة الإنكليزية. ويظهر أن تجار النصارى لم يكونوا كثيرين على الرغم من حماية القنصلية لهم. "فالأمة" الفرنسية كانت منذ أمد طويل ستة أشخاص فقط. وكان غالب التجارة الخارجية في يد اليهود ومعهم المهاجرون من الأندلس والبرتغال (الذين طردوا عام 1492 عام 1469 م) وقد وفدوا إلى تونس مباشرة أو بطريق إيطاليا، أما الـ كرانه، وهم البرتغال أو اللقورنيون، فكانوا جماعة منفصلة برأسها؛ هاليهم نسب "سوق الكرانه " وكانت مقابر اليهود خارج الأسوار شرقي حي باب السويقة بجوار شارع سيدى سفيان الحالي؛ ثم امتدت ناحية الجنوب.

واتسم ختام القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر بقلاقل سياسية احتل إبانها أهل الجزائر تونس

ص: 2451

مرتين أولاهما عام 1686 والثانية ، عام 1694، وأصحبت ذلك فتن سفكت فيها الدماء. ولم تكن الأسوار من المناعة بحيث ترد هجومًا عنيفًا، ولم تتبع في بنائها "قاعدة من قواعد التحصين فلا تعد من الحصون الأبراج المربعة المتصلة بالجدران على مسافات بينها". بل إن تونس وقعت للمرة الثانية تحت رحمة أهل الجزائر حتى في عهد الحسينية، ونهبها هؤلاء الجزائريون عام 1735 م، فحاول التوانسة عبثًا أن يقفوا في وجوههم عام 1756 واستعانوا في ذلك بحصون تعجل على باشا وولده محمد في بنائها: وهذه الحصون متراس له كوات وخندق بين الحصنين حديثى البناء القائمين على جبل الجلاز والمنوبية وقلعة محصنة وراء القصبة. وقد ورد في هذا العصر ذكر حصنين آخرين يتوجان الرابيتين ناحية الشمال الغربيّ. وهما بلا شكُ برج السوارة أو طاحونة الريح (وهي حصن الأسيان) وبرج الرابطة أي رابطة الباى) ويكتنفه على مسافة يسيرة برج فلفل الصغير (انظر Corres . Tunis: Plantet. تونس، جـ 2، ص 501، وانظر فيما يختص بعام 1829 م Relations inedit

: Monchicourt ،: ، ص 47، 91).

وقد زودت المدينة ببنايات أخرى في الفترات التي رفرف فيها السلام، ففي أيام رأس الدولة الجديدة حسين بن علي توفيت الأميرة عزيزة عثمانة، عام 1710، هي كبرى حفيدات الداى عثمان، ودفنت بالقرب من مدرسة الشماعية. وقد انتفع كثير من منشآت البر والتقوى بجزيل عطاياها. وكان حسين نفسه بنّاءًا عظيمًا، فقد شيد في تونس (انظر المشرع الملكى سنة 1895، ص 328 - 239) في الحى الجنوبي من المدينة الجامع الجديد أو "جامع الصَباغين" ومئذنته مثمنة الشكل. وهو الذي اختط الطرق والبنى الملاصقة لسوق السكّاجين أي صانعى عدة الخيل، وفي عهده شيد ضريح الداى قره مصطفى بجوار مسجد القصر وهو الذي نقل قصبة ملكه إلى باردو. وقد عنى ببناء المدارس على الرغم من التأخر في دراسة العلوم

ص: 2452

الدينية. وهو ما شهد به ابن أبي دينار (ص 399 الترجمة ص 506) في القرن السابق: وهذه المدارس هي مدرسة النخلة والمدرسة الحسينية والمدرسة الجديدة. وخلفه على باشا مباشرة، فنسج على منواله وبنى أربع مدارس هي: الباشية في سوق الكتبيين والسليمانية وسميت كذلك تخليدًا لذكرى ولده المتوفى سليمان، ومدرسة بئر الحجار، ومدرسة حوانيت عاشور، ثم أنشأ على باى بُعَيد ذلك مدرسة أخرى باسم المدرسة الجديدة وإليه يرجع الفضل في بناء مقبرة الحسينية المعروفة بـ "تربة الباى" وهي غير بعيدة من مسجد الصباغين وكذلك تكية العجائز الفقراء وقد بنيت عام 1775. وبنى الوزير المشهور يوسف صاحب الطابع حوالي عام 1800 المسجد الذي يحمل اسمه في ميدان الحلفاويين ولعله أقيم في موضع "المسجد المعلق على الحلفاويين" كما يتضح من رواقه الخارجى المرتفع، وقد ذكر هذا المسجد ابن ناجى في القرن الرابع عشر الميلادي جـ 4، ص 149)؛ وبنى في الحى نفسه نافورة الحلفاويين عام 804 م داخل باب سيدى عبد السلام وبنى في الطرف الآخر من المدينة حوضًا كبير، للماء داخل باب اللواء.

وفرغ مولاه حعوده باشا من بناء "دار الباى"(وقد مكث فيها كارولين البرنزويكى عام 1816) وهي فوق القصبة بقليل، وقد وقف جهده على بناء الحصون والثكنات. ورأى أن يحمى تونس من أهل الجزائر بخاصة فطلب من مهندس هولندى أن يعمر أسوارها الخارجية. ولم يكمل هذا العمل في جانبه الجنوبي، واستغرق من عام 1797 إلى عام 1804 كما يستدل من الكتابات المنقوشة على الأبراج التي تكتنف الأبواب (انظر R.T.: H. Hugon، 1905 م، ص 373.، سنة 1908، ص 298). واستعيض عنها في هذا الجانب بالمتاريس المتقدمة التي بناها على باشا وبجدران المنازل الخارجية التي يتكون منها خط دفاعى متصل تقريبا. وشيد مودة عام 1798 الثكنات على طول الطريق المجاور لقصره الخلوى البديع في المنوبية، وبنى غيرها في أخريات أيامه عام

ص: 2453

1714 م في وسط سوق العطارين (وهي تضم الآن دار الكتب العامة، وإدارة العاديات؛ انظر: Note sur M.Houdas Bull. Archeol . . في vcrinrinns de Tunistrois in سنة 1911). وفي العهد نفسه شيدت ثكنات أخرى في المدينة: في شارع القشلة، أي الثكنة (وهو الآن الجمعية الفرنسية للبر) وشارع الكنيسة (وهو الآن إدارة الأوقاف) وشارع منكوَيت وشارع سيدى ابن زياد؛ وأكبرها ثكنة الفصيلة الأولى (برنجى آلاى، وهي الآن ثكنة سوسييه " Caserne Soussier") وقد بناها الباى حسين بن محمود ثم أخوه مصطفى عام (1835 - 1836) بالقرب من المركاض في موضع المصلى القديمة. وبنى أحمد باى عام 1839 مخزنا للمدفعية (وهو الآن Caserne Forgemol) خارج المدينة، ويعد أحمد باى خالق "الجيش التونسى". وقنع أحمد باشا بأن يطلب في مناسبتين (1743 و 1744) سباكا من طولون لإصلاح عدة مدافع في مصنع للطوارئ. أما حمودة باشا فانشأ مسبكا دائما في جناح من قصر الحفصية (في الطريق المعروف بالاسم نفسه) يوالى الإشراف عليه بعض الفرنسيين. ثم نظم أحمد باى الدبدابة (انظر. بم. سنة 1922 - 276) التي يصنع فيها ناحية الشمال من دار الباى وشارع الصباغين Rue des Teinturiers) . والظاهر أن هذه المشروعات العسكرية، قد عملت على تحويل تونس إلى حامية عسكرية، وأخذت المحلة الأوربية في الوقت نفسه تحتل جانبا من المدينة، وكانت تنمو نموًا مطرد، لايعوقها عائق بفضل احتلال الفرنسيين للجزائر عام 1830 والإصلاحات التي قام بها البايات، ففتح النصارى الدكاكين، وشيدت الكنائس إلى جانب كنيسة الصليب المقدس القديمة (في شارع القصبة، وقد نقلت 1833 إلى مارستان الثالوثين، شارع الكنيسة) وسجلاتها قيمة جدًّا في تاريخ الكاثوليكية الرومانية في تونس. وفتحت المدرسة اليهودية عام 1840 م في مربركو Morpurge، وكلية بوركاد 1841 alt. Bourgade في زنقة الباباص (في عطفة البعثة التبشيرية Impasse de Missionaire) . وأصبح حي ميدان

ص: 2454

البورصة بأسره (وسمى حديثًا باسم ميدان الكردينال لافيكرى - Place du Car dinal Lavigerie) أوروبيا خالصا وكذلك الشارع الحالي للديوان القديم وشارع جلاسييه وشارع القومسيون. وأخذت المدينة الحديثة تتسع خارج الأسوار متجهة ناحية البحيرة؛ ومن ثم نقلت قنصلية فرنسا عام 1861 إلى الدار التي كان يشغلها المقيم العام. ومع هذا فقد بقيت بعض القنصليات داخل المدينة: وهي قنصلية أسبانيا (في شارع سيدى البونى) وقنصلية بريطانيا العظمى (في ميدان الكردينال لافكرى) وقنصلية إيطاليا (شارع زركون وهي على وشك الانتقال من مكانها).

وقوى بأس الأوروبيين حتى تأثرت به آخر الأمر إدارة المدينة نفسها. وكان لكل من الربضين أيام الحفصيين شيخ يقوم عليه، ولعلهما كانا تحت إشراف شيخ المدينة، وقد بقى هؤلاء الشيوخ في عهد الأتراك، وكانوا يقومون على خفارة المدينة بعد أن تغلق أبوابها ليلًا تعاونهم جماعات من السكان تتناوب العمل فيما بينها "لواجة". ويتبع هؤلاء "المحركون" وهم شيوخ الأحياء. وكانت شرطة النهار أيام الحسينية من عمل الدولتلى، وكان تحت إمرة هذا الداى الضعيف السلطان خمسون "جانبًا" وخمسة وخمسون "قابيج"" انظر E. Pellissier: : من Jumis باريس سنة 1853، ص 52 - 53) وكان يقوم بمنصب رئيس اليوليس في القاعة المستطيلة المعروفة بـ"دريبة" في شارع سيدى ابن عروس. أما القصبة فكانت إدارتها منفصلة تحت إشراف أغا. ومع ذلك فقد ألف مجلس بلدى عام 1858 يضم رئيسًا ووكيلًا وكاتب سر واثنى عشر عضوًا من الأعيان، وكان يزود بالمال من ضريبة تفرض على الخمر والكحول، وحل محل الدولتلى عام 1860 "فريق" يرأس الضبطية. وقد بذل جهدًا كبيرًا لجعل المدينة تساير العصر، فقد بذل جهدًا كبيًا لجعل المدينة تساير العصر، فمد خطا للبرق يصل بينها وبين الجزائر، وخطًا حديديًا يصلها بحلق الوادي، كما زودت المدينة بالمجارى، وقام المهندس الفرنسى

ص: 2455

كولان Collin بجلب الماء إليها من زغوان. وحل برج الماء محل الصهريج المغطى (خزنة) الذي كان قائمًا في القرن السابق بجوار باب السور الخارجى المعروف بباب سيدى عبد الله الملاصق للقصبة.

ولم يترك الانصراف إلى المشروعات الحديثة مجالًا لتشييد أماكن العبادة، ومع هذا فنحن نذكر زاوية سيدى إبراهيم الرياحى الجليلة (وقد توفى عام 1850؛ انظر سنة 1918 ص 124، وانظر عن فقهاء العصر الحسينى، السنوسى: مسامرات الظريف، تونس طبعة غير مؤرخة) ويضعف تبجيل الناس له، وأنشئ عام 1875 المعهد الصادقى (في ثكنات شارع الكنيسة) نسبة إلى الباى محمد الصادق. ثم بنى عام 1880 المارستان الصادقى. وكان قصر الزروق هو الذي أقام فيه الدايات أول الأمر (وهو في شارع القضاة " des، juges" وفي عام 1876 عمر وزير من وزراء الباى دار الحسين (وهو الآن قصر الفريق) الذي بنى في القرن الثامن عشر، وظل قصر خير الدين- قصر الحفصية القديم بعد توسيعه- مقر المحكمة زمانًا في مستهل أيام الحماية (وهو في شارع المحكمة)؛ أما قصر مصطفى بن إسماعيل فكان في شارع الياشا، وأصبح قصر الخازندار (في ميدان الحلفاويين، شارع القصر) مارستان اليهود، وهو مهجور، ولم يستعمل منذ أمد. ومما تجدر ملاحظته أنه لما انتقض أبناء الحسين بن عليّ على على باشا في منتصف القرن السابق، عنى الباى بحى الحلفاويين الذي كان يسكنه "الحسينية" الموالون له على حساب حي باب الجزيرة وهو معقل الصف المعارضين "للباشية"(انظر سنة 1918، ص 314).

وأحدث الاحتلال الفرنسى (من عام (1881 تطورات خطيرة في تونس كانت لاتزال مستمرة. وتمتد المدينة الأوروبية من باب فرنسا، وهو باب البحر القديم، إلى البحيرة حيث الأرصفة والمراسى؛ ومن البلفدير إلى الجلاز، ثم تمتد في الحى الجنوبي داخل الأسوار وخارجها فتغطى روابى

ص: 2456

"مونفليرى Montfleury". والسور الخارجى باق إلى اليوم. أما سور المدينة فقد اندثر أوكاد، ولم تبق منه سوى أبواب قليلة. وعمرت القصبة تعميرًا كاملًا وهي الآن ثكنات للجند. وتشغل الإدارة الداخلية دار الباى؛ وتشغل الإدارات الأخرى مع المعهد الصادقى (عام 1897) وقصر العدلية بنايات حديثة تمتد على طول شارع باب البنات من ميدان القصبة. وتسير مركبات الكهرباء (الترام) حول المدينة ولكنها لاتجوس خلالها. وقد بذلت الجهود لكى تحتفظ المدينة بطابعها الشرقي. وهناك بنايات تستعمل في غير ما أنشئت له، بيد أن المظهر العام للمدينة لا يزال كما كان منذ خمسين سنة؛ وينحصر التعليم الديني في المسجد الكبير، وقد عمرت مئذنته تعميرًا، كاملًا عام 1894، وأنشأ المقيم الفرنسى ملية Millet المدرسة الخلدونية في سوق العطارين ليتعلم فيها فتيان المسلمين مبادئ العلوم الحديثة. ولا تزال الحرف الوطنية تتجمع في الأسواق، لكل حرفة منها "أمين"؛ ويزور بعضها كثير من السائحين فتنشط حركة التجارة، لأنهم يبتاعون الأدوات "الشرقية" والعطور والبسط والسلع المصنوعة من الجلد؛ ويصيح المنادون في سوق الكتبيين وسوق البركة على الكتب والحلى. وقد هجر الحى اليهودى الحقير أهلوه الذين يستطيعون الإقامة بجوار ميدان يوتييه I Place des Potiers أو في المدينة الأوروبية، وسوف تقوم عن قريب في هذا الحى البنايات الحديثة والطرق المتسعة. أما المسلمون فهم على العكس من دلك يعيشون في الأحياء الوطنية اللهم إلا بعض الأسر الغنية التي ابتنت لها قصورًا ريفية في آخر طريق باريس Avenue de Paris وقلة من الأمناء الذين شيدوا لأنفسهم بيوتا في قرية العمران الجديدة جنوب غربي البلفدير. ولا يفوتنا أن ننوه بازدياد سكان الأرباض (رادس وحمام الليف أو قرطاجنة المرسى) البعيدة من أوروبية وإسلامية ويهودية، وقد اتصلت في الواقع واندمجت في مدينة تونس. وأعيد تنظيم المجلس البلدى بمقتضى المرسوم المصادر ف 31 أكتوبر عام 1883 وألحق به مرسوماً عام 1888، 1914 م

ص: 2457

بخصوص المجالس البلدية للولاية، ويتألف المجلس من رئيس ووكيلين فرنسيين وسبعة عشر عضوًا يعينون بمرسوم (ثمانية من الأوروبيين وثمانية من المسلمين ويهودى تونسى). وارتفع عدد سكان مدينة تونس في تعداد عام (1926) إلى 185.996 نسمة، منهم 27. 922 فرنسيًا و 51.214 من الأجناس الأوروبية الأخرى و 82.729 من المسلمين الوطنيين و 24.131 من اليهود التونسيين [بلغ عدد السكان في تعداد 1950: 364.592 نسمة].

[نالت تونس استقلالها بعد ذلك وتغيرت نسبة هذه التركيبة السكانية].

المصادر:

(1)

nis et Kairouan: Saladin، باريس سنة 1908، ومعلوماته في حاجة إلى التحقيق.

(2)

Dessort (بمعونة آخرين): - tnire de In ville d. 1 الجزائر سنة 1924 والفصل القيم فيه يتناول الكلام عن الأوروبيين في تونس في القرن التاسع عشر قبل الاحتلال.

(3)

manuel d'art " musulman،: G. Marcais L'Archictecture في مجلدين، باريس سنة 1926 - 1927 وهو وصف جيد لأهم الآثار وفي ص 871 - 875 دراسة معمارية للقصور الإسلامية في تونس، وانظر أيضًا المراجع الواردة في النص وفي مادة تونس "القطر".

[روبرت بر ونشفيك Robert Brunschvig]

" تونس": (القطر) هي المنحدر الشرقي لبلاد المغرب، وموقعها موقع إفريقية القرون الوسطى على التقريب. وقد بسطت فرنسا حمايتها على تونس، أو بالأحرى ولاية تونس عام 1881.

1 -

جغرافيتها:

ومساحة تونس- بحدودها الحالية، بين خطى طول 8 و 11 شرقا وخطى عرض 32، 37 شمالا: 180، 125 كيلو مترًا مربعًا، وتتاخمها من الغرب الجزائر (إقليم قسنطينة) ومن الجنوب الصحراء؛ ومن أقصى الجنوب الشرقي ليبيا أي طرابلس، وتضرب مياه البحر المتوسط سواحلها في الشمال والشرق، وأغلب هذه الشواطئ أسافل. ومناخهاعلى الجملة دفئ معتدل. ولكن سقوط الأمطار يختلف

ص: 2458

كثرة وقلة من ناحية إلى أخرى بل من سنة إلى سنة، وللقرب من البحر أو من الصحراء شان فيه، ولذلك يختلف كثيرًا باختلاف خطوط العرض واختلافًا أكثر بارتفاع الأرض. وتضاريسها جد متباينة أيضًا، وإن كان متوسط إرتفاعها فوق سطح البحر ليس كبيرًا. وتمتد جبالها- التي هي بقية جبال الجزائر وطرفها- من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي على وجه العموم.

وفي الشمال الغربيّ لتونس جبال خمير ومجود وهي من الطباشير والحجر الرملى، وقلما يزيد إرتفاعها تجاه الجزائر على ثلاثة آلاف قدم. ويهطل على هذه الجبال مطر غزير، ويغطيها البلوط والحسك، وفيها مناجم الزندُ والحديد (دوريه)، وهي تساير الساحل حيث نصادف ثغر طبرقة الصغير ثم كثبان نفزة ورأس العبد وشبه جزيرة رأس سرات الصغيرة؛ ويقل ارتفاع هذه الجبال في الشرق شيئًا فشيئًا إلى أن تبلغ التلال التي تكتنف سهلى بنزرت وماطر، وكلاهما وافر الماء يثمر ثمرًا طيبا من الحنطة؛ وبحيرة بنزرت، ويصلها بالبحر مجاز ضيق، فرضة حسنة ماؤها بعيد الغور تجاه صقلية وهي على مقربة منها. ويشرف على سهل ماطر جبل عجيب يعرف بجبل أشكل، وقد أوشك هذا السهل أن يغطى بالغرين، ولم يعد به من البطائح إلا القليل. وأبعد من هذا ناحية الشرق رأس سيدى على المكي فوق غار الملح (Porto Far ina) وهو يتاخم خليج تونس من الشمال، ويملأ هذا الخليج الرسوب الذي يحطه نهرًا مجردة ومليان. ذلك أن أوتيكا، وكانت من ثغور الرومان، تبعد الآن عن البحر ستة أميال. أما شبه جزيرة قرطاجنة، وكانت من قبل جزيرة، فيصلها بأرض تونس برزخ يفصل سبخة الرينة من بحيرة تونس. ويصل حلق الوادي (Goulette) هذه البحيرة- وتقوم في طرفها مدينة تونس- بالبحر. ولايغزر المطر في ناحية تونس، ولذلك تجود فيها الكروم والفواكه أكثر من الحبوب.

ويخترق نهر مجردة شمالي تونس من الغرب إلى الشرق وهو النهر الوحيد في تونس الحقيق بهذا الاسم، ويقل ماؤه كثيرًا في الصيف، ويفيض من

ص: 2459

نوفمبر إلى ابريل ويكدر ماؤه كثيرًا. وتفصل حلوق تستور مجراه الأسفل (مجاز الباب وطربه) من مجراه الأوسط حيث يروى غور دخلة الرسوبى العظيم (ناحيتا سوق الأربعاء وسوق الخميس) وهو غنى بالحبوب والمراعى شأنه في ذلك شان تلال باجة الطباشيرية المجاورة له، وتكتنف وادي نهر مجردة هن الشمال تلال بجاوة وتبرسق وهي هن الحجر الجيرى، وإلى جنوب الوادي معارج تونس الوسطى والغربية، وهي تلال مدورة هن الحجر الجيرى ثم سهول عظيمة وهكذا، وهذه المعارج امتداد جبال الأطلس في الجزائر. وتغطى هذا التل المرتفع- ويشمل نواحى تبرسق والكاف والسرس وقصور آية وتالة- غابات طبيعية من صنوبر حلب وشجيرات نامية ومراع عظيمة، ولذلك تطيب فيه الحنطة. أما ناحيته الجنوبية الغربية فأكثر جفافا هن نواحيه الأخرى، ولايطيب فيها إلا الشعير. وهذه الناحية بالذات- وبخاصة تجاه حدود الجزائر- أغنى نواحى تونس بالمناجم (الحديد عند جرسه وسلته، والفوسفات عند قلعة جردة وقلعة السنام) وتصب أنهار تونس في خليج تونس، وهي فروع مجردة (وادي ملوك ووادي تاسة ووادي سليانة) ووادي مليان (سهلى الفحص ومرناق).

وتقوم إلى الجنوب من التل المرتفع أبرز الحدود الجبلية، وتمتد هذه الجبال - التي هي بمثابة العمود الفقرى لتونس - هن جوار تبسة إلى جبل زغوان (ارتفاعه 3400 قدم على مسيرة 30 ميلًا من تونس) وجبل الرصاص وبوقرنين؛ وهن أعلى قممها: جبل الشعبي (150 قدمًا) والسممه في جبال بيزاسين وصخرة مكتر وسرج وبرفو وكيرينة وجبال زيوجتنية. على أن هذه الجبال لا تعوق الاتصال بالجنوب؛ فهو ميسر بفضل ممرات أو دروب أشهرها مجاز قصور سبيبة الكبير. ومسايل المنحدرات الجنوبية مثل وادي مرجولل وزرود والحطب (وهو يروى سهل قموذة) تفيض في غير مواسم وبغير انتظام، كان فاضت تفيض في الأخبات السبخة أي جنوبي كلبية وجنوبى

ص: 2460

سيدى الهانى في سهل القيروان؛ وهذه الأخبات في إقليم الفيافى الكبير، إقليم الجمل الذي يمتد من قفصة، ولاتقطعه إلا تلال قليلة جيرية متوسطة الارتفاع. ويغطى هذه الفيافى في الغرب الحلفاء أو الشيبة، وتغطيها من ناحية الشرق أشجار السلم، ثم تنحدر شيئًا فشيئا حتى أحراج الزيتون على ساحل صفاقس. ومع ذلك ففي هذه الفيافى مزارع شاسعة وبقاع صالحة للرعى، وليس بها من البلاد، إذا استثنينا القيروان، إلا مايقوم عند مخرج ممرات سلسلة جبال تونس وهي سبيطلة وكسريرة وفرينة. على أن هذه الفيافى تتغير طبيعتها صوب الجنوب فتصبح كالصحراء لندرة المطر، وتنتهي وراء قفصة والأرض الغنية برواسب الفوسفات عند المتلوى ورديف في غور الشطوط (شط الغرسة وينخفض 80 قدما تحت سطح البحر، وشط الجريد، وشط الفجج ويكتنفها جبل شرب وجبل تبقه) وفي واحتى الجريد (تورز ونفطة) وواحتى نفزاوة (قبيلى ودوز) وهي تنبت النخيل؛ وهنا تبدأ الصحراء الكبرى: وأقصى من هذا ناحية الجنوب الشرقي جبل دهر من الطباشير والجير (1300 - 2000 قدم) وبه صخرة مطماطة، وهو الحد الشرقي الوحيد لواد كبير في الصحراء الكبرى.

وشبه جزيرة رأس أدار المشهورة على الساحل الشمالي الشرقي للولاية، حيث أفلحت مزارع مثمرة، وعلى امتداد جبال تونس، وهي بين خليجى تونس والحمامات، وتتصل سهولها التي على الساحل بممرى زغوان (فم الخروبة) وقُرنُبْالية وإلى الجنوب من أحراج البرتقال في نابل والحمامات وسهل سوسة. وفيه وديان مازال ماؤها وافرًا يكفى بزيتونه وغلانه الأخرى السكان الذين تكتظ بهم القرى الكبيرة الحصينة، وهي: القلعة الكبيرة وقلعة سريرة ومساكن ومكنين. والساحل مستقيم لايبرز منه إلا شبها جزيرة صغيران هما المنستير والمهدية. ويبدأ الساحل عند رأس كبوديا في مستوى الجور تقريبا ثم ينعطف إلى الداخل فيخلف في جون صفاقس جزر قرقنة ويفصلها عن الشاطئ بطائح، ثم

ص: 2461

يساير خليج قابس (وهي سرت الصغيرة عند القدماء) وفيه مجامع إسفنج تدر دخلًا، وتقوم أحراج نخيل قابس في نهاية الخليج، وبين هذه الأحراج وبين واحة الحمة المتاخمة للشطوط ممر يصل سهول تونس الوسطى أو الشرقية بسهول الساحل الجنوبي الأقصى، وهذه السهول هي: سهول آرث، وبالقرب منها جزيرة جربة الكبيرة المستوية الخضراء، وسهول جفرة التي تتاخمها البحيرات. ومع ذلك فثم أحراج زيتون زاهرة حول جرجيس وبن جردان.

المصادر:

(1)

- Aug. Bernard de Flotte de Ro Aj، Atlas d'Algerie de Tunisie: quevaire وهو بسبيل الطبع.

(2)

مطبوعات الإدارتين العامتين للزراعة والأشغال، ومطبوعات محطة دراسة المحيط في سلامبو.

(3)

عن طبقات الأرض: مؤلفات. . Ph Thomas و Pervinquiere ومصنفات Solignac الحديثة.

(4)

عن المناخ: مؤلفات

(5)

عن الحيوان: مؤلفات vauden الحديثة.

(6)

عن النبات - togeographique، de l'Algerie et de la Tu ni.vie الجزائر، سنة 1926

عن دراسة الأقاليم:

(7)

Le region de Bizerte T. Bouniard) (Am. geogr) سنة 1925.

(8)

La region de Tunis: : Ch. Monchicourt ((Ann. geogr سنة 1904

(9)

الكاتب نفسه: Maieur chez le Frechich et les تونس سنة 906.

(10)

الكاتب نفسه: La region du Haul-Tell en Tunisie، باريس سنة 1913.

(11)

Le Cap Bon J. Weyland، تونس سنة 1926.

(12)

Le Sahel de Sousse: P. Burollet ، تونس سنة 1927.

(13)

Ann.) Kairouan: J. Despois Geogr) سنة 1930.

ص: 2462

(14)

LE DJEBEL DEM R BLANCHET Ann. Geogr) mer)، سنة 1897

(15)

تونس 1905 - 1906.

(16)

الكاتب نفسه aunisien ; تونس سنة 1906.

(17)

es geographiques A. Joly) -sur le Sud tunisien(Bull. Soc. geogr. Al (ger سنة 1907.

(18)

Le Sud tunisi-: : L. Pervinquiere Revue de geogr. annuelle) en (، سنة 1909.

(19)

Notes sur le Nef-: : M. Jeloux nun. Geogr.) zaoua) . سنة 1902.

(20)

A travers le Sud Tu- J. Thomas nisien، باريس سنة 1927

2 -

تاريخها:

قدم العرب- الذين فتحوا مايعرف الآن بالساحل التونسى- من الجنوب الغربيّ بطريق البر، وقد اقتضاهم هذا الفتح قتالًا شاقًا مع سكانه من البربر وعمال الروم دام مالا يقل عن نصف قرن: وكتب على المسلمين في شمالي إفريقية أن يصطدموا بالروم كما اصطدموا بهم في المشرق، على أن الأحوال في ولاية إفريقية كانت في منتصف القرن السابع الميلادي جد مواتية للفاتحين الذين غلبوا عليهم، فقد كان للخلاف الديني سورة بعيدة- كان تكن صادقة كل الصدق- للنزاع الذي أثارته مذاهب القائلين بالمشيئة الواحدة للمسيح في المشرق، وقد مزق هذا الخلاف أوصال الجماعة المسيحية في قرطاجنة، وفصل عن بوزنطة أولئك الذين تمسكوا بأهداب السنة المسيحية، وكان سلطان الإمبراطور على العمال يخف شيئًا فشيئا فأخذوا ينزعون إلى الاستقلال واضطرهم ذلك إلى طلب العون من شيوخ القبائل الكبيرة في البلاد؛ وأفادت القبائل من هذا الموقف فألقت عن كاهلها- على الأيام- كل أثر لسلطان الروم، حتى إذا جاء الفتح الإسلامي وجد جنوب ولاية إفريقية (Byzacene) باسره يكاد يكون مستقلًا عن قرطاجنة.

ص: 2463

وغزا العرب هذه البلاد غزوتين بينهما ثمانية عشر عاما على أنهما لم تكونا فتوحًا بالمعنى المفهوم وإنما كانتا غارات مهدت الطريق لحملات أخرى أحسن نظاما وأكمل عدة تم بها فتح البلاد. ومن المصادفات العجيبة أن المغيرين ألفوا إفريقية البوزنطية في الغزوتين على أبواب محنة سياسية. ففي عام 647 م البطريق غريغوريوس قد انفصل وشيكا عن الإمبراطور واستقر به المقام بين البربر لما دهمه والى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند سبيطلة وقضى عليه، ثم شرع في اكتساح بلاد الجريد. وفي عام 665 م كان أهل قرطاجنة قد جاهروا الإمبراطورية بالعداء مخلفين في ذلك ظن الناس جميعًا عندما خرب معاوية بن حديج بيزاسين وغزا حصن جلولا وإنا لنتساءل: هل كان حكم المغرب منوطًا بوالى مصر عندما حل عام 667 م؟ الواقع أن الفتح الحقيقي لم يتم إلا فيما بين. 669، 775 م؛ وقد تميز بانتصار عقبة بن نافع وبناء مدينة القيروان، وكان هذا تاريخ استيلاء العرب على إفريقية والتمكين لهم فيها، وفاتحة دخول قبائل البربر في الإسلام. على أن أهم هذه الحوادث جميعًا هو تشييد هذه المدينة الجديدة، وهي حاضرة من حواضر المسلمين ودار للصناعة ومحط للقوافل وسوق للتجارة. وقد رفع أهل هذه المدينة منذ ذلك الوقت قواعد مسجدها ومدوا أرباضها في السهول المواجهة لنجاد تونس الوسطى التي ظل يحميها خط من حصون الروم.

وعاد عقبة عام 681 م بعد أن انقضت ولاية أبي المهاجر، ولانعرف من أخبار هذا الوالى إلا القليل. وحدث بعد عامين أن كان عقبة راجعًا من غزوة له هوجاء بلغ بها تنكتانيا فسقط في التراب أمام تهودة صريع فتنة شديدة قام بها الأهلون في وجهه. وقد ناصر الروم كسيلة رأس هذه الفتنة، وظل هذا الرجل أعوامًا طويلة أميرًا على دولة بربرية مترامية الأطراف ناهضت غارات العرب الجديدة وقاتلتهم أشد قتال، وسقط كُسَيلَةَ نفسه في حومة الوغى بناحية

ص: 2464

سبيبة عام 678 م. ويقال إن زهير بن قيس البلوى كان قد وفد عليها في ذلك الحين.

ولم تسمح الأحوال في داخل الدولة الأموية باستئناف سياسة الفتح إلا عام 693 م، وفيه خرج حسان بن النعمان في جيش عدته أربعون ألف مقاتل لغزو إفريقية، ثم تقدم مسرعًا صوب الشمال للقضاء على الروم قبل أن ينكفئ لقتال بربر أوراس الأشداء، واستولى على قرطاجنة عام 695 م، ولكنه فقدها وهزمه البطريق يوحنا ثم هزمه البربر في سهول باغاية بقيادة الكاهنة وهي شخصية أسطورية، فرجع إلى برقة ثم هاجم قرطاجنة في العام التالي بحرلم وبرًا، فاستولى عليها وثبت أقدامه فيها، وفي. عام 698 م، انتزع العرب من البربر والروم آخر الأمر جميع ما يعرف الآن بتونس تقريبا، واستطاع حسان أن يشيد تونس، واستولى خلفه موسى بن نصير على زغوان ثم قاد بربر إفريقية لغزو المغرب.

وتمكن معظم الروم في إفريقية من الهرب بحرًا، إلى صقلية ومالطة خاصة والظاهر أن غالب السكان الذين بقوا في البلاد بادروا إلى الدخول في الإسلام اللهم الاجماعات قليلة من النصارى (الأفاريق) أو اليهود؛ على أن بربر إفريقية قد نزعوا إلى الاستقلال حتى بعد إسلامهم شأنهم في ذلك شأن بقية أقطار شمالي إفريقية، وحاولوا في عدة مناسبات أن يستعيدوه وتذرعوا في ذلك بأيسر الأسباب وهو الزندقة. فكان القرن الثامن كله فتنا، فقد استعين بمذهب الخوارج الاشتراكى لإثارة أهل البلاد على العرب الحاكمين، كما كان هذا القرن حافلًا بانتفاض الجند العرب الذين كانوا يسارعون إلى الشغب والخروج على النظام.

وتمكن حنظلة بن صفوان من إخماد فتنة عكاشة الصفرى، ولكنه أجبر على الفرار إلى الشرق عندما استولى الثائر عبد الرحمن بن حبيب الفهرى على القيروان. وعجز آخر الأمويين عن استعادة هذه الولاية النائية التي كانت بسبيل الخروج من أيديهم. ورأى

ص: 2465

العباسيون أن الأندلس بمنجاة من سلطانهم فقصروا همهم على استعادة إفريقية من أبي الخطاب الإباضى فاسترجع قائدهم محمد بن الأشعث القيروان وعمر أرباضها. وأقام فيها من يلي أمورها ولكن حكمه لم يدم طويلا فقد نقم جند العرب عليه وأجبروه على الرحيل عام 765 م. وعجز الأغلب بن سالم التميميّ، وكانت له صحبة قديمة في المشرق بداعية العباسيين أبي مسلم، عن أن يثبت للمنتقضين من المضرية، وقتل في فتنة عام 767 م، فسادت الفوضى خمسة أعوام سويا.

وتوارث حكم إفريقية من. عام 772 إلى عام 794 م بنو المهلب، وهم دويلة من عمال الخلافة يمانية الأصل، ونجحت بعض النجاح في إقامة النظام ونشر الأمن في ربوع البلاد. وتخلص يزيد بن حاتم يعاونه أربعون ألف جندى من أبي حاتم الإباضى وعمّر مسجد القيروان الجامع عام 774 م ونظم أهم طوائف المدينة. وقضى ابنه داود على حلف وفرجومة البربرى عند الكاف عام 788 م وتمكن أخوه وخلفه رَوْح من الاتفاق مع ابن رستم الإباضى صاحب تيهرت. وقد قضى هذا الاتفاق على نزعة التمرد بين بربر إفريقية.

ومن ثم فلم يعد يهدد أمن البلاد بشر مستطير إلا جند العرب وحدهم؛ فقد حل بها، بعد وفاة الفضل آخر بنى المهلب، عهد. ساده الفتن وسفدًا لدماء، فأنفذ الخليفة العباسى إليها القائد المسن هرثَمة بن أعيَن فردها إلى طاعته وبنى رباط المنَسْتير. وخلف هرثمة محمد بن مقاتل العكى فأثار جند تونس التميمية بسوء تصرفه وقلة حيلته فعزلوه في أكتوبر عام 779 م.

وفي هذا الوقت ظهر إبراهيم بن الأغلب فجأة وناصر العباسيين في ولايته التراب، وكان ابن عاملها الذي قُتل عام 867 م ردّ ابن مقاتل إلى القيروان؛ واستمع هارون الرشيد لناصحيه فجعل إبراهيم "أمير" إفريقية مكافأة له وتوطيداص لأركان الحكم فن البلاد. وتسلم كتاب تعيينه في يولية عام 800 م، وظل السلطان في بيته أكثر من قرن بلا انقطاع حتى عام 909 م.

ص: 2466

وقد أثرت دولة الأغالبة تأثيرًا عميقا في تونس. وكان الأمراء يتبعون الخلافة بالاسم، ولكنهم كانوا في الواقع مستقلين عنها يتوارثون الحكم فيما بينهم، فجنحوا إلى السلم والنظام والتوسع. بيد أن التميمية لم تهدأ ثائرتهم، وكان مركزهم تونس. وكان إبراهيم نفسه تميميًا، ولكنه اختلف مع هؤلاء الجند من مُضر وقد برموا بأولى الأمر سواء أقربت ديارهم أم بعدت عن العباسيين الذين قربوا اليمانية أعداءهم القدماء. فاضطر إبراهيم إلى التعويل على جند بينهم كثير من الأعاجم الوافدين من خراسان؛ وكان جل اعتماده في أمر سلامة شخصه على حرس حديث النشأة من الزنج وعلى حصون القصر القديم أو العباسية التي أقامها عام 801 م على بعد فرسخ من القيروان. والراجح أنه لقى فيها سفراء شارلمان. وفي سنة 802 اضطر إلى معالجة فتنة في بلاد تونس. وفتنة نشبت عام 805 في طرابلس، وتمرد، سنة. 810 - 805 قام به قائده عمران بن مخلّد الذي تجرأ فحاصر القيروان، وفي عهده بدأت تنتشر على الحدود عند الساحل الشرقي الحصون التي عرفت بالمحارس. ولما توفى عام 812 م، عادت الفتنة إلى طرابلس.

واشتهر ابنه زيادة الله (817 - 838 م) بنشاطه وقسوة قلبه، وسرعة بادرته، فوجد له منافسًا قويًّا هو منصور الطنبذى الذي أوشك أن يقضى عليه. وخرجت البلاد الشمالية كلها- بما فيها تونس- عن طاعته أعواما، بيد أن نفحة من نفحات عبقريته هدته إلى مافى الجند المشاغبين من طمع وحمية، فاستنفرهم إلى جهاد صقلية فأقلعوا من سوسة عام 827 م يهزهم الحماس تحت إمرة القاضي المشهور أسد بن الفرات، واستولوا على بلرم عام 831 م، ثم على مسينا بعد اثنتى عشرة سنة. ثم فرغ زيادة الله- وكان قد بنى رباط سوسة عام 821 - إلى أعمال السلم ومنها بناء المسجد الجامع في القيروان. وتأثره خلفه فتوسع في إقامة البنَى. وشيد عام 850 م مسجد سوسة الجَامع ومسجد صفاقس؛ ونحن نخص بالذكر

ص: 2467

الأمير أحمد الذي أقام الأسوار حول هاتين المدينتين، وبنى "صهريج الأغالبة" وهو الصهريج الكبير الذي يزود القيروان بالماء.

وفي عام 874 م خلف إبراهيم الثاني- وهو آخر الأمراء العظام في هذه الدولة- أخاه محمدًا، وقد كنى بأبى الغرانيق لكلفه باصطيادها. وهُجر القصر القديم إلى قصبة جديدة جعلت فيها دواوين الحكومة: وهي رقادة، ولايزال موضعها معروفاً على مسيرة خمسة أميال جنوبي القيروان، فلما ثارت تونس وفتحت عنوة أكثر تردد الأمير عليها بعد عام 894 م ونقل عاصمته إليها لكى يرقب أحوالها بعين ساهرة. وتميزت سياسة الأمير في الخارج بحوادث جسام: فواجهت البلاد أول الأمر من ناحية الجنوب الشرقي غارات العباس ابن أحمد، ابن أول أمراء البيت الطولونى؛ ذلك أنه لم يطع أباه وخرج على رأس حملة من مصر وسار إلى طرابلس عام. 880 م يريد فتح إفريقية. ولكن بربر نفوسة وقفوا بينه وبين طرابلس، وجاء إبراهيم في الوقت الملائم فاستولى على خزانة دنانير للطولونيين فساعد ذلك على تحسين الحال المالية للبلاد؛ بيد أن ذلك لم يدم طويلًا؛ لأن الأموال لم تملا الخزائن التي استنزفتها في مطلع هذا القرن الفتن والثورات ثم البذخ والإسراف، وألحت الحاجة على الحكومة فاشتطت في طلب العبيد والخيول من سهل قمودة فاندلعت فتنة عام 893 م الجائحة" إلا أن فتح صقلية قد تم بالاستيلاء على سرقوسة عام 878 م وتاورمينا عام 901 م، وشكا أهل تونس- الذين لاتهدأ ثائرتهم- من إبراهيم، فصدع بأمر الخليفة وتنازل لولده عبد الله ومات مجاهدًا عند كوسنزة من أعمال كلابريا في أكتوبر من العام نفسه.

وفي هذه الأثناء كانت الفتنة الدينية التي اجتاحت إفريقية بعد ذلك في مهدها بالمغرب. وفي القرن التاسع كان بربر الجنوب (الهوارة واللواتة والمكناسة) باسرهم من الإباضية، وتمتد منازلهم من أوراس إلى جربة

ص: 2468

وطرابلس، أما بربر نفوسة فكانوا يقطعون الطريق المذاهب إلى الشرق جنوبي قابس، ودلك قبل أن يُعمل إبراهيم الثاني السيف في رقابهم عام 896 م. بيد أن مذهب الخوارج لم يحل دون غلبة المذهب السنى في الجزء الأكبر من البلاد وظهور جماعة من مشاهير رجاله أمثال القاضي عبد الرحمن بن زياد صاحب ابن الأشعث وبهلول الزاهد الذي ذاع صيته واتسع سلطانه في القرن التاسع الميلادي؛ وبلغت المناظرات في مسائل الفقه ذروتها أيام الأغالبة، وفي دلدُ العهد قامت المذاهب المختلفة وجمعت أمهات كتب السنة. وقد ظهر في هذه الأثناء اثنان من تلاميذ ابن القاسم فقيه المالكية المشهور في مصرهما: أسد بن الفرات الذي ولد لأسرة خراسانية وتوفى في صقلية عام 828 م، وتلميذه سَحنْون (ابن سعيد التنوخى) الذي ولد في الشام لأب من مرتزقة الجند، وولى عام 850 م قضاء القيروان فنصر المذهب المالكي الذي تهددته حنفية عدد من العلماء. ولا تزال مدونة ابن الفرات عُمدة يرجع إليها؛ وظلت المالكية المذهب الغالب في تونس وإن ظهر عليه بعض المذاهب الأخرى أحيانًا. وجدير بنا أن نلاحظ أن أشهر العلماء والمذاهب كان شرقي المنبت، كما وفد من المشرق على قبائل كتامة في إكْجَن (وهي قبيلة صغيرة شرقي بابُرس) الداعى أبو عبد الله ليدخلهم في شيعة عبد الله المهدي، وكان ذلك عام 894 م.

وأنفذ الأغالبة عام 902 م حملة على كتامة فبلغت غرضها بعد جهد؛ وإزداد خطر الشيعة أيام زيادة الده الذي قتل أباه عبد الله المعتزلى عام 903 م. وفي عام 905 م أسرع المهدي بالقدوم من الشام إلى شمالي إفريقية وانتظر في سِجِلْماسة اللحظة المواتية للمجاهرة بدعوته، وكان داعيته المخلص يفتك بجيش الأمير. وأخذت الحوادث تجرى سراعا. وحاول زيادة الله عبثا أن يحاكم الشيعة أمام مجمع من الفقهاء في تونس، وطلب المعونة من العباسيين؛ وسقطت باغاية في ربيع عام 907 م؛

ص: 2469

وفي شهر مارس عام 909 م فر زيادة الله إلى بغداد بعد سقوط الأربس، ودخل الداعى رقّادة على الرغم من العداوة التي أسرها علماء السنة. وفي شهر ديسمبر من السنة نفسها تلقى المهدي بنفسه فروض الولاء من الأهلين في القيروان. وهكذا تأسست في إفريقية- بفضل الجند المشاة من بدو كتامة- الخلافة الفاطمية العُبَيدية الشيعية، فأحدثت انقلابًا في الأحوال السياسية لشمالى إفريقية بأسره قبل رجوعها إلى موطنها القديم في المشرق.

وكانت الدولة الجديدة تمد بصرها- من أول الأمر- إلى مصر، ولم تنقطع عن إنفاذ الحملات تمهيدًا لفتحها حتى وطدت أقدامها فيها. وقد قتل عبيد الله في يناير من عام 911 م أبا عبد الله. وهو الذي ثبت له الملك، مثله في ذلك مثل المنصور الخليفة العباسى الذي قضى على داعيته أبي مسلم. وقد سار ابنه على رأس جيش عام 913 م وفتح الفيوم، واستولى ابن آخر على مدينة الإسكندرية، فلما توقف الفتح ناحية الشرق فكر المهدي في تأسيس عاصمة له في إفريقية على البحر: فابتنى المهدية لتخرج منها الأساطيل لمهاجمة الشرق، وللتحصن فيها من هجمات البربر المتوقعة من داخل البلاد (916 - 918 م) وقد أنفذت عام 919 م حملة أخرى استولت على الإسكندرية واحتفظت بها أمد، وجيزًا. وكان انتصار هذه الخلافة في الغرب مبينًا، فقد قضت على ثورة صقلية وأدخلتها في طاعتها. ولما توفى عبد الله في مطلع 934 م كان المغرب بأسره قد وإن للفاطميين وقضى على دولة الإباضية في تيهرت والإدريسية في فاس وصفْرية سجلماسة، واعترفوا جميعًا بسلطان الفاطميين.

واستطاع أبو القاسم نزار القائم بأمر الله أن يوطد سلطانه في مشقة على الدولة المترامية الأطراف التي ورثها. والواقع أن أسطوله تمكن من نهب جنوة عام 935 م، بيد أنه لم يكن لهذه الغارة شأن مثلها في ذلك مثل غارة التوسكان على قرطاجنة عام 828 م بقيادة بونيفاس اللقى

ص: 2470

(of Lucca، ولم يكن منه إلا أن استسلم للثورة العنيفة التي قاد لواءها النكّارى أبو يزيد بن كيداد الإفرانى صاحب الحمار الذي جهر بأنه "شيخ المؤمنين" وقاد باسم الدين هوَارة شرقي أوراس لمهاجمة مدن إفريقية. ونهب البربر الخوارج عام 944 م باجة والأربس والقيروان وسوسة، واستولوا على تونس وحاصروا الخليفة في حيه الخاص بالمهدية عام 945 م بعد أن ازدحمت صفوفهم بمن انضم إليهم من بربر نفوسة والزاب. ومات أبو القاسم في أحرج الأوقات عام 946 م. واستطاع إبنه إسماعيل المنصور- يؤيده أهل البلاد الذين أسخطتهم مظالم الغزاة وتنصره كتامة التي ظلت موالية له- أن يعيد الأمور إلى نصابها. وهُزم أبو يزيد في وقائع دموية متعاقبة، ورأى بعينيه تفرق رجاله. ثم سقط في يد أعدائه مثخنًا بالجراح في الموضع الذي شيد فيه ابن حماد قلعته عام 947 م

فلما انتهى هذا العصر المضطرب، أعقبه عصر آخر يسوده الأمن والرخاء. وبادر المنصور إلى إظهار سلطانه بتشييد مدينة صَبْرَة الزاهرة التي عرفت بالمنصورية، وسرعان ما أخملت جارتها القيروان 947 م. وازدهرت التجارة والصناعة، وكان القائد رشيق يجوب البحر ملقياً الرعب في قلوب النصارى. وحلت اللحظة المنتظرة من زمن طويل عندما اعتلى المعز عرش الخلافة عام 953 م: ذلك أن المغرب بأسره قد وإن له بالطاعة فيما يظهر على الرغم من شبوب الفتن بين الحين والحين لمناصرة الأمويين أصحاب قرطبة؛ وكانت غارات الأندلسيين على سواحل سوسة وطبرقة عام 956 م ثارات قديمة فحسب، ولم تكن ذات خطر حقيقى. وقوى الأمل في فتح مصر، وكان قد ضعف بموت كافور الإخشيدى، فاحتل جوهر الصقلى، وكان عبد، فأعتق، على رأس كتامة مدينة الفسطاط في يولية عام 969 م باسم الخليفة المعتز، مثله في ذلك مثل أبي عبد الله الذي احتل القيروان لمولاه

ص: 2471

المهدي، كما احتل أبو عبد الله مدينة دمشق في العام الذي يليه. وأسس جوهر مدينة القاهرة لمولاه وكان باقيًا في المغرب، ثم دعإه إلى اللحاق به ليقف في وجه القرامطة. فلما فرغ الخليفة الفاطمى من القضاء على آخر ثورات زناتة، وكان قد أخذ يضع تاجًا فوق رأسه على طريقة المشارقة، تجهز للرحيل في أغسطس عام 972 م فبلغ القاهرة في العاشر من يونية عام 973 م وأصبحت هذه المدينة بذلك قصبة دولته.

وغادر المعز إفريقية إلى غير عودة، وولى عليها (ماعدا صقلية) قبل رحيله رجلًا من أكفأ أنصاره هو الأمير البربرى بلُكبن، وكان أبوه زيرى بن مناد عدوًا لدودًا لقبيلة زناتة التي لاتهدأ ثائرتها، وقد أعان العبيديين دائمًا برباله من صنهاجة ناحية تترى وبلاد الجبال. ونجحت هذه الخطة- التي رمت إلى حكم البلاد بأمراء من البربر- نجاحًا كاملًا. وكانت أيام بنى زيرى - ويأتيهم كتاب الولاية من القاهرة- أيام رخاء في إفريقية عم فيها الخير وكثر الزاد بفضل إرتقاء الزراعة وصناعة البلاد (مثل البسط والقماش والفخار) والتجارة مع العالم الخارجى؛ وكانت المحافل الرسمية غاية في الأبهة والبذخ؛ ونهضت دراسة الفقه والطب، وكان قد برز فيها أيام الفاطميين رجال مشاهير منهم ابن أبي زيد واسحاق بن سليمان الإسرائيلى وتلميذه ابن الجزار؛ وبرز في الأدب الشاعر ابن رشيق. واجتذب يهود القيروان نفرًا من مشاهير التلموديين، كما خرج من بينهم تلموديون مبرزون.

ولم تتأثر هذه الحضارة الزاهرة إلا قليلًا بنقائص زناتة المغرب الذين استفحل أمرهم مع الأيام وجهروا بولائهم لقرطبة، كما أنها لم تتأثر بانفصال حماد الذي أسس عام 1008 م في عهد ابن أخيه باديس بن المنصور (عام 995 - 1016 م) دولة مستقلة في قلعته المشهورة. بل كان الأمر على العكس من ذلك، فقد بلغت الدولة أوجها فيما يظهر أيام المعز بن باديس في النصف الأول من القرن الحادي عشر. بيد أن هذا المعز، وكان كثير الخيلاء، قد

ص: 2472

وقّره خلفاء القاهرة وبجّله أهل المغرب بأسره، ولكنه اقترف خطأ عظيمًا بإيقاظ الخصومات الدينية القديمة التي كان يتذرع بها سكان شمالي إفريقية للانتقاض على حكامهم المشارقة. واجتمع حوله مالكية القيروان وشرعوا تحت سمعه وبصره يذبحون الشيعة وفقا لخطة مرسومة، فتوجه بولائه إلى العباسيين في بغداد وانتهى به الأمر إلى الجهر بعصيان الفاطميين، وكان ذلك على مراحل استغرقت العهد الذي اختتم بعام 1050 م.

وكان انتقام الخليفة الذي انتقض عليه عظيما، وأحس وزير مصر اليازورى أن الاهانة موجهة إليه فأنفذ إلى االقَيل الثائر جماعات من أعراب الهلالية النهّابة، وكانوا يسكنون الصعيد شرقي نهر النيل. وكان عام 1051 م- الذي بلغ فيه بنو رياح أول العرب الهلالية إفريقية- انقلابًا في تاريخ القطر التونسى. وأسرع المعز إلى تحصين القيروان فلم يجده ذلك نفعًا وهزم عندها مرتين، وفي عام 1057 م دهمه البدو ونهبوا أسافل البلاد كلها، فانتقل سرًام إلى المهدية في حراسة أمراء من العرب اضطر إلى الإصهار إليهم وتزويجهم من بناته، وقد أحدث هؤلاء الغزاة، وعدتهم مئات الألوف، انقلابا كبيرًا غير مظهر شمالي إفريقية من حيث الاقتصاد والسياسة والسلالات. فقد رد البربر واستعربت البلاد، وغلبت عليها البداوة. واضطرب الأمن فهلك الزرع وتقوّض سلطان الحكومة المركزية، وسقطت المدن الكبيرة في يد العرب أو استقلت بأمر نفسها يحكمها أمراء من أهل البلاد أو عمال جهروا باستقلالهم بل إن منهم من قدم فروض الولاء إلى بنى حماد أصحاب القلعة طلبا لحمايتهم. وهكذا تأسست دويلة بنى خراسان في تونس وبنى الوَرد في بنزرت وبنى جامع في قابس وبنى الرَنْد في قَفْصة، أما في الوسط فقد عمت الفوضى.

واستطاع بنو زيرى- على الرغم من هذه المصاعب التي لاحصر لها- أن يحتفظوا بالمهدية، ولم يكن في أيديهم إلا الساحل الممتد بين سوسة وقابس. وخلف تميم (1083 - 1108) أباه المعز

ص: 2473

فحاول عبثًا أن يستعيد بعض مافقده أبوه، فاصطلح مع ابن حماد، ولم يوفق في هجومه على تونس وأصبح محصورًا في المهدية لامناص له من رد هجمات العرب ودفع أعداء جدد هم النصارى؛ وقد سقطت المهدية عام 1087 م بتحريض البابا في يد الييزيين والجنويين بقيادة ينتليون الأملفى - Pan taleon of Amlfi فاضطر تميم إلى دفع تعويض للمنتصرين وقبول تجارتهم بلامكس. واعترف يحيى بن تميم، ولعله مات مقتولًا عام 1111 م، وابنه عليّ المتوفى عام 1121 م بسلطان الخلفاء في القاهرة وأيدتهما قبائل العرب وأحرزا بعض الانتصار في البر والبحر حتى دهمهما عدولم يكن في الحسبان. ذلك أن النورمنديين كانوا قد غزوا صقلية ومالطة وشرعوا يتدخلون في لفمئون إفريقية؛ وفي عام 1118 م، دبت الوحشة بينهم وبين هذا الأمير الزيرى فاستعان بالمرابطين في أقصى المغرب. واضطر الحسن بن علي أول الأمر إلى الاتفاق مع روجر صاحب صقلية، وقبول حمايته ليقف في وجه بنى حماد أصحاب بجاية، بيد أن هذا لم يمنع أمير البحر جورج الصقلى الأنطاكى من إجلائه عن المهدية عام 1148 م. وبسط روجر الثاني ثم وليم الأول، صاحبًا جربة والمدن الساحلية من سوسة إلى طرابلس، لونًا من الحماية السمحة على هذه الربوع، وكان الغرض الأول منها تجاريا، ولكن هذا لم يدم طويلًا، فقد ثار الناس على النصارى وسرعان ما استعادوا حريتهم؛ وبقيت سوسة والمهدية وحدهما في يد الكفار إلى عام 1159 - 1160 م، وفيه استخلصهما من أيديهم عبد المؤمن الموحدى الذي جاء من المغرب الأقصى وهزم عرب إفريقية في سطيف عام 1151 م، وكانوا قد اتحدوا في وجهه بزعامة الأمير المعز بن زياد الرياحى، وقضى على كل مقاومة في سبيله، واستولى على الحصون وأعمل السيف في اليهود والنصارى، فأعاد بذلكُ الموحدة السياسية إلى شمال إفريقية أكثر من خمسين عامًا.

ص: 2474

ولم تذق إفريقية بعد طعم السلام على الرغم من نفوذ خلفاء مراكش أصحاب السلطان الجديد فيها، ولم يستشعر الناس سلطان الموحدين مباشرة، ذلك أنهم أقاموا من قبلهم عاملًا في مدينة تونس، وكان هذا العامل يختار عادة من أقارب الخليفة الأدنين، وما أسرع أن ظهر عجزه عن إعادة النظام إلى الولاية. فقد كان العرب يتهددونها دائما، يضاف إلى ذلك ما أحدثته جماعات التركمان من اضطراب بزعامة قراقوش الأرمنى الجسور وما بذله على (المتوفى عام 1188 م) وأخوه يحيى من بيت بنى غانية المرابطى من محاولة أخيرة. وشخص الخليفتان يوسف عام 1180 م ويعقوب المنصور عام 1187 م إلى تونس على رأس الجند، بيد أن ذلك لم يكن كافيا لتحسين الحال، وكان يحيى مجدودًا، ففي عامِ 1200 م تخلص من حليفه السابق قراقوش وغلب خصمه ابن عبد الكريم الرغراغى خليفة ابهدية على أمره، وبسط سلطانه من قاعدته في الحريد على ولاية تونس باسرها. واحتاج الأمران ينفذ الخليفة الناصر عام 1205 - 1207 م حملة يقضى بها على المرابطين وذلك بزعزعة سلطان يحيى وإقامة حكومة قوية على الولاية عهد بها أول الأمر إلى "الشيخ" عبد الواحد بن أبي حفص بطل الأرك عام (1207 - 1221 م)، وهكذا بلغ الحفصيون أول مرتبة من مراتب السلطان.

واستعمل فرد آخر من بنى حفص على تونس منذ عام 1184 م، وقد انحدر هذا البيت الحفصى من أمير بربر هنتاتة- وهي قبيلة من قبائل مصمودة في أطلس مراكش- وكان له شأن عظيم بين أتباع المهدي ابن تومرت المقربين. وقد مكنوا لأنفسهم في إفريقية عام 1226 م، باستعمال أبي محمد عبد الله، وقد كاد له أخوه أبو زكرياء وحل محله بعد ذلك بعامين عام (1228 - 1249 م). واستقل أبو زكرياء بالأمر شيئًا فشيئا، ولكنه قنع مع ذلك بلقب الإمارة، وكان المؤسس الحقيقي للدولة التونسية العظيمة التي حكمت ثلاثة قرون ونصف قرن على الرغم من الأحداث التي تقلبت عليها.

ص: 2475

وقد استمسك الحفصية دائمًا بسنة الموحدين، وكانوا يحبون أن يعرف عنهم أنهم أنصارها المعتمدون على الرغم من رفضهم سلطان عبد المؤمن وعودهم إلى المذهب المالكي. وكان نظامهم في الحكم يشبه نظام الموحدين الأول، إذا استثنينا بعض الفروق الصغيرة، بيد أنه لما نادت مكة بثانى أمرائهم المستقلين، وهو ابن أبي زكرياء، خليفة حول عاف 1250 م، ظلت تحيط به بطانة قوية من الموحدين كانوا دعامة الدولة والجيش، كما بقيت السكة موحدية شكلًا ووزنًا. وكانت دواوين الحكومة تندرج في ثلاثة أقسام كبيرة هي: الجيش، وبيت المال (الأشغال)، والقضاء. وكان عمال الولايات يختارون من قديم- في الأغلب الأعم- من أقارب الخليفة الأدنين. بيد أنه من الخطأ أن ننكر ماكان لكثير من الأندلسيين من شأن في إدارة البلاد وحياتها العقلية، بعد أن أجلوا عن الأندلس عندما استعادها النصارى في القرن الثالث عشر الميلادي.

ولما رغب بنو حفص في نشر ألوية السلام على إفريقية كانت تواجههم دائما مشكلة الأعراب. فقد رد بنو سليم بنى رياح فغلبوا بذلدُ على داخل البلاد، وفرضت أحزابهم المختلفة فيما بينها إتاوات منظمة على نواحى الريف. ومن هؤلاء الكعوب وهم من قبائل المخزن، وكثيرًا ماتدخلوا فيما ثار بين الأمراء من خلاف هدد بلاد تونس، فناصروا من الأمراء من يختارون وأثاروا حفيظة سكان الحضر. وحصلوا في عام 1284 م من أمير يدين بعرشه لهم على كتاب إقطاع يعطيهم خراج عدة مدن، وكان لخصومتهم مع أبناء عمومهم أولاد أبي الليل وأولاد مهلهل أثر سيئ في سلطان الحكومة المركزية إبان القرن الرابع عشر الميلادي.

وكان لهذه الدولة عهود زواهر إلى وفاة الخليفة المستنصر عام 1277 م. ذلك أنهم بسطوا سلطانهم، على الرغم من الثورات التي كانت تنشب بين حين وحين من طرابلس إلى صميم بلاد الجزائر، ومكنوا لأنفسهم في المدن الهامة وهي تونس وقسنطينة وبجاية. وامتد نفوذهم إلى ماوراء شمالي إفريقية فلفت أنظار أسيانيا وأوروبة

ص: 2476

المسيحية. وهذا هو العهد الذي توطدت فيه العلاقات التجارية على أسس منظمة مع برشلونة ومرسيليا وجنوة وبيزا وصقلية والبندقية: فعقدت المعاهدات التي تنظم التجارة والملاحة وأنشئت قنصليات في تونس وزاد المجبى من المكوس فبرر قيام تونس بأداء الجزية إلى صقلية ثم إلى أرغون. وقد اجتمع حول الأمير الحفصى عدد من الجند المرتزقة النصارى، ومع ذلك فقد هدد صليبيو القديس لويس قرطاجنة تهديدًا خطيرًا عام 1270 م

وصفوة القول أن الحكم في إفريقية كان أوطد وأزهر مما كان عليه في القرنين السابقين: وآية ذلك النهضة في علوم الفقه وفي بناء العمائر. وتعاقبت على البلاد فتن أثارها تطلع بعض الأمراء إلى العرش ممن تربطهم بالخليفة قرابة صحيحة أو مزعومة، مثل فتنة ابن أبي عمارة التي وقعت عام 1273. ومما يبعث على الأسف أن هذه الفتن سرعان ما أضعفت سلطان الخليفة، وأوهت الروابط القائمة بين رعاياه، وهي روابط لم تكن وشيجة بحال من الأحوال، وكان هذا في صالح الأعراب؛ وبقى الحكم في أعقاب المستنصر بعد أن أكره ابنه الواثق على النزول عن الخلافة عام 1279 م وانحصر في أمير واحد هو أبو عصيدة 1284 - 1295 م) وبوفاته خرج الحكم من هذا الفرع. فحكم أخ ثالث هو أبو حفص (1284 - 1295 م) ثم ابن عم له هو أبو يحيى ابن اللحيانى (1311 - 1317 م)، واستقر السلطان آخر الأمر في أعقاب ابن آخر من أبناء أبي زكرياء هو أبو إسحاق إبراهيم عام 1279 - 1283 م، وبدأ بأبى يحيى أبي بكرعام 1318 - 1346.

وانفصمت أواصر الموحدة بين بنى حفص زمانًا بخروج بجاية عن طاعتهم وقيام دولة مستقلة فيها، ثم عادوا إلى ماكانوا عليه من اتحاد. وكانت جربة قد بقيت في يد النصارى منذ فتحها روجر صاحب لورية عام 1337 م، فأخذها الحفصيون منهم عام 1337 م؛ وقد وقفوا في وجه بنى عبد الواد بفضل تحالفهم مع المرينيين الذين قويت

ص: 2477

شوكتهم. بيد أن هذا الحلف كان ينطوى على خطر دفين، فقد استغل السلطان المرينى الواسع الأطماع أبو الحسن- وكان قد بسط رايته على تلمسان- الفتن الداخلية وبادر إلى فتح إفريقية عام 1347 م، واستقر هو وفقهاؤه ورجال بلاطه في مدينة تونس. ولم يكن ليعيد بنى حفص إلى السلطان غير فتنة عربية موفقة. وقد حدثت هذه الفتنة عام 1250 م بيد أن جيوش أبي عنان المرينى استطاعت- بعد سبع سنين- أن تحتل تونس مرة أخرى، ولم تثبت أقدامهم فيها طويلًا.

وفي هذا العهد بدأ سلطان الحاجب الدساس ابن تفْراكين (المتوفى عام 1364 م) في الظَهور أيام أبي إسحاق إبراهيم (1350 - 1369 م) ولكنه لم يوفق تمام التوفيق فيما بذل من جهد لإعادة الموحدة إلى هذه الدولة بأسرها. فقد خرج جنوبيها خاصة عن طاعة الخليفة، ومكنت دول من أمراء البلاد لنفسها في تلك الربوع: فحكم بنو يملول في توزر وبنو الخلف في نقطة وبنو مكيّ في قابس وبنو ثابت في طرابلس، إلا أن أبا العباس (عام 1370 - 1394 م) - الذي بدأ خياته السياسية في قسنطينة- أعاد إلى الدولة مجدها، فكان ينفذ الحملات الواحدة بعد الأخرى حتى وإن له الثوار بالطاعة، وفي عهده أرادت جماعة من الصليبيين الجنوبيين الفرنجة أن تثأر من القرصان الذين جاوز طغيانهم الحد، ففشلت أمام المهدية عام 1390 م. ونهض ابنه أبو فارس (عام 1394 - 1434 م) بالأسطول، وبلغ من أمره أنه أنفذ حملة بحرية على مالطة عام 1428 م؛ وكان لزاما عليه من الناحية الأخرى أن يرد عادية القطلونيين والصقليين الذين تحت إمرة الأذفونش Alfnnsn العظيم الذي استولى على جزر قرقنة Kerkenna عام 1424 م وأنفذ حملة كبيرة على جربة عام 1432 م. فأقام الحصون في رأس أدار ورَفْرَف والحمامات لرد غائلتهم. واستولى على تلمسان، عام 1424 م.

وكان عهد الحفصيين في القرن الخامس عشر يتميز بزيادة نفوذ الموالى الذين كانوا يُستعملون على الأقاليم

ص: 2478

والجيش ويعرفون بالقواد، وكان الأمير أبو عمرو عثمان، وقد حكم من عام 1435 إلى عام 1488 م، آخر السلاطين المبرزين. وارتبطت تونس بعلاقات ودية في الخارج مع أوروبة، على الرغم هن نشاط قرصانها. وأذن للقطلونيين والجنويين بصيد المرجان في طبرقة وسمك التونة ا ;"" Tunny في رأس أدار. أما في الداخل فقد اتسع سلطان مذهب المرابطين الذي جاء من الغرب، وارتقت الزراعة لاستقرار الأمور في هذا العهد بالنسبة إلى غيره، على الرغم من الأعراب الذين كانوا أبدًا مصدر شغب دائم.

وسرعان ما ساءت الأحوال بموت عثمان، فحكم البلاد ثلاثة من الخلفاء في غضون أعوام قليلة، ثم أخذ نجم الدولة يأفل أيام أبي عبد الله (1494 - 1526) فمزق أوصالها انتقاض القبائل عليها قبل أن تحيق بها ضربات الأسيان الذين طاردوا قراصنة الترك في هذه الربوع. وفي عام. 101 م جردها بدرو نافارو Pedro Nvarrn من بجاية وطرابلس، وفي عام 1520 م احتل هيوز: ، مُنكاد Moncade جربة إلى حين. ثم ألفى الحسن المنكود الطالع، ابن أبي عبد الله وخليفته، نفسه آخر الأمر (أغسطس عام 1534) مطرودًا هن تونس على يد خير الدين بربروسه الذائع الصيت. ولم يعد الحسن إليها إلا في شهر يولية من عام 1535 م عندما استولى شارل الخامس Chrles V على المدينة، وأصبح قيلا من أقياله وسلم للأسبان حصن حلق الوادي. وازدادت أحوال الدولة المحمية سوءًا، عندما استولى أندريا دوريا Andrea Doria على مدن صفاقس وسوسة والمنستير عام 1540 وفي عام 1542 م حلت بالأسيان كوارث خطيرة، وخارت عزيمة جند الحسن في قتالهم الثائر القيروانى سيدى عرفة وحلف شابية المرابطين القوى البأس الذي غلب على أواسط تونس باسرها. فذهب يطلب العون من ملوك أوربا، ولكن ابنه أحمد (حميدة) اهتبل فرصة غيابه وخلعه. وحاول حميدة، وكان رجلًا غليظ القلب مقدامًا، أن يستعيد فلك ابائه فلم

ص: 2479

يفلح، ثم ظهر بطل جديد هو القرصان التركى درغوث، وكان في يد الجنويين، ولم يطلقوا سراحه إلا في مقابل تسليمهم جزيرة طبرقة، وطرده الأسيان من المهدية عام 1550 م؛ إلا أنه استطاع بمهارة أن يفلت من أندريا دوريا بين ممرات جربة في ابريل من العام نفسه، واستطاع من قاعدته في طرابلس أن يحتل قفصة في نهاية عام 1556 م والقيروان في بداية عام 1558 م، وفيها ترك فرقة من الجند تحت إمرة حيدر باشا. ولما قاد دوق مدينة سالم نائب الملك في صقلية حملة على جربة هزمه درغوث هزيمة منكرة عام 1560 م، ثم هلك في حصار مالطة عام 1565 م.

واستمرت الحرب بين حميدة وعامل الأسيان على حلق الوادي على الرغم مما عقد بينهما من المعاهدات، فسَهل ذلك على أمير الجزائر على باشا (أولوج على) احتلال تونس في نهاية عام 1569 م ووضع فيها حامية من الجند. وفي خريف عام 1573 م استعاد دون جون النمسوى Don John بطل ليَنْتُو Lepanto مدينة تونس من الترك فَأعاد سلطان الحفصيين لآخر مرة بتاثير محمد ابن الحسن وإقامة سربلونى Serbelloni مشيرًا له. واستولت جنود الترك- التي جاء بها أسطول سنان باشا من الآستانة- على تونس وحلق الوادي من أغسطس إلى سبتمبر عام 1574 م فوضعوا بذلك حدًّا لحكم الأسيان، وكان مزعزعا لا يطول به العهد، وقضى على دولة بنى حفص "الوطنية" التي كانت عزيزة الجانب وأصبحت على الأيام ولاحول لها ولاقوة. وكانت عودة حميدة إلى الملكُ (ع 1581 م) بمثابة صحوة الموت لهذه الدولة- فقد بسط سلطانه على فيافى تونس والجريد أعوامًا.

وجعل سنان تونس ولاية تركية ملحقة بالجزائر يحكمها باشا وذلك قبل أن يعود إلى الآستانة، ثم أصبحت منذ عام 1587 م تابعة للباب العالى مباشرة. وكان يقود جيش الاحتلال أغا، وهذا الجيش أربعة آلاف رجل، على رأس كل مائة داعى (داى). واستبد الديوان بالأمر- الهيئة الحاكمة

ص: 2480

التي تضم الضباط العظام- فاندلعت نيران الثورة عام 1591 م وانتهت بوضع أزمة الأمور في يد واحد من هؤلاء الدعاة (الدايات). وأصبح منصب الياشا في عهد هؤلاء الدعاة، وينتخبهم الإنكشارية، منصب شرف فحسب، كان كان يمثل السلطان. أما الديوان فقد أعيد تنظيمه وقويت شوكته، مثله في ذلك مثل طائفة الرعايا (أي طائفة القرصان). فإذا انتقلنا إلى موضوع الدين، فإننا نجد الدولة تقدم المذهب الحنفي على غيره من المذاهب.

ويعود الفضل في تنظيم الولاية تنظيما نهائيا للداعى الثالث عثمان (1594 - 1610) فقد أصدر مجموعة من القوانين موسومة بـ "الميزان" واستطاع أن يحافظ على الأمن في البلاد يعاونه "باى" مهمته جمع الضرائب دورتين كل سنة بقوة الجند (مَحله) وأشرفت الدولة على القرصنة في البحار على يد القبودان رائس وشاركت في غنائمها إلى حد كبير، وعظم حظها من هذه الغنائم بعد أن رقى بصناعة القرصنة عدد من المرتدين نخص بالذكر منهم رجلا إنكليزيًا يدعى وارد Ward . ولما طرد المسلمون من الأندلس (عام 1609 م) استقروا في تونس ورأس أدار (سليمان، قرمبالية) وغيرها من المواضع مثل طبوربة ومجاز الباب وتستور وقلعة الأندلس فأنعشوا سوق الخضر والصناعة (الصباغة وصناعة الجوارب). وضعف سلطان تركية على تونس إلى حد أن فرنسا أصبحت تتمتع- بفضل الامتيازات العثمانية- بمكانة رفيعة في أرجاء الدولة العلية بأسرها، فأنشأت قنصلية لها في تونس عام 1577 م، واقتضى الأمران أرسلت عام 1606 سفيرا، هو ده بريف.، لكى يتصل مباشرة بأولى الأمر في تونس. واستعادت تونس في عهد يوسف

(1610 - 1637 م) زوج ابنة عثمان وخليفته مدينة جربة من باشا طرابلس، واتفقت على تسوية الحدود بينها وبين الجزائر، نتيجة لغارات الجزائر عليها في عام 1614 و 1628 كانت هذه التسوية أمرًا جديدًا. ثم خلفه داع اسمه الأسطى مراد (1637 - 1640) وكان قرصانًا جنويًا دخل في الإسلام،

ص: 2481

فحصّن غار الملح وأسكن فيه جماعة من أهل الأندلس، ولكن سلطان الدعاة (الدايات) كان آخذا في الضعف، ولسنا في حاجة إلى ذكر الدعاة الأربعة والعشرين (خوجه ولاز وغيرهما) الذين حكموا من عام.1640 إلى عام 1702 لهوان شأنهم، ولأنهم أصبحوا ألعوبة في يد البايات الذين نجحوا آخر الأمر في القضاء عليهم.

وحكم الباى مراد من عام 1612 إلى عام 1631 وكان قورسيقيا يلقب بالياشا، وقد نزل في حياته لابنه محمد فخلق بذلك سابقة جعلت الحكم وراثيًا في بيته. ولقب حمودة (1631 - 1663 م) أيضًا بالياشا عام 1659 م، واعتمد في حكمه على كتيبة من الصبائحية (سباهى) وزعها بين تونس والقيروان والكاف وباجة، وأصبح سيد البلاد دون منازع. وهو رأس الفرع المرادى، وقوامه ابناه مراد ومحمد الحفصى وأحفاده محمد وعلى ورمضان، وكانت الفتن تهدد سلطانهم دائما، مثل فتنة محمد بن شُكر، وبلغت هذه الفتن غايتها بمقتل ابن حفيده مراد بو باله عام 1702.

وامتاز النصف الأول من القرن السابع عشر بعودة العلاقات التجارية بين تونس وأوروبة، وبخاصة بينها وبين مرسيليا وليفورنو Livorno وأكبر الفضل في ذلك راجع إلى تجار النصارى واليهود. ونافست انشركات المارسيلية المؤسسة في رأس الأسود Cape Negro أو بنزرت جنوبي طبرقة في تجارة المرجان، وكانت تربح من تصدير الجلود والحبوب. واتسعت علاقات الولاية بالخارج فشملت أممًا مثل بريطانيا العظمى والأراضى الواطئة، وكانت وحدات من الأساطيل الأوربية في النصف الثاني من هذا القرن تضرب الساحل بقنابلها وتطلب الإصلاح إلى جانب الحملات التي درج فرسان مالطة على القيام بها انتقامًا من فعال القراصنة فيما مضى.

وازدهرت البلاد في الداخل أول الأمر كما يستدل من إقامة المنشآت؛ العامة والمساجد في طول البلاد وعرضها (كالمدارس والمساجد في، تونس وباجة والقيروان بما في ذلك منشآت سيدى صاحب). ثم ساءت

ص: 2482

الأحوال على الأيام في عهد المتأخرين من المرادية حتى استطاعت الجزائر أن تقوم بغزواتها عام 1685 - 1686 وعام 1694 وأخذت القبائل، ومنهم أولاد سعيد المرهوبى الجانب، في الانتقاض على الحكومة. وظلت الكاف في يد بنى شَنوّف أمدًا طويلا. وقلعة سنام في أيدى الحنانشة. وكان جبل وسلات موطن شغب عظيم، واجتاح البلاد وباء الطاعون مرات كثيرة فأهلك الناس.

ولما انتهى عهد إبراهيم الشريف (1702 - 1705 م) الذي أكثر فيه سفك الدماء، وقد اجتمعت له لأول مرة ألقاب الباى والداعى (الداى) والباشا وآغا الجند، نودى بالحسين بن علي تركى بايا على تونس في العاشر من يولية عام 1705 في غضون غزوة جزائرية جديدة، وهكذا قامت الدولة الحسينية التي ظلت تحكم البلاد إلى عهد قريب. وأعاد حسين السلام إلى الربوع وشيد كثير، من المبانى (مثال ذلك ما أنشأه في القيروان)، وحاول أن ينظم ولاية العرش لمصلحة ذريته مباشرة، فخلعه على باشا (1735 - 1756 م) يظاهره الجزائريون، ومن ثم نشأت مصاعب جديدة استفحل أمرها بفتنة يونس بن على عام 1752. ثم اعتلى محمد بن الحسين العرش آخر الأمر (1756 - 1759 م) بتدخل الجزائر أيضًا، وحكم على باى (1759 - 1782) ثم ابنه حمودة (1759 - 1782) ففعلا الكثير في سبيل رأب صدوع الدولة وإعادة الرخاء إلى بلاد تونس.

ونشطت التجارة الخارجية، مثلها في ذلك مثل الزراعة، واتسعت علاقات الباى مع الدول الأوربية، على الرغم من قضائه على الجاليات التجارية برأس الأسود وطبرقة عام 1741 وأبرمت معاهدات كثيرة كان يوقعها من قبل الولاية الباى نفسه، وكان ملكا بمعنى الكلمة. وعينت فرنسا آخر الأمر قنصلا عاما لها في تونس، على الرغم من محاربتها إياها عدة مرات. ونشبت الحرب بين تونس والبندقية واستمرت ثماني سنين (1784 - 1792). وأخضع على باى ثوار جبل وسلات عام 1762 وفرق شملهم ولكنه عجز عن التخلص من الجزائريين الذين ظلوا

ص: 2483

مصدر تعب كبير لحمودة، وأعمل حمودة- يعاونه يوسف صاحب الطابع- السيف في رقاب الإنكشارية المتمردين عام 1811 م ونظم الحكومة من جديد.

وطرأت تغيرات ملحوظة على أحوال السلطنة السياسية إبان القرن التاسع عشر، أولها القضاء على القرصنة والقرصان، وكانت من أهم موارد الدولة، وقد أرغمت الدول الأوربية محمودًا على ذلك (1814 - 1824 م) نتيجة لمؤتمرى فينا وإكس لاشايل، ثم كان لاحتلال فرنسا الجزائر عام 1830 أيام الباى حسين (1814 - 35 م) نتائج لم تكن في الحسبان. فقد حاولت تونس عبثا مدة نصف قرن الملاءمة بينها وبين الأحوال الجديدة بتغيير نظامها الداخلى وانتهاج سياسة وسط بين التراخى في تبعيتها للدولة العلية والانصراف عن هذه التبعية حينا آخر وبين السماح للدول المسيحية بالتدخل في شئونها على يد قناصلها.

وشجعت بريطانيا سلطان الباب العالى وناوأته فرنسا، ولم يبد هذا السلطان إلا في القليل من فرمانات التولية، وفي إرسال الجند التونسية إلى القريم (عام 1855) لمحاربة روسيا (وقد اشتركت وحدة بحرية تونسية مع الأسطول التركى في واقعة نافارينو عام 1827) ، وعلى ذلك أخذ النفوذ الفرنسى والإنكليزى والإيطالى يزداد يوما عن يوم. نعم إن خطط فرنسا لإقامة أمراء تونسيين على الجزائر لم تلق نجاحا، ولكن تونس لم تعد تأخذ الجزية التي كانت تدفعها الدول المسيحية نظير حق الاتجار معها. وقد ألغى أحمد (1837 - 1855) وكان أشبه بالحاكم "المستبد المتنور"- الرق ومنح اليهود حرياتهم ونظم "الجيش التونسى" على النسق الأوربى، واختار له مدربين من الفرنسيين، وزار لويس فيليب في باريس عام 1846. بيد أن إسرافه الكثير الذي زاد فيه بناؤه دار الصناعة في غار الملح وقصور المحمدية استنزف موارد الدولة وكانت جد قليلة، ففُرضت ضرائب جديدة اسمها "محصولات قانون" لاحتكار أشجار الزيتون.

ص: 2484

وأدخل ابن عمه محمد (1855 - 1859 م)"المَجْبَى"، وهي ضريبة رءوس مقدارها ستة وثلاثون قرشًا، أعفيت منها مدن تونس وسوسة والمنستير وصفاقس والقيروان، ولكن أهم حادث في عهده هو إصداره "عهد الأمان" في 9 سبتمبر سنة 1857 الذي حمله عليه القناصل، وقد نقل فيه "خط شريف كولخانه" لعام 1839 وأعلن أن أهل تونس جميعن سواء أمام القانون وفي دفع الضرائب، كما أعلن حرية المعتقد وحرية العمل والتجارة وحق الأجانب في امتلاكُ الأرض والعقار. وأصدر أخوه محمد الصادق (1859 - 1882) دستورًا في السادس والعشرين من أبريل عام 1861 أقره نايليون الثالث: وظلت السلطة التنفيذية بمقتضى هذا الدستور في يد الباى وهو عنها مسؤول، تئول إليه بالوراثة (ينتقل العرش إلى أكبر أمراء البيت الحسينى) ويعاونه في الحكم وزراء يختارهم، وقسمت السلطة التشريعية بين الباى والمجلس الكبير المؤلف من ستين عضوًا معينين. أما السلطة القضائية فكانت مستقلة، وكانت المحاكم تتبع قانونًا تونسيًا جنائيًا ومدنيًا، أما إدارة الأقاليم فكانت في يد "القواد" يعاونهم "شيوخ" منتخبون، وجعلت للباى مخصصات، ولم يعد له حق فرض الضرائب وغيرها. ولكن سرعان ماساء الموقف على الرغم من هذه الإصلاحات، ذلك أن مصطفى باشا خازندار (عين وزيرًا في عهد أحمد باى) انتهج سياسة مالية خرقاء، فقد عاد إلى خطبة الاستدانة وزيادة الضرائب فادى ذلك إلى عصيان القبائل تحت راية علي بن غَداهُم عام 1864 كما أدى إلى تأليف لجنة مالية دولية (من التونسيين والفرنسيين والإيطاليين والمالطيين) عام 1896 وفي يولية من 1864 عطل الدستور، وفي أكتوبر من عام 1837 خلف القائد خير الدين على دست الوزارة الخازندار الذي صرف عن منصبه. فامتاز عهده، وقد امتد إلى يولية من عام 1877. بإصلاحات جليلة ولو أن البلاد لم تصب منها إلا تقدما يسيرًا. بيد أن موارد الدولة المنتظمة كانت قليلة جدًّا وديونها عظيمة جد، حتى أن اللجنة لم توفق إلى شيء، وكانت إدارة مصطفى

ص: 2485

بن إسماعيل (سبتمبر 1878) السيئة هي الضربة القاضية التي أصابت البلاد، بينما اشتد التنافس بين قنصلى فرنسا وإيطاليا- روستان وماشيو Maccic - على من تكون له الصدارة في الامتيازات الخاصة بالمصالح العامة.

وتشجعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا منذ مؤتمر برلين عام 1878 فتدخلت في شئون تونس وقد سير الوزير جول فرى Jules-Ferry ثلاثين ألف مقاتل لغزو تونس نتيجة لغارات أهل جبال خمير على الجزائر وغيرها من الحوادث. وفي الثاني عشر من مايو أرغم الجنرال بريار Breart صادقا على أن يوقع معاهدة (قصر سعيد) المعروفة بمعاهدة باردو دون أن يسفك دمًا أو يأبه لاحتجاج تركية. وقد أعطت هذه المعاهدة فرنسا في الواقع حق الإشراف على الشئون العسكرية والخارجية والمالية للولاية التونسية وقد عين فرنسى (وزيرًا مقيما) يتولى الشئون بين الباى والحكومة الفرنسية، وكان روستان بطبيعة الحال هو أول من شغل هذا المنصب. وهكذا وضعت أسس الحماية كان لم تكن قد أعلنت بالفعل، ثم أصبحت الحماية أمرًا واقعا بعد ثورة الوسط والجنوب تحت إمرة علي بن خليفة والقضاء السريع عليها على يد حملة فرنسية ثانية. ووافق الباى بمقتضى ميثاق المرسى في 8 يونية عام على أن يبدأ بالإصلاحات الإدارية والقضائية والمالية التي ترى الحكومة الفرنسية نفعها للبلاد.

ويعتبر قيام الحماية فاتحة عهد جديد في تاريخ تونس، فليست هناك حادثة منذ الفتح الإسلامي لهذه البلاد قد أثرت تأثير الحماية في نظامها وحياة أهليها. وقد كان الطابع الأصيل لهذا العهد هو -أولًا وقبل كل شيء- الإبقاء على نظام الحكم القديم في مظهره، وقد ألبس هذا النظام ثوبًا جديدًا وزيدت عليه نظم جديدة، وبقى هذا العهد مدة طويلة، على الرغم مما وجه إليه من نقد متكرر.

وظل عظمة الباى هو سيد السلطنة بالإسم وصاحب مملكة تونس. وكان

ص: 2486

الوزير الفرنسى المقيم هو صاحب الأمر الحقيقي في البلاد، وقد عرف منذ 23 يونية سنة 1885 بالمقيم العام، وكان وزيرًا مفوضا للجمهورية الفرنسية في القطر التونسى، يأتمر بأمر وزير الخارجية الفرنسية. وكان بوصفه وزير خارجية الباى (لايتصل الباى بباريس إلا عن طريقه) ورئيس مجلسه يوقع إلى جانبه على المراسيم التي أصبحت نافذة منذ مرسوم يناير 1883. وكان يأتمر بأمره قواد جميع الجيوش في البر والبحر، كما كان يشرف على جميع المصالح الإدارية. ولم يترك للباى سوى حرس صغير من ستمائة رجل، وكان رعاياه مجبرين على الانخراط في جيشه (مرسوم الباى الذي صدر في 12 يناير عام 1892 الخاص بالتجنيد) وكان هذا الجيش بمثابة قسم من الجيش الفرنسى، وقد هلك منهم ما يزيد على العشرة آلاف رجل في سبيل فرنسا إبان الحرب العظمى ما بين 1914 - 1918

ويجلس في مجلس الوزراء إلى جانب اثنين من الوطنيين، صارا فيما بعد ثلاثة، المديرون الفرنسيون أو رؤساء المصالح الفرنسويون، وسرعان ما زاد عددهم، ثم قائد جيش الاحتلال وأمير بحرية بنزرت اللذان يقومان بأعمال وزير الحربية وقائد الأسطول، وكل من هؤلاء الرؤساء يصدر اللوائح.

وأصبحت "القائديات" التي تنقسم إليها القبائل أقساما إدارية، وأصبح على رأس كل قائد مراقب فرنسى مدني.

وليس للتشريع التونسى الذي تتفرد به تونس نظير في الغالب. والمسائل التي تتصل بالمقيم العام والمراقبين المدنيين والقضاء الفرنسى هي وحدها التي فصل فيها بمراسيم صدرت من رئيس الجمهورية الفرنسية. والحالة السياسية والإدارية القائمة في تونس، والنظام القضائى الذي أخذت ترسخ أصوله، تبرر ماقيل من أن في تونس سلطتين إحداهما سلطة الباى المحافظة والأخرى سلطة الفرنسيين، رهى أحدث وأنزع إلى التقدم. وكان أهم ماواجه الأمة صاحبة الحماية هو الحد بقدر المستطاع من التدخل الأجنبي بصورتيه المالية والقضائية. فضمنت فرنسا الدين التونسى ووافقت بريطانيا العظمى

ص: 2487

وإيطاليا على إلغاء اللجنة المالية، فتم ذلك في أكتوبر من عام 1884. وعاد الميزان الاقتصادى في تونس إلى الاستقرار بفضل تقرير نظام ثابت لإدارتها المالية ووضع ميزانية لها على المنهج المألوف، وجعل للباى مخصصات ينفق منها على بيته وحاشيته، وظلت الحكومة الفرنسية تضع في باب النفقات في ميزانية تونس بعض المبالغ، ومن هذا القبيل الإعانة القيمة التي ترصدها لأسقفية قرطاجنة. وأصبحت وحدة العملة هي الفرنك لا القرش بمقتضى مرسوم أول يولية سنة 1891.

وأنشئت محاكم فرنسية بمقتضى القانون الفرنسى الصادر في 10 أبريل سنة 1883، ووافق الباى بمرسومه الصادر في 5 مايو سنة 1883 على أن جميع الذين كانوا يتمتعون بالامتيازات لهم حق التقاضى أمام هذه المحاكم الجديدة، ولذلك أخذت الدول الأجنبية الواحدة تلو الأخرى تلغى محاكمها القنصلية كما تنازلت بين عامي 1883 - 1884 عن المزايا الجمركية التي كانت تتمتع بها أيام الامتيازات. وأبدت إيطاليا وحدها بعض التحفظات. فلما انتهت معاهدتها مع تونس عام 1868 وهزمت في عدوة بالحبشة اضطرت إلى الاعتراف بالحماية الفرنسية المضروبة على تونس، وهي الحماية التي رفضت تركية الإعتراف بها رسميًا حتى معاهدة سيفر سنة 1920، ولكنها على الرغم من هذا احتفظت بمكانة ممتازة في السلطنة وأبت أن تتنازل عنها. ويرحل إليها من الإيطاليين عدد أكبر من الفرنسيين. وهي تنشر نفوذها بواسطة الصحافة مثل (جريدة الأونيونه Unione اليومية) وبيوت المال ومعاهد الثقافة (من مدارس وجمعيات) بنوع خاص. ولا تخضع هذه المؤسسات للرقابة الفرنسية بمقتضى الاتفاقات المعقودة بينها وبين فرنسا. وهي تشكو مع ذلك من عدة أمور فيها حيف برعاياها. وفي عام 1919 اعترفت فرنسا بملكية إيطاليا لواحتى غات وغدامس (وقد اتفق على الحدود بين تونس وطرابلس سنة 1910) بمقتضى اتفاق، ولم يضع هذا الاتفاق حدًّا للمشكلة الإيطالية المعلقة في تونس.

ص: 2488

وساعد نظام الحماية فرنسا على أن تقوم في الولاية بعمل كبير في استغلال الموارد الطبيعية وتزويد البلاد بحاجاتها الثقافية والاجتماعية (مثل المستشفيات والصيدليات وإعداد الأطباء وإنشاء اهجمعيات الخيرية والمعاهد العلمية المختلفة) وقد أدى استخدام الآلات الحديثة والتوسل بالمعرفة السليمة والمناهج القويمة إلى نتائج اقتصادية مشجعة. وتونس بلاد زراعية أولًا وقبل كل شيء، تنبت الحبوب والكروم والزيتون والبلح ط والخضر يضاف إليها الفلين والحلفاء، على أنها قد أصبحت بمرور الزمان بلادًا تصدر الحديد والرصاص والخارصين ثم الفوسفات بنوع خاص منذ أن كشف ب. توماس P.R. Thomas عام 1885 مناجمه. وهي تستورد الوقود والحاصلات الاستوائية وكمية كبيرة من المصنوعات.

وتبلغ تجارتها الخارجية حوالي ثلاثة مليارات من الفرنكات. والحق إن ميزانها التجارى كان في عجز عدة سنوات، ولم يكن موردها من السياح كافيًا لسد هذا العجز.

وعملت الحكومة على تيسير الاستيطان للأوربيين، ووضع ملكية الأراضي على أساس عصرى، فأصدرت قانونًا عقاريًا عامًا بمقتضى مرسوم أول يولية من عام 1885 وهو مأخوذ من قانون توران Torrens، وينص على أن تسجيل الأراضي اختيارى لا يتم إلَّا بموافقة محكمة مختلطة أنشئت لهذا الغرض (في تونس سبعة قضاة فرنسيون وثلاثة قضاة مسلمون وفي سوسة أربعة قضاة فرنسيون وقاضيان مسلمان) ومهد مرسوم مارس سنة 1924 للقيام بمسح الأراضي. وفي باكورة عهد الاحتلال الفرنسى ترك أمر استيطان المزارعين الفرنسيين الأراضي -أو كاد - لتصرفهم الشخصى. ولم تنتهج الحكومة سياسة إسكان الفرنسيين المدنيين في الأراضي التونسية والسير عليه سير، حثيثا إلَّا منذ عام 1900.

وأخذت الحكومة تبتاع الأراضي لتبيعها مرة أخرى بشروط سهلة جدًّا للفرنسيين، أي لخريجى المدرسة الزراعية الاستعمارية في تونس. وأخذ الإيطاليون ينافسون الفرنسيين لا بعدد

ص: 2489

ضياعهم بل بكثرة فلاحيهم. ولما رأت فرنسا أن الفرنسيين المدنيين لا يكثر إقبالهم على الهجرة شرعت تستن سياسة تيسير التجنس بمقتضى مرسومين (أحدهما صادر من رياسة الجمهورية والآخر من الباى) في 8 نوفمبر سنة 1921. بيد أن النزاع الذي أثارته انكلترة في هذا الصدد أمام محكمة لا هاى دفع الحكومة إلى أن تحل محل هذين المرسومين القانون الفرنسى الصادر في 20 ديسمبر سنة 1923. وقد يسر أمر التجنس للأجانب والوطنيين الذين يطلبونه تيسيرًا كبيرًا، فهو يتم للأجانب المقيمين في السلطنة التونسية بلا عقبة لأبناء الجيل الثاني (مع الاحتفاظ بالحق في الرجوع عنها) ثم يصبح إجباريًا لأبناء الجيل الثالث. ووافقت بريطانيا العظمى على هذه القواعد في جوهرها. وهي متعلقة بصفة خاصة برعاياها المالطيين. أما الإيطاليون فقد خلصوا باتفاقاتهم الخاصة من أي ضرب من ضروب التجنس الإجبارى وان قبل بعضهم التجنس مختارًا. ويبلغ عدد المتفرنسين ربع السكان الفرنسيين في الوقت الحاضر، ولا يزيد عدد المسلمين فيهم على ألفين بينما يزيد عدد اليهود على خمسة آلاف.

واحتفظ اليهود - وبينهم آلاف من أصل أوربى - بالرعوية الإيطالية وظلوا في غالب شئونهم من رعايا الباى خاضعين للسلطان المحلى والقضاء المحلى، إلَّا في الشئون المتصلة بالأحوال الشخصية فتفصل فيها محكمة تونس الربانية التي أعيد تنظيمها بمقتضى مرسومى سنة 1898، ونوفمبر عام 1929 كما يفصل فيها كتاب العقود الإسرائيليون بمقتضى مرسومى فبراير سنة وأبريل سنة. ولا يقوم يهود تونس بالخدمة العسكرية كما أنهم لا ينخرطون في وظائف الحكومة بوجه عام. ويثير تقدمهم السريع في مضمار الحضارة الأوربية مشكلة تجنيسهم زرافات أو جملة بالجنسية الفرنسية. وقد أنشأت الحكومة بمقتضى المرسوم الصادر في 30 أغسطس سنة 1921 لليهود جميعًا على اختلاف جنسياتهم مجلسًا مليًا في الإدارة التونسية يتألف من اثنى عشر

ص: 2490

عضوًا ينتخبون على درجتين، وتظل عضويتهم أربع سنوات. ولهذا المجلس حق الفصل في المسائل المتصلة بالإعانات والعبادات وتعين الحكومة رؤساء الطوائف اليهودية الأخرى وتعين كذلك حاخام الربانيين الأكبر ويقل إقبال اليهود على القيام بشعائرهم الدينية. لكن الصهيونية تتمتع بمكانة ملحوظة.

وقد سعت الحكومة الفرنسية صاحبة الحماية على تونس دائمًا إلى النهوض بالإدارة الوطنية والأحوال الاقتصادية والدينية للمسلمين دون أن تؤذى شعورهم الدينى (انظر ما سبق الإشارة إليه) ولا تزال أمامها عدة مشاكل لم تحل، وهي قيد البحث الآن وإن كان ما فعلته حتى الآن مذكور، مشكورًا، وتتطور الجماعة الإسلامية تطورًا جوهريًا على الرغم من مقاومتها الحياة الأوربية؛ ومن سبق الحوادث التكهن بالنتائج. أما حركة الدستور (الحزب الدستورى المطالب بالحكم الذاتى) التي نشطت في أعقاب الحرب فقد كبح جماحها المقيم العام (لوسيان سانت Lucien Saint) وكان في ذلك بارعًا. والظاهر أن الأهلين رضوا بالإصلاحات التي اتجهت إليها حكومة الحماية في سياستها الداخلية خلال السنوات العشر الأخيرة (1920 - 1930) وكانت التدابير السمحة التي قامت بها الحكومة وبخاصة إنشاء المجلس الكبير وإعادة تنظيمه في سنتى 1922 و 1928 اتقوم على مبدأين أساسيين: النزوع إلى زيادة التعاون شيئًا فشيئًا مع الأهالى الوطنيين، والتوسع في سلطان المجالس المنتخبة. وقد أعطيت حقوق جديدة في المستعمرة الفرنسية وهي: إنشاء مجالس بلدية منتخبة، والتوسع في حرية الصحافة والاجتماع.

بيان بالبايات منذ الاحتلال الفرنسى.

محمد الصادق على (1882 - 1902)

محمد الهادي (1902 - 1906)

محمد الناصر (1906 - 1922)

محمد الحبيب (1922 - 1929)

أحمد (1929 - )

ص: 2491

بيان المقيمين العامين

روستان Roustan

بول كامبون Paul Cambon

(عين في مارس سنة 1882)

ماسيكو A Massicault (نوفمبر 1886)

روفييه Rouvier (نوفمبر 1892)

ميليه Millet (نوفمبر 1894)

ستيفان بيشون Stephan Bichon

(مارس 1901)

ألايتيت Alaptite (ديسمبر 1906)

فلاندان Flandin (أكتوبر 1918)

لوسيان سانت Lucien Saint (يناير 1921)

مانكيرون Manceron (يناير 1929)

المصادر:

الكتب التي أرخِّت لتونس لا غناء فيها، ويستثنى من ذلك تواريخ الإسلام العامة - a Mueller و Caetani وغيرهما) وتواريخ شمالي إفريقية (Mercier و fa ure-Biguet وغيرهما) على أن كتاب "خلاصة تأريخ تونس" لعبد الوهاب (تونس سنة 1344 هـ) يعد دراسة علمية طيبة موجزة لهذه البلاد.

(1)

عن العصور الوسطى

1 -

تُراجع كتب الجغرافيين والرحالة العرب

(1)

ياقوت.

(2)

أبو الفداء.

(3)

ابن بطوطة؛ وبخاصة:

اليعقوبى: Descriptio al-maghribi طبعة وترجمة ده غويه، ليدن سنة 1860.

(5)

ابن حوقل، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، الترجمة في - Journ. Asia tique، سنة 1842.

(6)

البكرى: Description de lafrique Septentrionale الترجمة، الجزائر سنة 1911 - 1913.

(7)

الإدريسي: نزهة المشتاق، طبعة وترجمة ليدن سنة 1866.

(8)

كتاب الاستبصار، فينا سنة 1852، ترجمة ، Rec Constantine سنة 1899.

(9)

العبدوى: الرحلة، الترجمة في Journ .. Asiatique سنة 1854.

ص: 2492

(10)

التجانى: الرحلة، طبعة تونس، الترجمة في ، journ Asiatique سنة 1852 - 1853.

(11)

ابن فضل الله العمرى: مسالك الأبصار، طبع جزءًا منه عبد الوهاب، تونس طبعة غير مؤرخة، ترجمة Gaudefroy-Demombynes، باريس سنة 1927.

ب- المؤرخون المسلمون:

(1)

ابن عبد الحكم: كتاب فتوح مصر، طبعة تورى Torrey، نيوهافن سنة 1922، ترجمة الكاتب نفسه في Bible. and Simetic Studies. نيويورك سنة 1901.

(2)

ابن حمّاد: تاريخ الملوك العبيديين ، Histoire des Rois Obaidides طبعة وترجمة ، vonder-heyden الجزائر سنة 1927.

(3)

ابن الأثير: Annales du maghreb et de I'Espagne ترجمة ، Fagnan الجزائر سنة 1901.

(4)

ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 2، طبعة ، Dozy ليدن سنة 1848 - 1851؛ جـ 3، طبعة Levi -Provencal باريس سنة 1930؛ ترجمة فانيان، جـ 2، الجزائر سنة 1901 - 1904.

(5)

النويرى: Historia de los mu sulmanes de Espana Y Africa طبعة وترجمة Gespar Remira، غرناطة سنة 1917 - 1919.

(6)

أبو زكريا: تاريخ ، Chronique الترجمة، الجزائر سنة 1878.

(7)

ابن الخطيب: رقم الحلل سنة 1316 هـ.

(8)

الكاتب نفسه: أعمال الأعلام، طبعة عبد الوهاب (في Cent. Amari) باليرمو سنة 1910.

(9)

ابن خلدون: كتاب العبر، بولاق سنة 1289 هـ.

(10)

الكاتب نفسه: المقدمة، طبعت عدة طبعات ببيروت والقاهرة، ترجمة ده سلان، باريس سنة 1862 - 1868.

(11)

الكاتب نفسه: Histoire des Ber beres ترجمة ده سلان، الجزائر سنة 1852 - 1865؛ باريس (بسبيل الطبع).

(12)

ابن قنفذ: الفارسية، نشر وترجم جزء منه في ، journ. Asiatique

ص: 2493

1848 -

1852 - ؛ طبعة حجرية، باريس سنة 1263 هـ، وطبع بتونس.

(13)

أبو المحاسن: Extraits relatifs au maghreb ترجمة fagnan و Rec. Con- stantine سنة 1906.

(14)

الزركشي: تأريخ الدولتين، تونس 1289 هـ. ترجمة فانيان، قسنطينة سنة 1895 م.

(15)

Extraits inedits relatifs au maghreb، ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1924.

جـ- كتب الطبقات:

(1)

أبو العرب: طبقات علماء إفريقية، طبعة وترجمة محمد بن شنب، باريس - الجزائر، سنة 1915 - 1920.

(2)

ابن ناجى: معالم الإيمان، تونس سنة 1320 هـ.

(3)

ابن الأبّار.

(4)

ابن خلكان.

(5)

ابن فرحون.

(6)

أحمد بابا.

د- عدة فقرات في روايات أخبارى الأوربيين مثل مؤرخى حروب شانت لويس الصليبية (- Stern LudwiRs des HeiliRen Kreuzzug: feld ، nach Tunis برلين سنة 1896) ومنتانى Muntaner وفلانى Schiaparelli) Villani: Dichiarazione

Giov. Villani relativi alla staria dei Beni Hafs in Tunis، رومة سنة 1892) وكاباريه دورفيى Cabaret a d'Orreville وفروسار. Froissart

هـ- الوثائق التي نشرها:

(1)

I dinlnmi arahi del archi-: Amari fiarentino vio، فلورنسة سنة 1863 - 1867.

(2)

Traites de paix et de: Mas-Latrie commerce

de 1'Afrique septentrionale tau moyen-age باريس سنة 1866 - 1872.

(3)

Genova e (1388 - 1515): Marengo Tunisi؛ سنة 1901.

(4)

Episodios

relaciones: Gimenez entre la corona de Arago y Tanes، Inst 1908 Est. Catalans Anuari. برشلونة.

ص: 2494

(5)

الكاتب نفسه: Documentos de ib .. 1910 .Tunez.

(6)

Alcuni documenti sulla: Cerone spedizione di Alfonso V contro 1'isola Gerbc في المصدر نفسه.

(7)

Tratado de paz

entre: Ribera Fernando I

de Napoles y Abuamer Otmder Otmdn rey في Cent. Amari de Nunez باليرمو سنة 1910.

رسائل خاصة:

1 -

عن الفتح الإسلامي:

(1)

Les Berbers: Foumel، باريس سنة 1875 - 1881.

(2)

L'Afrique byzantine: Diehl ، باريس سنة 1896.

(3)

Les Premiere invasions: Caudel arabes dans l'Afrique du Nord، باريس سنة 1900.

ب- عن العصور الوسطى:

(1)

Les siedes obscurs: E. F. Gautier du Maghreb باريس سنة 1927.

(2)

La Berberie: Vonderheyden - orientale sous la dynastie des Benou' l Aghlab باريس سنة 1927.

(3)

عبد الوهاب: بساط العقيق في حضارة القيروان، تونس سنة 1330 هـ.

(4)

Histoire de la dom-: Chalandon normande en Italie et en Sicile ination في مواضع مختلفة، باريس سنة 1907.

(5)

Les Arabes en Ber-: G. Marcais heries du Xleme au XlVeme siecle. قسنطينة - باريس سنة 1913.

(6)

califiens: Van Berchem Titres d'Occideni في journ Asiatique سنة 1907.

(7)

Handelsgeschichte der: Schaube roman Voelker des Mittelmeergebiets bis zum Ende der Kreuzzue.e في مواضع مختلفة، ميونخ سنة 1906.

(8)

El comercio en: Gimenez Soler ، infieles durante la edad media tiera de BoL R. Acad. Buenas Letras. برشلونه سنة 1909 - 1910.

(9)

La Sicilia ed it suo: La Mantia dominio nell'Africa settentr. dal sec. XI al Arrh. Stor. Sicil ، xv، سنة 1922.

ص: 2495

(10)

Le commerce des Eu-: Sayous ropeens a Tunis depuis le Xlleme siecle ، jusqu'a la fin du XVleme باريس سنة 1929.

(11)

Les relations: Boissonnade conmerciales de la France meridionale avec I'Afrique du Nord du Xlleme au XVeme siecle. Bulletin. geogr. du Comite .، des tr- hist سنة 1929.

(12)

Milicias chris-: Alemany tianas

del Almogreb في Homenaj codera، سرقسطة سنة 1904.

(13)

La France: Delaville de Roulx en Orient au XlVeme siecle. باريس سنة 1886 (ص 166 - 200).

(14)

Alfonso il Magnanimo: Cerone .ed Abu Omar Othman، Arch، stor. Sicil orient، سنة 1912 - 1913.

(3)

الاحتلال الحفصى والأسبانى المتأخر:

أ- الرحالة والجغرافيون:

(1)

Tvoyage

in: Van Ghistele lande Barbarien (1485) غاند سنة 1557.

(2)

الحسن بن محمد الوزان الزياتى = Della de-: Leo Africanes scriptione dell'Africa طبعة ، Ramusio البندقية سنة 1550 ترجمة ، Temporal باريس سنة 1830 م، الطبعة الثانية التي قام بها ، Schefer باريس سنة 1896.

(3)

Description general de: Marmol في Africa، غرناطة 1573، ترجمة Perrot A'Ablancourt باريس سنة 1667.

ب- الوثائق التي نشرها:

(1)

Notes et documents

: Begouen histoire de la Tunisie، باريس - تولوز سنة 1901.

(2)

Relazioni dei duchi di: Foucard Ferrara e di Modena coi re di Tunisi، مدته سنة 1881.

(3)

Lettere di mu-: Odorici e Amari ، ley Hassan a Ferrante Gonzage مدته سنة 1865.

(4)

Documents in-: La Primaudaie - edits sur I'histoire de 1'occupation ex ، pagnole en Afrique، R.a. سنة 1875 - 1877.

ص: 2496

(5)

Grandchamp: Documents relatif -fin de 1'accunation espagnole en Tu a la t .. nisie، R، سنة 1914.

(6)

La Tunisie et: Monchicount aux l'Europe Quelques documents relatifs؛ . XV 1 eme. XVIIeme siecles R سنة 1905.

(7)

مواضع مختلفة من المجموعة القيمة Col. de doc. fined. pera la Kist. de Espana، مجريط.

جـ- دراسات كتبها:

(1)

Expedition

contre: Motylinski (1510) Djerba في Actes Xlveme CON - . gres Orient، الجزائر سنة 1905.

(2)

Tunisi e la spedizione di: Muoni ، Carlo، V سنة 1906.

(3)

De Caroli Vin Africa rebyus: Cat Restis، باريس سنة 1891.

(4)

L'expedition de: Medina t .. Charles-Quint d Tunis، R، سنة 1906.

(5)

Essai sur les plans: Monchicount -Djerbo، Tunis ، imprimes de Tripoli . Goulette au XVIeme siele. R.A. سنة 1925.

(6)

الكاتب نفسه: Lpisodes de la ، carriere tunisienne de Drogut، R.T. سنة 1918.

(7)

La Conquete de Mahdia: Charles Mach ، (1551) سنة 1921.

(8)

L'Expedition con-: Monchicourt t .. Dierba. R ، tre file de سنة 1913، 1914.

(9)

1577، R.T. ، l'Afrique du Nord de 1492 a وفي التعليقات والذيل مصادر وافية متعلقة بتونس.

(10)

Les gou-: Poinssot et Lantier verneurs de la Goulette durant .Xoccupation espagnole R.T سنة 1930.

(إشارات إلى المراجع الواردة في التعليقات).

(3)

العصر التركي

1 -

الرحالة المسلمون:

(1)

العَيَاشى الرحلة، فاس سنة 1316 هـ، الترجمة، باريس سنة 1846 (Expl. scient. Algerie، جـ 4).

ص: 2497

(2)

أحمد الناصرى: الرحلة، فاس، ترجمت ونشرت في المجلد السابق.

(3)

الورثيلانى: الرحلة، طبعة محمد ابن شنب، الجزائر سنة 1908.

ب- المؤرخون المسلمون:

(1)

ابن أبي دينار القيروانى: كتاب المؤنس، تونس سنة 1286 هـ الترجمة، باريس سنة 1845 Expl. scient. Algerie، جـ 7.

(2)

الوزير السراج: الحلل السندسية، تونس سنة 1287 هـ، طبعة غير كاملة.

(3)

محمد بن يوسف المشرع الملكى، سنة 1705 - 1765، ترجمة Serres، Lasram، تونس سنة 1900.

(4)

ابن مقديش: نزهة الأنظار، طبعة حجر، تونس سنة 1321 هـ.

(5)

محمد الباجى: الخلاصة

في أمراء إفريقية، تونس سنة 1323 هـ.

(6)

ابن عبد العزيز وابن أبي الضِيَاف، لم يطبع ما صنفاه.

جـ- الكتاب الأوربيون:

(1)

Costa e: Lanfreducci e Bosio discorsi di Barberia (1587) طبعة وترجمة. Monchicourt-Grandchamp، R.A، سنة 1925.

(2)

A true and certain report: Parker Captain Ward of

، لندن 1609.

(3)

Me-: Prevost de Beaulieu-Persac mnirec طبعة La Ronciere باريس سنة 1913، ص 228 - 264.

(4)

De reyse naer Africa،: Pijnacker 1625 jare Tunis، Algiers

in den هارلم سنة 1650.

(5)

Relazione de: Savary de Breves -ses voyages

aux royaumes Tunis et Al ger، باريس سنة 1628.

(6)

Relazione della guerra

: Attardo 1628 ، fra Algiera e Tunisi quest'anno طبعة Roy، . ، R.T سنة 1917.

(7)

Lettres inedites: Th. d'Arcos (1933 - 1936) ، ecrites de Tunis الجزائر سنة 1889.

ص: 2498

(8)

Histoire de Barbarie: Dan ، باريس سنة 1637.

(9)

Voyages

: Thevenot، باريس سنة 1664 - 1674 م.

(10)

Lettere

di quanto egli: Pagni vidde e opero in Tunisi، فلورنسة سنة 1829.

(11)

Memoires: D، Arvieux (جـ 4) باريس سنة 1735 (الرحلة إلى تونس في 1666).

(12)

Naukeurige bes-: Dapper chrijving der Afrikaensche gewesten، أمستردام سنة 1668.

(13)

Relation del'esclavage: Galland d'un marchand Cassis a Tunis، نشر في Magasin encyclopedique باريس سنة 1809.

(14)

Le bouclier de I'Europe: Coppin، ليون سنة 1686.

(15)

- Histoire des derrieres revolu tions du Royaume de Tunis، باريس سنة 1689.

(16)

Etat des royaumes de: La Faye ، Barbarie روان سنة 1703.

(17)

Voyage

Afrique: Lucas (أتبعت بـ - Memoire pour servir a I'histoire de Tu nis)، باريس سنة 1712 م.

(18)

Histoire des: Laugier de Tassy Etats barbaresque، الترجمة الفرنسية، باريس سنة 1757.

(19)

Relation d'un voy-: Peyssonnel 1724 age sur les cotes de Barbarie

en. باريس سنة 1838.

(20)

. Travels: Shaw (1727) أوكسفورد سنة 1738.

(1)

Nouveau voyage fait au: Tallot Levant (1731) باريس سنة 1742.

(22)

Voyage au Le-: La Condamine vant (1731) طبع جزء منه في. R.T، سنة 1898.

(23)

Godefroy، Comelin et La Motte: Etat des royaumes Barbarie، روان سنة 1731.

(24)

Voyage a Alger،: Hebenstreit 1732 Trinloi

en Tunis et. برلين سنة 1780.

ص: 2499

(25)

Memoires his-: St. Gervais toriques

royaume de Tunis، باريس سنة 1736.

(26)

Lettres sur I'histoire politique 1740 de la Tunisie de 1728 a، طبعة R.T.، Gandolphe، سنة 1924 - 1926.

(27)

Memoires concernant: Poiron l، etat present du royaume de Tunis (1752) طبعة ، Serres باريس سنة 1925.

(28)

Fragments d'un: Desfontaines (1783 - 1786) voyage

Tunis et Alger، باريس سنة 1838.

(29)

Observations on the: Stanley of Tunic city، لندن سنة 1786.

(30)

Voyage en Barbarie: Poiret، باريس سنة 1789.

(31)

Memoire sur Tunis: Nyssen (1788) نشره monchicourt في R.Hist .Col Fr سنة 1923.

(32)

Ragguaglio del vi-: Caroni aggio

in Barberia، ميلان سنة 1805 ترجمة Conor-Grandchamp . في. T.R، سنة 1917.

(33)

Itineraire de: Chateaubriand (1807) Paris a Jerusalem، باريس سنة 1811.

(34)

An Account of Tunis: Maggill، كلاسكو سنة 1811.

(35)

Letters from the: Blaquiere Mediterranean، جـ 2، لندن سنة 1813.

(36)

(1816): frank tunis في L'Univers pittoresque، جـ 7، باريس سنة 1850.

(37)

Travels in

the Barbary: Noah ، states نيويورك سنة 1819.

(38)

Fragments

sur la Re-: Flippi

(1829)

Tunis gence de ، نشره Mon- chicoun في. R. HIST. COL FR، سنة 1924 - 1926.

(39)

انظر أيضًا تصحيح Bauer في Relaciones de Africa. جـ 3، مجريط سنة 1922.

(40)

وزادت الكتب بعد عام 1830، هذا إلى جانب المقالات الكثيرة في المجلات والصحف، Le Tour du Monde) (.Grenville-Temple Revue de l'Orient etc:

ص: 2500

Excursions in the Mediterranean، Algiers (1832 - 1933) and Tunis، لندن سنة 1935.

(41)

Notice sur Tunez: Calligaris (1834)، نشره Mo'nchicourt في R. Hist . Col. Fr سنة 1928.

(42)

Tu - ، Reise

von (1835): Ewans nis نورنبرغ سنة 1837.

(43)

Semilasso in: Puckler- Muskau Afrika، شتوتكارت سنة 1836.

(44)

Documenti sulla storia: Niculy di Tunis، لفورن سنة 1838.

(45)

Une Promenade a: Capitaine X 1842 Tunis en، باريس سنة 1844.

(46)

Algeria and Tunisia: Kennedy in 1845 لندن سنة 1846.

(47)

Wanderungen durch die: Barth -1845 Kuenstenlaender des Mittelmeers in 47، برلين 1849.

(48)

Apercu pittoresque: Chessiron de la Regerce de Tunis. باريس سنة 1853.

(49)

Expl. scient. Algerie، جـ 15. وانظر أيضًا R.d. Deux Monde. مايو سنة 1856).

(50)

Quatorze ans a Tu-: Daumas ، nisi الجزائر 1857.

(51)

La Regenza di Tunisi: Finotti، مالطة سنة 1857.

(52)

Notice sur la Regence: Dunant de Tunis، جنيف سنة 1858.

(53)

Voyage archeologique: Guerin dans la Regence de Tunis. باريس سنة 1862.

(54)

La Regence de Tunis au: Flaux XIXeme siecle، باريس سنة 1865.

(55)

Tunis et la Regence: Francois sous Mohammed el-Sadok Bey، باريس سنة 1867.

(56)

Lettere sulla: De Gubernatis Tunisia، فلورنسة سنة 1867.

(57)

Tunis: Michel. باريس سنة 1867.

(58)

Sittenbilder au Tunis: Maltzan ، u Algerien ليبسك سنة 1869.

ص: 2501

(59)

الكاتب نفسه: Reise in den Re gentsch aften Tunis u. Tripolis، ليبسك سنة 1870.

(60)

Notes sur la Regence: Zaccone de Tunis، باريس سنة 1875.

(61)

Barbary، Journey from: Rae ، Tripoli to

Kairouan لندن 1877 م.

(62)

Notes sur un voyage en: Feraud .Tripolitaine R.A ، tunisie et en سنة 1877.

(63)

Nachtigal: Tunis، Deutsche ، Sundchau 1881.

(64)

Tunisi: Pinchia Ricordi i، تورين سنة 1881.

د- مجموعات الوثائق التي نشرها:

(1)

Correspondance des: Plantet beys de Tunis et des consuls de Frane (1577 - 1830) cavec la Cour في ثلاثة مجلدات، باريس سنة 1893 - 1899.

(2)

Grandchamp: La France en Tu (1582 - 1700) nisie، في ثمانية مجلدات، تونس سنة 1920 - 1930.

(3)

Bronnen tot de Ges-: Heeringa 1590) chiedenis van Levantschen Handel (، 1726 في ثلاثة مجلدات، لاهاى سنة 1910 - 1917.

(4)

relatifs: Grandchamp Documents (1777 - 1814) ، aux corsaires tunisiens تونس سنة 1926.

هـ- مؤلفات خاصة

(1)

Annales tuisiennes: Rousseau الجزائر سنة 1864.

(2)

L، Etat tunisien (1525 - : Fitoussi (، 1901 تونس سنة 1901، الطبعة الثانية.

(3)

Histoire des etablisse-: Masson ments et du Commerce franca is dans (1560 - 1793) l'Afrique barbaresque، باريس سنة 1903.

(4)

الكاتب نفسه: Les Compagnies du corail، باريس - مرسيليا سنة 1908.

(5)

Histoire de marine: La Ronciere ، francaise ثم في خمسة مجلدات، باريس سنة 1909 - 1920.

ص: 2502

(6)

Les exploits d'Alonso de: Conor t .. Cnntreras en Tunisie (1601 - 11) R. سنة 1913.

(7)

Les Francais a Tunis de: Spont في. a 1789 R. Questions Hist 1600، سنة 1900.

(8)

The Scourge of Chris-: Playfair tendom، لندن سنة 1884.

(9)

Tunisi e la Repubblica: Marchesi Venezia nel Secolo XVII. البندقية سنة 1882.

(10)

e Sfax nel Se-: Nallino Venezia colo XVIII Cent. Amari' بالرمو سنة 1910.

(11)

La mission de: grndchamp (1793 - 94) Plevillele Pelley a Tunis، تونس سنة 1921.

(12)

الكاتب نفسه: - La citoyen Gui raud، proconsul de la republique a Tunis (1793 - 94) R.T.، سنة 1919.

(13)

Arn. Soler، charge: Loth (1808 - 10) affaires d'Espagne a Tunis، d ، R.T. سنة 1905 - 1906.

(14)

Americains et Bar-: Dupuy (1824 - 1776) baresques، باريس سنة 1910.

(15)

Les emblemes des beys: Hugon de Tunis، باريس 1913.

(16)

La politique turque en: Serres Afrique du Nord sous la monarchie de Juillei باريس سنة 1925.

(17)

Les arrange-: Rouard de Card ments conclus par le general Clauzel avec (31 - 1830) de bey de Tunis باريس سنة 1927.

(18)

La regia marina sarda: Gonni (1830) sulle costi di Barberia . في Rnll. .، Ufficio stor سنة 1930.

(19)

الكاتب نفسه: Una squadra sardonapoletana a Tunisie (1833) ibid.

(20)

Le differend de la: Grandchamp Tunisie avec la Sardaigne et Naples en ، 1833، R.T. وسيصدر في القريب.

(21)

La Mahalla: Monchicourt (1864) d'Ahmed Zarroug dans le Sahel R.T. سنة 1917.

ص: 2503

(4)

الحماية الفرنسية والقطر التونسى منذ عام 1881

لدينا الآن مراجع وافية عن هذا الموضوع أهمها:

1 -

قيام الحماية:

(1)

Documents diplomatiques، af- (81 - 1870) Tunisie faires de باريس سنة 1881.

(2)

La: DEstournlles de Constant Politique Francaise en Tunisie، باريس سنة 1891.

(3)

Politica estera 1876 - : Grispi 1890، الترجمة في. R.T. سنة 1913.

(4)

Pagine di storia con-: : Chiala temporanea. جـ 2 عن القطر التونسى، تورين سنة 1895.

(5)

The last Punic War: Broadley. إدنبره - لندن سنة 1882.

(6)

L'expedition militaire en Tunisie، باريس، طبعة غير مؤرخة.

(7)

La spedizione francese: Cappello in Tunisie، ستادى كاستلو سنة 1912.

(8)

Traites de la: Rouard de Card Afrique du Nord'l France avec le pays de، باريس سنة 1906.

(9)

الكاتب نفسه: La Turquie et le protectoral francais en Tunisie، باريس سنة 1916.

ب- المسائل السياسية منذ سنة 1918:

(1)

La Tunisie martyre ، سنة 1920.

(2)

La Tunisie sons! es: Raynaud FranFais، باريس، طبعة غير مؤرخة.

(3)

Essai sur la nationalite: Winkler -dans! es protectorats de Tunisie et du Ma ، roc باريس سنة 1926.

(4)

Souverainete et na-: Aguesse ، tionalite en Tunisie باريس سنة 1930.

(5)

La Questione tunisina: Tumedei ، e l'Jtalin يولونيا سنة 1922.

(6)

، Tunisiaca: Sarfatti رومة 1924.

(7)

Gli Italiani in Tunisi: Bonura ، رومة سنة 1929.

ص: 2504

(8)

مقالات كثيرة في Bulletin du Comite de l'Afrique francaise، ومنها أعيد طبع La Tunisie apres: Rodd Balek (21 - 1919) la guerre، باريس سنة 1922

(9)

Sur les traces de Rodd Ba-: Cave (1924 - 27) dek، باريس 1929.

(10)

(28 - 1922) Chronique de Tunisie تونس 1928.

جـ -أوصاف عامة

(1)

Tunis: Hesse-Wartegg، فينا سنة 1882.

(2)

Travels in: Graham and Ashbee Tunisia، لندن 1887 (وفي الذيل مراجع نافعة جدًّا عن بلاد تونس لم يزد عليها روان ده كار شيئًا، Rouard de ivres Francais de XVIleme et: Card XVIlleme siecles concernant les Etats barbarseque، باريس سنة 1911.

(3)

La Tnisie: Lanessan، باريس 1887، 1917.

(4)

Tunisie: Faucon La، سنة 1893.

(5)

- La Tunisie، Histoire et de scription في أربعة مجلدات، باريس - نانسى سنة 1896، 1900.

(6)

La Tunisie au debut du XXeme ، siecle باريس سنة 1904.

(7)

Tunisie et l'oeuvre du: Loth La ، Protectorat francais باريس سنة 1907.

(8)

Notice generale sur la Tunisie (1881 - 1921)، تولوز سنة 1922.

(9)

La Tunisie: Despois، باريس سنة 1930.

د- حياة التونسيين الاجتماعية

وعجيب خصالهم:

(1)

Les civilisation tu-: Lapie ، nisiennes باريس سنة 1898.

(2)

La litterature et la presse: Canal 1900 tunisiennes de I'Occupation a. باريس، طبعة غير مؤرخة.

(3)

Le Prince Jaffar: Duhamel، باريس سنة 1924.

(4)

Les mosques d'argile: Hubac، باريس سنة 1928.

ص: 2505

(5)

وانظر أيضًا عن الأهلين المؤلفات المذكورة تحت عنوان "اللغة" والمقالات الكثيرة في Tunisienne Revue.

(5)

غير المسلمين

انظر إلى جانب Darmon ما ورد تحت عنوان "الدين".

أ- النصارى:

(1)

Le Christianisme en: Mesnage Afrique، Eglise mozarabe، باريس - الجزائر سنة 1915.

(2)

Jean le Vacher: Gleizes، باريس 1914.

(3)

الكاتب نفسه: Captivite et oeuv res de St. Vincent de Paul en Barbaries، باريس 1930.

(4)

Memoires de: Anseleme des Arcs - 1624) la mission des capucins de Tunisie (1865، رومة 1889.

(5)

La nouvelle Eglise: Pons (1830 Afrique (depuis"d، تونس سنة 1390.

ب- اليهود:

(1)

Essai sur I'hitsoire des Is-: Cazes ، raelites de Tunisi باريس، سنة 1889.

(2)

Les Israelites de la Tu-: Chalom nisie. باريس سنة 1908.

(3)

Recueil des textes leg-: Arditti -juridiques concernant Les Is islatifs et (1913 - 1857) raelites de Tunisie، تونس سنة 1915.

(4)

Le Status personnel des: Tibi ، Tsraelites tunisiens تونس سنة 1923.

(5)

Un voyage d'etudes: Slouschz juives en Afrique، باريس 1909.

(1)

الكاتب نفسه: Travels in North Africa، فيلادلفيا سنة 1927.

(6)

عن تاريخ الفن الإسلامي

(1)

Manuel d'art msul-: G. Marcais ، man L'architecture باريس سنة 1926 - 1927.

3 -

إدارتها

(1)

الإدارة الفرنسية: في أول عهد الحماية صدر مرسوم الباى في 4 فبراير سنة 1883 بإقامة "كاتب سر

ص: 2506

عام لحكومة القطر التونسى" فأخذ على الفور يساعد المقيم العام، ويشرف على جميع المكاتبات الرسمية، وكان هذا عمله أيضًا مع رئيس الوزراء، شأنه في ذلك شأن المقيم مع الباى. وقد ألغى منصب كاتب السر في 14 يولية سنة 1922 وحل محله في بعض اختصاصاته "نائب المقيم العام"، وقد حددت سلطات هذا النائب بمرسوم المقيم الصادر في 10 فبراير سنة 1923، وهي مختلفة اختلافًا كبيرًا من سلطات كاتب السر وأقل منها، مع أن صاحبها وكيل مجلس الوزراء ومفتش المراقبات المدنية، وهو ينوب عن المقيم إذا غاب أو عاقه عائق. ويساعد المقيم مجلس مدنى وآخر حربى بناء على القرار الصادر من المقيمية في 10 نوفمبر سنة 1926.

وقد عززت هذا القرار في اليوم نفسه مراسيم أصدرها الباى، فأعيد بذلك تنسيق الإدارات الكبرى لحكومة السلطنة، وحددت أعمال المصالح الرئيسية التي نظمها الفرنسيون وأداروها منذ احتلالهم تونس على النحو التالي:

"الإدارة العامة للأشغال" وقد. أنشئت في 3 سبتمبر سنة 1882؛ "الإدارة العامة للأموال" وقد إنشئت في 4 نوفمبر من العام نفسه؛ "الإدارة العامة للتعليم والفنون الجميلة" وقد أنشئت في 6 مايو سنة 1883؛ "الإدارة العامة للزراعة والتجارة والاستعمار" وقد أنشئت في 3 نوفمبر سنة 1890؛ "الإدارة العامة للشئون الداخلية" وهي تشمل مصلحة الصحة العامة ومصلحة الإسعاف؛ "الإدارة التونسية للعدل" وقد أنشئت في 14 يولية سنة 1922 (وكان إنشاء الإدارتين الأخيرتين نتيجة لإلغاء منصب كاتب السر العام). ونزيد على ذلك "مكتب البريد والبرق" وقد أنشئ في 11 يونية سنة 1888 وأصبح إدارة مستقلة بمقتضى المرسوم الصادر في 18 نوفمبر سنة 1927 وتونس مقسمة إلى خمسة أقاليم لأغراض إدارية إذا استثنينا القسم الجنوبي الذي يعد منطقة حربية وقصبته مدنين، وتحكمه "إدارة الأعمال الوطنية" وتتألف من ضابطين من ذوي الرتب العالية و 20 صاغًا أو ملازمًا و

ص: 2507

11 مترجمًا يتقاضون مرتباتهم من الخزانة الفرنسية. وهذه الأقاليم هي بنزرت وتونس والكاف وسوسة وصفاقس، وكل أقليم مقسم إلى طائفة من النظارات المدنية تبلغ في مجموعها تسع عشرة، وهي باجة وبنزرت وطبرقة وسوق الأربعاء وتونس وزغوان وقرنبالية وتبرسق والكاف ومكثر ومجاز الباب وسوسة والقيروان وتالة وصفاقس وقابس وقفصة وتوزر وجربة وقد أنشئ. نظام النظار المدنيين بمقتضى مرسوم المقيم الصادر في 22 يولية سنة 1887. وهي في جوهرها لا تتعدى الإشراف على الإدارة الأهلية ومساعدة الاستعمار الفرنسى. ويلقب هؤلاء النظار بنواب القناصل ويقومون بما يقوم به وكلاء القناصل الفرنسيين. وقد نظمت حالتهم بمقتضى القرار الذي أصدره المقيم في 25 أبريل سنة 1922.

ويقوم على القانون الفرنسى في السلطنة محكمتان من أول درجة، إحداهما في تونس (4 دوائر) والأخرى في سوسة و 14 محكمة صلح دائمة Justices de paix يضاف إليها محاكم الغرباء وهي متنقلة لا تعقد في بلد واحد. وتطبق محاكم الجنح قانون العقوبات في الجنح والمخالفات كما يطبقه قضاة الصلح في القضايا نفسها كما هي الحال في الجزائر. وتقضى في الجنايات محاكم جنائية تعقد في تونس وسوسه، وهي من ثلاثة قضاة فرنسيين محترفين وستة وكلاء نظم أمر تعيينهم مرسوم المقيم الصادر في 29 نوفمبر سنة 1893: ويراعى في ذلك جنسية المتهم. وليس في هذه المحاكم محلفون. ويعين جميع القضاة الفرنسيين بمرسوم صادر من المقيم العام بناء على ترشيح "أمين الأختام"، وهم في ذلك كقضاة الجزائر سواء بسواء.

وفرنسا مسئولة عن ميزانية الجيش والأسطول وبنزرت معكسر أمير البحر الذي يشمل سلطانه شواطن شمال إفريقية بأسرها. وقد اتخذ قائد فرقة الاحتلال Division d'Occupationn" لقب "القائد الأعلى لجند تونس" - Com mandant superieur des troupes de Tunisie. عام 1926.

ولنستوف البيان الخاص بالإدارات الرئيسية العامة في تونس فنقول إنه

ص: 2508

كان بها أيضًا شركتان لهما امتيازات في أهم موانئها: شركة بنزرت، وقد تأسست عام 1886، وشركة تونس وسوسة وصفاقس، وقد تأسست عام 1894؛ وثلاث شركات للسكة الحديدية:(1) شركة بونة جالمة وقد سميت بـ Compagnie Fermiere طبقا للاتفاق المعقود في 22 يولية سنة 1922، وتكاد خطوط هذه الشركة تشمل جميع سكة حديد تونس وهي تتآلف أولًا من خط طويل يساير الساحل، وخطين ما بين تونس الجزائر، يقطعان وادي مجردة ويكتنفهما التل الكبير، وخط ما بين سوسة ومناجم الفوسفات التي إلى الغرب من قفصة وهو يحترق فيافى سبيطلة وقربانة (ب) شركة فوسفات قفصة Compagnie des phosphates de ، Gafsa وهي خطوط ضيقة تربط صفاقس بقابس، وديف بتوزر.

(جـ) شركة ترام تونس، وهي خطوط كهربائية تسير في الضواحى، قوامها خطان يربطان تونس بالمرسى، وأحدهما يسير بطريق حلق الوادي وقرطاجنة.

ولتونس فيما خلا المصالح الحكومية مجالس شورى تعين أو تنتخب.

والفرنسيون هم - دون سواهم - الناخبون لغرف التجارة والزراعة التي ينتخب أعضاؤها لست سنين ويسقط ثلثهم كل سنتين. وقد أنشئت غرفة تونس التجارية وغرفة تونس الزراعية عام 1902. وللنساء حق التصويت وليس لهن حق العضوية. وتجتمع غرفة استغلال المناجم في تونس بناء على قرار المقيم الصادر في 15 يولية سنة 1922 وهي تمثل - من غير تفرقة - الملاك الفرنسيين أو التونسيين والمديرين والنظار أو مهندسى المناجم في تونس. وينتخب أعضاؤها مدة ست سنوات ويسقط نصفهم كل ثلاث سنوات.

وقد أنشئ في 60 موضعًا مجالس بلدية. وكانت هذه المجالس تعين بمرسوم مدة ثلاث سنوات وينتخب ثلث أعضائها فقط كل سنة، وهي تتألف - بمقتضى مرسومى 14 يناير 1914 أول يناير سنة 1924 م- من رئيس من أهل البلاد ووكيل فرنسى أو أكثر وعدد

ص: 2509

متفاوت من الأعضاء وطنيين أو فرنسيين. ومداولاتهم عامة تعرض على رئيس الوزراء لإقرارها.

وأنشئت مجالس إقليمية بمقتضى المرسوم الصادر في 13 يولية سنة 1922 الذي حل محله مرسوم 27 مارس سنة 1928، وأعضاء هذه المجالس ينتخبون مدة ست سنوات، وقد كانوا أول الأمر يمثلون أعضاء المجالس البلدية الوطنية وأعضاء المجالس البلدية الوطنية الخاصة بالقائديات من ناحية وأغلبية ضئيلة من الفرنسيين عن الأعضاء الفرنسيين في المجالس البلدية أو الغرف التجارية والزراعية من ناحية أخرى؛ وتضم هذه المجالس الآن: نائب رئيس لبلدية كل حاضرة من حواضر الأقاليم ومندوبى المجلس الكبير الذي يشترك في انتخاب أعضائه الناس جميعًا، وممثلى غرفة استغلال المناجم والغرف الوطنية للتجارة. أما المجلس الإقليمى، وهو هيئة تستشار في المسائل الاقتصادية والمالية، فيجتمع مرتين كل سنة ومدة كل دورة من دورات انعقاده ستة أيام على الأكثر ويكون انعقاده في قصبة الإقليم برياسة مراقب مدنى يعينه المقيم العام، وليس له مع ذلك حق التصويت. وينتخب الأعضاء الفرنسيون نائبًا للرئيس وكاتبًا للسر، كما يقيم الأعضاء الوطنيون نائب رئيس آخر وكذلك كاتبًا للسر.

وفي 13 يولية سنة 192 حلت الجمعية التمثيلية الرئيسية أي المجلس الكبير Grand Conseil محل المجلس الاستشارى Conference Consulative المنشأة عام 1896 والذي أعيد تنظيمه منذ ذلك عدة مرات. وقد صدرت في مارس عام 1928 طائفة من المراسيم والقرارات نظمت طريقة تأليف المجلس الكبير وحددت سلطاته وهو قسمان: قسم فرنسى وقسم وطنى. المقرر من حيث المبدأ أن كل قسم من القسمين يتداول مستقاو عن الآخر. ويرأس القسم الفرنسى المقيم العام، وأعضاؤه اثنان وخمسون: اثنان وعشرون منهم يمثلون المصالح الاقتصادية وبيانهم كالآتى:

ستة تنتخبهم غرفة تونس الزراعية، واثنان تنتخبهم غرفة بنزرت التجارية،

ص: 2510

وأربعة تنتخبهم غرفة تونس التجارية، وأربعة تنتخبهم غرفة سوسة المختلطة وأربعة تنتخبهم غرفة صفاقس المختلطة، واثنان تنتخبهما غرفة استغلال المناجم وثلاثة يمثلون المستعمرة الفرنسية وينتخبون انتخابًا إقليميًا يشترك فيه كل السكان الفرنسيين الذين نيفوا على الواحدة والعشرين وأقاموا في تونس سنتين على الأقل. وبيانهم كالآتى: ستة يمثلون بنزرت، وعشرة يمثلون تونس، وأربعة يمثلون الكاف، وخمسة يمثلون سوسة، وخمسة يمثلون صفاقس وجميع المناطق العسكرية. وينتخب أعضاء المجلس الكبير، ولا يقل سنهم عن 25 عامًا مدة ست سنوات، وينتخب نصفهم كل ثلاث سنوات ويناقش هذا المجلس الميزانية ويقرها بالتصويت. وله أيضًا أن يبدى رغباته اللهم إلَّا في المسائل السياسية والدستورية، ويبدى رأيه فيما تعرضه عليه الحكومة من وسائل، وله أيضًا أن يسأل الحكومة عن مسائل وتحتفظ فرنسا بالحق في إقرار مرسوم بحل المجلس الكبير وإبطال قراراته حتى في مسائل الميزانية. ويجتمع المجلس مرة كل سنة في دورة عادية لا تزيد على عشرين يومًا. ويمكن دعوته إلى الإنعقاد في اجتماع غير عادى. وكل قسم من قسميه ينتخب مراقبيه، ويعين لجنتين كبيرتين: لجنة مالية ولجنة لسير الأمور الاقتصادية وسبعة عن المستعمرة الفرنسية. ولا يسمح للناس بحضور جلسات المجلس الكبير إذا كان منعقدًا بكامل هيئته. وثمت لجنة للفصل - Com mission Arbitrale يرأسها المقيم العام، وهي تتناقش في جميع المقترحات أو القرارات والرغبات التي اختلف فيها قسما المجلس. وأعضاء هذه اللجنة أربعة عشر نصفهم يعينه القسم الفرنسى والنصف الآخر يعينه القسم الوطنى. فإذا ما استحكم الخلاف اشترك المقيم العام في التصويت كما يشترك فيه أيضًا الوزراء أو المديرون الحاضرون ومعنى ذلك أن للحكومة صوتًا يغلب رأى قسم منهما على الآخر.

ب- الشئون المالية: موارد تونس المالية من الضرائب المباشرة، وهذه الضرائب آخذة في التناقص:(1) الضريبة

ص: 2511

الشخصية وتعرف بالاستيطان وقد حلت محل المجبى القديم (la-c: Barthes Tunisie imots arabes en، الجزائر عام 1923) هي تجبى من جميع سكان تونس الذكور الذين يتجاوز سنهم الواحدة والعشرين (2) ضرائب الأرض وهي القانون على النخيل والقانون على أشجار الزيتون والعشر على البقول وتعفى الأراضي التي استصلحت حديثًا من العشر مدة خمس سنوات؛ والمراجع على البساتين والأراضى الصالحة للرى فيما خلا جربة، والخضر وهي ضريبة خاصة على الأراضي المزروعة في جربة، وضريبة على الأنعام سنت عام 1918 وضريبة على الكروم غير المستصلحة سنت عام 1927، وضريبة على قيمة الإيجار وعلى إيجار الأعيان في الحضر وشبه الحضر هي تجبى لمصلحة النواحى (3) ضرائب على الأرباح التجارية والصناعية (شرعت رخصتها عام 1927؛ ومكوس التعدين)(4) ضريبة على إيراد المال الشخصى والرهونات وما إليها وقد شرعت عام 1918؛ وضرائب قليلة أخرى تعرف بـ assimilees .

أما الضرائب غير المباشرة - ويزداد شأنها كل يوم-، فهي:(1) رسوم التمغة والتسجيل. (2) المكوس، وقد نظمت بحيث تكون في مصلحة المنتجات الفرنسية. (3) طائفة من الرسوم على صناعة شتى المنتجات وبيعها، وقد حلت هذه الرسوم عام 1920 محل "المحصولات" القديمة وأطلق عليها اسم الضرائب غير المباشرة. يضاف إلى ذلك. (4) إيرادات الأحكار كالتبغ والملح والثقاب وأوراق اللعب. (5) أرباح مكاتب البريد. (6) أرباح شتى المشروعات الصناعية. (7) ماتدره أراضى الدولة.

ب- الإدارة الوطنية: الوزراء الوطنيون ثلاثة: الوزير الأكبر، يعاونه. وزير القلم، وإلى جانبه مدير عام الداخلية. ثم وزير العدلية الذي شرع منصبه في 26 أبريل عام، 1921 وصاحب مشورته فرنسى هو مدير العدلية التونسية.

وأساس التنظيم الإقليمى التونسى هو تقسيم القطر إلى قائديات، وعدتها في الوقت الحاضر سبع وثلاثون: باجة وبنزرت وماطر وعين درهم وسوق

ص: 2512

الأربعاء وسوق الخميس وتونس المدينة وتونس الظواهر وزغوان وسليمان ونابل وتبرسق والكاف وتجروين، واولاد عيار وأولاد عون ومجاز الباب وسوسة والمنستير والمهدية والسواسى والقيروان وجلاص والفراشيش وماجر وصفاقس وجبنياتة وسكرة وأرد، وقفصة والهمامة والجريد وجربة ومطماطة ونفزاوة وزغمة وتيطاوين. ويحتفظ القائد في تونس المدينة بلقبه القديم وهو شيخ المدينة. ويعين بمرسوم، وقد احتفظ باختصاصاته الإدارية والقضائية والمالية: فهو الوسيط بين الحكومة وبين الناس، ومن واجبه لم ن يراعى الأمن ويقضى في المسائل المدنية البسيطة بلا مراجعة وكذلك يطبق العقوبات الهينة ويجمع الضرائب. وتحت إمرته شرطة من الأهلين (أوجاف) قوامها الصبائحية (سباهى) الذين يجمعون الغرامات من المتخلفين عن أداء الضرائب. وثمت ميل إلى أن يستبدل بالضرائب التي جرى القائد على تحصيلها ممن يأتمرون بأمره مرتب مقرر. وقد اتخذت خطوات في هذا السبيل بالفعل.

ويعاون القواد أو يخفف عنهم "خلفاء" يعينون بمرسوم منذ 28 نوفمبر سنة 1912 طائفة من القواد تحت التمرين (كخيا) وطائفة من الخلفاء من طبقة ممتازة، وعددهم الآن ستة عشر وهم يقومون عن القائد ببعض الأعباء الملقاة على عاتقه.

وقد قسمت كل قائدية إلى عدد معين من الشياخات تبلغ جميعها 604، وكلها تحت إمرة شيخ تعينه الحكومة بناء على ترشيح القائد. والشيخ مسئول عن الأمن العام ويساعد في جمع الضرائب. وقد أنشئت "مجالس القائديات" في أنحاء البلاد اللهم إلَّا في المناطق العسكرية بمقتضى طائفة من المراسيم والقرارات صدرت سنة 1922 وعدلت سنة 1928، ومهمة هذه المجالس الإقليمية. وتبعث كل شياخة بأربعة نواب يمثلونهات واحد منهم أو اثنان أساسيان والآخران احتيطاطيان ويشترط أن تكون سنهم ثلاثين على الأقل، وينتخبون من بين الأعيان وتعتمد الوزارة انتخابهم. ويشترط في هؤلاء الناخبين أن يكونوا أميز من

ص: 2513

يدفعون الضرائب وأن تزيد سنهم على الخمسة والعشرين وأن يكونوا من سكان الشياخة خارج النواحى أو أن تكون لهم أملاك في الشياخة. وتراجع جرائد الأعيان التي يحررها القائد لجنة مؤلفة منه ومن المراقب المدني والقاضي. ولا يمكن أن يكون المحامون أو الموظفون أو رجال الشرطة نوابًا في المجلس. وتعقد جلساته يومين كل ثلاثة أشهر. وتقام الانتخابات كل ست سنوات.

وأنشئت الغرف الوطنية للتجارة والزراعة عام 1920 وأعيد تنظيمها عامي 1924، 1928، وهذه الغرف هي: غرفة الزراعة الوطنية الخاصة بالشمال، وهي تضم قسمًا زراعيًا من عضو عن كل قائدية تنتخبه الحكوهة من بين مرشحين اثنين تقدمهما نواب الشياخات، وقسمًا للاقتصاد الزراعى مؤلفًا من عضوين مجازين أو مهندسين زراعيين تنتخبهما الحكوهة من بين أربعة مرشحين تقدمهم نواب الشياخات، وغرفة التجارة الوطنية الخاصة بالشمال وهي تضم قسمًا تجاريًا مؤلفًا من اثنى عشر مسلمًا منتخبًا وخمسة يهود، وقسمًا للاقتصاديات العامة مؤلفًا من مسلمين أو يهوديين تنتخبهما الحكومة من بين أربعة مرشحين ينتخبهم الناخبون. ويشترط في هؤلاء ألا يقل عمرهم عن الخامسة والعشرين، أما المرشحون فلا تقل سنهم عن ثلاثين.

وقد أعدت العدة منذ عام 1928 لعقد هذين المجلسين في جلسات مشتركة مع الهيئات الفرنسية التي من نوعها. وقد أنشئ أيضًا في داخل الغرف المختلطة الخاصة بسوسة وصفاقس قسم وطنى من سبعة أعضاء.

ولقد تبينا نصيب الوطنيين في المجالس البلدية والإقليمي؛ فهم في المجلس الكبير يؤلفون قسمًا مميزًا من ستة وعشرين عضوًا: عشرة منهم يمثلون خمسة أقاليم بواقع اثنين عن كل إقليم، وثلاثة يمثلون البقاع الجنوبية، وأربعة يمثلون الغرفة التجارية الوطنية الخاصة بالشمال، واثنين يمثلان كل قسم من الأقسام الوطنية الخاصة بالغرف المختلطة

ص: 2514

وواحد، يمثل الجماعة اليهودية في تونس. وقد جرت الحال بأن يرأس هذا القسم من المجلس الكبير مندوب المقيم العام أو موظف فرنسى كبير من موظفى الولاية ينتدبه المقيم، وقلمًا يرأسه المقيم العام. وقد يتفق القسمان على الاجتماع معًا. وتعد الأصوات في هذه الحالة وكان مجلسًا واحدًا قد أعطاها.

وقد توخى التشريع التونسى الذي أقر أحكامه مرسوم يناير سنة 1928 الإبقاء على التفرقة بين القضاء المدني والدينى. وعلى رأس القضاء المدني محكمة "الأزراء" في تونس وهي تشمل منذ عام 1921: (أ) ضربًا من محكمة الاستئناف لجميع القطر التونسى ولها هيئتان إحداهما مدينة والأخرى للعقوبات، ويجلس في كل منهما ثلاثة قضاة. (ب) محكمة جنائية تنظر في جرائم أول درجة من غير استئناف. (جـ) محكمة تحضير. (د) هيئة للنظر في الملتمسات وهي نوع من محاكم الاستئناف. وتكمل الأزراء محاكم إقليمية من ثلاثة قضاة أنشئت في صفاقس وقابس وقفصة عام 1896، وفي باجة عام 1926، وألحق بها عام 1906 مندوبو الحكومة وهم محامون فرنسيون يتكلمون العربية. ويمكن أن يقوم الوكلاء عن المتقاضين.

وفي الختام نلاحظ أن المحكمة الإقليمية الخاصة بتونس تسمى "دريبة" وأن لتونس أيضًا محكمة العرف، وهي نوع من المحاكم التجارية يقضى فيها شيخ المدينة وعشرة من الخبراء.

المصادر:

(1)

Code annote de la Tunisie: Zeys سنة 1901، وملاحقه السنوية إلى عام 1912.

(2)

Codes et: Lagrange & Fontana ، lois de la Tunise باريس سنة 1912، الملاحق إلى عام 1928.

(3)

Officiel Tunisien Journal.

(4)

Girault. A: - Principes de co lonisation et de legislation coloniale جـ 5، ، La Tunisie et marnc الطبعة الخامسة، باريس سنة 1928.

ص: 2515

4 -

الدين الإسلامي

التونسيون على مذهب مالك منذ أمد طويل، اللهم إلَّا أهل جزيرة جربة فإن ثلاثة أخماسهم من الخوارج. أما سلالة الترك -أو الذين يزعمون أنهم كذلك - فعلى الحنفية. وهم قلة أشراف مفضلون لأن أسرة الباى منهم.

أ- النظم - الشرع: كان يقوم على المناصب الدينية الرفيعة في تونس أيام الحفصيين "قاضى الجماعة" و "قاضى الأنكحة" وكان يوليهما الباى كما يولى المفتى الأكبر والخطيب. ودون هؤلاء قاضى المعاملات وقاضى الأهلة. أما قاضى المحلة فيصحب الجند في ميدان القتال.

وقد بين ابن أبي دينار كيف أن المفتى ظهرت رتبته شيئًا فشيئًا على القاضي وارتفع عنه في الدرجة حتى أصبح يجتمع معه في محكمة الشرع (، Saint Gervais ص 93 - 95) وتلقب مفتى الحنفية الأكبر (باش مفتى) بشيخ الإسلام أيام الترك وظل يحتفظ بهذا اللقب إلى اليوم. وكان مفتى المالكية الأكبر يشرف أحيانًا بهذا اللقب وإن تبلغ منزلته في نظر الدولة منزلة رصيفه.

ويطبق الشرع في جميع الأحوال الشخصية من غير استثناء، كالمعاملات والزواج والطلاق والوصية والولاية والميراث. ويقوم عليه في كل مدينة من المدن التي في داخل القطر مجلس مالكى من قاض ومفت أو أكثر. أما في تونس فيجلس في الديوان مجلس حنفى إلى جانب المجلس المالكي. وينظر كلاهما في القضايا التي يرفعها إليها المتقاضون أو يحولها إليهما قضاة آخرون.

وقد نظم مرسومًا عام 1856، 1875 عمل هذه المحاكم ثم حدد هذا العمل بالمرسوم الصادر في 15 ديسمبر سنة 1896، وقد نص على إجراءات "المراسلة" وحتم قيدها في سجل خاص يقوم عليه "كتاب". وقد استن المرسوم الصادر في 6 مارس سنة 1926 نظامًا لمساعدة المتقاضين أعفى أهل البلاد من رسم القيد الذي

ص: 2516

كان قد فرض في 3 مارس من السنة نفسها. وختامًا نقول إن المسجلين عينوا بمقتضى المرسوم الصادر في 28 يناير سنة 1930.

نظام العدول: يعين العدول (الكتّاب) الوطنيون بمقتضى مرسوم من الباى. وقد نظمت طريقة اختيارهم وخطة تدريبهم على العمل منذ وقت طويل بمقتضى المرسوم الصادر في 3 ذي القعدة سنة 1291 (8 يناير سنة 1875) ويكون تعينهِم بناء على ترشيح القضاة. ويعين الحاصلون على إجازة المسجد الجامع عدولا من غير ما قيد تقريبًا، ولا يستوجب الأمر تدريبهم. وقد عدل مرسوم 8 مايو سنة 1928 ما سبقه تعديلا له شأنه. ثم سنت أحكام جديدة بمقتضى المرسوم الصادر في أول يناير 1931 فاشترط في العدول المسلمين الذين يعينون في المستقبل ألا تقل سنهم عن الرابعة والعشرين وأن يكونوا قد قضوا في مكتب من مكاتب العدول سنتين أو ثلاثًا. وثمت شرط آخر يتميز بحدته وطرافته وهو أن يجوز طالب التعيين امتحانًا يتطلب بصرًا بالتشريع التونسى. وللمجاز من المسجد الجامع الحق في دخول امتحان المرتبة الأولى، ويخول للناجح فيه مزاولة هذه المهنة في المدن الكبيرة، أما أمتحان المرتبة الثانية فيختلف من الأولى اختلافًا يسيرًا، ولا يزاول من جازه المهنة إلَّا في المدن التي تقل عن هذه شأنًا. وتمد وزارة العدل مكاتب العدول بالسجلات عامة كانت أو مفصلة وهي تراجعها وتفتش عليها تفتيشًا دقيقًا منظمًا.

الحبوس: تسمى الأعيان الموقوفة في القطر التونسى حبوسًا وكانت "جمعية" تقوم على الحبوس العامة منذ أيام خير الدين في سنة 1874 ثم أعيد تنظيمها بمقتضى المرسوم الصادر في 19 مارس سنة 1924 وعلى رأس هذه الجمعية مدير ولجنة إدارية. وهي مقسمة إلى مكاتب، ولها نائب في كل حاضرة من حواضر الولاية التونسية يشرف على الوكلاء القائمين بإدارة هذه المكاتب فعلا. وقد نص مرسوم 17 يولية سنة 1908 على وضع الجمعية تحت إشراف مجلس أعلى للحبوس

ص: 2517

يديره وزير القلم ومدير الداخلية العام. وللجمعية الحق في الإشراف على إدارة الحبوس الخاصة.

وقد احتيل ببراعة على الأحكام الشرعية الخاصة بالحبوس، وتوسل إلى ذلك بثلاثة أمور (H. de Montety: Une loi agraire en Tunise. كاهورس سنة 1927):

أ- عقد الإنزال أي نقل الحبوس نظير إيجار دائم (مرسوم 26 مايو سنة 1886، وقد عدل مرارًا وزيد عليه. وأصبح في مقدور المدين صاحب عقد الإنزال أداء ما يعوض قيمة الإيجار منذ عام 1905. ويتم بيع الأراضي بالمزاد العلنى إلَّا إذا كانت حقوق ساكنى الضياع المزروعة مضمونة).

ب- الاستبدال نوعًا أو نقدًا (مرسوما 11 يناير و 13 نوفمبر سنة 1898 م).

ب- الإيجار لآجال طويلة (مرسوم 31 يناير سنة 1898).

وبيت المال تحت إشراف الجمعية، وهي تبذل العطايا في سبيل الخير وتتولى التركات التي لا وارث لها.

الرباطات: ليس من الحيطة في شيء أن نذكر على التحديد عدد رباطات القطر التونسى الدينية الإسلامية (Les confreries re-: Depont et Coppolani ، ligieuses musulmanes الجزائر سنة 1897، في مواضع مختلفة). ولا نستطيع أن نأخذ في غير تحفظ بالأرقام التي وردت في Annuaia du Monde Musulman . ومن المحقق أن عدد الإخوان جميعًا يزيد كثيرًا على الرقم الوارد في هذا التقويم ألا وهو 58، 143 فقد بلغ عددهم في منطقة الكاف الإدارية وحدها ثمانية عشر ألفًا من الإخوان -أو الفقراء - وفقا لإحصاء رسمى لم ينشر أعده المقيم العام سنة 1924، في حين بلغ عددهم ثلث تعداد إقليم باجة وعدد سكانه من المسلمين 61 ألفًا، وفي ملحق تيطاوين نيفًا وثلاثة عشر ألف فقير. وأكثر الطرق الصوفية أتباعًا أربع: القادرية والرحمانية والعيساوية والتجانية وأتباع الطريقة العروسية كثيرون جدًّا. وثمت طرق أخرى متفرقة كالمدنية والشاذلية والطيبية إلى جانب الطرق

ص: 2518

المحلية الأخرى كالبوعلية في نفطة. ويتفق عمال الإدارة في طبرقة وتالة في تقدير عدد إخوان الطريقة الرحمانية والقادرية في إقليميهما بخمسين في المائة وأربعين في المائة من مجموع الإخوان. ولكن هذه النسبة تنقص في غيرهما دون شك لغلبة طرق أخرى عليهما. ونحن نلاحظ انتشار الطريقة العلوية الحديثة التي نشأت في مستغانم من أعمال الجزائر، ويظهر أن مقرها في تونس بزاوية قصبة المديونى بالقرب من المنستير. وتونس ومنزل بوزلفة والجريد مراكز لرباطات هامة، إلَّا أن في الكاف أعظم الزوايا الأصلية سلطانًا. وليس لهذه الرباطات شأن سياسى في الواقع، وحتى شأنها الدينى آخذ في الضعف.

وقد ألغى حق إيواء الفقراء في الزوايا في 6 فبراير سنة 1883.

ب- التعليم: تعرف معاهد تحفيظ القرآن بالكتاتيب. وعلى رأس هذه الكتاتيب "المدارس" ويديرها خريجون في المسجد الجامع مجازون، وتقوم عليها الجمعية تحت إشراف مدير المعارف العامة، ولم تعد هذه المدارس الآن سوى مأوى لطلبة المسجد الجامع. وغاية ما يلقى فيها دروس قليلة. والمدرسة العصفورية هي وحدها التي تعد مؤدبين للكتاتيب.

المسجد الجامع: في عهد الترك أصبح المسجد الجامع على الأيام مركزًا للعلوم الدينية جميعًا. أما في يومنا هذا فلا تدرس هذه العلوم إلَّا فيه، ويؤمه ما يقرب من ألفى طالب من تونس وطرابلس والجزائر بل من مراكش أحيانًا. وقد نظم مناهجه في العهد الذي نستطيع أن نسميه بالحديث منشور أحمد باى الصادر في 27 رمضان عام 1258 (أول نوفمبر سنة 1842) المعروف بالمعلقة لأنه علق على باب الشفاء من أبواب المسجد الجامع. وأهم أحكام هذا المنشور أن تكون هيئة التدريس من ثلاثين عالمًا: خمسة عشر من المالكية وخمسة عشر من الحنفية يلقى كل منهم درسين في اليوم، ويستثنى من ذلك أيام الخميس والجمعة والعيدين وشهر رمضان. ويتقاضى العالم قرشين في اليوم إلَّا إذا غاب بغير مامسوغ. وقد عين شيخا

ص: 2519

الإسلام المالكي والحنفى نظارًا للمسجد ويتقاضون مائة قرش في الشهر. ويعاونهما في عملهما قاضيان من المذهبين يتقاضى كل منهما ثلاثة قروش يوميًا. ويشرف الشيخان والقاضيان على حساب القوامين على بيت المال الذي تؤخذ منه هذه الرواتب. فإذا بقى من هذا المال فائض وزع بشروط خاصة على أنبه الطلاب. ويعين المدرسون بمرسوم من الباى (ظهير) بناء على اقتراح المفتشين والقاضيين.

ولم تنظم شئون المسجد تنظيمًا أكثر تفصيلًا مما سبق إلَّا في عهد خير الدين. فقد أصدر صادق بأى في الثامن والعشرين من ذي القعدة عام 1292 (26 ديسمبر سنة 1845 م) أمرًا عاليًا من سبع وستين مادة ينص على العلوم التي تدرس بالمسجد والكتب التي تشرح وحقوق الطلبة والمدرسين والمشرفين وواجباتهم ونظم المكتبة. وقد عدلت مواد هذا الأمر العالى مرات بعد ذلك فاقتضى الأمر مرسوم آخر محله صدر في 16 سبتمبر سنة 1915. من 81 مادة وبعض ملاحق، ويسير المسجد بمقتضاه إلى الآن. وفي هذا المرسوم خليط من أحكام التربية العتيقة ووصايا تحث على الاستقامة والتخلق بحميد الخصال، كما نهت المادة 19 منه عن الشك في المذاهب التي أخذ بها السلف من العلماء.

والعلوم التي تدرس في المسجد الجامع أزيد من "فروع المعرفة الأحد عشر" التي تدرس في الجامع الأزهر بمقتضى القانون الصادر في سنة 1872 وأكثر منها تنوعًا، ونحن نذكرها فيما يلي كما وردت في المادة الأولى من المرسوم: التفسير والحديث والسير والتوحيد وقراءة القرآن وتجويده والمصطلح وأصول الفقه والفقه والفرائض والتصوف والمبقات والنحو والصرف والمعانى والبيان واللغة والإنشاء والأدب والتاريخ والجغرافيا والرسم والخط والعروض والمنطق وآداب البحث والحساب والهندسة والهيئة والمساحة. وقد أهملت العلوم

ص: 2520

الأخيرة بعض الإهمال. وتسيطر نزعة التقليد الجامدة وطرق التعليم العتيقة على التدريس في المسجد الجاهع فتحول دون أي تقدم في العلوم الدنيوية أو اجتهاد في مسائل الدين. أما في التاريخ والجغرافيا فيقتصر البرنامج على كتابين: رقم الحلل لابن الخطيب، والمقدمة لابن خلدون، وهما من مؤلفات القرن الرابع عشر الميلادي، علاوة على مختصر للتاريخ الإسلامي. وما زالت الهندسة تدرس في المسجد على مذهب إقليدس، وتقرأ مسائلها في كتاب الطوسى الذي يرجع إلى القرن الثالث عشر.

والتعليم في المسجد بالمجان، ومراحله ثلاث، ويعقد امتحان للانتقال من مرحلة إلى أخرى. وفيما يلي بيان بكتب الدين واللغة التي تشرح لطلبة المرحلة النهائية (المادة الرابعة من المرسوم).

التفسير:

أسرار التنزيل للبيضاوى - مع شرح الجلالين.

الحديث:

صحيح البخاري مع شرح القسطلانى - صحيح مسلم هع شرح الأُبيّ - الشفاء للقاضي عياض هع شرح الشهاب الخفاجى.

السير:

المواهب اللدنية للقسطلانى هع شرح الزرقانى - السيرة الكلاعية.

التوحيد:

شرح الجرجانى على المواقف لعضد الدين الإيجى - شرح التفتازانى على عقائد عمر النسفى الكبرى للشيخ السنوسى.

أصول الفقه:

التوضيح لصدر الشريعة عبيد الله المحبوبى - شرح عضد الدين الإيجى على مختصر ابن الحاجب - شرح المحلى على جمع الجواهع لعبد الوهاب السبكي.

الفقه:

تبيين الحقائق لعثمان الزيلعى (شرح كنز الدقائق لعبد الله النسفى) - الدرر (شرح الغرر) - شرح سيدى عبد

ص: 2521

الباقي على المختصر الخليل - شرح سيدى محمد الخرشى على المختصر لخليل.

التصوف:

الإحياء للغزالى.

النحو:

مغنى اللبيب لابن هشام.

المعاني والبيان:

الجزء الثالث من المفتاح ليوسف السكاكى مع شرح الجرجانى - المطول للتفتازاني.

اللغة والإنشاء والأدب:

المزهر للسيوطى - فقه اللغة لعبد الملك الثعالبى - شرح المرزوقى على ديوان الحماسة - المثل السائر لابن الأثير.

ويطلق على كل من الثلاثين معلمًا الأصليين وعلى معلم التجويد لقب المدرس الأول. وثم مؤهلون للتدريس في المرحلة العليا. أما المرحلة الوسطى فيقوم بالتدريس فيها اثنا عشر مدرسًا من الطبقة الثانية نصفهم مالكية والنصف الآخر حنفية، ومدرس للتجويد. ويدرس في المرحلة الابتدائية مدرسون متطوعون متخرجون في المسجد الجامع، ولا يتقاضون أجرًا (المادة 9 من المرسوم). وللمدرسين عطلة شهرين في السنة، من منتصف يولية إلى منتصف سبتمبر يضاف إلى ذللُ شهر رمضان وأيام الجمع وأيام العيدين والأيام الأربعة التي تلى كليهما ويوم عرفات واليومان اللذان قبله ويوم 10 من المحرم والأيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ربيع الأول (المادة 29 من المرسوم). وقد جعل يوم الخميس ثانية يوم عمل، ونص على ذلك صراحة (المادة 28). ويحمل كل طالب سجلًا خاصًّا به ينظره المدرس كل شهر (المادة 32 ويشهد بأن صاحبه حضر الدروس المقررة عليه (المادة 33). وعلى المشرفين الذين يعينهم النظار التثبت من أن النظام قائم مرعى (المادة 40). وقد حددت واجبات النظار في عناية بمقتضى أحكام المعلقة (المادة 44 وما بعدها).

ص: 2522

وقد ألحق بهذا المرسوم في اليوم نفسه مرسوم آخر تفسيرى من إحدى عشرة مادة يضع قواعد الامتحان النهائى الذي يهئ الطالب للحصول على أجازة التطويع. والنجاح في الامتحان التحريرى للفقه بنقل الطالب إلى فصول دورين متعاقبين (المادة 6). ويبيح الامتحان الشفوى للطالب ست ساعات يتأهب له فيها بالرجوع إلى كتب المكتبة (المادة 7) وتمنح أجازة "تطويع" خاصة لقراءة القرآن وتسميعه (المادة 9).

وقد عقدت مسابقة بين المتطوعين، وعين منهم خمسون على التدريس منذ عام 1928، وهم يتقاضون أجرًا ثابتًا قدره خمسمائة فرنك في الشهر. وقد حددت أجور مدرسى الطبقة الثانية منذ أول يناير سنة 1931 بـ 13.000 فرنك في السنة، ومدرسى الطبقة الأولى بـ 16.000 فرنك في السنة، وتضمنت ميزانية الدولة التونسية منذ عام 1924 اعتمادًا للمسجد الجامع. وأخذ هذا الاعتماد يزيد باستمرار فارتفع من 50.000 فرنك في السنة الأولى إلى 250.000 فرنك في سنة 1927 إلى 770.000 فرنك في سنة 1930.

وقد أثار النظام الذي وضع حديثًا للعدول احتجاج الطلبة الشديد لأنه لم يعد يسمح لهم بالإنخراط في مهنتهم دون قيد، أضف إلى ذلك أن دراستهم في المسجد الجامع لا تمكنهم من النجاح في امتحان العدول الجديد من غير أن يستعدوا له. ومن ثم قامت مسألة إصلاح التعليم الدينى من جميع نواحيها أو - على الأقل - إدخال الدراسة القانونية الحديثة إلى المسجد الجامع. وقد شكلت الحكومة في ديسمبر عام 1929 هيئة لبحث أسباب الإصلاح، وهي تجاهد لوضع خطته.

وفهرس المكتبة باللغة العربية بسبيل الطبع الآن. وقد نشره بالفرنسية ب. روى B. Roy وبل خوجه (تونس سنة 1900) إلَّا أنه ناقص.

ص: 2523

التعليم الحديث: تقوم الكلية الصادقية - التي بلغ عدد طلابها 417 ما بين عامي 1928 و 1929 - بالتعليم بالفرنسية والعربية، وهي تعد طلابها للأعمال الإدارية. وتقبل ناشئة المسلمين إقبالا متزايدًا على المدارس الفرنسية، وهي مدارس ابتدائية من بينها مدارس فرنسية عربية ومدارس للبنات المسلمات (- Revue du monde mu sulman) جـ 6، 123 - 126) ثم مدارس ثانوية تفتح أبوابها للجميع. وفي 31 ديسمبر عام 1928 (، Statistique ge nerale de la Tunisie عام 1928) بلغ عدد من أرسله الأهالى المسلمون من الطلبة إلى المدارس الابتدائية الفرنسية في القطر التونسى 25، 876 طالبًا و 2، 930 طالبة يضاف إلى ذلك 67 طالبًا و 617 طالبة في المدارس الخاصة و 395 طالبًا إلى ليسيه كارنو Lycee Carrot من مجموع طلبتها البالغ عددهم 2000، أما عدد الطلبة المسلمات في ليسيه البنات فثمان وعشرون فقط من مجموع 1200 طالبة. وفي معاهد العلم الأخرى بتونس 461 طالبًا مسلمًا (College Alaoui - Ecole normale d'Instituteurs، Ecole pro (fessionnelle E. Loubet

وثمت مدرسة عالية في تونس للغة العربية وأدبها Ecole superieure de (langue et literature Arabes وهي تمنح الناجح في امتحانها من الأوربيين إجازة في العربية الدارجة وأخرى في العربية الفصحى، ودبلومًا عاليًا في اللغة العربية لطلبتها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

وقد أنشئت في رعاية المقيمية جمعية إسلامية تعرف بالخلدونية، وهي تعد لأعضائها البالغ عددهم ما يقرب من مائتين من الشبان دروسًا عامة بالعربية في مختلف العلوم.

ثم إن إدارة العدلية في تونس تلقى دروسًا في القانون بالعربية لإعداد الأهلين للمهن القانونية.

المصادر:

L n citnation des cultes en: R.Darman en Tunisie، الطبعة الثانية، باريس سنة 1930:

ص: 2524

5 -

السكان

أ- شعوبها: في ولاية تونس عدا المسلمين واليهود من أهلها عدد من الأوربيين يتزايد لكثرة الإيطاليين المهاجرين إليها ولحماية الفرنسيين لها. وقد بلغ عدد سكانها في إحصاء عام 1926: 2.159.708 نسمة بواقع 3.17 لكل كيلو متر مربع، منهم 1.932.184 مسلمون و 54.243 يهود تونسيون، ولا يدخل في ذلك اليهود الذين تجنسوا بجنسية أوربية: ويبلغ عدد الأوربيين 173.281، منهم 71.020 فرنسيون (41 %) و 89.216 إيطاليون (51.5 %) و 8.396 مالطيون من رعايا إنكلترة (4.8 %) و 4.649 من جنسيات أوربية مختلفة أخرى (2.7 %). ويشتغل الإيطاليون - وقد وفد معظمهم من صقلية وسردينيا- بنائين ومعدنين (الكاف) في الغالب على أنهم يشتغلون أيضًا بالزراعة وفلاحة الكروم (في باجة ومجاز الباب وقرنبالية وزغوان).

أما الفرنسيون فمعظمهم من عمال الحكومة والتجار أو المستعمرين.

وجل الأوربيين في منطقة تونس (103.000 أي 60 %) وفي بعض المدن التي على الساحل، فمنهم حوالي 6.700 في بنزرت و 4.150 في فريفيل و 6.900 في سوسة ومثل هذا العدد في صفاقس. وأكثر من نصف اليهود التونسيين في منطقة مدينة تونس (28.141) ويبلغ عددهم في سوسة ما يربو على 3.700 نسمة وما يقرب من 3.300 منهم في صفاقس. ولا يقل عددهم عن ذلك في بنزرت وباجة ونابل، وهم قلة في داخل البلاد (منهم طائفة قليلة تعرف بـ "باحوصيم" تعيش في خيام تجاه السرس) ومنهم جماعات لا يستهان بها في الجنوب، فيبلغون في قابس ما يقرب من 2.500 نسمة، وفي حومة السوق من أعمال جربة ما يقرب من 3.800 نسمة من مجموع سكانها البالغ عددهم 4.645، أما في المناطق العسكرية فيربون على 2.500.

وفي القطر التونسى اثنتا عشرة مدينة يزيد عدد سكان كل منها على العشرة آلاف نفس، ويستثنى من ذلك

ص: 2525

القصبة وهي مدينة تونس ويبلغ عدد سكانها 175.466. وهذه المدن هي:

صفاقس 27.733 سوسة 21.298

بنزرت 20.593 القيروان 19.426

مساكن 16.620 قابس 15.119

نفطة 13.250 مكنين 13.191

القلعة الكبيرة 11.830 توزر 11.056

باجة 10.468

ونذكر في هذا المقام أن مساكن والقلعة الكبيرة - وكلتاهما في منطقة الساحل - إنما يسكنهما المسلمون.

ب- القبائل: لا نستطيع بما بلغ إليه علمنا أن نلم إلمامًا دقيقًا بتطور الشعوب الإسلامية في القطر التونسى، وحتى إذا تجاوزنا عن الحواضر والأماكن المكتظة بالسكان أكثر من غيرها (نواحى بنزرت وباجة وسوسة) وفيها أخلاط شتى متمازجة، فإن تكوين القبائل الكبيرة - وقد كانت شخصيتها متميزة واضحة في عهود مختلفة من تاريخ القطر التونسى - غامض مستغلق، ونحن نجهل أصول كثير منها، بل إن اختفاءها لا يخلو من الإبهام في كثير من الأحيان.

ظل عدد الجند العرب أمدًا طويلا اقل من أن يحدث في الجمع البربرى القديم تغييرًا فعالًا، ولكن طرأ عامل جديد عظيم الخطر في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي إلَّا وهو غزوة العرب من بنى هلال ثم تبعهم بنو سليم في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. فقد طرد هؤلاء جل البربر إلى النجاد وسكنوا السهول وأتموا تعريب البلاد. نعم إن هؤلاء العرب كانوا كثيرًا ما يمتزجون بجماعات من أهل البلاد إلَّا أنهم أخضعوهم لسلطانهم إخضاعًا تامًّا. فعز علينا اليوم أن نميز القبائل العربية من القبائل البربرية بحال. وغاية ما نستطيع أن نقوله إن القطر التونسى - على الجملة - أكثر أقاليم شمالي إفريقية استعرابًا.

ويذكر ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي شيئًا عن البربر الذين بقوا، فطائفة منهم تعيش في جزيرة جربة (خارجى جرابة) وفي جبال الجنوب، واللواتة (hist. des berbers الترجمة جـ 1، 235) إلى الجنوب من قابس في الجبل المنسوب إليهم. ومطماطة (المصدر نفسه، جـ 1، ص

ص: 2526

246) في الناحية التي ما زالوا يسكنونها، والزناتة وقد طردوا من طرابلس فالتجئوا إلى جبل دمِّر. وأهم جماعة فيهم حلف وَرْغَمَةً (المصدر نفسه)، وثمت زناتة آخرون هم بنو ورتاجين (المصدر نفسه جـ 3، ص 304) وقد عززوا استقلالهم في واحة الحمة أما المرَنَجيسةَ من الإفرانية (المصدر نفسه، جـ 1 ص 225 - 226) وكانوا أشبه بالمزارعين ورعاة الأغنام فيما بين تونس والقيروان، فقد تعرضوا لبطش عرب الكعوب. وما تزال بقية من السماتةَ (المصدر نفسه جـ 1، ص 231) بالقرب من القيروان، وأكثر جماعات البربر تماسكا من الهوارة (المصدر نفسه، جـ 1، ص 278 - 279) وبعضهم بدو، وهم يسكنون التل الكبير، فالوَنيفَن التبسئون ينزلون مَرْماجنَةَّ، وهي بَرْماجنَةَ الحالية دون شك، والقيصر بين قصور إبة والأربس، والبَصْوَة التبرسقيون على الجوكر. على أن البَصْوةَ كان قد دخل فيهم فريق من عرب بنى رياح، وهم جيران أقاربهم بنو حبيب، وكذلك حدث في جبال الشمال أن امتزج بنو هذيل من عرب مضر في قبيلة سليم من الهوارة.

وقد أوغل بنو هلال - وهم من العرب الفاتحين - غربًا، فلم يتركوا في إفريقية إلَّا قلة من بنى زُغبْة بقوا بالقرب من تونس. أما بنو عوف، وهم من بنى سليم، فقدسكنوا كمانتبين من رحلة التيجانى بين عامي 1306، و 1309 هـ كل الأقليم الذي على الساحل الشرقي. فنزل الدَلأج ما بين نابل وسوسة، ثم نزل الحكيم البقعة التي تمتد إلى الجمِ، ثم انضم إليهم الطُرود، ثم نزح هؤلاء نحو ورجلا ونزل بنو على أهل الحصن البقعة التي تمتد إلى المباركة. وكان يسيطر على الساحل أقاربهم وسادتهم الكعوب. وقد كان لفريقيهم (صف) المتنافسين أولاد مهلهل وأولاد أبي الليل شأن خطير في سياسة الحفصيين، وقد أجاد مارسيه G.Marcais في إبراز هذا الشأن. وفي الربيع والصيف حلت مرداس بن عوف في انتظام محل الكعوب في الجريد، وهي الأحياء التي كان يشتى فيها هؤلاء. ثم إن السهول الجنوبية ابتداء

ص: 2527

من المباركة كان يسكنها الدَباب، وهم فريق آخر من سليم. فأولاد أحمد منهم نزلوا في الداخل يشد أزرهم حلف بنى يزيد (صَهْبةَ وحمَارْنَة وخَرْجَة وأصابعَة) وشريد وزُغْب: ما على الساحلَ فقد نزل النوائل البقعة الممتدة إلى قفصة ونزل المحاميد من حلف وَشاح حتى حدود طرابلس الحالية.

وقد عادت بعض هذه الأسماء إلى الظهور في رسالة مندوزا - B. de Men doza التي ألفها عام 1356 بعنوان Les Arabes du royaume de Tunis (نشرها La Primaudiae) وكان بنو على، وهم أقوى هؤلاء جميعًا، متفرقين في ذلك الوقت كما ذكر الحسن بن محمد الوزان الزياتى على الساحل بين بنزرت وجربة. فكان أولاد أبي الليل في ناحية ماطر وباجة. وأولاد مهلهل، الذين دخل فيهم أولاد عون، بين القيروان وباجة. وكان إلى جانب هؤلاء أولاد سعيد وهم قوم يخشى بأسهم ولا نعرف أصلهم. وقد امتدت ديارهم من المنستير إلى داخل رأس أدار، وسكن أولاد يحيى إقليم تبرسق. وسكن الحنانشة، ولعلهم من الهوارة، بالقرب من تبسة. وقد ظل شيوخهم يبسطون سلطانهم السياسي أمدًا طويلًا من حصنهم قلعة السنان (Les Harar،

Revue Aft: Feraud سنة 1874).

وبقيت أسماء القبائل القديمة في كثير من الأحيان، على الرغم من أن هذه القبائل كانت قد اختلطت اختلاطًا عظيمًا وباد منها الكثير ففي الجنوب حيث يغلب البربر لا نزال نجد سكان الكهوف المطماطة والوَرْغَمةَّ، وقد استردت قبائلهم السهول: فعَكّارة جرجيس الذين يعيشون في المضارب من فبراير إلى يونية يحصدون الشعير ويرعون قطعانهم وماشيتهم؛ والتَوازين، وكانوا من قبل بدوا، يميلون اليوم إلى الاستقرار في ناحية مدَنين وبن جَرْدان الكثيرة البساتين، والجبلية يسكنون قرى النجاد في ملحق تيطاوين. أما الودرنة فبعضهم حضر وبعضهم بدو. وتعرف شياختان باسم لواته في قائديتَىْ عون الغربية وبنزرت. وتضم قبيلة ونَيفَن في اللر المرتفع تجاه الجزائر عدة قبائل منها الوَرْغَمْة (ورد

ص: 2528

هذا الاسم في العبر، الترجمة، جـ 1؛ ص 275) لم يكن الوَشتْاتة الذين يسكنون الآن حول باجة وسوق الأربعاء مجهولين لدى ابن خلدون (المصدر نفسه) وهم ينزلون الآن الساحل الشمالي شأنهم في ذلك شأن النَفْزَة (جـ 1، ص 182، 290).

وما زال عدد لا بأس به من أسماء قبائل القرون الوسطى العربية الأصل باقيًا في الجنوب.

نعم طرد النوائل والمحاميد إلى طرابلس على إثر كرة الورغمة إلَّا أن الدَباب المتبربرين كانوا شياخة في ملحق تيطاوين كما أن بنى زيد (= يزيد) وكان لهم شأن، ما زالوا متبدين هم والحَمَارنة بالقرب من قابس، وما برح فريق منهم يتخذون اسم الخرجة. ثم إن ثمت قبائل متفرقة آخذة في النقصان نسبت إليها شياخات، مثل الهدَلِ أي بنو هذيل (قائدية عين درهم) والطُرود (بنزرت) والحكيم (سوق الأربعاء) واولاد المهلهل (أولاد أَيَر) وأولاد الحاج من الكعوب (الجلاص، العبر، الترجمة، جـ 1، ص 143). وما زال كثير من أولاد بنى الليل باقين في سهل باجة وكثير من بنى رياح بالقرب من زغوان. ولم ينزل الخُمَير جبال الشمال الغربي غير بعيد من المقعد، وفي اسمهم الجرس العربي، إلَّا في القرن السابع عشر، ونزل بنو دريد بوصفهم قبيلة من قبائل مخزن السرس وما حوله، وهم فرع من بنى أثْبَج بن هلال الذين نزلوا أمدًا فيما وراء تخوم الجزائر. وذكر ابن خلدون النَفّاث الذين يعيشون على ساحل صفاقس من بين العرب (العبر، الترجمة جـ 2، ص 101، 290).

ومن القبائل التي ذكرت في العهد الحفصى المتأخر بعض من أولاد يحيى بقوا في قائدية تبرسق، وأولاد سعيد وهم مشتتون، ولكن قصبتهم في منطقة أنْفدا، وأولاد عون قائدية بأسرها حول سِليانة شمالي شرقي مكثر.

والقبائل في الوقت الحالى مخللطة ونحن نختتم بذكر ما له شأن منها وإن كنا لم نتثبت قط من أصله، اللهم إلَّا ما

ص: 2529

كان من المرابطين: فالمثاليث والعَقَاربة والمَهْذَبَة غير بعيد من الشاطئ إلى الجمِ حتى شمالي قابس، والماجرِ والهَمَامَة في الداخل ينزلون الفيافى في السواسى وجلاص والفراشيش، وهم يكونون عددًا مماثلًا من القائديات. وفي التل المرتفع الوَرْتان وأولاد عيّار والقوازين. وينزل الغريب والمرازيق والعذارة وأولاد يعقوب في نفزاوة وصحراء تونس.

جـ- حياة الأهلين الاقتصادية: من الجلى أن حياة البداوة مشرفة على الزوال في القطر التونسى. ولم يعد الأهالى يقبلون على الهجرة أو يهاجرون زرافات (سَمْلسَ) إلَّا في سنى الضيق والبلاء. وجرت القبائل على الإقامة، ولا يظعن منها إلَّا نفر من الرعاة يسوقون قطعانهم. وإنما تنتقل الأنعام دون غيرها فتشتى في الفيافى وتصيف في التل. ويغلب أن يكون ذلك بطريق ممر سبَيبة والكاف. ويجنح المهاجرون إلى الإقامة في سهل قَمودة ردحًا من الزمن: والمثاليث هم وحدهم الذين يرحلون صيفا حتى بنزرت وجلاص والسواسى دمالى جوار باجة: وما زال قوم من البدو يسكنون بطبيعة الحال نفزاوة وصحراء تونس.

وتسير حكومة الحماية في غير تراخ على خطة حث السكان على الاستقرار، فتيسر لهم الحصول على الأراضي وتوجه جهودهم إلى الزراعة.

وكان في تونس من قديم عهد (الخمَاسَة) نظمه "قانون الفلاحة" الذي أصدره خير الدين عام 1291 هـ (انظر المصادر في Takrouna: G.Marais ص 252)، ثم تهيأت الأسباب لتطبيق عهد (المغارسة) عندما أخذت الحكومة تبيع بالنسيئة الأراضي السبخة في دائرة قطرها 50 ميلا تقريبًا حول صفاقس وهنشير شراحيل بالقرب من القيروان وهي أراض صالحة لنمو الزيتون (مرسوما 1892، 1905). ويقضى عهد المغارسة بأن المزارع من الأهالى الذي يتعهد بزرع كل القطعة الممنوحة له زيتونًا يصبح مالكًا لنصفها عندما تبدأ الأشجار في الإثمار. أما تشريع

ص: 2530

الحبوس الجديد فقد مكن أسرًا من الأهلين من الاستقرار في الأرض وقرر حقهم في الإقامة فيها قانونًا (أحدث مرسوم هو مرسوم 17 يونية سنة 1926). وتخضع أراضى القبائل الجماعية في المناطق العسكرية الجنوبية لنظام خاص سنه مرسوم 23 ديسمبر سنة 1918 وعدل بمرسوم 1926. وكل مجموعة أو طائفة من الأراضي وحدة يمثلها مجلس من الأعيان. وفي حاضرة كل قائدية مجلس على يتولى شئونها، وسلطته محلية، ويراجع قراراته مجلس مركزى في تونس، ولا مناص من الرجوع إلى أحد هذه المجالس إذا ما تغيرت ملكية الأرض) وأجرت لأجل طويل أو ما شابه ذلك، فهي تحمى ملكية الأهلين، ثم إن الزراعة تقدمت من نواحيها الفنية منذ الاحتلال، ويدين له المزارع التونسى فوق ذلك بتمكينه من تأليف الجمعيات الزراعية (مرسوم 25 مايو سنة 1920) وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الوطنيين وإنشاء الغرف الوطنية للزراعة، وإقامة مكتب عام للتسليف الزراعى لمصلحة الأهلين (مرسوم 10 يونية سنة 1925).

وفيما يلي بيان بعدد الأنعام التي كان يملكها الوطنيون والأوربيون عام 1928:

الوطنيون == الأوربيون

الخيل 77.000 == 10.500

الحمير 157.000 == 2.500

البغال 28.500 == 11.500

الماشية 430.000 == 55.000

الأغنام 2.000.000 == 103.500

الماعز 1.260.000 == 30.500

الخنازير 066.000 == 13.000

الإبل 151.50 == 300

وللوطنيين حوالي 9 ملايين شجرة زيتون تؤدى عنها الضرائب و 4.800.0000 معفاة منها، وللأوربيين من الأولى 878.000 ومن الثانية 1.100.000، ونذكر أيضًا أن معاش آلاف من الأهلين من صيد السمك. وتختفى المضارب في أنحاء القطر التونسى ويحل محلها الـ"كربى" ويدل هذا دلالة بينة على أن الناس أخذوا في الاستقرار وأوشكوا أن يقيموا لأنفسهم

ص: 2531

بيوتًا. وفي الجنوب نوعان متميزان من المساكن، الأول تحت الأرض وهو لأصحاب الكهوف ويبلغ في نواحى مطماطة ومدنين وتيطاوين نيفا وسبعة آلاف وخمسمائة مسكن. والثاني الغرفة أو القصور وهي بنىَ على هيئة السفينة مقوسة الجوانب طَويلة ضيقة قميئة تستعمل مخازن، وخير الشواهد عليها في مدنين ومتامر. وعدد من يسكنون المدن من الأهالى كبير إلى حد ما، فهو يبلغ 18 % من السكان. وقد اشتهر القطر التونسى في جميع أدوار تاريخه بازدهار العمران. أما المسلمون في تونس من غير أهل البلاد، وهم يعرفون بالبَرّانيه فجماعات متفرقة.

والتجارة الوطنية آخذة بأسباب التجديد، ومن أعظم ما بلغته في هذا المضمار إنشاؤها جمعية تعاونية لئدالى جربة، وهم طوائف كثيرة في تونس، أما الصناعات الوطنية فقد ظلت أمدًا طويلا تقاسى من منافسة الصناعات الأوربية لها منافسة شديدة. والحق إن الحكومة لم تدخر وسعًا في النهوض بها وبخاصة ما كان منها ذا قيمة فنية. فأنشئت لهذا الغرض معاهد لتدريب الصناع تدريبًا منظمًا، ووجهت عنايتها إلى النهوض بأسباب الصناعة فنيًا وآليًا. وأهم الصناعات القديمة في تونس فيما خلا الطحين وعصر الزيت وصناعة الصابون: الصباغة، وهي مهددة الآن باستيراد أصباغ الأنيلين من أوربا ونسج الصوف في نواح شتى، كالأحرام في جربة وقفصة وفي الجريد، ونسج القطن في تونس والحرير في تونس وقصر هلال وصوف الماعز والإبل في الجنوب وصناعة البسط على يد النساء وبخاصة في القيروان والشاهى في تونس، ويصنع بدولاب القصار في البَثَن والقيشانى في نابل. ونذكر أيضًا صناعة الغرابيل في تونس والقيروان وسوسة، والحصر والسلال والحلفاء في نابل، والدباغة وصناعة الأحذية في تونس والقيروان ونابل، وصناعة السروج في تونس، وصناعة السكاكين والصناعات المعدنية والحجرية والخشبية. أما السمكرية فكلهم يهود وكذلك بعض صناع الأحذية وكثير من الخياطين وجل الصياغ.

ص: 2532

وقد نظمت نقابات ذوي الحرف بمراسيم أصدرها الباى، وأهم نقابة في تونس هي نقابة صناع الشواشى وأصلها أسبانى، وقد يقبل هؤلاء اليهود ولكن أمينهم لا يكون إلَّا مسلمًا، ولهم مال احتياطى. ويقر مرسوم من الباى نيشانهم أي علامتهم التجارية. ولا تزال صناعة الشواشى على ما كانت عليه منذ 25 أو ثلاثين سنة على الرغم من منافسة الشواشى المستوردة من فرنسا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا لها وانعدام السوق التركى، ذلك أن ما يصنع منها يبلغ 50.000 كيلو جرامًا يصدر حوالي نصفها.

وفيما يلي بيان بنقابات تونس، طبقًا للإحصاء الذي أعدته إدارة الزراعة:

رؤساء العمل == العمال

صناع الشواشى 200 == 600

الخياطون 60 == 100

صناع البرانس 120 == 150

الطحان 10 == 40

غزال الحرير 300 == 1200

نساج القطن 100 == 300

الصباغون 30 == 45

صناع الأحذية 200 == 300

صناع السروج والجلود 20 == 70

الجواهرية والصياغ 45 == 70

النجارون 90 == 125

الحدادون 20 == 35

الرسامون والمزخرفون 100 == 230

الدباغون 25 == 45

وعدد رؤساء العمل والعمال مجتمعين حوالي 4630 فقط.

المصادر:

(1)

Nomenclature et repartition des tribus de la Tunisie شالون- ساون سنة 1900.

(2)

Notes sur les tribus de la Regence في Revue Tunisienne سنة 1902.

(3)

Statistique generale de la Tunisie 1928، An ، تونس سنة 1929.

(4)

Recherches: Bertholon & Chantre -anthropologique dans la Berberie orien tale، ليون سنة 1913.

(5)

عبد الوهاب: Coup d`oeil general - sur les apports ethnique etrangers en Tu nisienne ، في Revue Tunisienne، سنة 1917.

ص: 2533

(6)

L`evrerie algerienne et: Eudel tunisienne. الجزائر سنة 1902.

(7)

Les corporations tu-: Atger ، nisienne.i باريس سنة 1909.

(8)

L'evolution: Bernard & Lacroix du nomadisme en Algerie، في مواضع مختلفة منه، الجزائر - باريس سنة 1906.

(9)

L'Agriculture in-: Decker-David digene en Tunisie، تونس سنة 1912.

(10)

L'Evolution economique: Mzali ، de la Tunis تونس سنة 1912.

(11)

Enquete sur: Aug. Bernard l'habitation rurale des indigenes de la Tu- .nisie تونس سنة 1924.

(12)

Essai sur la politique: Sultan ، fonciere en Tunisie ثم باريس سنة 1930.

6 -

اللغة

أ- البربريه: اندثرت اللهجات البربرية في القطر التونسى أو كادت. وإنما يوجد من يتكلمونها في ناحية سند من أعمال قائدية قفصة، وقد درس بروفوتل لهجة هؤلاء في تمزرد بين مطماطة، وفي جزيرة جربة حيث بقيت في كلام النساء خاصة بعض التعابير القديمة.

ب- لغة الكلام العربية: نخلص من هذا إلى أن استعراب تونس من حيث اللغة قد تم بالفعل، ولكنه جرى في اتجاهات لا نعرف تفصيلاتها. وقد يرى مارسيه أنه تم في الساحل على الأقل بسرعة أكثر مما كان يظن جمهور الناس. وكانت الحواضر - سوسة والمنستير والمهدية، قبل قدوم بنى هلال وبنى سليم في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر - مراكز للتعريب دائمة تنشر بين فلاحى النواحى المجاورة لغتها، ثم تحورت هذه اللغة بفعل هؤلاء الفلاحين فنشأت لهجات ريفية شتى. وتختلف لهجات البدو -كما لاحظ ابن خلدون - من لغة الحضر العربية في حروفها وقواعدها كما تختلف أيضًا من لغة الساحل.

وقد أشار فون ملتزن (Von Malt 7 en: Zeitschr d. Deutsch Morgenl Gesells ص 655 - 656) إلى أن اللغة العربية التي يتحدث بها أهل تونس قد حافظت على

ص: 2534

كثير من الحروف القديمة محافظة لا نجدها في أي قطر مغربى آخر. وكل ما نلاحظه أنهم أدغموا الضاد في الظاء فأصبح كلاهما ينطق نطق الحرف الممدود المفخم الخارج من بين الثنايا. أما القاف فينطق نطق الحرف الخارج من أقصى الحلق (ك) في الكلمات المستعارة مثل سيكرو وكمرك أو يتأثر في نطقه باللهجات البدوية مثل بكرة وناكة. أما حرف الجيم الحلقى (بالفرنسية j) فينطق بعد الأداة نطق الحرف الشمسى ويميلون به نحو الزاى في الكلمات التي فيها هذا الصوت بالفعل (مثل جوز< زوز). ويؤثر الخلط الذي يبدو عند استعمال الحروف اللينة ل، ر، ن في الكلمات المستعارة تأثيرًا قد لايتعداها إلى غيرها.

واختفى التنوين إلَّا في بعض الصيغ النادرة. وقد ترك أثرًا في بعض الظروف حيث بقيت الحركة التي في آخرها بل مدت أحيانًا مثل دائما> ديمه، ديما.

ولمارسيه W. Marcais ملاحظة دقيقة على لغة الكلام في تاكرونة، وما زالت هذه الملاحظة الثبت المرضى الوحيد للحركات التونسية. والتونسيون قليلو الرعاية للحركات. إلَّا أن إهمالها أو إضعافها لم يبلغ ما بلغه في المغرب الأقصى بحال. فهم ييسرون النطق في بعض الأحوال باصطناع أصوات بين بين أو حركات ثانوية بالغة القصر وبخاصة قبل الحروف الحلقية المسبوقة بـ "ى" أو "و" مثل بتح حاتوف العبرية. ولا يغيب عن بالنا أن النساء في تونس قد احتفظن بحروف العلة القديمة المدغمة أي، أوْ. أما الرجال فقد قصروهما على أي، أوْ. وتردهما لهجات البدو إلى ى, وولكن بعضهم يصطنع حرف علة حركة أخرى بالغة القصر i و u. وبعض البدو يميلون الهمزة الممدودة المفتوحة e > a يضمونها ضمًا شديدًا. وينطق المتعلمون الكسرة كالياء في المقطع المفتوح ولكنهم ينطقونها كالحركة e الفرنسية أو يكادون في المقطع المضموم.

وقد وضع شتمه Stumme .h القواعد الآتية للحركات، وهو الذي زودنا ببيان مفصل عن التراكيب العربية التونسية: إذا كانت الكلمة منتهية بساكنين أو بساكن مسبوق بحركة ممدودة فإن

ص: 2535

النبرة تكون على المقطع الأخير. أما في الأحوال الأخرى فتقع النبرة على المقطع السابق للأخير إذا كان هذا ممدودًا أو مضمومًا، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك وقعت على المقطع الأول. ويشذ عن ذلك صيغة الفعل يَفْعَلُ بدلًا من يفعلو وفَعْلَ بدلًا من فَعَلَ وهي صيغة فعلية وإسمية في آن. فالنبرة تردّ من المقطع الأخير إلى الذي قبله إذا كان المقطع الأول للكلمة التالية منبورًا.

ويبدو في الصرف بطبيعة الحال السمات الأصلية للهجات المغرب. وتبدل نفعل بنفعلو للمتكلم في حالة الفعل الذي لا يدل على زمن معين. ولنولدكه إشارات قلائل في الإعراب.

أما من حيث المفردات فقد استعارت اللغة من التركية والإيطالية، وهي تستزيد من الكلمات الفرنسية كل يوم. ولكن اللغة الفرنسية تؤثر في لغة يهود العرب أكثر، ولربما أندثرت من غير أن تدرس.

جـ- الصحف الوطنية: كان نشر الصحف محرمًا في القطر التونسى منذ أمد طويل. وحتى الطباعة وتجارة الكتب كانتا مقيدتين، تخضعان للرقابة الإدارية التي سنت عام 1875 بمقتضى المرسوم الخاص بالتعليم في المسجد الجامع. وأخذ الرائد الرسمى التونسى يزود الناس بقدر من الأخبار منذ عام 1883. ومعظمها إدارى، إلَّا أنه كان يسمح بنشر مواد أخرى، وقد جاء في خطاب مودع بمحفوظات الحكومة التونسية أرسلته هذه الحكومة إلى قنصل السويد بأنه كان في النية إصدار الرائد التونسى إبتداء من 17 يناير سنة 1883. ولكننا لا نستبين من هذه الوثائق أن ذلك قد حدث فعلًا. وقد صدر مرسوم خاص بالصحف تاريخه 14 أكتوبر سنة 1884 ثم صدر مرسوم آخر في 16 أغسطس سنة 1887 عدل بعد ذلك مرارًا، وقد أباح كل من المرسومين - وبخاصة الثاني، وهو أكثر من الأول سماحة - قيام صحف فرنسية وإيطالية وعربية في القطر التونسى. فظهرت ما بين عامي 1888 - 1889 الصحيفتان اليوميتان العربيتان "الحاضرة" لبو شوشة و"الزهرة" للشاذلى. وما زالت الزهرة تصدر إلى اليوم، وهي تعد الآن من

ص: 2536

الجرائد المحافظة وإن عدت في أول أمرها من السابقات إلى التجديد. وأهم الجرائد إلى جانب هذه: "النهضة" وهي تصدر كل يوم ما عدا يوم الاثنين. وجل الصحف العربية في الوقت الحالى أسبوعية: كالزمان وتنطق بلسان الأحرار، ولسان الشعب والصواب، وكلتاهما وطنية النزعة وبخاصة الأولى، والنديم وهي أدبية انتقادية يقدرها الناس كثيرًا. ثم الجريدة الفكاهية الزهور وهي تسمح بنشر أنهر باللغة العامية. والوزير، والمفروض أنها شهرية مثلها في ذلك مثل المنير التي تصدر في غير نظام. وقد ظهرت حديثًا مجلة شهرية مصورة تتناول التاريخ والأدب وهي العالم الأدبى. ولكن أوسع الجرائد العربية انتشارًا في تونس هي تلك التي تفد من مصر، وبخاصة السياسة. وتقتصر الجريدة الرسمية التي تصدر منها نسخة فرنسية منذ عام 1883 على نشر بعض الوثائق ذات الصفة الرسمية مرتين كل أسبوع. ثم إن في تونس ضربًا من الجرائد بالتقويم أشبه مثل الرزنامة التونسية وقد ظهرت من عام 1899 إلى عام 1921، وحلت محلها جريدة سنوية مقصورة أو تكاد على الشئون الإدارية، وهي التقويم التونسى.

وجدير بنا أن نشير إلى الجهود الفاشلة التي بذلت لإنشاء صحافة عربية محلية في صفاقس كالعصر الجديد أو في القيروان كصحيفة القيروان. على أن طائفة من المسلمين نجحوا في إصدار صحيفة أسبوعية صغيرة بالفرنسية في صفاقس وهي صحيفة Tunisie Nouvelle لزهير عيادى. وأنشأ باش حانبا في تونس حوالي عام 1910 جريدة سماها ، Le Tunisien وكان الشاذلى خيرالله يحرر Voix du Tunisien وقد حلت محل Tunisien Etendard وكانت قد خلفت هي أيضًا Liberal. ونشر عبد العزيز لروى جريدة Criossani منذ أغسطس عام 1930. وتبدو في هذه الجرائد روح الوطنية التونسية، وهي روح إسلامية خالصة.

وقد جرى اليهود على أن يكون لهم عدد وافر من التواليف والصحف باللغة العبرية العربية مكتوبة بالأحرف العبرية، وقد كتب فاسل E. Vassel،

ص: 2537