الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصادر:
[بعد ما أشير إليه في الهوامش]
أمين الخولى:
1 -
مدخل لدرس التفسير؛ وبيان المنهج الجامعى فيه - دراسات في كلية الآداب - خط.
2 -
دراسات لبعض موضوعات القرآن كقصصه، وأمثاله، وتشبيهه
…
إلخ، في كلية الآداب - خط.
3 -
أخلاق القرآن - ومن هدى القرآن
…
بضعة وخمسون حديثًا، في لون من التفسير النفسى والاجتماعى، مستمد من الحس اللغوي، والجو الأدبى للقرآن أولًا
…
طبعت منه مجلة الراديو المصري بضع عشرة قطعة في خلال 1941 - 1942.
التفضيل
" التفضيل": مصدر الفعل المضعف "فَضّل" ومعناه لغة الميز أو الزيادة أو التبقى. واسم التفضيل في النحو هو "اشتراك شيئين في صفة وزيادة أحدهما على الآخر فيها" ويعرف أيضًا، "أفعل التفضيل" لأن القياس جرى على أن يكون على وزن أفعل.
المصادر:
(1)
المعاجم العربية المعتمدة.
(2)
A Grammar: Wright - de Geoje of the Arbic Language كمبردج سنة 1896 - 1898 ج 1، ص 140 - 141.
(3)
de Sacy Cf: Grnmmnire Arabe باريس سنة 1831.
[هيك J.W. Haig]
التقليد
" التقليد": لغة "جعل شيء في العنق أو في المنكبين"، وله في الاصطلاح ثلاثة معان:
1 -
التقليد عادة نشأت بين العرب أيام جاهليتهم وبقيت في شعائر الإسلام القديمة وفي الفقه، وهي جعل أشياء بعينها في رقاب الهدى التي يضحى بها في حرم مكة (تسمى قلادة
والجمع قلائد). وذكر القرآن (سورة المائدة، الآية 2، 97) القلائد والهدى من بين مناسك الحج التي شرعها الله. والغرض من التقليد والإشعار تمييز الحيوان الَّذي يضحى به في الحرم وإكسابه ضربًا من الإحرام يظن أنَّه شبيه بإحرام الحجيج. وقريب من هذه الشعيرة، وإن لم يكن عينها، ما جرى عليه الحجاج من التقلد هم وخيلهم بلحاء بعض أشجار الحرم في رجوعهم من الحج، ويسمى هذا اللحاء أيضًا قلادة (1) وثمت رواية شاذة عنها تذهب مذهبًا ينافى العقل فتقول إن التقليد يكون من وقت الخروج إلى الحج وتجعل الشَعْر قلادة وقت الرجوع منه (2) وما زالت هذه العادة باقية في شعائر الإسلام، ولكن الفقهاء درجوا على معارضتها وإغفالها. وقلادة الهدى على النقيض من ذلك، فهي نعل الحاج أو نعلاه أو قطعة من الأدم إذا أعوزه النعل. وتشترك البَدنَة وعليها الشعار في أهم مناسك الحج، فتقيم مع الحاج في عرفة ثم تذبح في منى. وقد ورد ذلك تفصيلا في حديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ولا يبعد أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] فعل ذلك (3)، على أن هذا الحديث والأحاديث التي سنذكرها ليست في الأكثر سوى شواهد على شعائر الإسلام في أول عهده. وفي صدر الإسلام اختلف المسلمون في شأن الرجل يبعث بهدية مقلد، إلى مكة ويقعد هو عن الحج، ولعل ذلك من شعائر الإسلام خاصة، وكان العرب يجهلونه أيام وثنيتهم. وهناك أحاديث غلب عليها الاحتجاج بسنّة النبي [صلى الله عليه وسلم] تفرض على من يبعث بهديه الإحرام من وقت أن يقلده أو يوصى بتقليدها إلى أن تذبح. وهناك طائفة أخرى أكثر من هذه تذهب إلى أن
(1) هذا الذي حكاه كاتب المادة لا نعرفه، ولم نجد نقلًا عن أحد من العلماء فيه. بل لا نعلم أن أحدًا من المسلمين يعمله فلا ندرى من أين جاء به؟ !
(2)
وهذه الرواية التي سماها شاذة لم نسمع بها أيضًا.
(3)
بل قد ثبت في الأحايث الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد هديه في حجة الوداع، وشك كاتب المادة في هذه الأحاديث لا يؤثر في صحتها، وأهل العلم بالحديث وعلماء الإسلام أعرف بالصحيح من الضعيف.
أحمد محمد شاكر
النبي لم يحرم في هذه الحالة. وفي بعض أحاديث الطائفة الثانية ميل ظاهر إلى التناظر. ومن هنا اشتد الحديث (1) الَّذي أورده البخاري (كتاب الأضاحي، باب 15) في إنكار هذا الإحرام، وهو حديث ظاهر الهوى) (2). وجلى أن ورود هذه الشعيرة في نص الحديث يثبت وجودها.
ثم إن هناك حديثًا توسط بين الأمرين فترك الخيار في الإحرام لمن يبعث بهديه (النسائي: كتاب الحج، باب 70) ولما اكتمل الفقه ضاق بهذا الإحرام وأهمله (اكتفى الشافعي بإنكاره في كتاب الأم، ج 2، ص 183، ولم يقم بأمر تفنيده) ولا شك في أن المسلمين نبذوه من عهد قريب. وإذا خلينا عبد الله بن عباس - وهو إمام القائلين بهذا الإحرام بيان لم يدعم ذلك سند تاريخي - وعمر وعليًا وقد ذكرا في هذا المقام خطأ، وعبد الله بن عمر الَّذي استشهد به في تأييد الرأى المناهض، فإن القول بالإحرام في هذه الحال لم ينسب إلا لقيس بن سعد بن عبادة وإبراهيم النخعي وعطاء ومحمد ابن سيرين: أما الإشارات العارضة إلى غيرهم فلا يعول عليها كثيرًا (3)
(1) نص الحديث عن البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا إسماعيل عن الشعبي عن مسروق أنَّه أتى عائشة فقال لها يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدى إلى الكعبة ويجلس بالمصر فيوصى أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتَّى يحل الناس. قال سمعت تصفيقها من وراء الحجاب فقالت لقد كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله حتَّى يرجع الناس.
اللجنة
(2)
لا ندرى لماذا رضي كاتب المقال أن يحكم بوضع الحديث؛ وما دليله على ذلك، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وسترى أنَّه هو الَّذي أخذ به كل العلماه أو أكثرهم.
أحمد محمد شاكر
(3)
خلاصة القول في هذا أن الرجل إذا قلد هديه وأرسله إلى مكة وهو باق في بلده، هل يصير بذلك محرمًا، فيمتنع عما يمتنع منه المحرم من اللباس والطيب والنساء وغير ذلك أو لا؟ فذهب ابن عباس إلى أنَّه يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتَّى ينحر هدية. قال النووي:"وكذا مذهب ابن عمران صح عنه في هذه المسألة شيء". وذهب كافة العلماء إلى إنه لا يصير محرمًا بذلك، وإنما يصير محرمًا بنية الإحرام إذا نواه. وهذا هو الصحيح الَّذي تدل عليه الأحاديث. ويؤيده حديث النسائي الَّذي أشار إليه كاتب المادة:"عن جابر: أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعث بالهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك". وانظر المجموع للنووى شرح المهذب (8: 360 - 361) ونيل الأوطار للشوكانى (5: 193 - 195) وتفسير القرطبي (6: 39 - 42).
أحمد محمد شاكر
وقد يسر سعيد بن المسيب الإحرام تيسيرًا كبيرًا وإن كان قد أبقى على ركن من أركانه، فمنع الجماع في ليلة الجمعة (1). ومن الشواهد الأخرى على الصلة الوثيقة بين الإحرام والتقليد ما روى عن سفيان الثوري وأحمد بن حنبل واسحق وغيرهم من أن الحاج إلى مكة يصبح محرمًا بالتقليد وحده، وما قيل من أن قيام الحاج بالتقليد يوجب عليه الإحرإم وهو رأى قريب من الرأى الأول. ويذهب أنس بن مالك إلى أن الحاج إلى مكة لا يستحب له على الأقل أن يفصل بين التقليد والإحرام. ويستحب في الفقه جعل القلادة (نعلان أو نعل واحد أو قطعة من الأدم) في أعناق الإبل والبقر. ويقول الشافعية والحنابلة وأبو ثور وداود إن ذلك مستحب أيضًا إذا كانت البدن أصغر من الإبل والبقر، ومن الأحناف والمالكية من لا يجيز ذلك، ويحرم هؤلاء تحريمًا باتًا اتخاذ الهدى من البدن الصغيرة. وإذا ما ذبحت البدنة غمست قلادتها في دمها.
وانصرف الحجاج عن جلب الهدى من ديارهم وأقيمت لها سوق في منى فأهمل التقليد.
ونختتم ذلك فنقول بأنه جاء في حديث أن تقليد الابل بالأوتار (تسمى أيضًا قلائد) يدفع عنها العين خصوصًا إذا تدلى منها ناقوس (2).
(1) هذا نقل عجيب! ! ولا نظن عالما يقول به.
أحمد محمد شاكر
(2)
نقل غريب عجيب أيضًا، ونخشى أن يكون تحريفًا، فإن كاتب المادة رأى حديثًا في الموطأ ليس في أبواب الحج بل في أواخر الكتاب في باب "ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العين"(ج 3 ص 118 - طبعة الحلبى سنة 1343 هـ) وهو عن أبي بشير الأنصاري" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل للناس وهم في مقيلهم، يعني نزولهم للقيلولة في السفرة لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وبر أو قلادة إلا وقطعت. قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: أرى ذلك من العين". فهذا الحديث في النهي عن تقليد الإبل في السفر، ولا علاقة له بالهدى، وقد ظن مالك أن هذا التقليد كانوا يصنعونه من أجل العين. والنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عنه. فلا معنى لأن يأتي به الكاتب بشكل يوهم أن هذا العمل من شعائر الإسلام والنبي قد نهى عنه. ثم قد ورد النهي عن تعليق الأجراس في أعناق الدواب، كما في حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر وعن أنس نحو ذلك. رواهما ابن حبان في صحيحه. بل أن النهي عن اتخاذ الأجراس عام في أحاديث كثيرة. وانظر الترغيب والترهيب للمنذرى (ج 4، ص 68 - 68 المطبعة المنيرية) وهناك حديث آخر في شان الخيل رواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 3 ص 352): "عن جابر قال" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوابنواصيها وادعوا لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوا الأوتاره وفسره ابن الأثير في النهاية بمعان، أجودها:"أراد بالأوتار جمع وتر القوس، أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق لأن الخيل ربما رعت الاشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فخنقتها. وقيل إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار بدفع عنها العين والأذى. فتكون كالعوزة لها، فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضررا ولا تصرف حذرا".
أحمد محمد شاكر
المصادر:
(1)
Arab - Engl، Lexicon: Lane، مادة قلد.
(2)
الأحاديث؛ Handbook: Wensinck مادة الأضاحي.
(3)
مالك بن أنس، الموطأ في طبعتيه.
(4)
الزرقانى: شرحه على الموطأ.
(5)
الطحاوي: شرح معاني الآثار، طبعة حجرية 1300 هـ، ج 1، ص 439.
(6)
كتب الفقه.
(7)
Gaudefroy - Demombynes: - Le. Pe d La Mekke ، lerinage ص 279 - 285، وفيه دراسة وافية جدًّا للتقليد في الجاهلية والإسلام وإن كانت تختلف في بعض المسائل الصغيرة عما جاء في هذه المادة.
2 -
التقليد التولية في منصب من مناصب الجيش ويكون بإلباس المقلد السيف. ومنه تقليد الولاة الأعمال، ويدخل في ذلك القضاء.
المصادر:
(1)
Arab - Engl. Lexicon: Lane، مادة قلد.
(2)
of Tech-: Sprenger Dictionary ، lnclica Terms (Bibliotheca ، nical ص
3 -
ثم إن التقليد قبول قول الغير في مسائل الدين بلا دليل. واتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقد، للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل (والقول بأن الاستعمال الاصطلاحى مأخوذ من القلادة خطأ) والتقليد بهذا المعنى ضد الاجتهاد. وقد نشأ في الزمن الَّذي تكونت فيه المذاهب، وبعض الفضل في نشأة هذه المذاهب راجع على الأقل إلى اتباع أكابر الفقهاء خاصة. ويستعمل الشافعي (الرسالة، ص 8، س 18)(1) لفظ التقليد بمعنى
(1) يشير إلى موضع الصفحة والسطر من رسالة الشافعي طبعة بولاق سنة 1321 وهما الفقرتان (135 - 136) من طبعة الحلبى بشرحنا سنة 1357 - 1938 (ص 42) وهو ينكر على بعض من يزعم أن في القرآن كلمات معربة نقلت من غير اللغة العربية وأن بعض الناس قلد من زعم هذا الزعم، ونص عبارته:"ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه، تقليدًا له، وتركًا للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه. وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم".
وقد علقنا على هذا في شرحنا هناك بما نصه: "الشافعي لا يرضى لأهل العلم أن يكونوا مقلدين، وكان رضي الله عنه حربًا على التقليد، وداعيًا إلى الاجتهاد والأخذ بالأدلة الصحيحة. وعن هذا قال تلميذه أبو إبراهيم المزنى، المتوفى سنة 264، في أول مختصره الَّذي أخذه من فقه الشافعي: اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع اعلامية نهيته عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط فيه لنفسه. ج 1، ص 2 من هامش كتاب الأم".
أحمد محمد شاكر
قريب جدًّا من معناه الاصطلاحى المتأخر، على أن الطحاوي ظل يتبع التقليد في نقد الأحاديث أو في استنباط أحكام الفقه منها. وإذا تحدد الرأى في المجتهد واكتمل الاعتقاد بتوقف الاجتهاد بالاطلاق منذ القرن الثالث، والاجتهاد بأنواعه الأخرى بعد ذلك بزمن يتفاوت طولا وقصرًا بالنسبة إلى كل نوع، التزم كافة العلماء والعامة بتقليد غيرهم من المتقدمين ويذهب جمهور أهل السنة إلى أن كل شخص ملزم كما كان منذ قرون بما قرره سلفه مسنده، ولا يحق لأحد بعد أن يعد نفسه أهلا لتقرير حكم برأيه في الفقه من غير أن يرجع إلى حكم من سبقه من المجتهدين.
ويقال في الدفاع عن هذا الالتزام بالتقليد أن فقهاء القرون الأولى للإسلام هم وحدهم الذين رزقوا نظرًا ودراية تؤهلانهم لاستنباط أحكام الفقه من أصوله والقول برأى خاص بهم فيها وأن غيرهم من أهل القرون التالية يعجزون عن ذلك عجزًا كبيرًا، وليس هذا القول إلا منحى من مناحى في التاريخ الفلسفى للإسلام على مذهب أهل السنة.
وقد كان للتقليد أثر في تعزيز الخلاف بين المذاهب، ولكنه لم يكن السبب في خمود الحافز إلى التوسع في الفقه في الأزمنة المتأخرة.
وبينما يجمع الجمهور على أن العامى ملزم بالتقليد كالفقيه، إذ يلتزم الفقيه أحيانًا بتبين صحة اجتهاد المجتهد بدليله. وإذا تعدد المجتهدون، وهو الغالب، فللمقلد أن يقلد من يختار (مادام لم يخرج بطبيعة الحال على الإجماع، أي لا يختار اجتهادًا لم يقره الإجماع. ووجوب التقليد قائم أيضًا على الإجماع) وعن أحمد بن حنبل وابن شريح أنَّه يجب عليه النظر في الأرجح فيها واتباعه (والواقع أن هذا الخلاف محصور في الاصطلاح) وللمقلد من الوجهة النظرية أن يختار اجتهادًا جديدًا كلما عرضت له مسألة من المسائل، ولكن المتبع أن
يلتزم مذهبًا من المذاهب الأربعة المقررة (1).
وثمت طائفة لا بأس بها من المسائل يرجع فيها من مذهب إلى آخر (Vorlesungen ueber den Islam: Goldziher، ص 25؛ الطبعة الثانية، ص 48 - 50) واختلفت الآراء في شأن هذا الرجوع وفي جوازه من الناحية النظرية Handleiding: Juynboll) الطبعة الثالثة، ص 22). وكثيرًا ما يحدث أن تعرض مسألة ويتبع فيها أحكام مذهب آخر أصلح من غيرها من الأحكام. وتشير كتب الفقه نفسها أحيانا بجواز التقليد في هذه الحالة ولكن يشترط أن تنظر المسألة إلى غايتها طبقًا لأحكام المذهب الملتزم.
كل هذا جائز في التقليد في مسائل الفقه. أما في العقليات كمسائل الأصول فإن لدنيا رأيًا ثالثًا إلى جانب الرأيين القائلين بوجوبه وجوازه، وهذا الرأى لا يجيزه لأن هذه المسائل تقتضي العلم، ولا يحصل العلم بالتقليد وحده. وكان الأشاعرة هم الذين أذاعوا هذا الرأى المعتزلى في
(1) ليس هناك أي دليل على وجوب اتباع مذهب من المذاهب الأربعة. وإنما هذه كلمة شاعت عند العوام في عصور ضعف فيها العلم، واشتدت العصبية بين العلماء لمذاهب الأئمة الذين تبعوهم، وقد كانت هناك أيام العصبية مذاهب أخرى يتعصب لها أتباعها، كمذهب داود الظاهرى ومذهب ابن جرير الطبري - صاحب التفسير - ومذهب الأوزاعي وغيرهم. ثم ضعف العلماء فقلدوا العوام والجهال في العصبية للمذاهب الأربعة، ومن عجب أن يقلد العالم الجاهل. وأما الأئمة رضي الله عنهم فما كان أحد منهم ليرضى أن يقلده أحد، بل كانوا يعلمون العلم ويظهرون الناس على أدلتها ويجادلهم تلاميذهم وأتباعهم، ويوافقونهم ويخالفونهم. ولم يجعل الله قول أحد من العلماء حجة على الناس. بل الحجة في الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة والاستنباط منهما، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فما علمه العالم من الدليل واقتنع به وجب عليه اتباعه، وحرم عليه أن يخالفه لقول أحد كائنًا من كان، في كل عصر وحين. وإنما أوهم الناس في هذا الشأن أن ظنوا أن معنى "الاجتهاد" أن يكون العالم المجتهد إمامًا في كل علم وفي كل مسألة، وأن يضع للناس مذهبًا يتبعونه ويلزمون به، ولم يقل هذا أحد. والاجتهاد بلوغ الجهد في المسألة. فرب عالم متوسط درس مسألة واحدة وأتقنها وعرف وجه الحق فيها، ووصل إلى ما لم يصل إليه أعلم منه، وهذا أمر بديهى مشاهد في كل العلوم والمسائل. نعم قد يخطئ العالم ولكن الله لم يكفه إلا أن يعمل بما علم وبما وصل إليه اجتهاده. وهذا بالضرورة في المسائل النظرية الخلافية، وأما المسائل المعروفة من الدين معرفة قطعية، وهي الأشياء المتواترة تواترًا علميًّا أو عمليًّا، فليست محل اجتهاد ولا خلاف. ولا يسمى الأخذ بها مقلدًا، لأنها قطعية يقينية. وأكثر العلماء المتقدمين من أئمة الفقه والحديث إنما كان هذا شأنهم، درسوا المسائل وعرفوا أدلتها وعرفوا أقوال الأئمة ورضوا منها ما اطمأنت له قلوبهم وأخذوا به، فظنهم الجاهلون مقلدين، وإنما هم مجتهدون وافق اجتهادهم اجتهاد غيرهم.
وممن أفاض القول في وجوب الاجتهاد على العلماء ومنع التقليد العلامة ابن القيم في (اعلام الموقعين) فليرجع إليه من شاء يقتنع والحمد لله.
أحمد محمد شاكر
الإسلام (Vorlesungen: Goldziher ص 123، 136، تعليق الطبعة الثانية، ص 121 وما بعدها، 327 ، تعليق 72).
ولم يتقرر التقليد الفقهى عند أهل السنة من غير معارضة. وحتى الأجيال المتأخرة كان فيها علماء يرون ألا يخلو وقت من مجتهد مثل ابن دقيق العيد المتوفى عام 702 هـ (1302 م) أو السيوطي المتوفى عام 911 هـ (1505 م) وبعضهم يزعم لنفسه الاجتهاد المطلق مثل الجويني المتوفى عام 478 هـ (1085 م) والسيوطى، وبلغ الأمر ببعضهم أن قالوا بوجوب الاجتهاد على الفقهاء المتأخرين وذموا التقليد مثل داود بن علي وابن حزم وغيرهما من ثقات الظاهرية، وبعض الحنابلة مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية اللذين كانا من متشددى أهل السنة. وينكر الوهابية، وأولهم إمامهم ابن عبد الوهاب، التقليد، وترد آراؤهم إلى الحنابلة (انظر مؤلفات الحنابلة ورسائلهم التي يدعون فيها إلى مذهبهم المطبوعة في مطبعة المنار بالقاهرة، وانظر أيضًا رسالة الشوكانى "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد") وكما أنكر الحنابلة التقليد أنكره أشد معارضيهم وهم المجددون في الإسلام.
والحق إن الحنابلة هم الذين مهدوا الطريق لهم. وقد التمس أولئك المجددون اجتهادًا جديدًا عملوا به، وهو يفوق كثيرًا أسمح اجتهاد بلغه تقدم الفقه في العهد الأول بالنظر إلى تحرره من القيود (انظر: Die Krisis des Islam Hartmann، وما كتبه المجددون على اختلافهم، وقد ذكرنا أهم آرائهم) ورفض الإباضية التقليد لأسباب تشبه أسباب الحنابلة الوهابية ثم إن الشيعة أنكروا مذهب التقليد السنى. ويقول الإثنا عشرية بوجود مجتهدين في غيبة الإمام المستتر يقومون بهداية المؤمنين، وهم لا يجوزون تقليد الميت لأن لهؤلاء المجتهدين في كل وقت أئمة أحياء يأتمون بهم في مسائل الدين.
المصادر:
غير ما ذكرنا في صلب المادة.
(1)
Arab Engl. Lexicon: Lane مادة قلد.
(2)
Dixtionary of the: Sprenger Technical Terms. المكتبة الهندية، ص 1178، ولا يعتمد عليه كل الاعتماد وانظر عن المصطلح.
(1)
كتب الأصول.
(2)
Handleiding: Juynboll الطبعة الثالثة، ص 33 وما بعدها، تعليق 13.
(3)
Snouck - Hurgronje Verspreide: Geschriften، ج 2.
[شاخت J. Schacht]