الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام
لقد سبق أن ذكرنا أن الدافع للماتريدية وغيرهم من فرق المعطلة على تعطيل صفات الله تعالى ومنها صفة "الكلام".
وهو أنهم فهموا منا ما يُفْهَمُ من صفات الخلق.
1 -
فظنوا أن الكلام لا يكن إلا بآلة وجارحة من لسان وشفتين وفم والأسنان والحلق، وهذه الشبهة هي بعينها التي عرضت للجهم إمام الجهمية، بشهادة الإمام أحمد.
2 -
وتبعهم في ذلك الماتريدية، فقالوا: لو ثبت لله تعالى الكلام اللفظي لزم كون الله محلاً للحوادث والأعراض. ولا يخلو أن يكون المسموع عرضاً (1).وهذه الحروف مخلوقة لأنها أصوات وهي أعراض لا دوام لها وهي قائمة بمحالها التي هي اللسان واللهوات والحلق (2).3 - الحلق هذا الوهم الفاسد عطلوا صفة "الكلام" وحرفوا نصوصها بأن المراد من الكلام "الكلام النفسي" لا "الكلام اللفظي"(3).
4 -
وتعريف الكلام النفسي عندهم:"ما هو قائم بالله بشيء واحد ليس له بعض ولا عدد ولا له نهاية ولا بداءة"(4).وهو المعنى القائم بذات المتكلم، وهو المعنى الذي يدبره المتكلم في نفسه ويعبر عنه بهذه الألفاظ المتركبة عن الحروف
…
وهذه العبارات ليست بكلام وإجراؤها على اللسان ليس بتكلم، بل هي عبارات عن الكلام والكلام
…
هو المعنى القائم بالنفس غير أن هذه العبارات تسمى كلاماً لدلالتها على الكلام
…
(5).
"إن الله تعالى متكلم بكلام واحد وهو صفة له أزلية ليست من جنس الحروف والأصوات، وهي صفة منافية للسكوت والآفة.
والله متكلم بها آمر، ناه مخبر، وهذه العبارات دالة عليها. وتسمى العبارات كلام الله تعالى على معنى أنها عبارات عن كلامه الأزلي القائم بذاته وهو المعنى بقولنا القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق (6) وقالوا: إن الله لم يتكلم بكلمة "كن" بل المراد سرعة التكوين.
وقالوا: "صانع العالم متكلم بكلام واحد أزلي قائم بذاته ليس من جنس الحروف والأصوات غير متجزئ مناف للسكوت والآفة والخرس.
وهو به آمرناه مخبرٌ
…
، وهذه العبارات مخلوقة لأنها أصوات وهي أعراض، وسميت كلام الله لدلالتها عليه.
(1)((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 59).
(2)
((التمهيد)) لأبي المعين النسفي (7/أ)، و ((عمدة القاري)) لحافظ الدين النسفي (8/أ) وانظر ((أصول الدين للبزدوي)) (ص 61).
(3)
راجع ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 58)، و ((العقائد النسفية مع شرحها)) للتفتازاني (ص 53 - 55)، و ((البداية من الكفاية)) للصابوني (ص 60 - 61)، ((الدرة الفاخرة)) للجامي (ص 223)، ((المسايرة مع المسامرة)) (ص 82 - 83)، ((التلويح على التوضيح)) (1/ 28)، ((الطريقة المحمدية)) (ص 17)، ((نشر الطوالع)) (ص 255)، ((حاشية الكستلي على شرح العقائد النسفية)) (ص 87 - 90)، ((حاشية البهشتي على الخيالي)) (ص 65 - 67)، ((حاشية أحمد الجندي على شرح العقائد النسفية)) (ص 120 - 121)، ((ضوء المعالي)) للملا علي القاري (ص 29).
(4)
((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 61).
(5)
((تبصرة الأدلة)) (118/ب)، لأبي المعين النسفي.
(6)
((التمهيد)) (6/ب-7/أ)، و ((العقائد النسفية مع شرحها)) للتفتازاني (ص 53 - 58).
-والكلام النفسي- إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعبرية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل. فاختلفت العبارات لا الكلام، كما نسمي الله بعبارات مختلفة، مع أن ذاته واحدة" (1).5 - وأن القرآن الكريم العربي مخلوق بل مخلوق (2) لفظه ومعناه (3).
6 -
ويقولون: لا يجوز أن يقال: القرآن غير مخلوق.
لئلا يتبادر الذهن إلى الألفاظ والحروف.
بل يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق.
فيكون الحكم بكونه غير مخلوق على "كلام الله" لا على "القرآن".
قال أبو المعين النسفي (508هـ):
"
…
وهذه الألفاظ تسمى قرآناً، وكلام الله ليُؤدَّى كلام الله تعالى بها، وهي في أنفسها مخلوقة، والكلام الذي هو صفة الله تعالى ليس بمخلوق.
ومشايخنا من أئمة سمرقند - الذين جمعوا بين علم الأصول والفروع -
كانت عبارتهم في هذا أن يقولوا: "القرآن كلام الله وصفته، وكلام الله غير مخلوق، وكذا وصفه "ولا يقولون على الإطلاق:
"إن القرآن ليس بمخلوق".لئلا يسبق إلى وهم السامع أن هذه العبارات المتركبة من الحروف والأصوات ليست بمخلوقة، كما يقوله الحنابلة
…
(4).قلت: فالقرآن عندهم قرآنان قرآن بمعنى الكلام النفسي، وهو غير مخلوق، وقرآن موجود عند الناس وهو الحروف فهو حادث مخلوق (5).
وقال التفتازاني فيلسوف الماتريدية (279هـ) بدون حياء جهاراً دون إسرارٍ في شرح كلام عمر النسفي: "والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق".
"وعقب القرآن بكلام الله تعالى لما ذكر المشايخ (أي الماتريدية) - من أنه يقال: "القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق" ولا يقال: "القرآن غير مخلوق".
(1)((العمدة)) (7/أ-ب/)) لحافظ الدين النسفي، وانظر ((شرح الإحياء)) للزبيدي (2/ 30 - 31، 144، 145) وراجع ((أصول الدين للبزدوي)) (ص 61).
(2)
انظر: ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 59)، و ((شرح الفقه الأبسط)) للسمرقندي (ص 25)، و ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 61)، ((تبصرة الأدلة)) (119/أ-ب) و ((التمهيد)) (7/أ)، كلاهما لأبي المعين النسفي، و ((البداية)) للصابوني (ص 63)، و ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/ 93، 95، 99)، و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 58 - 61)، وجميع شروح هذا الشرح وحواشيه ((كحاشية العصام)) (ص 184)، و ((حاشية الكستلي)) (ص 92، 95)، و ((حاشية قل أحمد)) (ص 107)، و ((شرح قاسم بن قطلوبغا على المسايرة)) لابن همام (ص 87)، و ((إشارات المرام)) (ص 144)، و ((تأنيب الكوثري وترحيبه)) (ص 10، 90، 96، 97، 107، 301، 302).
(3)
((نور الأنوار)) للملا جيون الهندي ((شرح المنار)) النسفي (1/ 2).
(4)
((تبصرة الأدلة)) (119/أ-ب)
(5)
((البداية)) للصابوني (ص 62 - 63)، وانظر:((شرح العقائد النسفية)) (ص 59 - 60).
لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم، كما ذهبت إليه الحنابلة جهلاً وعناداً؛ وأقام - (النسفي) - غير المخلوق "مقام" غير الحاديث "تنبيهاً على اتحادهما
…
" (1).7 - ويقولون بدون حياء ولا حشمة: إنه لا خلاف بينهم وبين المعتزلة في كون القرآن مخلوقاً، وإنهم جميعاً متفقون على القول بخلق القرآن (2).8 - غير أن المعتزلة لا يعترفون بالكلام النفسي (3).
قال التفتازاني (792هـ) فيلسوف الماتريدية، والكوثري مجددهم."وتحقيق الخلاف بيننا وبينهم - (أي المعتزلة) - يرجع إلى إثبات الكلام النفسي، ونفيه، وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف – (ولا بعدم كونها مخلوقة) - وهم لا يقولون بحدوث الكلام النفسي"(4).
وقال متكلم الماتريدية الهندية عبدالعزيز الفريهاري كان حياً (1239هـ) لتحقيق الأخوة بين الماتريدية وبين المعتزلة:
"وإن لم يختلف الفريقان في إثبات النفسي ونفيه فلا نزاع،
فإنا إذا قلنا: "القرآن غير مخلوق" أردنا النفسي.
وإذا قلنا: "القرآن مخلوق" أردنا اللفظي.
فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف.
بل بحدوثه كما قالت المعتزلة.
وهم لا يقولون بحدوث النفسي.
بل ينكرون وجوده، ولو ثبت عندهم لقالوا بقدمه مثل ما قلنا. فصار محل البحث، هو أن النفسي ثابت أم لا؟ " (5).9 - وقالوا بدون حياءٍ جهاراً دون إسرارٍ:"إن الكلام يطلق على الكلام النفسي فمعنى كونه كلام الله أنه صفته، ويطلق على اللفظي الحادث المؤلف من السور والآيات ومعنى إضافته إلى الله: أنه مخلوق لله ليس من تأليفات المخلوقين"(6).
وقال الفريهاري: في توجيه إضافة القرآن إلى الله تعالى ومعنى كونه كلام الله، مفسراً لكلام التفتازاني."أراد - (يعني التفتازاني) - أنه - (أي القرآن) - مخلوقٌ لله تعالى، بلا توسط كاسب من المخلوقين إما بإيجاد الصوت حتى يسمعه الملك أو الرسول، وإما بإيجاد النقوش في اللوح، وإما بخلق إدراك الحروف في قلب الملك أو الرسول وإما بخلق الحروف في لسانه بلا اختياره"(7).
بل صرح أبو المعين النسفي (508هـ) بأن الله تعالى خلق صوتاً وحروفاً فأسمع جبريل كلامه بذلك الصوت والحروف فحفظه جبرائيل ونقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكلام الله قديم لا بحرف ولا صوت (8).
(1)((شرح العقائد النسفية)) (ص 57 - 58)، وجميع شروحه وحواشيه على هذا الضلال والإضلال، انظر كيف يتقولون على أئمة الإسلام ويرمونهم بالعناد.
(2)
انظر: ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/ 93، 95، 99) و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 58)، و ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص 42، 45)، و ((عقيدة الإسلام)) لأبي الخير (ص 374).
(3)
انظر: ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/ 93، 95، 99) و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 58)، و ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص 42، 45)، و ((عقيدة الإسلام)) لأبي الخير (ص 374).
(4)
((شرح العقائد النسفية)) (ص 58)، و ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص 251).
(5)
((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 61)، و ((حاشية الكستلي عليه)) (ص 95)، و ((النبراس)) (ص 223، 231)، و ((انظر أصول الدين لأبي اليسر البزدوي)) (ص 61).
(6)
((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 61)، و ((حاشية الكستلي عليه)) (ص 95)، و ((النبراس)) (ص 223، 231)، وانظر ((أصول الدين لأبي اليسر البزدوي)) (ص 61).
(7)
((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 61)، و ((حاشية الكستلي عليه)) (ص 95)، و ((النبراس)) (ص 223، 231)، و ((انظر أصول الدين لأبي اليسر البزدوي)) (ص 61).
(8)
((بحر الكلام)) (ص29)، ((مقالات الكوثري)) (ص 27)، ((رسالة التوحيد)) (ص 66).
وقال الكوثري مجدد الماتريدية ورافع لواء الجهمية والقبورية:"والواقع أن القرآن في اللوح المحفوظ وفي لسان جبريل عليه السلام وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وألسنة سائر التالين وقلوبهم وألواحهم مخلوق
…
" (1).وهكذا سايرهم الشيخ محمد عبده ماتريدي الأزهر (2).
قلت: هذا شبيه بكلام الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25].وقالوا: إن القرآن الكريم ليس كلام الله على الحقيقة وإنما هو كلام مجازيٌ؛ لأنه دال على كلام الله النفسي، فالكلام الحقيقي هو ذلك النفسي وأما اللفظي هو عبارة عنه (3).
وقال أبو اليسر البزدوي (493هـ).
"كلام الله تعالى قائم به وكذا كلام كل متكلم.
وهذه السور التي لها نهاية وبداية وعدد وأبعاض.
ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة.
بل هو منظوم نظمه الله تعالى وهو دال على كلام الله تعالى.
كمنظوم "امرئ القيس".
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
منظوم امرئ القيس "دال على كلامه، وليس هو كلامه، وكذا خطبة كل خطيب ورسالة كل مرسل منظوم دال على كلامه وليس نفس كلامه كذا هذا" ثم صرح بأن القرآن مخلوق في اللوح أو في ملك وهو كلام الله مجازاً لا حقيقة (4).
10 -
واستدلوا لتحقيق الكلام النفسي ببيت مصنوع موضوع على العرب والعربية - منسوب إلى الأخطل النصراني الكافر المختل العقل المضطرب الكلام.
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلا (5)
وقبله:
لا يعجبنك من أمير خطبة
…
حتى يكون مع الكلام أصيلا (6)
11 -
وإذا قرروا القول بأن كلام الله هو الكلام النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت - قالوا باستحالة سماع كلام الله تعالى.
وصرحوا بأن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله تعالى.
وإنما سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة.
(1)((بحر الكلام)) (ص29)، ((مقالات الكوثري)) (ص 27)، ((رسالة التوحيد)) (ص 66).
(2)
((بحر الكلام)) (ص29)، ((مقالات الكوثري)) (ص 27)، ((رسالة التوحيد)) (ص 66).
(3)
((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي ((تفسير سورة الشورى الآيتين 51 - 52))، مخطوط دار الكتب المصرية، و ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 61، 60)، ((تبصرة الأدلة)) (118/ب)، و ((البداية)) للصابوني (ص 61)، ((العقائد النسفية مع شرحها)) للتفتازاني (ص 53)، ((التلويح على التوضيح)) (1/ 28)، ((حاشية الكستلي على شرح العقائد النسفية)) (ص 87)، ((حاشية قل أحمد على حاشية الخيالي على شرح العقائد)) (ص 107)، ((إشارات المرام)) (ص 177 - 178)، ((عقيدة الإسلام)) لأبي الخير البنغلاديشي (ص 376 - 377).
(4)
((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 60 - 61).
(5)
((تبصرة الأدلة)) (118ب) لأبي المعين النسفي، و ((البداية)) للصابوني (ص 61)، و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (8/أ)، و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 54)، و ((شرح الإحياء)) للزبيدي (2/ 146)، و ((النبراس)) (ص 215).
(6)
((شرح الإحياء)) للزبيدي (2/ 146)، و ((ذكر الباقلاني في تمهيده)) (ص 251)، بلفظ "لا يعجبنك من أثير حظه" وفي ((كتاب الإيمان)) (ص 133)، لشيخ الإسلام:"من أثير خطبة" وفي ((مجموع الفتاوى)) (7/ 139)، ((أثير لفظه)).
وقالوا: إنما سِمّى موسى عليه السلام "كليم الله" لأنه سمع صوتاً دلاً على كلام الله بدون واسطة الملك. وتقدم الكلام على هذا.12 - وبهذا تبين فساد زعم العلامة الآلوسي أن الماتريدي يرى أن موسى عليه السلام سمع كلام الله بحرف وصوت (1) لأن الماتريدي والماتريدية لا يجوزون حرفاً، ولا صوتاً في كلام الله ولا سماعه. ولذا ذكر الإمام ابن أبي العز: أن أبا منصور الماتريدي يرى أن كلامه تعالى يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره (2).
13 -
وإذا قرروا القول بخلق القرآن.
قالوا بخلق أسماء الله الحسنى بطبيعة الحال. وتقدم ذلك أيضاً.
14 -
وإذا قرروا ما سبق.
فطبيعة الحال لا يثبتون لله تعالى صفة "التكليم" ولا صفة "التكلّم" ولا صفة "النداء" ولا صفة "الصوت" بالمعاني المتعارفة الحقيقية المتبادرة إلى الإذهان السليمة بل لابد لهم من أن يحرفوا نصوصها إلى "الكلام النفسي".
15 -
الحاصل: أن موقف الماتريدية من صفة "كلام" الله تعالى مركب من إلحاد على إلحاد وبدعة على بدعة، وتعطيل على تعطيل.
وكانت الجهمية الأولى اكتفوا ببدعة واحدة وهي بدعة القول بخلق القرآن.
16 -
ولكن الماتريدية جمعوا بينها وبين بدعة أخرى وهو القول بالكلام النفسي.
17 -
وارتكبوا مع جمعهم بين هاتين البدعتين الشنيعتين شناعة وفظاعة أخرى وهي تحريف نصوص الكتاب والسنة بل تصريحات سلف هذه الأمة وأئمة السنة إلى بدعة "الكلام النفسي".
18 -
وامتازت الماتريدية عن خلطائهم الأشعرية ببدعة رابعة وهي بدعة القول بعدم جواز سماع كلام الله تعالى.
19 -
ولهم ميزة أخرى لا توجد عند عامة زملائهم الأشعرية وهي أنهم أصرح وأجهر بالقول بخلق القرآن، فقد تقدم أن القرآن عندهم قرآنان:
قرآن بمعنى الكلام النفسي، فهذه صفة لله تعالى غير مخلوقة. وقرآن بمعنى الكلام اللفظي فمعنى كونه كلام الله أنه تصنيف لله ومخلوق له مباشرة بدون واسطة.
ومعنى كون موسى كليم الله أنه سمع صوتاً مخلوقاً بلا واسطة الملك أما بقية الأنبياء فهم سمعوا الأصوات المخلوقة بالواسطة. أما الأشعرية، فربما تعلوهم الحشمة وتأخذهم التقية ويمنعهم الحياء من الجهر بالقول بخلق القرآن فاكتفوا بالقول بخلق القرآن في مقام التعليم ليجعلوا أطفالهم وتلاميذهم أشعرية جهمية (3).
أما الماتريدية فلا يبالون بمقام التعليم ليجعلوا أطفالهم وطلابهم ماتريدية جهمية بلا حشمة ولا تقية ولا حياء.
20 -
فهم أولى بالجهمية الأولى وأبعد من الإمام أبي حنيفة وأصحابه القدامى وغيرهم من أهل السنة في هذا الباب.
كيف لا وغالب أئمة الجهمية كانوا من الحنفية بشهادة الإمام أحمد واعتراف الكوثري، وفيهم أمثال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (212هـ) الكذاب البهات على أبيه وجده وبشر المريسي (228هـ) رافع لواء الجهم بعده، وإمام المريسية.
وابن شجاع البلخي (266هـ) الوضاع الأفاك الذي فعل الأفاعيل وارتكب الأباطيل.
وابن سينا القرمطي (428هـ) وعلى آخرهم الكوثري (1371هـ).
ومن سايره من الكوثرية وبعض الديوبندية.
وبعد أن عرفنا مذهب الماتريدية في "كلام الله" تعالى ننتقل إلى المقامات الآتية لبيان بطلان مذهبهم هذا والله المستعان على ما يصفون.
المقام الثاني:
في إبطال الكلام النفسي:
(1) انظر ((روح المعاني)) (1/ 17).
(2)
((شرح الطحاوية)) (ص 180).
(3)
انظر: ((تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد)) (ص 72).
القول بالكلام النفسي من إحدى حماقات أهل الكلام ومحاولاته كالقول بالأحوال والقول بنفي علو الله تعالى، والقول بأن ما وراء العالم لا خلاء ولا ملاء وغيرها مما صدر عن هؤلاء السفهاء مجانين العقلاء وهي خزعبلات لا تصدر عن عقلاء المجانين فضلاً عن العقلاء ولا يقرها عقل ولا نقل، ولا إجماع، ولا عرف ولا لغة ولا فطرة.
ومن تلك الأباطيل قولهم ببدعة "الكلام النفسي" وهو باطل من وجوه متعددة نذكر منها ما يلي:
الوجه الأول إلى الوجه السابع:
أن "الكلام النفسي" الذي ذكروه ووصفوه شيء لا يقره عقل صريح ولا نقل صحيح، ولا فطرة سليمة، ولا إجماع بني آدم، ولا عرف، ولا لغة مع كونه قولاً متناقضاً في نفسه ومذهباً مضطرباً من أصله وهو أمر لم يتصوره أصحابه فضلاً عن أن يثبتوه فهذه ستة وجوه.
ولم يعرفه أحد من بني آدم: لا عربهم، ولا عجمهم، ولا مسلمهم، ولا كافرهم، ولا علماؤهم، ولا جهالهم، ولا رجالهم، ولا نساؤهم، ولا الأنبياء والمرسلون، ولا الصحابة والتابعون، ولا الفقهاء والمحدثون، بل ولا الفلاسفة اليونانية، ولا المعتزلة، ولا الجهمية؛ فلم يعرفه أحد عبر القرون والأعصار ولا قاله أحد من أهل القرى والأمصار.
وأول من عرف عنه القول بالكلام النفسي هو ابن كلاب (بعد 240هـ).
وأنكر عليه أهل السنة وأهل البدعة جميعاً لكونه قولاً ثالثاً بين قولين، خارقاً لإجماع الفريقين.
ثم دبت هذه البدعة الدهماء الظلماء الشنعاء إلى الماتريدية والأشعرية لأن بني آدم جميعاً قبل هؤلاء وبعدهم كانوا يفهمون أن الكلام هو اللفظ الدال على المعنى وأن يكون بحرف وصوت يسمع، وهذا بمجموعه وجه سابع، فهذه وجوه سبعة.
وفيما يلي بعض نصوص أئمة السنة لتفصيل هذه الوجوه السبعة الدالة على إبطال هذه البدعة:
1 -
قال الحافظ أبو نصر السجزي الوائلي الحنفي (444هـ).
"اعلموا - أرشدنا الله وإياكم - أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب (240هـ)
والقلانسي والأشعري (324هـ) وأقرانهم.
- الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن - (في) - أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق.
وإن اختلفت به اللغات.
وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات.
وقالوا: "الكلام حروف متنسقة وأصوات مقطعة.
وقالت: (يعني علماء العربية) - "الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى
…
، فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً.
فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه، وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل - وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه.
ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعماً منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علماً - وألزمتهم المعتزلة الاتفاق على أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون.
ولابد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض.
وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله تعالى؛ لأن ذات الله تعالى لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض والحركة والسكون، وحكم الصفة الذاتية حكم الذات.
وقالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله تعالى خلق له أحدثه وأضافه إلى نفسه، كما نقول: "خلق الله، وعبدالله، وفعل الله
…
".
فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام، لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل.
فالتزموا ما قالته المعتزلة، وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة: المسلم والكافر.
وقالوا للمعتزلة: "الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام.
وإنما سمي ذلك كلاماً مجازاً لكونه حكايةً أو عبارةً عنه.
وحقيقة الكلام: معنى قائمُ بذات المتكلم.
فمنهم من اقتصر على هذا القدر.
ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه:
"ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة فيه من الكلام".
ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله تجسيم.
وإثبات اللغة فيه تشبيه، وتعلقوا بشبهٍ منها قول الأخطل.
إن البيان من الفؤاد إنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فغيروه وقالوا: "إن الكلام من الفؤاد
…
".
فألجأهم الضيق مما دخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا:
"الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به".
ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام.
وهذه المقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه. ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله - لم يناظر بل يجانب ويقمع" (1).
2 -
وقال هذا الإمام السجزي الوائلي الحنفي أيضاً:
"
…
فإن ارتكبوا العظمى وقالوا: "كلام الله شيء واحد على أصلنا لا يتجزأ، وليس بلغة، والله سبحانه من الأزل إلى الأبد متكلم بكلام واحدٍ لا أول له ولا آخر
…
والتكثر - إنما يرجع إلى العبارة لا إلى المعبر عنه".
قيل له: قد بينا مراراً كثيرة - أن قولكم في هذا الباب فاسد، وأنه مخالف للعقليين، والشرعيين جميعاً (يعني أهل البدعة وأهل السنة)،
وأن نص الكتاب، والثابت من الأثر قد نطقا بفساده.
قال الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [النحل: 40]
فبين الله أنه يقول: للشيء "كن" إذا أراد كونه،
فعلم بذلك أنه لم يقل للقيامة بعد: "كوني"
…
فبين الله جل جلاله: أنه قال لآدم بعد خلقه من تراب: "كن".وأنه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون
…
" (2).
(1)((درء التعارض)) (2/ 83 - 86)، عن رسالة الإمام أبي نصر السجزي المعروفة إلى أهل زبيد في الواجب من القول في القرآن.
(2)
((درء التعارض)) (2/ 87 - 88)، عن كتاب ((الإبانة)) للوائلي الحنفي.
قلت: أما هؤلاء الجهمية الماتريدية المحرفة فلا يؤمنون بهذا الذي صرح الله تعالى به من قوله "كن".فقد صرح كبيرهم أبو منصور الماتريدي قائلاً: "ليس هو قول من الله أن "كن" بالكاف والنون، ولكنه عبارة بأوجز كلام يؤدي المعنى التام المفهوم .. "(1).وهكذا الماتريدية بعد أبي منصور الماتريدي صرحوا بأنه ليس هناك قول "كن" وإنما هو مجاز وتمثيل عن "سرعة التكوين"(2).قلت: هذه المقالة والله - تعطيل بواح وتكذيب صراح لكتاب الله وخالفهم فخر الإسلام وقال: كلمة "كن" تكلّم الله بها حقيقة لا مجازا، فشفى واشتفى" (3).وهذا هو أبو منصور الماتريدي الذي يلقبونه "بإمام الهدى، وعلم الهدى ومصحح عقائد المسلمين، ورئيس أهل السنة، وناصر السنة، وقامع البدعة، ومحيي الشريعة، وقدوة أهل السنة، ورافع أعلام السنة، وقالع أضاليل الفتنة والبدعة، ومهدي هذه الأمة وإمام أهل السنة"، كما تقدم في ترجمته. كما لقبوه "بشيخ الإسلام" (4).وللإمام أبي الحسن الأشعري (324هـ) كلام متقن وحجج عقلية وبراهين سمعية، تقطع دابر هؤلاء المنكرين لقول الله تعالى "كن" (5).
3 -
وقال شيخ الإسلام:
"وفي الجملة: حيث ذكر الله في كتابه عن أحد من الخلق من الأنبياء أو أتباعهم أو مكذبيهم: "أنهم قالوا، ويقولون: وذلك قولهم، وأمثال ذلك -
فإنما يعني به "المعنى مع اللفظ،
فهذا اللفظ وما تصرف منه من فعل ماض ومضارع وأمر ومصدر واسم فاعل، من لفظ القول والكلام ونحوهما.
إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب -
إذا كان لفظاً ومعنىً وكذلك أنواعه، كالتصديق والتكذيب، والأمر والنهي وغير ذلك.
وهذا مما لا يمكن أحداً جحده، فإنه أكثر من أن يحصى.
ولم يكن في مسمى "الكلام" نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم لا من أهل السنة، ولا من أهل البدعة.
بل أول من عرف في الإسلام أنه جعل مسمى الكلام المعنى فقط.
هو عبدالله بن سعيد بن كلاب.
وهو متأخر في زمن محنة أحمد بن حنبل.
وقد أنكر ذلك عليه علماء السنة وعلماء البدعة.
فيمتنع أن يكون الكلام الذي هو أظهر صفات بني آدم.
كما قال الله تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُون [الذاريات: 23]
ولفظه لا تحصى وجوهه كثرةً - ولم يعرفه أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاء من قال فيه قولاً لم يسبقه أحداٌ من المسلمين" (6).
4 -
وقال: "وإذا كان الله إنما أنزل القرآن بلغة العرب. فهي لا تعرف التصديق والتكذيب وغيرها من الأقوال إلا ما كان "معنى ولفظاً"، أو"لفظاً" يدل على معنى
…
" (7).
(1)((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي (1/ 268)، تحقيق إبراهيم عوضين والسيد عوضين، و (1/ 233)، تحقيق جاسم الجبوري، وسكتوا عليه.
(2)
((بحر العلوم)) لأبي الليث السمرقندي (1/ 465)، و ((مدارك التنزيل)) (1/ 83)، و ((إرشاد العقل السليم)) (ص 21)، و ((كشف الأسرار للبخاري)) (1/ 112 - 113).
(3)
((كنز الوصول)) (ص 21) و ((مع شرحه كشف الأسرار)) (1/ 112 - 113).
(4)
((المبدأ المعاد)) (2/ 128)، على هامش المكتوبات "الترجمة العربية" لمن يسمونه مجدد الألف الثاني الإمام الرباني أحمد السرهندي إمام الطريقة المجددية من طرق النقشبندية.
(5)
انظر ((الإبانة)) (ص 65 - 66)، تحقيق فوقية و (ص 52/ 53)، تحقيق الأرناؤوط، طبعة دار البيان، و (ص 86 – 88)، طبعة الجامعة الإسلامية، وراجع أيضاً:((كتاب الاعتقاد))، و ((الأسماء والصفات)) (ص 192)، كلاهما للبيهقي، و ((فتح الباري)) (13/ 454).
(6)
((كتاب الإيمان)) (ص 128)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (7/ 134).
(7)
((كتاب الإيمان)) (ص 126)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (7/ 132).
5 -
وقال شيخ الإسلام أيضاً: بعد ما ذكر هذيانهم في "الكلام النفسي" من "أنه معنى واحد إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن وإن عبر عنه بالعبرية فهو توراة:
"وجمهور الناس من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم أنكروا ذلك، وقالوا: إن فساد هذا معلوم بصريح العقل.
فإن التوراة إذا عربت لم تكن القرآن. ولا معنى "قل هو الله أحد" هو معنى "تبت يدا أبي لهب
…
" (1).
6 -
وقال بعد ما ذكر هذيانهم المذكور من "أن الكلام معنى واحد قائم بنفس الله إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية، كان إنجيلاً، وأن القرآن العربي لم يتكلم الله به، بل وليس هو كلام الله وإنما خلقه في بعض الأجسام":"جمهور الناس من أهل السنة وأهل البدعة يقولون: إن فساد هذا القول معلوم بالاضطرار وإن معاني "القرآن" ليست هي معاني "التوراة" وليست معاني "التوراة" المعربة هي "القرآن" ولا "القرآن" إذا ترجم بالعبرية هو "التوراة" ولا "حقيقة" الأمر هي حقيقة "الخبر
…
" (2).
7 -
وقال في إبطال قولهم: "إن الكلام معنى واحد":
"فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين بل جمهور العقلاء عليهم، وأنكر الناس عليهم أموراً:
أ- إثبات معنى واحدٍ هو الأمر والخبر.
ب- وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به.
ج- وأن الكلام المنزل ليس هو كلام الله.
د- وأن التوراة والإنجيل والقرآن إنما تختلف عبارتها، فإذا عبر عن "التوراة" بالعربية كان هو "القرآن".
هـ- وأن الله لا يقدر أن يتكلم.
وولا يتكلم بمشيئته واختياره.
ز- وتكليمه لمن كلمه من خلقه - كموسى وآدم - ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم فالتكليم هو خلق الإدراك فقط.
ح- ومنهم من يقول: بل كلام الله لا يسمع بحال ....
وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد بالضرورة ....
ط- وكذلك من قال: لا يتكلم إلا بأصوات قديمة أزلية ليست متعاقبة
…
،
فجمهور العقلاء يقولون: إن قول هؤلاء أيضاً معلوم الفساد
…
،ي- من قال: إن الصوت المسموع من القارئ قديم، أو يسمع منه صوت قديم ومحدث فهذا أظهر فساداً من أن يحتاج إلى الكلام عليه
…
" (3).
8 -
وقال شيخ الإسلام أيضاً في صدد إبطاله للكلام النفسي:
"
…
لأن إثبات كلام يقول بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره.
فيقال للمحتج بها - (أي بالحجة العقلية) - لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاماً يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته.
فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئاً لا يعقل؟.
وأيضاً فقولك: لو لم يتصف بالكلام لا تصف بالخرس والسكوت".
إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات.
فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلماً.
فإما أن يكون قادراً على الكلام ولم يتكلم وهو الساكت،
وإما أن لا يكون قادراً عليه وهو الأخرس.
وأما ما يدعونه من "الكلام النفسي".
فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتاً أو أخرس.
فلا يدل - بتقدير ثبوته - على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتاً أو أخرس.
وأيضاً فالكلام القديم "النفساني" الذي أثبتموه.
لم تثبتوه ما هو؟ بل ولا تصورتموه.
وإثبات الشيء فرع تصوره.
فمن لم يتصور ما يثبته - كيف يجوز أن يثبته؟!.
ولهذا كان أبو سعيد بن كلاب - رأس هذه الطائفة وإمامها في هذه المسألة - لا يذكر في بيانها شيئاً يعقل.
بل يقول: هو معنى يناقض السكوت والخرس.
والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام.
(1)((درء التعارض)) (1/ 267. 2/ 110)، ((مجموع الفتاوى)) (6/ 64).
(2)
((درء التعارض)) (2/ 110).
(3)
((درء التعارض)) (2/ 114 - 115)، و (6/ 268)، وفيها بيان حماقاتهم الأخرى.
فالساكت هو الساكت عن الكلام، والأخرس هو العاجز عنه.
أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام.
وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس، فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه ولم يثبتوه.
بل هم في "الكلام" يشبهون النصارى في "الكلمة".
وما قالوه في "الأقاليم" و"التثليث" و"الاتحاد".
فإنهم يقولون: ما لا يتصورونه ولا يبينونه،
والرسل عليهم السلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم.
وأما ما يثبت بالعقل فلابد أن يتصوره العاقل به، وإلا كان قد تكلم بلا علم، فالنصارى تتكلم بلا علم، فكان كلامهم متناقضاً ولم يحصل لهم قول معقول. كذلك من تكلم في كلام الله بلا علم كان كلامه متناقضاً، ولم يحصل له قول يعقل، ولهذا كان مما يشنع به على هؤلاء أنهم احتجوا في أصل دينهم ومعرفة حقيقة الكلام - كلام الله وكلام جميع الخلق - بقول شاعر نصراني يقال له الأخطل
…
" (1).قلتُ: لقد صدق شيخ الإسلام المطلع على أقوال المتكلمين - فقد اعترف الآمدي (631هـ) الذي لقبوه بسيف الدين: بأن الجواب عن الإشكالات الواردة على الكلام النفسي مشكل (2).
وهكذا حال الماتريدية في تناقضهم واضطرابهم وعجزهم عن إقامة حجة صحيحة على "الكلام النفسي".
ويشهد لما ذكرناه ما يلي من الأمور:
الأول: أن الجرجاني (816هـ) قد فر من إثبات الكلام النفسي بالمعنى الذي تريده عامة الماتريدية واختار ما اختاره الإيجي (756هـ) الأشعري الذي أحس أن إثبات الكلام النفسي صعبٌ دونه خرط القتاد فخالفهم في تفسير كلام الأشعري حول الكلام النفسي واعترف بالكلام اللفظي وقال: "هذا الذي فهموه من كلام الشيخ الأشعري باطل إذ له لوازم باطلة كثيرةٌ".
ثم ذكر عدة من تلك اللوازم الباطلة العاطلة منها:
أ- عدم إكفار من أنكر كلاميّة ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين بالضرورة كونه كلام الله حقيقة.
ب- عدم المعارضة والتحدي بكلام الله الحقيقي.
ج- ذم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة.
ثم قال الجرجاني: "إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن فوجب حمل كلام الشيخ الأشعري على المعنى الثاني الشامل للفظ والمعنى".
ثم قال: "هذا الذي ذكرناه وإن كان مخالفاً لما عليه متأخروا أصحابنا إلا أنه بعد التأمل تعرف حقيقته".
ثم قال الجرجاني مقرراً لمقالة الإيجي ومجرجراً:
"وهذا المجمل لكلام الشيخ مما اختاره الشيخ محمد الشهرستاني (548هـ) في كتابه المسمى بـ"نهاية الأقدام"،ولا شبهة في أنه أقرب إلى الأحكام الظاهرية المنسوبة إلى الملة"(3).الثاني: أنه قد نقل عبارة الجرجاني هذه الشيخ عصام الدين الإسفراييني (951هـ) فقد أسفر عن الاضطراب وضعفهم عن إقامة الحجة على إثبات الكلام النفسي واعترف بما اعترف به الجرجاني، فقال: "ولا شبهة في كونه أقرب
…
" (4).
(1)((مجموع الفتاوى)) (6/ 295 - 296)، وانظر ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 426 - 427)، الطبعة الجديدة و (2/ 290 - 292)، الطبعة القديمة.
(2)
كما في ((درء التعارض)) (4/ 119)، و ((مجموع الفتاوى)) (6/ 221)، والآمدي قال ذلك في كتابه المشهور ((أبكار الأفكار)) (1/ 98/أ)، ((مخطوط دار الكتب المصرية برقم 1603، علم الكلام كما في تعليق الدكتور محمد رشاد سالم على درء التعارض)) (1/ 164).
(3)
انظر: ((شرح المواقف)) (8/ 103 - 104)، وقد نقل الجرجاني مقالة الإيجي عن مقالته المفردة ولم أجدها في المواقف وراجع ((نهاية الإقدام)) (ص 312 - 313).
(4)
((حاشية العصام على ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 118 - 189).
الثالث: أن المرعشي (1150هـ) أيضاً صنع مثل ما صنع أسلافه واعترف فذكر كلام الإيجي والتفتازاني بكامله ثم قال مرتعشا:"أقول: الحاصل أن كلامه تعالى هو العبارات المنظومة كما هو مذهب السلف"(1).الرابع: أن عبدالحكيم السيالكوتي (1067هـ) اختار حكمة أخرى في التحير والاضطراب والرد على جماعته، لا أطيل المقام بذكرها من شاء الإطلاع عليها فليراجع كلامه (2).
الخامس: أن الشيخ رمضان البهشتي شارح حاشية الخيالي اختار خيالاً آخر ولوناً من الاعتراف بالعجز حيث قال بِهَشٍّ وبَهْشٍ:"إن ثبوت القرآن النفسي دونه خرط القتاد"(3).وهكذا نرى كثيراً منهم يضطربون في هذا الأمر وهذا دليل عجزهم عن إثبات الكلام النفسي (4).9 - 12 - وللإمام ابن الجوزي (597هـ) ومؤرخ الإسلام ناقد الرجال الذهبي (748هـ) والإمامين: ابن القيم (751هـ) وابن أبي العز الحنفي (792هـ) كلام قيم - فراجعه - في بيان مخالفتهم للعقل والنقل وإجماع أهل السنة، وأهل البدعة في آن واحد (5).
الوجه الثامن:
أننا نسأل الماتريدية أن الله تعالى لما كلم موسى تكليماً: هل فهم موسى جميع كلام الله أم بعضه؟
كما نسأل الأشعرية: هل سمع موسى عليه السلام جميع كلام الله أم بعضه؟.
فإن قلتم: فهم موسى أو سمع جميع كلام الله تعالى، فقد ارتكبتم كفراً بواحاً آخر حيث ادعيتم أن موسى أحاط بجميع كلام الله وعلمه، وقلتم بأن لكلامه انتهاءً ولا تقولون به أبد الآبدين، ولا عوض العائضين.
وإن قلتم: فهم أو سمع بعضه، فقد أبطلتم "الكلام النفسي" حيث قلتم بتجزئة كلام الله تعالى، وأنتم تقولون:"الكلام النفسي" أمر واحد لا يتجزأ وهدمتم بنيانكم بيانكم، وأخربتم بيوتكم بلسانكم.
قال الإمام أبو نصر السجزي الوائلي الحنفي (444هـ) رحمه الله.
"خاطبني بعض الأشعرية يوماً في هذا الفصل وقال: "التجزؤ على القديم غير جائز".
فقلتُ له: أتقر بأن الله اسمع موسى كلامه على الحقيقة بلا ترجمان؟.
فقال: "نعم".
وهم يطلقون ذلك ويموهون على من لم يخبر مذهبهم، وحقيقة سماع كلام الله من ذاته على أصل الأشعري محال.
لأن سماع الخلق على ما جبلوا عليه من البنية، وأجروا عليه من العادة - لا يكون البتة إلا لما هو صوت أو في معنى الصوت.
وإذا لم يكن كذلك كان الواصل إلى معرفته بضرب من العلم والفهم.
وهما يقومان في وقت مقام السماع لحصول العلم بهما كما يحصل بالسماع.
وربما سمى ذلك سماعاً على التجوز لقربه من معناه.
فأما حقيقة السماع لما يخالف الصوت فلا يتأتى للخلق في العرف الجاري.
فقلت لمخاطبي الأشعري: قد علمنا جميعاً أن حقيقة السماع لكلام الله منه على أصلكم محال.
وليس ههنا من تتقيه وتخشى تشنيعه.
وإنما مذهبك: أن الله يفهم من شاء كلامه بلطيفة منه، حتى يصير عالماً متيقناً بأن الذي فهمه "كلام الله".
والذي أريد أن ألزمك وأردٌ على الفهم وروده على السماع.
فَدَعِ التمويه ودع المصانعة.
(1) انظر ((نشر الطوالع)) (ص 256 - 258) وهو حنفي جلد ماتريدي صلب.
(2)
انظر ((حاشية على حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 258 - 259، 265).
(3)
انظر: ((حاشية على حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) (ص 67).
(4)
انظر: ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 55 - 63)، و ((حاشية الكستلي عليه)) (ص 90)، و ((حاشية أحمد الجندي عليه أيضاً)) (ص 120) و ((انظر حاشية العصام عليه أيضا)) (ص 177، 187 - 189).
(5)
انظر: ((المنتظم)) (6/ 332)، ((العلو)) (119 - 120)، و ((مختصره للألباني)) (ص 175)، و ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 277 - 232)، الطبعة القديمة و (ص 417 - 453)، الطبعة الجديدة و ((شرح الطحاوية)) (ص 179 - 203)، و ((نهاية الإقدام)) (ص 313).
ما تقول في موسى عليه السلام حيث كلمه الله؟.
أفهم كلام الله مطلقاً أم مقيداً؟.
فتلكأ قليلاً، ثم قال:"ما تريد بهذا"؟.
فقلتُ: دع إرادتي، وأجب بما عندك، فأبى وقال:"ما تريد بهذا"؟.
فقلتُ: أريد أنك إن قلت: "إنه عليه السلام فهم كلام الله مطلقاً".
اقتضى أن لا يكون لله كلام من الأزل إلى الأبد إلا وقد فهمه موسى - وهذا يؤول إلى الكفر
…
وإذا لم يجز إطلاقه وألجئت إلى أن تقول:
"أفهمه الله ما شاء من كلامه".
دخلت في التبعيض الذي هربت منه، وكَفَّرْتَ من قال به، ويكون مخالفك أسعد منك، لأنه قال بما اقتضاه النص الوارد من قبل الله عز وجل، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أبيت أن تقبل ذلك وادعيت:
"أن الواجب المصيرٌ إلى حكم العقل في هذا الباب".
وقد ردك العقل إلى موافقة النص خاسئاً.
فقال: هذا يحتاج إلى تأمل".وقطع الكلام
…
" (1).
وقال شيخ الإسلام: "
…
فقيل لهم: عندكم هو معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد. فموسى فهم المعنى كله أو بعضه؟.إن قلتم كله فقد علم علم الله كله، وإن قلتم بعضه فقد تبعض وعندكم لا يتبعض!!! " (2).
الوجه التاسع:
أنه يلزم من مقالتكم أن القرآن الكريم إن ترجم إلى العبرية كان توراةً وإن ترجم إلى السريانية كان إنجيلاً وكذا يلزم أن التوراة إن ترجمت إلى العربية كانت قرآناً، وكذا يلزم أن الإنجيل إن ترجم إلى العبرية كان توراة وإن ترجم إلى العربية كان قرآنا، فهل تقولون بهذه اللوازم الباطلة؟.
ولا محيد لكم من التزام هذه الخرافات والخزعبلات التي لزمتكم من قولكم الفاسد الباطل، إلا أن ترجعوا إلى مذهب أهل السنة المحضة وتوافقوا العقل والنقل والإجماع.
الوجه العاشر:
أنه يلزمكم أن يكون خبر الله تعالى عين الإنشاء وبالعكس وأمره عين النهي وبالعكس.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي:
"
…
وهذا الكلام فاسد فإن لازمه أن معنى قوله: وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى [الإسراء: 32]
هو معنى قوله: وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ [البقرة: 43]
ومعنى آية الكرسي هو معنى "آية الدين".
ومعنى "سورة الإخلاص" هو معنى تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: 1] وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف
…
" (3).
الوجه الحادي عشر:
أن الماتريدية صرحوا بأن كلام الله تعالى صفة تنافي الخرس والسكوت والآفة كما تقدم نص كلامهم.
ومعلوم أن الخرس والسكوت والآفة تنافي الكلام اللفظي ولا تنافي الكلام النفسي. أما من وصل في الحماقة إلى حد قال: إن السكوت والخرس قد يكونان نفسيين فينافيان الكلام النفسيَّ - كما هذى بذلك فيلسوفهم التفتازاني (792هـ)(4) فقد كابر بداهة العقل الصريح، وعارض النقل الصحيح، وصار من السوفسطائية العنادية؛ لخروجه على النقليات والعقليات والبداهة في آن واحد معاً.
ويجب عليه أن يتهم نفسه ويترك وساوسه ويداوي عقله وينابذ هواجسه فمثله لا يكون من أولي الألباب بل ينبغي أن يربط بخيشومه في الاصطبل مع الدواب لئلا يتلاعب بكلام رب الأرباب، ولا يحرف نصوص السنة والكتاب، فهل مثل هؤلاء أهل الدراية؟ وبم يتطاولون على أهل الرواية.
الوجه الثاني عشر:
أن القرآن الكريم معجزٌ أعجز البشر عن أن يأتوا بمثله، وأن الله تعالى تحدى به الكفار بل الإنس والجن جميعاً، أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة بمثله أو بحديث مثله.
(1)((درء التعارض)) (2/ 90 - 92)، عن كتاب ((الإبانة)) له.
(2)
((مجموع الفتاوى)) (6/ 226).
(3)
((شرح الطحاوية)) (ص 191 - 192)، وراجع أيضاً ((درء التعارض)) (4/ 119 - 124).
(4)
انظر ((شرح العقائد النسفية)) (ص 55)، و ((مع النبراس)) (ص 141)، ط الجديدة.
فقال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]
وقال سبحانه: قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ [هود:13]
وقال جل وعلا: فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ [البقرة:23]
وقال عز وجل: فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ [يونس:38]
وقال عز من قائل: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34]
فالقرآن معجز ومتحدّىً به.
ومعلوم أن "الكلام النفسي" لا يتصور معارضته ولا يتحدى به؛ فلو لم يكن هذا القرآن العربي كلام الله تعالى على الحقيقة لما كان مُعجزاً أعجز الجن والإنس، ولم يكن متحدى به تحدى الله به الخلق؛ وهذا واضح لمن عرف قيمة كتاب الله وقدر كلام الله سبحانه وتعالى. وللإمام ابن أبي العز الحنفي (792هـ) كلام قيم فارجع إليه (1).
الوجه الثالث عشر: أن المجاز يجوز نفيه، فإذا قلنا لرجلٍ شجاعٍ: هو أسدٌ، يجوز لنا أن نقول: هو ليس بأسدٍ حتى باعتراف الماتريدية (2).
فلو لم يكن هذا القرآن العربُّي كلام الله تعالى على الحقيقة.
لجاز لنا أن نقول: إنه ليس كلام الله.
وما أظن أن أحداً ينتسب إلى الإسلام يتجرأ على هذا الكفر البواح والارتداد الصراح، لا الماتريديةَ، ولا أحداً غيرهم من الجهمية.
الوجه الرابع عشر:
أن الكلام النفسي شيء معدوم محض لا وجود له ولا عبرة له فلا تتعلق به الأحكام؛ لأنه من قبيل حديث النفس وخواطرها ووساوس القلب وهواجس الصدور. فلا يُحل حراماً ولا يُحرّم حلالاً ولا يَدْخلُ به المرءُ في الإسلام ولا يخرج به عنه إلى الكفر ولا يقع به الطلاق ولا العتاق ولا تفسد به الصلاة بالاتفاق (3).
فهل تريد الماتريدية أن يجعلوا كلام الله تعالى معدوماً؟.
الوجه الخامس عشر:
أن ما يسمونه "الكلام النفسي" إن قد تصوره وتعقله - فهو ليس إلا قدرةً بالكلام، أو العلمَ به لا عين الكلام، لأنهما غيرُ الكلام، فهما صفتان
فيكون "كلام" الله عندكم قدرةً عليه، أو يكون "كلاماً" بالقوة، لا "كلاماً" بالفعل!. أو يكون "الكلام" عندكم "علماً"؛
فنسألكم: هل الله عندكم متكلم بالفعل أم بالقوة؟
فإن قلتم: هو متكلم بالفعل - فقد أبطلتم "الكلام النفسي" وهدمتم بنيانكم على أمهات رؤوسكم وأخربتموه بأيديكم؛ حيث بنيتموه على شفا جرف هار، فانهار عليكم بنيانكم المنهار،
وإن قلتم: هو متكلم بالقوة - فقد أبطلتم صفة "كلام" الله، ونفيتموها وحرفتموها إلى "العلم" أو "القدرة" وهذا عين التعطيل والتحريف.
وهذه حقيقة قد أسفر عنها عصامكم الإسفرايني (951هـ) حيث قال معترفاً مسفراً عن أسراركم، غير عاصم لأدباركم:
(1)((شرح الطحاوية)) (ص 200)، وراجع أيضاً ((الرد على الجهمية)) للدارمي (ص 99).
(2)
انظر: ((شرح العقائد النسفية)) (ص 61)، و ((النبراس)) (ص 230)، و ((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص 188).
(3)
((الإيمان)) (ص 131 - 132)، ((مجموع الفتاوى)) (7/ 137 - 138)، ((شرح الطحاوية)) (ص 199).
"إن صفة الكلام إما راجعة إلى صفة العلم بهذه المعاني كما قيل؛ أو إلى صفة قدرة التفسير عنها وإظهارها كما يمكن أن يقال".ثم قال مختاراً محتاراً: "إن صفة الكلام لا تنكشف بهذا البيان فينبغي أن يحال علمه إلى الله ويُعْتَرفَ بأن له كلاماً
…
(1) بل صرح جرجانيكم (816هـ) مجرجراً بأن الكلام النفسي هو العزم والتخيل (2) ولا شك أن القدرة على الكلام أو العلم به أو العزم عليه أو تخيله غير الكلام بلا ريب وكل هذا لا يسمى كلاماً حتى باعتراف من اعترف منكم.
إذن ليس هذا إلا تضليلاً وتعطيلاً لهذه الصفة، وتخريفاً وتحريفاً لنصوصها، فهذا التحريف كتحريفكم لصفة "اليد" إلى "القدرة".
وقد تقدم شهادة إمامكم الأعظم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى (150هـ) مع شهادات ثمانيةٍ آخرين من كبراء أئمتكم أمثال البزدوي (482هـ) والسرخسي (490هـ) والنسفي (710هـ) والبخاري (730هـ) والمغنيساوي (كان حيا 939هـ) والقاري (1014هـ) وشيخ زاده (1078هـ) والبياضي (1098هـ) على أن تأويل صفة "اليد" بصفة "القدرة". إبطال لصفة "اليد" وهو مذهب أهل القدر والاعتزال.
فهل تتعظون بنصوص أئمتكم؟ أم تصرون على مخالفة أئمتكم؟ مع مخالفة العقل والنقل، واللغة والعرف والإجماع في آن واحدْ!!
الوجه السادس عشر:
أن القول بالكلام النفسي قولكم بأفواهكم، ولا نظن بكم أن قلوبكم تشهد له، لأنه خلاف المعقول الصريح والمنقول الصحيح والفطرة والإجماع واللغة والعرف جميعاً في آن واحد كما تقدم.
بل هو قول به تضاهئون قول الذين كفروا من قبل، وهم النصارى.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي (792هـ):
"وهنا معنى عجيبٌ، وهو: أن هذا القول له شبهٌ قوىٌ بقول النصارى القائلين، باللاهوت والناسوت.
فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق؛
فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام. فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه! " (3).قلتُ: هكذا طريقة الجهمية الأولى وأهل الحلول المطلق والمقيد، والاتحاد (4). ولسان حال هؤلاء الطوائف المتشابهة ينشد ما يلي:
رق الزجاج وراقت الخمر
…
وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح
…
وكأنما قدح ولا خمر
فتشابها بما كلتاهما نجلاء
…
بل أقول: لو سمحت لي الماتريدية لأبوح لهم: إن قولكم: "إن موسى لم يسمع كلام الله على الحقيقة بل سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة، هو عين كلام النصارى ولعلكم أخذتموه من النصارى إما بواسطة بشر المريسي الحنفي الجهمي إمام المرجئة المريسية (228هـ) أو غيره. قال شيخ الإسلام: "كان المريسي قد صنف كتاباً في نفي الصفات وجعل يقرؤه بمكة في أواخر حياة ابن عيينة، فشاع بين علماء أهل مكة ذلك، وقالوا:"صنف كتاباً في التعطيل". فسعوا في عقوبته وحبسه وذلك قبل أن يتصل بالمأمون ويجري من المحنة ما جرى، وقول ابن عيينة" ما أشبه هذا الكلام بكلام النصارى"(5).-
(1) انظر ((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص 177)، و ((البدور)) (ص 108).
(2)
انظر: ((شرح المواقف)) (8/ 97)، وانظر ((البدور البازغة)) (ص 108).
(3)
((شرح الطحاوية)) (ص 198 - 199)، وراجع ((مجموع الفتاوى)) (6/ 296)، وانظر أيضاً كلاماً قيماً للإمام الأشعري في ((الإبانة)) (ص 68)، تحقيق فوقية، و (ص 55)، تحقيق الأرناؤوط، طبعة دار البيان، و (ص 89) طبعة الجامعة الإسلامية.
(4)
راجع ((درء التعارض)) (5/ 169 - 171)، ففيه شرح واف كاف للحلول المطلق والمقيد، وبيان وجه الشبه بينهم وبين النصارى.
(5)
كلام ابن عيينة هذا رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (7/ 296).
هو كما قال: كما قد بسط في غير هذا الموضع؛
فإن عيسى مخلوق وهم يجعلونه نفس الكلمة ولا يجعلونه المخلوق بالكلمة. وأيضاً فأئمة النصارى كـ (نشتكين) أحد فضلائهم الأكابر يقولون: "إن الله ظهر في سورة البشر مترائياً لنا كما ظهر كلامه لموسى في الشجرة، فالصوت المسموع هو كلام الله وإن كان خلقه في غيره وهذا المرئي هو الله وإن كان قد حل في غيره
…
" (1).
الوجه السابع عشر إلى الوجه الخامس والعشرين:
أن من الحقائق الواقعية: أنه لم يكن نزاع بين المسلمين في كون القرآن الكريم كلام الله تعالى وأنه غير مخلوق.
حتى جاء دور الجهمية ووقعت الفتنة الكبرى، والقاصمة العظمى فصار الناس فريقين ولا ثالث للفرقدين.
وهذا أمرٌ لم يختلف فيه اثنان، ولم يتناطح فيه كبشان.
وإليك بيان ما عليه الفريقان؛ إن كان لك أذنان:
الفريق الأول: أتباع الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين سلف هذه الأمة وهم أهل السنة والجماعة أصحاب الحديث والفقه وأئمة السنة.
فكانوا يقولون: القرآن غير مخلوق.
الفريق الثاني: هم الجهمية أتباع اليهود والمجوس والصابئين.
فكانوا يقولون: القرآن غير مخلوق.
ولا يرتاب أحد أن هؤلاء الفريقين من أهل السنة وأهل البدعة جميعاً يقصدون هذا القرآن العربي المؤلف من السور والآيات التي كان هؤلاء الفريقان يتلونها آناء الليل وأطراف النهار، فكان النزاع في هذا القرآن الموجود بين أظهر المسلمين الذين يقرؤونه بكرة وأصيلاً سجداً وقياماً راكعين ساجدين ليس إلا.
ولم يقل أحد منهم أن "الكلام النفسي" مخلوق أو غير مخلوق، ولا أحد تصور ذلك فضلاً أن يقوله ويجعله مقالة يدعو إليها.
لأن بدعة "الكلام النفسي" قد ابتدعها ابن كلاب وتوفي بعد (240هـ) كما تقدم تحقيقه في كلام شيخ الإسلام وغيره من أئمة السنة. واعترف بذلك التاج السبكي عبد الوهاب (771هـ) الأشعري وقبله إمامه الشهرستاني (548هـ) اعترافاً واضحاً قاطعاً للنزاع (2).كما اعترف به الزبيدي الحنفي الماتريدي (1205هـ)(3).بل اعترف بذلك رافع لواء الجهمية ومجدد الماتريدية الكوثري الجركسي أيضاً (4).
بل اعترف بهذه الحقيقة قبل الكوثري والزبيدي كبار أئمة الماتريدية منهم فيلسوفهم التفتازاني (792هـ) وغيره من أساطين الماتريدية.
فاستمع أيها المسلم طالب الحقيقة إلى كلامهم:-
قال التفتازاني: "وتحقيق الخلاف بيننا وبينهم - (أي المعتزلة) - يرجع إلى إثبات "الكلام النفسي" ونفيه. وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف - (أي بعدم كونها مخلوقة) - وهم - (أي المعتزلة) - لا يقولون بحدوث الكلام النفسي - أي بكونه مخلوقاً"(5).
وقال متكلم الماتريدية الهندية الفريهاري (كان حياً 1239هـ (:
"فلا نزاع - أي بين الماتريدية وبين المعتزلة - فإنا إذا قلنا: القرآن غير مخلوق أردنا النفسي".
وإذا قالوا: القرآن مخلوق أرادوا "اللفظي".
فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف بل بحدوثه كما قالت المعتزلة، وهم لا يقولون بحدوث النفسي بل ينكرون وجوده. ولو ثبت عندهم لقالوا بقدمه مثل ما قلنا
…
" (6).
(1)((شرح العقيدة الأصبهانية)) (ص 65).
(2)
نظر: ((طبقات الشافعية له)) (ص 300) وراجع ((نهاية الإقدام)) (ص 313).
(3)
انظر ((شرح الإحياء له)) (2/ 6).
(4)
انظر ((مقدمة تبين كذب المفتري)) (ص 15).
(5)
((شرح العقائد النسفية)) (ص 58)، و ((حاشية أحمد الجندي على شرح العقائد النسفية)) (ص 121 - 122)، و ((حاشية الكستلي على شرح العقائد النسفية)) (ص 92)، و ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص 251).
(6)
((النبراس)) (ص 223)، ط القديمة، و (ص 145)، ط الجديدة.
وهكذا اعترف الشهرستاني (548هـ) الأشعري بأن قول السلف والحنابلة بالاتفاق: إن ما بين الدفتين كلام الله وإن ما نقرأه ونسمعه ونكتبه عين كلام الله على الحروف وأنه غير مخلوق.
وكانت مقالة المعتزلة على خلاف مقالة السلف. ثم جاء الأشعري بأبدع مقالة ثالثة وخرق الإجماع وحكم بأن ما نقرأه، كلام الله مجازاً (1).ولصدق المرعشي الحنفي الماتريدي (1150هـ) بأن مذهب السلف أن كلامه تعالى هو العبارات المنظومة (2).
وإذا اعترفت الماتريدية وخلطاؤهم الأشعرية بهذه الحقيقة من أن خلاف أهل السنة جميعاً وأهل البدعة كان في هذا القرآن العربي المؤلف من السور والآيات - تبين بإتقان وإيقان - لا يرتاب فيه اثنان.
ما يلي من الحقائق المبنّية على اعترافهم السابق:
الأولى: أن الماتريدية والأشعرية خرقوا بكلامهم النفسي إجماع أهل الحق وأهل الباطل جميعاً.
الثانية: أنهم أحدثوا مذهباً ثالثاً بعد مذهبين.
الثالثة: أنهم قائلون بخلق القرآن كسلفهم الجهمية دون أي فرق.
الرابعة: أنهم جمعوا بين بدعة الجهمية من القول بخلق القرآن وبين بدعة القول بالكلام النفسي.
الخامسة: أن الجهمية الأولى ابتدعوا بدعة واحدة وهي بدعة القول بخلق القرآن لكن هؤلاء زادوا بدعة أخرى وهي بدعة الكلام النفسي.
السادسة: أنهم أهل البدعة جهمية، أتباع الجهمية الأولى لِجَهْرِهم دون حياءٍ بالقول بخلق القرآن.
فأنَّى لهم أن يكونوا من أهل السنة؟ وقد ارتكبوا بدعة الجهمية من القول بخلق القرآن وزادوا بدعة الكلام النفسي، مع بدعهم الأخرى الكثيرة.
السابعة، والثامنة: أن هؤلاء معطلة لصفة "كلام" الله تعالى، ومحرفة لنصوصها بدليل ما يأتي:
التاسعة: أن حمل نصوص الكتاب والسنة وتصريحات سلف الأمة وأئمة السنة على "الكلام النفسي" تحريفٌ وتحريفٌ وضلال وإضلالٌ.
كما أن حملها على "الكلام" الذي تقصده الماتريدية إفساد وإبطال.
لأن هذه اصطلاحات مبتدعة محدثة بعد لغة القرآن والسنة وسلف الأمة؛
فيكون حمل نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وتصريحات أئمة السنة-
مع تلك الكثرة الكاثرة التي تزيد على آلاف الآلاف - على تلك المصطلحات الكلامية المبتدعة تحريفاً محضاً بحتاً، فقد صرح مجددهم الكوثري (1371هـ) بأن حمل النصوص من الآيات والآثار على المصطلحات التي وجدت بعد عهد التنزيل بدهور-
بُعْدٌ عن تخاطب العرب وتفاهم السلف، واللسان العربي،
ومن زعم ذلك زاغ عن منهج الكتاب والسنة وتنكب سبيل السلف الصالح.
قلت: لقد أنطق الله هذا الكوثري ببعض الحق فاعترف كما ترى ولكن هذا الاعتراف ليس في صالحه ولا في صالح أمته الماتريدية بل وبال عليهم جميعاً فالكوثري والماتريدية جميعاً قد خالفوا اعترافهم وحملوا نصوص الكتاب والسنة وآثار سلف هذه الأمة وأقوال أئمة السنة على اصطلاحاتهم المبتدعة بعد عهد التنزيل بدهور.
فقد حملوا نصوص أمثال الأئمة: أبي حنيفة وأبي يوسف وابن المبارك على الكلام النفسي كما سبق وما سيأتي إن شاء الله.
فهم - باعترافهم- قد نابذوا تخاطب العرب وعاكسوا تفاهم السلف وحرفوا اللسان العربي، وزاغوا عن منهج السلف وتنكبوا سبيل السلف الصالح.
حيث حملوا نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف على "الكلام" النفسي" الذي لم يخطر بخواطرهم، فكيف تحمل نصوصهم عليه؟.
وفيما يلي بعض النماذج:-
أ- استدل الإمام أبو منصور الماتريدي (333هـ).
لإثبات صفة "الكلام" لله تعالى بقوله سبحانه وتعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [البقرة: 118]
(1)((نهاية الإقدام)) (ص 313).
(2)
انظر ((نشر الطوالع)) (ص 258).
وقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]
ثم قال الماتريدي بعد ما ذكر الحجج السمعية:-
"وأما العقل: إن كل عالم قادرٍ لا يتكلم فعن آفة يكون من عجز أو منع، والله عنه متعال، ثبت أنه متكلم.
على أن الذي لا يتكلم في الشاهد، إنما لا يتكلم - بالمعنى الذي لا يسمع ولا يبصر - من الآفة والله منزه عن المعنى الذي يقتضي الصمم والعمى، وكذلك البكم. وهو أولى (به) إذ هو أجل ما يحمد به في الشاهد، وبه ينفصل البشر عن سائر الحيوان مع ما كان كل محتمل الكلام فعن عجز لا يتكلم أو عن السكوت" (1).
قلت: يا ترى هذه الحجج السمعية والنقلية التي ذكرها الإمام الماتريدي هل تُثْبِتُ "الكلام النفسي" أم تجعله نسفاً هباء منثوراً كأمس الدابر؟؟.
وهل كان هؤلاء الكفار يطالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكلمهم الله كلاماً لفظياً يسمعونه أم كلاماً نفسياً لا يسمعونه؟؟.
وهل الآفة والخرس والسكوت تنافي الكلام اللفظي أم النفسي و.
سبحان قاسم العقول!!!؟ ب- وهكذا بقية الماتريدية بعد الماتريدي يحتجون بحجج سمعية من الكتاب والسنة وأقوال السلف وإجماعهم لإثبات الكلام النفسي (2).
مع أن حججهم جميعاً حججٌ عليهم وترتد في نحورهم؛ لأنها تدل على الكلام اللفظي المضاد للكلام النفسي فدلت هذه الحجج على ضد مطلوبهم فحملهم على "الكلام النفسي" تحريف محض وتخريف بحت.
ج-د- قال الإمام أبو يوسف القاضي (182هـ) أحد أئمة الحنفية الثلاثة: "ناظرت أبا حنيفة ستة أشهر فاتفق رأينا على أن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر".قال الإمام فخر الإسلام البزدوي (482هـ): "وقد صح عن أبي يوسف أنه قال:
…
"، فذكره. ثم قال: "وصح هذا القول عن محمد" (3).
هـ-ح- وقال الطحاوي عن الأئمة الثلاثة: (إن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا
…
بالحقيقة) (الطحاوية بشرحها 179).
قلتُ: هل كان أبو حنيفة وأبو يوسف يتناظران في خلق الكلام النفسي أم في خلق هذا القرآن؟ العربي المؤلف من السور والآيات؟. النفسي أم في خلق هذا القرآن؟ العربي المؤلف من السور والآيات؟.
حتى أستقر رأيهما على أن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر.
وأقول: أليس نصهم "قولاً بالحقيقة" محكماً في القرآن العربي؟
فهل كانوا يريدون: أن من قال: الكلام النفسي مخلوق فهو كافر؟!.
أم يقصدون: أن من قال: هذا القرآن العربي المؤلف مخلوق فهو كافر؟.
(1)((كتاب التوحيد)) (ص 57 - 58)، مع غموض في العبارة.
(2)
انظر ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 58 - 59)، و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 54)، و ((إرشاد العقل السليم)) (2/ 256).
(3)
((كنز الوصول المعروف بأصول البزدوي)) (ص 3 - 4)، و ((مع شرحه كشف الأسرار)) للعلاء البخاري (1/ 9)، وتوجد روايات أخرى في تبرئة هؤلاء الأئمة من القول بخلق القرآن. راجع ((شرح أصول الاعتقاد للالكائي)) (2/ 269 - 271).
فالآن نتحاكم إلى حكم الإنصاف والعقل الصحيح الصريح ليحكما بيننا ليعلم من الأفاك البهات المحرف والمخرف لكلام الأئمة! مع العلم أن فكرة "الكلام النفسي" لم تكن موجودة ولم تخطر بالبال في ذلك الوقت. لكن لما جاء دور الكوثري حمل هذه المناظرة على الكلام النفسي (1).فكابر العقل الصريح والنقل الصحيح وارتكب الحمق الجلي وقلب الحقائق ولذلك وقف له شيخنا المحدث الألباني بالمرصاد فكشف الأستار عن أسراره (2).
ط- قال الإمام ابن المبارك إمام المحدثين والفقهاء (181هـ).الذي جعلته الكوثرية حنفياً (3).
من قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]
مخلوق فهو كافر".ي- ذُكِرَ للإمام يحيى بن سعيد القطان (198هـ) سيد الحفاظ الذي تجعله الكوثرية حنفياً (4)، أن قوماً يقولون: القرآن مخلوق.
فقال: "كيف يصنعون بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]
كيف يصنعون بقوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا "يكون مخلوقاً"؟.
المصدر:
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني 3/ 73
إبطال زعم الماتريدية أن كلام الله ليس بحرف ولا صوت
ولا مسموع
تقدم أن بَيَّنا في عرض مذهب الماتريدية في (كلام الله) تعالى: أنهم عطلوا كلامه تعالى، وحرفوا نصوصه إلى "الكلام النفسي" وقالوا:
إن كلام الله تعالى، نفسي لا بحرف ولا صوت،
فلا يمكن سماع كلام الله تعالى، وأن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله وإنما سمع صوتاً مخلوقاً وحروفاً مخلوقة في الشجرة.
وإن هذا القرآن العربي ليس كلام الله تعالى، على الحقيقة وإنما هو دال على كلام الله النفسي وعبارة عنه.
وإنه مخلوق.
ولأهل السنة وأئمتها أنواع من النقض عليهم أذكر منها ما يلي:
النقض الأول:
لقد سبق أن ذكرنا وجوهاً متعددة عقلية وسمعية ولغوية وإجماعية مشتملة على براهين ساطعة وحجج ناصعة.
على إبطال "الكلام النفسي" وأنه لا يسمى كلاماً عند الإطلاق؛ فبإبطال "الكلام النفسي" ثبت الكلام اللفظي؛ لأنه لا قائل بالفصل، فثبت أن كلامه سبحانه وتعالى، بحرف وصوت يُسْمِعهُ من شاء من خلقه وأن صوته تعالى لا يشبه أصوات خلقه كما أن كلامه لا يشبه كلامهم (5).
فإذا تكلم العباد بالقرآن لا يكون القرآن لأجل ذلك مخلوقاً. بل أصواتهم مخلوقة والقرآن المقروء المتلو كلام الله غير مخلوق (6).فالعباد بأفعالهم مخلوقين والله بصفاته وأفعاله غير مخلوق (7).
(1) انظر ((تعليقاته على الأسماء والصفات)) (ص 251)، وتأنيب الكوثري (ص 97، 107)، ((لفت اللحظ)) (ص 48)، و ((الإمتاع)) (ص 58).
(2)
((مختصر العلو)) (ص 156 - 157)، و ((أشار الحافظ على بطلان زعمهم في الفتح)) (13/ 455).
(3)
انظر ((فقه أهل العراق)) (ص 61)، و ((تقدمة نصب الراية)) (ص 41).
(4)
انظر ((فقه أهل العراق)) (ص 62) و ((تقدمة نصب الراية)) (ص 41).
(5)
انظر ((خلق أفعال العباد)) (ص 149)، و ((درء التعارض)) (2/ 38، 40)، و ((مجموع الفتاوى)) (12/ 304 - 305، 365، 584 - 586، 6/ 527 - 528).
(6)
انظر ((درء التعارض)) (2/ 40)، و ((مجموع الفتاوى)) (12/ 365).
(7)
انظر ((درء التعارض)) (2/ 40)، و ((مجموع الفتاوى)) (12/ 365).
فإذا قرأ القارئ القرآن - فصوته مخلوق والمقروء غير مخلوق. فالصوت المسموع من العبد صوت القارئ والكلام الذي يقرؤه القارئ كلام الباري (1).فتكلم العباد بكلام رب العباد،، لا يجعل كلام رب العباد ككلام العباد (2)،،؛لأن كل كلام ينسب إلى الله قائله الأول، إن كان نثراً فإلى ناثره، أو شعراً فإلى شاعره (3).أما القائل الثاني فهو مُبَلِّغٌ ومؤدٍ كلام القائل الأول وناقلًَ له (4).وهذه حقيقة اعترف بها الماتريدية أيضاً (5).فالقرآن نفسه في الكتاب المكنون، وهو نفسه في المصاحف، وهو نفس ما نقرؤه بألسنتنا (6). فلا يخرج القرآن بهذه الاعتبارات عن أن يكون كلام الله على الحقيقة وعن أنه غير مخلوق. وليس هذا كذكر الأعيان باللسان كما زعمته الماتريدية (7)، فإن الفرق بين ذكر الأعيان باللسان وبين التكلم بالقرآن شاسع والبون واسعٌ (8) لأن من تلفظ بكلمة "النار" لا يحترق لسانه؛ لأنه لم يتناول "جمرة النار" بمجرد ذكره النار، بخلاف من تلفظ بكلام الله تعالى، فإنه قد أدّى كلام الله على الحقيقة.
(1)((مجموع الفتاوى)) (12/ 584 - 585)، و ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (3/ 388).
(2)
((الواسطية مع شرحها)) للدكتور هراس (ص 126 - 127)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (3/ 144، 12/ 288 - 289)، وانظر:((العلو)) للذهبي (ص 140 - 142)، و ((مختصر العلو)) (ص 209 - 211).
(3)
((الواسطية مع شرحها)) للدكتور هراس (ص 126 - 127)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (3/ 144، 12/ 288 - 289)، وانظر:((العلو)) للذهبي (ص 140 - 142)، و ((مختصر العلو)) (ص 209 - 211).
(4)
((الواسطية مع شرحها)) للدكتور هراس (ص 126 - 127)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (3/ 144، 12/ 288 - 289)، وانظر:((العلو)) للذهبي (ص 140 - 142)، و ((مختصر العلو)) (ص 209 - 211).
(5)
انظر: ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 58)، ((المسايرة مع المسامرة)) (ص 376 - 377).
(6)
انظر: ((تحقيق هذا المطلب في مجموع الفتاوى)) (12/ 382 - 391، 564 - 566)، وانظر أيضاً كلام ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (ص 202)، وفي طبعة (ص 136) ونقل عنه شيخ الإسلام:((في مجموع الفتاوى)) (12/ 388)، كلاما مهما في نقل الإجماع على أن القرآن في المصحف حقيقة لا مجاز.
(7)
انظر: ((تحقيق هذا المطلب في مجموع الفتاوى)) (12/ 382 - 391، 564 - 566)، وانظر أيضاً كلام ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (ص 202)، وفي طبعة (ص 136) ونقل عنه شيخ الإسلام:((في مجموع الفتاوى)) (12/ 388)، كلاما مهما في نقل الإجماع على أن القرآن في المصحف حقيقة لا مجاز.
(8)
انظر: ((تحقيق هذا المطلب في مجموع الفتاوى)) (12/ 382 - 391، 564 - 566)، وانظر أيضاً كلام ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) (ص 202)، وفي طبعة (ص 136) ونقل عنه شيخ الإسلام:((في مجموع الفتاوى)) (12/ 388)، كلاما مهما في نقل الإجماع على أن القرآن في المصحف حقيقة لا مجاز.
وليس هذا قول بحلول النصارى أيضاً كما زعم ذلك دهما المتكلمين. ومنهم الماتريدية حيث زعموا: أن هذا حلول وزعموا أن تلاوة القرآن كذكر "الله" تعالى، وذكره "النار" باللسان (1).قُلْتُ: ومن هنا عرفنا أن الماتريدية - الذين يجاهرون بأن القرآن على ألسنة الناس بل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على لسان جبريل وفي اللوح المحفوظ مخلوق (2) - جهميةٌ محضة والله المستعان على ما يصفون.
النقض الثاني:
بنصوص "صوت" الله تعالى.
لقد وردت نصوص صريحة في إثبات "الصوت" لله تعالى؛ فكما أن كلامه تعالى لا يشبه كلام خلقه، كذلك صوته تعالى لا يشبه أصوات خلقه سبحانه، تدل عليه نصوص كثيرة.
النقض الثالث:
بنصوص مناداة الله تعالى وندائه.
لقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة على أن الله تعالى نادى وينادي.
قال تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ
…
[الأعراف:22]
وقال سبحانه وتعالى: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104 - 105]
وقال جل وعلا: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: 16]
وقال عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص:47]
قال شيخ الإسلام: بعدما استدل بنصوص "النداء" على إثبات "صوت" الله تعالى:
"النداء في لغة العرب هو صوت رفيع لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازاً
…
".ثم ذكر سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى (3).قلتُ: ولقد صدق شيخ الإسلام فقد صرح أهل اللغة بأن "النداء" صوت بل رفيع بل أرفع (4).
قال شيخ الإسلام: بعد ما ذكر نصوص "النداء"
"واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السنة، أنه سبحانه وتعالى ينادي بصوت، نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت.
ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو حرف.
كما لم يقل أحد منهم أن الصوت الذي سمعه موسى قديم، ولا أن ذلك النداء قديم، ولا قال أحد منهم: إن هذه الأصوات المسموعة من القراء هي الصوت الذي تكلم الله به، بل الآثار مستفيضة عنهم بالفرق بين الصوت الذي يتكلم الله به وبين أصوات العباد، وكان أئمة السنة يعدون من أنكر تكلمه بصوت - من الجهمية".ثم نقل ذلك عن الإمام أحمد والبخاري (5).
قلتُ: بناء على العقيدة السلفية التي نقلت من السلف في صوت الله تعالى عرفنا أن الماتريدية من الجهمية وليسوا من أهل السنة المحضة.
النقض الرابع:
بنصوص تكلم الله تعالى بالوحي ولاسيما القرآن.
النقض الخامس:
بنصوص تكليم الله تعالى ملائكته ورسله وغيرهم من عباده.
وهذا النوع من النصوص حجج قاطعة وبراهين ساطعة على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت مسموع.
(1) انظر: ((التمهيد)) لأبي المعين النسفي (7/أ) و ((العمدة)) لحافظ الدين النسفي (7/ب) و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 59) و ((النبراس)) (ص 226)، و ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص 255)، ولكن كلام شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (12/ 383 - 391، 564 - 566)، يقطع دابر مزاعمهم وأصل مذاهبهم.
(2)
راجع ((مقالات الكوثري)) (ص 27).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (6/ 530 - 531).
(4)
راجع ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (3/ 245)، و ((الصحاح)) (6/ 2505)، ((مفردات الراغب)) (ص 486)، ((لسان العرب)) (15/ 315)، و ((القاموس)) (ص 1724)، و ((تاج العروس)) (ص 363).
(5)
((مجموع الفتاوى)) (12/ 304 - 305)، و (6/ 527 - 528).
وهذا النوع من النصوص كثيرة أكتفي منها بما هو أصرح وأدمغ لأدمغة المعطلة الزائغة أصحاب العقيدة الزائفة:
1 -
قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [البقرة:118]
فهذه الآية حجة قاطعة على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت يسمع، لأنهم لم يطلبوا "الكلام النفسي" وإلا كيف يمكن للكفار هذه المطالبة؟ مع العلم بأن "الكلام النفسي" لا يسمع.
فهذا دليل دامغ لكل زائغ على أن هذا أمر ممكن كإتيان آية.
لأن الله تعالى لم ينكر عليهم بأنهم طلبوا أمراً محالاً.
بل أنَّبَهُمْ بعدم اكتفائهم سماع كلام الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرادوا أن يسمعوه من الله تعالى مباشرة تعنتاً وعناداً.
وهذه حقيقة اعترف بها الإمام أبو منصور الماتريدي حيث يقول:"
…
ولا أنكر على الذين قالوا: "لولا يكلمنا الله" إلا بوصف التكبر والجهل بمنزلة أنفسهم" (1).
فيكون هذا الاعتراف واضح من هذا الإمام الماتريدي فاضحاً للماتريدية وقاطعاً لدابرهم ومطالبة الكفار هذه بمنزلة مطالبتهم بإنزال الملائكة ورؤية الله وكل هذه الأمور ممكنةٌ عقلاً وليس شيءٌ منها مستحيلا.
وإنما المستحيل ومن حماقات الكلام هو الكلام النفسي.
فهل كان هؤلاء يطالبون بأن يكلمهم الله كلاماً نفسياً لا يسمعونه؟؟!!
ب- قال جل وعلا: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]
قلتُ: ههنا عجائب وغرائب من حماقات الجهمية التي ارتكبها الماتريدية حول هذه الآية المحكمة الواضحة الصريحة المؤكدة؛ فحرفوها؛
فقالوا: "إن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله!!!.
وإنما سمع صوتاً مخلوقاً دالاً على كلام الله،
وسمى موسى كليم الله؛ لأنه سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة بدون واسطة الملك، كما تقدم في عرض مذهبهم.
وبهذه الحماقات والخزعبلات خرجوا على المنقول والمعقول وإجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة.
بل خرجوا على صريح نص الإمام أبي حنيفة رحمه الله، إمامهم الأعظم، كما سيأتي نص كلامه قريباً.
وكفى به خزياً مبيناً!!، لأن هذا تحريف محض بل تكذيب بحت؛
فأنت ترى أن الله أكد كلامه بالمصدر فانقطع احتمال أيّ تأويل ومجاز. لو قدر وجود المجاز فلا يحتمل إلا الكلام الحقيقي المسموع من المتكلم مباشرة - وهذا مما اعترف الماتريدية به اعترافاً واضحاً فاضحاً (2).
وهذه كلها ألوان شتى لتناقضهم واضطرابهم ومخالفتهم لإمامهم.
وفيما يلي بعض نصوص أئمة اللغة والسنة حول هذه الآية وتحقيق سماع موسى عليه السلام كلام ربه.
1 -
قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (207هـ).
"العرب تسمى ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر، فإذا حقق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام
…
" (3).
قلتُ: لكن الماتريدية تزعم أن موسى عليه السلام سمع ما يدل على الله، لا كلام الله حقيقة فخالفوا اللغة والنقل والعقل جميعاً.
2 -
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب الكوفي (291هـ):
"لولا أن الله تعالى أكد الفعل بالمصدر - لجاز أن يكون كما يقال أحدنا للآخر: "قد كلمت لك فلاناً".
(1)((كتاب التوحيد)) (ص 57)، وهكذا اعترافه بهذه الحقيقة في تفسيره، ((تأويلات أهل السنة)) (1/ 269)، تحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، والسيد عوضين و (1/ 234)، تحقيق الدكتور محمد مستفيض الرحمن، وانظر ((مدارك التنزيل)) (1/ 83)، و ((إرشاد العقل السليم)) (1/ 152).
(2)
انظر: ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 57)، و ((إرشاد العقل السليم)) (2/ 256).
(3)
((معالم التنزيل)) للبغوي (1/ 500)، عن الفراء ولم أجده في معانيه.
بمعنى: كتبت إليه رقعة، أو بعثت إليه رسولاً. فلما قال:"تكليماً" لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله" (1).
قلتُ: تزعم الماتريدية أن كلام الله غير مسموع لأحد.
3 -
وقال أبو إسحاق إبراهيم الزجاج (311هـ):"وأخبر الله عز وجل بتخصيص نبي ممن ذكر فأعلم عز وجل أن موسى كُلّمَ بغير وحي، وأكد ذلك بقوله "تكليماً" فهو كلاما كما يعقل الكلام لا شك في ذلك"(2).
قلتُ: لكن مزعوم الماتريدية من الكلام النفسي غير معقول ولا منقول فلا يقره نقل ولا عقل ولا إجماع ولا لغة ولا عرف.
4 -
وقال أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس (338هـ):
"تكليماً" مصدر مؤكد.
وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً.
وأنه لا يجوز في قول الشاعر:
،، امتلا الحوض وقال قِطِني،،
أن يقول: قال: قولاً. فكذا لما قال: "تكليماً" وجب أن يكون كلاماً على الحقيقة من الكلام الذي يعقل" (3).
قلتُ: مزعوم الماتريدية من الكلام النفسي موضوع مصنوع لا منقول ولا معقول ولا مسموع بل هو أمر نفسي وسواسي خيالي ضلالي.
5 -
وقال القرطبي (671هـ): "تكليماً" مصدر معناه، التأكيد، يدل على بطلان من يقول: خلق لنفسه كلاماً في الشجرة فسمعه موسى،
بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلمُ متكلماً".ثم ذكر كلام النحاس المتقدم آنفاً (4).
قلتُ: أما الجهمية القديمة والحديثة من الماتريدية فيقولون: إن موسى عليه السلام سمع صوتاً مخلوقاً في الشجرة ولم يسمع كلام الله من الله.
وقد كنت في أودية ضلالهم برهة فأخرجني الله تعالى من ظلمات بدعهم إلى نور السنة مع أنه من الصعب الخروج من تشكيكاتهم وشبهاتهم إلا لمن يسره الله.
وقليل ما هم؛ فمثلي مثل ذلك الشاعر الذي نجا من أنياب السبا عوخرج من واديها سالماً ثم أنشد:
مررت على وادي السباع ولا أرى
…
كوادي السباع حين يظلم وادياً
أقل به ركب أتوه تئية
…
وأخوف إلا ما وقى الله سارياً
تنبيه:
هذا أيضاً من الفروق بين الماتريدية وبين الأشعرية:
فكم من كبار الأشعرية رجعوا عن العقيدة الكلامية، أما الماتريدية فلم يرجع منهم إلى العقيدة السلفية إلا نزر قليل.
6 -
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (150هـ):"وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164](5)
7 -
وقال العلامة القاري في شرحه:
"أتى المصدر المؤكد لدفع حمل الكلام على المجاز،
أي "كلمة الله تكليماً محققاً، وأوقع له سماعاً مصدقاً. والمعنى: أن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام رب الأرباب بلا واسطة إلا أنه من وراء الحجاب"(6).قلتُ: أما عامة الماتريدية فقد خرجوا على الإمام أبي حنيفة وهدموا استدلاله فصرحوا بأن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله، وإنما سمع صوتاً مخلوقاً من الشجرة، وقالوا أيضاً: ليس في القرآن: أن موسى سمع كلام الله (7).
،، فأبطلوا استدلال إمامهم الأعظم،، فصاروا الأعق والأظلم،،
وجاء محرف آخر وهو البياضي أحد رؤساء قضاة عساكرهم (1098هـ) فحرف كلام الإمام أبي حنيفة فقال في شرح كلامه:
"
…
(وسمع موسى) صوتاً غير مكتسب للعباد إكراماً له دالاً على ما يصح تعلقه به (كلام الله) لقائم به".
(1)((زاد المسير)) لابن الجوزي (2/ 256) عن ثعلب.
(2)
((معاني القرآن وإعرابه)) (2/ 133).
(3)
((إعراب القرآن)) (1/ 507).
(4)
((الجامع لأحكام القرآن)) (6/ 18).
(5)
((الفقه الأكبر مع شرحه)) للقاري (ص 46).
(6)
((منح الأزهر شرح الأكبر للقاري)) (ص 46).
(7)
انظر ((إشارات المرام)) (ص 81 - 82)، وانظر ما قاله الكوثري في تعليقاته على ((الأسماء والصفات)) (ص 193 - 194).
ثم قال: "الثانية: أن التكليم لا يتوقف على السماع من الله بالذات، وليس في النظم الجليل أنه سمع موسى من الله.
بل أنه تعالى كلمه
…
فإنه أقرب المجازات في المقام، فهو بواسطة الحروف والأصوات المخلوقة في الشجرة في تكليم موسى" (1).وجاء أحمق آخر وهو أبو المنتهى (كان حياً سنة: 939هـ) الذي انتهى بعقله إلى أن قال في شرح كلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله: "بأن قال لموسى في الأزل بلا صوت ولا حرف: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12](2)
قلت: هذه الأساطير عين خزعبلات الجهمية الأولى وورثتها عنهم أفراخهم الماتريدية.8 - 12 - بشهادة أئمة الإسلام: أحمد بن حنبل، والدارمي، والأشعري، والبيهقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني (3).
13 -
وقد ذكر الإمام البيهقي عدة من الآيات التي كلم الله بها موسى عليه السلام ثم قال: "فهذا كلام سمعه موسى عليه السلام بإسماع الحق إياه بلا ترجمان بينه وبينه".
الحاصل:
أن مزاعم الماتريدية عين مزاعم الجهمية الأولى وهي باطلة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ولغة وعرفاً وسمعاً.
وأن الله سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام، ويجب الإيمان بذلك كما هو الأمر في سائر صفاته سبحانه وتعالى بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، وأن كلامه تعالى بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه، وصوته تعالى لا يشبهان كلام خلقه وأصواتهم.
وعلى هذا مضى الأنبياء والمرسلون والصحابة والتابعون والأئمة الفقهاء والمحدثون حتى الإمام أبو حنيفة، وفيه عبرة للماتريدية.
قال ابن القيم الإمام: قال شيخ الإسلام: أول ما ظهر إنكار أن الله تعالى يتكلم بصوت في أثناء المئة الثالثة؛ فإنه لما ظهر مذهب الجهمية وتبين للناس نفاقهم المشتق من أقوال المشركين والصابئين وثَبَّتَ الله خلفاء الرسل وورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -
ظهر ابن كلاب البصري (240هـ) فوافق أهل السنة في إثبات الصفات من ناحية وخالفهم من ناحية فأحدث القول بالكلام النفسي المستلزم لنفي الحرف والصوت.
فأنكر قوله الإمام أحمد وأصحابه كلهم، والبخاري وغيرهم. ورجع الحارث المحاسبي (243هـ) عن قوله الكلابي إلى إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى (4).
المصدر:
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني 3/ 73
إبطالهم شبهات الماتريدية حول كلام الله
الشبهة الأولى:
شبهة "التشبيه":
أصل الدافع للجهمية جميعاً على تعطيل صفة "كلام" الله تعالى - هو أنهم ظنوا أنه لابد في حقيقة الكلام من فم وشفتين ولسان وحنجرة وحلقوم ونحوها من الجوارح والآلات والمخارج.
وسبق إبطال شبهة التشبيه بصورة عامة في فصل مستقل.
أما هذه الشبهة بخصوصها -
فقد أبطلها سلف هذه الأمة وأئمة السنة:
فقد تصدّى لإبطالها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.
وحاصل ما قاله: أنه لا يلزم من حقيقة الكلام وجود تلك الآلات والأعضاء والجوارح والمخارج فالله قادر على أن ينطق بما يشاء كيف يشاء،
(1)((إشارات المرام)) (ص 181 - 182)، وانظر أيضاً:((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص 193 - 194).
(2)
((شرح الفقه الأكبر)) لأبي المنتهى المغينساوي (ص 11).
(3)
راجع ((الرد على الجهمية)) للإمام أحمد (ص 130)، و ((الرد على الجهمية)) للدارمي (ص 155)، تحقيق بدر البدر، و ((الإبانة)) للأشعري (ص 68 - 76)، تحقيق الدكتورة فوقية، و (ص 55)، تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، طبعة دار البيان، و (ص 89)، طبعة الجامعة الإسلامية، و ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص 95 - 96)، و ((فتح الباري)) (13/ 455).
(4)
((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 327 - 329)، الطبعة القديمة، و (ص 450 - 451) الطبعة الجديدة.
فالسماوات والأرض والجبال تنطق بإنطاق الله تعالى إياها، وجوارح الكافر تشهد عليه كما قال الله تعالى: قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: 21]
ثم قال الإمام أحمد: "أتراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان؟
ولكن الله أنطقها كيف شاء. وكذلك الله تكلم كيف شاء من غير أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان" (1).
الشبهة الثانية:
شبهة الحوادث والأعراض:
قالوا: لو أثبتنا الكلام الحقيقي الذي هو بحرف وصوت لزم حلول الحوادث والأعراض بذاته تعالى.
والجواب: أن لفظتي "الحوادث والأعراض" من المصطلحات الكلامية الفلسفية المبتدعة المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً.
وقد سبق أن ذكرنا قاعدة أئمة السنة في مثل هذه الكلمات.
وهي: أنه لا يجوز الحكم على مثلها نفياً أو إثباتاً قبل استبانة مراد قائلها؛ وبعد الاستبانة ينظر فإن كان مراده حقاً قبل وإلا رد عليه مع أن التعبير بالألفاظ المأثورة هو الطريق المتبع.
فنقول في ضوء هذه القاعدة:
أولاً: إن لفظي "الأعراض والحوادث" لفظان مجملان،
فإن أريد بهما ما يعرفه أهل اللغة: من أن الأعراض والحوادث هي الأمراض والآفات - فهذه نقائص وعيوب يجب تنزيه الله سبحانه وتعالى عنها (ولكن لا يلزم من كون الله لم يزل متكلماً ولا يزال متكلماً - حلول الحوادث به).وإن أريد بهما اصطلاح خاص وهو اصطلاح أهل الكلام من المعطلة ليعطلوا بذلك صفات الله تعالى ويحرفوا نصوصها فهذا اصطلاح باطل لا يعرفه أهل اللغة ولا أهل العرف (2) ولا يقره نقل ولا عقل.
ثانياً: نقول لهم إن عطلتم صفة "كلام" الله تعالى بحجة الأعراض والحوادث فلم أثبتم لله تعالى علماً وقدرة وإرادة؟.
وإذاً لا تكون هذه أعراضاً وحوادث -
فلا تكون صفةُ "كلام الله"، تعالى بحرف وصوت عرضاً من الأعراض وحادثة من الحوادث.
ثالثاً: نقول لهم: إن كنتم تريدون بنفي حلول الحوادث والأعراض أن الله تعالى لا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته كما لا يحل هو في مخلوقاته.
فهذا النفي حق وواجب. وإن كنتم تريدون بهذا نفي صفات الله الاختيارية التي تحت مشيئته واختياره، وتقولون: إنه تعالى لا يفعل ما يريد ولا يتكلم بما شاء متى شاء ولا يغضب ولا يرضى، فهذا النفي باطل لأنه عين التعطيل والتحريف (3).
الشبهة الثالثة: بيتُ الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
تقدم أن ذكرنا أن الماتريدية استدلوا ببيت منسوب إلى الكافر النصراني لإثبات "الكلام النفسي" كما سبق في ص 82.
ولأئمة السنة عنه أجوبة: الأول: أنه مكذوب مصنوع مختلق موضوع على العرب، ولا يوجد في ديوان الأخطل ولا غيره (4).
الثاني: أنه لو قدر ثبوته لكان نص البيت:
إن البيان من الفؤاد، وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
فقد قال أبو البيان هكذا رأيته في ديوانه فحرفه بعض النفاة إلى:"إن الكلام لفي .... "(5).
الثالث: أنه لو قدر صحته - فهو أنزل منزلةً من خبر الواحد الصحيح بدركات، قال شيخ الإسلام وغيره:
(1)((الرد على الجهمية)) (ص 130 - 131).
(2)
راجع ((مجموع الفتاوى)) (6/ 90 - 91)، وما بعدها.
(3)
انظر ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز الحنفي (ص 128 - 129).
(4)
((كتاب الإيمان)) (ص 132)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (7/ 138، 6/ 297)، و ((شرح الطحاوية)) (ص 198).
(5)
((الصواعق المرسلة)) (1/ 344 - 345)، عن أبي البيان، و ((شرح الطحاوية)) (ص 198).
ولو احتج محتجٌ في مسألة بحديث أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول - لقالوا: هذا خبر الواحد (1).
أفلا يستحي هؤلاء المتكلمون ينابذون صحيح المنقول وصريح المعقول والفطرة والإجماع واللغة والعرف، ويتشبثون بمثل هذا؟!!
وهذا تناقض واضح واضطراب فاضح وخزي مبين ومنهج ظنين!.
الرابع: أن الأخطل كان مختلَّ العقلِ مضطربَ الكلامِ وكان غالب أوقاته في سكر الخمور ولهذا سمي بالأخطل.
على أن الخطل في اللغة هو الخطأ في الكلام وكان من المولدين فلا يكون مثله حجة على اللغة.
ولذلك أنشد في مثل هؤلاء المتكلمين مُنْشدٌ:
قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه
…
فإذا استدل يقول: قال الأخطل
قلتُ: هذه فاضحة أخرى أشنع عن أختها الأولى!.
الخامس: أن هذا الأخطل الكافر النصراني كان متعصباً لنصرانيته تعصباً لا يخطر بالبال طاعناً في دين الإسلام جهاراً دون إسرارٍ.
وقد حاول ملوك بني أمية إسلامه ولكنهم فشلوا في هذا الخبيث مع أنه كان رهيناً عليهم شاعراً خاصاً لهم مقرباً لديهم.
ومعلوم أن النصارى ضلوا ضلالاً بعيداً في كلام الله تعالى حتى جعلوا كلمة الله تعالى عينَ عيسى عليه السلام، والمسيحَ عينَ كلمةِ الله؛ فكيف يجوز لمسلم أن يحتج في أصل دينه ومعرفة صفات ربه ولاسيما "الكلام" بقول الأخطل الكافر النصراني المتعصب الضال؟! (2).
،، وهذا والله ضلال وإضلال،، وعينُ الداء العضال!!،،
السادس: أنه لو نتغاضى عن جميع ما ذكرنا -
لم نتغاض عن أن نقول: إن الحقائق العقلية كمسمى "الكلام" الذى يتكلم به جميع بني آدم لا يُرجَعُ فيه إلى قول شاعر ولا إلى ألف شاعرٍ فاضلٍ يعول عليه ويحتج بقوله وشعره فضلاً عن نصراني مختطل العقل والكلام متعصب لكفره متصلب في مكره،، فاجر في أمره ماكر في شعره؛ بل يرجع في ذ
(1)((كتاب الإيمان)) (ص 132)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (7/ 138)، و ((شرح الطحاوية)) (ص 198)، وانظر:((حوار أبي البيان في العلو)) للذهبي (ص 193 - 194)، و ((مختصره)) (ص 284 - 285)، وانظر ((مذهب الماتريدية حتى الفنجفيرية في أخبار الآحاد)) (1/ 644).
(2)
((كتاب الإيمان)) (ص 134)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (7/ 139 - 140، 6/ 296 - 297)، و ((شرح الطحاوية)) (ص 198).